الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة

السيد علي الشهرستاني

الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &



روايات أبي محذورة التي ذكر فيها التثويب

الإسناد الأوّل

المدونة الكبرى : واخبرني ابن وهب عن عثمان بن الحكم عن ابن جريج قال حدثني غير واحد من آل أبي محذورة أن ابا محذورة قال : قال لي رسول الله : اذهب فأذن عند المسجد الحرام .

قال قلت : كيف اُوذن يا رسول الله ؟

قال : فعلمني الأذان : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله .

ثم قال أرجع وامدد من صوتك : أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّدا رسول الله ، أشهد أن محمّدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الصلاة خير من النوم في الاول من الصبح الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله (١) .

______________________

(١) المدونة الكبرى :

١٨١
 &

المناقشة

في هذا النَّصِّ مواطن للتعليق عليه .

أوّلاً : قال المديني : بنو أبي محذورة الذين يحدثون عن جدهم كلهم ضعاف ليس بشيء (١) .

ثانياً : كيف يأمر رسول الله شخصا أن يُؤذن في مكان مهم مثل المسجد الحرام قبل أن يعلمه الأذان أو قبل أن يطمئن من أداءه الصحيح .

بل لماذا يختلف هذا الخبر ـ الذي يرويه (غير واحد من آل أبي محذورة) ـ عما رواه عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة ، إذ في هذا الخبر تثنية التكبير وفي خبر ابن محيريز تربيع التكبير .

ثالثاً : انّ المروي في المدونة الكبرى يخالف ما رواه الحافظ العلوي بسنده :

أبو الطيّب علي بن محمّد بن بنان حدّثني أبو القاسم عبد الله بن جعفر بن محمّد النجّار الفقيه حدّثنا العباس بن أحمد بن محمود الرازي ـ وقد كان حاجّاً في سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة ـ ، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الأزدي بمصر ـ يعني الطحاوي الفقيه ـ ، حدثنا يونس بن بكير [ بكر ] ، حدثنا أبو وهب ، حدثني عثمان [ بن الحكم الجذامي عن ابن جريج عن ابن أبي محذورة عن ال أبي محذورة ] عن أبي محذورة وفيه : اذهب فأذن عند المسجد الحرام وقل الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أنْ لا إله إلّا الله ، أشهد أنْ لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ،

______________________

(١) سؤالات ابن أبي شيبة للمديني : ١١٩ .

١٨٢
 &

حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ، اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ، لا إله إلّا الله (١) .

رابعا : إن أخبار الترجيع المتمثلة بقوله : (ثم قال ارجع وامدد من صوتك أشهد ...) (٢) لم ترد إلّا في المروي عن أبي محذورة وسعد القرظ ، وهذا يشككنا في حجيته لأنّهما من متأخّري الصحبة ، متسائلين :

لماذا لم ترد أخبار الترجيع في أخبار عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة الأنصاري ـ الذي أُري الأذان ـ .

وفي أخبار بلال بن رباح ، وابن اُم مكتوم ، مع أنّك كنتَ قد وقفت على تشكيك الإمام الشافعي في المحكي عن أبي محذورة في التثويب ، وهو يشككنا في قبول أصل الرواية .

فلا ندري كيف يشرّعون التثويب مع شكّ إمامهم فيه ، بل كيف يأخذون بالترجيع في الأذان طبقاً لخبر أبي محذورة مع أنّه قد قُرِن بالتثويب الذي شكّ فيه الشافعي ، وأيّ هذين هو المقدّم ، هل التشكيك في مشروعية التثويب أو مشروعية الترجيع ؟

وباعتقادي أنّ ذلك يرجع إلى أمر مهم كانوا هم عليه وهو الزيادة في العبادات وقد صرّحوا بذلك في أبواب كثيرة من الفقه بذلك ، وإنّي في كتابي (وضوء النبي) بأنّهم استعانوا بالرأي لتشريع الوضوء الغسلي ، حيث صرّح الزمخشري بأنّ الغسل هو

______________________

(١) حي على خير العمل ، لمحمد سالم عزان : ١٩ .

(٢) والموجودة في خبر المدونة الكبرى وغيرها .

١٨٣
 &

مسح وزيادة والزيادة في العبادات هو مبدأ فقهي لهم قد ابتنى على الرأي وليس له أصل شرعيّ .

إذ قال ابن عابدين الحنفي في حاشيته (ردّ المحتار على الدر المختار) وحين تعليقته على قوله :

« وفعله أولى » في الأذان : لأنّه اختلفت الروايات في قضائه صلى‌الله‌عليه‌وآله ما فاته يوم الخندق ، ففي بعضها أنّه أمر بلالاً فأذّن وأقام للكل ، وفي بعضها أنّه اقتصر على الإقامة فيما بعد الأولى ، فالأخذ بالزيادات أولى خصوصاً في باب العبادات وتمامه في الإمداد (١) .

وفي سنن البيهقي بعد أن ذكر إسناد خبر سعد القرظ وأنّه قال بأنّ هذا الأذان الذي يؤذّن به [ والذي كان فيه الترجيع ] هو أذان بلال ، فقال البيهقي :

كذا في الكتاب وغيره يرويه عن الحميدي ، فيذكر التكبير في صدر الأذان مرّتين ثمّ يرويه الحميدي في حديث أبي محذورة أربعاً ونأخذ به لأنّه زائد (٢) .

خامساً : إن قوله (في الأول من الصبح) قد يراد منه الأذان الشرعي الذي يعقبه الإقامة ، وقد يراد منه الأذان الأول في الليل ، أي الأذان للصبح لا أذان الصبح ، ويؤيد القول الأخير ما قالوه عن أذان بلال ، وأنّه كان يؤذّن بليل .

كما يرجّحه ما جاء في كتاب المدونة : قال ابن القاسم وقال مالك : لا ينادي بشيء من الصلوات قبل وقتها إلا الصبح ، وقد قال رسول الله ان بلالاً ينادي بليل

______________________

(١) ردّ المحتار على الدر المختار ١ : ٢٦٢ .

(٢) السنن الكبرى للبيهقي ١ : ٣٩٤ .

١٨٤
 &

فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن اُم مكتوم وقال : وكان ابن اُم مكتوم رجلاً اعمى لا ينادي حتى يقال له اصبحت اصحبت ، قال : ولم يبلغنا ان صلاة أذن لها قبل وقتها إلّا الصبح ولا ينادي لغيرها قبل دخول وقتها لا الجمعة ولا غيرها (١) .

وقفة مع أخبار الترجيع

بما أنّ الخبر الآنف يتضمّن الترجيع فلا بدّ من وقفة قصيرة معه في كتب فقهاء الجمهور ، ثمّ نواصل البحث في الأسانيد المتبقّية بعد ذلك إن شاء الله تعالى .

الترجيع هو أن يخفض صوته بالشهادتين ثمّ يرجع فيرفعه بهما ، فقد اختلفت المذاهب الأربعة في مشروعيّته .

فذهبت الشافعية والمالكية إلى مشروعيته ، استناداً لخبر أبي محذورة .

لكنّ الحنفية والحنابلة أنكروا ذلك لعدم وجوده في خبر عبد الله بن زيد وما روي من أذان بلال وابن أُمّ مكتوم ، وحتّى ما رووه عن أبي محذورة فهو على فرض صحّته قد كان في ابتداء إسلامه وعدم إتمام إيمانه ، وأنّ عمل أبي محذورة لا يساوي تعليم رسول الله لبلال وما حكاه عبد الله بن زيد ، وبلال آكد ملازمة لرسول الله من أبي محذورة .

وإليك الآن أدلّة الطرفين لتقف على حقيقة الحال وأنّه يفيدنا في بحث التثويب أيضاً :

قال النووي في المجموع :

______________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٦٠ .

١٨٥
 &

قال الشافعي رحمه الله : أدركت إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة يؤذّن كما حكى ابن محيريز يعني بالترجيع قال : وسمعته يحدّث عن أبيه عن ابن محيريز ، وقال الشافعي في القديم الرواية في الأذان تكلّف لأنّه خمس مرات في اليوم والليلة في المسجدين يعني مسجدي مكّة والمدينة على رؤوس المهاجرين والأنصار ومؤذّنوا مكّة آل أبي محذورة ، وقد أذّن أبو محذورة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلمه الأذان ثمّ ولده بمكّة وأذن آل سعد القرظ منذ زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر رضي الله عنه كلّهم يحكي الأذان والإقامة والتثويب ووقت الفجر كما ذكرنا ، فإن أجاز أن يكون هذا غلطاً من جماعتهم والناس بحضرتهم ويأتينا من طرف الأرض من يعلمنا ذلك جاز له أن يسألنا عن عرفة ومنى ثمّ يخالفنا ولو خالفنا في المواقيت لكان أجوز له من مخالفتنا في هذا الأمر الظاهر المعمول به ، وروى البيهقي عن مالك قال : أذّن سعد القرظ في هذا المسجد في زمن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متوافرون فلم ينكره أحد منهم وكان سعد وبنوه يؤذّنون بأذانه إلى اليوم فقيل له : كيف أذانهم ، فقال : يقول : اللهُ أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر فذكره بالترجيع قال والإقامة مرّة مرّة قال أبو عبد الله محمّد بن نصر فأرى فقهاء أصحاب الحديث قد أجمعوا على أفراد الإقامة واختفوا في الأذان في الأذان يعني إثبات الترجيع وحذفه والله أعلم (١) .

هذا ما قاله النووي وقد كان لخّص أدلة الشافعية على الترجيع قبل ذلك في أربع نقاط ، إذ قال : واحتجّ أصحابنا بحديث أبي محذورة قالوا : هو مقدّم على حديث عبد الله بن زيد لأوجه :

______________________

(١) المجموع ٣ : ٩٦ ـ ٩٧ .

١٨٦
 &

أحدها : أنّه متأخّر .

والثاني : أنّ فيه زيادة وزيادة الثقة مقبولة .

والثالث : أنّ النبيّ لقّنه إيّاه .

والرابع : عمل أهل الحرمين بالترجيع ، والله أعلم (١) .

قلتُ :

يمكننا أن نردّ جميع تلك الوجوه :

أمّا الأوّل فقد أجاب عنه الإمام أحمد حسبما حكاه الأثرم عنه والذي سيأتي بعد قليل .

وأمّا الثاني فزيادة الثقة مقبولة لكن بعد الفراغ من كون الرواية صحيحة وثابتة الصدور عن النبي ، وقد أثبتنا ضعف تلك الرواية سنداً .

وأمّا الثالث فلم يثبت تلقين رسول الله لأبي محذورة ، وعلى فرض صحّته فإنّه قال له على وجه الخصوص وليس لجميع المسلمين ، وهذا هو من أدلّة الأحناف .

وأمّا الرابع فلا حجّة لعمل أهل الحرمين على جميع المسلمين ، وذلك لتركهم كثيراً من الأحكام الشرعية اجتهاداً من عند أنفسهم ، وابن حزم أكّد في كتابه على هذا كثيراً ، فراجع .

وممّا قاله النووي أيضاً بعد ذلك :

وقد اتفقنا نحن وأصحاب أبي حنيفة على أنّ حديث أبي محذورة هذا لا يعمل بظاهره لأنّ فيه ترجيعاً وتثنية الإقامة وهم لا يقولون بالترجيع ونحن لا نقول بتثنيه

______________________

(١) المجموع ٣ : ٩٣ ـ

١٨٧
 &

الإقامة ، فلا بدّ لنا ولهم من تأويله ، فكان الأخذ بالإفراد أولى لأنّه الموافق لباقي الروايات والأحاديث الصحيحة كحديث أنس وغيره ممّا سبق في الإفراد (١) .

قلتُ :

كيف يأخذ النووي جانباً من الخبر ويترك الجانب الآخر منه ، فلو كان الخبر صحيحاً وجب عليه الأخذ بجميعه ، وإن كان ضعيفاً فعليه ترك جميعه ، كما فعله الأحناف ولا ترجيح لأحدهما على الآخر .

وعلّل صاحب (عون المعبود) الترجيع بعلل ، فقال :

قال بعضهم : كان ما رواه أبو محذورة تعليماً فظنّ ترجيعاً وقال الطحاوي في (شرح الآثار) : يحتمل أنّ الترجيع إنّما كان لأنّ أبا محذورة لم يمدّ بذلك صوته كما أراده النبيّ ، فقال عليه‌السلام : إرجع فامدد صوتك (٢) ، انتهى .

وقال ابن الجوزي في (التحقيق) : أنّ أبا محذورة كان كافراً قبل أن يسلم فلمّا أسلم ولقّنه النبيّ أعاد عليه الشهادة أكررها ليثبت عنده ويحفظها ويكررها على أصحابه المشركين ، فإنّهم كانوا ينفرون منها خلاف نفورهم من غيرها ، فلمّا كررها عليه ظنّها من الأذان ، فعدّه تسع عشرة كلمة ، انتهى (٣) .

كان هذا هو خلاصة أدلّة الشوافع والمالكية ، وللإمام مالك سند إلى خبر أبي محذورة مذكور في (المدوّنة الكبرى) :

______________________

(١) المجموع ٣ : ٩٥ .

(٢) وهذا يتّفق مع ما ذكره السرخسي في المبسوط ١ : ١٢٨ .

(٣) عون المعبود ٢ : ١٣٤ ـ ١٣٧ .

١٨٨
 &

أخبرني ابن وهب عن عثمان بن الحكم بن جرير ، قال : حدّثني غير واحد من آل أبي محذورة ، أنّ أبا محذورة قال : قال لي رسول الله : إذهب فأذّن عند المسجد الحرام ، قال : قلت : كيف أؤذّن ؟ قال : فعلّمني الأذان اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ... ثمّ ارجع وامدد من صوتك أشهد أن لا إله إلّا الله ... إلى أن يقول : الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح اللهُ أكبر الله أكبر لا إله إلّا الله (١) .

وفيه أيضاً : قال ابن وهب : قال ابن جريج : قال عطاء ، ما علمت تأذين من مضى يخالف تأذينهم اليوم ، وما علمت تأذين أبي محذورة يخالف تأذينهم اليوم ، وكان أبو محذورة يؤذّن على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أدركه عطاء وهو يؤذّن (٢) .

أمّا الحنفية والحنابلة فقد أجابوا ما استدلّت به المالكية والشافعية ، ففي « ردّ المحتار على الدرر المختار » لابن عابدين :

الترجيع أن يخفض صوته بالشهادتين ، ثمّ يرجع فيرفعه بهما ، لاتّفاق الروايات على أنّ بلالاً لم يكن يرجع ، وما قيل أنّه رجع لم يصح ، ولأنّه ليس في أذان الملك النازل بجميع طرقه ، ولما في أبي داود عن ابن عمر قال : إنّما كان الأذان على عهد رسول الله مرّتين مرّتين والإقامة مرّة مرّة ، الحديث . ورواه ابن خزيمة وابن حبّان ، قال ابن الجوزي : وإسناده صحيح ، وما روي من الترجيع في أذان أبي محذورة يعارضه ما رواه الطبراني عنه أنّه قال : ألقى عليَّ رسول الله الأذان حرفاً حرفاً اللهُ أكبر الله أكبر ... إلى آخره ، ولم يذكر ترجيعاً وبقى ما قدّمناه بلا معارض وتمامه في الفتح (٣) .

______________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٥٧ .

(٢) المدونة الكبرى ١ : ٥٨ .

(٣) رد المحتار على الدر المختار ١ : ٢٥٩ .

١٨٩
 &

وفي (عمدة القاري) : وحجّة أصحابنا حديث عبد الله بن زيد من غير ترجيع فيه ، وكأنّ حديث أبي محذورة لأجل التعليم ، فكرّره فظنّ أبو محذورة أنّه الترجيع وأنّه في أصل الأذان ، وروى الطبراني في معجمه الأوسط عن أبي محذورة أنّه قال : ألقى عليَّ رسول الله الأذان حرفاً حرفاً : اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ... إلى آخره ولم يذكر فيه ترجيعاً ، وأذان بلال بحضرة رسول الله سفراً وحضراً وهو مؤذّن رسول الله بإطباق أهل الإسلام إلى أن توفّي رسول الله ومؤذّن أبي بكر إلى أن توفّي من غير ترجيع (١) .

وفي (المغني) : « مسألة : قال أبو القاسم ويذهب أبو عبد الله رحمه الله إلى أذان بلال رضي الله عنه وهو : اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ، لا إله إلّا الله .

وجملة ذلك أنّ اختيار أحمد رحمه الله من الأذان أذان بلال رضي الله عنه ، وهو كما وصف الخرقي ، وجاء في خبر عبد الله بن زيد وهو خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيه ، وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي .

وقال مالك والشافعي ومن تبعهما من أهل الحجاز الأذان المسنون أذان أبي محذورة وهو مثل ما وصفنا إلّا أنّه يسنّ الترجيع وهو أن يذكر الشهادتين مرّتين مرّتين يخفض

______________________

(١) عمدة القاري ٥ : ١٠٨ .

١٩٠
 &

بذلك صوته ثمّ يعيدهما رافعاً بهما صوته إلّا أنّ مالكاً قال التكبير في أوّله مرّتان حسب فيكون الأذان عنده سبع عشرة كلمة وعند الشافعي تسع عشرة كلمة » .

إلى أن يقول : ... ولنا حديث عبد الله بن زيد والأخذ به أولى ، لأنّ بلالاً كان يؤذّن به مع رسول الله دائماً سفراً وحضراً ، وأقرّه النبيّ على أذانه بعد أذان أبي محذورة .

قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله [ يعني أحمد بن حنبل ] يسأل : إلى أيّ الأذان يذهب ؟ قال : إلى أذان بلال ... قيل لأبي عبد الله : أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد لأنّ حديث أبي محذورة بعد فتح مكّة ؟

قال : أليس قد رجع النبيّ إلى المدينة فأقرّ بلالاً على أذان عبد الله بن زيد ؟

وهذا من الاختلاف المباح ، فإن رجع فلا بأس نصّ عليه أحمد ، وكذلك قال إسحاق ، فإنّ الأمرين كلاهما قد صحّ عن النبي ، ويحتمل أنّ النبي إنّما أمر أبو محذورة بذكر الشهادتين سرّاً ليحصل له الإخلاص بهما ، فإنّ الإخلاص في الإسرار بهما أبلغ من قولهما إعلاناً للإعلام . وحضّ أبا محذورة بذلك لأنّه لم يكن مقرّاً بهما حينئذٍ ، فإنّ في الخبر أنّه كان مستهزئاً يحكي أذان مؤذّن النبيّ ، فسمع النبيّ صوته فدعاه ، فأمره بالأذان ، قال : ولا شيء عندي أبغض من النبي ولا ممّا يأمرني به فقصد النبيّ نطقه بالشهادتين سرّاً ليسلم بذلك ولا يوجد هذا في غيره ، ودليل هذا الاحتمال كون النبي لم يأمر بلالاً ولا غيره ممّن كان مسلماً ثابت الإسلام ، والله أعلم .

وبهذا فقد وقفنا على ما قاله أئمّة المذاهب الأربعة وعلمائهم ولهم الحق في أن يختلفوا فيه لاختلاف النصوص عن أبي محذورة ، ففي بعضها ترى النبيّ يلقي عليه الأذان هو بنفسه ويأمره بأن يمدّ صوته بعد أن أتى بالشهادتين تارةً أخرى (١) .

______________________

(١) مصابيح السنّة ١ : ٢٦٨ .

١٩١
 &

وفي أخرى يعلّمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة ، وليس فيها الترجيع (١) .

الإسناد الثاني

مسند أحمد : حدثنا عبد الله حدثني أبي ، ثنا عبد الرزاق ، أخبرني ابن جريج ، حدثني عثمان بن السائب مولاهم ، عن أبيه السائب مولى أبي محذورة وعن اُم عبد الملك بن أبي محذورة أنّهما سمعاه من أبي محذورة ، قال أبو محذورة : خرجت في عشرة فتيان مع النبي وهو أبغض الناس إلينا ، فأذنوا ، فقمنا نؤذن نستهزى بهم ... وقال : قل الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ... وإذا أذنت بالاول من الصبح ، فقل : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ، وإذا اقمت فقلها مرتين قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة (٢) .

المناقشة

يوقفنا هذا النَّصّ على نقطتين .

الأولى : وجود عثمان بن السائب مولى أبي محذورة فيه وهو غير معروف كما قال ابن القطّان (٣) .

______________________

(١) مصابيح السنّة ١ : ٢٦٩ .

(٢) مسند أحمد ٣ : ٤٠٨ / ح ١٥٤١٣ ، وهو موجود في مصنف عبد الرزاق ١ : ٤٥٧ / ح ١٧٧٩ ، المعجم الكبير ٧ : ١٧٣ / ح ٦٧٣٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٢١ / ح ٥٠١ ، صحيح ابن خزيمة ١ : ٢٠٠ .

(٣) تهذيب الكمال ١٩ : ٣٧٤ ، تهذيب التهذيب ٧ : ١٠٨ ، لسان الميزان ٤ : ١٤٢ ، ميزان الاعتدال ٨ : ١٥٧ .

١٩٢
 &

وقال المارديني في الجوهر النقي : قلت : عثمان وابوه واُم عبد الملك مجهول حالهم (١) .

وقال الزيلعي في نصب الراية : ... قال في الإمام وبهذا الإسناد رواه ابن خزيمة في صحاح وهو معلول بجهالة حال ابن سائب وأبيه واُم عبد الملك (٢) .

الثانية : إن في هذا الخبر ـ تربيع التكبير ـ بخلاف ما ورد في المدونة الكبرى والذي فيه (الله أكبر ، الله أكبر) ، وأنّ الأذان كان بالاول من الصبح ، والذي بيّنا معناه وسنبيّنه لاحقاً أكثر وأنّه لو كان ، لكان في الأذان للصبح لا في أذان الصبح .

الإسناد الثالث

سنن أبي داود : حدثنا مسدد ، ثنا الحارث بن عبيد ، عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه ، عن جده ، قال قلت : يا رسول الله علمني سنة الأذان ، قال : فمسح مقدم رأسي وقال تقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، ترفع بها صوتك ثم تقول : أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّدا رسول الله ، أشهد أن محمّدا رسول الله ، تخفض صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة : أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّدا رسول الله ، أشهد أن محمّدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، فإن كان في صلاة الصبح ، قلت : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله (٣) .

______________________

(١) الجوهر النقي ١ : ٣٩٢ .

(٢) نصب الراية ١ : ٣٦٣ .

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٢١ / ح ٥٠٠ ، صحيح ابن حبان ٤ : ٥٧٨ / ح ١٦٨٢ ، موارد الظمآن الى زوائد ابن حبان ١ : ٩٥ / ح ٢٨٩ ، المعجم الكبير للطبراني ٧ : ١٧٤ / ح ٦٧٣٥ ، سنن البيهقي الصغرى ١ : ٢٠٤ / ح ٢٨٦ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ : ٤٢١ / ح ١٨٣١ .

١٩٣
 &

المناقشة

في هذا الإسناد محمد بن عبد الملك ، وقد ترجم له ابن حجر في تهذيب التهذيب فقال : محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة الجمحي المكي المؤذن ، روى عن أبيه عن جده في الأذان ، وعنه الثوري وأبو قدامة الحارث بن عبيد ، ذكره ابن حبان في الثقات .

قلت : وقال عبد الحق لا يحتج بهذا الاسناد ، وقال ابن القطان : مجهول الحال لا نعلم روى عنه إلّا الحارث (١) .

وفي (ميزان الاعتدال) : محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة في الأذان ليس بحجة يكتب حديثه اعتبارا (٢) .

وفي (سؤالات ابن أبي شيبة) للمديني : وسمعت عليا يقول بنو أبي محذورة الذين يحدثون عن جدهم كلهم ضعيف ، ليس بشيء (٣) .

وفي (الجوهر النقي) : قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة سمعت علي بن المديني يقول : بنو محذورة الذين يحدثون كلهم ضعيف ، ليس بشيء ولهذا قال عبد الحق لا يحتج بهذا الإسناد (٤) .

وفي (المغني في الضعفاء) : محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة في الأذان عن أبيه فيه لين (٥) .

______________________

(١) تهذيب التهذيب ٩ : ٢٨٢ ت ٥٢٥ .

(٢) ميزان الاعتدال ٦ : ٢٤١ ت ٧٨٩٤ .

(٣) سؤالات ابن أبي شيبة : ١١٩ .

(٤) الجوهر النقي للمارديني ١ : ٣٩٣ .

(٥) المغني في الضعفاء ٢ : ٦١٠ ت ٥٧٨٢ .

١٩٤
 &

كما في السند أيضاً الحارث بن عبيد ، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه : مضطرب الحديث .

وقال أبو طالب أحمد بن حميد سالت أحمد بن حنبل عنه فقال : لا أعرفه ، قلت : يروي عن هود بن شهاب قال : لا أعرفه (١) ... قال أبو حاتم ليس بالقوي يكتب حديثه ولا يحتج به (٢) .

وقال ابن حبان : كان ممن كثر وهمه حتى خرج عن جملة من يحتج بهم إذا انفردوا (٣) .

وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم سألت يحيى بن معين عن الحارث بن عبيد الأيادي فقال : ليس بشيء ولا يكتب حديثه (٤) .

الإسناد الرابع

سنن أبي داود : حدثنا النفيلي ، ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة ، قال سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يذكر أنّه سمع أبا محذورة يقول : ألقى عليّ رسول الله الأذان حرفا حرفا ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّداً

______________________

(١) تهذيب الكمال ٥ : ٢٥٨ ت ١٠٢٩ .

(٢) الجرح والتعديل ٣ : ٨١ / ت ٣٨١ .

(٣) تهذيب التهذيب ٢ : ١٢٠ .

(٤) الكامل في ضعفاء الرجال ٢ : ١٨٨ ت ٣٧٢ .

١٩٥
 &

رسول الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، قال وكان يقول في الفجر الصلاة خير من النوم (١) .

المناقشة

وفي هذا الإسناد إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة الذي قال فيه ابن حجر في تقريب التهذيب : إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة مجهول ، وضعفه الأزدي من السابعة (٢) .

وقال في لسان الميزان : إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة روى عن جده وعنه أبو جعفر النفيلي ، قلت ضعفه الأزدي (٣) .

وقال في لسان الميزان : إبراهيم بن أبي محذورة ، قال الأزدي : هو وأخوته يضعفون ... هكذا أورده المؤلف ويحتمل أن يكون إبراهيم بن عبد الملك بن أبي محذورة (٤) .

الإسناد الخامس

البيهقي : أخبرنا أبو سعيد يحيى بن محمد بن يحيى الأسفرايني ، أخبرنا أبو بحر البربهاري ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا الحميدي ، حدثنا أبو إسماعيل إبراهيم ابن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة ، قال سمعت جرير بن عبد الله بن أبي

______________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٣٧ / ح ٥٠٤ ، الكنى والأسماء لمسلم بن الحجاج القشيري ١ : ١٥٦ / ح ٣١٠ ، معرفة السنن والأثار للبيهقي ١ : ٤٢٠ / ح ٥٥٢ .

(٢) تقريب التهذيب ١ : ٥٢ ت ١٤٧ .

(٣) تهذيب التهذيب ١ : ٩١ ت ١٨٢ .

(٤) لسان الميزان ١ : ١٢٧ ت ٣٨٣ .

١٩٦
 &

محذورة يحدث عن أبيه أبي محذورة أنّ النبي ألقى هذا الأذان عليه الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّدا رسول الله ، أشهد أن محمّدا رسول الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّدا رسول الله ، أشهد أن محمّدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله .

وفي رواية محمد بن عبد الملك عن أبيه عن جده قال : قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان قال : فمسح مقدم رأسه قال تقول فذكر ، وقال : فإن كان صلاة الصبح قلت : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إلا إلّا الله .

المناقشة

في هذا الإسناد أبو بحر البربهاري الذي سئل الدارقطني عنه فقال : كان له أصل صحيح وسماع صحيح واصل ردي محدث بذا وبذاك فافسده ، وسمعت ابا الفتح محمد بن أبي الفوارس يقول : أبو بحر بن كوثر شيخ فيه نظر .

وقال ابن السرخسي : ساريكم أن هذا الشيخ كذاب فقال لابي بحر : أيها الشيخ فلان بن فلان بن فلان كان ينزل في الموضع الفلاني هل سمعت منه ، فقال أبو بحر : نعم قد سمعت منه . فقال أبو بكر البرقاني : وكان ابن السرخسي قد اختلق ما ساله عنه ولم يكن للمسألة أصل .

وقال محمد بن أبي الفوارس : مولد أبي بحر في سنة ست وستين ومائتين ، وكان مخلطاً ، وله أصول جياد وله أشياء ردية ... (١)

______________________

(١) تاريخ بغداد ٢ : ٢٠٩ ت ٦٤٢ .

١٩٧
 &

كما فيه أبو إسماعيل إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة ، فقد قال ابن حجر في ترجمته : نقل عن بن معين تضعيفه ، وذكره ابن حبان في ثقاته وقال يخطئ ، وقال الأزدي : إبراهيم بن أبي محذورة واخوته يضعفون (١) .

وقال الذهبي في ترجمته : قال ابن حبان في الثقات يخطى وحكى صاحب الحافل عن الأزدي أنّه قال إبراهيم بن أبي محذورة واخوته يضعفون فلا أدري أراد إبراهيم هذا أم غيره . (٢)

وقال ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين : إبراهيم بن أبي محذورة قال أبو الفتح الأزدي هو وأخوته يضعفون (٣) .

أمّا جرير بن عبد الله بن أبي محذورة فلم أجد من ذكره ، وليس له سواء هذه الرواية رواية أخرى حسب علمي .

أمّا أبوه : عبد الله بن أبي محذورة فلم أجد من ذكره ، وليس له سوى رواية أوردها الهيثمي في (موارد الظمآن) وليس فيها « الصلاة خير من النوم » .

كما أنّها تخالف الرواية الآنفة ، لأنّ النبي علّم أبا محذورة الأذان تسع عشرة كلمة فلا يمكن تصور ورود التثويب مع الترجيع ، لأنّه لو ورد معها لصار ٢١ كلمة ، وإليك ما رواه الهيثمي :

أخبرنا الحسن بن سفيان ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عفان ،

______________________

(١) تهذيب التهذيب ١ : ١٢٣ ت ٢٥٢ .

(٢) ميزان الأعتدال ٨ : ١٩ / ت ٣١ ، وأنظر : ميزان الأعتدال ١ : ٢٠٦ ت ٢٦٠ ـ ٢٨٠ ـ ٢٨٩ أيضا .

(٣) الضعفاء والمتروكين ١ : ٦٢ / ت ١٤٣ .

١٩٨
 &

حدثنا همام عن عامر الأحول أن مكحول حدثه أن عبد الله بن أبي محذورة حدثه أن أبا محذورة حدثه قال : علمني رسول الله الأذان تسعة عشرة كلمة والإقامة سبع عشر كلمة قلت : فذكر الأذان كما في مسلم [ وليس فيه الصلاة خير من النوم ] ... (١)

الإسناد السادس

شرح مشكل الآثار : حدثنا إبراهيم بن داود ، حدثنا قيس بن حفص الدارمي ، حدثنا معتمر بن سليمان ، حدثني أبو الجراح المهري عن النعمان بن راشد عن عبد الملك بن أبي محذورة عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة ، قال :

لما افتتح رسول الله مكة وأراد أن يسير إلى حنين نزل البطحاء ، قال : فجئنا فأذنا ، قال : فبعث رسول الله الخيل فاحاطت بنا فذهب بنا إلى النبي قال : أذنوا ، فأذنت فسمعت للحبل من صوتي صلصلة ، فقال لي رسول الله : إن الله قد أراد بك خيراً فكن مع عتاب بن اسيد فأذن له ، فإذا بلغت في الأذان حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قل الصلاة خير من النوم ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إلا إلّا الله .

وهذا الحديث من أحسن ما يروى في هذا الباب ، وأبو الجراح الذي رواه اسم النعمان ابن أبي شيبة (٢) .

______________________

(١) موارد الظمآن ١ : ٩٥ ت ٢٨٨ .

(٢) شرح مشكل الآثار ١٥ : ٣٦٢ ح ٦٠٧٩ .

١٩٩
 &

المناقشة

في هذا النَّصّ مواطن للتعليق عليه :

أوّلاً : أن المروي هنا يختلف عن ما جاء في الروايات الاُخرى عن أبي محذورة وأنّه خرج في عشر أنفار من شباب قريش يستهزون بالنبي وبالأذان الذي به المسلمون ، وأن النبي أرسل إليهم وسألهم عمن أذن استهزاءً بالمسلمين ، فقالوا : أبو محذورة .

وأبو محذورة أذن بأمر النبي بمكّة وهو كاره لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولأجله خصّ العلماء خبر الترجيع به ، وقالا بأنّ الشهادتين الاوليين كانتا لاسلامه ، أما الاخيرتان فكانت هي الأذان الشرعي .

فما قالوه لا يتّفق مع ما حكوه عن رسول الله من قوله (فقال لي رسول الله : ان الله قد أراد بك خيرا فكن مع عتاب بن أسيد) .

ثانياً : في الخبر قيس بن حفص الدارمي الذي ذكره ابن حبان في الثقات ـ مع تساهله ـ وقال عنه : يغرب (١) .

كما فيه المعتمر بن سليمان الذي قال عنه يحيى بن سعيد القطان : إذا حدثكم المعتمر بشيء فاعرضوه فإنه سيئ الحفظ (٢) .

وقال ابن خراش عنه : صدوق يخطى من حفظه وإذا حدث من كتابه فهو ثقة (٣) .

______________________

(١) الثقات ٩ : ١٥ ت ١٤٩٢٧ وفيه روى عنه أهل البصرة ، يغرب .

(٢) تهذيب التهذيب ١٠ : ٢٠٤ ت ٤١٧ ، التعديل والتجريح ٢ : ٧٦٣ ت ٧١٤ .

(٣) ميزان الأعتدال ٦ : ٤٦٥ ت ٨٦٥٤ ، ٤٨٨٩ .

٢٠٠