الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة

السيد علي الشهرستاني

الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

قال الشيخ : وهذه اللفظة لم تثبت عن النبي فيما علَّم بلالاً وأبا محذورة ، ونحن نكره الزيادة فيه ، وبالله التوفيق (١) .

المناقشة

إنّ خبر الطبراني قد تكلّمنا في إسناده أمّا خبر البيهقي ففيه عبد الله بن محمد بن عمار الذي ضعفه ابن معين (٢) ، وفي آخر ، سئل ابن معين عن هؤلاء الثلاثة ـ عبد الله بن محمد بن عمار وعمار وعمر ابني حفص بن عمر بن سعد القرظ عن آبائهم عن اجدادهم ـ : « قلت لابن معين : فعبد الله بن محمد بن عمار بن سعد وعمار وعمر ابنا حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم كيف حال هؤلاء ؟

فقال : ليسوا بشيء » (٣) .

وقد استند الزيلعي (٤) والمارديني (٥) والعظيم ابادي (٦) وغيرهم على تضعيف ابن معين له بقوله فيه : ليس بشيء .

______________________

(١) السنن الكبرى ١ : ٤٢٥ / ح ١٨٤٥ . وانظر : كنز العمال ٨ : ١٦٢ / ح ٢٣١٨٨ .

(٢) انظر : لسان الميزان ٣ : ٣٣٧ / ت ١٣٨٦ ، المغني في الضعفاء للذهبي ١ : ٣٥٤ / ت ٣٣٣٩ و ٢ : ٤٥٨ / ت ٤٣٧٣ .

(٣) تاريخ ابن معين للدارمي : ١٦٩ / ت ٦٠٦ ، وانظر : الضعفاء للعقيلي ٢ : ٣٠٠ / ت ٣٧٥ ، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ٢ : ١٤٠ ، ٢٠١ / ت ٢١١٣ ، و ٢٤١٣ ، الجرح والتعديل للرازي ٥ : ١٥٧ / ت ٧٢٥ ، ميزان الاعتدال ٤ : ١٨٢ / ت ٤٥٥٥ .

(٤) نصب الراية ١ : ٢٦٤ ، ٢ : ٢١٨ .

(٥) الجوهر النقي ١ : ٣٩٤ ، ٣ : ٢٨٧ .

(٦) عون المعبود ٤ : ٩ .

١٦١
 &

وفيه أيضاً عبد الرحمن بن سعد بن عمار ، فقد روى ابن ابي خيثمة عن يحيى بن معين انه ضعيف (١) .

وقال البخاري في ترجمة عمارة بن حفص بن عمر بن سعد أنه سمع من عبد الرحمن بن سعد : وأما عبد الرحمن فلم يصح حديثه (٢) .

وعلق ابن عدي في الكامل على الرواية التي رواها عبد الرحمن في أذان الفجر بقوله : وعبد الرحمن بن سعد هذا لا أعرف له من الحديث غير ما ذكرت ، وإذا كان له شيء آخر فإنما يسقط اليسير مما لم أذكره (٣) .

وقال ابن حجر : ضعيف من السابعة (٤) .

وفي زوائد سنن ابن ماجة للشهاب البوصيري (٥) ، قال : في إسناده عبد الرحمن بن سعد أجمعوا على ضعفه ، وأما أبوه فقال ابن القطان : لا يعرف حاله ولا حال أبيه (٦) .

وفي مكان آخر : وإسناد المصنف ضعيف لضعف أولاد سعد . وفي ثالث : إسناده ضعيف لضعف أولاد سعد وأبيه عبد الرحمن (٧) .

______________________

(١) تهذيب الكمال ١٧ : ١٣٢ / ت ٣٨٢٨ ، الجرح والتعديل للرازي ٥ : ٢٣٧ / ت ١١٢٣ .

(٢) التاريخ الكبير ٦ : ٥٠٤ / ت ٣١٢٣ ، وفي تهذيب التهذيب ٦ : ١٦٦ / ت ٣٧٠ ، والتحفة اللطيفة ٢ : ١٢٩ / ت ٢٤٣٤ : قال البخاري : فيه نظر .

(٣) الكامل لابن عدي ٤ : ٣١٣ / ت ١١٤٣ .

(٤) تقريب التهذيب ١ : ٣٤١ / ت ٣٨٧٣ .

(٥) أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم المحدث شهاب الدين ، وُلد سنة ٧٦٢ هـ وتوفي سنة ٨٤٠ هـ له مصنفات منها : زوائد سنن ابن ماجة ، زوائد سنن البيهقي ، زوائد المسانيد العشرة على الكتب الستة .

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٣٥٠ وانظر ١ : ٤٠٧ ، ٤١١ ، ٤١٢ كذلك .

(٧) انظر ذيل الأحاديث في سنن ابن ماجة ١ : ٣٥٠ / ح ١١٠٤ ، و ٢٣٦ / ح ٧١٠ ، و ٢٤١ / ح ٧٣١ ، و ٣٥٢ / ح ١١٠٧ .

١٦٢
 &

وقال المارديني : ان عبد الرحمن بن سعد بن عمار منكر الحديث ، وفي الكمال سئل ابن معين فقال : ضعيف (١) وقال في مكان آخر : عبد الرحمن هذا ضعّفه ابن ابي حاتم وقال ابن القطان : هو وابوه وجده مجهولوا الحال ، وقال صاحب الميزان عبد الله بن محمد بن عمار ضعفه ابن معين (٢) .

وقال في ثالث : قلت عبد الرحمن هذا ومشايخه الثلاثة ضعفه ابن معين (٣) .

مع التنبيه على أنّ هؤلاء الثلاثة قد رووا أيضاً عن جدهم سعد القرظ أذان بلال وليس فيه « الصلاة خير من النوم » فما يعني ذلك ، وبأيهما يجب الأخذ ؟

وإليك تلك الروايات التي ليس فيها التثويب لتعرف حقيقة ما نقول :

المعرفة والتاريخ : حدثنا ابو بكر الحميدي حدثنا عبد الرحمن بن سعد ابن عمار بن سعد بن عائذ القرظ قال حدثني عبد الله بن محمد بن عمار وعمار وعمر ابنا حفص بن عمر بن سعد عن عمار بن سعد عن أبيه سعد القرظ أنّه سمعه يقول ان هذا الأذان أذان بلال الذي أمره به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإقامته وهو الله اكبر الله اكبر الله اكبر أشهد أن لا إله إلا الله ... (٤) .

الدارقطني : حدثنا عثمان بن أحمد حدثنا حنبل بن إسحاق ح وثنا أبو بكر الشافعي ومحمد بن أحمد بن الحسن قالا :

______________________

(١) الجوهر النقي ٣ : ٢٨٦ .

(٢) الجوهر النقي ١ : ٣٩٤ ، وانظر : ميزان الاعتدال ٤ : ٢٨٦ / ت ٤٨٧٩ .

(٣) الجوهر النقي ٣ : ٣٠٠ .

(٤) المعرفة والتاريخ ١ : ١٢٠ .

١٦٣
 &

نا بشر بن موسى قالا ثنا الحميدي قال ثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار ابن سعد بن عائذ القرظ حدثني عبد الله بن محمد بن عمار وعمار وعمر ابنا حفص بن عمر بن سعد عن عمر بن سعد عن أبيه القرظ أنه سمعه يقول إن هذا الأذان أذان بلال الذي أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإقامته وهو : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، حيَّ على الصلاة ، حيَّ على الصلاة ، حيَّ على الفلاح ، حيَّ على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، والإقامة واحدة واحدة ويقول : قد قامت الصلاة مرة واحدة ... (١) .

البيهقي : أخبرنا أبو سعيد يحيى بن محمد بن يحيى الإسفرائيني بنيسابور ، أنا أبو بحر محمد بن الحسن بن كوثر البربهاري ، ثنا بشر بن موسى الأسدي ، ثنا عبد الله بن الزبير الحميدي ، ثنا عبد الرحمن بن سعد بن [ عمار بن ] سعد بن عائذ القرظ حدثني عبد الله بن محمد بن عمار وعمار وعمر ابنا حفص بن عمر بن سعد عن عمار بن سعد عن أبيه سعد القرظ أنّه سمعه يقول : أن هذا الأذان أذان بلال الذي أمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإقامته وهو الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إلا إله إلا الله ... وذكر باقي الحديث بطوله (٢) .

______________________

(١) سنن الدارقطني ١ : ٢٣٦ / ح ١ .

(٢) سنن البيهقي الكبرى ١ : ٤١٥ / ح ١٨٢١ .

١٦٤
 &

البيهقي : أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن الفضل القطان ببغداد ، أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، ثنا يعقوب بن سفيان ، ثنا أبو بكر الحميدي ، ثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد بن عائذ القرظ ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن عمار وعمار وعمر ابنا حفص بن عمر بن سعد عن عمار بن سعد عن أبيه القرظ أنّه سمعه يقول أن هذا الأذان يعني أذان بلال الذي أمره به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإقامته وهو الله أكبر الله أكبر الله أكبر ... كذا في الكتاب وغيره يرويه عن الحميدي فيذكر التكبير في صدر الأذان مرتين ثم يرويه الحميدي في حديث أبي محذورة أربعا ونأخذ به لأنه زاوئد (١) .

كان هذا بعض الشيء عن هذا الاسناد بكلا نقليه :

١ ـ ما رووه عن جدهم من أذان بلال ، والذي ليس فيه الصلاة خير من النوم .

٢ ـ وما نقلوه أيضاً عن آبائهم عن أجدادهم عن بلال وأنّه كان ينادي بالصبح فيقول : « حي على خير العمل ، فأمره النبي أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم وترك حي على خير العمل » .

وقد تكلمنا عن الخبر الأخير في الباب الاول من هذه الدراسة « حي على خير العمل الشرعية والشعارية » فمن احب المزيد فليراجع ما كتبناه هناك (٢) .

______________________

(١) سنن البيهقي الكبرى ١ : ٣٩٤ / ح ١٧١٧ .

(٢) حيّ على خير العمل الشرعية والشعارية : ١٩١ ـ ١٩٥ .

١٦٥
 &

٨ ـ ما رواه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال

الإسناد

السنن الكبرى للبيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا يحيى بن أبي طالب ، ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، انا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : أمر بلال أن يثوب في صلوة الصبح ولا يثوب في غيرها (١) .

وفيه أيضا : وأخبرنا علي بن محمد بن بشران انا أبو جعفر الرزاز ثنا يحيى بن جعفر انا علي بن عاصم ثنا عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا اثوب إلا في الفجر (٢) .

المناقشة

وهذا الخبر أيضاً مرسل ، فإنّ عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق بلالاً حسبما ثبت في كتب الرجال والحديث .

وبهذا فقد تم ما كنا نريد بيانه مما روى عن بلال بلفظة « أمرني ان أثوّب » أو قوله « لا تثوبن في الفجر » وأمثالها من كلمات مجملة .

______________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ١ : ٤٢٤ .

(٢) السنن الكبرى للبيهقي ١ : ٤٢٤ .

١٦٦
 &

بعد الانتهاء من الأخبار المنسوبة إلى بلال الحبشي لا بدّ من دراسة المرويّ عن أبي محذورة بلفظ « التثويب » أو بدونه ، أي مجملاً أو مصرّحاً .

٢ ـ روايات أبي محذورة

اختلفت الروايات عن أبي محذورة ، ففي بعضها توجد كلمة التثويب ، وفي بعضها الآخر لا يوجد إلّا جملة « الصلاة خير من النوم » وهي التثويب اصطلاحاً .

والإمام الشافعي جزم في (الأم) بعدم صحة ما يحكى عن أبي محذورة في التثويب بقوله :

 ... ولا أحب التثويب في الصبح ولا غيرها ، لأن أبا محذورة لم يحك عن النبي أنّه أمر بالتثويب ، فأكره الزيادة في الأذان ، وأكره التثويب بعده (١) .

هذا هو كلام الإمام الشافعي في الجديد ، لكن المزني حكى عنه كلاما آخر كان قد قاله في القديم إذ إنّه كان يقول بالجواز ثمّ عدل عنه ، فقال المزني :

 ... قد قال في القديم في أذان الصبح التثويب وهو « الصلاة خير من النوم » مرتين ، ورواه عن بلال مؤذن النبي وعن علي .

وكرهه في الجديد ، لأنّ أبا محذورة لم يحكه عن النبي .

قال المزني : وقياس قوليه ان الزيادة اولى به في الأخبار كما اُخذ به في

______________________

(١) الأم ١ : ١٠٤ وانظر : المجموع ٣ : ٩٩ .

١٦٧
 &

التشهد بالزيادة ، وفي دخول النبي البيت بزيادة أنّه صلى فيه وترك من قال لم يفعل (١) .

وقال النووي : وكره ذلك في الجديد ، قال أصحابنا يسن ذلك قولاً واحداً وإنما كره في الجديد لأن أبا محذورة لم يحكه ، وقد صح ذلك في حديث أبي محذورة ... إلى أن يقول : فعلى هذا هو سنة ، لو تركه صحّ الأذان وفاته الفضيلة (٢) .

وقال أبو بكر بن المنذر : هذا القول سهو من الشافعي ونسيان حين سطر هذه المسالة ، فانه حكى ذلك في الكتاب العراقي عن أبي محذورة (٣) .

وقفة مع المزني

وقبل الشروع في نقل روايات عن أبي محذورة لمعرفة الصحيح والسقيم منه لا بد من وقفه قصيرة مع كلام المزني ونقله عن (القديم) و (الجديد) معاً فنقول :

أوّلاً : من المعلوم عند الجميع ان اخر كلام الشخص هو المعتمد والحكم الفصل خصوصاً في الخلافيات ، وقد اعترف المزني بان الشافعي جزم في الجديد (أي في كتابه الأم) بأن أبا محذورة لم يحك عن النبي أنّه أمر بالتثويب ، لكنه مع ذلك حكى عن الشافعي كلاما آخر في القديم وهو قوله بالجواز ، تبعاً لما روآه عن بلال والإمام علي .

في حين نحن قد ناقشنا سابقا المروي عن بلال وقلنا بأنّه كان من المؤذّنين بـ « حيّ على خير العمل » ولم يثبت عنه غيره إذ جاء في كتاب (من لا يحضره الفقيه) :

______________________

(١) مختصر المزني : ١٢ .

(٢) المجموع شرح المهذب ٣ : ٩٠ ـ ٩٢ .

(٣)

١٦٨
 &

أنّ رسول الله أمر بلالاً أن يؤذّن بها [ أي بـ « حيّ على خير العمل » ] فلم يزل يؤذّن بها حتّى قبض الله رسوله (١) .

وفيه أيضاً عن أبي بصير عن أحد الصادقين :

أنّ بلالاً كان عبداً صالحاً فقال لا أؤذن لأحد بعد رسول الله فترك يومئذ حي على خير العمل (٢) .

ومعنى ذلك أنّ بلال الحبشي كان يصرّ على الأذان بالحيعلة الثالثة ، وعدم قبوله إبدالها بـ (الصلاة خير من النوم) فأُبْعِدَ من قبل الخلفاء عن الأذان ، أو ابتعد هو عن الأذان لهم ، ولذلك تُركت الحيعلة الثالثة .

ولنا وقفة اُخرى مع مرويات بلال في القسم الثاني من الفصل الثاني من هذا المجلّد « أذانان ، مؤذّنان ، إمامان لصلاةٍ واحدة » لنوضّح هذه المدّعيات الثلاث ، مؤكّدين بأنّا قد أثبتنا في كتابنا (حي على خير العمل الشرعية والشعارية) بطلان زيادة الطبراني والبيهقي في ما رواه عن بلال ، والذي جاء فيه : (فأمر النبي أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم وترك حيَّ على خير العمل) (٣) وذلك لمخالفتها لما رواه الحافظ العلوي من طريق مسلم بن الحجّاج القشيري (٤) ، والتي ليس فيها هذه الزيادة .

______________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٨٤ ح / ٨٧٢٩ ـ وعنه : وسائل الشيعة ٥ : ٤١٦ ، الاستبصار ١ : ٣٠٦ ح / ٢١٣٤ ، الأذان بحي على خير العمل : ٩٠ .

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٨٤ / ح ٨٧٢ .

(٣) حي على خير العمل الشرعية والشعارية :

(٤) انظر : « حيّ على خير العمل » لنا : ١٨٤ و ١٩٣ ، و « الأذان بحيّ على خير العمل » للحافظ العلوي : ٢٨ .

١٦٩
 &

ولمخالفتها أيضاً للروايات الأخرى المروية عنه ، وأنّه كان يؤذن بليل وان ابن اُم مكثوم كان يؤذن للصبح ، ومعنى كلامهم هو ان بلال الحبشي لم يؤذن بـ « الصلاة خير من النوم » في أذان الفجر بتاتاً ، لأنّهم يقولون بشرعيّته في أذان الصبح لا النداء به في الليل ، وبلال لم يؤذن حسب رواياتهم لأذان الصبح بل كان يؤذن بليل .

وكذا الحال بالنسبة إلى ما حكوه عن الإمام علي ، فإنه لم يثبت أنّه أذّن بـ « الصلاة خير من النوم » ، إذ أخرج البزار في مسنده عن الإمام علي عليه‌السلام (١) الأذان وليس فيه التثويب وجاء في صحيفة الإمام الرضا عن آبائه ما يماثله وليس في ذلك الأذان التثويب (٢) ، وجاء في البحر : وقال الإمام علي عندما سمع ذلك [ أي الصلاة خير من النوم ] : لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه (٣) .

وهو يؤكّد بأنّ أذان الإمام وأذان ولده كان بـ « حيّ على خير العمل » لا غير ، وهي سيرتهم حتى هذا اليوم .

كما اشتهر عن الإمام علي حينما كان يسمع ابن التياح يقول في أذانه « حي على خير العمل » ، يقول : مرحباً بالقائلين عدلاً وبالصلاة أهلاً وسهلاً (٤) .

وهذا التهليل من قبل الإمام للمؤذّن يشير إلى حبّه في سماع الحيعلة الثالثة وعدم

______________________

(١) مسند البزار ٢ : ١٤٦ ، نصب الراية ١ : ٢٦٠ ، مجمع الزوائد ١ : ٣٢٨ ، الدرّ المنثور ٥ : ٢١٩ ، فتح الباري لابن رجب ٣ : ٣٩٦ .

(٢) صحيفة الرضا عليه‌السلام : ٦٥ ح ١١٥ ، وعنه في بحار الأنوار ٨١ : ١٥١ ، وانظر : الإيضاح للقاضي نعمان : ١٠٦ المطبوع في ميراث حديث شيعة دفتر دهم وكذا رأب الصدع ١ : ١٩٦ .

(٣) البحر الزخّار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ٢ : ١٩٢ ، وكذلك القول عن طاووس بذلك .

(٤)

١٧٠
 &

تجويزه عليهم‌السلام وتجويز ولده النداء بـ (الصلاة خير من النوم) في الصبح على نحو التشريع .

ويذكرني هذا الأمر بما جاء في « المغني » لابن قدامة :

قيل لأحمد : أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد ، لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة ؟

فقال : أليس قد رجع النبي إلى المدينة فأقر بلالاً على أذان عبد الله بن زيد (١) .

وفي هذا الكلام دلالات كثيرة تؤيّد مدعانا وما نريد قوله هنا نترك التعليق عليها الآن .

ثانياً : إن الروايات المحكية عن عبد الله بن زيد بن ثعلبة الأنصاري ـ الذي أُرى الأذان ـ وابن اُم مكتوم وغيرهما كعلي ، ومعاذ ، وابن عمر ليس فيها جملة (الصلاة خير من النوم) ، وهذا يزيد الشك في المروي عن أبي محذورة في التثويب ، وخصوصاً بعد أن وقفت على كلام ابن قدامة وغيره قبل قليل ، وإنّ النبيّ لما رجع أقرّ بلال الحبشي على أذان عبد الله بن زيد ، ويؤكّده ما قاله الشافعي من عدم صحة المحكي عن أبي محذورة في التثويب .

ثالثاً : قال صاحب البحر الزخار : نجيب : هذا [ يعني حديث أبي محذورة وبلال ] لو كان الصلاة خير من النوم في الأذان لما منع علي وابن عمر وطاووس ذلك في الأذان (٢) .

______________________

(١) المغني لابن قدامة ١ : ٤١٦ ـ ٤١٧ .

(٢)

١٧١
 &

رابعاً : إن التناقض الملحوظ في مرويات أبي محذورة ، إذ ترى في بعضها يوجد التثويب ، وفي بعضها الآخر لا يوجد .

وكذا اختلاف النصوص ، ففي بعضها ترى تثنية التكبير في اُول الأذان ، وفي بعضها الآخر تربيعه .

أو أنّك ترى تقديم التهليل على التكبير في آخر الأذان في بعض روايات أبي محذورة (١) ـ خلافاً للمشهور عند المسلمين ـ وأمثال ذلك كلها تقلل من قيمة المروي عن أبي محذورة في التثويب ، بل تشير إلى أنّ التثويب والترجيع غير ثابتان وقد يكونا هما مفتعلين على لسانه ، وذلك لعدم وجودهما في الأذان عند المسلمين قبل فتح مكة ، أو في مرجعه يوم حنين في السنة الثامنة للهجرة ، وهما المكان والزمان الذي تعلّم فيهما أبو محذورة الأذان من رسول الله .

بل نرى في جميع الطرق التي يرويها الحافظ العلوي عن أبي محذورة ، سواء التي رواها ابنه عنه (٢) .

أو عثمان بن الحكم عن أبي جريج عن أبي محذورة (٣) .

أو ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عنه (٤) .

أو أبو بكر بن عياش عن عبد الله بن رفيع (٥) ، أو غيرها .

______________________

(١) فتح الباري لابن رجب الحنبلي ٣ : ٤١٣ .

(٢) انظر : « حي على خير العمل » لنا : ٢١٥ .

(٣) حيّ على خير العمل للحافظ العلوي بتحقيق عزّان : ٥٢ ح ٥ ، وانظر : « حي على خير العمل » لنا : ٢١٧ .

(٤) الاعتصام ١ : ٢٨٩ ، وانظر : « حي على خير العمل » : ٢١٨ .

(٥) الأذان بحيّ على خير العمل للحافظ العلوي : ١٥ ، وانظر المحرّف فيه في ميزان الاعتدال ١ : ٢٨٣ ، ومناقشتنا للخبر في كتابنا انظر « حي على خير العمل » : ١٩٥ .

١٧٢
 &

وجود الأذان بالحيعلة الثالثة لا بـ « الصلاة خير من النوم » فتأمّل .

خامساً : إن قول المزني (وقياس قوليه ان الزيادة اولى به في الأخبار) غير صحيح ، بل الصحيح خلافه ، لأنّ الزيادة مشكوك فيها ، فلا يجوز الأخذ بها ، بل يجب الأكتفاء بالقدر المتيقن وترك الزائد المشكوك .

والشافعي أكّد ذلك بقوله (فأكره الزيادة في الأذان وأكره التثويب بعده) لأنّه عرف بأنّ التثويب زيادة محدثة لا يقبلها كثير من الصحابة والتابعين .

فعن الأسود بن يزيد أنّه سمع المؤذن يقول : الصلاة خير من النوم ، فقال : لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه (١) .

وعن أبي اسامة عن ابن عوف عن محمد [ ابن سيرين ] قال : ليست من السنة ان يقول في صلاة الفجر الصلاة خير من النوم (٢) .

فلو كان الأمر كذلك فلا يجوز الأخذ بالزيادة المشكوكة ، بل انّ ما روي عن ابن سيرين صريح بأن روايات التثويب لم تكن منتشرة في عهده ، لتشكيكه بكونها سنة ، ومعنى كلامه أنّها بدعة محدثة لا غير .

سادساً : نحن من باب الملازمة وعدم الفصل بين القول بوضع « الصلاة خير من النوم » ورفع « حي على خير العمل » ، وبالعكس على مرّ التاريخ من قبل الحكومات والساسة ، يمكننا أن ندعي بأن الشافعي كان يريد الذهاب إلى القول بمشروعية « حي على خير العمل » أيضاً ، وذلك لعدم ارتضاه بشرعية « الصلاة خير

______________________

(١) المصنف لابن أبي شيبة ١ : ١٨٩ / ح .

(٢) المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٢٣٦ / ح .

١٧٣
 &

من النوم » وتشكيكه في المحكي عن أبي محذورة ، وقد حكى الشوكاني ما يقارب قولنا عنه إذ قال :

« والتثويب زيادة ثابتة ، فالقول بها لازم ، والحديث ليس فيه ذكر « حي على خير العمل » ، وقد ذهبت العترة إلى اثباته وأنّه بعد قول المؤذن حي على الفلاح قالوا مرتين حي على خير العمل ونسبه المهدي في البحر إلى أحد قولي الشافعي وهو خلاف كتب الشافعية فأنا لم نجد في شيء منها هذه المقالة . . (١)

ويؤيّده كلام أحمد بن يحيى المرتضى الزيدي الشهير بالإمام المهدي (ت ٨٤٠ هـ) في البحر الزخار إذ قال : ( ... العترة جميعا وأخير قولي الشافعى حي على خير العمل) (٢) .

وفي الاعتصام بحبل الله : ( ... إلى ان قال القاضي يحيى بن محمد بن حسن بن حميد [ المقري ] فصح ما رواه الروياني ان للشافعي قولا مشهورا في اثبات حي على خير العمل) (٣) .

وفي تسهيل القاري شرح صحيح البخاري : ذهب الشافعي في قوله الجديد إلى كراهة تثويب الصلاة خير من النوم ، وكذلك رواية عن أبي حنيفة في ذلك (٤) .

______________________

(١) نيل الاوطار .

(٢) البحر الزخار ٢ : ١٩١ .

(٣) الاعتصام بحبل الله ١ : ٣٠٨ .

(٤) تسهيل القاري في شرح صحيح البخاري ٢ : ٣٠٩ .

١٧٤
 &

وفي التسهيل أيضاً : ذهب العترة والإمام الشافعي في قول إلى أنّ التثويب في الأذان بدعة (١) .

فإذا صحّ هذا الاستدلال فيمكننا أن نحتمل هذا الأمر أيضاً في ابن عمر ، الثابت تأذينه بـ « حي على خير العمل » (٢) وكراهته للتثويب .

ومثله الأمر بالنسبة إلى الإمام علي القائل بالحيعلة الثالثة الرافض لشرعية الصلاة خير من النوم .

سابعاً : المروي عن أبي محذورة في كتب أهل السنة والجماعة لا يتفق مع ما رواه الحافظ العلوي الزيدي بإسناده عن أبي محذورة ، إذ في إسناد الحافظ العلوي : فلما انتهيت إلى حي على الفلاح قال النبي الحق فيها حي على خير العمل (٣) .

لكن ابن حجر ادعى بأن في إسناده إلى تلك الرواية :

اجعل في آخر أذانك « حي على خير العمل » وفي إسناد آخر عنه اجعل في آخر أذانك « الصلاة خير من النوم » (٤) .

______________________

(١) تسهيل القاري في شرح صحيح البخاري ٢ : ٣١٠ .

(٢) جاء في السيرة الحلبية ٢ : ٣٠٥ : ونقل عن ابن عمر وعلي بن الحسين أنّهما كانا يقولان في أذانيهما بعد حيّ على الفلاح : حيّ على خير العمل .

والمحلى ٣ : ١٦٠ ، وفيه : وقد صحّ عن ابن عمر وأبي أمامة بن سهل بن حنيف أنّهم كانوا ... وانظر دعائم الإسلام ١ : ١٤٥ ، وجواهر الأخبار والآثار للصعدي ٢ : ١٩٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ : ٤٢٥ ، الاعتصام بحبل الله ١ : ٢٩٥ و ٣٠٨ ، المصنّف لعبد الرزّاق ١ : ٤٦٠ / ١٧٨٦ ، رأب الصدع ١ : ١٩٨ .

(٣) الأذان بحي على خير العمل : ١٥ ـ ١٦ .

(٤)

١٧٥
 &

وهذا الكلام من ابن حجر باطل من جهتين .

أولاً : لأنّ مَن يعتقد بشرعية الحيعلة الثالثة يعتقد بأن مكانها في وسط الأذان لا في آخره ، وأنها في اصل الأذان لا زيادة فيه .

ثانياً : أن جملة (الصلاة خير من النوم) هي مما قد شك الشافعي في كونها من الأذان التعليمي لابي محذورة ، وقد قال مالك عن التثويب : « إنّها ضلال » (١) .

كانت هذه بعض القرائن المؤيدة لما قاله الشافعي في (الأُم) وأنّه لم يثبت عن أبي محذورة حكايته التثويب عن رسول الله جئنا بها لنفنّد القول المشهور عندهم . وكلامنا هذا لا يعني بأنّنا نريد الدفاع عن أبي محذورة ، بل إنّ سياقات البحث وأقوال العلماء تدعونا للقول بعدم صدور النصّ عنه ، وقد يكون النصّ قد صدر عنه لكن قد أسيء فهمه وقد يكون هو من ورائه لأنّه كان من المؤلّفة قلوبهم والذي استهزأ بالإسلام في بدء ظهوره والنبيّ قال فيه وفي أخوة له كلمة ينبأ عن استمرار النفاق وسوء العاقبة لهؤلاء الثلاثة وخصوصاً بأنّ آخرهم موتاً هو في النار .

آخرهم موتاً في النار

هذه هي مقولة رسول الله فيه وفي زملائه كأبي هريرة وسمرة بن جندب ، وقد قالها النبيّ على أثر واقعة خاصّة حدثت ، ومن الوفاء لساداتنا ومشايخنا وعلمائنا أن نأتي بكلام السيّد العلّامة شرف الدين بهذا الصدد ، فإنّه رحمه الله قد أشار في خاتمة كتابه

______________________

(١)

١٧٦
 &

« أبو هريرة » إلى اشتراك هؤلاء الثلاثة في إنذار النبي لهم ، إذ قال لهم يوماً وهم جلوس : آخركم موتاً في النار ، فقد قال السيّد شرف الدين ما نصّه :

وهذا أسلوب حكيم من أساليبه في إقصاء المنافقين عن التصرّف في شؤون الإسلام والمسلمين ، فإنّه لما كان عالماً بسوء بواطن هؤلاء الثلاثة أراد أن يشرب في قلوب أُمّته الريب فيهم والنفرة منهم ، إشفاقاً عليها أن تركن إلى واحد منهم في شيء ممّا يناط بعدول المؤمنين وثقاتهم .

فنصّ بالنار على واحد منهم وهو آخرهم موتاً ، لكنّه أجمل القول فيه على وجه جعله دائراً بين الثلاثة على السواء ، ثمّ لم يتبع هذا الإجمال بشيء من البيان ، وتمضي الأيّام والليالي على ذلك ويلحق صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرفيق الأعلى ولا بيان ، فيضطرّ أولي الألباب من أُمّته إلى إقصائهم جميعاً عن كلّ أمر يناط بالعدول والثقات من الحقوق المدينة في دين الإسلام لاقتضاء العلم الإجمالي ذلك بحكم القاعدة العقلية في الشبهات المحصورة ، فلولا أنّهم في وجوب الإقصاء على السواء لاستحال عليه ـ وهو سيّد الحكماء ـ عدم البيان في مثل هذا المقام .

فإنْ قلت :

لعلّه بين هذا الإجمال بقرينة خفيت علينا بتطاول المدّة .

قلنا :

لو كان ثمة قرينة ما كان كلّ من هؤلاء في الوجل من هذا الإنذار على السواء .

على أنّه قد عرفت ممّا سبق أنّه لا فرق في هذه المشكلة بين عدم البيان واختفائه بعد صدوره لاتّحاد النتيجة فيهما بالنسبة إلينا إذ لا مندوحة لنا عن العمل بما يقتضيه

١٧٧
 &

العلم الإجمالي من تنجيز التكليف في الشبهة المحصورة على كلا الفرضين كما بيّناه آنفاً .

فإن قلت :

إنّما كان المنصوص عليه بالنار مجملاً قبل موت الأوّل والثاني منهم وبسبقهما إلى الموت تبيّن وتعيّن أنّه إنّما هو الباقي بعدهما بعينه دون سابقيه ، وحينئذٍ لا إجمال ولا إشكال .

قلنا :

أوّلاً : علمت مّما ذكرناه آنفاً أنّ الأنبياء عليهم‌السلام كما يمتنع عليهم ترك البيان مع الحاجة إليه يستحيل عليهم تأخيره عن وقت الحاجة ، وعلمت أيضاً أنّ وقت الحاجة هنا متّصل بصدور هذا الإنذار لو كان لأحد الثلاثة شيء من الاعتبار ، لأنّهم منذ أسلموا كانوا محلّ ابتلاء المسلمين في الحقوق المدنية الدينية كما بيّناهُ آنفاً ، فلولا وجوب إقصائهم عنها لما أخّر البيان اتّكالاً على صروف الزمان ، وحاشا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقصى أحداً عن حقّه طرفة عين ، ومعاذ الله أن يخزي من لا يستحقّ الخزي ثمّ يبقيه على خزيه حتّى يموت مخزيّاً إذ لا تعرف براءته ـ بناء على هذا الفرض الفاسد ـ إلّا بموته .

وثانياً : إنّا ـ شهد الله ـ بذلنا الطاقة بحثاً وتنقيباً ، فلم يكن في الوسع أن نعلم أيّهم المتأخّر موتاً لأنّ الأقوال في تاريخ وفياتهم بين متناقض متساقط وبين مجمل متشابه لا يركن إليها كما يعلمه متتبعوها .

وثالثاً : لم يكن من خُلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو العزيز عليه عنت المؤمنين الحريص

١٧٨
 &

عليهم الرؤوف بهم الرحيم لهم أن يجابه بهذا القول ـ آخركم موتاً في النار ـ من يحترمه ، وما كان ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ليفاجئ به (أو بقوله : لضرس أحدكم في النار) غير مستحقّيه ، ولو أنّ في واحد من هؤلاء الثلاثة (أو من أولئك) خيراً ما أشركه في هذه المفاجأة القاسية والمجابهة الغليظة ، لكن اضطرّه الوحي إلى ذلك نصحاً لله تعالىٰ وللأُمّة ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ) .

على أنّ أحوال هؤلاء الثلاثة كلّها قرائن قطعيّة على ما قلناه حول إنذارهم هذا كما أنّ أحوال أولئك أدلّة ما قلناه فيهم .

وحسبك من أبي هريرة ما تبوّأه من مقعده .

ويكفيك من سمرة إسرافه الفظيع في دماء المسلمين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، وبيعه الخمر علانية ومضارته للأنصار ، وتمرّده على ما دعاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذٍ إليه من الصلح وزهده في الجنّة على وجه يستفاد منه عدم إيمانه وشجّه رأس ناقة النبيّ استخفافاً وامتهاناً إلى غير ذلك من بوائقه .

وناهيك من أبي محذورة أنّه من الطلقاء والمؤلّفة قلوبهم ، دخل في الإسلام بعد فتح مكّة ، وبعد أن قفل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حنين منتصراً على هوازن ، ولم يكن شيء أكره إلى أبي محذورة يومئذٍ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ممّا يأمره به ، وكان يسخر بمؤذّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيحكيه رافعاً صوته استهزاء لكن صرة الفضة التي اختصّه بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وغنائم حنين التي أسبغها على الطلقاء من أعدائه ومحاربيه وأخلاقه العظيمة التي وسعت كلّ من اعتصم بأوّل الشهادتين من أولئك المنافقين مع شدّة وطأته على من لم يعتصم بها ودخول العرب في دين الله أفواجاً ، كلّ ذلك ألجأ أبا

١٧٩
 &

محذورة وأمثاله إلى الدخول فيما دخل فيه الناس ، ولم يهاجر حتّى مات في مكّة ، والله يعلم بواطنه (١) .

ثمّ ذكر السيّد العلّامة شرف الدين تأويل ابن عبد البر لهذا الحديث ثمّ مناقشته له ، فراجع .

إليك الآن تلك المرويات عن أبي محذورة سواء التي فيها التثويب أو التي ليس فيها التثويب ، لتعرف أيهما أجدر بالاتّباع والألصق برسول الله .

______________________

(١) أبو هريرة : ٢١٥ ـ ٢١٨ .

١٨٠