الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة

السيد علي الشهرستاني

الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

والتجارة والزراعة لا وقت النوم ، فقد يمكن تصوّر التثويب فيها لتنبيه الغافلين لكن بجمل أخرى مثل « الصلاة الصلاة » أو « عجّلوا بالصلاة » أو « قد قامت الصلاة » أو « الصلاة خير من التجارة والزراعة » ، وما شابه ذلك لا بـ « الصلاة خير من النوم » .

الإسنادان الثاني والثالث

مسند أحمد : حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا حسن بن الربيع وأبو أحمد قالا : حدثنا بن إسرائيل ، قال أبو أحمد في حديثه : حدّثنا الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال ، قال : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا أثوّب في شيء من الصلاة إلّا في صلاة الفجر ، وقال أبو أحمد في حديثه : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أذنت فلا تثوّب (١) .

الترمذي : حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا أبو إسرائيل ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن بلال ، قال :

قال لي رسول الله : لا تثوّبنّ في شيء من الصلوات إلّا في صلاة الفجر . وفي الباب عن أبي محذورة .

قال أبو عيسى [ الترمذي ] : حديث بلال لا نعرفه إلّا من حديث أبي إسرائيل الملّائي ، وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم بن عتيبة ، قال : إنما رواه عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم بن عتيبة ، وأبو إسرائيل اسمه إسماعيل بن أبي إسحاق ، وليس هو بذلك القوي عند أهل الحديث (٢) .

______________________

(١) مسند أحمد ٦ : ١٤ / ح ٢٣٩٥٨ .

(٢) سنن الترمذي ١ : ٣٧٨ / ح ١٩٨ ، تلخيص الحبير ١ : ٢٠٢ / ح ٢٩٦ ، قال ابن السكن : لا يصح إسناده ، مشكاة المصابيح ١ : ٢٠٤ / ح ٦٤٦ .

١٠١
 &

المناقشة

نكتفي في التعليق على هذين الخبرين بما قاله بعض أعلام الجمهور :

فقد قال النووي (ت ٦٧٦ هـ) في (المجموع) : ... ورُويَ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى التابعي عن بلال رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تثوّبن في شيء إلّا في صلاة الفجر ، رواه الترمذي ، وضعّف إسناده ، وهو مع ضعف إسناده مرسل ؛ لأنّ ابن أبي ليلى لم يسمع بلالاً (١) .

وقال ابن الملقّن (ت ٨٠٤ هـ) في « خلاصة البدر المنير » : حديث بلال : قال لي رسول الله : لا تثوّبن في شيء من الصلاة ... رواه أحمد والترمذي وضعّفه ، وخالف ابن الجوزي فمال إلى تصحيحه (٢) .

وقال ابن حجر (ت ٨٥٢ هـ) في « التلخيص الحبير » :

حديث بلال « قال لي رسول الله : لا تثوّبن في شيء من الصلاة إلّا في صلاة الفجر » ، الترمذي وابن ماجة وأحمد من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال ، وفيه أبو إسماعيل الملّائي ، وهو ضعيف مع انقطاعه بين عبد الرحمن وبلال (٣) .

______________________

(١) المجموع ٣ : ١٠٦ .

(٢) خلاصة البدر المنير ١ : ١٠٣ / ح ٣٢٦ ، وانظر : التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي ١ : ١٣١ / ح ٣٨١ .

(٣) إذ إنّ عبد الرحمن بن أبي ليلى لا يمكنه أن يروي عن بلال ، لأنّه وُلد سنة ١٧ وتُوفي سنة ٨٣ هـ ، وبلال توفي سنة ٢٠ أو ٢١ هـ ، أنظر : نيل الأوطار للشوكاني ٢ : ٤٢ .

١٠٢
 &

وقال ابن السكن : لا يصح اسناده ، ثمّ إنّ الدارقطني رواه من طريق آخر عن عبد الرحمن ، وفيه أبو سعد البقّال ، وهو نحو أبي إسماعيل في الضعف (١) .

نقل القارئ (ت ١٠١٤ هـ) في « المرقاة » قول ابن حجر وتضعيفه لهذا الخبر : وقول ائمتنا يُكرَه التثويب في غير الصبح ، لم يأخذوه من هذا الحديث لما تقرر أنّه ضعيف ولا يُحتَجّ به في الكراهة ، بل في قوله عليه‌السلام في الحديث الصحيح : مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدّ (٢) .

وقال الصنعاني (ت ١١٨٢ هـ) في « سبل السلام » :

(قصة قول بلال في أذان الفجر : الصلاة خير من النوم) روى الترمذي ، وابن ماجة ، وأحمد من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تثوّبن في شيء من الصلاة إلّا في صلاة الفجر . إلّا أن فيه ضعفاً ، وفيه انقطاع أيضاً . وكان على المصنّف أن يذكر ذلك على عادته (٣) .

وقال البغوي (ت ٥١٦ هـ) في « شرح السنّة » بعد ذكره لهذا الحديث عن بلال : ضعيف (٤) .

وعلى هذا فحديث بلال من طريق أبي إسرائيل الملّائي ساقط لا محالة ، هذا مع غض النظر عن الانقطاع بين ابن أبي ليلى وبلال الذي يوجب سقوط الرواية أيضاً .

______________________

(١) تلخيص الحبير ١ : ٢٠٢ / ح ٢٩٦ ، وانظر : فيض القدير ٦ : ٣٨٩ .

(٢) مرقاة المفاتيح ٢ : ٣١٦ / ح ٦٤٦ .

(٣) سبل السلام شرح غاية المرام ، لابن حجر العسقلاني ١ : ١٢٠ .

(٤) شرح السنة ، للبغوي ٢ : ٢٦٤ / ذيل الحديث ٤٠٨ من باب التثويب .

١٠٣
 &

الإسنادان الرابع والخامس

مسند البزّار : حدثنا علي بن حرب الموصلي ، قال : أخبرنا أبو مسعود عبد الرحمن بن الحسن الزجاج ، قال : أخبرنا أبو سعد عن بن أبي ليلى عن بلال قال : أمرني رسول الله أن أثوّب في الفجر . هذا الحديث لا نعلمه رواه عن أبي سعد إلّا أبو مسعود الزجّاج (١) .

سنن الدارقطني : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان ، حدثنا عبد الرحمن بن الحسن أبو مسعود الزجاج ، عن أبي سعيد ، [ البقال ] ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال :

أمرني رسول الله أن أثوّب في الفجر ونهاني أن أثوّب في العشاء (٢) .

المناقشة

فيه أبو سعد البقال (سعيد بن المرزبان العبسي) ، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه ، قال : وما رأيت سفيان بن عُيَينة أملى علينا إلّا حديثاً واحداً ، حديث أبي سعد البقال ، فإنّه أملاه عيناه إملاء قلت : لِم َ ؟ قال : لضعف أبي سعد عنده (٣) .

وقال عباس الدوري ، وأحمد بن سعد بن أبي مريم ، عن يحيى بن معين : ليس بشيء ، زاد ابن أبي مريم : لا يُكتَب حديثه .

وقال أبو داود ، عن يحيى بن معين : ليس بشيء ، وكان أعور ، وكان من قراء الناس .

______________________

(١) مسند البزار ٤ : ٢٠٨ / ح ١٣٧٢ .

(٢) سنن الدارقطني ١ : ٢٤٣ / ٤١ ، وفيه عن أبي سعيد ، وهو خطأ .

(٣) العلل لأحمد بن حنبل ٣ : ٣٨٣ / ح ٥٦٨٣ .

١٠٤
 &

وقال عمرو بن علي : ضعيف ، متروك الحديث . وقال عمر بن حفص بن غياث : تَرَك أبي حديثَ أبي سعد البقال (١) .

وقال الآجري عن أبي داود : ليس بثقة ، قال الآجري : قلت : لِمَ ترك حديثه ؟ قال : انسان يرغب عنه سفيان الثوري أيش يكون حديثه (٢) ؟!

وقال أبو زرعة : ليّن الحديث صدوق مدلّس (٣) .

وقال أبو حاتم : لا يُحتجّ بحديثه ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال في موضع آخر : ليس بثقه ولا يُكتَب حديثه (٤) .

وقال البخاري : مُنكَر الحديث (٥) .

وقال يعقوب بن سفيان : ضعيف لا يفرح بحديثه (٦) .

وقال البرقاني عن الدارقطني : متروك ... وضعّفه العقيلي وابن الجوزي والذهبي وابن حجر . ولا عبرة بمن وثّقه (٧) .

وقال ابن حبان : كثير الوهم ، فاحش الخطأ ، ضعّفه يحيى بن معين (٨) .

______________________

(١) تهذيب الكمال ١١ : ٥٢ / ت ٢٣٥١ ، تهذيب التهذيب ٤ : ٧٠ / ت ١٣٧ ، الضعفاء للعقيلي ٢ : ١١٥ / ت ٥٨٨ .

(٢) سؤالات الآجري ١ : ١٤١ / ت ٩٩ .

(٣) المغني في الضعفاء ١ : ٢٦٦ / ت ٢٤٥٣ ، ٣ : ٢٢٨ / ت ٣٢٧٤ .

(٤) تهذيب التهذيب ٤ : ٧٠ / ١٣٧ ، الضعفاء للنسائي : ٥٢ / ٢٧٠ .

(٥) الضعفاء لابن الجوزي ١ : ٣٢٥ / ١٤٧٣ .

(٦) المعرفة والتاريخ ٣ : ١٦٠ .

(٧) سؤالات البرقاني : ٣٢ / ١٧٦ ، وانظر : هامش تهذيب الكمال ١١ : ٥٥ .

(٨) المجروحين لابن حبان ١ : ٣١٧ / ٣٨٩ .

١٠٥
 &

قال ابن حجر ، قال العقيلي : وثّقه وكيع ، وضعّفه ابن عيينة ، قلت [ والقائل ابن حجر ] : الحكاية التي حُكيت عن وكيع لا تدل على أنه وثّقه ، وقد ذكرها الساجي عن محمود بن غيلان قال : سُئل وكيع عن أبي سعد البقال ، فقال : أحمدُ الله ، كان يروي عن أبي وائل ، وأبو وائل ثقة (١) .

وقال العجلي : ضعيف(٢) .

وقال ابن عدي : . . هو في جملة ضعفاء الكوفة الذي يجمع حديثهم ولا يترك ، وكان قاسم المطرز قد جمع حديثه يمليه علينا (٣) .

وقال الذهبي : تركه الفلاس ، وقال ابن معين : لا يكتب حديثه ، وقال أبو زرعة : صدوق مدلس ، وقال البخاري : منكر الحديث (٤) .

قال البيهقي : أبو سعد البقال غير قوي ، غير محتجّ به ، وقال النووي : ضعيف باتفاق الحفاظ قال ابن القيسراني : سعيد ليس بشيء في الحديث ، وقال في موضع آخر منكر الحديث ، وقال الزيلعي : فيه لين (٥) .

إذن هذه الرواية كسابقتها ساقطة عن الاعتبار ولا يمكن اعتمادها ؛ لضعف أبي سعد البقال ، ولانقطاعه بين ابن ابي ليلى وبلال .

______________________

(١) تهذيب التهذيب ٤ : ٧٠ / ١٣٧ .

(٢) معرفة الثقات للعجلي ١ : ٤٠٤ / ٦١٤ .

(٣) الكامل لابن عدي ٣ : ٣٨٣ / ٨١١ .

(٤) ميزان الاعتدال ٣ : ٢٢٨ / ٣٢٧٤ .

(٥) السنن الكبرى ٣ : ٣٥٥ / ٥٨١٤ ، السنن الصغرى ٧ : ١١١ / ٣١٣٠ ، الأذكار النووية : ٦٥ / ٢١٤ ، ذخيرة الحفاظ ١ : ٣٨٦ / ٤٧١ ، ٢ : ١٢١٩ / ٢٦٠٩ ، نصب الراية ٤ : ٣٦٦ / ٩ .

١٠٦
 &

الإسناد السادس

عبد الرزّاق : عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن بلال قال : أمرني رسول الله أن أثوّب في الفجر ، ونهاني أن أثوّب في العشاء (١) .

المناقشة

وفيه الحسن بن عمارة البجلي ، مولاهم كان على قضاء بغداد في خلافة المنصور ، قال البخاري قال لي أحمد بن سعيد : سمعت النضر بن شميل عن شعبة قال : أفادني الحسن بن عمارة عن الحكم ، قال أحمد أحسبه قال سبعين حديثاً فلم يكن لها أصل .

وعن أبي داود الطيالسي قال شعبة : إئت جرير بن حازم فقل له : لا يحلّ لك أن تروي عن الحسن بن عمارة فإنّه يكذب ... تركه ابن المبارك وابن حجر .

وقال علي بن الحسن بن شقيق : قلت لابن المبارك : لِمَ تركت أحاديث الحسن بن عمارة ؟ قال : جرحه عندي سفيان الثوري ، وشعبة بن الحجاج ؛ فبقولهما تركت حديثه (٢) .

قال ابن عدي : قال أحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى بن معين : لا يكتب حديثه . وقال معاوية بن صالح عن يحيى : ضعيف .

______________________

(١) مصنف عبد الرزاق ١ : ٤٧٣ / ح ١٨٢٣ ، المعجم الكبير ١ : ٣٥٧ / ح ١٠٩٢ . وفي مصنف عبد الرزاق ١ : ٤٧٣ / ح ١٨٢٤ ، عبد الرزاق عن معمر عن صاحب له عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : إن رسول الله‏ أمر بلالاً أن يثوب في صلاة الفجر ولا يثوب في غيرها ، وفي ذخيرة الحفاظ لابن القيسراني ١ : ٤٩٠ / ح ٧١٩ ، والحسن [ بن عمارة ] : هذا متروك الحديث .

(٢) التاريخ الكبير ٢ : ٣٠٣ / ٢٥٤٩ ، تهذيب الكمال ٦ : ٢٦٤ / ١٢٥٢ ، تهذيب التهذيب ٢ : ٢٦٤ / ٥٣٢ ، تقريب التهذيب ١ : ١٦٢ / ١٢٦٤ .

١٠٧
 &

وقال عمرو بن علي ... متروك الحديث .

وقال أبو طالب أحمد بن حُميد : سمعتُ أحمد بن حنبل يقول : الحسن بن عمارة متروك الحديث ، قلت له : كان له هوىً ؟ قال : لا ، ولكن كان منكر الحديث ، وأحاديثه موضوعة ، لا يكتب حديثه (١) .

قال ابن المديني : ما احتاج إلى شعبة فيه ، أمره أبين من ذلك ، قيل له : أكان يغلط ، فقال : إيش يغلط ؟ وذهب إلى أنّه كان يضع الحديث (٢) .

وقال أبو حاتم ، ومسلم ، والنسائي ، والدارقطني : متروك الحديث (٣) .

وقال زكريا بن يحيى الساجي : أجمعوا على ترك حديثه (٤) .

وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني : ساقط ، وقال أبو بكر بن أبي خثيمة عن يحيى بن معين ليس حديثه بشيء ، وقال صالح بن محمد البغدادي : لا يكتب حديثه (٥) .

وفي الزوائد من سنن ابن ماجة ـ وبعد أن أتى بخبر : لا يغتسلن أحدكم بأرض فلاة ـ قال : إسناده ضعيف ؛ لاتفاقهم على ضعف الحسن بن عمارة ، وقيل أجمعوا على ترك حديثه (٦) .

______________________

(١) الكامل في الضعفاء لابن عدي ٢ : ٢٨٣ / ٤٤٥ .

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٢٦٥ / ١٩٢١ .

(٣) الجرح والتعديل ٣ : ٢٧ / ١١٦ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٢٥ / ٥ ، ضعفاء ابن الجوزي ١ : ٢٠٧ / ٨٤٨ ، وفيه : قال أحمد والرازي والنسائي والفلاس ومسلم بن الحجاج ويعقوب بن شيبة وعلي بن الجنيد والدارقطني : متروك .

(٤) ضعفاء ابن الجوزي ١ : ٢٠٧ / ٨٤٨ .

(٥) تهذيب الكمال ٦ : ٢٧٢ / من الترجمة ١٢٥٢ ، لابن عمارة ، وانظر : أحوال الرجال للجوزجاني : ٥٢ / ٣٥ .

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٢٠١ .

١٠٨
 &

وقال ابن سعد في الطبقات : وكان ضعيفا في الحديث ومنهم من لا يكتب حديثه (١) .

قال أبو حاتم : كانت بلية الحسن بن عمارة أنه كان يدلّس عن الثقات ما وضع عليهم الضعفاء ، كان يسمع من موسى بن مطير وأبي العطوف وأبان بن أبي عياش وأضرابهم ثمّ يسقط أسماءهم ويرويها عن مشايخهم الثقات ، فلما رأى شعبة تلك الأحاديث الموضوعة التي يرويها عن‏ أقوام ثقات أنكرها عليه وأطلق عليه الجرح ، ولم يعلم أنّ بينه وبينهم هؤلاء الكذابين ، فكان الحسن بن عمارة هو الجاني على نفسه بتدليسهم عن هؤلاء وإسقاطهم من الأخبار حتى التزق الموضوعات به (٢) .

هذا ، وقد ضعفه الترمذي (٣) ، وأبو زرعة الرازي (٤) ، والعقيلي (٥) ، والذهبي (٦) ، والدارقطني (٧) ، والبيهقي (٨) وغيرهم فلا يحتاج إلى الاغراق في نقل الأقوال .

وعلى هذا فالحديث ـ بهذا الطريق ـ موضوع حسب الصناعة وساقط بمرة ، علاوة على أنّه منقطع بين ابن أبي ليلى وبلال كما عرفت .

______________________

(١) الطبقات الكبرى ٦ : ٣٦٨ .

(٢) المجروحين لابن حبان ١ : ٢٢٩ / ٢٠٥ .

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٣٠ / ح ٦٣٨ .

(٤) انظر تهذيب الكمال ٦ : ٢٧٤ .

(٥) الضعفاء للعقيلي ١ : ٢٣٧ / ٢٨٦ .

(٦) ميزان الاعتدال ٢ : ٢٦٥ / ١٩٢١ .

(٧) سنن الدارقطني ١ : ١٦١ ، ح ١ ، و ٢ : ٢٥٨ / ح ٩٩ ، وفيه الحسن بن عمارة متروك الحديث ، علل الدارقطني ٤ : ٥١٤ .

(٨) سنن البيهقي الكبرى ١ : ٢٢١ / ح ٩٩٧ ، و ٢٢٢ / ح ٩٩٨ ، وفيه الحسن بن عمارة لا يحتج به ، و ٢ : ١٦٠ / ح ٢٧٢٣ وفيه الحسن بن عمارة متروك .

١٠٩
 &

الأسانيد :السابع والثامن والتاسع والعاشر

٧ مسند أحمد : حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ،حدثنا أبو قطن ، قال : ذكر رجل لشعبة الحكم عن بن أبي ليلى عن بلال : فأمرني أن أثوّب في الفجر ونهاني عن العشاء ، فقال : شعبة والله ما ذكر بن أبي ليلى ولا ذكر إلّا إسناداً ضعيفاً ، قال أظن شعبة ، قال : كنت أراه رواه عن عمران بن مسلم (١) .

٨ مسند أحمد : حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا علي بن عاصم ، عن أبي زيد عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا أثوّب إلّا في الفجر (٢) .

٩ البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا يحيى بن ابي طالب ، ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، انا شعبة ، عن الحكم بن عتيبة ، عن عبد الرحمن بن ابي ليلى ، قال :

أمر بلال أن يثوب في صلاة الصبح ولا يثوب في غيرها (٣) .

١٠ البيهقي : أخبرنا علي بن محمد بن بشران ، اخبرنا أبو جعفر الرزاز ، حدثنا يحيى بن جعفر ، اخبرنا علي بن عاصم ، حدثنا عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن ابي ليلى عن بلال قال :

أمرني رسول الله أن لا أثوّب إلّا في الفجر .

______________________

(١) مسند أحمد ٦ : ١٥ / ح ٢٣٩٦٠ .

(٢) مسند أحمد ٦ : ١٤ / ح ٢٣٩٥٩ .

(٣) السنن الكبرى ١ : ٤٢٤ / ح ١٨٣٩ .

١١٠
 &

ورواه الحجاج بن أرطاة عن طلحة بن مصرف وزبيد عن سويد بن غفلة : إنّ بلالاً كان لا يثوب إلّا في الفجر فكان يقول في اذانه حي على الفلاح الصلاة خير من النوم (١) .

المناقشة

وقد عرفت حال أسانيد هذه الروايات وأنّها مخدوشة بالانقطاع ، وذلك لعدم سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من بلال .

كما ينفرد السند التاسع بوجود يحيى بن ابي طالب [ يحيى بن جعفر بن الزبرقان ] فيه ، الذي خطَّ أبو داود سليمان بن الاشعث على حديثه ، وقال موسى بن هارون : أشهد أنّه يكذب (٢) .

وفيه أيضاً : عبد الوهاب بن عطاء المجروح الذي روى الميموني عن أحمد قوله فيه : ضعيف الحديث مضطرب (٣) . وقال عنه البعض صدوق !

والذي أورده العقيلي في الضعفاء وقال ... حدثنا عبد الملك بن الحميد ، قال

______________________

(١) السنن الكبرى ١ : ٤٢٤ / ح ١٨٣٩ .

(٢) تاريخ بغداد ١٤ : ٢٢٠ / ٧٥١٢ ، تاريخ الإسلام ٢٠ : ٤٨٩ / ٤ ، ميزان الاعتدال ٧ : ١٩١ / ٩٥٥٥ ، لسان الميزان ٦ : ٢٦٢ / ٩٢١ وفيها زيادة ، قال موسى بن هارون أشهد أنه يكذب عني في كلامه ولم يعن في الحديث والله أعلم . قال الذهبي : لم يطعن فيه أحد بحجة لا بأس به عندي ، وقال في موضع آخر : مشهور وثقه الدارقطني وغيره . انظر المغني في الضعفاء ٢ : ٧٣٢ / ت ٦٩٤٦ و ٧٣٨ / ت ٦٩٩٣ .

(٣) انظر ترجمته في : ميزان الاعتدال ٤ : ٤٣٥ / ٥٣٢٧ ، الضعفاء الصغير البخاري : ٧٧ / ٢٣٣ ، قال : ليس بالقوي عندهم .

١١١
 &

سمعت أحمد بن حنبل ، قال : عبد الوهاب بن عطاء الخفاف : ضعيف الحديث مضطرب ، وقال الذهبي في المغني : ضعفه أحمد (١) .

وفي السند العاشر : علي بن عاصم الواسطي مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر ، اشتهر بواسط ودفن فيها (٢) ، قال البخاري في (التاريخ الكبير) و (الضعفاء الصغير) : ليس بالقوي عندهم ، وعن خالد الحذاء : كذاب فاحذروه ، وقال في (التاريخ الصغير) : أما أنا فلا أكتبه ، يعني حديث علي بن عاصم (٣) .

وقال النسائي : علي بن عاصم ضعيف (٤) .

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدثني أبي ، قال : حدثنا وكيع وذكر علي بن عاصم فقال : خذوا من حديثه ما صحّ ودعوا ما غلط أو ما أخطا فيه .

قال أبو عبد الرحمن : كان أبي يحتج بهذا وكان يقول : كان يغلط ويخطئ وكان فيه لجاج ولم يكن متهما بالكذب (٥) .

وعن عثمان بن أبي شيبة أنّه قال : كنا عند يزيد بن هارون أنا وأخي أبو بكر ، فقلنا : يا أبا خالد علي بن عاصم : أيش حاله عندك ؟ قال : حسبكم ما زلنا نعرفه بالكذب .

______________________

(١) الضعفاء للعقيلي ٣ : ٧٧ / ١٠٤٣ ، المغني في الضعفاء ٢ : ٤١٣ / ٣٨٩٥ ، بحر الدم فيمن مدحه أحمد أو ذمه : ١٠٤ / ٦٥٨ .

(٢) تاريخ بغداد ١١ : ٤٤٦ / ٦٣٤٨ .

(٣) التاريخ الكبير ٦ : ٢٩٠ / ٢٤٣٥ ، الضعفاء الصغير : ٦٢ / ٢٥٤ ، التاريخ الصغير ٢ : ٢٦٩ .

(٤) الضعفاء والمتروكين للنسائي : ٧٦ / ٤٣٠ .

(٥) العلل لاحمد ١ : ١٥٦ / ٧٠ .

١١٢
 &

وعن سهل بن أحمد الواسطي قال : حدثنا أبو حفص عمرو بن علي قال : وعلي بن عاصم فيه ضعف ....

وعن أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز قال : سمعت يحيى بن معين يقول : كذاب ، علي بن عاصم ليس بشيء .

وعن محمد بن أحمد بن يعقوب قال : حدثنا جدي قال : سألت يحيى بن معين عن علي بن عاصم فقال : ليس بشيء ولا يحتج به ، قلت : وما أنكرت منه ؟ قال : الخطا والغلط ، قلت : ثمّ شيء غير هذا ؟ ليس ممن يكتب حديثه .

وعن الزعفراني ، قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : قيل ليحيى بن معين : إنّ أحمد ابن حنبل يقول : إن علي بن عاصم ليس بكذاب ، قال : لا ، والله ما كان علي عنده قط ثقة ، ولا حدث عنه بحرف قط ، فكيف صار عنده اليوم ثقة ؟

وعن أبي أحمد بن فارس قال : حدثنا البخاري قال : قال وهب بن بقية : سمعت يزيد بن زريع ، قال : حدثنا علي [ بن عاصم ] عن خالد بسبعة عشر حديثا ، فسألنا خالدا عن حديث فانكره ، ثمّ آخر فانكره ، ثمّ ثالث فانكره ، فاخبرناه ، فقال : كذاب فاحذروه .

وعن أحمد بن الفرات قال : حدثنا أبو داود قال سمعت شعبة يقول : لا تكتبوا عنه ـ يعني علي بن عاصم ـ .

وقال ابن المديني : كان كثير الغلط وكان إذا غلط فرد عليه لم يرجع .

وقال محمد بن غيلان : أسقطه أحمد وابن معين وأبو خثيمة (١) .

______________________

(١) تهذيب الكمال ٢٠ : ٥٠٤ ـ ٥١٩ / ٤٠٤٩ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٣٠٢ / ٥٧٢ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ٢٤٩ / ٧٢ .

١١٣
 &

وفيه أيضاً عطاء بن السائب (١) ، قال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد القطان : ما سمعت أحدا من الناس يقول في عطاء بن السائب شيئا قط في حديثه القديم ...

وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل : من سمع منه قديما كان صحيحا ومن سمع منه حديثا لم يكن بشيء ، وسمع منه قديما شعبة وسفيان ، وسمع منه حديثا جرير وخالد بن عبد الله ، وإسماعيل ، وعلي بن عاصم (٢) .

وقال الدوري عن يحيى بن معين : كان عطاء بن السائب قد اختلط ، فقلت ليحيى : فما سمع منه جرير وذووه أليس هو بصحيح ؟ قال : لا ... إلّا من سمع منه قديماً ، قال يحيى : وقد سمع أبو عوانة من عطاء في الصحّة وفي الاختلاط جميعاً (٣) .

وقال أبو أحمد بن عدي : أخبرنا ابن أبي عصمة ، قال : حدثنا أحمد بن أبي يحيى قال : سمعت يحيى بن معين يقول : ليث بن أبي سليم ضعيف مثل عطاء بن السائب وجميع من روى عن عطاء روى عنه بعد الاختلاط إلّا شعبة وسفيان (٤) .

وقال ابن عدي أيضاً : وعطاء اختلط في آخر عمره ، فمن سمع منه قديما مثل الثوري وشعبة فحديثه مستقيم ، ومن سمع منه بعد الاختلاط فأحاديثه فيها بعض النكرة (٥) .

وقال أحمد بن عبد الله العجلي : كان شيخا ثقة قديما ، روى عن ابن أبي أوفى ، ومن سمع منه قديما فهو صحيح الحديث ، منهم : سفيان الثوري ، فأما من سمع منه

______________________

(١) كما في الإسنادين الثامن والعاشر .

(٢) وهذا يعني سقوط هذه الرواية عند أحمد بن حنبل .

(٣) تاريخ ابن معين ٣ : ٣٢٨ / ١٥٧٧ .

(٤) الكامل في الضعفاء ٦ : ٨٧ / ١٦١٧ .

(٥) الكامل في الضعفاء ٥ : ٣٦١ / ١٥٢٢ .

١١٤
 &

بآخرة فهو مضطرب الحديث ، منهم : هشيم ، وخالد بن عبد الله الواسطي ، إلّا أن عطاء بأخِرة كان يتلقن إذا لقنوه في الحديث ، لأنّه كان غير صالح الكتاب ، وأبوه تابعي ثقه (١) .

وقال أبو حاتم : كان محله الصدق قديما قبل أن يختلط ، صالح مستقيم الحديث ، ثمّ بأخرة تغير حفظه ، وفي حديثه تخاليط كثيرة ، وقديم السماع من عطاء : سفيان ، وشعبة ، وفي حديث البصريين الذين يحدثون عنه تخاليط كثيرة ، لأنّه قدم عليهم في آخر عمره (٢) ...

وقال ابن علية : هو أضعف عندي من ليث ، وليث ضعيف (٣) .

قلت :

وهذا الطريق ـ أي الطريق العاشر للبيهقي في التثويب عن عطاء بن السائب ـ لم يكن عن شعبة وسفيان ، بل هو عن علي بن عاصم الذي صرح ابن حنبل ـ قبل قليل ـ بأنّه سمع منه حديثا ، أي بعد الاختلاط .

وقال ناصر الدين الألباني في « إرواء الغليل » :

ثمّ أخرج البيهقي وأحمد عن علي بن عاصم ، عن أبي زيد عطاء بن السائب ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به بلفظ : أمرني رسول الله أن لا أثوّب إلّا في الفجر .

______________________

(١) انظر جميع ما قلناه إلى هنا في تهذيب الكمال ٢٠ : ٨٦ / ت ٣٩٣٤ وانظر : تاريخ ابن معين (الدوري) ١ : ٢٤١ / ت ١٥٧٧ ، معرفة الثقات ٢ : ١٣٥ / ١٢٣٧ .

(٢) الجرح والتعديل ٦ : ٣٣٣ / ١٨٤٨ .

(٣) الطبقات الكبرى ٦ : ٣٣٨ .

١١٥
 &

وهذا ضعيف من أجل عطاء وابن عاصم ، وعلَّه البيهقي بالانقطاع فقال : هذا مرسل ، فإنّ عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق بلالاً .

قلت [ والكلام للألباني ] : فعاد الحديث من جميع الوجوه إلى أنه منقطع وهو علَّة الحديث (١) .

وقال النووي في « المجموع » :

عن عطاء [ بن السائب ] ضعيف لا يحتج به . وفي آخر : مختلف فيه ، وفي ثالث ضعفه الأكثرون ، وفي رابع : أختلط في آخر عمره وفي رأبع : مختلف فيه (٢) .

وقال المارديني في « الجوهر النقي » :

عطاء متكلّم فيه ، وقد أختلط في آخر عمره (٣) .

وقال ابن قدامة في « الشرح الكبير » : وقد قيل عطاء أختلط في آخر عمره ، قال أحمد : من سمع منه قديما فهو صحيح ، ومن سمع منه حديثا لم يكن بشيء (٤) .

وبناء على هذا فالحديث بهذا الطريق أو بالطرق السابقة التي سردناها عليك ساقط عن الاعتبار بيقين ، بل هو بمقتضى الصناعة وبالنظر إلى قوانين علم الدراية ومعايير علم الرجال منحول مصنوع ولا وجه لاعتباره .

______________________

(١) إرواء الغليل ١ : ٢٥٣ / ح ٢٣٥ ، وانظر : ٣ : ١٦٥ / ح ٧١٠ كذلك .

(٢) انظر : المجموع ٤ : ١٥٨ ، و ٥ : ٥٥ ، و ٥ : ٢١٨ ، و ٨ : ٧٢ .

(٣) الجوهر النقي ٥ : ٨٥ .

(٤) الشرح الكبير ١ : ١٩٢ .

١١٦
 &

٢ ـ ما روي عن أبي محذورة ، وسويد بن غفلة عن بلال

وهي تنحصر فيما رواه عطاء بن أبي رباح ـ مفتي مكة في زمانه ـ عن أبي محذورة .

الإسنادان الأول والثاني

ابن أبي شيبة : حدّثنا حفص بن غياث ، عن حجاج ، عن عطاء ، عن أبي محذورة . وعن عطاء عن سويد عن بلال : انّه كان آخر تثويبهما الصلاة خير من النوم (١) .

ابن أبي شيبة : حدّثنا حفص ، عن حجاج ، عن عطاء ، عن أبي محذورة ، وعن طلحة عن سويد عن بلال : أنّهما كانا لا يثوّبان إلّا في الفجر (٢) .

المناقشة

الملاحظ في هذين الإسنادين أنّهما مرويّان عن صحابيين :

١ ـ أبي محذورة .

٢ ـ بلال الحبشي .

فأمّا الرواية عن أبي محذورةُ ، فطريقها واحد ـ كما قلنا ـ : « عطاء عن أبي محذورة » ، لكن المروي عن بلال جاء بطريقين في مصنّف ابن أبي شيبة .

______________________

(١) المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٢٣٦ / ح .

(٢) المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٢٣٧ / ح .

١١٧
 &

أحدهما : عطاء عن سويد عن بلال .

ثانيهما : طلحة عن سويد عن بلال .

فنحن نناقش أولاً ما روي عن أبي محذورة ، ثمّ ما روي عن بلال بطريقيه ، فنقول :

أ ـ ما روي عن أبي محذورة

وفيه عطاء بن أبي رباح مولى آل أبي خيثم الفهري القرشي ، عامل عمر بن الخطاب على مكة من كبار رجال الفقه الحاكم ولد لعامين خلت من خلافة عثمان ، قال ابن سعد : كان من مولّدي الجند .

قال أبو عبيد الآجري ، عن أبي داود : كان عطاء بن أبي رباح أبوه نوبيّ ، وكان يعمل المكائل ، وكان عطاء أعور ، أشل ، أفطس ، أعرج ، أسود ، ثمّ عمي بعد ، وعطاء قطعت يده مع ابن الزبير .

روى العلاء بن عمرو الحنفي ، عن عبد القدوس ، عن حجاج ، قال عطاء : وددت أني أحسن العربية ، قال : وهو يومئذ ابن تسعين سنة (١) .

وكان عطاء مفتي أهل مكة في زمانه (٢) ، وفقيه بني أمية ؛ قال عبد الله بن إبراهيم ابن عمر بن كيسان عن أبيه : أذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحج صائحاً يصيح : لا يفتي الناس إلّا عطاء بن أبي رباح (٣) .

______________________

(١) انظر ترجمة تهذيب الكمال ٢٠ : ٦٩ ـ ٨٤ / ٣٩٣٣ ، تهذيب التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٣٨٥ ، تاريخ دمشق ٤٠ : ٣٦٦ / ٤٧٠٥ .

(٢) معرفة الثقات للعجلي ٢ : ١٣٥ / ١٢٣٦ .

(٣) تهذيب الكمال ٢٠ : ٧١ ، صفة الصفوة ٢ : ٢١٣ / من الترجمة ٢٠٩ .

١١٨
 &

وقد غلا بعض الرواة في عطاء ورجّحوه على حبر الأمة ابن عباس وعبد الله بن عمر ، إذ حكى عمر بن سعيد عن أمه : أنّها أرسلت إلى ابن عباس تسأله عن شيء . فقال : يا أهل مكة تجتمعون عَلَيّ وعندكم عطاء ؟! (١)

وقال قبيضة ، عن سفيان عن عمر بن سعيد ، عن أمه : قدم ابن عمر مكة فسألوه : فقال : أتجمعون لي يا أهل مكة المسائل وفيكم ابن أبي رباح ؟! سيد المسلمين عطاء بن أبي رباح .

وقال أبو عاصم الثقفي : سمعت أبا جعفر [ الباقر ] يقول للناس وقد اجتمعوا عليه : عليكم بعطاء هو والله خير لكم مني .

وقال محبوب بن محرز القواريري ، عن حبيب بن جزء ، قال لنا أبو جعفر : خذوا من حديث عطاء ما استطعتم .

وقال أسلم المنقري ، عن أبي جعفر : ما بقي على ظهر الأرض أحد أعلم بمناسك الحج من عطاء (٢) ، إلى غيرها من الأقوال المادحة لعطاء (٣) .

أسالك بالله هل تصدق ما قالوه ونسبوه إلى ابن عباس وابن عمر والباقر من آل البيت ، خصوصا لو القيت نظرة تحقيقية عابرة إلى سيرته وحياته وأقواله وقربه إلى الأمويين .

بل كيف يحيل ابن عباس وابن عمر ـ وهما من الصحابة ـ إلى تابعي لا يحسن العربية !

______________________

(١) تاريخ دمشق ٤٠ : ٣٨١ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ٨١ .

(٢) تهذيب الكمال ٢٠ : ٧٢ ، الجرح والتعديل ٦ : ٣٣٠ .

(٣) تهذيب الكمال ٢٠ : ٧٧ ـ ٧٨ .

١١٩
 &

ألم يفتقر الإفتاء إلى التضلّع بقواعد العربية ووجوه التأويل والتفسير ؟

فكيف بمولى يريد استنطاق النصوص ـ قرآنية كانت أم سنّة نبوية ـ وهو يعترف بأنّه لا يحسن العربية .

وكيف بأهل السنة والجماعة يقبلون بهذا الكلام وهم يعتقدون أيضاً بترجيح إفتاء وحديث الصحابي على افتاء التابعي ، بل لزوم أخذ التابعي عن الصحابي لتاخره رتبة عن الصحابي ولأنّ الله سبحانه وتعالى يقول في الذكر الحكيم : ( وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ) .

بل كيف يمكن قبول ما نسب إلى محمد بن علي الباقر قوله : « ما بقي على ظهر الأرض أحد أعلم بمناسك الحج من عطاء » ، وهو الراوي لصفة حج رسول الله عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله ، وحديثه عليه‌السلام هو المعوّل في مناسك الحج عند جميع المسلمين ومنهم أهل السنة والجماعة .

إنّها تساؤلات تكشف عن أمر غامض في عطاء ووجود تبني حكومي له ولافتائاته ، على وجه الخصوص ، وهو يدعونا للتشكيك في مروياته !

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء :

 ... روى علي ، عن يحيى بن سعيد القطان ، قال : مرسلاتُ مجاهد أحب إليّ من مرسلات عطاء بكثيرٍ ، كان عطاء يأخذ من كل ضرب .

الفضل بن زياد ، عن أحمد بن حنبل ، قال : ليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح ، كانا يأخذان عن كل أحد ، ومرسلات ابن المسيب أصح المرسلات ، ومرسلات إبراهيم النخعي لا بأس بها .

١٢٠