بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٧

٣٢ ـ بصيرة فى عقب

عاقبة كلّ شىء : آخره. وقولهم : ليس لفلان عاقبة ، أى ولد. والعاقبة أيضا : مصدر عقب فلان مكان أبيه عاقبة ، أى خلفه ، وهو اسم جاء بمعنى المصدر كقوله تعالى : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ)(١).

وعقب الرّجل وعقبه : ولده وولد ولده. وقوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ)(٢) أى جعل كلمة التوحيد باقية فى ولده.

والعقب والعقب ـ بضمّة وبضمّتين : العاقبة. قال الله تعالى : (خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً)(٣). وتقول أيضا : جئت فى عقب شهر رمضان ، وفى عقبانه : إذا جئت بعد ما يمضى كلّه.

ويعقوب : اسم النبىّ ، لا ينصرف للعجمة والتعريف ، واسمه إسرائيل. وقيل له يعقوب ، لأنه ولد مع عيصو فى بطن واحد. ولد عيصو قبله ويعقوب متعلّق بعقبه ، خرجا معا ، فعيصو أبو الروم ، قاله الليث.

والعقبى : جزاء الأمر. وقوله تعالى : (وَلا يَخافُ عُقْباها)(٤) أى لا يخاف أن يعقّب على عقوبته من يدفعها ، أى يغيّرها. وقيل : لم يخف القاتل عاقبتها ، والقاتل هو عاقرها قدار بن سالف. وأعقبه بطاعته أى جازاه. وقوله تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً)(٥) أى أضلّهم بسوء فعلهم عقوبة لهم.

والمعقّبات : ملائكة اللّيل والنهار لأنّهم يتعاقبون. وإنّما أنّث لكثرة

__________________

(١) الآية ٢ سورة الواقعة

(٢) الآية ٢٨ سورة الزخرف

(٣) الآية ٤٤ سورة الكهف

(٤) الآية ١٥ سورة الشمس

(٥) الآية ٧٧ سورة التوبة

٨١

ذلك منهم نحو نسّابة وعلّامة. وقيل : ملك معقّب وملائكة معقّبة ثمّ معقّبات / جمع الجمع. وقوله تعالى : (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ)(١) ، أى لم يعطف ، وقيل : لم يرجع ، وقيل : لم يمكث ولم ينتظر. وحقيقته لم يعقّب إقباله إدبارا (إقبالا) (٢) والتفاتا ، ولذلك قيل : تعقيبة خير من غزاة.

وعاقبت الرّجل فى الراحلة : إذا ركبت أنت مرّة وهو مرّة. وقوله : (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ)(٣) أى أصبتموهم فى القتال بعقوبة حتّى غنمتم. وقوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ)(٤) سمّى الأوّل عقوبة ، وما العقوبة إلّا الثانية لازدواج الكلام فى الفعل بمعنى واحد ، ومثله قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ)(٥) ، وكذلك قوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(٦) والمجازاة (٧) عليها حسنة ، إلّا أنّها سميّت سيّئة لأنها وقعت إساءة بالمفعول به ، لأنّه فعل ما يسوءه. والعقوبة والمعاقبة والعقاب يخصّ بالعذاب ، قال تعالى : (فَحَقَّ عِقابِ)(٨).

والعقب : مؤخّر الرّجل. ورجع على عقبه : انثنى راجعا ، قال تعالى : (فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ)(٩).

__________________

(١) الآية ١٠ سورة النمل

(٢) كذا فى الأصلين. وكان الصواب حذفها. وقوله : تعقيبة ، كأن المراد بها أن يثنى الغزو ، فمن معانى التعقيب أن تغزو ثم تثنى من سنتك

(٣) الآية ١١ سورة الممتحنة

(٤) الآية ١٢٦ سورة النحل

(٥) الآية ٦٠ سورة الحج

(٦) الآية ٤٠ سورة الشورى

(٧) فى ا : «المهاربة» وفى ب : «المحاربة» والظاهر أن كليهما تحريف عما أثبت

(٨) الآية ١٤ سورة ص

(٩) الآية ٦٦ سورة المؤمنين

٨٢

٣٣ ـ بصيرة فى عقد وعقر

عقدت الحبل والبيع والعهد. وقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) قال ابن عرفة : العقد : الضمان. والعقود ثلاثة أصناف : عقد عقده الله تعالى على خلقه من حرام أو حلال أو ميقات لفريضة ، وعقد لهم أن يعقدوه إن شاءوا كالبياع (٢) والنكاح وما سوى ذلك ، وعقود النّاس التى تجب لبعضهم على بعض. قال : فالعقد يقع مقام العهد. والمعاقد : مواضع العقد. وعقدت يمينه (٣) وعقّدته ، قال تعالى : (عاقدت أيمانكم) (٤) وقرئ (عَقَدَتْ)(٥) وقال : (بما عَقَدْتُم الأيمان) (٦) وقرئ (٧)(عَقَّدْتُمُ) بالتّشديد.

واعتقد الشىء : اشتدّ وصلب. واعتقد كذا بقلبه. وفى لسانه عقدة ، أى حبسة. وتحلّلت عقده ، أى سكن غضبه.

وقوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ)(٨) أى السّواحر اللّاتى ينفثن فى العقد ، أى يتفلن بلا ريق كما يتفل الراقى.

والعقدة أيضا : الضيعة والعقار الذى اعتقده صاحبه ملكا. والعقدة : البيعة المعقودة لهم (٩). والعقدة : المكان الكثير الشجر أو النخل.

__________________

(١) أول سورة المائدة

(٢) البياع : المبايعة. وفى ا : «كالبيع»

(٣) الأولى : «اليمين»

(٤) الآية ٣٣ سورة النساء.

(٥) هذه قراءة الكوفيين عاصم والكسائى وحمزة وخلف كما فى الإتحاف

(٦) الآية ٨٩ سورة المائدة

(٧) هذه قراءة غير أبى بكر عن عاصم وحمزة أما هؤلاء فقراءتهم «عقدْتُم» دون تشديد. وهناك قراءة ثالثة (عاقدتم) لابن ذكوان

(٨) الآية ٤ سورة الفلق

(٩) أى للولاة والأمراء.

٨٣

عقر الدار والحوض وغيرهما : أصله. وأصبت عقره : أصله. وعقرت النخل : قطعته من أصله ، والبعير : نحرته ، وظهر البعير فانعقر قال تعالى : (فَعَقَرُوها)(١) ، ومنه استعير سرج معقر (٢). وكلب عقور ، ورجل عاقر (٣) ، وامرأة عاقر (٤).

__________________

(١) الآية ٦٥ سورة هود. وورد فى مواطن أخر

(٢) أى غير واق يعقر الظهر

(٣) أى لا يولد له

(٤) أى لا تحبل

٨٤

٣٤ ـ بصيرة فى عقل

العقل : ضدّ الحمق كالمعقول ، والجمع : عقول. عقل يعقل وعقّل فهو عاقل ، والجمع : عقلاء. وعقل الدّواء البطن يعقله ويعقله : أمسكه. وعقل الشىء : فهمه. وله قلب عقول. وعقل البعير : شدّ وظيفه (١) إلى ذراعيه ، كعقّله واعتقله ، والقتيل : وداه ، وعنه : أدّى دية جنايته ، وإليه عقلا وعقولا : لجأ.

وسمّى العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عمّا لا يحسن. وهو القوّة المتهيّئة لقبول العلم. ويقال للعلم الّذى يستفيده الإنسان بتلك القوّة العقل أيضا ؛ ولهذا قيل : (العقل (٢) عقلان ، فمطبوع ومسموع ، ولا ينفع مسموع إذا لم يك مطبوع ، كما لا تنفع الشّمس وضوء العين ممنوع) / وإلى الأوّل يشير ما روى فى بعض الآثار : ما خلق الله خلقا أكرم عليه من العقل. وكذا : أوّل ما خلق الله العقل. وإلى الثانى يشير ما (٣) روى : ما كسب أحد شيئا أفضل من عقل يهديه إلى هدى ، أو يردّه عن ردى. وهذا العقل هو المعنىّ بقوله تعالى : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ)(٤). وكلّ موضع ذمّ الله الكفار بعدم العقل فإشارة إلى الثانى ، وكلّ موضع رفع التكليف عن العبد فإشارة إلى الأوّل.

__________________

(١) الوظيف من الحيوان : مقدم الساق

(٢) هذا كلام مسجوع ينسب للامام على رضى الله عنه. وقد نظمه بعضهم فى قوله :

رأيت العقل عقلين

فمطبوع ومسموع

ولا ينفع مسموع

إذا لم يك مطبوع

كما لا تنفع الشمس

وضوء العين ممنوع

(٣) فى الأصلين : «بما»

(٤) الآية ٤٣ سورة العنكبوت

٨٥

٣٥ ـ بصيرة فى عقم وعكف وعلق

العقم : هزمة (١) تقع فى الرّحم فلا تقبل الولد. وقد عقمت ـ بكسر القاف وضمّها ـ وعقمت ـ بضم العين ـ عقما وعقما وعقما ، وعقمها الله يعقمها وأعقمها. ورحم عقيم وعقيمة : معقومة ، والجمع : عقائم وعقم. وامرأة عقيم ورجل عقيم وعقام : لا يولد له. والجمع عقماء وعقام وعقمى. والملك عقيم : لا ينفع فيه نسب لأنه يقتل فى طلبه الأب والأخ والعمّ والولد.

* وعند ارتياد الملك لا يعرف الأخ*

وريح عقيم : يصحّ أن يكون بمعنى الفاعل وهى الّتى لا تلقح سحابا ولا شجرا ، ويصح أن يكون بمعنى المفعول كالعجوز العقيم ، وهى التى لا تقبل أثر الخير. ويوم عقيم : لا خير فيه ولا فرج.

وحرب عقم وعقام وعقام : شديدة.

العكوف على الشىء : الإقبال عليه مواظبا. وعكفه يعكفه ويعكفه عكفا : حبسه ، والقوم حوله : استداروا. وقوم عكوف : عاكفون. وقوله تعالى : (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً)(٢) أى محبوسا ممنوعا.

العلق محرّكة : الدم الغليظ ، وقيل : الدّم الجامد. القطعة منه علقة ،

__________________

(١) الهزمة فى الشىء : نقرة فيه

(٢) الآية ٢٥ سورة الفتح

٨٦

قال تعالى : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً)(١). والعلق أيضا : دويبّة تتعلّق بالحلق تمصّ الدّم.

والعلق أيضا والعلقة والعلاق والعلاقة : ما تتبلّغ به الماشية من الشجر. والعلق : معظم الطّريق ، والّذى تتعلّق به البكرة ، والهوى ، وقد علقه وعلق به علوقا : هويه.

والعلق ـ بالكسر والفتح ـ : النفيس من كلّ شىء ، والجمع : أعلاق وعلوق.

والعولق : الغول ، والذئب ، والذنب.

وتعلّق الشىء وبه بمعنى كاعتلق. وليس المتعلّق كالمتأنّق (٢) ، أى ليس من يقنع باليسير والعلقة كمن يتأنّق ويأكل ما يشاء.

__________________

(١) الآية ١٤ سورة المؤمنين

(٢) المستقصى : ٢ / ٣٠٤ رقم ١٠٧٧ يضرب فى الأمر بالتنوق

٨٧

٣٦ ـ بصيرة فى علم

علمه يعلمه علما : عرفه حقّ المعرفة. وعلم (١) هو فى نفسه. ورجل عالم وعليم من علماء. وعلّمه العلم وأعلمه إيّاه فتعلّمه. والعلّام والعلّامة والعلّام : العالم جدّا. وكذلك التّعلمة والتعلامة.

والعلم ضربان : إدراك ذات الشّىء ، والثانى : الحكم على الشىء بوجود شىء هو موجود له ، أو نفى شىء هو منفىّ عنه. فالأوّل هو المتعدّى إلى مفعول واحد ، قال تعالى : (لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ)(٢) ، والثّانى : المتعدّى إلى مفعولين ، نحو قوله : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ)(٣). وقوله : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا)(٤) ، إشارة إلى أن عقولهم قد طاشت (٥).

والعلم من وجه ضربان : نظرىّ وعملىّ. فالنظرىّ : ما إذا علم فقد كمل ، نحو العلم بموجودات العالم ، والعملىّ : ما لا يتم إلّا بأن يعمل ، كالعلم بالعبادات.

ومن وجه آخر ضربان : عقلىّ وسمعىّ.

والعلم منزلة / من منازل السّالكين ، إن لم يصحبه السّالك من أوّل قدم

__________________

(١) جاء هذا فى القاموس وظاهره أنه من باب سمع. وقال فى التاج : «والصواب أنه من حد كرم كما هو فى المحكم

(٢) الآية ٦٠ سورة الأنفال

(٣) الآية ١٠ سورة الممتحنة

(٤) الآية ١٠٩ سورة المائدة

(٥) هذا رأى الحسن ، وقد رده النحاس بأن الرسل لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فلا تطيش عقولهم من الفزع. ويذكر القرطبى أن من مواطن القيامة ما يشتد فيه الهول على الرسل ، فلا يمتنع تفسير الحسن. والتفسير المرضى أن المراد : لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا ، أو لا علم لنا بضمائرهم وأسرارهم. وانظر تفسير القرطبى : ٦ / ٣٦١

٨٨

يضعه ، إلى آخر قدم ينتهى إليه (١) يكون سلوكه على غير طريق موصّل ، وهو مقطوع عليه ومسدود عليه سبل الهدى والفلاح ، وهذا إجماع من السادة العارفين. ولم ينه عن العلم إلّا قطّاع الطّريق ونوّاب إبليس.

قال سيّد الطّائفة وإمامهم الجنيد ـ رحمه‌الله ـ : الطّرق كلّها مسدودة على الخلق إلّا من اقتفى أثر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال : من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به فى هذا الأمر ؛ لأن علمنا مقيّد بالكتاب والسنّة. وقال أبو حفص : من لم يزن أفعاله وأقواله فى كلّ وقت بالكتاب والسنّة ولم يتّهم خواطره لا يعدّ فى ديوان الرّجال. وقال أبو سليمان الدّارانى : ربّما يقع فى قلبى النكتة من نكت القوم أيّاما فلا أقبل منه إلّا بشاهدين عدلين : الكتاب والسنّة. وقال السّرىّ (٢) : التصوّف اسم لثلاثة معان : لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ، ولا يتكلّم فى باطن علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب ، ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله. وقال الجنيد (٣) : لقد هممت مرة أن أسأل الله تعالى أن يكفينى مئونة النّساء ، ثم قلت : كيف يجوز أن أسأل هذا ولم يسأله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم أسأله ، ثمّ إنّ الله تعالى كفانى مئونة النساء حتى لا أبالى استقبلتنى امرأة أو حائط وقال (٤) : لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات أن تربّع فى الهواء فلا تغترّوا به حتّى تنظروا

__________________

(١) الأولى : «يضعها» و «إليها» فان القدم مؤنثة ، ولكنه ذهب بها مذهب العضو

(٢) هو السرى السقطى خال الجنيد وأستاذه ، من رجال الرسالة. مات سنة ٢٥٧ ه

(٣) فى الرسالة القشيرية ١٧ نسبة هذا الكلام إلى أبى يزيد البسطامى

(٤) نسب أيضا إلى أبى يزيد فى الرسالة ١٨

٨٩

كيف تجدونه عند الأمر والنهى وحفظ الحدود وآداب الشريعة. وقال النّورىّ أبو الحسين : من رأيتموه يدّعى مع الله حالة تخرجه عن حدّ العلم الشرعىّ فلا تقربوه. وقال النصرآبادي : أفضل التصوف ملازمة الكتاب والسنّة ، وترك الأهواء والبدع ، وتعظيم كرامات المشايخ ، ورؤية أعذار الخلق ، والمداومة على الأوراد ، وترك ارتكاب الرّخص والتأويلات.

والكلمات الّتى تروى عن بعضهم فى التزهيد فى العلم فمن أنفاس الشيطان ، كمن قال : نحن نأخذ علمنا من الحىّ الّذى لا يموت ، وأنتم تأخذونه من حىّ يموت. وقال آخر : العلم حجاب بين القلب وبين الله. وقال آخر : إذا رأيت الصّوفىّ يشتغل بحدّثنا وأخبرنا فاغسل يدك منه. وقال آخر : لنا علم الحروف ولكم علم الورق. وقيل : لبعضهم : ألا ترحل حتى تسمع من عبد الرزّاق فقال : ما يصنع بالسّماع من عبد الرزّاق من يسمع من الخلّاق؟! وأحسن أحوال قائل مثل هذه أن يكون جاهلا يعذر بجهله ، أو والها شاطحا مصرفا بسخطه ، وإلّا فلو لا عبد الرزّاق وأمثاله من حفّاظ السنة لما وصل إلى هذا وأمثاله شىء من الإسلام ، ومن فارق الدليل (١) ضلّ عن السّبيل. ولا دليل إلى الله والجنّة إلّا الكتاب والسنة.

والعلم خير من الحال (٢). الحال محكوم عليه والعلم حاكم ، والعلم هاد والحال تابع. الحال سيف فإن لم يصحبه علم فهو مخراق (٣) لاعب. الحال مركوب لا يجارى ، فإن لم يصحبه علم ألقى صاحبه فى المتالف

__________________

(١) فى الأصلين : «الدنيا» وظاهر أنه تحريف عما أثبت

(٢) يريد حال المريد السالك فى طريق الله. وهو ما يرد على قلبه من المعانى كالطرب والحزن والشوق والانزعاج والقبض والبسط. وانظر الرسالة ٤٠ وما بعدها

(٣) المخراق : المنديل يلف ليضرب به

٩٠

والمهالك. دائرة العلم تسع الدّنيا والآخرة ، ودائرة الحال ربّما تضيق عن صاحبه. العلم هاد والحال الصّحيح مهتد به. فهو تركة الأنبياء / وتراثهم ، وأهله عصبتهم وورّاثهم ، وهو حياة القلب ، ونور البصائر ، وشفاء الصّدور ، ورياض العقول ، ولذّة الأرواح ، وأنس المستوحشين ، ودليل المتحيّرين. وهو الميزان الّذى يوزن به الأقوال والأفعال والأحوال. وهو الحاكم المفرّق بين الشّك واليقين ، والغىّ والرّشاد ، والهدى والضلال ، به يعرف الله ويعبد ، ويذكر ويوحّد. وهو الصّاحب فى الغربة ، والمحدّث فى الخلوة ، والأنيس فى الوحشة ، والكاشف عن الشبهة ، والغنى الّذى لا فقر على من ظفر بكنزه ، والكنف الذى لا ضيعة على من أوى إلى حرزه. مذاكرته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وطلبه قربة ، وبذله صدقة ، ومدارسته تعدل بالصّيام والقيام ، والحاجة إليه أعظم من الحاجة إلى الشّراب والطعام ؛ لأن المرء يحتاج إليهما مرة أو مرّتين فى اليوم ، وحاجته إلى العلم كعدد أنفاسه ، وطلبه أفضل من صلاة النافلة ، نصّ عليه الشافعىّ وأبو حنيفة.

واستشهد (١) الله ـ عزوجل ـ أهل العلم على أجلّ مشهود وهو التوحيد ، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته ، وفى ضمن ذلك تعديلهم فإنّه لا يستشهد بمجروح.

ومن هاهنا يوجّه (٢) ـ والله أعلم ـ الحديث : «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وتأويل المبطلين»

__________________

(١) أى فى قوله تعالى فى الآية ١٨ سورة آل عمران : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(٢) فى الأصلين : «يوجد» ، والظاهر أنه محرف عما أثبت

٩١

وهو حجة الله فى أرضه ، ونوره بين عباده ، وقائدهم ودليلهم إلى جنّته ، ومدنيهم من كرامته. ويكفى فى شرفه أن فضل أهله على العباد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وكفضل سيّد المرسلين على أدنى الصّحابة منزلة ، وأنّ الملائكة تضع لهم أجنحتها ، وتظلّهم بها ، وأنّ العالم يستغفر له من فى السموات ومن فى الأرض حتّى الحيتان فى البحر ، وحتّى النّملة فى جحرها ، وأن الله وملائكته يصلّون على معلّمى النّاس الخير ، وأمر الله أعلم العباد وأكملهم أن يسأل الزّيادة من العلم فقال : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(١).

واعلم أنّ العلم على ثلاث درجات : أحدها : ما وقع من عيان وهو البصر. والثانى : ما استند إلى السمع وهو الاستفاضة. والثالث : ما استند إلى العلم وهو علم التجربة.

على أن طرق العلم لا تنحصر فيما ذكرناه فإنّ سائر الحواسّ توجب العلم ، وكذا ما يدرك بالباطن وهى الوجدانيّات ، وكذا ما يدرك بالمخبر الصّادق ، وإن كان واحدا ، وكذا ما يحصل بالفكر والاستنباط وإن لم يكن تجربة.

تمّ إنّ الفرق بينه وبين المعرفة من وجوه ثلاثة :

أحدها : أن المعرفة لبّ العلم ، ونسبة العلم إلى المعرفة كنسبة الإيمان إلى الإحسان (٢). وهى علم خاصّ متعلّقه أخفى من متعلّق العلم وأدقّ.

__________________

(١) الآية ١١٤ سورة طه

(٢) يريد الايمان والاحسان المذكورين فى حديث جبريل. فالايمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. والاحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فان لم تصل إلى هذا فإن تعبده وأنت موقن بأنه يراك

٩٢

والثانى : أنّ المعرفة هى العلم الذى يراعيه صاحبه [ويعمل] بموجبه ومقتضاه. هو علم يتّصل به الرعاية.

والثالث : أن المعرفة شاهدة لنفسها وهى بمنزلة الأمور الوجدانيّة لا يمكن صاحبها أن يشكّ فيها ، ولا ينتقل عنها. وكشف المعرفة أتمّ من كشف العلم ، على أنّ مقام العلم أعلى وأجلّ ، لما ذكرنا فى بصيرة (عرف).

ومن أقسام العلم العلم اللّدنىّ. وهو ما يحصل للعبد بغير واسطة ، بل إلهام من الله تعالى ، كما حصل للخضر بغير واسطة موسى ، قال تعالى : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)(١). وفرق / بين الرّحمة والعلم وجعلهما من عنده ومن لدنه إذ لم يكن نيلهما على يد بشر. وكان من لدنه أخصّ (٢) وأقرب ممّا عنده ، ولهذا قال تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً)(٣) فالسّلطان النّصير الذى من لدنه أخصّ من الذى من عنده وأقرب ، وهو نصره الذى أيّده به (والّذى (٤) من عنده) ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)(٥).

والعلم اللّدنّىّ ثمرة العبوديّة والمتابعة والصّدق مع الله والإخلاص له ، وبذل الجهد فى تلقّى العلم من مشكاة رسوله ومن كتابه وسنّة رسوله وكمال الانقياد له ، وأمّا علم من أعرض عن الكتاب والسنّة ولم يتقيّد بهما فهو من لدن النفس والشيطان ، فهو لدنّىّ لكن من لدن من؟ وإنما يعرف كون العلم

__________________

(١) الآية ٦٥ سورة الكهف

(٢) كذا. والأولى : «ما من لدنه» (لدن) الغالب جرها بمن

(٣) الآية ٨٠ سورة الاسراء

(٤) هذه العبارة مقحمة هنا. ويظهر أنها كانت مؤخرة عن الآية وأنه كان لها خبر سقط

(٥) الآية ٦٢ سورة الأنفال

٩٣

لدنّيّا روحانيّا بموافقته لما جاء به الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ربّه عزوجل. فالعلم اللدنىّ نوعان : لدنىّ رحمانىّ ، ولدنىّ شيطانىّ وبطناوىّ (١) والمحكّ (٢) هو الوحى ، ولا وحى بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقول المشايخ : العلم اللدنىّ إسناده وجوده ، يعنى أنّ طريق هذا العلم وجدانه ، كما أن طريق غيره هو الإسناد ؛ وإدراكه عيانه (٣) ، يعنى أنّ هذا العلم لا يوجد بالفكر والاستنباط ، وإنما يوجد عيانا وشهودا ؛ ونعته حكمه ، يعنى أن نعوته لا يوصل إليها إلّا به فهى قاصرة عنه. يعنى أن شاهده منه ودليله وجوده ؛ وإنّيّته (٤) لمّيّته ، فبرهان الإنّ فيه هو برهان اللّمّ ، فهو الدّليل وهو المدلول ، ولذلك لم يكن بينه وبين الغيب حجاب بخلاف ما دونه من العلوم.

والذى يشير إليه القوم هو نور من جناب الشهود بمجرد أقوى الحواسّ وأحكامها ، وتقرير لصاحبها مقامها. فيرى الشهود بنوره ، ويفنى ما سواه بظهوره. وهذا عندهم معنى الحديث الرّبانىّ : «فإذا أحببته كنت سمعه الّذى يسمع به ، وبصره الذى يبصر به ، فبي يسمع ، وبى يبصر». والعلم اللّدنىّ الرّحمانىّ هو ثمرة هذه الموافقة والمحبّة الّتى أوجبها التقرّب

__________________

(١) كذا. وكأنه نسبة إلى بطن أى من بطن صاحبه ، ومد فجعله على نسق شيطانى. والقياس بطنى. وقد يكون الأصل : بطنانى بضم الباء نسبته إلى بطنان جمع بطن ، والنسبة إلى الجمع على لفظه جائزة عند الكوفيين

(٢) فى الأصلين : «المحل» ويظهر أنه محرف عما أثبت. ويراد بالمحك ما يرجع إليه فى تمييز الصحيح من غيره

(٣) كذا فى ا. وفى ب : «عناية»

(٤) الانية : الثبوت والتحقق نسبة إلى إن التى للتوكيد ، واللمية : العلية منسوبة إلى لم. وقد دخل هذان الاستعمالان فى البرهان الانى والبرهان اللمى فى المنطق فى مباحث القياس.

٩٤

بالنّوافل بعد الفرائض. واللدنّىّ الشيطانىّ هو ثمرة الإعراض عن الوحى بحكم الهوى. والله المستعان.

والعلم ـ بالتحريك ـ ، الأثر الذى يعلم به الشىء كعلم الطّريق ، وعلم الجيش. وسمّى الجبل علما لذلك. وقرئ : (وإنه لَعَلَم للساعة) (١).

والعالم : اسم للفلك وما يحويه من الجواهر والأعراض. وهو فى الأصل اسم لما يعلم به كالخاتم لما يختم به. فالعالم آلة فى الدّلالة على موجده وخالقه ، ولهذا أحالنا عليه فى معرفة وحدانيّته فقال : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢).

وأمّا جمعه فلأن كلّ نوع من هذه الموجودات قد يسمّى عالما. فيقال : عالم الإنسان ، وعالم النار. وقد روى : إنّ لله بضعة عشر ألف عالم. وأما جمعه جمع السّلامة فلكون النّاس فى جملتهم. وقيل : إنّما جمع به هذا الجمع لأنه عنى به أصناف الخلائق من الملائكة والجنّ والإنس دون غيرها ، روى هذا عن ابن عبّاس رضى الله عنهما. وقال جعفر بن محمّد الصّادق : عنى به النّاس ، وجعل كلّ واحد منهم عالما. وقال : العالم عالمان : / الكبير وهو الفلك بما فيه ، والصّغير وهو الإنسان لأنّه على هيئة العالم الكبير ، وفيه كلّ ما فيه ، وقوله : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ)(٣) أى عالمى زمانهم. وقيل : أراد فضلاء زمانهم الذين يجرى كلّ واحد منهم مجرى عالم.

__________________

(١) الآية ٦١ سورة الزخرف. وهذه القراءة هى قراءة الأعمش كما فى الاتحاف. وقراءة الجمهور : «لَعِلْمٌ» بكسر العين وسكون اللام

(٢) الآية ١٨٥ سورة الأعراف

(٣) الآية ١٢٢ سورة البقرة

٩٥

٣٧ ـ بصيرة فى علن وعلو

علن الأمر وعلن وعلن يعلن ويعلن ويعلن علنا وعلانية واعتلن : ظهر. وأعلنته وأعلنت به. وعلّنته : أظهرته. والعلان والمعالنة والإعلان : المجاهرة. قال تعالى : (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ)(١) ، وقال تعالى : (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً)(٢) ورجل علنة كهمزة : لا يكتم سرّا.

وعلو الشىء وعلوه وعلوه وعلاوته وعاليته : أرفعه. وقد علا علوّا فهو علىّ ، وعلى كرضى : سما. وقيل بالفتح فى الأمكنة والأجسام أكثر ، قال تعالى : (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ)(٣). وعلاه وعلا به واستعلاه واعلولاه وأعلاه وعلّاه وعالاه وعالى به : صعده. والعلاء : الرفعة. علا النهار : ارتفع كاعتلى (٤) واستعلى. والعلوىّ والسّفلىّ : المنسوب إليهما. وصار على (٥) لا يستعمل إلّا فى المحمود ، قال : (تَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً)(٦) والعلىّ : الرفيع القدر ، وإذا وصف تعالى به فمعناه أنه يعلو أن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين ، وعلى ذلك : (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٧)(تَعالى عَمَّا يَصِفُونَ)(٨). وتخصيص لفظ التعالى للمبالغة لا على سبيل التكلّف كما يكون من البشر.

__________________

(١) الآية ٧٧ سورة البقرة. وورد فى مواطن أخر

(٢) الآية ٩ سورة نوح

(٣) الآية ٢١ سورة الانسان

(٤) فى الأصلين : «فاعتلى» وما أثبت من القاموس.

(٥) فى الأصلين : «عملا» والعبارة مقتضبة وسبب ذلك الاختصار المخل لكلام الراغب. وعبارته : وقيل : إن علا يقال فى المحمود والمذموم ، وعلى لا يقال إلا فى المحمود»

(٦) الآية ٤٣ سورة الاسراء

(٧) الآية ١٩٠ سورة الأعراف. وورد فى مواطن أخر

(٨) الآية ١٠٠ سورة الأنعام

٩٦

والأعلى : الأشرف. والاستعلاء يكون لطلب العلوّ المذموم ويكون لطلب الرفعة ، قال تعالى : (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى)(١) وهذا يحتمل الأمرين ، وقوله : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)(٢) أى أعلى من أن يقاس به أو يعتبر بغيره. وقوله : (خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى)(٣) جمع تأنيث الأعلى ، والمعنى هى الأشرف (٤) والأفضل بالإضافة إلى هذا العالم. وقوله : (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ)(٥) قيل جمع علّي : مكان فى السماء السابعة يصعد إليه أرواح المؤمنين ، وقيل : هو اسم أشرف الجنان كما أن سجّين (٦) اسم شرّ مواضع النّيران ، وقيل : بل ذلك على الحقيقة اسم سكّانها ، وهذا أقرب فى العربية ، إذ كان هذا الجمع يختصّ بالنّاطقين. قال (٧) : والواحد علّي نحو بطّيخ. ومعناه : إن الأبرار لفى جملة هؤلاء فيكون ذلك كقوله : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ)(٨) والعلّيّة تصغير (٩) عالية ، وصارت فى العرف اسما للغرفة ، والجمع : العلالىّ.

وتعالى النهار وحرّه : ارتفع. وإذا أمرت منه قلت : تعال بالفتح ، وللمرأة : تعالى ، قال تعالى : (فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ)(١٠) ، وقال تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)(١١). وتعلى (١٢) : علا فى مهلة ، والمرأة من نفاسها ومرضها : خرجت سالمة. وأتيته من عل بضمّ اللام وكسرها ومن علا ، ومن عال ، أى من فوق.

__________________

(١) الآية ٦٤ سورة طه

(٢) أول سورة الأعلى

(٣) الآية ٤ سورة طه

(٤) كذا وقد تبع الراغب فى هذه العبارة. والواجب فى العربية : الشرفى والفضلى ، إذ المطابقة هنا واجبة

(٥) الآية ١٨ سورة المطففين

(٦) كذا ، وتراه ممنوعا من الصرف وكأنه لوحظ فيه أنه اسم للبقعة فاجتمع فيه العلمية والتأنيث وفى الراغب : «سجينا» وهو أولى ، وهو الموافق لما فى التنزيل حيث جاء فيه مصروفا

(٧) كأنه يريد الراغب فان هذا كلامه

(٨) الآية ٦٩ سورة النساء

(٩) لا يريد التصغير الاصطلاحى بل يريد الصغر فى المعنى

(١٠) الآية ٢٨ سورة الأحزاب

(١١) ١٥١ سورة الأنعام

(١٢) فى الأصلين : «تعالى» ، وما أثبت من القاموس.

٩٧

٣٨ ـ بصيرة فى عم وعمد

والعمّ : أخو الأب ، والجمع : أعمام وعمومة وأعمّ. وجمع الجمع : أعممون. وهى عمّة. والمصدر العمومة. وما كنت عمّا ولقد عممت. ورجل معمّ ومعمّ : كثير الأعمام. والعمامة معروف (١) ، والبيضة والمغفر (٢). واعتمّ وتعمّم واستعمّ. وهو حسن العمّة أى الاعتمام. وعمّم : سوّد. وكلّ ما اجتمع وكثر عميم ، والجمع : / عمم ، والاسم العمم. وعمّ عموما : شمل الجماعة. وقد عمّهم بالعطاء. وهو معمّ : خيّر يعمّ بخيره.

عمدت للشىء أعمد عمدا : قصدت له. وفعلت ذلك عمدا على عين ، وعمد عين ، أى بجدّ ويقين ، قال خفاف بن ندبة

فإن تك خيلى قد أصيب صميمها

فعمدا على عين تيمّمت مالكا (٣)

والعمود : عمود البيت ، وجمع القلة : أعمدة ، وجمع الكثرة : عمد بضمّتين ، وعمد بفتحتين. وقرأ أبو بكر عن عاصم ، وحمزة والكسائىّ وخلف : (في عُمُد ممددة) (٤) بضمّتين ، والباقون (فِي عَمَدٍ) بفتحتين. وقول النابغة الذبيانىّ يذكر سليمان عليه‌السلام :

وخيّس الجنّ إنّى قد أذنت لهم

يبنون تدمر بالصفّاح والعمد (٥)

__________________

(١) أى شىء معروف

(٢) هو زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة

(٣) الخيل : الفرسان ، وصميم الخيل مقدم الفرسان ، ويريد به معاوية بن عمرو أخا الخنساء ، ويريد بمالك سيد بنى شمخ من فزارة ، يقول : إن قتل الرئيس منا فقد تحريت أن ألقى فى الحرب هذا الرجل من الأعداء ، وانظر الخصائص : ٢ / ١٨٦

(٤) الآية ٩ سورة الهمزة

(٥) من قصيدة له فى مدح النعمان بن المنذر ، وقبله :

ولا أرى فاعلا فى الناس يشبهه

ولا أحاشى من الأقوام من أحد

إلا سليمان إذ قال المليك له

قم فى البرية فاحددها عن الفند

وقوله : «خيس» أى ذلل. والصفاح : حجارة عراض. وتدمر : مدينة فى الشام

٩٨

قيل : إنّ العمد أساطين الرّخام. وقال ابن عرفة فى قوله تعالى : (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها)(١) العمد : جمع عماد ، قال : وليس فى كلام العرب فعال يجمع على فعل غير عماد وعمد ، وإهاب (٢) وأهب ، أى خلقها مرفوعة (بلا عمد ترونها) (٣) ، وقيل : لا ترون تلك العمد وهى قدرة الله تعالى ، وقيل : لا يحتاجون مع الرّؤية إلى الخبر.

وقوله تعالى : (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ)(٤) ، قال الفرّاء : كانوا أهل عمد ينتقلون إلى الكلأ حيث كان ، ثم يرجعون إلى منازلهم. ويقال لأهل الأخبية : أهل العماد. وقيل : ذات الطّول والبناء الرفيع. والعماد : الأبنية الرفيعة ، يذكّر ويؤنّث ، قال عمرو بن كلثوم :

ونحن إذا عماد الحىّ خرّت

على الأحفاض نمنع من يلينا (٥)

الواحدة : عمادة. وهو رفيع العماد ، أى منزله معلم لزائريه.

__________________

(١) الآية ٢ سورة الرعد

(٢) الاهاب : الجلد مطلقا أو ما لم يدبغ

(٣) العبارة فى اللسان : «بعمد لا ترونها»

(٤) الآية ٧ سورة الفجر

(٥) البيت من معلقته. والأحفاض : الأمتعة واحدها ، حفض

٩٩

٣٩ ـ بصيرة فى عمر وعمق وعمل

العمارة : ضدّ الخراب. عمر أرضه يعمرها فعمرت هى. ومكان معمور وعامر ، قال تعالى : (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ)(١) ، وهو بيت فى السّماء الرابعة حيال (٢) الكعبة يطوف عليه الملائكة ، وفى كلّ سماء بيت بحياله. والعمر والعمر اسم لمدّة عمارة البدن بالحياة ، فهو دون البقاء. فإذا قيل : طال عمره فمعناه عمارة بدنه بروحه. وإذا قيل : بقاؤه فليس يقتضى ذلك ، لأنّ البقاء ضدّ الفناء. ولفضل البقاء على العمر وصف الله تعالى [به](٣) وقلّما وصف بالعمر. والتعمير إعطاء العمر (٤) بالفعل أو بالقول على سبيل الدّعاء ، قال تعالى : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ)(٥). والعمر والعمر واحد ، لكن خصّ القسم بالمفتوحة نحو : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)(٦). وعمرك الله أى سألت الله عمرك ، وخصّ هاهنا لفظ عمر لمّا قصد به قصد القسم. والاعتمار والعمرة : الزّيارة الّتى فيها عمارة الودّ. وجعل فى الشريعة للقصد المخصوص. وكذلك الحجّ.

وقوله : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ)(٧) إمّا من العمارة التى هى حفظ البناء ، أو من العمرة التى هى الزيارة ، أو من قولهم : عمرت بمكان كذا أى أقمت به. والعمارة أخصّ من القبيلة ، وهى اسم لجماعة بهم

__________________

(١) الآية ٤ سورة الطور

(٢) أى إزاءها.

(٣) زيادة من الراغب

(٤) فى الأصلين : «المعمر» وما أثبت من الراغب

(٥) الآية ٦٨ سورة يس

(٦) الآية ٧٢ سورة الحجر

(٧) الآية ١٨ سورة التوبة

١٠٠