بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٧

العينين. واليلمك : الشاب الشديد. ويقال : ما تلمّك بلماك ، أى ما ذاق ، والتلمّك : التلمّظ. ولمكت العجين لمكا : عجنته ، قلب ملكته ملكا ، فإذا تراكيبه الستّة مستعملة معطية معنى القوّة والشدّة.

وقرأ الكسائىّ وعاصم : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، وقرأ باقى السّبعة (مَلِكِ) كفرح. وأجمع السبعة على جرّ الكاف والإضافة : وقرئ (مالكَ) بنصب الكاف والإضافة ، وروى ذلك عن الأعمش ، وقرئ كذلك بالتنوين وروى ذلك عن اليمانىّ. وقرئ (مالكُ يومِ) بالرّفع والإضافة ، وروى ذلك عن أبى هريرة. وقرئ كذلك بالتّنوين ، وروى عن خلف. وقرئ ، (مالك) بالإمالة ، وروى عن يحيى بن يعمر. وقرئ (مالِكِ) بالإمالة (١) والتفخيم (٢) ونقل عن الكسائىّ. وقرئ (ملكى (٣)) بإشباع كسرة الكاف ، وروى عن نافع. وقرئ (مَلِكَ) بنصب الكاف وترك الألف ، وروى عن أنس ابن مالك. وقرئ (مَلِكُ) برفع الكاف وترك الألف ، وروى عن سعد بن أبى وقّاص. وقرئ (مَلْك) كسهل وروى عن أبى عمرو. وأصله ملك ككتف فسكّن ، وهى لغة بكر بن وائل. وقرئ (مَلَكَ) فعلا ماضيا ، وروى عن علىّ بن أبى طالب. وقرئ (مَليك) كسعيد و (ملّاك) بتشديد اللام ، وهذه القراءات بعضها يرجع إلى الملك بضمّ الميم ، وبعضها يرجع إلى الملك بكسر الميم. وفلان مالك بيّن الملك والملك والملك.

__________________

(١) كذا. وكأن الأصل : «بين الامالة والتفخيم» فقد جاء فى البحر أنه نقل عن الكسائى قراءة بين بين أى بين الامالة والتفخيم.

(٢) هو مقابل الامالة.

(٣) فى الأصلين : «مالكى» وما أثبت عن البحر ١ / ٢٠

٥٢١

وقراءة جرّ الكاف تعرب صفة / للجلالة ، فإن كان اللفظ ملكا ككتف ، أو ملكا كسهل مخفّفا من ملك ، أو مليكا كأمين (١) بمعناه. فلا إشكال بوصف المعرفة بالمعرفة. وإن كان اللفظ مالكا أو ملّاكا أو مليكا محوّلين من مالك للمبالغة ، فإن كان للماضى فلا إشكال أيضا ؛ لأنّ إضافته محضة ، ويؤيّده قراءة (مَلَكَ) بصيغة الماضى ، قال الزّمخشرى : وكذا إذا قصد به زمان مستمرّ فإضافته حقيقية. فإن أراد بهذا أنّه لا نظر إلى الزمن فصحيح.

وقراءة نصب الكاف على القطع أى أمدح. وقيل : أعنى ، وقيل : منادى ، توطئة ل (إِيَّاكَ نَعْبُدُ). وقيل فى قراءة (مالكَ) بالنّصب إنّه حال.

ومن رفع فعلى إضمار مبتدأ ، أى هو وقيل : خبر الرحمن على رفعه.

ومن قرأ (مَلَكَ) فجملة لا محلّ لها من الإعراب ، ويجوز كونها خبر الرّحمن. ومن قرأ (مَلِكى) أشبع كسرة الكاف ، وهو شاذّ. وقيل : مخصوص [بالشعر (٢)]. وقال المهدوىّ : لغة.

وما ذكر من تخالف معنى مالك وملك هو المشهور وقول الجمهور. وقال قوم : هما بمعنى واحد كفاره وفره ، وفاكه وفكه ؛ وعلى الأوّل قيل (٣) : مالك أمدح ، لأنه أوسع وأجمع ، وفيه زيادة حرف يتضمّن عشر حسنات ؛ والمالكيّة سبب (٤) لإطلاق التّصرف دون الملكيّة. وأيضا الملك ملك الرّعيّة ، والمالك مالك العبد وهو أدون حالا من الرّعيّة ، فيكون

__________________

(١) فى التاج : «كأمير» وانظر ما الفرق بين مليك كأمير وأمين المحول عن مالك. وقد سقط فى البحر مليك مما خلا من الاشكال.

(٢) زيادة اقتضاها المقام.

(٣) فى الأصلين : «قال» وما أثبت أنسب.

(٤) فى الأصلين : «يثبت» وما أثبت عن تفسير الفخر الرازى.

٥٢٢

القهر والاستيلاء فى المالكيّة أكثر ، ولأنّ الرعيّة يمكنهم إخراج أنفسهم عن كونهم رعيّة ، والمملوك لا يمكنه إخراج نفسه عن كونه مملوكا ، وأيضا المملوك يجب عليه خدمة المالك ، بخلاف الرّعية مع الملك. فلهذه الوجوه كان مالك أكمل من ملك ، وممّن قال به الأخفش وأبو عبيدة.

وقيل : ملك أمدح ؛ لأن كلّ أحد من أهل البلد مالك ، والملك لا يكون إلّا واحدا من أعظم النّاس وأعلاهم ، ولإجماعهم على تعيّن لفظه فى المعوّذة (١) ، ولو لا أنه أعلى لم يتعيّن ، ولأن سياسة الملوك أقوى من سياسة المالكين ؛ لأنه لو اجتمع عالم من الملّاك لا يقاومون ملكا واحدا. قالوا : ولأنه أقصر ، والظّاهر أن القارئ يدرك من الزمان ما يدرك فيه الكلمة بتمامها ، بخلاف مالك ، فإنّها أطول ، فيحتمل ألّا يجد من الزّمان ما يتمّها فيه ، فهو أولى وأعلى ، وروى ذلك عن عمر ، واختاره أبو عبيدة. والملكوت والملكوة كالرّهبوت والترقوة : العزّ والسلطان ، وذلك مختصّ بملك الله تعالى ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢) والمملكة ـ مثلّثة اللام ـ : سلطان الملك وبقاعه التى يتملّكها. والمملوك فى التّعارف يختصّ بالرّقيق من بين الأملاك ، قال تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً)(٣) ، وقد يقال : فلان جواد بمملوكه أى بما يتملكه. والملكة يختصّ بملك العبيد ، يقال : فلان حسن الملكة ، أى الصنع إلى مماليكه. وخصّ ملك العبيد فى القرآن فقال تعالى : (مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)(٤). وفلان مملوك : مقرّ بالملوكة والملكة والملك بمعنى.

__________________

(١) يريد قوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ).

(٢) الآية ١٨٥ سورة الأعراف.

(٣) الآية ٧٥ سورة النحل.

(٤) الآية ٢٣ سورة النور.

٥٢٣

وملاك الأمر وملاكه ـ بالكسر والفتح ـ : قوامه ، وما يعتمد عليه منه. وقيل : القلب ملاك البدن. وشهدنا ملاكه وملاكه وإملاكه ، أى تزوّجه. وأملكه إيّاها حتى ملكها يملكها ملكا وملكا وملكا : زوّجه إيّاها ، شبّه الزّوج بالمالك لكونه يملك شيئا شهيّا. وبهذا النّظر قيل : كاد العروس يكون ملكا. وما لأحد / فى كذا ملك وملك غيرى ، قال : (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا)(١) قرئ بالوجهين (٢). وملك العجين : أحكم عجنه.

والملك ـ محركة ـ واحد الملائكة والملائك. قيل : أصله ألك. والمالكة والمألكة والمألك : الرّسالة ؛ ومنه اشتق الملائك لأنّهم رسل الله. وقيل : «من ل أك». والملأكة : الرسالة. وألكنى إلى فلان أى أبلغه عنىّ ، وأصله ألئكنى ، حذفت الهمزة ونقلت حركتها على ما قبلها. والملأك الملك ، لأنّه يبلّغ عن الله تعالى ، وزنه مفعل ، العين محذوفة ، ألزمت التخفيف إلّا شاذّا (٣). وقال بعض المحقّقين : الملك من الملك. قال : والمتولّى من الملائكة شيئا من السّياسات يقال له : ملك ـ محرّكة ـ ، ومن البشر يقال له : ملك ـ بكسر اللام ـ. فكلّ ملك ملائكة ، وليس كلّ ملائكة ملكا ، بل الملك هم المشار إليهم بقوله تعالى : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً)(٤) ، (فَالْمُقَسِّماتِ)(٥) ، (وَالنَّازِعاتِ)(٦) ونحو ذلك ، ومنه ملك الموت ، قال تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ)(٧).

__________________

(١) الآية ٨٧ سورة طه.

(٢) بل قرئ بالفتح والكسر والضم. فالفتح لنافع وعاصم وأبى جعفر ، والضم لحمزة والكسائى وخلف ، والكسر للباقين. كما فى الاتحاف.

(٣) كما فى قول الشاعر :

ولست لانسى ولكن لملأك

تنزل من جو السماء يصوب

(٤) الآية ٥ سورة النازعات.

(٥) الآية ٤ سورة الذاريات.

(٦) صدر سورة النازعات.

(٧) الآية ٢١ سورة السجدة.

٥٢٤

٢١ ـ بصيرة فى ملو ومنع

الإملاء : الإمهال. وأملاه الله : أمهله ، قال تعالى : (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)(١) ، وقال تعالى : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً)(٢) ، ومنه ملاوة من الدّهر وملوة ـ بتثليث ميمها ـ أى برهة ومدّة طويلة. وملّاك الله حبيبك تمليه : متّعك به وأعاشك معه مدّة طويلة ، قال تعالى : (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)(٣).

وقوله تعالى : (سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ)(٤) أى أمهل. ومن قرأ (وأُملى لهم) فمن (٥) قولهم : أمليت الكتاب أمليه إملاء ، وأصله أمللت فقلب تخفيفا ، كما قال : (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ)(٦)

المنع : خلاف الإعطاء ، يقال منه : منع يمنع منعا ، فهو مانع ومنّاع ومنوع قال تعالى : (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ)(٧) ، وقال تعالى : (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً)(٨).

والمانع من صفات الله تعالى له معنيان :

أحدهما : ما روى فى الدعاء الثابت عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ لا مانع لما أعطيت ، ولا معطى لما منعت ، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ».

__________________

(١) الآية ١٨٣ سورة الأعراف.

(٢) الآية ١٧٨ سورة آل عمران.

(٣) الآية ٤٦ سورة مريم.

(٤) الآية ٢٥ سورة محمد.

(٥) كأنه يرى أن المراد : أمليت أعمالهم على كتاب صحائفهم ، ولا داعى لهذا بل هو الامهال أيضا.

(٦) الآية ٢٨٢ سورة البقرة.

(٧) الآية ١٢ سورة القلم.

(٨) الآية ٢١ سورة المعارج.

٥٢٥

وكأنه يعطى من استحق العطاء ، ويمنع من استحق المنع ، ويعطى من يشاء ويمنع من يشاء. وهو العادل فى جميع ذلك.

المعنى الثانى : أنه يمنع أهل دينه ، أى يحوطهم وينصرهم ، ومن هذا قولهم فلان فى عزّ ومنعة ـ بالتحريك وقد يسكن النّون ـ والمنعة : جمع مانع كعامل وعملة ، أى هو فى عزّ ومعه (١) من يمنعه من عشيرته.

وقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)(٢) أى ما حماك ، وقيل : ما الّذى صدّك وحملك على ترك ذلك.

__________________

(١) زيادة من القاموس.

(٢) الآية ١٢ سورة الأعراف.

٥٢٦

٢٢ ـ بصيرة فى منّ

منّ عليه منّا ومنّة ومنّينى : امتن. قال تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ)(١) ، فالمنّة منهم بالقول ، ومنّة الله عليهم بالفعل وهو هدايته إيّاهم ، وقال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(٢) أى أثقلهم بالنعمة الثقيلة. وذلك بالحقيقة لا يكون إلا لله تعالى.

وقوله تعالى : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)(٣) المنّ إشارة إلى الإطلاق بغير عوض. وقوله : (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ)(٤) ، أى أنفق. وقوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)(٥) فقد قيل : هو المنّة بالقول ، وذلك أن يمتنّ به ويستكثره ، وقيل : معناه : لا تعط مبتغيا أكثر منه. ومنه قوله تعالى : (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)(٦) أى غير مقطوع ، من قولهم منّ الحبل : قطعه ، وقيل : غير محسوب ولا معتدّ به / من قولك : (٧) منّ عليه إذا امتنّ ، وقيل : غير منقوص ، ومنه قيل للمنيّة : المنون ، لأنّها تنقص العدد ، وتقطع المدد. وقيل : إن المنّة تكون بالقول ، وهى من هذا لأنها تقطع النعمة ، وتقتضى قطع الشكر

__________________

(١) الآية ١٧ سورة الحجرات.

(٢) الآية ١٦٤ سورة آل عمران.

(٣) الآية ٤ سورة محمد.

(٤) الآية ٣٩ سورة ص.

(٥) الآية ٦ سورة المدثر.

(٦) الآية ٨ سورة فصلت ، والآية ٢٥ سورة الانشقاق.

(٧) فى الراغب : «كما قال : بغير حساب».

٥٢٧

وأمّا المنّ فى قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى)(١) فهو طلّ ينزل من السّماء حلو ، ينزل على أصناف من الشجر ؛ كالصفصاف ونحوه. وقيل : المنّ والسّلوى كلاهما إشارة إلى ما أنعم الله به عليهم ، وهما بالذات شىء واحد ، ولكن سمّاه منّا من حيث إنه امتنّ به عليهم ، وسمّاه سلوى من حيث إنّه كان لهم به التسلّى.

والمنين : الرجل الضعيف ، والرجل القوىّ من الأضداد.

والمنّان من أسماء الله تعالى ، ومعناه : المعطى ابتداء. والممنّان : الملوان (٢).

__________________

(١) الآية ٥٧ سورة البقرة.

(٢) هما الليل والنهار.

٥٢٨

٢٣ ـ بصيرة فى من

وهى على خمسة أوجه :

١ ـ شرطيّة ، نحو (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ)(١).

٢ ـ واستفهاميّة نحو (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا)(٢) ، (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى)(٣). وإذا قيل : من يفعل هذا إلّا زيد؟ فهى من الاستفهاميّة ، أشربت معنى النّفى. ومنه : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ)(٤). ولا يتقيد جواز ذلك بأن يتقدّمها الواو ، خلافا لبعضهم بدليل قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)(٥).

٣ ـ وموصولة ، نحو : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)(٦) أى الذى فى السّماوات والذى فى الأرض.

٤ ـ وموصوفة نكرة ، ولهذا دخلت عليها ربّ فى نحو قوله :

ربّ من أنضجت غيظا قلبه

قد تمنّى لى موتا لم يطع (٧)

ووصف بالنكرة فى نحو قول كعب بن مالك [وقيل] لحسّان :

فكفى بنا فضلا على من غيرنا

حبّ النبىّ محمد إيّانا (٨)

__________________

(١) الآية ١٢٣ سورة النساء.

(٢) الآية ٥٢ سورة يس.

(٣) الآية ٤٩ سورة طه.

(٤) الآية ١٣٥ سورة آل عمران.

(٥) الآية ٢٥٥ سورة البقرة.

(٦) الآية ١٨ سورة الحج.

(٧) من قصيدة لسويد بن أبى كاهل اليشكرى.

(٨) زيادة من حاشية الأمير على المغنى فى مبحث الباء الزائدة.

٥٢٩

فى رواية الجرّ. وقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا)(١) جزم جماعة أنّها موصوفة ، وآخرون بأنها موصولة.

٥ ـ وزائدة كقول عنترة :

يا شاة من قنص لمن حلّت له

حرمت علىّ وليتها لم تحرم (٢)

المراد بالشّاة المرأة.

__________________

(١) الآية ٨ سورة البقرة.

(٢) من معلقته ويروى : «ما قنص» ، وقوله : «حرمت على» قيل : إنها كانت من قوم أعداء. وقيل : إنها كانت امرأة أبيه.

٥٣٠

٢٤ ـ بصيرة فى من

وهى تأتى على خمسة عشر وجها :

لابتداء الغاية ، وهو الغالب ؛ حتى قيل : إن سائر معانيها راجعة إليه ويقع لذلك فى غير الزّمان ، نحو : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(١) ، (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ)(٢)

قيل فى الزمان أيضا نحو قوله تعالى : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ)(٣) ، وفى الحديث : «فمطرنا (٤) من الجمعة إلى الجمعة».

الثّانى : التبعيض نحو : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ)(٥) وعلامتها إمكان سدّ (بعض) مسدّها ؛ كقراءة ابن مسعود (حتى تنفقوا بعض ما تحبون) (٦).

الثالث ، بيان الجنس. وكثيرا ما تقع بعد ما ومهما. وهما بها أولى ؛ لإفراط إبهامهما نحو : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها)(٧)(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ)(٨) ، (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ)(٩). ومن وقوعها بعد غيرهما (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ)(١٠) ، (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ)(١١) ، ونحو : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ)(١٢).

وأنكر مجىء (من) لبيان الجنس قوم ، وقالوا : هى فى (مِنْ ذَهَبٍ) و (مِنْ

__________________

(١) الآية ١ سورة الاسراء.

(٢) الآية ٣٠ سورة النمل.

(٣) الآية ١٠٨ سورة التوبة.

(٤) ورد فى البخارى فى باب الاستسقاء.

(٥) الآية ٢٥٣ سورة البقرة.

(٦) قراءة الناس فى الآية ٩٢ من سورة آل عمران. (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ).

(٧) الآية ٢ سورة فاطر.

(٨) الآية ١٠٩ سورة البقرة.

(٩) الآية ١٣٢ سورة الأعراف.

(١٠) الآيات ٣١ سورة الكهف ، والآية ٢٣ سورة الحج ، والآية ٣٣ سورة فاطر.

(١١) الآية ٣١ سورة الكهف

(١٢) الآية ٣٠ سورة الحج.

٥٣١

سُنْدُسٍ) للتبعيض ، وفى (مِنَ الْأَوْثانِ) للابتداء ، والمعنى : فاجتنبوا من الأوثان الرّجس ، وهو عبادتها. وهذا تكلّف.

وقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً)(١) للتبيين ، لا للتبعيض كما زعم بعض الزنادقة الطاعنين فى بعض الصّحابة. والمعنى : الذين آمنوا هم هؤلاء. ومثل قوله تعالى : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ / أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ)(٢) ، وكلّهم محسن متّق ، (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٣) ، والمقول فيهم ذلك كلّهم كفّار.

الرابع : التعليل ، نحو : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا)(٤)

* وذلك من نبإ جاءنى* (٥)

. الخامس : البدل : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ)(٦) ، (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ)(٧) لأن الملائكة لا تكون من الإنس ، (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً)(٨) أى بدل طاعة الله ، أو بدل رحمة الله ؛ «ولا ينفع (٩) ذا الجدّ منك الجدّ».

__________________

(١) الآية ٢٩ سورة الفتح.

(٢) الآية ١٧٢ سورة آل عمران.

(٣) الآية ٧٣ سورة المائدة.

(٤) الآية ٢٥ سورة نوح.

(٥) عجزه :

* وذلك من نبأ جاءنى*

وقبله :

تطاول ليلك بالاثمد

ونام الخلى ولم ترقد

وبات وباتت له ليلة

كليلة ذى العائر الأرمد

وينسب هذا الشعر لإمرئ القيس بن حجر ، ولإمرئ القيس بن عابس. وانظر الخصائص ١ / ١٤.

(٦) الآية ٣٨ سورة التوبة.

(٧) الآية ٦٠ سورة الزخرف.

(٨) الآيات ١٠ ، ١١٦ سورة آل عمران ، ١٧ سورة المجادلة.

(٩) هذا من دعاء الاعتدال إذا رفع المصلى رأسه من الركوع. جاء فى سنن أبى داود فى أبواب الصلاة.

٥٣٢

السّادس : مرادفة عن : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ)(١)(يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا)(٢).

السابع : مرادفة الباء : (يَنْظُرُونَ) إليك (مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ)(٣).

الثامن : مرادفة فى ، نحو : (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ)(٤) ، (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ)(٥).

التاسع : موافقة عند : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً)

قاله أبو عبيدة. وقد قدّمنا أنها للبدل.

العاشر : مرادفة على ، نحو : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ)(٦) ، وقيل على التضمين ، أى معناه منهم بالنصر.

الحادى : عشر الفصل ، وهى الدّاخلة على ثانى المتضادّين : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)(٧) ، (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(٨).

الثانى عشر : الغاية ، تقول : رأيته من ذلك الموضع ؛ فجعلته غاية لرؤيتك أى محلّا للابتداء والانتهاء.

الثالث عشر : التنصيص على العموم ، وهى الزائدة (فى) نحو : ما جاءنى من رجل.

الرابع عشر : توكيد العموم ، وهى الزائدة [فى](٩) نحو : ما جاءنى من أحد. وشرط زيادتها فى النّوعين ثلاثة أمور.

__________________

(١) الآية ٢٢ سورة الزمر.

(٢) الآية ٩٧ سورة الأنبياء.

(٣) الآية ٤٥ سورة الشورى.

(٤) الآية ٤ سورة الأحقاف.

(٥) الآية ٩ سورة الجمعة.

(٦) الآية ٧٧ سورة الأنبياء.

(٧) الآية ٢٢٠ سورة البقرة.

(٨) الآية ١٧٩ سورة آل عمران.

(٩) زيادة من المغنى.

٥٣٣

أحدها : تقدّم نفى أو نهى ، أو استفهام بهل ، أو شرط ، نحو : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها)(١) ، (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ)(٢) ، وقول الشاعر (٣) :

ومهما يكن عند امرئ من خليقة

وإن خالها تخفى على النّاس تعلم

الثانى : تنكير مجرورها.

الثالث : كونه فاعلا أو مفعولا أو مبتدأ.

وقيل فى قوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ)(٤) : إنّ (مِنْ) زائدة. وقال أبو البقاء فى قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)(٥) : إن (مِنْ) زائدة و (شَيْءٍ) فى موضع المصدر أى تفريطا. وعدّ أيضا من ذلك قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ)(٦) فقال : يجوز كون (آيَةٍ) حالا و (مِنْ) زائدة ، واستدلّ بنحو : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)(٧) ، (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)(٨) ، (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ)(٩)(وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ)(١٠). وخرّج الكسائى على زيادتها قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن من أشدّ الناس (١١) عذابا يوم القيامة عند الله المصوّرون» ، وكذا ابن جنّى قراءة بعضهم : (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ)(١٢) بتشديد

__________________

(١) الآية ٥٩ سورة الأنعام.

(٢) الآية ٣ سورة الملك.

(٣) هو زهير فى معلقته.

(٤) الآية ٩١ سورة المؤمنين.

(٥) الآية ٣٨ سورة الأنعام.

(٦) الآية ١٠٦ سورة البقرة.

(٧) الآية ٣٤ سورة الأنعام.

(٨) الآية ٣١ سورة الأحقاف.

(٩) الآية ٣١ سورة الكهف ، والآية ٢٣ سورة الحج ، والآية ٣٣ سورة فاطر.

(١٠) الآية ٢٧١ سورة البقرة

(١١) أخرجه مسلم وابن حنبل عن ابن مسعود. والرواية فى الفتح الكبير بدون (من).

(١٢) الآية ٨١ سورة أل عمران وتخريج ابن جنى أن الأصل : (لمن ما) ثم أدغم فصار (لمما) ثم حذفت الميم المكسورة ، كما فى المغنى.

٥٣٤

(لمّا) ، والفارسىّ فى قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ)(١). ويجوّز كون من ومن الأخيرتين زائدة ، وقال به بعضهم فى : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)(٢).

وأمّا قوله تعالى : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ)(٣) فمن الأولى للابتداء ، والثانية للتعليل. وقوله : (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها)(٤) ، من الأولى للابتداء ، والثانية إمّا كذلك فالمجرور بدل بعض وأعيد الجار ، وإمّا لبيان الجنس ، فالظرف حال ، والمنبت محذوف ، أى مما تنبته كائنا / من هذا الجنس.

وقوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ)(٥) ، (من الأولى مثلها فى زيد أفضل من عمرو ، و (من) الثانية للابتداء. وقوله : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ)(٦) من للابتداء ، والظرف صفة لشهوة أى شهوة مبتدأة من دونهنّ. وقوله : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ)(٧) الآية فيها (من) ثلاث مرات : الأولى للبيان ؛ لأن الكافرين نوعان كتابيّون ومشركون ، والثانية زائدة ، والثالثة لابتداء الغاية. وقوله : (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ)(٨) ، (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ)(٩) الأولى فيهما للابتداء ، والثانية للتبيين. وقوله تعالى : (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ)(١٠) ، من فيهما للابتداء ، ومجرور الثانية بدل من مجرور الأولى بدل اشتمال ؛ لأنّ الشجرة كانت ثابتة بالشاطئ.

__________________

(١) الآية ٤٣ سورة النور

(٢) الآية ٣٤ سورة الأنعام.

(٣) الآية ٢٢ سورة الحج.

(٤) الآية ٦١ سورة البقرة.

(٥) الآية ١٤٠ سورة البقرة.

(٦) الآية ٨١ سورة الأعراف.

(٧) الآية ١٠٥ سورة البقرة.

(٨) الآية ٥٢ سورة الواقعة.

(٩) الآية ٨٣ سورة النمل.

(١٠) الآية ٣٠ سورة القصص.

٥٣٥

٢٥ ـ بصيرة فى موت

الموت أنواع ، كما أنّ الحياة أنواع.

فمن الموت ما هو بإزاء القوّة النّامية الموجودة فى الإنسان والحيوان والنبات ، نحو قوله تعالى : (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً)(١) ، لم يقل : ميتة لأنّ الميت يستوى فيه المذكّر والمؤنث.

وموت هو زوال القوّة الحسّاسة ، قال تعالى : (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا)(٢).

وموت هو زوال القوّة العاقلة ، وهى الجهالة ، قال تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(٣) ، وإيّاه قصد بقوله : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى)(٤).

وموت بالتشبّه (٥) ، وهو كل أمر جليل يكدّر العيش وينقص الحياة. وإيّاه قصد بقوله : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ)(٦).

ومنها النوم ؛ كما (٧) يقال : النوم موت خفيف ، والموت نوم ثقيل ، وعلى هذا النحو سمّاه الله توفّيا ، قال الله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها)(٨) ، وقد مات يموت ويمات أيضا. وأكثر من يتكلّم بها طيّئ. وقد تكلّم بها سائر العرب ، قال :

بنيّتى يا خيرة البنات

عيشى ولا تأمن أن تماتى

__________________

(١) الآية ٤٩ سورة الفرقان.

(٢) الآية ٦٦ سورة مريم.

(٣) الآية ١٢٢ سورة الأنعام.

(٤) الآية ٨٠ سورة النمل.

(٥) يريد أنه موت غير حقيقى ، ولكن أطلق عليه مجازا لشبهه بالموت الحقيقى.

(٦) الآية ١٧ سورة إبراهيم.

(٧) فى الأصلين : «ما».

(٨) الآية ٤٢ سورة الزمر.

٥٣٦

وقال يونس : يميت لغة ثالثة فيها ، فهو ميّت وميت ، وقوم موتى وأموات وميّتون. وأصل ميّت ميوت على فيعل ، ثم أدغم ، ثم يخفّف فيقال : ميت. قال عدىّ بن الرّعلاء :

ليس من مات فاستراح بميت

إنّما الميت ميّت الأحياء

إنما الميت من يعيش ذليلا

كاسفا باله قليل الرّجاء

قال الفراء : يقال لمن لم يمت : إنه مائت عن قليل وميّت ، ولا يقال لمن مات : هذا مائت.

والموت : السّكون ، ماتت الرّيح أى سكنت. ومات الرّجل وهوّم أى نام. ومات الثوب أى بلى. والموتة : الواحدة من الموت. وموت مائت كليل لائل. والموات ـ بالضم ـ : الموت. والموات ـ بالفتح ـ : ما لا روح فيه. والموات أيضا : الأرض لا مالك لها من بنى آدم ، ولا ينتفع بها أحد. والموتان : خلاف الحيوان. وفى المثل : اشتر الموتان ، ولا تشتر الحيوان. أى اشتر الأرضين والدّور ولا تشتر الرّقيق والدّواب. والموتان من الأرض : الّتى لم تحى بعد. وفى الحديث (١) : «موتان الأرض لله ولرسوله ، فمن أحيا منها شيئا فهو له».

وقوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(٢) قيل : نفى الموت عنهم والمراد نفيه عن أرواحهم ، تنبيها على ما هم فيه من النعيم. وقيل : نفى عنهم / الحزن المذكور فى قوله : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ)(٣). وقوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ)(٤)

__________________

(١) جاء هذا الحديث فى المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج ١ / ٤٣٠.

(٢) الآية ١٦٩ سورة آل عمران.

(٣) الآية ١٧ سورة إبراهيم.

(٤) الآية ١٨٥ سورة آل عمران.

٥٣٧

المراد زوال القوّة الحيوانيّة ، ومفارقة الرّوح البدن. وقوله : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)(١) قيل معناه : ستموت تنبيها على أنه لا بدّ لكلّ أحد من الموت ، وقيل : بل إشارة إلى ما يعترى الإنسان دائما من التحلّل (٢) والنقص ؛ فإن البشر ما دام فى الدّنيا يموت جزءا فجزءا.

والميتة من الحيوان : ما مات بغير تذكية. والمستميت : المتعرّض للموت الذى لا يبالى فى الحرب من الموت. والمستميت للأمر : المسترسل. والموتة ـ بالضمّ ـ شبه الجنون والصّرع ، كأنه من موت العلم والعقل. ومنه رجل موتان القلب وامرأة موتانة. وأماته الله وموّته للمبالغة. وأمات فلان : إذا مات له ابن أو بنون ، وكذلك الناقة والمرأة ، فهى مميت ومميتة ، وجمعها : مماويت. وأمات الشىء طبخا : بالغ فى نضجه ، وموّتت الإبل : ماتت ، فهو لازم ومتعدّ. قال مجنون عامر :

فعروة مات موتا مستريحا

فها أنا ذا أموّت كلّ يوم (٣)

والمتماوت من صفة الناسك.

__________________

(١) الآية ٣٠ سورة الزمر.

(٢) فى الأصلين : «التخلل» وما أثبت هو المناسب.

(٣) قبله. :

عجبت لعروة العذرى أضحى

أحاديثا لقوم بعد قوم

وانظر الأغانى (الدار) ٢ / ٨٤. وفيها : «وها أنا ميت فى» فى مكان «فها أنا ذا أموت».

٥٣٨

٢٦ ـ بصيرة فى موج وميد ومير وميز

ماج البحر موجا : اضطرب. وتموّج تموّجا. والموج : ما يرتفع من غوارب (١) الماء ، قال تعالى : (يَمُوجُ فِي بَعْضٍ)(٢)

ماد يميد ميدا وميدانا : تحرّك بشدّة ، ومنه قوله تعالى : (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ)(٣) أى تضطرب بكم وتدور بكم وتحرّككم حركة شديدة. يقال : مادت الأرض إذا تمايلت. وفى الحديث (٤) : «المائد فى البحر الذى يصيبه القىء له أجر شهيد ، وللغرق أجر شهيدين» ، المائد الّذى يصيبه الدّوار. والميدى كحيرى : الجماعة منهم. وماد الرّجل : تبختر.

والمائدة : خوان عليه طعام. فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة ، وإنما هو خوان ، قال تعالى : (أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ)(٥) قال أبو عبيدة : مائدة (٦) فاعلة بمعنى مفعولة نحو عيشة راضية بمعنى مرضيّة. وقال أبو إسحاق : الأصل عندى فى المائدة أنها بمعنى فاعلة لا بمعنى مفعولة ، لكن على معناها فى الفاعلية كأنها تميد بما عليها أى تتحرك. والميدة لغة فيها ، أنشد الجرمىّ :

وميدة كثيرة الألوان

تصنع للإخوان والجيران

ومادهم أى زادهم ، قيل : ومنه المائدة لأنها يزاد عليها.

__________________

(١) غوارب الماء : أعاليه

(٢) الآية ٩٩ سورة الكهف.

(٣) الآية ١٥ سورة النحل ، والآية ١٠ سورة لقمان.

(٤) ورد الحديث فى الجامع الصغير عن أبى داود. وفى الشرح أن إسناده حسن.

(٥) الآية ١١٤ سورة المائدة.

(٦) أخذها أبو عبيدة من ماده : أعطاه ، فجعلها معطاة.

٥٣٩

الميرة ـ بالكسر ـ طعام يمتاره الإنسان ، وقد مار أهله يميرهم ، قال تعالى : (نَمِيرُ أَهْلَنا)(١).

الميز مصدر قولك مزت الشيء أميزه ميزا : عزلته وفرزته ، قال الله تعالى : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(٢) ابن الأعرابى : ماز الرجل : انتقل من مكان إلى مكان. وأنشد الليث لحسّان بن ثابت رضى الله عنه :

من جوهر ميز فى معادنه

متفضل باللجين والذهب (٣)

وأماز الشىء مازه ، ومنه قراءة ابن مسعود رضى الله عنه : (لِيُميز الله الخبيث من الطيّب) بضم الأولى وسكون الثّانية (٤). وميّز الشيء من الشيء : مثل مازه منه وأمازه. وانماز الشىء : انفعل من مزته. وامتاز أى انفصل ، ومنه قوله تعالى : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ)(٥) قال ابن عرفة : أى كونوا فرقة فرقة إلى النار. وتميّز : تقطع ، ومنه قوله تعالى (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)(٦) أى تتقطّع من غيظها. واستماز : تنحى. والتمييز فى العرف : القوّة التى فى الدّماغ ، وبها يستنبط المعانى.

__________________

(١) الآية ٦٥ سورة يوسف.

(٢) الآية ٣٧ سورة الأنفال.

(٣)؟؟؟

(٤) أى الياء الثانية.

(٥) الآية ٥٩ سورة يس.

(٦) الآية ٨ سورة الملك.

٥٤٠