بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٧

٤ ـ بصيرة فى مثل

المثل والمثل والمثيل ، كالشبه والشبه والشبيه لفظا ومعنى ، والجمع : أمثال. والمثل ـ محركة ـ : الحديث. وقد مثّل به وامتثله وتمثّله وتمثّل به. وقد يعبّر بالمثل والشبه عن وصف الشىء ؛ نحو قوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ)(١).

وقد يستعمل المثل عبارة عن المشابه (٢) لغيره فى معنى من المعانى ، أىّ معنى كان. وهو أعمّ الألفاظ الموضوعة للمشابهة ؛ وذلك أن الندّ يقال فيما يشاركه فى الجوهريّة (٣) فقط ، والشكل يقال فيما يشاركه فى القدر والمساحة ، والشبه يقال فيما يشاركه فى الكيفيّة فقط ، والمساوى يقال فيما يشاركه فى الكميّة فقط ، والمثل عامّ فى جميع ذلك. ولهذا لمّا أراد الله نفى التشبيه من كل وجه خصّه بالذكر فقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٤).

وأمّا الجمع بين الكاف والمثل فقد قيل : ذلك لتأكيد النفى ، تنبيها على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف ، فنفى بليس الأمرين جميعا. وقيل : المثل هاهنا بمعنى الصفة ، ومعناه : ليس كصفته صفة ، تنبيها على أنّه وإن وصف بكثير ممّا يوصف به البشر فليس تلك الصفات له على حسب ما يستعمل فى البشر.

__________________

(١) الآية ٣٥ سورة الرعد.

(٢) فى الأصليين : «المشابهة» ، والمناسب ما أثبت.

(٣) فى الراغب : «الجوهر.

(٤) الآية ١١ سورة الشورى.

٤٨١

والمثل : عبارة عن قول فى شيء يشبه قولا فى شيء آخر بينهما مشابهة ، ليبيّن أحدهما الآخر ، ويصوّره ، نحو قولهم : الصيف (١) ضيّعت اللبن ؛ فإن هذا القول يشبه قولك : أهملت وقت الإمكان أمرك. وعلى هذا الوجه ما ضرب الله تعالى (٢) من الأمثال فقال : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(٣) ، (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ)(٤).

والمثول : الانتصاب. والتمثال ـ بالفتح ـ : التمثيل. والتمثال ـ بالكسر ـ : الصورة. ومثّله له : صوّره (٥). وتمثل : تصوّر. قال تعالى : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا)(٦) [و] تمثّل بالشىء : ضربه مثلا.

وقوله تعالى : (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى)(٧) أى لهم الصفات الذميمة ، ولله الصفات العلى. وقد منع الله تعالى عن ضرب الأمثال بقوله : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ)(٨) ، ثم أخبر أنه يضرب لنفسه المثل ، ولا يجوز لنا أن نقتدى به فى ذلك وقال : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٩) ؛ ثم ضرب لنفسه مثلا فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ)(١٠) الآية. وفى هذا تنبيه أنه لا يجوز أن نصفه بصفة ممّا يوصف به البشر إلّا ما وصف به نفسه. وقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا

__________________

(١) أصل هذا المثل أن امرأة تزوجت رجلا موسرا مسنا فلم يعجبها فطلقها فى الصيف حيث يكثر الخصب واللبن ، ثم تزوجت شابا مقترا ، وأرسلت إلى زوجها الأول تسأل لبنا فقال لها ذلك. وانظر اللسان (صيف).

(٢) سقط هذا الحرف فى الراغب.

(٣) الآية ٢١ سورة الحشر.

(٤) الآية ٤٣ سورة العنكبوت.

(٥) فى القاموس «صوره له حتى كأنه ينظر إليه».

(٦) الآية ١٧ سورة مريم.

(٧) الآية ٦٠ سورة النحل.

(٨) الآية ٧٤ سورة النحل

(٩) الآية ٧٤ سورة النحل

(١٠) الآية ٧٥ سورة النحل.

٤٨٢

التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً)(١) ، أى هم فى جهلهم بمضمون حقائق التوراة كالحمار فى جهله بما على ظهره من الأسفار.

وقوله : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ)(٢) فإنه شبهه فى ملازمته واتّباع هواه وقلّة مزايلته بالكلب الذى لا يزايل اللهث على جميع الأحوال. وقوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً)(٣) ، شبّه من آتاه الله ضربا من الهداية والمعاون فأضاعه ولم يتوصّل به إلى ما رشّح له من نعيم الأبد ، بمن استوقد نارا فى ظلمة ، فلما أضاءت له ضيّعها / ونكس فعاد فى الظلمة.

وقوله : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً)(٤) ، فإنه قصد تشبيه المدعوّ بالغنم التى ينعق بها ، وداعيهم بالناعق بالغنم ، فأجمل وراعى مقابلة المعنى دون مقابلة اللفظ ؛ وبسط الكلام وحاصله : مثل داعى الذين كفروا والذين كفروا كمثل الذى ينعق بالغنم ومثل الغنم التى لا تسمع إلّا دعاء ونداء. والمثلة ـ بالضمّ ـ والمثلة (٥) والمثلة : نقمة تنزل بالإنسان فيجعل مثالا يرتدع به غيره وذلك كالنكال (٦) ، وجمعه : مثلات ومثلات ، وقرئ (المثلاث) بإسكان الثاء على التخفيف ؛ نحو عضد فى عضد.

__________________

(١) الآية ٥ سورة الجمعة.

(٢) الآية ١٧٦ سورة الأعراف.

(٣) الآية ١٧ سورة البقرة.

(٤) الآية ١٧١ سورة البقرة.

(٥) أنكر هذه الصيغة الشارح.

(٦) النكال : العقوبة تنزل بالمذنب فينكل غيره عن الذنب خشية أن يناله مثل العقوبة.

٤٨٣

والأماثل : يقال لمن هم أشبه بالأفاضل وأقرب إلى الخير. وأماثل القوم : خيارهم ، وعلى هذا قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً)(١). وقوله تعالى : (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى)(٢) أى الأشبه (٣) بالفضيلة ، وقيل : أشبه بالحق ، وهى تأنيث الأمثل ، وقيل : أمثلهم طريقة أى أعدلهم وأشبههم بأهل الحق ، وقيل : أعلمهم عند نفسه بما يقول.

والمثالة : الفضل. وقد مثل ـ ككرم ـ : صار فاضلا.

__________________

(١) الآية ١٠٤ سورة طه.

(٢) الآية ٦٣ سورة طه.

(٣) الأولى : «التى هى أشبه بالفضيلة» أو «الشبهى ؛ بالفضيلة».

٤٨٤

٥ ـ بصيرة فى مجد

المجد : الكرم والشرف. المجيد : الكريم ، والمجيد : الشريف ، وقد مجد ومجد ـ بالضمّ ـ فهو ماجد ومجيد ، أى كريم الفعال شريف. وقوله تعالى : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)(١) ، أى الشريف ، وصف به لكثرة ما يتضمّن من المكارم الدنيويّة والأخرويّة ، وعلى هذا وصفه بالكريم. ورجل ماجد : مفضال كثير الخير.

وقال ابن السكّيت : الشرف والمجد يكونان بالآباء ، يقال : رجل شريف ماجد : له آباء متقدّمون فى الشرف ؛ قال : والحسب والكرم يكونان فى الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف.

والتمجيد : أن تنسب الرجل إلى المجد ، قال أميّة بن أبى الصلت الثقفى :

مجّدوا الله وهو للمجد أهل

ربّنا فى السماء أمسى كبيرا (٢)

وقوله تعالى : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ)(٣) لسعة فيضه وكثرة جوده ، وقرئ بالجر لجلالته وعظم قدره. وقد أشار إليه النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما الكرسىّ فى جنب العرش إلّا كحلقة ملقاة فى أرض فلاة» ، وعلى هذا قوله : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)(٤).

والتمجيد من العبد لله تعالى بالقول وذكر الصفات العلى.

__________________

(١) صدر سورة ق.

(٢) ديوانه :

(٣) الآية ١٥ سورة البروج.

(٤) الآية ١٢٩ التوبة ، والآية ٢٦ سورة النمل.

٤٨٥

٦ ـ بصيرة فى محص ومحق ومحل

مادّة (م ح ص) موضوعة للدلالة على تخليص الشىء وتنقيته. محّص الذهب بالنار : أخلصه ممّا يشوبه. وفى حديث علىّ رضى الله عنه وذكر فتنة : «يمحّص الناس فيها كما يمحّص ذهب المعدن» أى يختبرون فيها كما يختبر الذهب فى النار فيعرف جودته من رداءته.

والممحوص والمحيص : السنان المجلوّ. وقد محصه. وفرس ممحوص القوائم : إذا خلص من الرهل. والأمحص : الذى يقبل اعتذار الصادق والكاذب. وأمحص : إذا برأ : والتمحيص : الابتلاء والاختبار.

وقوله تعالى : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا)(١) ، قال ابن عرفة : أى ليبتليهم ، قال : ومعنى التمحيص : النقص ، يقال : محّص الله عنك الذنوب أى نقصها ، فسمّى الله ما أصاب المسلمين من بلاء تمحيصا لأنه ينقص ذنوبهم ، وسمّاه للكافرين محقا. وقيل : هو من محصت العقب (٢) من اللحم : إذا نقّيته منه لتفتله وترا ، فأراد أنه يخلّصهم من الذنوب. وقال تعالى : (وَلِيُمَحِّصَ / ما فِي قُلُوبِكُمْ)(٣) ، التمحيص هاهنا كالتزكية والتطهير ونحو ذلك من الألفاظ. ويقال فى الدعاء : اللهم محّص عنّا ذنوبنا ، أى أزل ما علق بنا من الذنوب. وإذا أصابهم مرض قالوا : اللهم اجعله تمحيصا لا تبغيضا ، وأدبا لا غضبا.

__________________

(١) الآية ١٤١ سورة آل عمران.

(٢) العقب : العصب.

(٣) الآية ١٥٤ سورة آل عمران.

٤٨٦

محقه يمحقه محقا : أبطله ، قال الله تعالى : (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ)(١) أى يستأصلهم ويحبط أعمالهم. وقوله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا)(٢) أى يهلكه ويذهب ببركته. ومحقه الحرّ ، أى أحرقه. وأمحقه الله : ذهب به لغة رديئة فى محق. ومحّقه تمحيقا للمبالغة ، ومنه قراءة عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) من التمحيق.

المحال ـ بالكسر ـ : الكيد ، وروم الأمر بالحيل ، والقدرة ، والعذاب والعداوة ، والمعاداة ؛ وقد محل به ـ مثلثة الحاء ـ يمحل محلا ومحالا : كاده بسعاية إلى السلطان.

وقوله تعالى : (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ)(٣) أى الأخذ بالعقوبة ، وقيل : من محل به : إذا أراده بسوء. وماحله مماحلة ومحالا. قاواه حتى يتبيّن أيّهما أشدّ.

__________________

(١) الآية ١٤٠ سورة آل عمران.

(٢) الآية ٢٧٦ سورة البقرة.

(٣) الآية ١٣ سورة الرعد.

٤٨٧

٧ ـ بصيرة فى محن ومحو ومخر ومد

محنه [يمحنه](١) ـ كمنعه يمنعه ـ : ضربه واختبره كامتحنه. والاسم المحنة بالكسر. قال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى)(٢) أى شرحها ووسّعها. وامتحن القول : نظر فيه ودبّره.

المحو : إزالة الأثر. محاه يمحوه ويمحاه : أذهب أثره ، فمحا هو ، لازم متعدّ. وامّحى كادّعى ، وامتحى قليلة. قال تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ)(٣).

مخر الماء للأرض : استقبالها بالمرور (٤) فيها. ومخرت السفينة مخرا ومخورا : شقّت الماء بجؤجئها (٥) ، وسفينة ماخرة ، والجمع : مواخر وبنات مخر : سحاب تنشأ صيفا.

أصل المدّ : جرّ شىء فى طول ، واتصال شىء بشيء فى استطالة. وقد مددت الشىء أمدّه مدّا. والمادّة : الزيادة المتصلة. وقوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(٦) أى يمهلهم ويطيل لهم المهلة. وقوله تعالى : (كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ)(٧) أى بسطه.

وقوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا)(٨) لفظه لفظ أمر ومعناه الخبر ، وتأويله : أن الله تعالى جعل جزاء ضلالته أن يمدّه فيها ، وإذا كان الخبر فى لفظ الأمر كان أوكد وألزم.

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الآية ٣ سورة الحجرات.

(٣) الآية ٢٩ سورة الرعد.

(٤) فى الراغب : «بالدور».

(٥) جؤجؤ السفينة : صدرها.

(٦) الآية ١٥ سورة البقرة.

(٧) الآية ٤٥ سورة الفرقان.

(٨) الآية ٧٥ سورة مريم.

٤٨٨

ومددت عينى إلى كذا : نظرته راغبا فيه ، قال تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ)(١). وأمددت الجيش بمدد : أعنتهم وقوّيتهم وكثّرتهم. وأكثر ما جاء الإمداد فى المحبوب ، والمدد (٢) فى المكروه ؛ نحو قوله تعالى : (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ)(٣)(وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا)(٤). وقوله تعالى : (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ)(٥) هو من قولهم : مدّه نهر آخر ، وليس هو ممّا ذكرناه من الإمداد والمدّ المحبوب والمكروه ، وإنما هو من مددت الدواة أمدّها.

والمداد : النقس (٦) ، وما مددت به السراج من زيت ونحوه ، قال الأخطل يذكر امرأة مأسورة :

رأوا بارقات بالأكفّ كأنها

مصابيح سرج أوقدت بمداد

والمدّ : ربع الصاع : رطل وثلث عند أهل الحجاز ، ورطلان عند أهل العراق.

__________________

(١) الآية ١٣١ سورة طه.

(٢) كذا. والأولى : المد له.

(٣) الآية ٢٢ سورة الطور

(٤) الآية ٧٩ سورة مريم.

(٥) الآية ٢٧ سورة لقمان.

(٦) هو الحبر الذى يكتب به.

٤٨٩

٨ ـ بصيرة فى مدن ومر ومرج ومرح

مدن : أقام ، فعل ممات. ومنه المدينة لكل حصن يبنى / فى أصطمّة (١) من الأرض. والجمع : مدائن ومدن ومدن. قوله تعالى : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ)(٢) يعنى طيبة ، صلّى الله على ساكنيها وسلّم. وهى اسم لستة عشر بلدا. والنسبة إلى المدينة النبويّة مدنىّ ، وإلى سائرها مدينىّ. وقيل : نسبة الإنسان إلى كلّها مدنىّ ، ونسبة الطائر ونحوه مدينىّ. ومدين : قرية شعيب عليه‌السلام.

المرور : المضىّ والاجتياز بالشيء. قال تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)(٣) تنبيه أنهم إذا دفعوا (إلى التفوّه باللغو) (٤) كنوا عنه ، وإذا سمعوا تصامموا (٥) عنه ، وإذا شاهدوا أعرضوا عنه.

وقوله : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ)(٦) كقوله تعالى : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ)(٧).

أمرّ : صار مرّا. ومنه فلان ما يمرّ وما يحلى.

__________________

(١) الأصطمة للشىء : معظمه أو مجتمعه أو وسطه.

(٢) الآية ٨ سورة المنافقين.

(٣) الآية ٧٢ سورة الفرقان.

(٤) فى ا : «بالتفوه إلى اللغو» وفى بـ : «بالقوة إلى اللغو» وما أثبت من الراغب.

(٥) كذا. والواجب : «تصاموا».

(٦) الآية ١٢ سورة يونس.

(٧) الآية ٨٣ سورة الاسراء ، والآية ٥١ سورة فصلت.

٤٩٠

وقوله تعالى : (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ)(١) ، قيل معناه : استمرت ، وقولهم : مرّة أو مرّتين وذلك لجزء من الزمان ، قال تعالى : (يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ)(٢).

والمرج : الخلط قال تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ)(٣). والمرج ـ بالتحريك ـ الاختلاط. ومرج الخاتم فى إصبعى : قلق. وأمر مريج : مختلط. وقوله تعالى : (مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ)(٤) ، أى لهيب مختلط.

والمرح بالحاء المهملة محرّكة : شدّة الفرح والتوسّع فيه ، قال تعالى (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً)(٥) ، وقرئ (مرِحا) بكسر الرّاء.

__________________

(١) الآية ١٨٩ سورة الأعراف.

(٢) الآية ٥٦ سورة الأنفال.

(٣) الآية ١٩ سورة الرحمن.

(٤) الآية ١٥ سورة الرحمن.

(٥) الآية ٣٧ سورة الاسراء ، والآية ١٨ سورة لقمان.

٤٩١

٩ ـ بصيرة فى مرد ومرض

أصل المرد تجريد شىء من قشره ، أو ما يعلو من شعره. يقال : مرد على الشىء أى مرن عليه واستمر ، مرودا ، ومنه قوله تعالى : (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ)(١). وتمريد البناء : تمليسه (٢) ، قال تعالى : (صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ)(٣) ، وتمريد الغصن : تجريده من الورق. وتمرّد : عتا وطغى.

المرض : خروج الطبع من حال الاعتدال ؛ ويكون جسمانيّا ، ويكون نفسانيّا.

أمّا الجسمانىّ فمنه قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ)(٤) ، وقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)(٥).

وأمّا النفسانىّ ـ وهو عبارة عن الجهل والظلم والسجايا الخبيثة ـ فكقوله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً)(٦) ، وقد مرض يمرض مرضا ومرضا ، فهو مريض ومارض. وروى أبو حاتم عن الأصمعىّ أنه قال : قرأت على أبى عمرو بن العلاء : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، فقال لى : (مَرْض) يا غلام. وقال غيره : المرض ـ بالاسكان ـ مرض القلب خاصّة. وجمع المريض : مرضى ومراضى ومراض. وقيل : أصل المرض الضعف ، وكل من ضعف فقد مرض.

__________________

(١) الآية ١٠١ سورة التوبة.

(٢) فى الأصلين : «تمكينه» وهو محرف عما أثبت.

(٣) الآية ٤١ سورة النمل.

(٤) الآية ١٨٤ سورة البقرة.

(٥) الآية ٦١ سورة النور ، والآية ١٧ سورة الفتح.

(٦) الآية ١٠ سورة البقرة.

٤٩٢

وقوله : (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)(١) ، أى فتور عمّا أمر به ونهى عنه. وقيل : مرض أى ظلمة من قولهم : ليلة مريضة أى مظلمة. قال أبو حيّة النميرىّ :

وليلة مرضت من كلّ ناحية

فما يحسّ بها نجم ولا قمر (٢)

وقيل (٣) : مرض أى حبّ الزنى.

وقوله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)(٤) ، أى شكّ ونفاق. وقيل : ظلمة.

وقال ابن دريد : امرأة مريضة الألحاظ ، ومريضة النظر ، أى ضعيفة النظر. وقال غيره : عين مريضة : فيها فتور. وشمس مريضة : إذا لم تكن صافية.

وقال ابن الأعرابىّ : أصل المرض النقصان ، يقال : بدن مريض أى ناقص القوّة ، وقلب مريض أى ناقص الدين.

وقيل المرض : إظلام الطبيعة / واضطرابها ، بعد صفائها واعتدالها. وأرض مريضة : إذا كثر بها المرج والفتن والقتال ، قال أوس بن حجر :

ترى الأرض منّا بالفضاء مريضة

معضّلة منا بجمع عرمرم (٥)

ورأى مريض : فيه انحراف عن الصواب. وأمرضه : وجده مريضا. وأمرض. إذا قارب الإصابة فى الرأى. والتمريض فى الأمر : التضجيع (٦) فيه ومرّض فى كلامه : ضعّفه ، وفى الأمر : لم يبالغ فيه. والتمريض : حسن القيام على المريض ، كأن المعنى إزالة المرض عنه وإبعاده منه.

__________________

(١) الآية ٣٢ سورة الأحزاب.

(٢) اللسان مادة (مرض) برواية : فلا يضىء.

(٣) أى فى تفسير الآية السابقة.

(٤) الآية ١٠ سورة البقرة

(٥) اللسان (مرض) وانظر ديونه.

(٦) أى التقصير.

٤٩٣

١٠ ـ بصيرة فى مرأ ومرى ومزج ومزن

مرأ أى طعم. وما لك لا تمرأ : أى لا تطعم. ومرأنى الطعام يمرؤ مروءا (١). ومرأ الطعام نفسه ، ومرؤ ، ومرئ ـ مثلثة ـ : صار مريئا. وقال بعضهم : أمرأنى الطعام. وقال الفراء : هنأنى الطعام ومرأنى إذا تبعت هنأنى ، فإذا أفردوها قالوا : أمرأنى. وهو طعام ممرئ. قال تعالى : (فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)(٢).

والمروءة : كمال المرء ، كما أن الرجوليّة كمال الرجل ، وهى فعولة من لفظ المرء ؛ كالفتوّة من الفتى. وحقيقتها : اتّصاف النفس بصفات الإنس التى فارق بها [الإنسان (٣)] الحيوان والبهيمة والشيطان الرجيم. فإن للنفس ثلاثة دواع : داع يدعوها إلى الاتّصاف بأخلاق الشيطان : من الكبر والحسد والبغى والفساد ؛ وداع يدعوها إلى أخلاق الحيوان ، وهو داعى الشهوة ؛ وداع يدعوها إلى أخلاق الملك : من الإحسان والنصح والبرّ والطاعة والعلم. فحقيقة المروءة : بغضة ذينك الداعيين وإجابة هذا الداعى الثالث. وقلّة المروة وعدمها : الاسترسال مع ذينك الداعيين [وعدم (٤)] إجابة الداعى الثالث ؛ كما قال بعض السلف : خلق الله الملائكة عقولا بلا شهوة ، وخلق البهائم شهوة بلا عقل ، وخلق الإنسان وركّبهما فيه ، فمن غلب عقله شهوته التحق بالملائكة ، ومن غلبت شهوته عقله التحق بالبهائم ، ولهذا قيل فى حدّ المروءة : إنها غلبة العقل للشهوة.

__________________

(١) الذى فى اللسان والقاموس : «المراءة».

(٢) الآية ٤ سورة النساء.

(٣) زيادة يقتضيها السياق.

(٤) زيادة يقتضيها المقام.

٤٩٤

وقال الفقهاء : هى استعمال ما يجمّل العبد ويزينه ، وترك ما يدنّسه ويشينه. وقيل : المروءة : استعمال كل خلق حسن ، واجتناب كل خلق قبيح. وقيل : حقيقتها : تجنّب الدنايا والرذائل من الأقوال والأخلاق والأعمال ؛ فمروءة اللسان : حلاوته وطيبه ولينه ، واجتناء الثمار منه بسهولة ويسر ؛ ومروءة الخلق : سعته وبسطه وتركه للخبيث والبغيض ، ومروءة المال : الإصابة بصرفه فى مواقعه المحمودة عقلا وعرفا وشرعا ؛ ومروءة الجاه بذله للمحتاج إليه ؛ ومروءة الإحسان : تعجيله وتيسيره وتوفيره وعدم رؤيته حال وقوعه ، فهذه مروءة البذل.

وأمّا مروءة الترك ، فكترك الخصام والمعاتبة والمطالبة والمماراة ، والإغضاء عن عثرات الناس ، وإشعارهم أنك لا تعلم لأحد منهم عثرة.

وهى على ثلاث درجات :

الأولى : مروءة المرء مع نفسه : أن يحملها سرّا على ما يجمّل ويزين ، وترك ما يدنّس ويشين ؛ ليصير لها ملكة فى العلانية ، فمن اعتاد شيئا فى سرّه وخلوته صار ملكة فى علانيته وجهره ، فلا يكشف عورته فى الخلوة ، ولا يخرج الريح بصوت وهو ، يقدر على خلافه ، ولا ينهم (١) عند أكله وحده ، / وبالجملة فلا يفعل فى الخلوة ما يستحيى من فعله فى الملأ ، إلّا ما لا يحظره الشرع والعقل ولا يكون إلّا فى الخلوة ؛ كالجماع والتخلّى ونحوه (٢).

__________________

(١) النهم : إفراط الشهوة.

(٢) هو التبرز وقضاء الحاجة.

٤٩٥

الدرجة الثانية : المروءة مع الخلق بأن يستعمل معهم الأدب. وليتّخذ الناس مرآة لنفسه ، فكل ما كرهه من قول أو فعل أو خلق فليجتنبه ، وما أحبّه من ذلك فليفعل.

الدرجة الثالثة : المروءة مع الحق سبحانه : من الاستحياء من نظره إليك واطّلاعه عليك فى كل لحظة ولمحة ، وبإصلاح عيوب نفسك جهد الإمكان ؛ فإنه قد اشتراها منك ، وليس من المروءة تسليم المبيع على ما فيه من العيوب وتقاضى الثمن كاملا ، ورؤية شهود منّته فى هذا الإصلاح ؛ فإنه هو المتولّى له لا أنت ، فيفنيك الحياء منه عن رسوم الطبيعة ، وفيما ذكرناه فى الفتوّة ما يعين فى هذه المنزلة إن شاء الله تعالى.

والمرء : الرجل. يقال : هذا مرء صالح ، ورأيت مرأ صالحا ، ومررت بمرء صالح ؛ وضم الميم فى الأحوال الثلاث لغة. وتقول : هذا مرء بالضمّ ، ورأيت مرأ بالفتح ، ومررت بمرء بالكسر معربا من مكانين. وهذه مرأة صالحة ، ومرة أيضا بترك الهمز وتحريك الراء بحركتها ، فإن جئت بألف الوصل كان فيها أيضا ثلاث لغات : فتح الراء على كل حال ، حكاها الفراء ؛ وضمّها على كل حال ؛ وإعرابها على كل حال ، قال تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها)(١) ، فإن صغّرت أسقطت ألف الوصل فقلت : مريء ومريئة ، وفى الحديث : «إنى لأكره أن أرى الرجل ثائرا فرائص (٢) رقبته ، قائما على مريئته يضربها». تصغيره صلى‌الله‌عليه‌وسلم المرأة استضعاف

__________________

(١) الآية ١٢٨ سورة النساء.

(٢) الفرائص : جمع الفريصة ، وهى اللحمة التى بين جنب الدابة وكتفها لا تزال ترعد. وأراد بها هنا : عصب الرقبة لأنها هى التى تثور عند الغضب. وانظر النهاية.

٤٩٦

لها واستصغار ، ليرى أن الباطش بمثلها فى ضعفها لئيم. ويقال : المرءون فى جمع المرء. وتمرّأ : تكلّف المروءة.

المرية ـ بالكسر وبالضمّ ـ : التردّد فى الأمر. وهو أخصّ من الشك ، قال تعالى : (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ)(١). وما رآه مماراة ومراء. وامترى فيه وتمارى : شكّ ، قال تعالى : (بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ)(٢) ، الشىء وقال : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً)(٣) ، وأصل ذلك من مرى الناقة يمريها مسح ضرعها (٤) ، فأمرت هى. وهذا أحد ما جاء على فعلته فأفعل.

المزاج : ما تمزج به الشىء ، أى تخلطه ، قال تعالى : (كانَ مِزاجُها كافُوراً)(٥).

المزن : السحاب. وقيل : المزن من السحاب : ما كان أبيض. وقيل : المزن : السحاب ذو الماء ، القطعة مزنة. والتمزّن التّسخّى ، والتفضل والتظرف ، وإظهار أكثر مما عندك.

__________________

(١) الآية ٢٣ سورة السجدة.

(٢) الآية ٦٣ سورة الحجر.

(٣) الآية ٢٢ سورة الكهف.

(٤) أى للحلب.

(٥) الآية ٥ سورة الانسان.

٤٩٧

١١ ـ بصيرة فى مس ومسح

المسّ : جسّ الشىء بيدك. مسسته بالكسر أمسّه مسا ومسيسا ومسّيسى كخلّيفى. هذه هى اللغة الفصيحة. وحكى أبو عبيدة : مسسته ـ بالفتح ـ أمسّه ـ بالضمّ ـ وربما قالوا : مست الشىء يحذفون منه السين الأولى ويحوّلون كسرتها إلى الميم ، ومنهم من لا يحوّل ويترك الميم على حالها مفتوحة ، وهو مثل قوله تعالى : (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ)(١) ، الأصل ظللتم. وقوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ)(٢) أى تجامعوهن. وقرئ (تماسّوهنّ) والمعنى واحد.

وقوله تعالى : (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ)(٣) ، أى من الجنون يقال : به مسّ ألس ولمم /. وقد مسّ (٤) فهو ممسوس. وقوله تعالى : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)(٥) ، قال الأخفش : جعل للمسّ مذاق ؛ كما يقال : كيف وجدت طعم الضرب. ويقال : وجدت مسّ الحمّى ، أى أوّل ما نالنى منها.

وقول العرب : لا مساس ، مثال قطام ، أى لا تمسّ. وقرأ أبو عمرو فى الشواذّ وأبو حيوة : (أن تقول لا مَساس) (٦). وقد يقال : مساس فى الأمر كدراك وتراك. وأمسّه الشىء فمسّه. والمماسّة كناية عن المباضعة ، قرأ حمزة والكسائىّ وخلف (تماسوهن) (٧).

__________________

(١) الآية ٦٥ سورة الواقعة.

(٢) الآية ٢٣٧ سورة البقرة.

(٣) الآية ٢٧٥ سورة البقرة.

(٤) فى الأصلين : «مس به».

(٥) الآية ٤٨ سورة القمر.

(٦) الآية ٩٧ سورة طه.

(٧) فى الآيات ٢٣٦ ، ٢٣٧ سورة البقرة ، ٤٩ سورة الأحزاب.

٤٩٨

وقوله تعالى : (لا مِساسَ)(١) بكسر الميم أى لا أمسّ ولا أمسّ ؛ وكذلك التماسّ ، ومنه قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا)(٢).

المسح : إمرار اليد على الشيء ، وإزالة الأثر عنه ، وقد يستعمل فى كل واحد منهما. ومسح الأرض : ذرعها. وعبّر عن السير بالمسح ؛ كما عبّر عنه بالذرع ، فقيل : مسح البعير المفازة وذرعها. والمسح فى الشرع : إمرار الماء على العضو ، يقال : مسحت للصلاة وتمسّحت ، قال تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ)(٣). ومسحته بالسيف كناية عن الضرب ؛ كما يقال : مسحت. قال تعالى : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ)(٤).

فأما المسيح [فهو] لقب عيسى بن مريم صلوات الله عليه أو اسمه. قال تعالى : (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)(٥).

وهذه لفظة فى صفة نبىّ الله وكلمة الله عيسى عليه‌السلام ، وفى صفة عدوّ الله الدجّال. وفى تفسير هذه اللفظة وإيضاح معناها أقوال كثيرة ، ووجوه عديدة ، تنيف على خمسين.

قال القرطبى : اختلف فى لفظة المسيح على ثلاثة وعشرين قولا ، ذكرها لحافظ ابن دحية فى كتاب مجمع (٦) البحرين ، فى فوائد المشرقين والمغربين. وقال متبجّحا : لم أر من جمعها قبلى ممّن رحل وجال ، ولقى الرجال ، وذكر ثلاثة وعشرين وجها ، فأضفت إليه ما كان عندى من الوجوه الحسنة ، والأقوال البديعة فتمت ، خمسون وجها أو يزيد.

__________________

(١) الآية ٩٧ سورة طه.

(٢) الآيتان ٣ ، ٤ سورة المجادلة.

(٣) الآية ٦ سورة المائدة.

(٤) الآية ٢٣ سورة ص.

(٥) الآية ٤٥ سورة آل عمران.

(٦) فى الأصلين : «مرج» ، وما اثبت من التاج فى مسح.

٤٩٩

بيان ذلك أن العلماء اختلفوا فى هذه : هل هى عربيّة أم لا ، فقال بعضهم : سريانيّة وأصلها مشيحا بالشين المعجمة فعرّبتها العرب ، وكذا ينطق بها اليهود ، قاله أبو عبيد (١) وهذا هو القول الأول.

والذين قالوا : إنها عربية اختلفوا فى مادّتها ، فقيل : من سيح ، وقيل : من مسح.

ثم اختلف كل فرقة منها :

فقال الأوّلون : مفعل ، من ساح يسيح ، لأنه يسيح فى أقطار الأرض كافّة. وأصلها مسيح ـ على مفعل ـ فأسكنت الياء ونقلت حركتها إلى السين لاستثقالهم الكسرة على الياء. وهذا [هو] القول الثانى.

وقال آخرون : مسيح ، فاعل من مسح إذا سار فى الأرض وقطعها ، فعيل بمعنى فاعل. وهذا [هو] القول الثالث. والفرق بين هذا والذى قبله أن هذا يختص بقطع الأرض ، وذلك بقطع جميع البلاد.

والرابع : عن أبى الحسن القابسىّ ، وقد سأله أبو عمرو الدانىّ : كيف يقرأ المسيح الدجال؟ قال : بفتح الميم وتخفيف السين ، مثل المسيح بن مريم ؛ لأن عيسى عليه‌السلام مسح بالبركة ، وهذا مسحت عينه

الخامس : قال أبو الحسن : ومن الناس من يقرؤه بكسر الميم مثقّلا ، مثل سكّيت ، فيفرق بذلك بينهما ، وهو وجه. وأمّا أنا فما أقرؤه إلّا كما أخبرتك.

السادس : عن شيخه ابن بشكوال قال : سمعت الحافظ أبا عمر بن عبد البرّ يقول : ومنهم من قال ذلك بالخاء المعجمة. والصحيح أنه لا فرق بينهما.

__________________

(١) فى ا : «عبيدة»

٥٠٠