بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٧

١٥ ـ بصيرة فى عرج وعرش

عرج بروح الشمس : إذا غربت لأنها تذهب تسجد تحت العرش. والمعارج : المصاعد. وليلة المعراج سمّيت لصعود الدّعاء فيها إشارة إلى قوله : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)(١) ، ولعروج النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها. ويقال : الشرف بعيد المدارج ، رفيع المعارج. ومررت به فما عرّجت عليه : ما ألممت. وما لي عليه عرجة. وانعرج (٢) بنا الطريق ، ومنه العرجون وهو أصل الكباسة (٣) سمّى لانعراجه ، قال تعالى : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)(٤). ولتلقينّ من هذا الأعرج الأعيرج (٥) وهو حيّة ممّا لا يقبل الرقى.

والعرش والعروش والعرائش واحد (٦). والعروش أيضا : السّقوف ، قال تعالى : (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها)(٧). وعرش الكرم يعرشه ، وعرّشه تعريشا : إذا جعل له كهيئة السقف. وما عرشوه وما عرّشوه ، قال تعالى : (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ)(٨) وقرئ (يعرُشُون) (٩)

__________________

(١) الآية ١٠ سورة فاطر

(٢) أى مال.

(٣) الكباسة : عنقود النخل. وهو ما يجتمع عليه الثمر

(٤) الآية ٣٩ سورة يس.

(٥) فى الأصلين : «الأعرج» وما أثبت من الأساس

(٦) أى فى المعنى. والعرش والعرائش جمعا عريش ، والعروش جمع عرش.

(٧) الآية ٢٥٩ سورة البقرة ، والآية ٤٢ سورة الكهف

(٨) الآية ١٣٧ سورة الأعراف

(٩) قراءة ضم الراء هى قراءة ابن عامر وأبى بكر عن عاصم كما فى الاتحاف

٤١

واستوى على عرشه : إذا ملك. وثلّ عرشه : إذا هلك ، قال زهير :

تداركتما عبسا وقد ثلّ عرشها

وذبيان إذ زلّت بأقدامها النعل (١)

والعرش والعرش والعرش والعروش والعريش من أسماء مكة شرفها الله تعالى. وكان معاوية (٢) كافرا بالعرش : أى مقيما بمكّة. وعروش مكة : بيوتها. قال القطامى :

وما لمثابات العروش بقيّة

إذا استلّ من تحت العروش الدعائم (٣)

ورؤى عمر فى المنام [فقيل له : ما فعل الله بك (٤)]؟ فقال : لو لا أن تداركنى لثلّ عرشى.

وعرش الله ممّا لا يعلمه البشر على الحقيقة [إلّا بالاسم (٥)] وليس كما يذهب إليه أوهام العامّة ؛ إذ لو كان كذلك لكان حاملا له تعالى لا محمولا والله تعالى يقول : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ)(٦) ، وليس كما قال قوم أنّه الفلك الأعلى والكرسىّ فلك الكواكب. واستدلّوا بالحديث النّبوى : «ما السّماوات

__________________

(١) فى الديوان ١٠٩ :

تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها

وذبيان قد زلت بأقدامها النعل

وفسر الأحلاف بعبس وفزارة ، وفسرت أيضا بغطفان وقيس

(٢) هذا من كلام لسعد بن أبى وقاص رضى الله عنه ، وكان معاوية رضى الله عنه ينهى عن التمتع فقال سعد : لقد تمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهذا ـ يعنى معاوية ـ كافر بالعرش. روى هذا مسلم وغيره كما فى تيسير الوصول ، يريد أن ذلك كان قبل إسلام معاوية أى قبل فتح مكة ، وقيل : أراد بقوله : «كافر» الاختفاء ، أى أنه كان مختفيا فى بيوت مكة كما فى النهاية.

(٣) المثابات : واحدتها المثابة وهى أعلى البئر حيث يقوم الساقى. والعروش : جمع العرش ، وهو هنا الخشب الذى يقوم عليه المستقى. والدعائم : القوائم التى تحت العرش.

(٤) زيادة من الراغب.

(٥) هذه العبارة فى الأصلين مقدمة على «على الحقيقة» ، وقد تبعت هنا ما فى الراغب

(٦) الآية ٤١ سورة فاطر

٤٢

السّبع ، والأرضون السّبع فى جنب الكرسىّ إلّا كحلقة ملقاة فى أرض فلاة ، والكرسىّ عند العرش كذلك».

وقوله : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ)(١) تنبيه أن عرشه لم يزل مذ أوجد مستعليا على الماء. وقوله تعالى : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ)(٢) ، (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ)(٣) وما يجرى مجراه ، قيل : هو إشارة إلى مملكته وسلطانه لا إلى مقرّ له ، تعالى الله عن ذلك.

__________________

(١) الآية ٧ سورة هود

(٢) الآية ١٥ سورة البروج

(٣) الآية ١٥ سورة غافر

٤٣

١٦ ـ بصيرة فى عرض

العرض خلاف الطّول ، وأصله فى الأجسام ثمّ يستعمل فى غيرها. يقال : كلام له طول وعرض ، قال تعالى : (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ)(١).

والعرض بالضمّ خصّ بالجانب. وأعرض الشّىء : بدا عرضه. ومنه عرضت العود على الإناء. وعنّى (٢) : ولّى مبدئا عرضه.

واعترض الشىء فى حلقه أى وقف فيه بالعرض.

وعرضت الجيش عرض عين : إذا أمررته على بصرك لتعرف من غاب ومن حضر. ونظرت إليه معارضة ، أى من عرض.

وبعير معارض : لا يستقيم فى قطار (٣)

وعرضت الشىء على البيع وعلى فلان ، قال تعالى : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ)(٤).

والعارض : البادى عرضه أى جانبه ، فتارة يخصّ بالسّحاب كقوله تعالى : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا)(٥) ، وتارة بما يعرض من مرض ونحوه فيقال : به عارض من سقم ، وتارة بالخدّ نحو : أخذ من عارضيه (٦) ، وتارة بالسنّ : ومنه قيل للثّنايا التى تظهر عند الضّحك : العوارض. ويقال : فلان شديد العارضة (كناية (٧) عن جودة بيانه). (وأعرض (٨) :

__________________

(١) الآية ٥١ سورة فصلت

(٢) أى أعرض عنى

(٣) القطار من الابل ما تتابع منها على نسق كأنه صف

(٤) الآية ٣١ سورة البقرة

(٥) الآية ٢٤ سورة الأحقاف

(٦) أى من شعر عارضيه

(٧) فى ب : «راغب : أى جيد البيان فصيح اللسان» وقوله : راغب» أى هذا عن الراغب فى المفردات

(٨) سقط ما بين القوسين فى ب

٤٤

أظهر عرضه أى ناحيته. وإذا قيل : أعرض لى كذا أى بدا لى عرضه فأمكن تناوله ، وإذا قيل : أعرض (١) عنى ، معناه ولّى مبدئا عرضه).

والعرضة : ما يجعل معرّضا للشىء قال تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ)(٢) وبعيرى عرضة للسّفر أى معرّض له.

وقوله تعالى : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)(٣) قيل هو العرض ضدّ الطّول. وتصوّر ذلك على أحد وجوه : إمّا أن يريد به أن يكون عرضها فى النشأة الآخرة كعرض السّماوات والأرض فى النشأة الأولى ، وذلك أنّه قال : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ)(٤) قال (٥) : فلا يمتنع أن يكون السماوات والأرض فى النشأة الآخرة أكبر ممّا هى الآن. وسأل يهودىّ عمر رضى الله عنه عن الآية وقال : فأين النار؟ فقال عمر : إذا جاء الليل فأين النّهار؟ وقد قيل : يعنى بعرضها سعتها ، لا من حيث المساحة ولكن من حيث المسرّة ؛ كقولهم فى ضدّه : الدنيا على فلان كحلقة خاتم ، وسعة هذه الدار كسعة الأرض. وقيل : العرض هاهنا عرض البيع من قولهم : بيع له كذا بعرض : إذا بيع بسلعة ، فمعنى عرضها بدلها وعوضها ؛ كقولك : عرض هذا الثوب كذا وكذا والله أعلم.

__________________

(١) هذا مكرر مع ما سبق.

(٢) الآية ٢٢٤ سورة البقرة

(٣) الآية ١٣٣ سورة آل عمران

(٤) الآية ٤٨ سورة إبراهيم

(٥) لم يتقدم من يعود عليه الضمير فى (قال) وهذا القول للراغب فالظاهر أنه يريده وأنه توهم أنه قال قبل إيراد هذا الوجه : قال الراغب

٤٥

والعرض / محرّكة : ما لا يكون له ثبات. ومنه استعار المتكلّمون العرض لما لا ثبات له إلّا بالجوهر كاللون والطّعم. وقيل : الدنيا عرض حاضر تنبيها أن لا ثبات لها ، قال تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)(١) ، وقوله : (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً)(٢) أى مطلبا سهلا.

والتّعريض فى الكلام : أن يكون له وجهان من صدق وكذب ، أو ظاهر وباطن. وقوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ)(٣) قيل : هو أن يقول لها : أنت جميلة ، وكلّ أحد يرغب فى مثلك ، ونحو هذا.

__________________

(١) الآية ٦٧ سورة الأنفال

(٢) الآية ٤٢ سورة التوبة

(٣) الآية ٢٣٥ سورة البقرة

٤٦

١٧ ـ بصيرة فى عرف

عرفه يعرفه معرفة وعرفانا فهو عارف وعريف وعروفة : علمه. وقرأ الكسائىّ : (عَرَف بعضه) (١) مخفّفة أى جازى حفصة ببعض ما فعلت. ومنه : أعرف للمحسن والمسىء ، أى لا يخفى علىّ ذلك ولا مقابلته بما يوافقه.

والمعرفة : إدراك الشىء بتفكّر وتدبّر لأثره ، وهو أخصّ من العلم. ويقال : فلان يعرف الله ، ولا يقال : يعلم الله متعدّيا إلى مفعول واحد ، لمّا كان معرفة البشر لله هى بتدبّر آثاره دون إدراك ذاته. ويقال : الله يعلم كذا ولا يقال : يعرف كذا ، لمّا كان المعرفة تستعمل فى العلم القاصر المتوصّل إليه بتفكّر وتدبّر.

وقد ورد فى القرآن لفظ المعرفة ولفظ العلم.

فلفظ المعرفة كقوله تعالى : (مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ)(٢) ، (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ)(٣).

وأمّا لفظ العلم فهو أكثر وأوسع إطلاقا كقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ)(٤) ، (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ)(٥) ، وقوله : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ)(٦)(الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ

__________________

(١) الآية ٣ سورة التحريم

(٢) الآية ٨٣ سورة المائدة

(٣) الآية ١٤٦ سورة البقرة والآية ٢٠ سورة الأنعام

(٤) الآية ١٩ سورة محمد

(٥) الآية ١٨ سورة آل عمران

(٦) الآية ١١٤ سورة الأنعام

٤٧

رَبِّكَ بِالْحَقِّ) ، وقوله : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(١) ، وقوله : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى)(٢) ، وقوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(٣) ، وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ)(٤)(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ)(٥) ، وقوله : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ)(٦) ، وقوله : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ)(٧) ، وقوله : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)(٨) ، وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٩) ، وقوله : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ)(١٠) ، (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ)(١١)(فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ)(١٢) وغير ذلك من الآيات.

واختار الله لنفسه اسم العلم وما يتصرّف منه كالعالم والعليم والعلّام ، وعلم ويعلم ، وأخبر أن له علما دون لفظ المعرفة ، ومعلوم أنّ الاسم الذى اختاره لنفسه أكمل نوعى المشارك له فى معناه. وإنما جاء لفظ المعرفة فى مؤمنى أهل الكتاب خاصّة كقوله : (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ (١٣) قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ

__________________

(١) الآية ١١٤ سورة طه

(٢) الآية ١٩ سورة الرعد

(٣) الآية ٩ سورة الزمر

(٤) الآية ٥٦ سورة الروم

(٥) الآية ٨٠ سورة القصص

(٦) الآية ٤٣ سورة العنكبوت

(٧) الآية ٤٠ سورة النمل

(٨) الآية ١٧ سورة الحديد

(٩) الآية ٢٣١ سورة البقرة

(١٠) الآية ٢٠ سورة الحديد

(١١) الآية ٢٣٣ سورة البقرة

(١٢) الآية ١٤ سورة هود

(١٣) الآيتان ٨٢ ، ٨٣ سورة المائدة

٤٨

مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) ، وقوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ)(١) وقد تقدّمت الآيتان.

وإنّ (٢) الطائفة المتصوّفة ـ نفع الله بهم ـ يرجّحون المعرفة على العلم ، وكثير منهم لا يرفع (٣) بالعلم رأسا ، ويراه (٤) قاطعا وحجابا دون المعرفة ، وأهل الاستقامة منهم أشدّ الناس وصيّة للمريدين بالعلم. وعندهم أنه لا يكون ولىّ لله كامل الولاية من غير أولى / العلم أبدا ، فما اتّخذ الله ولا يتّخذ وليّا جاهلا. فالجهل رأس كلّ بدعة وضلال ونقص ، والعلم أصل كلّ خير وهدى.

والفرق بين المعرفة والعلم من وجوه لفظا ومعنى :

أمّا اللفظ : ففعل المعرفة يقع على مفعول واحد ، تقول : عرفت الدّيار وعرفت زيدا ، قال تعالى : (فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ)(٥) ، وقال : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ)(٦). وفعل العلم يقتضى مفعولين ، كقوله تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ)(٧) ، وإذا وقع على مفعول كان بمعنى المعرفة كقوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ)(٨).

وأمّا الفرق من جهة المعنى فمن وجوه :

أحدها : أنّ المعرفة تتعلّق بذات الشىء والعلم يتعلّق بأحواله ، فتقول : عرفت أباك وعلمته صالحا ، ولذلك جاء الأمر فى القرآن بالعلم دون المعرفة

__________________

(١) الآية ١٤٦ سورة البقرة ، والآية ٢٠ سورة الأنعام

(٢) فى الأصلين : «اى»

(٣) أى لا يهتم به. وفى الأساس : «دخلت عليه فلم يرفع لى رأسا»

(٤) فى الأصلين : «يرده»

(٥) الآية ٥٨ سورة يوسف

(٦) الآية ١٤٦ سورة البقرة ، والآية ٢٠ سورة الأنعام

(٧) الآية ١٠ سورة الممتحنة

(٨) الآية ٦٠ سورة الأنفال

٤٩

كقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ)(١) ، وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٢) ، (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ)(٣). فالمعرفة : تصوّر صورة الشىء ومثاله العلمىّ فى النّفس ، والعلم : حضور أحواله وصفاته ونسبتها إليه. فالمعرفة : نسبة التصوّر ، والعلم : نسبة التصديق.

الثانى : أنّ المعرفة فى الغالب تكون لما غاب عن القلب بعد إدراكه ، فإذا أدركه قيل : عرفه ، أو تكون لما وصف له بصفات قامت فى نفسه فإذا رآه وعلم أنّه الموصوف بها قيل : عرفه ، قال تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ)(٤) ، وقال : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ)(٥) ، وفى الحديث : «إنّ الله سبحانه يقول لآخر أهل الجنّة دخولا : أتعرف الزمان الذى كنت فيه فيقول : نعم. فيقول : تمنّ. فيتمنّى على ربّه». وقال تعالى : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ)(٦). فالمعرفة نسبة الذكر النفسىّ وهو حضور ما كان غائبا عن الذاكر ، ولهذا كان ضدّها الإنكار وضدّ العلم الجهل ، قال تعالى : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها)(٧) ويقال : عرف الحقّ فأقرّ به ، وعرفه فأنكره.

الوجه الثالث : أنّ المعرفة تفيد تمييز المعروف عن غيره ، والعلم يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره. وهذا الفرق غير الأوّل ، فإنّ ذلك يرجع إلى

__________________

(١) الآية ١٩ سورة محمد

(٢) الآية ١٩٦ سورة البقرة ، والآية ٢٥ سورة الأنفال

(٣) الآية ١٤ سورة هود

(٤) الآية ٤٥ سورة يونس

(٥) الآية ٥٨ سورة يوسف

(٦) الآية ٨٩ سورة البقرة

(٧) الآية ٨٣ سورة النحل.

٥٠

إدراك الذات وإدراك صفاتها ، وهذا يرجع إلى تخليص الذات من غيرها ، وتخليص صفاتها من صفات غيرها.

الفرق الرابع : أنك إذا قلت : علمت زيدا لم تفد المخاطب شيئا ، لأنّه ينتظر أن تخبره على أىّ حال علمته ، فإذا قلت : كريما أو شجاعا حصلت (١) له الفائدة ، وإذا قلت : عرفت زيدا استفاد المخاطب أنك أثبتّه وميّزته عن غيره ولم يبق ينتظر شيئا آخر. وهذا الفرق فى التحقيق إيضاح (٢) الذى قبله.

الفرق الخامس : أنّ المعرفة علم بعين الشىء مفصّلا عمّا سواه ، بخلاف العلم فإنه قد يتعلّق بالشىء مجملا ، فلا يتصوّر أن يعرف الله البتّة ، ويستحيل هذا الباب بالكليّة ؛ فإن الله سبحانه لا يحاط به علما ولا معرفة ولا رؤية ، فهو أكبر من ذلك وأعظم. قال تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ)(٣).

والفرق بين العلم والمعرفة عند المحقّقين أنّ المعرفة عندهم هى العلم الذى يقوم العالم بموجبه ومقتضاه ، فلا يطلقون (٤) المعرفة على مدلول / العلم وحده ، بل لا يصفون بالمعرفة إلّا من كان عالما بالله وبالطّريق الموصّل إليه وبآفاتها وقواطعها وله حال مع الله يشهد له بالمعرفة. فالعارف عندهم من عرف الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله ، ثمّ صدق الله فى معاملاته ، ثمّ أخلص له فى قصوده ونيّاته ، ثمّ انسلخ من أخلاقه الرّديئة وآفاته ، ثمّ تطهّر من أوساخه وأدرانه ومخالفاته ، ثم صبر على أحكامه فى نعمه

__________________

(١) فى ا : «خلصت»

(٢) كذا فى ب. وفى ا : «أيضا». وقد يكون الأصل : أيضا غير الذى قبله

(٣) الآية ٢٥٥ سورة البقرة

(٤) فى الأصلين : «يطلبون»

٥١

وبليّاته ، ثمّ دعا [إلى](١) الله على بصيرة بدينه وإيمانه ، ثم جرّد الدّعوة إليه وحده بما جاء به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يشبها بآراء الرّجال وأذواقهم وجيدهم ومقاييسهم ومعقولاتهم ، ولم يزن بها ما جاء به الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهذا الذى يستحقّ اسم العارف على الحقيقة ، وإذا سمّى به غيره فعلى الدّعوى والاستعارة.

وقد تكلّموا فى المعرفة بآثارها وشواهدها ، فقال بعضهم : من أمارات المعرفة بالله حصول الهيبة ، فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته. وقال أيضا : المعرفة توجب السكينة. وقيل : علامتها أن يحس بقرب قلبه من الله فيجده قريبا منه. وقال الشّبلى : ليس لعارف علاقة ، ولا لمحبّ شكوى ، ولا لعبد دعوى ، ولا لخائف قرار ، ولا لأحد من الله فرار. وهذا كلام جيّد ، فإن المعرفة الصّحيحة تقطع من القلب العلائق كلّها ، وتعلّقه بمعروفه فلا يبقى فيه علاقة لغيره ، ولا يمرّ به العلائق إلّا وهى مجتازة. وقال أحمد بن عاصم : من كان بالله أعرف كان من الله أخوف. ويدلّ على هذا قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(٢) ، وقول النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا أعرفكم بالله وأشدّكم له خشية». وقال آخر : من عرف الله ضاقت عليه الأرض بسعتها ؛ وقال غيره : من عرف الله اتّسع عليه كلّ ضيق. ولا تنافى بين هذين الكلامين فإنّه يضيق عليه كلّ مكان لاتّساعه فيه على شأنه ومطلوبه ، ويتّسع له ما ضاق على غيره لأنّه ليس فيه ولا هو مساكن له بقلبه ، فقلبه غير محبوس فيه. والأوّل فى بداية المعرفة والثانى فى غايتها التى يصل إليها العبد. وقال : من عرف الله

__________________

(١) زيادة اقتضاها السياق

(٢) الآية ٢٨ سورة فاطر

٥٢

تعالى صفا له العيش ، وطابت له الحياة ، وهابه كلّ شىء ، وذهب عنه خوف المخلوقين ، وأنس بالله. وقال غيره : من عرف الله قرّت عينه بالله وقرّت به كلّ عين ، ومن لم يعرف الله تقطّع قلبه على الدّنيا حسرات ، ومن عرف الله لم يبق له رغبة فيما سواه.

وعلامة العارف أن يكون قلبه مرآة إذا نظر فيها رأى فيها الغيب الذى دعا إلى الإيمان به ، فعلى قدر جلاء تلك المرآة يتراءى فيها سبحانه والدّار الآخرة والجنّة والنار والملائكة والرّسل ، كما قيل :

إذا سكن الغدير على صفاء

فيشبه أن يحرّكه النسيم

بدت فيه السماء بلا مراء

كذاك الشمس تبدو والنجوم

كذاك قلوب أرباب التجلّى

يرى فى صفوها الله العظيم

ومن علامات المعرفة أن يبدو لك الشاهد وتفنى الشّواهد ، وتنجلى العلائق وتنقطع العوائق ، وتجلس بين يدى الرّب ، وتقوم وتضطجع على التأهب للقائه كما يجلس الذى قد شدّ أحماله وأزمع السفر على تأهب له ويقوم على ذلك ويضطجع عليه.

ومن علامات العارف أنه لا يطالب ولا يخاصم ولا يعاقب ولا يرى له على أحد حقّا ، ولا (١) يأسف على فائت ولا يفرح بآت لأنه ينظر فى الأشياء الفناء والزّوال ، وأنّها فى الحقيقة كالظّلال والخيال. وقال الجنيد : لا يكون العارف عارفا حتّى يكون كالأرض يطؤها (٢) البرّ والفاجر ، وكالسّحاب يظلّ كلّ شىء ، وكالمطر يسقى ما يحبّ وما لا يحبّ.

__________________

(١) فى الأصلين : «ألا» وما أثبت أنسب

(٢) فى ب : «يطؤه» وكذا هو فى الرسالة القشيرية فى باب المعرفة

٥٣

وقال يحيى بن معاذ : يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين : بكاؤه (١) على نفسه ، وثناؤه على ربّه. وهذا من أحسن ما قيل ، لأنّه يدلّ على معرفته بنفسه وعلى معرفته بربّه وجماله وجلاله ، فهو شديد الإزراء على نفسه لهج (٢) بالثناء على ربّه.

وقال أبو يزيد : إنّما نالوا المعرفة بتضييع ما لهم ، والوقوف مع ما له. يريد تضييع حظوظهم والوقوف مع حقوق الله تعالى. وقال آخر : لا يكون العارف عارفا حتى لو أعطى ملك سليمان لم يشغله عن الله طرفة عين. وهذا يحتاج إلى شرح ، فإنّ ما هو دون ذلك يشغل القلب ، لكن إذا كان اشتغاله بغير الله لله فذلك اشتغال بالله.

وقال ابن عطاء : المعرفة على ثلاثة أركان : الهيبة ، والحياء ، والأنس. وقيل : العارف ابن وقته. وهذا من أحسن الكلام وأخضره ، فهو مشغول بوظيفة وقته عمّا مضى وصار فى العدم ، وعمّا لم يدخل بعد فى الوجود ، فهمّه عمارة وقته الذى هو مادّة حياته الباقية. ومن علاماته أنه مستوحش ممّن يقطعه عنه. ولهذا قيل : العارف من أنس بالله فأوحشه من الخلق ، وافتقر إلى الله فأغناه عنهم ، وذلّ لله فأعزّه فيهم ، وتواضع لله فرفعه بينهم ، واستغنى بالله فأحوجهم إليه. وقيل : العارف فوق ما يقول ، والعالم دون ما يقول. يعنى أنّ العالم علمه أوسع من حاله وصفته ، والعارف حاله وصفته فوق كلامه وخبره. وقال أبو سليمان الدارانى : إن الله يفتح للعارف وهو على فراشه ما لا يفتح لغيره وهو قائم يصلّى.

وقال ذو النون : لكل شىء عقوبة ، وعقوبة العارف انقطاعه عن ذكر الله.

__________________

(١) كذا بالرفع أى هى بكاؤه على نفسه وثناؤه ..

(٢) فى الأصلين : «الثناء». والذى فى اللغة اللهج بالشىء : الولوع به

٥٤

وقال بعضهم : رياء العارفين أفضل من إخلاص المريدين. وهذا كلام ظاهره منكر ومحتاج إلى شرح ؛ فإن العارف لا يرائى المخلوق طلبا لمنزلة (١) فى قلبه ، وإنما يكون ذلك منه نصيحة وإرشادا وتعليما ، فهو يدعو إلى الله بعمله (٢) كما يدعو إلى الله بقوله ، وإخلاص المريد مقصور على نفسه.

وقال ذو النون : الزّهّاد ملوك الآخرة ، وهم فقراء العارفين.

وسئل الجنيد عن العارف فقال : لون الماء لون إنائه. وهذه كلمة رمز بها إلى حقيقة العبوديّة ، وهو أنّه يتلوّن فى أقسام العبوديّة ، فبينا تراه مصلّيا إذ (٣) رأيته ذاكرا أو قارئا أو متعلما أو معلّما أو مجاهدا أو حاجّا أو مساعدا للضّيف أو معينا للملهوف ، فيضرب فى كلّ غنيمة بسهم. فهو مع المنتسبين منتسب ، ومع المتعلّمين متعلّم ، ومع الغزاة غاز ، ومع المصلّين مصلّ ، ومع المتصدّقين متصدّق [و] هكذا ينتقل فى منازل العبوديّة من عبوديّة إلى عبوديّة ، وهو مستقيم على معبود واحد لا ينتقل عنه إلى غيره.

وقال يحيى بن معاذ : العارف كائن بائن. وقد فسّر كلامه على وجوه : منها أنه كائن مع الخلق بظاهره بائن عن / نفسه (٤). ومنها أنّه كائن مع أبناء الآخرة بائن عن أبناء الدّنيا. ومنها أنّه كائن مع الله بموافقته ، بائن عن النّاس لمخالفته. ومنها أنّه داخل فى الأشياء خارج عنها ، يعنى [أن] المريد لا يقدر على الدّخول فيها والعارف داخل فيها خارج منها.

__________________

(١) فى ب : «للمنزلة»

(٢) فى ا : «بعلمه»

(٣) فى الأصلين : «أو» والمناسب ما أثبت

(٤) كذا ، والأظهر : «بائن عنهم بنفسه وباطنه»

٥٥

وقال ذو النون رحمه‌الله : علامة العارف ثلاثة : لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ، ولا يعتقد باطنا من العلم ينقض عليه (١) ظاهرا من الحكم ، ولا يحمله كثرة نعم الله على هتك أستار محارم الله. وهذا أحسن ما قيل فى المعرفة. وقال : ليس بعارف من وصف المعرفة عند أبناء الآخرة فكيف عند أبناء الدّنيا؟ يريد أنه ليس من المعرفة وصف المعرفة لغير أهلها سواء كانوا عبّادا أو من أبناء الدنيا. وسئل ذو النون عن العارف فقال : كان هاهنا فذهب. فسئل الجنيد عن معناه فقال : لا يحصره حال عن حال ، ولا يحجبه منزل عن التنقّل فى المنازل ، فهو مع أهل كل منزل (على الّذى هم (٢)) فيه ، يجد مثل الذى يجدون ، وينطق بمعالمها ليتبلغوا (٣).

وقال بعض السّلف : نوم العارف يقظة ، وأنفاسه تسبيح ، ونومه أفضل من صلاة الغافل. إنما كان نومه يقظة لأنّ قلبه حىّ فعيناه تنامان وروحه ساجدة تحت العرش بين يدى ربّها ؛ وإنّما كان نومه أفضل من صلاة الغافل لأنّ بدنه (٤) فى الصلاة واقف وقلبه يسبح فى حشوش (٥) الدنيا والأمانىّ.

وقيل : مجالسة العارف تدعوك من ستّ إلى ستّ : من الشك إلى اليقين ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الغفلة إلى الذكر ، ومن الرغبة فى الدنيا إلى الرغبة فى الآخرة ، ومن الكبر إلى التواضع ، ومن سوء الطويّة إلى النصيحة. وللكلام فى المعرفة تتمة نذكرها فى محلّها فى المقصد المشتمل على علوم الصوفية إن شاء الله.

__________________

(١) فى الأصلين : «عنه» وما أثبت من الرسالة ١٨٧

(٢) فى الرسالة : «بمثل الذى هو»

(٣) فى الرسالة : «لينتفعوا بها»

(٤) أى بدن الغافل

(٥) يراد المراحيض

٥٦

وتعارفوا : عرف بعضهم بعضا. وعرّفه : جعل له عرفا أى ريحا طيبة. قال تعالى : (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ)(١) أى طيّبها وزيّنها. وقيل : عرّفها لهم من المعرفة أى وصفها وشوّقهم إليها.

وعرفات : موقف الحاجّ فى تاسع ذى الحجّة ببطن نعمان. سمّيت لأن آدم وحوّاء تعارفا بها ، أو لقول جبريل عليه‌السلام لإبراهيم عليه‌السلام لمّا أعلمه المناسك : أعرفت (٢) ، أو لأنها مقدّسة معظّمة كأنّها عرّفت أى طيّبت ، أو لأن النّاس يتعارفون فيه (٣) ، أو لتعرّف العباد إلى الله تعالى بالعبادات والأدعية. ويوم عرفة يوم الوقوف. وهو اسم (٤) فى لفظ الجمع فلا يجمع. وهى معرفة وإن كانت جمعا ؛ لأن الأماكن لا تزول فصارت كالشىء الواحد ، مصروفة لأنّ التاء بمنزلة الياء والواو فى مسلمين ومسلمون ، والنسبة إليه عرفىّ.

والمعروف : اسم لكلّ فعل يعرف بالشرع والعقل حسنه. وقوله : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ)(٥) أى بالاقتصاد والإحسان. وقوله : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً)(٦) أى ردّ جميل ودعاء خير من صدقة هكذا.

والعرف : المعروف من الإحسان. وجاءت القطا عرفا أى متتابعة ، قال تعالى : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً)(٧). والعرّاف : الكاهن ، غير أن العرّاف يخصّ بمن يخبر بالأحوال المستقبلة ، والكاهن بالماضية. والعريف من يعرف الناس ويعرّفهم ، وسيّد القوم. والاعتراف : الإقرار بالذنب ، وأصله / إظهار معرفة الذّنب.

__________________

(١) الآية ٦ سورة محمد

(٢) فكان يقول له : عرفت

(٣) ذكرها باعتبار الموضع

(٤) أى عرفات

(٥) الآية ٢٤١ سورة البقرة

(٦) الآية ٢٦٣ سورة البقرة

(٧) صدر سورة المرسلات

٥٧

١٨ ـ بصيرة فى عرى وعرم

عرام الجيش : حدّهم وشدّتهم وكثرتهم ، ومن الرّجل : الشراسة والأذى. عرم يعرم ويعرم ، وعرم وعرم عرامة وعراما ، فهو عارم وعرم : اشتدّ ؛ والصبىّ علينا : أشر ومرح وبطر أو فسد.

والعرمة : سدّ يعترض به الوادى : والجمع عرم ، أو هو جمع بلا واحد ، أو هو الأحباس تبنى فى الأودية ؛ والجرذ الذكر ، وبكلّ فسّر قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ)(١). وقيل : المراد سيل الأمر العرم ، ونسب إلى الجرذ فى قول من فسّره به من حيث إنّه هو الّذى ثقب المسنّاة (٢). والعرم أيضا : المطر الشديد ، واسم واد.

والعرمرم : الشديد ، والجيش الكثير.

العرى ـ بالضمّ ـ : خلاف اللبس. عرى ـ كرضى ـ عريا وعرية بضمّهما ، وتعرّى ، وهو عار وعريان من عراة وعريانين. وفرس عرى : بلا سرج. ورأيت عريا تحت عريان.

وجارية حسنة العرية ـ بالضمّ والكسر ـ والمعرّى والمعرّاة أى ، حسنة المجرّد (٣). والمعارى (٤) حيث يرى كالوجه واليدين والرّجلين.

__________________

(١) الآية ١٦ سورة سبأ

(٢) هى سد يبنى فى الوادى ليرد السيل وهى العرم

(٣) أى حسنة إذا جردت من ثيابها

(٤) عبارة الراغب : «معارى الانسان : الأعضاء التى من شأنها أن تعرى»

٥٨

والعراء : الفضاء الّذى لا يستتر (١) فيه بشيء ، والجمع أعراء. قال تعالى : (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ)(٢). وأعرى : سار فيه أو أقام.

والعرا ـ بالقصر ـ : الناحية ، والجناب كالعراة.

وأعراه النخلة : وهبه ثمر عامها. والعريّة : النخلة المعراة.

والعروة من الدّلو والكوز : المقبض ، ومن الثّوب : أخت (٣) زرّه كالعرى والعرى. والعروة من الفرج : لحم ظاهر يدقّ فيأخذ يمنة ويسرة مع أسفل البظر. والفرج معرّى. والعروة : الجماعة من العضاه والحمض ترعى فى الجدب ، والأسد ، والنفيس من المال كالفرس الكريم ، وحوال (٤) البلد.

وقوله تعالى : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى)(٥) فذلك على سبيل التمثيل ، لأنّ العروة ما يتعلّق به من عراه أى جانبه.

__________________

(١) فى عبارة المحكم : «لا يستره شىء» وانظر التاج

(٢) الآية ١٤٥ سورة الصفات

(٣) فى اللسان : «مدخل»

(٤) الأولى : «ما حوال» فان (حوال) من الظروف غير المتصرفة تقول : جلست حواله ، ومن حوله.

(٥) الآية ٢٥٦ سورة البقرة ، والآية ٢٣ سورة لقمان

٥٩

١٩ ـ بصيرة فى عزب وعز

العزب : الذى لا أهل له ، والأعزاب جمعه. وهراوة الأعزاب : فرس ريّان بن خويض (١) ، وكانت لا تدرك ، تصدّق بها على أعزاب قومه ، فكان العزب منهم بغزو عليها فإذا استفاد مالا وأهلا دفعها [إلى](٢) عزب آخر من قومه فضربت مثلا. وقيل : أعزّ من هراوة الأعزاب. قال لبيد :

لا تسقنى بيديك إن لم ألتمس

نعم الضجوع بغارة أسراب

تهدى أوائلهنّ كلّ طمرّة

جرداء مثل هراوة الأعزاب (٣)

وامرأة عزبة وعزب أيضا :

* يا من يدلّ عزبا على عزب (٤) *

وقال أبو حاتم : لا يقال : أعزب ، وأجازه غيره. وفى الحديث عند مسلم : «وما فى الجنّة أعزب».

وقالوا : رجل عزب للذى يعزب فى الأرض. وقال : عزب يعزب عن أهله ، وعزب عنىّ يعزب ويعزب : بعد وغاب. وعزب طهر المرأة : إذا غاب عنها زوجها ، قال النابغة الذبيانىّ :

__________________

(١) فى التاج : «خويص»

(٢) زيادة من التاج

(٣) الديوان ٢١ (ق ٣ : ٢ و ٣) والرواية فيه : وإن لم ألتمس. النعم : الابل. الضجوع : واد ـ الطمرة : المشرف من الخيل.

(٤) بعده :

على ابنة الحمارس الشيخ الأزب

والحمارس : الشديد. والأزب : كثير شعر الذراعين والحاجبين والعينين ، وفى المثل : كل أزب نفور. وفى اللسان : «الشيخ الأزب أى الكريه الذى لا يدنى من حرمته»

٦٠