بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٧

ليس الإمام بالشحيح الملحد

ولا بوبر فى الحجاز مقرد (١)

إن ير بالأرض الفضاء يطرد

أو ينجحر فالجحر شرّ محكد (٢)

وقال الزجاج : الإلحاد فى الحرم : الشرك (٣) بالله. وقال عمر رضى الله عنه : احتكار الطعام بمكة إلحاد.

واللّحد واللّحد ـ بالفتح والضم ـ الشقّ فى جانب القبر. قال :

فأصبح فى لحد من الأرض ميّتا

وكانت به حيّا تضيق الصحاصح (٤)

وقد تحرّك الحاء فى اللحد قال :

كم يكون السبت ثم الأحد

والعقبى لكل هذا لحد (٥)

ولحد للقبر وألحد بمعنى ، فى الحديث (٦) الصحيح : «اللحد لنا والشقّ لغيرنا». وقبر لاحد ، وملحود ، ذو لحد.

وقوله تعالى : (الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ)(٧) وذلك يكون على وجهين.

إحداهما أن يوصف بما لا يصحّ وصفه. والثانى أن يتأوّل أوصافه على ما لا يليق به.

والملتحد : الملجأ ؛ لأن الملتجئ يميل إليه ، قال : (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً)(٨) أى ملجأ.

__________________

(١) يقول هذا فى هجاء عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما. والوبر : دويبة على قدر القط من دواب الصحراء ، والمقرد : الساكت ذلا

(٢) المحكد : الملجأ

(٣) فى التاج أن الذى فى كتب اللغة : «الشك»

(٤) الصحاصح : جمع صحصح. وهى الأرض الجرداء المستوية

(٥) سقط الشطر الأخير فى ب. وفى ا : «وعقبى كل هذا» والمناسب ما أثبت

(٦) أخرجه أصحاب السنن كما فى تيسير الوصول ٣ / ٣٠٣

(٧) الآية ١٨٠ سورة الأعراف

(٨) الآية ٢٢ سورة الجن

٤٢١

اللحف : تغطيتك الشىء باللّحاف. لحفت الرجل ألحفه لحفا ، أى طرحت عليه اللحاف ، أو غطّيته بشيء. وألحف السائل : ألحّ فى السؤال ، قال الله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً)(١). وقال الزجاج : ألحف : شمل بالمسألة (٢) ، ومنه اشتقاق اللحاف. وقيل معناه : لا يكون منهم سؤال فيكون منهم إلحاف. وفى حديث النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سأل وله أربعون درهما فقد سأل الناس إلحافا» ويقال :

* وليس للملحف مثل الردّ (٣) *

يقال : ألحفتنى (٤) وأغللت (٥) بى : إذا أضرّ به. وألحف الرجل ظفره : استأصله.

__________________

(١) الآية ٢٧٣ سورة البقرة

(٢) فى اللسان تتمة له : «وهو مستغن عنها»

(٣) قبله :

* الحر يلحى والعصا للعبد*

وهو لبشار كما فى اللسان

(٤) فى القاموس فى هذا المعنى : ألحف به

(٥) فى التاج بالعين المهملة

٤٢٢

٦ ـ بصيرة فى لحق

لحقه ولحق به لحقا ولحاقا ـ بالفتح ـ أى أدركه. قال تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)(١). وألحق الشىء بالشىء. وألحقه أيضا بمعنى لحقه.

وفى دعاء القنوت : إن عذابك بالكفّار ملحق أى لاحق. وفتح الحاء هو الصواب. وقال ابن دريد : ملحق وملحق جميعا. وقال الليث : بالكسر أحبّ إلينا. قال : ويقال إنها من القرآن لم يجدوا عليها إلّا شاهدا واحدا فوضعت فى القنوت. قال : وهذه اللغة موافقة لقول الله سبحانه : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ)(٢).

وقال ابن دريد : ألحقتهم أى تقدّمتهم. وتلاحقت المطايا : لحق بعضها بعضا.

وقول بعض الناس : التحق فلان بكذا أى لحق ، غير موجود فيما دوّن من كتب اللغة المعروفة. فلتجتنب.

__________________

(١) الآية ٣ سورة الجمعة

(٢) صدر سورة الاسراء

٤٢٣

٧ ـ بصيرة فى لحم ولحن ولد

اللحم ـ وقد يفتح الحاء ـ معروف. والجمع لحوم ولحام وألحم ولحمان. والطائفة منه لحمة. قال تعالى : (تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا)(١) ، وقال : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ)(٢).

ورجل لحيم ولاحم : ذو لحم. ولحّام : بائعه. ولحم ولحيم : سمين. وملحم : مطعم (٣). ورجل لحم الفرج : أكول اللحم قرم إليه. وقد لحم ولحم ـ ككرم وعلم ـ. وباز لاحم ولحم : يأكله أو يشتهيه ، والجمع : لواحم. واللّحيم : القتيل.

اللحن من الأصوات المصنوعة الموضوعة ، والجمع : ألحان ولحون. ولحّن فى قراءته : طرّب فيها. واللحن : اللغة : واللحن واللّحون واللحانة واللحانية واللحن : الخطأ فى القراءة. لحن كفرح فهو لاحن ، ولحّان ولحّانة. ولحنة : كثير اللحن. واللحن / أيضا : صرف الكلام عن التصريح إلى تعريض وفحوى. وهو محمود من حيث البلاغة ، وإليه قصد الشاعر :

* .. وخير الحديث ما كان لحنا (٤) *

__________________

(١) الآية ١٢ سورة فاطر

(٢) الآية ١٢ سورة الحجرات

(٣) أى مطعم للحم

(٤) ورد فى بيتين لأسماء بن خارجة الفزارى هما :

وحديث ألذه هو مما

يشتهى الناعتون يوزن وزنا

منطق رائع وتلحن أحيا

نا وخير الحديث ما كان لحنا

وانظر التاج (لحن)

٤٢٤

وإيّاه (١) أريد بقوله تعالى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)(٢) أى فى فحواه ومعناه. واللاحن (٣) : العالم بعواقب الأمور.

الألدّ : الخصم الشديد التأبّى (٤) ، ورجل ألدّ بيّن اللدد ، أى شديد الخصومة ، وقوم لدّ. وتصغير اللدّ أليدّون. ولدّه يلدّه : خصمه فهو لادّ ولدود. ورجل ألندد ويلندد أى خصم ، مثل الألدّ.

__________________

(١) كذا بضمير النصب. وكأنه جعل نائب الفاعل «بقوله» ، على حد قراءة بعضهم «ليجزى قوما بما كانوا يكسبون»

(٢) الآية ٣٠ سورة محمد

(٣) عقب صاحب التاج على هذا بقوله : «هكذا فى النسخ. والصواب أنه بهذا المعنى ككثف»

(٤) ب : «المتأبى»

٤٢٥

٨ ـ بصيرة فى لدن ولدى

لدن ولدن بضم الدال وفتحها ، ولدن كأين ، ولدن بضم اللام وكسر النون ، ولد بضم الدال : ولدى كعلى ، ست لغات. وهو ظرف زمان ، وقيل : مكانىّ كعند ، قال تعالى : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ)(١) ، وقال تعالى : (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ)(٢). وسمع لدى بمعنى هل (٣).

والعلم اللدنّىّ : ما يحصل للعبد بغير واسطة ، بل إلهام من الله تعالى ؛ كما حصل للخضر عليه‌السلام بغير واسطة موسى. قال تعالى : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا)(٤) إذ لم يكن نيلهما على يد بشر. وكان ما لدنه أخصّ وأقرب ممّا عنده ، ولهذا قال : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً)(٥) فالسلطان النصير الذى من لدنه سبحانه أخصّ من الذى عنده وأقرب. وهو نصره الذى أيّده به ، والذى عنده نصره بالمؤمنين ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)(٦).

والعلم اللدنّىّ ثمرة العبوديّة والمتابعة والصدق مع الله والإخلاص له ، وبذل الجهد فى تلقّى العلم من المشكاة النبوية المحمدية والكتاب العزيز

__________________

(١) الآية ٢ سورة الكهف

(٢) الآية ٢٥ سورة يوسف

(٣) جاء هذا فى قول الشاعر :

لدى من شباب يشترى بمشيب

وكيف شباب المرء بعد دبيب

(٤) الآية ٦٥ سورة الكهف

(٥) الآية ٨٠ سورة الاسراء

(٦) الآية ٦٢ سورة الأنفال

٤٢٦

المجيد ، وكمال الانقياد له ، فيفتح له من فهم الكتاب والسنّة أمر يخصّ به ، كما قال علىّ وقد سئل : هل خصكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشيء دون الناس؟ فقال : لا والذى فلق الحبّة ، وبرأ النسمة إلّا فهما يؤتيه الله عبدا فى كتابه ؛ فهذا هو العلم اللدنّىّ الحقيقىّ

وأمّا علم من أعرض عن الكتاب والسنّة ولم يتقيد بهما فهو من لدن النفس والشيطان. فهو لدنىّ ولكن من لدن من؟.

وإنما يعرف كون العلم لدنيّا روحانيا بموافقته بما (١) جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ربّه عزوجل. فالعلم اللّدنىّ نوعان : لدنّىّ رحمانىّ ، ولدنىّ شيطانى كما تقدم فى بصيرة العلم. والله أعلم.

__________________

(١) كذا. والأولى : «لما»

٤٢٧

٩ ـ بصيرة فى لزب ولزم ولسن

اللزوب : اللصوق قال تعالى : (مِنْ طِينٍ لازِبٍ)(١) أى لاصق. تقول منه لزب يلزب ـ مثال كتب ـ لزوبا. واللازب : الثابت. صار الشىء ضربة لازب ، وهو أفصح من لازم ، قال النابغة الذبيانىّ :

يصونون أجسادا قديما نعيمها

بخالصة الأردان خضر المناكب (٢)

ولا يحسبون الخير لا شرّ بعده

ولا يحسبون الشرّ ضربة لازب

والملزاب : البخيل ، وأنشد أبو عمرو :

لا يفرحون إذا ما نضخة وقعت

وهم كرام إذا اشتد الملازيب (٣)

لزوم الشىء : طول مكثه. لزمه ـ كسمعه ـ لزما ولزوما ولزاما ولزامة ولزمة ـ بفتحهن ـ (٤) ولزمانا بالضمّ. ولازمه ملازمة ولزاما. وألزمه إيّاه فالتزمه ، قال : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى)(٥) / ، وقال : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)(٦).

والإلزام ضربان : ضرب بالتسخير من الله وبالقهر من الإنسان ؛ وضرب بالأمر والحكم.

__________________

(١) الآية ١١ سورة الصافات

(٢) من قصيدة يمدح فيها عمرو بن الحارث الأعرج الغسانى ، ويريد بخالصة الأردان ثيابا أردانها خالصة البياض ومناكبها خضر ، وتلك ثياب كانت تتخذ لملوكهم. والأردان : جمع ردن ، وهو مقدم كم القميص

(٣) النضخة : المطرة

(٤) الذى فى القاموس أن اللزمة بالضم

(٥) الآية ٢٦ سورة الفتح

(٦) الآية ١٢ سورة الاسراء

٤٢٨

اللسان : المقول ويؤنّث. والجمع ألسنة وألسن ولسن. قال تعالى : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي)(١) يعبر به عن قوة (٢) لسانه ؛ فإن العقدة لم تكن فى الجارحة ، وإنما كانت فى قوّته التى بها ينطق. وقال : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ)(٣) ، واللسان : اللغة. والجمع ألسنة. قال تعالى : (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ)(٤) أى لغاتكم ونغماتكم ؛ فإنّ لكل إنسان نغمة مخصوصة يميّزها السمع ؛ كما أنّ اللون له صورة مخصوصة يميّزها البصر.

واللسان أيضا : الرسالة ، والمتكلّم عن القوم. ولسان الميزان : عذبته.

واللّسن ـ بالكسر ـ : لغة فى اللسان. واللّسن ـ بالتحريك ـ : الفصاحة. لسن ـ كفرح ـ فهو لسن وألسن. ولسنه : أخذه بلسانه ، وغلبه فى الملاسنة. وفلان ينطق بلسان الله : بحجته وكلامه.

__________________

(١) الآية ٢٧ سورة طه

(٢) فى الأصلين : «لسانى» وما أثبت من الراغب

(٣) الآية ٦٧ سورة مريم ، والآية ٥٨ سورة الدخان

(٤) الآية ٢٢ سورة الروم

٤٢٩

١٠ ـ بصيرة فى لطف ولظى ولعب (ولعن)

اللطف فى الأجسام : الدقّة والصغر. لطف يلطف لطفا ولطافة : دقّ وصغر. وفى المعانى تارة يستعمل بمعنى الحركة الخفيفة ، وتارة بمعنى الرفق.

واللطيف من أسماء الله تعالى هو الرفيق بعباده. واللّطيف من الكلام : ما غمض معناه وخفى. ويقال : لطف الله بك (١) أى أوصل إليك مرادك (٢). واللطف من الله : التوفيق والعصمة. والاسم اللطف بالتحريك ، قال كعب ابن زهير رضى الله عنه :

ما شرّها بعد ما ابيضت مسائحها

لا الودّ أعرفه منها ولا اللطفا (٣)

ويقال : جاءتنا لطفة من فلان ـ محرّكة ـ أى هديّة. واللطف ـ محركة ـ : اللطيف.

وقوله : (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ)(٤) ، أى حسن الاستخراج ، تنبيها على ما أوصل إليه يوسف حيث ألقاه إخوته فى الجبّ. وقد يعبّر باللطيف عما يتعسّر على الحاسة إدراكه. والملاطفة : المبارّة. والتلطّف للأمر : الرفق له (٥).

__________________

(١) فى القاموس «لك» والباء واللام فى التعدية سيان

(٢) فى القاموس بعده : «بلطف»

(٣) من معانيه الذوائب. يريد شيبها. يتحدث عن امرأته ، وكانت تسوءه. ويروى «شأنها» فى مكان «شرها» ، وانظر الديوان ٧٠

(٤) الآية ١٠٠ سورة يوسف

(٥) كذا فى الأصلين. والمناسب : «به»

٤٣٠

اللظى : النار. وقيل : لهب النار الخالص عن الدخان. ولظى معرفة : اسم جهنّم ، أعاذنا الله منها. ولظيت النار ـ كرضيت ـ لظى ، والتظت وتلظّت : التهبت. ولظّها تلظية : ألهبها.

اللّعاب : ما يسيل من الفم. ولقد لعب الصبىّ ـ بفتح العين وكسرها ـ يلعب لعبا : سال لعابه ؛ وينشد بالوجهين قول لبيد رضى الله عنه :

لعبت على أكتافهم وحجورهم

وليدا وسمّونى مفيدا وعاصما (١)

ومنه اشتقاق اللعب ، وهو كلّ فعل لا يدل على مقصد صحيح. وقد لعب يلعب لعبا وألعوبة وتلعابا. والملعب : موضع اللعب ، قال : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ)(٢) واللّعبة معروفة ، وكل ملعوب به أيضا لعبة لأنه اسم. واللّعبة ـ بالفتح ـ : المرّة من اللعب ، وبالكسر النوع منه ؛ مثل الجلسة من الجلوس.

ورجل لعبة : يلعب به. واللّعبة ـ مثال همزة ـ والتلعابة ـ بالكسر ـ والتلعيبة والتلعّابة ـ بكسرتين وشدّ العين ـ : الكثير اللعب.

اللّعن : الطرد والإبعاد لعنه فهو لعين وملعون والاسم. اللّعان واللّعانية واللعنة مفتوحات.

واللعنة ـ بالضم ـ من يلعنه الناس ، وكهمزة : من يلعنهم كثيرا. واللّعين والملعّن : من يلعنه كل أحد. والتلعين : التعذيب والتعنا وتلاعنا ، ولاعنا ملاعنة ولعانا : لعن بعضهم بعضا. ولاعن الحاكم بينهما لعانا : حكم.

__________________

(١) الديوان / ٢٨٧ وانظر اللسان والأساس (لعب).

(٢) الآية ٦٤ سورة العنكبوت

٤٣١

١١ ـ / بصيرة فى لعل

وهو حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر. وقيل : قد ينصبهما ، وزعم أنه لغة لبعض العرب ، وحكوا : لعلّ أباك منطلقا ، وتأويله عند الجمهور على إضمار يوجد ، وعند الكسائىّ على إضمار يكون.

وبنو عقيل يخفضون بها المبتدأ كقول كعب بن سعد الغنوىّ :

وداع دعا هل من مجيب إلى النّدى

فلم يستجبه عند ذاك مجيب

فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة

لعلّ أبى المغوار منك قريب (١)

ويروى لعلّ أبا المغوار وروى : يا من يجيب إلى النّدا.

ويتصل بلعلّ ما الحرفيّة فيكفها عن العمل ؛ وجوّز قوم إعمالها حينئذ حملا على ليت لاشتراكهما فى أنهما يغيّران معنى الابتداء.

وفى لعلّ لغات كثيرة : علّ ، علّ ، لعلّ ، لعلّ ، لعلّت ، لعا ، رعنّ رغنّ ، رعلّ ، لعنّ ، لغنّ ، لأنّ عنّ ، أنّ ، لونّ. وعن ابن السكيت : لعلّى ، ولعلّنى ، ولعنّى وعلّى ، علّنى ولأنّى ، ولأنّنى ولونّى ورعنّى ورغنّى ولغنّى ولعنّنى.

ولها معان :

أحدها : التوقّع وهو ترجّى المحبوب ، والإشفاق من المكروه ؛ نحو : لعلّ الحبيب مواصل ، ولعل الرقيب حاصل. وتختص (٢) بالممكن.

__________________

(١) انظر شواهد العينى على هامش الخزانة ٣ / ٢٤٧

(٢) فى الأصلين : «مختص» والأنسب ما أثبت

٤٣٢

وأمّا قول فرعون : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ)(١) فإنما قاله جهلا أو مخرقة وإفكا (٢).

والثانى : التعليل. أثبته جماعة ، وحملوا عليه قوله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)(٣) ، ومن لم يثبته يحمله على الرجاء ويصرفه إلى المخاطبين ، أى اذهبا على رجائكما.

الثالث : الاستفهام أثبته الكوفيّون ، ولهذا علّق بها الفعل فى نحو : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً)(٤) ونحو : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)(٥).

ويقترن خبرها بأن كثيرا حملا على عسى ؛ كقوله :

* لعلك يوما أن تلمّ ملمّة (٦) *

وبحرف التنفيس قليلا كقوله :

فقولا لها قولا رقيقا لعلّها

سترحمنى من زفرة وعويل (٧)

ولا يمتنع كون خبرها فعلا ماضيا ، نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وما يدريك لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم». وقوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ)(٨) أى يظنّ بك الناس [ذلك](٩). وقوله : (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(١٠) أى اذكروا الله راجين الفلاح. وقوله تعالى فيما ذكر عن قوم فرعون : (لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ)(١١) فذلك طمع منهم فى فرعون.

__________________

(١) الآيتان ٣٦ ، ٣٧ سورة غافر

(٢) المخرقة : الكذب مأخوذ من الاختراق ، وهو افتراء الكذب. والافك : الكذب أيضا. وانظر حاشية الدسوقى على المغنى فى مبحث لعل

(٣) الآية ٤٤ سورة طه

(٤) الآية ١ سورة الطلاق

(٥) الآية ٣ سورة عبس

(٦) وعجزه عليك من اللائى يدعنك أجدعا)

والبيت لمتمم بن نويرة وانظر جامع الشواهد ٢٤٠ ولم ينسبه.

(٧) جامع الشواهد / ١٨٤ والرواية فيه (رفيقا) بالفاء.

(٨) الآية ١٢ سورة هود

(٩) زيادة من الراغب

(١٠) الآية ٤٥ سورة الأنفال

(١١) الآية ٤٠ سورة الشعراء

٤٣٣

١٢ ـ بصيرة فى لغب ولغو

اللّغوب : التعب والإعياء والنصب ، تقول منه : لغب يلغب ـ كنصر ينصر ـ لغوبا. ولغب يلغب لغة فيه ضعيفة. واللّغوب بفتح اللام كالقبول والولوع والوضوء وأشباهها. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمى ويحيى بن يعمر وسعيد بن جبير ويزيد النحوى : (وما مسنا من لَغُوب) (١) بفتح اللام. ورجل لغب بالفتح : ضعيف بيّن اللّغابة. وألغبه : أتعبه. ولغّب دابته تلغيبا : تحامل عليه حتى أعيا.

اللّغو واللّغا كفتى ، واللّغوى : السقط ، وما لا يعتدّ به من الكلام وغيره.

وقوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ)(٢) أى ما لا عقد عليه ، مثل ما يجرى فى المخاطبات : لا والله ، وبلى والله ، وإى والله ، من غير قصد ولا عقد قلب عليه ، ومن هذا أخذ الشاعر (٣) :

ولست بمأخوذ بلغو تقوله

إذا لم تعمّد عاقدات العزائم

وقيل : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ)(٤) أى بالإثم / فى الحلف إذا كفّرتم. وقال تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً)(٥) أى قبيحا من الكلام.

__________________

(١) الآية ٣٨ سورة ق

(٢) الآية ٢٢٥ سورة البقرة ، والآية ٨٩ سورة المائدة

(٣) هو الفرزدق ، كما فى النقائض طبع أوربة ٣٤٤. وانظر تفسير الطبرى ٣ / ٩٩

(٤) الآية ٢٢٥ سورة البقرة ، والآية ٨٩ سورة المائدة

(٥) الآية ٢٥ سورة الواقعة ، والآية ٣٥ سورة النبأ

٤٣٤

وقوله تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)(١) أى كنوا عن القبيح ولم يصرّحوا به ، وقيل : معناه : إذا صادفوا أهل اللغو لم يخوضوا معهم.

ولغا فى قوله يلغى ـ كسعى يسعى ـ ولغا يلغو ـ كدعا يدعو ـ ولغى يلغى ـ كرضى يرضى ـ لغا ولاغية وملغاة : أخطأ. وكلمة لاغية : فاحشة. قال تعالى : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً)(٢).

__________________

(١) الآية ٧٢ سورة الفرقان

(٢) الآية ١١ سورة الغاشية

٤٣٥

١٣ ـ بصيرة فى لف ولفت ولفح ولفظ ولفى

لففت الشىء ألفّه لفّا. ولفّ الكتيبة بالأخرى : إذا خلط بينهما فى الحرب. وأنشد ابن دريد :

ولكم لففت كتيبة بكتيبة

ولكم كمىّ قد تركت معقر

والألفاف : الأشجار يلتف بعضها ببعض قال تعالى : (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً)(١) واحدها لفّ بالكسر. ومنه قولهم : كنّا لفّاء أى مجتمعين فى موضع. وقال الليث : اللّفّ ما لفّوا من هاهنا وهاهنا ، كما يلفّ الرجل شهود زور. قال : وصديقة لفّة ، ويقال : لف. واللفيف : ما اجتمع من الناس من قبائل شتى ، يقال : جاءوا بلفهم ولفيفيهم ، أى أخلاطهم. وقوله تعالى : (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً)(٢) أى مجتمعين مختلطين من كل قبيلة. وطعام لفيف : إذا كان مخلوطا من جنسين فصاعدا. وقال بعضهم فى قوله تعالى : (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) إنها جمع لفّ بالضم ، وهو جمع جنة لفّاء ، من قولهم : شجرة لفّاء ملتفّة الأغصان. واللفّ أيضا : الشوابل من الجوارى ، وهنّ السمان الطوال ، من قولهم : امرأة لفّاء أى ضخمة الفخذين ، وفخذان لفّاوان ، قال : (٣)

تساهم ثوباها ففى الدرع رأدة

وفى المرط لفّاوان ردفهما عبل

__________________

(١) الآية ١٦ سورة النبأ

(٢) الآية ١٠٤ سورة الاسراء

(٣) أى الحكم الخضرى ، كما فى اللسان والتاج. والرأد : الشابة الحسنة. والدرع : القميص. والمرط : كساء من خز أو صوف أو كتان. وتساهم : تقارع وتقاسم.

٤٣٦

وأنشد ابن فارس :

عراض القطا ملتفّة ربلاتها

وما اللّفّ أفخاذا بتاركة عقلا (١)

اللّفت : اللىّ قال تعالى : (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا)(٢) أى تصرفنا. وفى حديث حذيفة : قال : «إنّ من أقرإ الناس للقرآن منافقا لا يدع منه واوا ولا ألفا ، يلفته بلسانه كما تلفت البقرة الخلى (٣) بلسانها». أى يرسله ولا يبالى كيف جاء ، والمعنى أنه يقرؤه من غير رويّة ولا تبصّر وتعمّد للمأمور به ، غير مبال بمتلوّه كيف جاء كما تفعل البقرة بالحشيش إذا أكلته. وأصل اللفت (٤) : لىّ الشىء عن الطريق المستقيم.

لفحته الشمس والسموم : غيّر لونه (٥) بحرّه ، قال تعالى : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ)(٦) ، وفى الحديث : «تأخرت مخافة أن تصيبنى من لفحها» ، أى من حرها ووهجها.

اللفظ بالكلام مستعار من لفظ الشىء من الفم ، أى رماه.

ألفاه : وجده ، قال تعالى : (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ).(٧)

__________________

(١) القطا : جمع قطاة وهى العجز. والربلات جمع ربلة وهى باطن الفخذ والبيت فى الأساس (لفف).

(٢) الآية ٧٨ سورة يونس.

(٣) الخلى : الرطب من النبات والحديث فى الفائق : ٢ / ٤٦٩

(٤) فى الأصلين : «التلفت» وما أثبت من الفائق فى غريب الحديث.

(٥) كذا ، والشمس والسموم مؤنثان.

(٦) الآية ١٠٤ سورة المؤمنين

(٧) الآية ٢٥ سورة يوسف.

٤٣٧

١٤ ـ بصيرة فى لقب ولقح ولقط ولقف

اللقب : اسم يسمّى به الإنسان سوى اسمه الأصلىّ ، ويراعى فيه المعنى بخلاف الأعلام ، ولهذا المعنى قال :

وقلّما أبصرت عيناك ذا لقب

إلّا ومعناه إن فتشت فى لقبه

والألقاب ثلاثة : لقب تشريف ، ولقب تعريف ، ولقب تسخيف. وإيّاه قصد بقوله تعالى : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ)(١). ولقّبته بكذا فتلقّب.

لقحت الناقة تلقح لقحا ولقاحا (٢) ، وكذلك الشجرة. وألقح الفحل الناقة ، والريح السحاب. قال تعالى : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ)(٣) أى ذوات لقاح. وألقح نخله ولقّحها باللّقاح ، وهو ما يلقح به من طلع فحّال يدقّ ويذرّ فى جوف الجفّ (٤). واستلقح نخله : حان (٥) له أن يلقح. وفلان ملقّح منقّح ، أى مجرّب مهذّب.

لقط الشىء / يلقطه لقطا : أخذه من الأرض ، ومنه المثل : «لكل ساقطة لاقطة» ، أى لكل كلمة بدرت وسقطت من فم الناطق نفس تسمعها فتلقطها فتذيعها ، يضرب فى حفظ اللسان ، أى ربما قيّض لها من يتمنّاها (٦) فيورّط قائلها.

__________________

(١) الآية ١١ سورة الحجرات.

(٢) فى التاج بعده : «إذا حملت»

(٣) الآية ٢٢ سورة الحجر.

(٤) الجف : وعاء الطلع.

(٥) فى الأصلين : «جاز» ، وظاهر أنه محرف عما أثبت.

(٦) فى الأصلين : «يتمنها».

٤٣٨

واللّقطة ـ بالتسكين ـ : اسم الشىء تجده ملقى فتأخذه. وكذلك المنبوذ من الصبيان. والالتقاط : العثور على الشىء ومصادفته من غير طلب ولا احتساب ، قال الله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا)(١)

لقفت الشىء ـ بالكسر ـ ألقفه لقفا ولقفانا ، أى تناولته بسرعة. وقرأ ابن أبى عبلة : (تلقفُ ما صنعوا) (٢) بسكون اللّام ورفع (٣) الفاء على الاستئناف. وتلقّف الشىء : ابتلعه ، قال الله تعالى : (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا)(٤) ، وقرأ ابن ذكوان : (تلقّف) برفع الفاء على الاستئناف. ولقّفته تلقيفا : أبلعته.

__________________

(١) الآية ٨ سورة القصص.

(٢) الآية ٦٩ سورة طه.

(٣) وقرأ حفص بسكون اللام والفاء معا.

(٤) الآية ٦٩ سورة طه.

٤٣٩

١٥ ـ بصيرة فى لقى

لقيه ـ كرضيه ـ لقاء ولقاءة ولقيّا ولقيانة ـ بكسرهنّ ـ ولقيّا ولقيانا ولقية ولقى ـ بضمّهن ـ [ولقاءة](١) مفتوحة : رآه ، كتلقّاه والتقاه. والاسم التلقاء ـ بالكسر ـ ولا نظير له فى الكلام سوى التبيان. ويكون اللقاء بحسّ البصر وبالبصيرة ، وقال تعالى : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ)(٢) وقال تعالى : (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً)(٣).

وملاقاة الله عزوجل عبارة عن القيامة ، وعن المصير إليه ، قال تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ)(٤) واللقاء : الملاقاة. وقوله تعالى : (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا)(٥) أى نسيتم القيامة والبعث والنشور. وقوله : (يَوْمَ التَّلاقِ)(٦) أى يوم القيامة. قال بعض المفسّرين : أسماء يوم القيامة نحو من أربعمائة اسم ، وتخصصه بهذا الاسم لالتقاء من تقدّم ومن تأخر ، ولالتقاء أهل الأرض والسماء ، وملاقاة كل أحد عمله الذى قدّمه.

ولقّيت فلانا خيرا : استقبلته به ، قال تعالى : (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً)(٧). [وتلقّاه](٨) : استقبله ، قال تعالى : (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ)(٩). ولقّاه الشىء : ألقاه إليه ، قال تعالى : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ)(١٠) ، أى يلقى

__________________

(١) زيادة من القاموس.

(٢) الآية ١٤٣ سورة أل عمران.

(٣) الآية ٦٢ سورة الكهف.

(٤) الآية ٢٤٩ سورة البقرة.

(٥) الآية ١٤ سورة السجدة.

(٦) الآية ١٥ سورة غافر.

(٧) الآية ١١ سورة الانسان.

(٨) زيادة يقتضيها السياق.

(٩) الآية ١٠٣ سورة الأنبياء.

(١٠) الآية ٦ سورة النمل.

٤٤٠