بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٧

٢٠ ـ بصيرة فى كفر

كفر الشىء وكفّره : غطّاه ، يقال : كفر السّحاب السّماء ، وكفر المتاع فى الوعاء ، وكفر الليل بظلامه. وليل كافر. ولبس كافر الدّروع ، وهو ثوب يلبس فوقها. وكفرت الريح الرسم ، والفلّاح الحبّ ، ومنه قيل للزّراع الكفّار. وفارس مكفّر ومتكفّر. وكفّر نفسه بالسّلاح. قال ابن مفرّغ :

حمى جاره عمرو بن عمرو بن مرثد

بألفى كمىّ فى السلاح مكفّر (١)

وتكفّر بثوبك : اشتمل به. وطائر مكفّر : مغطّى بالريش ، قال :

فأبت إلى قوم تريح نساؤهم

عليها ابن عرس والإوزّ المكفّرا (٢)

وغابت الشمس فى الكافر ، أى البحر. ورجل مكفّر : محسان لا تشكر نعمته. وكفّر العلج للملك تكفيرا : أومأ له بالسّجود. وخرج نور العنب من كافوره وكفرّاه : من طلعه. والكفر : القرية ، وفى الحديث : «أهل الكفور أهل القبور. وليفتحنّ الشّام كفرا كفرا».

وأكفره وكفّره : نسبه إلى الكفر. وكفّر الله خطاياك.

وأعظم الكفر جحود الوحدانيّة أو النبوّة أو الشريعة ، والكافر متعارف مطلقا فيمن يجحد الجميع. والكفران فى جحود النّعمة أكثر استعمالا ، والكفر فى الدّين ، والكفور فيهما. ويقال فيهما : كفر فهو كافر. قال

__________________

(١) فى الأصلين : «مرة» فى مكان «مرثد» ، وما أثبت من الأساس

(٢) البيت فى الأساس بدون عزو

٣٦١

تعالى فى الكفران : (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ)(١) ، وقوله : (فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ)(٢) ، أى تحرّيت كفران نعمتى.

ولمّا كان الكفران جحود النعمة صار يستعمل فى الجحود : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ)(٣) أى جاحد وساتر.

وقد يقال : كفر لمن أضلّ بالشريعة ، وترك ما لزمه من شكر الله تعالى عليه ، قال تعالى : / (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ)(٤) ، ويدلّ على ذلك مقابلته بقوله : (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ). وقوله : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ)(٥) أى لا تكونوا أئمة فى الكفر فيقتدى بكم. وقال : (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(٦) ، وعنى بالكافر الساتر للحقّ ، فلذلك جعله فاسقا ، ومعلوم أن الكفر المطلق هو أعظم من الفسق ، ومعناه : من جحد حقّ الله فقد فسق عن أمر ربه بظلمه. ولمّا جعل كلّ فعل محمود من الإيمان جعل كلّ مذموم من الكفر. وقال فى السّحر : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا)(٧) ، وقال : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)(٨) إلى قوله : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ).

والكفور : المبالغ فى كفران النعمة ، قال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ)(٩) فإن قيل : كيف وصف الإنسان بالكفور هاهنا ، ولم يرض حتى أدخل عليه (إنّ) (١٠) وكل ذلك تأكيد ، وقال فى موضع آخر : (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ

__________________

(١) الآية ٤٠ سورة النمل

(٢) الآية ١٩ سورة الشعراء

(٣) الآية ٤١ سورة البقرة

(٤) الآية ٤٤ سورة الروم

(٥) الآية ٤١ سورة البقرة

(٦) الآية ٥٥ سورة النور

(٧) الآية ١٠٢ سورة البقرة

(٨) الآية ٩٧ سورة آل عمران

(٩) الآية ٦٦ سورة الحج

(١٠) فى الراغب بعده : «واللام»

٣٦٢

الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ)(١)؟ قيل : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) تنبيه على ما ينطوى عليه الإنسان من كفران النعمة ، وقلّة ما يقوم بأداء الشكر ، وعلى هذا قوله تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ)(٢) ، (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)(٣). وقوله : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)(٤) تنبيه أنّه عرّفه الطّريقين ؛ كما قال : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)(٥) فمن سالك سبيل الشكر ، ومن سالك سبيل الكفر.

والكفّار أبلغ من الكفور ، كقوله : (كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ)(٦). وقد أجرى الكفّار مجرى الكفور فى قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)(٧). والكفّار فى جمع الكافر المضادّ للمؤمن أكثر استعمالا ، كقوله : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ)(٨). والكفرة فى جمع كافر النعمة أكثر استعمالا ؛ كقوله : (أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ)(٩) ، [ألا ترى أنه وصف الكفرة بالفجرة (١٠)] ، والفجرة قد يقال للفسّاق من المسلمين. وقوله : (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ)(١١) أى الأنبياء ومن يجرى مجراهم ممّن بذلوا النصح فى دين الله فلم يقبل منهم.

وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا)(١٢) ، قيل عنى بقوله آمنوا أنهم آمنوا بموسى عليه‌السلام ، (ثُمَّ كَفَرُوا) بمن بعده. وقيل : آمنوا ثم كفروا بموسى إذ لم يؤمنوا بغيره. وقيل : هو ما قال :

__________________

(١) الآية ٧ سورة الحجرات. وهو يريد أنه فى هذه الآية جاء الكفر من غير تأكيد ، وفى الآية السابقة فى كفران النعمة جاء التأكيد

(٢) الآية ١٧ سورة عبس

(٣) الآية ١٣ سورة سبأ

(٤) الآية ٣ سورة الانسان

(٥) الآية ١٠ سورة البلد

(٦) الآية ٢٤ سورة ق

(٧) الآية ٣٤ سورة إبراهيم

(٨) الآية ٢٩ سورة الفتح

(٩) الآية ٤٢ سورة عبس

(١٠) زيادة من الراغب

(١١) الآية ١٤ سورة القمر

(١٢) الآية ١٣٧ سورة النساء

٣٦٣

(وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ)(١) ، ولم يرد أنهم آمنوا مرّتين ، بل ذلك إشارة إلى أحوال كثيرة. وقيل : كما يصعد الإنسان فى الفضائل فى ثلاث درجات ، يتسكع فى الرذائل فى ثلاث دركات ، فالآية إشارة إلى ذلك.

ويقال : كفر فلان : إذا اعتقد الكفر ، ويقال : كفر : إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد ، لذلك قال : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)(٢). ويقال : كفر فلان بالشيطان : إذا كفر بسببه. وقد يقال ذلك أيضا إذا آمن وخالف الشيطان ، كقوله : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ)(٣). وقد يعبر عن التبرّى (٤) بالكفر ، نحو : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ)(٥).

وقوله : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ)(٦) ، أى أعجب الزّرّاع بدلالة قوله : (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)(٧) ، ولأن الكافر لا اختصاص له بذلك. وقيل : عنى الكفّار ، وخصّهم لكونهم معجبين بالدنيا وزخارفها ، وراكنين إليها.

والكفّارة : ما يغطّى الإثم ، ومنه كفّارة اليمين والقتل (٨) والظهار. والتكفير : ستر الذنب وتغطيته ، قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا

__________________

(١) الآية ٧٢ سورة آل عمران

(٢) الآية ١٠٦ سورة البقرة

(٣) الآية ٢٥٦ سورة البقرة

(٤) هو مخفف التبرؤ

(٥) الآية ٢٥ سورة العنكبوت

(٦) الآية ٢٠ سورة الحديد

(٧) الآية ٢٩ سورة الفتح

(٨) أى قتل الخطأ كما فى اللسان

٣٦٤

لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ)(١) أى سترناها حتى تصير كأن لم تكن ، أو يكون المعنى نذهبها ونزيلها ، من باب التمريض لإزالة المرض ، والتقذية لإذهاب / القذى ، وإلى هذا يشير قوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ)(٢).

والكافور والقافور : طيب أبيض يوجد فى أجواف القصب المعروف ببلاد الهند ، وهو أنواع ، قال تعالى : (كانَ مِزاجُها كافُوراً)(٣).

__________________

(١) الآية ٦٥ سورة المائدة

(٢) الآية ١١٤ سورة هود

(٣) الآية ٥ سورة الانسان

٣٦٥

٢١ ـ بصيرة فى كفل

الكفالة : الضّمان. ويقال : هو كافيه وكافله ، وهو يكفينى ويكفلنى : يعولنى وينفق علىّ. وأكفلته إيّاه وكفّلته ، قال تعالى : (أَكْفِلْنِيها)(١). وهو كفيل بنفسه وبماله ، وكفل عنه لغريمه بالمال ، وتكفّل به. وهو كفل بيّن الكفولة : لا يثبت على ظهر الدّابّة. والكافل : العائل ، والضامن ، والذى لا يأكل أو يصل الصّيام ، والجمع : كفّل وكفلاء. كفل بالرجل يكفل ـ كنصر ينصر ـ وكفل يكفل ـ كضرب يضرب ـ وكفل يكفل ـ ككرم يكرم ـ وكفل يكفل ـ كعلم يعلم ـ كفلا وكفولة (٢) ، وكفالة. وتكفّل. وقال تعالى : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا)(٣) أى كفّلها الله زكريا. ومن خفّف (٤) جعل الفعل لزكريّا ، والمعنى : تضمّنها.

والكفل : الحظّ والنصيب الذى فيه الكفاية ، كأنّه تكفل بأمره. والكفل أيضا : الضعف ، قال تعالى : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ)(٥) ، قيل : أى كفلين من نعمته فى الدّنيا والآخرة ، وهما المرغوب إلى الله فيهما بقوله : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً)(٦). وقيل : لم يعن بقوله (كِفْلَيْنِ) نعمتين اثنتين ، ولا ضعفين ، بل أراد النعمة المتوالية المتكفّلة بكفالته ، ويكون تثنيته على حدّ ما ذكر فى لبّيك وسعديك.

__________________

(١) الآية ٢٣ سورة ص

(٢) لم أقف على هذا المصدر

(٣) الآية ٣٧ سورة آل عمران

(٤) التخفيف لغير عاصم وحمزة والكسائى وخلف

(٥) الآية ٢٨ سورة الحديد

(٦) الآية ٢٠١ سورة البقرة

٣٦٦

وقوله : (يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها)(١) ، فإن الكفل هاهنا ليس بمعنى الأوّل بل هو مستعار من الكفل وهو الشىء (٢) الرّديء ، واشتقاقه من الكفل ؛ وهو أن الكفل لمّا كان مركبا ينبو براكبه صار متعارفا فى كل شدّة ، كالسيساء ، وهو العظم الناتئ من ظهر الحمار ، فيقال : لأحملنّك على الكفل وعلى السيساء. ومعنى الآية : من ينضمّ إلى غيره معينا له فى فعلة حسنة يكن له منها نصيب ، ومن ينضمّ إلى غيره معينا له فى فعلة سيّئة تناله منها شدّة. وقيل : الكفل : الكفيل. ونبّه أنّ من تحرّى شرّا فله من فعله كفيل يسلّمه ، كما قيل : من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه ، تنبيها أنه لا يمكنه التخلّص من عقوبته.

__________________

(١) الآية ٨٥ سورة النساء

(٢) لم أقف على هذا المعنى للكفل. وقد يكون مأخذه من الكفل لمن لا يثبت على ظهر الدابة ، أو الكفل الخرقة تكون على عنق الثور تحت النير.

٣٦٧

٢٢ ـ بصيرة فى كفو

الكفء : المثل فى المنزلة والقدر. وفيه لغات : الكفء بالضمّ ، والكفؤ بضمتين ، والكفء بالكسر ، والكفو بالواو وبغير همز ، والكفى كهدى ، والكفاء مثال كساء. وهو فى الأصل مصدر. وقرأ سليمان بن علىّ الهاشمىّ : (ولم يكن له كفاء أحد) (١) بالكسر والهمز.

والكفاية : ما فيه سدّ الخلّة (٢). كفاه مئونته يكفيه كفاية. وكفاك الشىء ، واكتفيت به. واستكفيته الشىء فكفانيه. ورجل كاف وكفىّ ، قال الله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ)(٣) ، وقال : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ)(٤) ، وقال : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً)(٥) والباء زائدة. وقيل معناه : اكتف بالله شهيدا.

وكافيك من رجل ، وكفيك من رجل ، وكفيك ، وكفيك مثلثه الكاف أى حسبك.

والكفية بالضم : القوت والجمع ، الكفىّ. والكفىّ كغنىّ : المطر. وتكفّى النبات : طال.

__________________

(١) الآية ٤ سورة الاخلاص

(٢) الخلة : الحاجة

(٣) الآية ٣٦ سورة الزمر

(٤) الآية ٢٥ سورة الأحزاب

(٥) الآية ٧٩ سورة النساء. وتكرر فى مواطن أخرى

٣٦٨

٢٣ ـ بصيرة فى الكل

الكلّ اسم لجميع الأجزاء ، يستوى فيه الذكر والأنثى ، وقد يقال كلّ رجل وكلّة امرأة. وقد جاء كلّ بمعنى بعض ، فهو من الأضداد ، ولا يدخلهما (١) (أل) فى فصيح الكلام.

وجمع كلّ لأجزاء الشىء على ضربين : أحدهما : الجامع لذات الشىء وأحواله المختصّة به ، ويفيد معنى التمام ، نحو قوله تعالى : (وَلا / تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ)(٢) ؛ والثانى : الجامع للذوات.

وقيل : كلّ لاستغراق أفراد المنكّر ، نحو : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ)(٣) ؛ ولاستغراق المعرّف المجموع ، نحو : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٤) ؛ ولاستغراق أجزاء المفرد المعرّف ، نحو : كلّ زيد حسن. فإذا قلت : أكلت كلّ رغيف لزيد كانت لعموم الأفراد. فإن أضفت الرّغيف إلى زيد صارت لعموم أجزاء فرد واحد ، ومن هنا وجب فى قراءة غير أبى عمرو وابن ذكوان : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)(٥) بترك تنوين قلب ثم (٦) تقدير كلّ بعد (قلب) ليعمّ أفراد القلوب ، كما عمّ كلّ أجزاء القلب.

وترد كلّ باعتبار كلّ واحد ممّا قبلها وما بعدها على ثلاثة أوجه :

__________________

(١) الكلام عن كل وبعض

(٢) الآية ٢٩ سورة الاسراء

(٣) الآية ١٨٥ سورة آل عمران

(٤) الآية ٩٥ سورة مريم

(٥) الآية ٣٥ سورة غافر

(٦) كذا والأولى حذفها ليكون «تقدير» فاعل «وجب». هذا وقراءة أبى عمرو وابن ذكوان تنوين «قلب»

٣٦٩

فأمّا أوجهها باعتبار ما قبلها :

فأحدها : أن يكون نعتا لنكرة أو معرفة ، فيدلّ على كماله ؛ ويجب إضافته إلى اسم ظاهر يماثله لفظا ومعنى ، نحو : أطعمنا شاة كلّ شاة ، وقوله :

وإن الذى حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد (١)

والثانى : أن يكون توكيدا لمعرفة ، وفائدته العموم ، ويجب إضافتها إلى اسم مضمر راجع إلى المؤكّد ، نحو قوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ)(٢) وقد يخلفه الظاهر ، كقوله :

كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم

يا أشبه الناس كلّ الناس بالقمر (٣)

وأجاز الفراء والزمخشرىّ أن تقطع كلّ المؤكّد بها عن الإضافة لفظا ؛ تمسّكا بقراءة بعضهم : (إنا كلا فيها) (٤).

والثالث : ألّا تكون تابعة بل تالية للعوامل ، فتقع (٥) مضافة إلى الظاهر ، نحو : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)(٦) ؛ وغير مضافة نحو : (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ)(٧).

وأمّا أوجهها باعتبار ما بعدها فثلاثة.

الأول : أن تضاف إلى ظاهر ؛ وحكمها أن يعمل فيها جميع العوامل نحو : أكرمت كلّ بنى تميم.

__________________

(١) من شعر للاشهب بن رميلة. وانظر الخزانة ٢ / ٥٠٧

(٢) الآية ٣٠ سورة الحجر ، والآية ٧٣ سورة ص

(٣) لكثير كما فى شواهد العينى على هامش الخزانة ٤ / ٨٨

(٤) الآية ٤٨ سورة غافر. وقراءة الجمهور برفع «كل»

(٥) فى الأصلين : «فيتبع» والظاهر ما أثبت

(٦) الآية ٣٨ سورة المدثر

(٧) الآية ٣٩ سورة الفرقان

٣٧٠

الثانى : أن تضاف إلى ضمير محذوف. ومقتضى كلام النحويين أن حكمها كالتى قبلها ؛ ومقتضى كلام ابن جنّى خلافه ، وأنها لا يسبقها عامل فى اللّفظ.

الثالث : أن تضاف إلى ضمير ملفوظ به. وحكمها ألّا يعمل فيها غالبا إلّا الابتداء ، نحو : (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)(١) فى من رفع (٢) كلّا ، ونحو : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ)(٣) ، لأن الابتداء عامل معنوىّ. ومن القليل قول الشاعر :

* فيصدر عنها كلّها وهو ناهل*

واعلم أن معنى كلّ بحسب ما يضاف إليه ، فإن كانت مضافة إلى نكرة وجب مراعاة معناها ، فلذلك جاء الضمير مفردا مذكّرا فى نحو قوله تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ)(٤) ، (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ)(٥) ، وقول أبى بكر وكعب ولبيد :

كلّ امرئ مصبّح فى أهله

والموت أدنى من شراك نعله (٦)

* * *

كلّ ابن أنثى وإن طالت سلامته

يوما على آلة حدباء محمول (٧)

* * *

ألا كلّ شىء ما خلا الله باطل

وكلّ نعيم لا محالة زائل (٨)

وقال السموءل بن عادياء :

__________________

(١) الآية ١٥٤ سورة آل عمران

(٢) الرفع لأبى عمرو ويعقوب

(٣) الآية ٩٥ سورة مريم

(٤) الآية ٥٢ سورة القمر

(٥) الآية ١٣ سورة الاسراء

(٦) هذا ينسب إلى أبى بكر رضى الله عنه

(٧) من قصيدة «بانت سعاد» لكعب بن زهير

(٨) من قصيدة للبيد

٣٧١

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه

فكلّ رداء يرتديه جميل

وإن كانت مضافة إلى معرفة فقالوا : يجوز مراعاة لفظها ، ومراعاة معناها ، نحو : كلّهم قائمون أو قائم. وقد اجتمعا فى قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً)(١). قال ابن هشام (٢) : الصواب أن الضمير لا يعود إليها من خبرها إلّا مفردا مذكرا على لفظها ، نحو : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ) الآية. وقوله تعالى فيما يرويه عنه نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا عبادى / كلكم جائع إلّا من أطعمته» الحديث بطوله ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلّ الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها» ، «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيّته (٣)» ، «وكلّنا لك عبد (٤)» ، (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً)(٥).

وإن قطعت عن الإضافة لفظا فالمقدّر قد يكون مفردا نكرة فيجب الإفراد ، ويكون جمعا معرّفا فيجب الجمع ؛ تنبيها على حال المحذوف فيهما. فالأول نحو : (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ)(٦) ، (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ)(٧) ، (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ)(٨) ، إذ التقدير كلّ أحد. والثانى : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ)(٩) ، (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(١٠) ، (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ)(١١) ، (وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ)(١٢).

__________________

(١) الآيات ٩٣ ـ ٩٥ سورة مريم

(٢) انظر مبحث كل فى المغنى

(٣) هذا غير الحديث السابق

(٤) هذا من حديث القنوت.

(٥) الآية ٣٦ سورة الاسراء

(٦) الآية ٨٤ سورة الاسراء

(٧) الآية ٢٨٥ سورة البقرة

(٨) الآية ٤١ سورة النور

(٩) الآية ١١٦ سورة البقرة ، والآية ٢٦ سورة الروم

(١٠) الآية ٣٣ سورة الأنبياء

(١١) الآية ٨٧ سورة النمل

(١٢) الآية ٥٤ سورة الأنفال

٣٧٢

وقال البيانيّون : إذا وقعت كلّ فى حيّز النفى كان النفى موجّها إلى إلى الشمول خاصّة ، وأفاد مفهومه ثبوت الفعل لبعض الأفراد ؛ كقولك : ما جاء كلّ القوم ، ولم آخذ كلّ الدراهم ، وكلّ الدّراهم لم آخذ ، وقوله :

* ما كلّ رأى الفتى يدعو إلى رشد* (١)

وقوله :

* ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه* (٢)

وإن وقع النفى فى حيّزها اقتضى السّلب عن كل فرد ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قال له ذو اليدين : أنسيت أم قصرت الصلاة : «كلّ ذلك لم يكن». ومنه قول أبى النجم :

قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى

علىّ ذنبا كلّه لم أصنع (٣)

وأمّا كلّ فى نحو : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا)(٤) [فهى](٥) منصوبة على الظّرفيّة بالاتّفاق ، وناصبها الفعل الذى هو جواب فى المعنى ، مثل (قالُوا) فى الآية ، وجاءته المصدريّة من جهة (ما) ، فإنها إمّا أن تكون اسما نكرة بمعنى وقت ، أو تكون حرفا مصدريّا والجملة بعده صلة ؛ والأصل : كل وقت رزق ، ثم عبّر عن معنى المصدر بما. والله أعلم.

والكلالة : الرجل لا والد له ولا ولد. وقيل : ما لم يكن من النسب لحّا (٦) ، وقيل : الورثة كلهم سوى الوالدين والأولاد. وقيل : من تكلّل نسبه

__________________

(١) لم يسم قائله وانظر جامع الشواهد / ٢٦٣

(٢) البيت للمتنبى وعجزه : تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن

(٣) انظر جامع الشواهد / ٢٠٩

(٤) الآية ٢٥ سورة البقرة

(٥) زيادة يقتضيها السياق

(٦) يقال : هو ابن عمى لحا ، أى هو لاصق بالنسب

٣٧٣

بنسبك ، كابن العمّ وشبهه. وقيل : هى الإخوة للأمّ. وقيل : هى من العصبة من ورث معه الإخوة للأمّ. وقيل : هم بنو العمّ الأباعد. وقال ابن عباس : هى اسم لما عدا الوالد. وروى أن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن الكلالة فقال : «من مات وليس له ولد ولا والد» ، فجعله اسم الميّت ، وهو صحيح أيضا ؛ فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث والموروث جميعا. وقيل : اسم لكلّ وارث ..

والإكليل : شبه التاج ، سمّى لإطافته بالرأس.

والكلكل والكلكال : الصّدر. وقيل : ما بين الترقوتين (١). وقيل : باطن الزور (٢).

__________________

(١) الترقوة : العظم الذى بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين

(٢) الزور : وسط الصدر

٣٧٤

٢٤ ـ بصيرة فى كلب

الكلب : النبّاح المعروف. وربما وصف به ، والجمع : أكلب وكلاب ، وكليب ، مثال عبد وعبيد ، وهو جمع عزيز. والأكالب : جمع أكلب. وتصغير الكلاب أكيلب بردّها إلى أقلّ الجمع ، وهو أكلب. والكلّاب : صاحب الكلاب. قال تعالى : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ)(١).

والكلب أيضا : نجم معروف. والكلب أيضا : سير بين طرفى الأديم إذا خرز. والكلب : أوّل زيادة الماء فى الوادى. والكلب : حديدة الرّحى على رأس القطب ، وخشبة يعمد بها الحائط. والكلب : الأسد.

والكلب ـ بالتحريك ـ : الحرص. وكلب ـ كفرح ـ : اشتدّ حرصه على طلب شىء. والكلب أيضا : الشدّة من البرد.

والكلب الكلب : الذى به كلب أى شبه جنون ، فإذا عقر إنسانا كلب.

والمكلّب ـ كمعظّم ـ : المقيّد الأسير ، قلب المكبّل. والمكالبة : المشادّة ، وكذلك التكالب.

__________________

(١) الآية سورة ١٧٦ الأعراف

٣٧٥

٢٥ ـ بصيرة فى / كلف

الكلف محرّكة : الولوع بالشىء. كلفت بهذا الأمر كلفا : أولعت به. وكلف أى جشم. والكلوف : الأمر الشاقّ. وفى المثل : لا يكن حبّك كلفا ولا بغضك تلفا. والتكليف : الأمر بما يشقّ على الإنسان ، قال تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(١) وتكلّفت الشىء : تجشمته. والمتكلّف : العرّيض (٢) لما لا يعنيه. قال الله تعالى : (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)(٣) وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا وأتقياء أمّتى برآء من التكلّف».

ويقال حملت الشىء تكلفة : إذا لم تطقه إلّا تكلّفا. وقال زهير :

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش

ثمانين حولا لا أبا لك يسأم (٤)

يحتمل أن يكون جمع تكلفة : فزاد الياء لحاجته ، وأن يكون جمع التكليف. والكلفة ـ بالضمّ ـ ما تكلّفته (٥) من نائبة أو حقّ. والكلف : شىء شبه السمسم يعلو الوجه.

والتكلّف قد يكون محمودا ، وهو ما يتوخّاه الإنسان ليتوصّل به إلى أن يصير الفعل الذى يتعاطاه سهلا عليه ويصير كلفا به ومحبّا له ، ولهذا النظر استعمل التكليف فى تكلّف العبادات ؛ وقد يكون مذموما وهو ما يتكلّفه الإنسان مراءاة.

__________________

(١) الآية ٢٨٦ سورة البقرة ، والآية ٧ سورة الطلاق

(٢) العريض : الكثير التعرض

(٣) الآية ٨٦ سورة ص

(٤) هذا من معلقته

(٥) فى الأصلين : «تكلفه» وما أثبت من القاموس

٣٧٦

٢٦ ـ بصيرة فى كلم

الكلام : القول أو ما كان مكتفيا بنفسه. والكلمة : اللفظة ، والجمع : كلم ، والكلمة بالكسر لغة فيها ، والجمع : كلم ككسر. وكلّمه تكليما وكلّاما. وتكلّم تكلّما وتكلّاما : تحدّث. وتكالما : تحدّثا (١). والكلمة : القصيدة.

وكلمة الله عيسى عليه‌السلام ؛ لأنه كان ينتفع به وبكلامه ، أو لأنه كان بكلمة (كن) من غير أب ، أو لاهتداء الناس به. والكلمة الباقية : كلمة التوحيد. ورجل تكلامة ، وتكلّامة بالتشديد ، وتكلام ، وكلمانىّ كسلمانىّ ، وكلمانىّ بالتحريك ، وكلّمانىّ بكسرتين والتشديد ـ ولا نظير له ـ : جيّد الكلام فصيحه. وقيل : رجل كلّمانىّ ، أى كثير الكلام ، والمرأة كلّمانيّة.

والكلم : الجرح ، والجمع : كلوم وكلام. وكلمه يكلمه ، وكلّمه : جرحه فهو مكلوم ، وكليم ، ومكلّم ، وهى كلمى. وبهم كلم وكلام وكلوم. وأصل الكلم : التأثير المدرك بإحدى الحاسّتين السمع والبصر.

والكلام يقع على الألفاظ المنظومة ، وعلى المعانى التى تحتها مجموعة ؛ وعند النحاة يقع على الجزء منه ، اسما كان أو فعلا أو أداة. وعند كثير من المتكلّمين لا يقع إلّا على الجملة المركّبة المفيدة ، وهو أخصّ من القول ؛ فإن القول عندهم يقع على المفردات ، والكلمة تقع على كل واحد من الأنواع الثلاثة ، وقد قيل بخلاف ذلك.

__________________

(١) فى بعض نسخ القاموس : «تحادثا». وفى القاموس بعد هذا : «بعد تهاجر».

٣٧٧

وقوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ)(١) ، قيل هو قوله : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا)(٢). وقال الحسن : هو قوله : ألم تخلقنى بيدك! ألم تسكنّى جنّتك! ألم تسجد لى ملائكتك! ألم تسبق رحمتك غضبك! أرأيت إن تبت كنت معيدى إلى الجنّة؟ قال : نعم. وقيل : هو الأمانة المعروضة على السماوات والأرض. وقوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ)(٣) قيل : هى الأشياء التى امتحن الله بها إبراهيم عليه‌السلام : من ذبح ابنه ، والختان وغيرهما. وقوله لزكريّا : (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ)(٤) ، قيل : هى كلمة التوحيد ، وقيل : كتاب الله ، وقيل : يعنى به عيسى عليه‌السلام.

وقوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ)(٥) ، فالكلمة هنا القضية ، وكل قضية تسمّى كلمة ، سواء كان ذلك مقالا أو فعالا ، ووصفها بالصدق لأنه يقال : قول / صدق ، وفعل صدق.

وقوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) إشارة إلى نحو قوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)(٦) ، ونبّه بذلك على أنه لا نسخ للشريعة بعد اليوم. وقيل : إشارة إلى ما قال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أوّل ما خلق الله القلم ، فقال له : اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة». وقيل : الكلمة هى القرآن (٧). وعبّر بلفظ الماضى تنبيها أن ذلك فى حكم الكائن. وقيل : عنى بالكلمات (٨) الآيات والمعجزات ، فنبّه أنّ ما أرسل من الآيات تامّ وفيه بلاغ. وقوله :

__________________

(١) الآية ٣٧ سورة البقرة

(٢) الآية ٢٣ سورة الأعراف

(٣) الآية ١٢٤ سورة البقرة

(٤) الآية ٣٩ سورة آل عمران

(٥) الآية ١١٥ سورة الأنعام

(٦) الآية ٣ سورة المائدة

(٧) فى الأصلين بعده : «تنبيها» وكأن هذه الكلمة مقحمة هنا لا معنى لها ، فلذا حذفتها.

(٨) هذا على قراءة «كلمات» بالجمع فى الآية ، وهى قراءة غير الكوفيين ، كما فى القرطبى

٣٧٨

(لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) ردّ لقولهم : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ)(١). وقيل : أراد بكلمات ربّك أحكامه ، وبين أنه شرع لعباده ما فيه بلاغ.

وقوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ)(٢) هذه الكلمة قيل هو قوله : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ)(٣). وقوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً)(٤) إشارة إلى ما سبق من حكمه الذى اقتضته كلمته ، وأنه لا تبديل لكلماته. وقوله : (وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ)(٥) أى بحججه الّتى جعلها لكم عليهم سلطانا مبينا ، أى حجّة قويّة. وقوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ)(٦) إشارة إلى ما قال : (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا)(٧) ، وذلك أن الله تعالى كان قد قال (٨) : (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) ،) ثم قال هؤلاء المنافقون : (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) وقصدهم تبديل كلام الله ، فنبّه على أن هؤلاء لا يفعلون ، وكيف يفعلون وقد علم الله منهم أنهم لا يفعلون ، وقد سبق بذلك حكمه.

ومكالمة الله تعالى العبد على ضربين : أحدهما فى الدّنيا ، والثانى فى الآخرة ؛ فما فى الدّنيا فعلى ما نبّه عليه بقوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ)(٩) الآية. وما فى الآخرة ثواب للمؤمنين وكرامة لهم تخفى عليهم كيفيّته. ونبّه أن ذلك يحرم على الكافرين بقوله : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(١٠). وأمّا قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من أحد إلّا سيكلّمه ربّه ليس بينه وبينه ترجمان»

__________________

(١) الآية ١٥ سورة يونس

(٢) الآية ١٣٧ سورة الأعراف

(٣) الآية ٥ سورة القصص

(٤) الآية ١٢٩ سورة طه

(٥) الآية ٢٤ سورة الشورى

(٦) الآية ١٥ سورة الفتح

(٧) الآية ٨٣ سورة التوبة

(٨) أى على لسان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم

(٩) الآية ٥١ سورة الشورى

(١٠) الآية ١٧٤ سورة البقرة

٣٧٩

فلعلّ المراد به فى بعض المواقف دون بعض ، أو المراد : ما من أحد من المؤمنين.

وقوله : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ)(١) جمع كلمة ، قيل : إنهم كانوا يبدّلون الألفاظ ويغيرونها ، وقيل : إنّ التحريف كان من جهة المعنى ، وهو حمله على غير ما قصد به واقتضاه ، وهذا أمثل القولين.

وقوله : (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ)(٢) ، أى لو لا يكلّمنا مواجهة ، وذلك نحو قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)(٣).

وأعوذ (٤) بكلمات الله التامات ، قيل : هى القرآن. وقوله : سبحان الله عدد كلماته ، أى كلامه ، وهو صفته وصفاته لا تنحصر بالعدد ، فذكر العدد هنا مجاز بمعنى المبالغة فى الكثرة. وقيل : يحتمل عدد الأذكار ، أو عدد الأجور على ذلك ، ونصب (عددا) على المصدر (٥).

وقوله : استحللتم فروجهنّ بكلمات الله ، قيل : هى قوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)(٦) ، وقيل : هو إباحة الله الزواج وإذنه فيه.

__________________

(١) الآية ٤٦ سورة النساء

(٢) الآية ١١٨ سورة البقرة

(٣) الآية ١٥٣ سورة النساء

(٤) هذا وما بعده من الأحاديث

(٥) فى الأصلين : «الكلمة» ولم يتبين وجهه. وما أثبت من النهاية.

(٦) الآية ٢٢٩ سورة البقرة

٣٨٠