بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٧

والقطران : ما يتقطر من الهناء (١) ، قال تعالى : (سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ)(٢) قرئ (من قطر آن) أى من نحاس مذاب قد أنى (٣) حرّه. وقوله : (أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)(٤) ، أى نحاسا مذابا.

والقنطار : ألف ومائتا دينار. وقيل : أربعون أوقيّة. وقيل : ملء مسك (٥) ثور ذهبا. وقيل غير ذلك. قال تعالى : (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ)(٦). وقوله تعالى : (الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ)(٧) أى المجموعة قنطارا ، كقولهم : ألوف مؤلّفة ، ودنانير مدنّرة.

__________________

(١) الهناء : ما يطلى به الابل الجربى

(٢) الآية ٥٠ سورة إبراهيم

(٣) أنى حره : انتهى حره. وفى الأصلين : «حرها» وكذا هو فى الراغب.

(٤) الآية ٩٦ سورة الكهف

(٥) المسك : الجلد

(٦) الآية ٧٥ سورة آل عمران

(٧) الآية ١٤ سورة آل عمران

٢٨١

٢٣ ـ بصيرة فى قطع

القطع : الإبانة ، قطعه قطعا وتقطاعا ومقطعا وقطعت النّهر قطوعا : عبرت. وقطع ماء الركيّة قطوعا وقطاعا : انقطع وذهب.

والقطع يكون مدركا بالبصر ، كقطع اللحم ونحوه ، ومنه ، قوله تعالى : (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(١) ، وقوله : (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ)(٢) ؛ ويكون مدركا بالبصيرة ، نحو قطع الطريق ، وذلك على وجهين : أحدهما يراد به السّير والسلوك ، والثانى يراد به الغصب من المارّة والسالكين ، نحو قوله تعالى : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ)(٣) ، وسمّى قطع الطّريق لأنّه يؤدى إلى انقطاع النّاس عن الطريق. وقطع الرّحم يكون بالهجران ومنع البرّ.

وقوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ)(٤) أى ليقطع حبله حتى يقع. وقيل : ليقطع عمره بالاختناق ، وهو معنى قول ابن عباس [ثم (٥)] ليختنق. ومعنى الآية : من ظنّ أنّ الله لا ينصر نبيّه فليشدّ حبلا فى سقفه ـ وهو السّماء ـ ثمّ ليقطع الحبل ، قال اللّيث : يقال : قطع الرّجل الحبل أى اختنق ، لأن المختنق يمدّ السبب إلى السّقف ثم يقطع نفسه من الأرض حتى يختنق ، تقول منه : قطع الرّجل.

__________________

(١) الآية ٣٨ سورة المائدة

(٢) الآية ١٩ سورة الحج

(٣) الآية ٢٩ سورة العنكبوت

(٤) الآية ١٥ سورة الحج

(٥) زيادة من الراغب

٢٨٢

وسأل النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سائل فقال : «اقطعوا لسانه عنّى» : أى أرضوه.

وقوله تعالى : (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً)(١) أى جعلنا فى كلّ قرية منهم طائفة تؤدّى الجزية. وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ)(٢) أى إلّا أن يموتوا ، واستثنى الموت من شكّهم لأنّهم إذا ماتوا أيقنوا ، وذلك لا ينفعهم ، وقيل : معناه إلّا أن يتوبوا توبة تنقطع بها قلوبهم ندما على تفريطهم.

وقيل : ورد القطع فى القرآن على اثنى عشر وجها :

الأوّل : بمعنى الخدش والخمش من الحيرة والدّهش : (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ)(٣).

الثانى : إبانة العضو من السّارقين : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٤)(أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ)(٥) ، (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ)(٦).

الثالث : بمعنى قطع الطرقات : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ)(٧).

الرابع : بمعنى قطع الأرحام : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(٨).

الخامس : بمعنى الاختلاف فى الملّة والتفرّق فى الدّين : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ)(٩).

__________________

(١) الآية ١٦٨ سورة الأعراف

(٢) الآية ١١٠ سورة التوبة

(٣) الآية ٣١ سورة يوسف

(٤) الآية ٣٨ سورة المائدة

(٥) الآية ٢٣ سورة المائدة

(٦) الآية ١٢٤ سورة الأعراف

(٧) الآية ٢٩ سورة العنكبوت

(٨) الآية ٢٧ سورة البقرة ، والآية ٢٥ سورة الرعد

(٩) الآية ٥٣ سورة المؤمنين

٢٨٣

/ السّادس : بمعنى التفريق والتشتيت : (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً)(١)

السّابع : بمعنى الاستئصال : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٢) ، (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ)(٣).

الثامن : بمعنى تبعيد القريب أو تقريب البعيد : (أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ)(٤) أى بقرب بعض وبعد آخرين.

التاسع : بمعنى التقدير والإعداد : (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ)(٥).

العاشر : بمعنى زوال الرّجاء والأمل : (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ)(٦) ، أى يئسوا ممّا رجوا.

الحادى عشر : بمعنى القهر والقتل : (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٧) أى يقتل طائفة منهم.

الثانى عشر : بمعنى إحكام الأمر وإتقان العزيمة والتّدبير : (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ)(٨) أى مبرمة محكمة.

__________________

(١) الآية ١٦٨ سورة الأعراف

(٢) الآية ٤٥ سورة الأنعام

(٣) الآية ٧ سورة الأنفال

(٤) الآية ٣١ سورة الرعد

(٥) الآية ١٩ سورة الحج.

(٦) الآية ١١٠ سورة التوبة

(٧) الآية ١٢٧ سورة آل عمران

(٨) الآية ٣٢ سورة النمل

٢٨٤

٢٤ ـ بصيرة فى قطف وقطمير وقطن وقعد

القطف : العنقود. سمّى قطفا بمعنى أنّه مقطوف ، والجمع : قطوف ، قال تعالى : (قُطُوفُها دانِيَةٌ)(١). وأقطف : دنا قطافه.

والقطمير : النقطة تكون بظهر النواة. يستعمل للشىء الهيّن النزر الحقير ، قال تعالى : (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)(٢).

القطن ـ بالضمّ ـ والقطنّ ـ كعتل ـ والقطننّة ـ بضمّ النون الأولى وبفتحها ـ العطب. واليقطين : شجرة القرع ، قال تعالى : (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ)(٣).

القعود والمقعد : الجلوس. وقد يفرقون بينهما ، فتقول لمن كان قائما : قعد ، ولمن كان مضطجعا أو ساجدا : جلس. والقعدة : المرّة ؛ وبالكسر نوع منه. والقاعد من النساء : الّتى قعدت عن الحيض والولد ، والجمع : القواعد ، قال تعالى : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً)(٤) يقال : قعدت عن الحيض وعن الزوج.

والقعود ورد فى التنزيل على سبعة أوجه :

١ ـ بمعنى القرار والمقرّ فى مكان : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ)(٥).

٢ ـ بمعنى التخلّف : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ)(٦) ، أى

__________________

(١) الآية ٢٣ سورة الحاقة

(٢) الآية ١٣ سورة فاطر

(٣) الآية ١٤٦ سورة الصافات

(٤) الآية ٦٠ سورة النور

(٥) الآية ٥٥ سورة القمر

(٦) الآية ٩٥ سورة النساء

٢٨٥

المتخلّفين ، (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ)(١) ، (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ)(٢) ، (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٣).

٣ ـ بمعنى المكث واللبث : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ)(٤) ، أى ماكثون متوقّفون.

٤ ـ بمعنى عجز النّساء : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ)(٥).

٥ ـ بمعنى أساس الأبنية : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ)(٦).

٦ ـ بمعنى رصد الطريق : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ)(٧) ، (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)(٨).

٧ ـ بمعنى القعود الّذى هو ضدّ القيام : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً)(٩) ، وقوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ)(١٠) أى ملك يترصّده ويكتب له وعليه. وقوله : (مَقاعِدَ لِلْقِتالِ)(١١) كناية عن المعركة الّتى بها المستقر.

وقعد عن الأمر : تركه ، وللأمر : اهتمّ به ، وبالأمر : قام. قال منازل بن زمعة (١٢) :

كلّا وربّ البيت يا كعاب

لا يقنع الجارية الخضاب

ولا الوشاحان ولا الجلباب

من دون أن تلتقى الأركاب

ويقعد الأير له لعاب

أى يقوم

__________________

(١) الآية ٨١ سورة التوبة

(٢) الآية ٨٣ سورة التوبة

(٣) الآية ٩٥ سورة النساء

(٤) الآية ٢٤ سورة المائدة

(٥) الآية ٦٠ سورة النور

(٦) الآية ١٢٧ سورة البقرة

(٧) الآية ٨٦ سورة الأعراف

(٨) الآية ١٦ سورة الأعراف

(٩) الآية ١٩١ سورة آل عمران

(١٠) الآية ١٧ سورة ق

(١١) الآية ١٢١ سورة آل عمران

(١٢) هو اللعين المنقرى أبو الأكيدر. والأشطار فى اللسان والتاج (ر ك ب) والمقاييس : ٢ / ٤٣٢

٢٨٦

٢٥ ـ بصيرة فى قعر وقفل وقفو

يقال : بئر قعيرة ، وقد قعرت. وقعرتها : حفرتها حتى انتهيت إلى قعرها. وأقعرها وقعّرها : عمّقها. وهو متقعّر (١) : يبلغ قعور الأمور. قال (٢) :

البالغون قعور الأمر تروية

والباسطون أكفّا غير أصفار

وقعرت الشجرة : قلعتها من أصلها فانقعرت ، قال تعالى : (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)(٣) ، أى منقلعة من قعرها. وقيل معنى انقعرت : ذهبت فى قعر الأرض ، وإنما أراد تعالى أنّ هؤلاء اجتثّوا كما اجتثّ النخل الذاهب فى قعر الأرض ، فلم يبق له رسم / ولا أثر.

القفل معروف ، والجمع : أقفال وأقفل وقفول ، قال تعالى : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) ، جعل القفل مثلا لكل مانع من تعاطى فعل ، ومنه رجل مقفل اليدين ، ومقتفل ، أى لئيم. وأقفل الباب عليه فانقفل واقتفل. وقفل الطعام : احتكره ، واستقفل : بخل. والقفول : الرّجوع. قفل يقفل فهو قافل من قفّال. والقفل : اسم الجمع. والقافلة : الرفقة القفّال.

والقفا والقافية : وراء العنق يمدّ ويقصر ، ويؤنّث ويذكّر ، والجمع : أقف ، وأقفية ، وأقفاء ، وقفّىّ ، وقفىّ وقفين. وقفوته قفوا : تبعته ، كتقفّيته واقتفيته. وقفوته : ضربت قفاه ؛ ورميته بالفجور. والاسم القفوة بالكسر ، والقفىّ (٤) ، قال تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(٥) التقافى : البهتان.

__________________

(١) فى الأساس جعل هذا تفسيرا لمقعر. ويبدو أن المقعر والمتقعر واحد.

(٢) أى الكميت كما فى الأساس. وأصفار : جمع صفر ؛ وهو الخالى. يريد أنها مملوءة بالبذل

(٣) الآية ٢٠ سورة القمر

(٤) فى التاج أنه لم ير هذا لأحد من الأئمة ، وأن المصنف اشتبه عليه كلام الجوهرى فى الصحاح

(٥) الآية ٣٦ سورة الاسراء

٢٨٧

٢٦ ـ بصيرة فى قلب

القلب : الفؤاد ، وقد يعبّر به عن العقل. وقال الفرّاء فى قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ)(١) ، أى عقل. يقال : ما قلبك معك ، أى ما عقلك. وقيل : القلب أخصّ من الفؤاد ، ومنه الحديث : «أتاكم (٢) أهل اليمن أرقّ قلوبا وألين أفئدة» ، فوصف القلوب بالرّقة ، والأفئدة باللين. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ لكل شىء قلبا ، وقلب القرآن يس (٣)» ، قال الليث : هو من قولك : جئت هذا الأمر قلبا ، أى محضا خالصا لا يشوبه شىء ، ومن قولهم : عربىّ قلب ، ويستوى فيه المذكر والمؤنّث والجمع. وإن شئت قلت : عربيّة قلبة ، وثنّيت وجمعت. وذو القلبين : جميل بن معمر بن حبيب الجمحىّ. وكانت قريش تقول له : ذو القلبين ، فنزل فيه قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)(٤).

وقوله تعالى : (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ)(٥) ، أى أصبح نادما ، وتقليب الكفّين من فعل الأسف النادم ، قال :

كمغبون يعضّ على يديه

تبيّن غبنه عند البياع

وقلب الشىء قلبا : حوّله عن وجهه. وقلب رداءه. وقلبه : كبّه لوجهه ، وقلبه ظهرا لبطن ؛ قال تعالى : (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ)(٦). وقوله تعالى :

__________________

(١) الآية ٣٧ سورة ق

(٢) الحديث أخرجه الشيخان ومالك والترمذى ، كما فى تيسير الوصول فى «الفضائل»

(٣) أخرجه الترمذى كما فى تيسير الوصول فى التفسير

(٤) الآية ٤ سورة الأحزاب

(٥) الآية ٤٢ سورة الكهف

(٦) الآية ٤٨ سورة التوبة.

٢٨٨

(وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ)(١) ، أى الأرواح. وقوله : (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ)(٢) أى تثبت به شجاعتكم ويزول خوفكم. وعلى عكسه : (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)(٣) وقوله : (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)(٤) أى أجلب للعفّة ، وقوله : (قُلُوبُهُمْ شَتَّى)(٥) أى متفرقة.

وقيل : القلب ورد فى القرآن على ثلاثة معان :

الأوّل : بمعنى العقل : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ)(٦).

الثانى : بمعنى الرأى والتدبير : (قُلُوبُهُمْ شَتَّى)(٧) أى آراؤهم مختلفة.

الثالث : بمعنى حقيقة القلب الّذى فى الصّدر : (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(٨). وهذا النّوع من القلب على سبعة أوجه :

١ ـ قلب الكافر : (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ)(٩).

٢ ـ قلب المنافق : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)(١٠).

٣ ـ قلب العاصين : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ)(١١) ، (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)(١٢).

٤ ـ قلب خواصّ العباد (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ)(١٣).

٥ ـ قلب المحبّين : (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(١٤).

__________________

(١) الآية ١٠ سورة الأحزاب

(٢) الآية ١٠ سورة الأنفال

(٣) الآية ٢٦ سورة الأحزاب

(٤) الآية ٥٣ سورة الأحزاب

(٥) الآية ١٤ سورة الحشر

(٦) الآية ٣٧ سورة ق

(٧) الآية ١٤ سورة الحشر

(٨) الآية ٤٦ سورة الحج

(٩) الآية ٢٢ سورة النحل

(١٠) الآية ١٠ سورة البقرة

(١١) الآية ٢٢ سورة الزمر

(١٢) الآية ١٤ سورة المطففين

(١٣) الآية ٣٢ سورة ق

(١٤) الآية ٣٧ سورة ق

٢٨٩

٦ ـ قلب الخائفين : (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)(١) ، (يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)(٢).

٧ ـ قلب العارفين : (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(٣).

وقال بعض المفسّرين : القلوب سبعة :

١ ـ قلب الكافر فى غلاف وغطاء : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)(٤) ، (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ)(٥) ، (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ)(٦).

٢ ـ وقلب المنافق فى حجاب الرّياء : (خَتَمَ اللهُ / عَلى قُلُوبِهِمْ)(٧) ، (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)(٨).

٣ ـ وقلب المبتدع فى الزيغ والهوى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)(٩) ، (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا)(١٠) ، (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ)(١١).

٤ ـ وقلب الفاسق الغريق فى بحر العناء : (لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ)(١٢) ، (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ)(١٣).

٥ ـ وقلب الغافل الرّاغب فى الدنيا ودار الفناء : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا)(١٤).

٦ ـ وقلب العابد المنتظر ثواب حضرة الكبرياء : (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(١٥).

__________________

(١) الآية ٢ سورة الأنفال

(٢) الآية ٦٠ سورة المؤمنين

(٣) الآية ٨٩ سورة الشعراء

(٤) الآية ٢٤ سورة محمد

(٥) الآية ٨٨ سورة البقرة

(٦) الآية ٢٥ سورة الأنعام

(٧) الآية ٧ سورة البقرة

(٨) الآية ١١٨ سورة البقرة

(٩) الآية ٧ سورة آل عمران

(١٠) الآية ٨ سورة آل عمران

(١١) الآية ٥ سورة الصف

(١٢) الآية ١٥٦ سورة آل عمران

(١٣) الآية ١٥١ سورة آل عمران

(١٤) الآية ٢٨ سورة الكهف

(١٥) الآية ٨٩ سورة الشعراء

٢٩٠

٧ ـ وقلب العارف المنتظر اللّقاء فى دار البقاء : (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)(١) ، (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(٢).

وسمّى قلبا لتقلّبه كثيرا من حال إلى حال. وفى الحديث : «لقلب ابن آدم أسرع تقلّبا من القدر إذا استجمعت غليا (٣)». وفيه أيضا : «إنّ من قلب ابن آدم إلى كلّ واد شعبة ، فمن أتبع قلبه الشعب كلّها لم يبال الله فى أىّ واد أهلكه». وفى الصّحيحين : «القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء» وتقليب الله القلوب صرفها من رأى إلى رأى.

والتقلّب : التصرّف ، قال تعالى : (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ)(٤). وانقلب رأيه. وانقلب فلان سوء منقلب ، قال تعالى : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(٥). وأنا أتقلّب فى نعمائه ، وقال تعالى : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ)(٦).

__________________

(١) الآية ١٠٦ سورة النحل

(٢) الآية ٢٨ سورة الرعد

(٣) أى تم غليانها

(٤) الآية ٤٦ سورة النحل

(٥) الآية ٢٢٧ سورة الشعراء

(٦) الآية ١٧٤ سورة آل عمران

٢٩١

٢٧ ـ بصيرة فى قل

الحمد لله على القلّ والكثر ، أى على القلّة والكثرة. قلّ يقلّ ، فهو قليل وقلال وقلال. وأقلّه وقلّله : جعله قليلا. وأقلّه : صادفه قليلا ، وأتى بقليل. والقلّة والكثرة يستعملان فى الأعداد ؛ كما أنّ العظم والصغر يستعملان فى الأجساد (١). ثمّ يستعار كل منهما للآخر ، قال تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً)(٢) أى وقتا قليلا. وقال : (ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً)(٣). وقال : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ)(٤) أى جماعة قليلة.

والقليل أيضا : القصير ، والدّقيق ، والذّليل. وقوم قليلون وأقلّاء وقلل وقللون. ورجل قليل وقوم أقلّة : خساس. قال تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ)(٥). وقد يعكس ويكنى بها عن العزّة اعتبارا بقوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)(٦) ، وذلك أنّ كلّ ما يعزّ يقلّ وجوده. والإقلال : قلّة الجدة (٧). رجل مقلّ وأقلّ : فقير وفيه بقيّة.

وقوله تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)(٨) يجوز أن يكون (قَلِيلاً) صفة لمصدر محذوف ، أى علما قليلا ؛ ويجوز أن يكون استثناء ، أى ما أوتيتم العلم إلّا قليلا منكم. وقوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي

__________________

(١) فى الراغب : «الأجسام»

(٢) الآية ٢ سورة المزمل

(٣) الآية ٢٠ سورة الأحزاب

(٤) الآية ١٣ سورة المائدة

(٥) الآية ٢٦ سورة الأنفال

(٦) الآية ١٣ سورة سبأ

(٧) الجدة : الغنى واليسار

(٨) الآية ٨٥ سورة الاسراء

٢٩٢

ثَمَناً قَلِيلاً)(١) يعنى به أعراض الدّنيا كائنا ما كان ، فهو قليل فى جنب ما أعدّ الله للمتقين ، وعلى ذلك قوله تعالى : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ)(٢). ويعبّر بالقليل عن النفى تقول : قلّ رجل أو أقلّ رجل يقول ذلك إلّا زيد ، معناهما : ما رجل يقوله إلّا هو.

وقوله تعالى : (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ)(٣) أى تؤمنون إيمانا قليلا. والإيمان القليل هو الإقرار العامّىّ المشار إليه بقوله : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(٤). وقوله تعالى : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ)(٥) أى لا تذكرون ولا تؤمنون. وقوله تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ)(٦) يعنى بالإضافة إلى القبط وكثرتهم. وقوله : (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً)(٧) يعنى أربعة عشر نفرا. وقوله : (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)(٨) يعنى ثمانين إنسانا ، أربعين رجلا وأربعين امرأة. وهو مستقلّ بنفسه أى ضابط لأمره. وهو لا يستقلّ بهذا الأمر ، أى لا يطيقه. واستقلّوا عن ديارهم : ارتفعوا. واستقلّ البناء : أناف. واستقلّ غضبا : شخص من مكانه لفرط غضبه. وتقلقل فى البلاد : طالت أسفاره.

__________________

(١) الآية ٤١ سورة البقرة

(٢) الآية ٧٧ سورة النساء

(٣) الآية ٤١ سورة الحاقة

(٤) الآية ١٠٦ سورة يوسف

(٥) الآيتان ٤١ ، ٤٢ سورة الحاقة

(٦) الآية ٥٤ سورة الشعراء

(٧) الآية ٢٤٩ سورة البقرة

(٨) الآية ٤٠ سورة هود

٢٩٣

٢٨ ـ بصيرة فى قلد وقلم وقلى

القلادة : الّتى تجعل فى العنق. وقوله تعالى : (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ)(١) القلائد من الهدى : ما يقلّد بلحاء الشجر. وكان الحرمىّ (٢) كلّما سافر قلّد ركابه بلحاء (٣) أشجار الحرم ، فيعتصم بذلك ممّن أراده بسوء. وذو القلادة : الحارث بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار. وقلائد الشعر : البواقى على الدّهر. وقيل لأعرابى : ما تقول فى نساء بنى فلان؟ فقال : قلائد الخيل ، أى هنّ كرائم ؛ وذلك لأنّه لا يقلّد من الخيل إلّا سابق كريم.

والإقليد : المفتاح. والجمع المقاليد ، كما قالوا : ملامح (٤) ومحاسن ، ومشابه ، ومذاكير (٥). وقوله تعالى : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ)(٦) قال أبو محمّد إسماعيل بن عبد الرّحمن السدّىّ : أى خزائن السّماوات والأرض : وقال مجاهد بن جبر المكّىّ : أى مفاتيح السماوات والأرض. واحدها إقليد. قال تبّع :

وأقمنا به من الدّهر سبتا

وجعلنا لبابه إقليدا (٧)

والإقليد معرّب كليد ،

القلم : ما يكتب به ، والجمع. أقلام وقلام ، قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ)(٨) ، وقال تعالى : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ)(٩)

__________________

(١) الآية ٢ سورة المائدة

(٢) نسبة إلى الحرم على غير قياس. والحرم : مكة هنا

(٣) اللحاء : القشر.

(٤) الملامح : واحدتها لمحة. والمحاسن : واحدها حسن ، والمشابه : واحدها شبه. والمذاكير : واحدها ذكر.

(٥) الآية ٦٣ سورة الزمر ، والآية ١٢ سورة الشورى

(٦) سبتا أى دهرا. وقوله : «لبابه» أى لباب البيت الحرام

(٧) الآية ٢٧ سورة لقمان

(٨) صدر سورة القلم

٢٩٤

وقال تعالى : (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)(١) إشارة (٢) وتنبيه إلى ما أنعم به على الإنسان : من تعليم الكتابة ، وما فى القلم من الفوائد واللّطائف. قال :

ورواقم رقش كمثل أراقم

قطف الخطا نيّالة أقصى المدى

سود القوائم لا يجدّ مسيرها

إلّا إذا لعبت بها بيض المدى (٣)

والقلم أيضا : القدح الذى يضرب به ، سمّى قلما لأنّه كان يبرى كبرى القلم ثم يقارع (٤) به ، قال تعالى : (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ)(٥) ، أى قداحهم : أزلامهم (٦). وفى الأثر : أوّل ما خلق الله القلم ، وقال له : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. وروى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يأخذ الوحى عن جبريل ، وجبريل عن ميكائيل ، وميكائيل عن إسرافيل ، وإسرافيل عن اللوح ، واللّوح عن القلم. وتقليم الأظفار : قصّها ، وقد قلمها وقلّمها. والإقليم : واحد الأقاليم السّبعة.

قلاه يقليه ، وقليه يقلاه قلى وقلاء ومقلية : أبغضه وكرهه غاية الكراهة ، واوىّ يائىّ. وقيل : قلاه ، يقال ، فى الهجر ، وقليه ، فى البغض.

__________________

(١) الآيتان ٣ ، ٤ سورة العلق

(٢) أى هو إشارة. وفى الراغب : «وقوله : (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) إشارة ...» وهى ظاهرة

(٣) الرواقم : جمع راقم من الرقم وهو الكتابة ، كأنه من الاسناد إلى الآلة. والرقش وهو جمع أرقش ، وهو المنقط بسواد وبياض. والأراقم : جمع أرقم ، وهو من الحيات ما فيه سواد وبياض. وقطف : جمع قطوف ، وهو من الدواب : البطيء. ونيالة مبالغة نائلة. وفى الأصلين : «بماله» ، ويبدو أنه محرف عما أثبت. والمدى : جمع مدية ، وهى السكين.

(٤) أى يعمل به القرعة

(٥) الآية ٤٤ سورة آل عمران

(٦) الأزلام : السهام التى كانوا يتقاسمون بها ويتقارعون

٢٩٥

٢٩ ـ بصيرة فى قمح وقمر وقمص وقمطر وقمع وقمل

قمح السّويق وغيره ، واقتمحه : إذا أخذه فى راحته إلى فيه. وقمح البعير يقمح إذا رفع رأسه من الماء بعد الرّىّ. وأقمحه : شدّ رأسه إلى خلف ، قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ)(١) تشبيه (٢) بذلك. ومنه قول النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلىّ رضى الله عنه : ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيّين ، ويقدم عليه عدوّك غضابا مقمحين. ثمّ جمع يده إلى عنقه يريهم كيف الإقماح ، وهو رفع الرأس وغضّ البصر ، يقال أقمحه الغلّ إذا ترك رأسه مرفوعا من ضيقه. والآية إشارة إلى وصفهم بالامتناع عن الانقياد للحقّ ، والإذعان لقبول الرشد ، وعن الإنفاق فى سبيل الله.

القمر يسمّى قمرا بعد الثالثة. قال تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ)(٣) وقال : (سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً)(٤) ، والجمع : أقمار.

والقميص معروف ، والجمع : أقمصة ، قال تعالى : (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ)(٥) ، وقال تعالى : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً)(٦).

__________________

(١) الآية ٨ سورة يس

(٢) أى هو تشبيه. وفى الراغب : «وقوله (مُقْمَحُونَ) تشبيه بذلك ، وهى ظاهرة

(٣) الآية ٣٩ سورة يس

(٤) الآية ٦١ سورة الفرقان

(٥) الآية ٢٧ سورة يوسف

(٦) الآية ٩٣ سورة يوسف

٢٩٦

والقمطرير : الشّديد ، كالقماطر ، كأنه مركّب من قمط وقطر أو قمر

والقمع : الضّرب بالمقمعة. وهى [العمود](١) من حديد كالمحجن (٢) يضرب به رأس الفيل ، قال الله تعالى : (مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ)(٣). وقال اللّيث : المقمعة : خشبة يضرب [بها](٤) الإنسان على رأسه. وهى أيضا :

الجرزة (٥) والأعمدة من حديد ، وأنشد :

* وتمشى معدّ حوله بالمقامع*

القمل والقمال معروف ، الواحدة بهاء. وقد قمل رأسه ـ كعلم ـ : كثر قمله. والقمّل ـ كدمّل ـ : صغار الذرّ والدبى (٦) الّذى لا أجنحة له ، أو شىء صغير بجناح أحمر ، وشىء يشبه الحلم (٧) لا يأكل أكل الجراد ، خبيث الرائحة ، ودوابّ بالقردان أشبه ، صغار ، واحدتها بهاء. ورجل قمل : كثير القمل.

__________________

(١) زيادة من القاموس.

(٢) المحجن : خشبة فى طرفها اعوجاج

(٣) الآية ٢١ سورة الحج

(٤) زيادة من القاموس.

(٥) الجرزة : جمع جرز ـ كقفل ـ وهو العمود من حديد

(٦) الدبى : أصغر الجراد

(٧) الحلم : صغار القردان

٢٩٧

٣٠ ـ بصيرة فى قنت وقنط وقنع وقنى وقنو

القنوت ينقسم إلى أربعة أقسام : الصّلاة ، وطول القيام ، وإقامة الطاعة ، والسّكوت. وروى عن زيد بن أرقم رضى الله عنه : «كنّا نتكلّم فى الصّلاة ، يكلّم أحدنا صاحبه فى حاجته ، حتى نزلت : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ)(١) فأمرنا بالسّكوت». وسئل ابن عمر رضى الله عنهما عن القنوت فقال : ما أعرف القنوت إلا طول القيام. ثمّ قرأ : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً)(٢). وقال الزجّاج : المشهور فى اللغة أنّ القنوت الدّعاء ، وأنّ القانت الدّاعى. ابن الأعرابىّ : أقنت : دعا على عدوّه ، وأقنت : إذا أطال القيام فى الصّلاة ، وأقنت : إذا أدام الحج ، وأقنت : إذا أطال الغزو ، وأقنت : إذا تواضع لله تعالى.

وقوله تعالى : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ)(٣) قيل : خاضعون ، وقيل : طائعون وقيل : ساكتون ، يعنى عن كلام الآدميين ، وكل ما ليس من الصّلاة فى شىء وعلى هذا ما روى : «قيل أىّ الصّلاة أفضل؟ قال : القنوت» ، أى الاشتغال بالعبادة ورفض كلّ ما سواه. قال تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً)(٤).

قنط يقنط ويقنط قنوطا ، وقنط يقنط ـ كفرح يفرح ـ قنطا وقناطة ، وقنط يقنط ـ كجعل يجعل ـ أى يئس ، وقنّطه غيره ، قال تعالى : (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ)(٥).

__________________

(١) الآية ٢٣٨ سورة البقرة

(٢) الآية ٩ سورة الزمر

(٣) الآية ١١٦ سورة البقرة ، والآية ٢٦ سورة الروم

(٤) الآية ١٢٠ سورة النحل

(٥) الآية ٥٣ سورة الزمر

٢٩٨

القنوع : السؤال والتذلّل للمسألة ، وقد قنع يقنع كمنع يمنع. ومن دعائهم : نسأل الله القناعة ، ونعوذ به من القنوع. وقال الشمّاخ :

لمال المرء يصلحه فيغنى

مفاقره أعفّ من القنوع

يعنى : من مسألة النّاس. ورجل قانع وقنيع. قال الأصمعىّ : رأيت أعرابيّا يقول فى دعائه : اللهم إنّى أعوذ بك من القنوع والخضوع والخنوع. وما يغضّ طرف المرء ، ويغرى به لئام الناس. قال الله تعالى : (وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)(١) ، الّذى (٢) (٣) يتعرّض ولا يسأل. وقيل : القانع : الذى يقنع بالقليل وقال عدىّ بن زيد :

ولا خنت ذا عهد وأت بعهده

ولم أحرم المضطرّ إذ جاء قانعا (٤)

يعنى سائلا. وقال الفرّاء : القانع هو الّذى يسألك فما أعطيته قبله.

والقناعة : الرّضا بالقسم. وقد قنع ـ بالكسر ـ يقنع قناعة. زاد أبو عبيدة قنعانا وقنعا ـ محركة ـ فهو قنع ، وقانع ، وقنوع ، وقنيع. وفى حديث النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «القناعة مال لا ينفد (٥)». أقنعه الشىء : أرضاه وأقنع رأسه : إذا نصبه ، قال الله تعالى : (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ)(٦) أى رافعى رءوسهم وهم ينظرون فى ذلّ. وقال ابن عرفة يقال : أقنع رأسه إذا نصبه لا يلتفت يمينا ولا شمالا ، وجعل طرفه موازيا لما بين يديه ؛ وكذلك الإقناع فى الصلاة. وفى الحديث : كان لا يصبّى رأسه فى

__________________

(١) الآية ٣٦ سورة الحج

(٢) هذا تفسير المعتر

(٣) هذا تفسير المعتر

(٤) وأت بعهده أى ضمنت أن أفى به

(٥) رواه الطبرانى فى الأوسط من حديث جابر كما فى تمييز الطيب من الخبيث

(٦) الآية ٤٣ سورة إبراهيم

٢٩٩

الرّكوع ولا يقنعه (١)». وفى الحديث الآخر : «إنه أخذ الحسين فجعل إحدى يديه تحت ذقنه ، والأخرى فى فأس (٢) رأسه ثمّ أقنعه فقبّله» أى رفعه. وأقنعنى فلان : أحوجنى. وقنّعته تقنيعا : رضّيته ، ومنه الحديث : «طوبى لمن هدى إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنّع به». وهكذا رواه الحربى رحمه‌الله.

القنية والقنية ـ بالكسر والضمّ ـ ما اكتسب (٣). والقنى كإلى : الرضا. وقناه الله وأقناه : أرضاه ، قال تعالى : (أَغْنى وَأَقْنى)(٤) ، وقيل : أقنى : أعطى ما فيه الغنى ، وتحقيقه أنّه جعل له قنية من الرّضا والطاعة فغنى بهما أعظم غنى.

والقنو والقنو ـ بالكسر وبالضم ـ والقنا ـ بالكسر وبالفتح ـ : الكباسة (٥) والجمع : أقناء وقنوان وقنيان مثلثتين ، قال الله تعالى : (قِنْوانٌ دانِيَةٌ)(٦).

__________________

(١) يصبى رأسه : يخفضه ويقول الأزهرى : الصواب : يصوب. وانظر النهاية

(٢) فأس الرأس : طرف مؤخره المشرف على القفا

(٣) فى ا : «اكتسبه» ، وفى ب : «الكسبة»

(٤) الآية ٤٨ سورة النجم

(٥) الكباسة من النخل : ما يكون عليه الثمر ، ويقال فيه : عنقود النخل

(٦) الآية ٩٩ سورة الأنعام

٣٠٠