بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٧

وقوله تعالى : (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ)(١) أى عجبت من إنكارهم البعث لشدّة تحقّقك بمعرفته ، ويسخرون بجهلهم. وإذا قرئ على الحكاية عن نفس المتكلّم ـ وهى قراءة حمزة والكسائىّ وخلف ـ معناه (٢) : بل عظم فعلهم عندى. وقيل : بل جازيتهم بالتعجّب. وقيل : بل معناه أنه ممّا (٣) يقال عنده : عجبت ، أو يكون مستعارا بمعنى أنكرت ، نحو قوله تعالى : (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ)(٤). ويقال : قصّة عجب.

وقوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا)(٥) تنبيها أنهم قد عهدوا مثل / ذلك قبل. وقوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً)(٦) أى ليس ذلك فى نهاية العجب ، بل من أمورنا ما هو أعظم منه وأعجب. وقوله : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً)(٧) أى لم يعهد مثله ، ولم يعرف سببه. وقوله تعالى : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ)(٨) أى عجيب. ويستعار تارة للمؤنق فيقال : أعجبنى كذا أى راقنى.

ولا يجمع عجب ولا عجيب. وقال بعضهم : جمع عجيب عجائب ؛ مثل أفيل (٩) وأفائل ، وتبيع (١٠) وتبائع. وقد جمع العجّاج العجب فقال :

ذكّرن أشجانا لمن تشجّبا

وهجن أعجابا لمن تعجّبا

وقولهم : أعاجيب : جمع أعجوبة لما يتعجّب منه ؛ كأحدوثة وأحاديث. والتعاجيب : العجائب ، لا واحد لها من لفظه. قال :

ومن تعاجيب خلق الله غاطية

يعصر منها ملاحىّ وغربيب (١١)

ورجل تعجابة : صاحب أعاجيب.

__________________

(١) الآية ١٢ سورة الصافات

(٢) الأولى : «فمعناه» لأنه جواب الشرط

(٣) فى الأصلين : «كما» وما أثبت من الراغب

(٤) الآية ٧٣ سورة هود

(٥) الآية ٢ سورة يونس

(٦) الآية ٩ سورة الكهف

(٧) الآية ١ سورة الجن

(٨) الآية ٥ سورة ص

(٩) الأفيل : الفصيل أى ولد الناقة

(١٠) التبيع ولد البقرة فى السنة الأولى

(١١) الغاطية : الكرم الكثير الأغصان. والملاحى : عنب أبيض. والغربيب : عنب أسود

٢١

٧ ـ بصيرة فى عجز وعجف وعجل

العجز من كلّ شىء : مؤخّره ، قال تعالى : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ)(١)

والعجز : أصله التأخّر عن الشىء وحصوله عند عجز الأمر ، أى مؤخّره ؛ كما ذكر فى الدّبر. وصار فى العرف اسما للقصور عن فعل الشىء ، وهو ضدّ القدرة. وأعجزته وعجّزته وعاجزته : جعلته عاجزا.

وقوله [تعالى] : (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ)(٢) وقرئ (معجّزين) (٣). فمعاجزين قيل معناه : ظانّين ومقدّرين أنهم يعجزوننا ، لأنّهم حسبوا أن لا بعث ولا نشور فيكون ثواب وعقاب. وهذا فى المعنى كقوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا)(٤). ومعجّزين : ينسبون من تبع النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى العجز ؛ نحو جهّلته وفسّقته. وقيل معناه : مثبّطين أى مقنّطين الناس عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كقوله تعالى : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(٥). والعجوز سمّيت لعجزها عن كثير من الأمور ، ولها معان تنيّف على ثمانين ذكرتها فى القاموس وغيره من الكتب الموضوعة فى اللغة.

والعجف ـ محركة ـ : ذهاب السّمن. وهو أعجف وهى عجفاء ، والجمع عجاف منهما ، وقد عجف وعجف كفرح وكرم. وليس أفعل يجمع على فعال غيرها ، قال تعالى : (سَبْعٌ عِجافٌ)(٦). والعجفاء : الأرض لا خير فيها. وعجف نفسه عن الطّعام عجفا وعجوفا : حبسها عنه (٧).

__________________

(١) الآية ٧ سورة الحاقة

(٢) الآية ٥١ سورة الحج ، والآية ٥ سورة سبأ

(٣) هذه قراءة ابن كثير وأبى عمرو ، كما فى الاتحاف

(٤) الآية ٤ سورة العنكبوت

(٥) الآية ٤٥ سورة الأعراف. وورد فى مواطن أخر

(٦) الآيتان ٤٣ ، ٤٦ سورة يوسف

(٧) بعده فى القاموس : «وهى تشتهيه ليؤثر به جائعا أو ليشبع مؤاكله»

٢٢

٨ ـ بصيرة فى العجل

العجل والعجلة : السّرعة ، وهو عجل ، وعجل ، وعجلان ، وعاجل ، وعجيل من عجالى (١) وعجالى وعجال. وقد عجل ـ كفرح ـ وعجّل وتعجّل بمعنى (٢). واستعجله : حثّه وأمره أن يعجل. ومرّ يستعجل أى طالبا [ذلك](٣) من نفسه متكلّفا إيّاه. والعجلة من مقتضيات الشهوة ؛ فلذلك ذمّت فى جميع القرآن حتى قيل : العجلة من الشيطان.

وقوله تعالى : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى)(٤) ذكر أنّ عجلته وإن كانت مذمومة فالذى دعا إليها أمر محمود وهو طلب رضا الله. وقال تعالى (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً)(٥). وقوله : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ)(٦) ، قال بعضهم : من حمإ (٧) وليس بشيء ، بل تنبيه على أنه لا يتعرّى من ذلك ؛ فإن ذلك أحد القوى الّتى ركّب عليها. وقوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها)(٨) أى نعطيه ذلك.

والعاجل : نقيض الآجل. والعجالة والعجالة / والعجل والعجلة والعجيل : ما تعجّلته من شىء كاللهنة قال الشاعر :

لا تعجلنّ فربّما

عجل الفتى فيما يضرّه

ولربّما كره الفتى

أمرا عواقبه تسرّه

__________________

(١) هذا وما بعده جموع عجلان

(٢) ظاهره أنه بمعنى اللازم فى الكل. وفى اللسان أن الأخيرين يأتيان متعديين

(٣) زيادة من القاموس

(٤) الآية ٨٤ سورة طه

(٥) الآية ١١ سورة الاسراء

(٦) الآية ٣٧ سورة الأنبياء

(٧) هو الطين الأسود المنتن

(٨) الآية ١٨ سورة الاسراء

٢٣

وقال (١) تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ)(٢) يا محمّد (٣) امنعهم من الاستعجال بالعذاب ؛ فإنّه محيط بهم. (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ)(٤) فلا يستعجلون. (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ)(٥) ، (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا)(٦)(وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)(٧) ، (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)(٨) ، (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى)(٩).

والعجل ، والعجّول كسنّور : ابن البقرة ، والجمع : عجول (١٠) وعجاجيل. وبقرة معجل : ذات عجل.

__________________

(١) فى ب : «قوله»

(٢) الآية ٢٧ سورة الانسان.

(٣) هذا متعلق بالآية اللاحقة لا بالسابقة

(٤) الآية ٥٤ سورة العنكبوت

(٥) الآية ١١ سورة يونس

(٦) الآية ٨٤ سورة مريم

(٧) الآية ١١٤ سورة طه

(٨) الآية ١٦ سورة القيامة

(٩) الآية ٨٣ سورة طه

(١٠) هذا جمع العجل ، وما بعده جمع العجول

٢٤

٩ ـ بصيرة فى عجم

العجم ـ بالضمّ ـ والعجم محركة : خلاف العرب. رجل وقوم أعجم.

والأعجم والأعجمىّ : من لا يفصح ، عربيّا كان أو غير عربىّ. والأعجم : الأخرس. والعجمىّ : من جنسه العجم وإن أفصح ، والجمع عجم. والعجماء : البهيمة ، والرّملة التى لا شجر بها ، وصلاة النهار لأنه لا يجهر فيها.

ورجل صلب المعجم : عزيز النفس.

وحروف المعجم هى الحروف المقطّعة ، سمّيت بها لأنّها لا تدلّ على ما تدلّ [عليه](١) الحروف الموصولة.

وأعجم الكلام : ذهب به إلى العجمة ؛ والكتاب : نقطة فأزال عجمته ، كأشكيته : أزلت شكايته.

__________________

(١) زيادة من الراغب

٢٥

١٠ ـ بصيرة فى عد

عددت الشىء عدّا أى أحصيته. وقوله تعالى : (فَسْئَلِ الْعادِّينَ)(١) أى الملائكة الذين تعدّ عليهم أنفاسهم وأعمارهم ، فهم أعلم بما لبثوا. وقوله تعالى : (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا)(٢) أى أنفاسهم. والاسم العدد والعديد. وقوله : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً)(٣) أى عدّ كلّ شىء عدّا ، ويجوز أن يكون [عددا] بمعنى معدود ، فيكون انتصابه على الحال [كالحسب] بمعنى المحسوب ، والنفض (٤) بمعنى المنفوض. قالت امرأة رأت رجلا كانت عهدته جلدا شابّا : أين شبابك وجلدك؟ فقال : من طال أمده ، وكثر ولده ، ورقّ عدده ، ذهب جلده. قوله : عدده أى سنوه التى بعدّها ذهب أكثر سنّه وقلّ ما بقى فكان عنده رقيقا. وقوله : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً)(٥) ، ذكره العدد تنبيه على كثرتها. والأيام المعدودات : أيّام التشريق ، وقيل : يوم النّحر ويومان بعده. وعدّة المرأة : أيّام أقرائها. وسئل أبو واثلة إياس بن معاوية : متى تكون القيامة؟ فقال : إذا تكاملت العدّتان : عدّة أهل الجنّة وعدّة أهل النار. أى إذا تكاملت عند الله لرجوعهم (٦) إليه قامت القيامة ، قال الله تعالى : (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) فكأنّهم إذا استوفوا المعدود لهم قامت القيامة عليهم. وقوله تعالى : (جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ)(٧) أى جعله عدّة للدّهر. وقال الأخفش : جعله ذا عدد.

__________________

(١) الآية ١١٣ سورة المؤمنين

(٢) الآية ٨٤ سورة مريم

(٣) الآية ٢٨ سورة الجن

(٤) النفض : ما سقط من الورق والثمر

(٥) الآية ١١ سورة الكهف

(٦) فى اللسان : «برجوعهم»

(٧) الآية ٢ سورة الهمزة

٢٦

قيل : يتجوّز بالعدّ على أوجه : يقال : شىء معدود ومحصور للقليل مقابلة لما لا يحصى كثرة ، نحو المشار إليه بقوله : (بِغَيْرِ حِسابٍ)(١) وعلى ذلك قوله : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً)(٢) ، أى قليلة لأنهم قالوا : نعذّب بعدد الأيّام التى عبدنا فيها العجل. ويقال على الضدّ من ذلك : نحو جيش عديد أى كثير. وإنّهم لذوو (٣) عدد ، أى هم بحيث [يجب](٤) أن يعدّوا كثرة. ويقال فى القليل : هم (٥) شىء غير معدود. وقوله : (فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) يحتمل الأمرين. ومنه هذا غير معتد به.

وله ، عدّة أى شىء / كثير من مال وسلاح وغيرهما. والعدّة أيضا : الاستعداد ، يقال : كونوا على عدّة. وأخذ للأمر عدّته وعتاده بمعنى وماء عدّ (٦).

والعدّة : هى الشىء المعدود ، وقوله تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)(٧) أى عدد ما قد فاته. وقوله : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ)(٨) أى عدّة الشهر.

__________________

(١) الآية ٢١٢ سورة البقرة. وورد فى مواطن أخر

(٢) الآية ٨٠ سورة البقرة

(٣) فى الأصلين : «لذو»

(٤) زيادة من الراغب

(٥) فى الراغب : «هو»

(٦) أى لا تنقطع مادته كماء العيون والآبار

(٧) الآيتان ١٨٤ ، ١٨٥ سورة البقرة

(٨) الآية ١٨٥ سورة البقرة

٢٧

١١ ـ بصيرة فى عدل

العدل والعدل واحد فى معنى المثل ، قاله الزّجّاج. قال : والمعنى واحد ، كان المثل من الجنس أو من غير الجنس ، قال : ولم (١) يقولوا إن العرب غلطت ، وليس إذا أخطأ مخطئ وجب أن تقول : إن بعض العرب غلط. وقال ابن الأعرابىّ : عدل الشىء وعدله سواء أى مثله. وقال الفرّاء : العدل ـ بالفتح ـ : ما عادل الشىء من غير جنسه ، والعدل ـ بالكسر ـ المثل ، تقول : عندى عدل غلامك وعدل شاتك : إذا كان غلاما يعدل غلاما أو شاة تعدل شاة ، فإذا أردت قيمته من غير جنسه نصبت العين. وربّما كسرها بعض العرب فكأنّه منهم غلط. وقد أجمعوا على واحد الأعدال أنّه عدل بالكسر.

والعدل : خلاف الجور. يقال : عدل عليه فى القضيّة فهو عادل ، وبسط الوالى عدله ومعدلته ومعدلته ، وفلان من أهل المعدلة أى من أهل العدل. ورجل عدل ، أى رضا ومقنع فى الشّهادة ؛ وهو فى الأصل مصدر. وهو عادل من قوم عدول وعدل ، الأخيرة اسم للجمع كتجر (٢) وشرب.

ورجل عدل ، وصف بالمصدر وعلى هذا لا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث. فإن رأيته مجموعا أو مثنى أو مؤنّثا فعلى أنّه قد أجرى مجرى الوصف الذي ليس بمصدر. وقد حكى ابن جنىّ : امرأة عدلة ، أنّثوا المصدر لمّا جرى وصفا على المؤنّث وإن لم يكن على صورة اسم الفاعل ولا هو الفاعل فى الحقيقة.

__________________

(١) هذا رد على كلام الفراء الآتى

(٢) تجر : جمع تاجر ، وشرب : جمع شارب

٢٨

وقيل : العدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام ، كقوله تعالى : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً)(١). والعدل ـ بالكسر ـ والعديل فيما يدرك بالحاسّة كالموزونات والمعدودات والمكيلات. والعدل : هو التقسيط على سواء ، وعلى هذا روى : بالعدل قامت السّماوات والأرض ، تنبيها أنّه لو كان ركن من الأركان الأربعة فى العالم زائدا على الآخر أو ناقصا عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظما.

والعدل ضربان : مطلق يقتضى العقل حسنه ، ولا يكون فى شىء من الأزمنة منسوخا ، ولا يوصف بالاعتداء بوجه ، نحو الإحسان إلى من أحسن إليك ، وكفّ الأذى عمّن كفّ أذاه عنك. وعدل يعرف كونه عدلا بالشرع ، ويمكن أن يكون منسوخا فى بعض الأزمنة كالقصاص وأرش (٢) الجنايات وأخذ مال المرتدّ ، ولذلك قال تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ)(٣) ، قال : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(٤) فسمّى ذلك سيّئة واعتداء. وهذا النحو هو المعنىّ بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(٥) ، فإنّ العدل هو المساواة فى المكافأة إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ ، والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه والشر بأقلّ منه.

وقوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)(٦) أى ذوى عدالة. وقوله : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ)(٧) [فإشارة](٨) إلى ما عليه جبلّة الإنسان من الميل ؛ فإن الإنسان لا يقدر على أن يسوّى بينهنّ

__________________

(١) الآية ٩٥ سورة المائدة

(٢) أى ديتها

(٣) الآية ١٩٤ سورة البقرة

(٤) الآية ٤٠ سورة الشورى

(٥) الآية ٩٠ سورة النحل

(٦) الآية ٢ سورة الطلاق

(٧) الآية ١٢٩ سورة النساء

(٨) زيادة من الراغب

٢٩

فى المحبة (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً)(١) إشارة إلى العدل الذى هو القسم والنفقة.

وقوله : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً)(٢) أى ما يعادل من / الصّيام الطعام. ويقال للفداء إذا اعتبر فيه معنى المساواة. وفى الحديث : «لا يقبل منه صرف ولا عدل». قيل : الصرف : التوبة ، وقيل : النافلة. والعدل : الفدية ، وقيل : الفريضة. وقيل : الصّواب أنّ الصّرف بمعنى التصرّف والتدبير والحيلة ، والعدل بمعنى الفدية. قال تعالى : (فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً)(٣) أى تصرّفا وتدبيرا. وقال تعالى : (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها)(٤) وكأن المعنى : ما يقبل منه ما تصرّف فيه بحيلة وكدح له وتعب ونصب ، ولا فداء ولو افتدى به. وقيل : العدل السويّة ، وقيل العدل : التطوّع ، والصرف : الفريضة. ومعنى : (لا يقبل منه) أى لا يكون له خير يقبل منه.

وقوله : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)(٥) أى يجعلون له عديلا ، فصار كقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)(٦) ، وقيل : يعدلون بأفعاله عنه وينسبونها (٧) إلى غيره. وقيل : يعدلون بعبادتهم عنه تعالى ، وقيل : الباء بمعنى عن. وقوله : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ)(٨) يصحّ أن يكون من قولهم : عدل عن الحقّ : إذا جار. وفلان يعادل هذا الأمر : إذا ارتبك فيه ولم يمضه. قال :

إذا الهمّ أمسى وهو داء فأمضه

فلست بمضيه وأنت تعادله

__________________

(١) الآية ٣ سورة النساء

(٢) الآية ٩٥ سورة المائدة

(٣) الآية ١٩ سورة الفرقان

(٤) الآية ٧٠ سورة الأنعام

(٥) الآية ١ سورة الأنعام

(٦) الآية ١٠٠ سورة النحل

(٧) فى الأصلين : «ينسبونه» وما أثبت من الراغب

(٨) الآية ٦٠ سورة النمل

٣٠

١٢ ـ بصيرة فى عدن وعدو

عدن بالبلد يعدن ويعدن : أقام به. ومنه جنّات عدن. وعدنت الإبل فى الحمض (١) استمرته (٢) ونمت عليه ولزمته ، فهى عادن. والمعدن : منبت الجواهر من ذهب ونحوه ؛ لإقامة أهله فيه دائما ، أو لإنبات (٣) الله تعالى الجوهر فيه. ومكان كلّ شىء فيه أصله معدن. والمعدّن ـ كمحدّث ـ : مخرج الصّخر من المعدن يبتغى فيه الذّهب ونحوه.

العدو والعدوّ والتعداء والعدوان محرّكة بمعنى ، وهو التجاوز ومنافاة الالتئام. فتارة يعتبر بالقلب فيسمّى المعاداة والعداوة ، وتارة بالمشى فيقال له العدو ، وتارة فى الإخلال بالعدالة فيقال له العدوان والعدو. قال الله تعالى : (فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)(٤) أى عدوانا ، وتارة بأجزاء المقرّ فيقال له : العدواء ، يقال : مكان ذو عدواء أى غير متلائم الأجزاء ، والتعادى أيضا : الأمكنة الغير (٥) المتساوية.

فمن المعاداة : رجل عدوّ ، وعاد. ويستوى فى العدوّ الواحد والجمع والذكر والأنثى. وقد يثنّى ويجمع ويؤنث فى بعض اللغات. والجمع : أعداء ، وجمع الجمع أعاد. واسم الجمع : عدى وعدى. وجمع العادى : عداة ، وقد عاداه والاسم العداوة. وتعادى ما بينهم : اختلف ، والقوم عادى بعضهم بعضا.

__________________

(١) هو ما ملح وأمر من النبات

(٢) كذا. والأولى : استمرأته أى عدته مريئا سائغا

(٣) فى ب : «لاثبات»

(٤) الآية ١٠٨ سورة الأنعام

(٥) أدخل أل على غير. المعروف أنها لا تدخل عليها

٣١

والعدوّ ضربان : أحدهما بقصد من المعادى نحو : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ)(١). والثانى لا بقصده ، بل بأن تعرض له حالة يتأذّى بها كما يتأذّى بما يكون من العدا ، نحو قوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ)(٢).

وقد وردت العداوة على أوجه :

١ ـ عداوة اليهود للمؤمنين : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ)(٣).

٢ ـ عداوة بين شاربى الخمر من وسوسة الشيطان : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ)(٤).

٣ ـ عداوة بين أصناف النّصارى : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ)(٥).

٤ ـ عداوة بين المؤمنين والكفّار من قوم إبراهيم : (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ)(٦).

٥ ـ عداوة / بين بنى هاشم وبنى أميّة : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً)(٧)

٦ ـ عداوة تزول بكرم الكرماء : (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)(٨).

وورد ذكر العدوّ على وجوه :

__________________

(١) الآية ٩٢ سورة النساء

(٢) الآية ٧٧ سورة الشعراء

(٣) الآية ٨٢ سورة المائدة

(٤) الآية ٩١ سورة المائدة

(٥) الآية ١٤ سورة المائدة

(٦) الآية ٤ سورة الممتحنة

(٧) الآية ٧ سورة الممتحنة. والذى فى التفسير أن المراد بالمعادين مشركو مكة ولم يخصوا بنى أمية

(٨) الآية ٣٤ سورة فصلت

٣٢

١ ـ إبليس لآدم وحوّاء : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ)(١) ، (إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ)(٢).

٢ ـ آدم وإبليس والحيّة وطاوس (٣) أعداء : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)(٤).

٣ ـ إبليس وذرّيته أعداء بنى آدم : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)(٥).

٤ ـ الكافر الحربىّ عدوّ للمسلم : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ)(٦).

٥ ـ آزر عدوّ الحقّ : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ)(٧).

٦ ـ موسى عدوّ فرعون : (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا)(٨).

٧ ـ كفّار مكة أعداء نبىّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ)(٩).

٨ ـ مؤمنو بنى إسرائيل عدوّ الكفّار : (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ)(١٠).

٩ ـ الأولاد والأزواج منهم أعداء الوالدين : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ)(١١).

١٠ ـ الكفّار أعداء الله : (ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ)(١٢) ، (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ)(١٣).

__________________

(١) الآية ٢٢ سورة الأعراف

(٢) الآية ١١٧ سورة طه

(٣) لم أقف على ذكر لطاوس هنا. وكان إبليس يلقب بطاوس فكأن الأمر اختلط على المؤلف فحسب إبليس غير طاوس.

(٤) الآية ٣٦ سورة البقرة

(٥) الآية ٦ سورة فاطر

(٦) الآية ٩٢ سورة النساء

(٧) الآية ١١٤ سورة التوبة

(٨) الآية ٨ سورة القصص

(٩) الآية ١ سورة الممتحنة

(١٠) الآية ١٤ سورة الصف

(١١) الآية ١٤ سورة التغابن

(١٢) الآية ٢٨ سورة فصلت

(١٣) الآية ١٩ سورة فصلت

٣٣

١١ ـ عداوة الخلّان لغير الله : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)(١).

والعدوان ورد على وجهين : الأوّل بمعنى السّبيل : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ)(٢). الثانى بمعنى الظلم : (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)(٣)(وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)(٤) ، أى بالظلم والمعصية

ومن العدو قال :

* وعادى عداء بين ثور ونعجة (٥) *

أى أعدى أحدهما إثر الآخر. وتعدّوا : وجدوا لبنا فأغناهم عن الخمر (٦) ، ووجدوا مرعى فأغناهم عن شراء العلف ؛ والمكان : جاوزوه وتركوه.

والعدوة والعدوة والعدوة : شاطئ الوادى. وبالضمّ والكسر : المكان المرتفع ، قال تعالى : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى)(٧) والسلطان ذو عدوات وبدوات ، وعدوان وبدوان.

__________________

(١) الآية ٦٧ سورة الزخرف

(٢) الآية ١٩٣ سورة البقرة

(٣) الآية ٢ سورة المائدة

(٤) الآية ٨ سورة المجادلة

(٥) عجزه :

دراكا ولم ينضح بماء فيغسل

وهو من معلقة امرئ القيس

(٦) فى التاج : «كذا» فى النسخ. والصواب : عن اللحم أى عن اشترائه ، كما هو نص المحكم»

(٧) الآية ٤٢ سورة الأنفال

٣٤

١٣ ـ بصيرة فى عذب وعذر

العذب : الماء الطيّب. والجمع عذاب. وعذب الماء عذوبة ، قال تعالى : (هذا عَذْبٌ فُراتٌ)(١). وأعذبوا : صار لهم ماء عذب. والعذاب : (الإيجاع الشديد ، وعذّبه تعذيبا : أكثر حبسه فى العذاب. وعذّبته : كدّرت عيشته ورنّقت حياته) (٢). وقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ)(٣) أى بالمجاعة. وأصابه منىّ عذاب عذبين ، وأصابه منىّ العذبون ، أى لا يرفع عنه العذاب. وعذّبته تعذيبا : عاقبته أو أطلت حبسه فى العذاب. وقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ)(٤) أى ما كان الله يعذبهم عذاب الاستئصال. وقوله : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ)(٥) أى ألّا يعذّبهم بالسّيف.

واختلف فى أصله ، فقيل : هو من العاذب وهو الذى لا يأكل ولا يشرب من الدّوابّ وغيرها ؛ وبات عذوبا : إذا لم يأكل شيئا ولم يشرب. فالتعذيب حمل الإنسان على أن يعذب أى يجوع ويعطش ويسهر. وقيل : أصله من العذب ، عذّبته : أزلت عذب حياته كمرّضته وقذّيته. وقيل : أصله إكثار الضرب بعذبة السّوط أى طرفها. وقيل : التعذيب هو الضرب. وقيل : هو من قولهم : ماء عذب : إذا كان فيه قذى وكدر.

والعذر تحرّى الإنسان ما يمحو به ذنوبه. يقال : عذر وعذر. وذلك

__________________

(١) الآية ٥٣ سورة الفرقان والآية ١٢ سورة فاطر

(٢) فى ب بدل ما بين القوسين : «العقوبة والايلام»

(٣) الآية ٧٦ سورة المؤمنين

(٤) الآية ٣٣ سورة الأنفال

(٥) الآية ٣٤ سورة الأنفال

٣٥

ثلاثة أضرب : أن يقول لم أفعل ، أو يقول : فعلت لأجل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا ، أو يقول : فعلت (١) ولا أعود ، ونحو ذلك. وهذا الثالث هو التوبة ، وكلّ توبة عذر ، وليس / كلّ عذر توبة. وأعذر من أنذر أى بالغ فى العذر ، أى فى كونه معذورا. ومن عذيرى من فلان. وعذيرك من فلان. قال عمرو بن معدى كرب :

أريد حياته ويريد قتلى

عذيرك من خليلك من مراد (٢)

ومعناه : هلمّ من يعذرك منه إن أوقعت به ، يعنى أنّه أهل للإيقاع به ، فإن أوقعت به كنت معذورا. ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لن يهلك الناس حتّى يعذروا من أنفسهم (٣)» ، واستعذر النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عبد الله بن أبىّ ، أى قال : [من](٤) عذيرى من عبد الله ، وطلب من الناس العذر إن بطش به. والمعذّر : من يظن أن له عذرا ولا عذر له ، قال تعالى : (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ)(٥) ، وقرئ (٦) (المُعْذِرون) أى الّذين يأتون بالعذر. وقال ابن عبّاس : رحم الله المعذرين ولعن الله المعذّرين. وقوله : (قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ)(٧) مصدر عذرت كأنه قيل : اطلب (٨) منه أن يعذرنى. وأعذر : أتى بما صار به معذورا. وو الله ما استعذرت إلىّ وما استعذرت إلىّ ، أى لم تقدّم الإعذار ولا الإنذار. وفلان ألقى معاذيره (٩).

__________________

(١) فى الراغب بعده : «ولم أحسن»

(٢) فى الأساس : «حباءه» فى مكان «حياته» وقد تمثل بهذا البيت أمير المؤمنين على رضى الله عنه وهو ينظر إلى ابن ملجم

(٣) فى مسند أحمد ورواه أبو داود عن رجل (الفتح الكبير)

(٤) زيادة من اللسان وغيره.

(٥) الآية ٩٠ سورة التوبة

(٦) هى قراءة يعقوب من العشرة

(٧) الآية ١٦٤ سورة الأعراف

(٨) تبع فى هذا الراغب. وفى اللسان أن التقدير : نعتذر معذرة.

(٩) جاء ذلك فى الآية ١٥ من سورة القيامة. والمعاذير : جمع معذرة بزيادة الياء فى الجمع على غير قياس

٣٦

ودرّة عذراء : لم تثقب. ورملة عذراء : لم توطأ.

وعذار الرّمل : حبل مستطيل منه. وغرسوا عذارا من النخل : سطرا متّسقا منه. وعذارا الطريق : جانباه. وهو شديد العذار : شديد العزيمة. قال أبو ذؤيب :

فإنّى إذا ما خلّة رثّ وصلها

وجدّت بصرم واستمرّ عذارها (١)

وعذر الصبىّ : أزال عذرته أى قلفته. وأعذر فلانا : أزال نجاسة ذنبه بالعفو عنه ، والفرس : جعل له عذارا. وهو طويل المعذّر ، أى موضع العذار.

العرّ : الجرب ويضمّ ؛ لأنّه يعرّ البدن أى يعترضه. والمعرّة : المضرّة. والاعترار : الاعتراض ، قال تعالى : (وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)(٢) ، أى المعترض بسؤاله ، وقد عرّه واعترّه.

ونزلت بين المجرّة والمعرّة ، أى حيّين كثيرى العدد ، شبّههما بهما لكثرة نجومهما. والمعرّة : مكان من السّماء فى الجهة الشاميّة نجومه تعترّ وتشتبك.

وتعارّ من الليل : هبّ من النوم فى غمغمة. وكلام مثل عرار الظليم (٣) ، وهو صياحه.

__________________

(١) شرح أشعار الهذليين ٨١ ـ الخلة : الصديقة. رث : أخلق. استمر : اشتد

(٢) الآية ٣٦ سورة الحج

(٣) هو الذكر من النعام

٣٧

١٤ ـ بصيرة فى عرب

العرب ـ بالتّحريك ـ والعرب ـ بالضمّ ـ : جيل من النّاس. والنّسبة عربىّ بيّن العروبة ، وهم أهل الأمصار. والعرب اسم جنس. والعرب العاربة : هم الخلّص منهم ، وأخذت من لفظها فأكّدت بها كليل لائل. وربّما قالوا : العرب العرباء. والعربيّة هى هذه اللّغة.

وتصغير العرب عريب بلا هاء. قال عبد المؤمن بن عبد القدّوس :

ومكن الضّباب طعام العريب

ولا تشتهيه نفوس العجم (١)

وإنّما صغّرهم تعظيما لهم كقول الحباب : أنا جذيلها (٢) المحكّك.

وقيل : سمّيت العرب بها لأنّه نشأ أولاد إسماعيل ـ صلوات الله عليه ـ بعربة وهى من تهامة ، فنسبوا إلى بلدهم. وروى أنّ خمسة من الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ من العرب ، وهم : إسماعيل ، ومحمّد ، وشعيب ، وصالح ، وهود. وهذا يدلّ على أنّ لسان العرب قديم ، وأن هؤلاء الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ كلّهم كانوا يسكنون بلاد العرب. وكان شعيب وقومه بأرض مدين ، وكان صالح وقومه ثمود بناحية الحجر ، وكان هود وقومه ينزلون الأحقاف من رمال اليمن ، وكانوا أهل عمد (٣) ، وكان إسماعيل / ومحمّد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سكّان الحرم. وكل من سكن بلاد العرب وجزيرتها ونطق بلسان أهلها فهم عرب.

__________________

(١) المكن : بيض الضبة والجرادة ونحوهما.

(٢) الجذيل : أصل الشجرة وغيرها بعد ذهاب الفرع. ويراد هنا عود ينصب للابل الجربى لتحتك به. هذا مثل يضرب لمن يهتدى برأيه

(٣) أى أهل أخبية يضربونها

٣٨

وقال الأزهرىّ : الأقرب عندى أنهم يسمّون عربا باسم بلدهم العربات. وقال إسحاق بن الفرج : عربة باحة العرب ، وباحة (١) دار أبى الفصاحة إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهما ، قال : وفيها يقول قائلهم (٢) :

وعربة أرض ما يحلّ حرامها

من الناس إلّا اللوذعى الحلاحل

يعنى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أحلّت لنا مكّة ساعة من نهار ثم هى حرام إلى يوم القيامة (٣)». قال : واضطرّ الشّاعر إلى تسكين الراء من عربة فسكّنها. وأنشد قول الشاعر :

ورجّت باحة العربات رجّا

ترقرق فى مناكبها الدّماء

قال : وأقامت قريش بعربة فتنخت (٤) بها. وانتشر سائر العرب فى جزيرتها فنسبوا كلّهم إلى عربة ؛ لأن أباهم إسماعيل ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بها نشأ ، وربل (٥) أولاده فيها فكثروا ، فلمّا لم تحملهم البلاد انتشروا ، وأقامت قريش بها.

وقال ابن عبّاس رضى الله عنهما فى قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ)(٦) : هو العرابة فى كلام العرب. والعرابة كأنّها اسم من التعريب وهو ما قبح من الكلام. وفى حديث عطاء : لا تحلّ العرابة للمحرم ، ويروى أنّه كره الإعراب للمحرم ، وهو بمعنى العرابة.

__________________

(١) الباحة : الساحة.

(٢) فى معجم البلدان أنه أبو طالب عم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

(٣) هذا لفظ الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقد جاء معناه فى حديث أخرجه الشيخان وغيرهما جاء فى تيسير الوصول فى باب الفضائل

(٤) أى أقامت

(٥) أى كثروا أو كثر أموالهم وأولادهم

(٦) الآية ١٩٧ سورة البقرة

٣٩

والأعراب : سكّان البادية خاصّة ، ويجمع على الأعاريب. ولا واحد للأعراب ؛ ولهذا نسب إليها ولا ينسب للجمع. وليست الأعراب جمعا للعرب كما أن الأنباط جمع للنّبط ، وإنما العرب اسم جنس.

وأعرب بحجّته : أفصح بها ولم يتّق أحدا ، والرّجل : ولد له ولد عربىّ ، والثور (١) البقرة شهّاها ، وفلان : تكلّم بالفحش. وإنما سمّى الإعراب إعرابا لتبيينه وإيضاحه. وأعرب الحروف وعرّبها بمعنى. الفرّاء : عرّب أجود من أعرب ، وقيل : هما سواء. وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا)(٢) ، قيل أى مفصحا ، نحو (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ)(٣) ، وقيل : أى شريفا (٤) كريما ، وقيل : ناسخا لما قبله من الأحكام (٥) ، وقيل : منسوبا إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والعربىّ إذا نسب إليه قيل : عربىّ فيكون (٦) لفظه كلفظ المنسوب إليه. وخير النساء اللّعوب العروب. وقد تعرّبت لزوجها : تغزّلت له وتحبّبت إليه.

__________________

(١) الذى فى القاموس : عرّب الثور البقرة لا أعرب

(٢) الآية ٣٧ سورة الرعد

(٣) الآية ٨ سورة الأنفال

(٤) فى الراغب : «من قولهم : عرب أتراب» أى فهذا وصف كريم للنساء

(٥) فى الراغب : «من قولهم : عرّبوا على الامام». والتعريب على الامام الرد عليه ، وكأن ذلك إذا أخطأ فى القراءة

(٦) فى الأصلين : «ليكون» ، وما أثبت من الراغب

٤٠