بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٧

قد أترك القرن مصفرّا أنامله

كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد (١)

فإن جعلتها اسما (٢) شدّدتها ، قلت : كتبت قدّا حسنة. وكذلك كى ، وهو ، ولو ، لأنّ هذه الحروف لا دليل على [ما](٣) نقص منها ، فيجب أن يزاد فى آخرها ما هو من جنسها ويدغم ، إلّا فى الألف فإنّك تهمزها. ولو سمّيت رجلا ب (لا) و (ما) ثم زدت فى آخره ألفا همزت ؛ لأنك تحرك الثانية ، والألف إذا تحركت صارت همزة.

فأمّا قولهم : قدك بمعنى حسبك ، وقدنى بمعنى حسبى ، فاسم ، تقول : قدى وقدنى / أيضا بالنون على غير قياس ؛ لأنّ هذه النّون إنّما تزاد فى الأفعال وقاية لها ، مثل : ضربنى وشتمنى. قال ابن عتّاب الطّائىّ :

فناولته من رسل كوماء جلدة

وأغضيت عنه الطرف حتى تضلّعا (٤)

إذا قال : قدنى ، قلت : بالله حلفة

لتغنينّ عنّى ذا إنائك أجمعا

وفى رواية أبى زيد فى نوادره :

إذا هو آلى حلفة قلت مثلها

لتغنينّ عنّى ذا إنائك أجمعا

وقد : كلمة لا يكون الماضى حالا إلّا بإضمارها أو بإظهارها معه ، وذلك مثل قول الله تعالى : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)(٥) ، لا يكون (حَصِرَتْ) حالا إلا باضمار قد ، فيكون تقدير الكلام : حصرة صدورهم. وقال الفرّاء فى

__________________

(١) الفرصاد : التوت. ومعنى (مصفرا أنامله) أنه مات ، وخص الأنامل لأن الصفرة إليها أسرع. وانظر شرح شواهد سيبويه للأعلم فى حواشى الكتاب ٢ / ٣٠٧

(٢) رد هذا ابن برى بأن التشديد إنما يجب فى المعتل كلا ونحوها ، فأما الصحيح كما فى قد فلا يجب فيه ذلك. وانظر اللسان

(٣) زيادة من اللسان والتاج

(٤) الرسل : اللبن. والكوماء : الناقة السمينة. والجلدة : القوية. وتضلع : امتلأ ريا

(٥) الآية ٩٠ سورة النساء

٢٤١

قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً)، المعنى : وقد كنتم ، ولو لا إضمار قد لم يجز مثله فى الكلام ؛ ألا ترى أنّ قوله تعالى فى سورة يوسف (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ)(١) معناه فقد صدقت. وأمّا الحال فى المضارع فشائعة دون قد ظاهرة أو مضمرة.

وقد تقرّب الماضى من الحال ، إذا قلت قد فعل ، ومنه قول المؤذّن : قد قامت الصّلاة. ويجوز الفصل بينها وبين الفعل بالقسم ، كقولك : قد والله أحسنت ، وقد لعمرى بتّ ساهرا. ويجوز طرح الفعل بعدها إذا فهم كقول النابغة الذبيانىّ :

أفد الترحّل غير أنّ ركابنا

لمّا تزل برحالنا وكأن قد (٢)

أى كأن قد زالت.

وإذا دخلت قد على فعل ماض فإنما تدخل على كلّ فعل متجدّد ، نحو قوله : (قَدْ سَمِعَ اللهُ)(٣) ، ولذلك لا يصحّ أن تستعمل فى أوصاف الله تعالى الذاتيّة ، نحو قد كان الله عليما حكيما. وقوله : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى)(٤) متناول (٥) للمرض فى المعنى ؛ كما أن النفى فى قولك : ما علم الله زيدا يخرج ، هو للخروج ، وتقدير ذلك : قد يمرضون فيما علم الله ، وما يخرج زيد فيما علم الله. وإذا دخل قد على الفعل المستقبل من الفعل فذلك الفعل يكون فى حالة دون حالة ، نحو : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ)(٦) أى قد يتسلّلون فيما علم الله. والله أعلم.

__________________

(١) الآية ٢٦ سورة يوسف

(٢) هو من قصيدته التى مطلعها :

أمن آل مية رائح أو مغتد

عجلان ذا زاد وغير مزود

(٣) الآية ١٨١ سورة آل عمران ، صدر صورة المجادلة

(٤) الآية ٢٠ سورة المزمل

(٥) يريد أن علم الله ذاتى غير متجدد. وما فى الآية من تعلق العلم بالمستقبل هو تجدد للمرض لا للعلم أى التجدد للمعلوم أو لتعلق العلم به ، كما أن النفى فى قولك : ما علم الله زيدا يخرج متعلق بالمعلوم لا بالعلم

(٦) الآية ٦٣ سورة النور

٢٤٢

٨ ـ بصيرة فى قدر

هو قادر ومقتدر : ذو قدرة ومقدرة. وأقدره الله عليه. وقادرته : قاويته (١). وهم قدر مائة ، وقدر مائة ، ومقدارها : مبلغها. والأمور تجرى بقدر الله ومقداره وتقديره وأقداره ومقاديره. وقدرت الشىء أقدره وأقدره ، وقدّرته. ولا يقادر قدره : لا يطاق. ورجل مقتدر الطول : ربعة. وصانع مقتدر : رفيق بالعمل ، قال (٢) :

لها جبهة كسراة المجنّ (م) حذّفه

الصّانع المقتدر

وقد ورد القدر وما يتصرّف منه لمعان مختلفة :

الأول : بمعنى الشرف والعظمة : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(٣) ، وقيل معناه : ليلة قيّضها لأمور مخصوصة.

الثّانى : بمعنى ضيق المكان والمعيشة : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ)(٤) أى يضيّق ، (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ)(٥) أى ضيّق ، (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)(٦) أى لن نضيّق عليه.

الثالث : بمعنى التزيين وتحسين الصّورة : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ)(٧)

__________________

(١) أى باريته فى القوة أينا أقوى ، وهذه عبارة الأساس. وعبارة القاموس : «قايسته وفعلت مثل فعله»

(٢) أى امرؤ القيس. والبيت فى وصف الفرس ، يصفها باتساع الجبهة ، والمجن : الترس. وسراته : ظهره. وحذفه : سواه وأخذ من أطرافه. وانظر الديوان ١٦٥

(٣) أول سورة القدر

(٤) الآية ٢٦ سورة الرعد. وورد فى مواطن أخر.

(٥) الآية ٧ سورة الطلاق

(٦) الآية ٨٧ سورة الأنبياء

(٧) الآية ٢٣ سورة المرسلات

٢٤٣

صوّرنا فنعم المصوّرون : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى)(١) ، أى خلق فصوّر.

الرابع : بمعنى الجعل والصّنع : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ)(٢) ، أى جعل له منازل (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ)(٣) ، (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(٤) ، (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها)(٥).

/ الخامس : بمعنى العلم والحكمة : (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ)(٦) أى يعلم.

السّادس : بمعنى القدرة والقوّة : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ)(٧) أى يقوى ، (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٨) ، (قُلْ هُوَ الْقادِرُ)(٩). ولها نظائر.

وتقدير الله تعالى الأمور على نوعين : أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا أو لا يكون كذا ، إمّا وجوبا وإمّا إمكانا ، وعلى ذلك قوله : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)(١٠). والثانى : بإعطاء القدرة عليه. وقوله : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ)(١١) تنبيه أن كل ما حكم به فهو محمود فى حكمه ، أو يكون مثل قوله : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)(١٢) ، وقرئ (فقدّرنا) مشدّدة ، وذلك منه أو من إعطاء القدرة. وقوله : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ)(١٣) تنبيه أن ذلك فيه حكمة من حيث إنه هو المقدّر ، وتنبيه أن الأمر ليس كما زعم المجوس : أن الله يخلق وإبليس يقتل.

وقوله : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً)(١٤) فـ (قَدَراً) إشارة إلى ما سبق به القضاء والكتابة فى اللّوح المحفوظ ، والمشار إليه بقوله عليه الصلاة

__________________

(١) الآية ٣ سورة الأعلى

(٢) الآية ٥ سورة يونس

(٣) الآية ٣٩ سورة يس

(٤) الآية ٢ سورة الفرقان

(٥) الآية ١٠ سورة فصلت

(٦) الآية ٢٠ سورة المزمل

(٧) الآية ٥ سورة البلد

(٨) الآية ١٢٠ سورة المائدة

(٩) الآية ٦٥ سورة الأنعام

(١٠) الآية ٣ سورة الطلاق

(١١) الآية ٢٣ سورة المرسلات

(١٢) الآية ٣ سورة الطلاق

(١٣) الآية ٦٠ سورة الواقعة

(١٤) الآية ٣٨ سورة الأحزاب

٢٤٤

والسّلام : «فرغ ربّكم من الخلق والخلق والأجل والرزق (١)» ، (و (مَقْدُوراً) إشارة إلى ما يحدث حالا فحالا ، وهو المشار إليه بقوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)(٢) ، وعلى ذلك قوله : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)(٣).

وقوله : (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)(٤) أى ما يليق بحاله مقدورا عليه. وقوله : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى)(٥) ، أى أعطى كلّ شىء ما فيه مصلحة ، وهداه لما فيه خلاص ، إمّا بالتسخير وإمّا بالتعليم ؛ كما قال : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)(٦).

والتقدير من الإنسان على وجهين : أحدهما : التفكّر فى الأمر بحسب نظر العقل ، وبناء الأمر عليه ، وذلك محمود. والثّانى : أن يكون بحسب التمنّي (٧) والشهوة ، وذلك مذموم ، كقوله : (فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ)(٨). وتستعار القدرة والمقدور للحال والسّعة والمال.

والقدر : وقت الشىء المقدّر له ، والمكان المقدّر له. وقوله : (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها)(٩) أى بقدر المكان [المقدّر](١٠) لأن يسعها ؛ وقرئ (١١) (بقَدْرِها) أى تقديرها. وقوله : (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ)(١٢) ، أى معيّنين لوقت قدّروه. وكذلك قوله : (فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ)(١٣).

__________________

(١) ورد هذا الحديث فى الجامع الصغير عن الطبرانى فى الأوسط

(٢) الآية ٢٩ سورة الرحمن

(٣) الآية ٢١ سورة الحجر

(٤) الآية ٢٣٦ سورة البقرة

(٥) الآية ٣ سورة الأعلى

(٦) الآية ٥٠ سورة طه

(٧) فى التاج : «التهيؤ»

(٨) الآيتان ١٨ ، ١٩ سورة المدثر

(٩) الآية ١٧ سورة الرعد

(١٠) زيادة من الراغب

(١١) هى قراءة الأشهب العقيلى والحسن كما فى تفسير القرطبى ٩ / ٣٠٥

(١٢) الآية ٢٥ سورة القلم

(١٣) الآية ١٢ سورة القمر

٢٤٥

وقدرت عليه الشىء وصفته ، وقوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)(١) أى ما عرفوا كنهه ، تنبيها أنّه كيف يمكنهم أن يدركوا كنهه وهذا وصفه ، وهو قوله : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٢). وقوله : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ)(٣) أى أحكمه.

ومقدار الشىء : المقدّر له وبه وقتا كان أو زمانا أو غيره. وقوله : (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ)(٤) يعجزون عن تحصيل شىء منه.

والقدير : هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضى الحكمة ، لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه ، ولذلك لا يصحّ أن يوصف به إلا الله تعالى. والمقتدر يقاربه إلّا أنّه قد يوصف به البشر ، ويكون معناه المتكلّف والمكتسب للقدرة. ولا أحد يوصف بالقدرة من وجه إلّا ويصحّ أن يوصف بالعجز من وجه ، غير الله تعالى ، فهو الذى ينتفى عنه العجز من كلّ وجه تعالى شأنه.

__________________

(١) الآية ٦٧ سورة الزمر

(٢) الآية ٦٧ سورة الزمر

(٣) الآية ١١ سورة سبأ

(٤) الآية ٢٩ سورة الحديد

٢٤٦

٩ ـ بصيرة فى قدس

القدس ، والقدس بضمّتين : الطّهارة. وقد قدس يقدس ـ ككرم يكرم ـ والنعت منه قدّوس وقدّوس. وقدّسه تقديسا : طهّره. (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)(١) ، أى نطهّر الأشياء امتثالا لأمرك ، وقيل : معناه : نصفك بالتقديس. والقدّوس ، والمقدّس ، والمتقدّس. / وربّ القدس هو الله تعالى. وخرج إلى بيت المقدس ، وإلى القدس ، وإلى الأرض المقدّسة ، وإلى بيت المقدّس ، أى إلى بيت المكان المقدّس. وقدّس الرجل : أتى بيت المقدس ، قال الفرزدق (٢) :

ودع المدينة إنّها مرهوبة

واعمد لمكّة أو لبيت المقدس

وقوله : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ)(٣) أى جبريل ، وفى الحديث : «قل وروح القدس معك» (٤) أى ومعينك جبريل ، وقيل : وعصمة الله وتوفيقه معك. وراهب مقدّس : مقيم بالقدس أو زائر له ، قال امرؤ القيس يصف الثور والكلاب :

فأدركنه يأخذن بالسّاق والنّسا

كما شبرق الولدان ثوب المقدّس (٥)

وحظيرة القدس : الجنّة ، وقيل : الشريعة. وكلاهما صحيح.

__________________

(١) الآية ٣٠ سورة البقرة

(٢) ليس الشعر للفرزدق ، بل هو لمروان بن الحكم يخاطب الفرزدق ، وقبله :

قل للفرزدق والسفاهة كاسمها

إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس

وقوله : لمكة فالرواية «لأيلة» وانظر اللسان فى «جلس».

(٣) الآية ١٠٢ سورة النحل

(٤) ورد معنى هذا الحديث عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حسان وهجائه لقريش. وانظر ترجمته فى الاصابة

(٥) أى أدركت الكلاب الثور الوحشى يأخذن بساقه ونساه. والشبرقة : التمزيق والتقطيع. وكان صبيان النصارى يتبركون بالمقدس ويمسحون ثوبه الذى هو لابسه وأخذ خيوط منه حتى يتمزق عنه ثوبه. وانظر اللسان (قدس) والديوان ١٠٤

٢٤٧

١٠ ـ بصيرة فى قدم

القدم : السّابقة (١) فى الأمر ، كالقدمة ، والرّجل له مرتبة فى الخير ، والرّجل ـ مؤنثة ـ والجمع : أقدام ؛ والشجاع كالقدم والقدم.

وقدم القوم يقدمهم قدما وقدوما ، وقدّمهم واستقدمهم : تقدّمهم. قال الله تعالى : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٢). وقوله تعالى : (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ)(٣) قيل معناه : لا تتقدّموا. وتحقيقه : لا تسبقوه بالقول والحكم ، بل افعلوا ما يأمركم به ، كما يفعله العباد المكرمون (٤) كما قال : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ)(٥). وقدم ـ ككرم ـ قدما وقدامة فهو قديم وقدام ، والجمع : قدماء وقدامى : تقادم. وأقدم على الأمر : شجع. وأقدمته وقدّمته.

والقدم : ضدّ الحدوث. والقدم ـ بضمتين ـ : المضىّ أمام أمام. وهو يمشى القدم والقدميّة والتقدميّة واليقدميّة والتقدمة : إذا تقدّم فى الحرب.

والتقدّم على أربعة أوجه ممّا (٦) ذكر فى (قبل). ويقال : قديم وحديث ، وذلك إما باعتبار الزّمانين ، وإمّا بالشرف ، وإما لما لا يصحّ وجود غيره إلّا بوجوده ، كقوله : الواحد (٧) متقدّم على العدد ، بمعنى أنه لو توهّم ارتفاعه لارتفع الأعداد.

والقدم (٨) : وجود فيما مضى ، والبقاء : وجود فيما يستقبل. ولم يرد

__________________

(١) أى المنزلة الرفيعة

(٢) الآية ٩٨ سورة هود

(٣) صدر سورة الحجرات

(٤) يريد الملائكة

(٥) الآية ٢٧ سورة الأنبياء

(٦) فى الراغب : «كما» وهو أولى.

(٧) هذا الكلام مبنى على أن الواحد ليس من العدد لأن العدد ما له حاشيتان سفلى وعليا كالاثنين حاشيته السفلى الواحد والعليا الثلاثة. وانظر صبان الأشمونى فى أول مباحث العدد

(٨) فى الأصلين والراغب : «التقدم» ، والمناسب ما أثبت

٢٤٨

فى التنزيل ولا فى السنّة ذكر القديم فى وصف الله تعالى ، والمتكلّمون يصفونه به ، وقد ورد يا قديم الإحسان. وأكثر ما يستعمل القديم. يستعمل باعتبار الزمان ؛ نحو قوله : (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)(١).

وقوله تعالى : (لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(٢) أى سابقة فضيلة. (وقدّمت إليه بكذا : أعلمته (٣) قبل وقت الحاجة إلى فعله) ، قال تعالى : (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ)(٤). وقوله تعالى : (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)(٥) أى لا يزيدون تأخّرا ولا تقدّما. وقوله تعالى : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ)(٦) أى ما فعلوه قبل.

قال الزمخشرىّ : تقدّمت إليه بكذا وقدّمت : أمرته به. وفلان يتقدّم بين يدى الله (٧) : إذا عجل فى الأمر والنهى دونه. وما له فى ذاك متقدّم ومقتدم. ولقيته قدام ذاك وقديديمته ، أى قبيله ، قال علقمة : (٨)

قديديمة التجريب والحلم إنّنى

أرى غفلات العيش قبل التجارب (٩)

__________________

(١) الآية ٣٩ سورة يس

(٢) الآية ٢ سورة يونس

(٣) الذى فى الراغب : «وقيل : قدمت كذا إلى فلان : أمرته قبل الحاجة إلى فعله ، وقبل أن يدهمه الأمر والناس. وقدمت به : أعلمته قبل وقت الحاجة إلى أن يعلمه»

(٤) الآية ٢٨ سورة ق

(٥) الآية ٣٤ سورة الأعراف ، والآية ٦١ سورة النحل

(٦) الآية ١٢ سورة يس

(٧) فى الأساس والتاج : «أبيه»

(٨) فى اللسان : «القطامى»

(٩) ديوان القطامى ٥٠ (ق / ١٥ : ٧) أراد قبل أن أصير كبيرا ، وإذا كان فى نعيم ورخاء فهو فى عقله .. فى ل (قدم) قال ابن برى : من كسر إن استأنف ، ومن فتح فعلى المفعول له.

٢٤٩

١١ ـ بصيرة فى قذف وقر

قذفه بالحجارة يقذفه : رمى بها (١) ، والمحصنة : رماها بزنية.

قرّ بالمكان ، واستقرّ. وهو قارّ ، أى مستقرّ. وقرّ به القرار. وهو فى مقرّه ، ومستقرّه. وهو لا يتقارّ فى موضعه. قال تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً)(٢) أى مستقرّا. وقال فى الجنّة : / (ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ)(٣) وفى النّار : (فَبِئْسَ الْقَرارُ)(٤). وقوله : (ما لَها مِنْ قَرارٍ)(٥) أى ثبات ودوام. وقول الشاعر (٦) :

* ولا قرار على زأر من الأسد*

أى لا أمن ولا استقرار. وأنا لا أقارّك على ما أنت عليه ، أى لا أقرّ معك. وقارّوا فى الصّلاة : أى قرّوا فيها (٧). وما أقرّنى فى هذا البلد إلّا مكانك. ويوم القرّ : يوم النحر لاستقرار الناس بمنى. واستقرّ : تحرّى القرار ، وقد يستعمل بمعنى قرّ ؛ كاستجاب وأجاب ، قال تعالى فى الجنّة : (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا)(٨). وقوله تعالى : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ)(٩) قال ابن عباس رضى الله عنهما : مستقر فى الأرض ، ومستودع فى

__________________

(١) كذا. والأولى : «رماه»

(٢) الآية ٦٤ سورة غافر

(٣) الآية ٥٠ سورة المؤمنين. والآية ليست فى الجنة ، بل فى دمشق أو فلسطين أو غيرهما

(٤) الآية ٦٠ سورة ص

(٥) الآية ٢٦ سورة إبراهيم

(٦) هو النابغة الذبيانى فى قصيدة يمدح بها النعمان بن المنذر ويعتذر إليه من وشاية عنه. وصدر البيت :

أنبئت أن أبا قابوس أوعدنى

وأبو قابوس هو النعمان. والزأر : صوت الأسد.

(٧) أى اسكنوا فيها ولا تتحركوا ولا تعبثوا. وانظر النهاية

(٨) الآية ٢٤ سورة الفرقان

(٩) الآية ٩٨ سورة الأنعام

٢٥٠

الأصلاب ؛ وقال ابن مسعود رضى الله عنه : مستقرّ فى الأرض ، ومستودع فى القبور. وقال الحسن : مستقرّ فى الآخرة ، ومستودع فى الدنيا. وجملة الأمر أن كلّ حال ينقل (١) عنها فليس بمستقرّ تامّ.

والإقرار : إثبات الشىء إمّا باللسان ، وإمّا بالقلب ، أو بهما جميعا.

ويوم قرّ ، وليلة قرّة ، وذات قرّ وقرّة : برد. وأجد (٢) حرّة تحت قرّة. ورجل مقرور : مبرود. وقرّ يومنا. واغتسل بالقرور : بالماء البارد. وقرّت عينه : سرّت. وأقرّها الله ضدّ أسخنها. ويقال لمن يسرّ به : قرّة عين ، قال تعالى : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ)(٣) ، وقيل : هو من القرار ، أى أعطاه الله ما يسكّن به عينه فلا يطمح إلى غيره.

والقارورة سمّيت لاستقرار الماء فيها ، قال تعالى : (صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ)(٤). والقارورة : المرأة شبّهت بالزّجاج لرقّتها ، ونظافتها ، وسرعة انكسارها ، ومنه الحديث (٥) : «رويدك يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير».

__________________

(١) فى الراغب : «ينقل عنها الانسان»

(٢) فى اللسان (حرر): «ومنه قولهم : أشد العطش حرة على قرة : إذا عطش فى يوم بارد». والحرة : الحر ، ويقال إنها كسرت لأجل القرة.

(٣) الآية ٩ سورة القصص

(٤) الآية ٤٤ سورة النمل

(٥) النهاية : (قرر)

٢٥١

١٢ ـ بصيرة فى قرب

القرب ـ بالضمّ ـ : الدنوّ. قرب الشىء ـ ككرم ـ : دنا فهو قريب.

وقوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(١) ولم يقل قريبة لأنّه أراد بالرّحمة العفو والغفران والإحسان ، ولأنّ ما لا يكون تأنيثه حقيقيا جاز تذكيره. وقال الفرّاء : إذا كان القريب فى معنى المسافة يذكّر (٢) ويؤنّث ، وإذا كان فى معنى النسب يؤنّث بلا اختلاف بينهم ، فتقول : هذه المرأة قريبتى أى ذات قرابتى (٣)

ويستوى فى القريب نقيض البعيد الذكر والأنثى والفرد والجمع ، تقول : هو قريب منىّ ، وهى قريب ، وهم قريب ، وهنّ قريب. وكذلك القول فى البعيد. قال ابن السّكيت : لأنّه فى تأويل هو فى مكان قريب منىّ. وقد يجوز قريبة وبعيدة بالتاء تنبيها على قربت وبعدت. وأنشد :

ليالى لا عفراء منك بعيدة

فتسلى ولا عفراء منك قريب (٤)

وقوله تعالى : (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً)(٥) أى غير شاقّ. وقوله تعالى : (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ)(٦) ، قال مجاهد : من تحت أقدامهم. وقوله تعالى : (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ)(٧) ، قال مجاهد : من تحت أقدامهم أى من المحشر ، لا يبعد نداؤه عن أحد.

__________________

(١) الآية ٥٩ سورة الأعراف

(٢) أى فى وصف المؤنث

(٣) فى ا : «قرابة»

(٤) هو لعروة بن حزام العذرى. وانظر معانى القران للفراء ١ / ٣٨١

(٥) الآية ٤٢ سورة التوبة

(٦) الآية ٥١ سورة سبأ

(٧) الآية ٤١ سورة ق

٢٥٢

وتقول : بينى وبينه قرب ، وقرابة ، ومقربة ، ومقربة ، وقربة ـ ـ بالضمّ ـ وقربة ـ بضمّتين ـ وقربى ، قال تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(١) ، أى إلّا أن تودّونى فى قرابتى ، أى فى قرابتى منكم.

ويستعمل القرب فى (المكان ، والزمان (٢)) ، والنسبة ، والحظوة. والرعاية ، والقدرة. فمن الأوّل قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)(٣) وقوله : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ)(٤) كناية عن الجماع. / وفى الزّمان نحو قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)(٥). وفى النّسبة قوله تعالى : (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى)(٦). وفى الحظوة : (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)(٧) ، ويقال للحظوة القربة : (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ)(٨). والرّعاية نحو قوله : (فَإِنِّي قَرِيبٌ)(٩). وفى القدرة قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(١٠).

وقوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ)(١١) يحتمل أن يكون من حيث القدرة (١٢).

والقربان : ما يتقرّب به إلى الله ؛ وصار فى التعارف اسما للنسيكة الّتى هى الذبيحة. وقوله تعالى : (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ

__________________

(١) الآية ٢٣ سورة الشورى

(٢) فى الأصلين : «الزمان والمكان» والمناسب لما سيأتى ما أثبت.

(٣) الآية ٣٥ سورة البقرة ، والآية ١٩ سورة الأعراف

(٤) الآية ٢٢٢ سورة البقرة

(٥) صدر سورة القمر

(٦) الآية ١٠٦ سورة المائدة ، والآية ١٥٢ سورة الأنعام

(٧) الآية ٢٨ سورة المطففين.

(٨) الآية ٩٩ سورة التوبة

(٩) الآية ١٨٦ سورة البقرة

(١٠) الآية ١٦ سورة ق

(١١) الآية ٨٥ سورة الواقعة

(١٢) لم يذكر الاحتمال الآخر. وقد جرى البيضاوى على أنه قرب بالعلم ، والقرب من هذه الجهة لم يذكره المؤلف

٢٥٣

اللهِ قُرْباناً آلِهَةً)(١) من قولهم : قربان الملك لمن يتقرّب بخدمته إلى الملك ، ويستعمل ذلك للواحد والجمع. وقرابين الملك : جلساؤه وخواصّه ، تقول : فلان من قربان الملك ، ومن بعدانه ؛ ولكونه فى هذا الموضع جمعا قال تعالى : (آلِهَةً). والتقرّب : التحرّى لما يقتضى حظوة.

وقرب الله تعالى من العبد : هو الإفضال عليه والفيض (لا بالمكان. وقرب العبد من الله فى الحقيقة (٢)) : التخصّص بكثير من الصّفات الّتى يصحّ أن يوصف الله بها ، وإن لم يكن وصف الإنسان به على الحدّ الذى يوصف به الله تعالى ، نحو الحكمة والعلم والرّحمة ، وذلك يكون بإزالة الأوساخ : من الجهل والطيش والغضب والحاجات البدنيّة ، بقدر طاقة البشر ، وذلك قرب روحانىّ لا بدنىّ. وعلى هذا القرب نبّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم [فيما ذكر عن الله تعالى (٣)] : «من تقرّب منىّ شبرا تقرّبت منه ذراعا (٤)» وقوله عن الله عزوجل أيضا : «ما تقرّب إلىّ عبدى بمثل أداء ما افترضته ولا يزال العبد يتقرّب إلىّ بالنّوافل حتّى أحبّه». الحديث.

وقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى)(٥) هو أبلغ من النّهى عن الزنى ، لأنّ النّهى عن قربه أبلغ من النّهى عن إتيانه ، وكذا قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ)(٦) أبلغ من النّهى عن تناوله ، وكذا قوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)(٧) أبلغ من ولا تأكلا (٨) من ثمرها.

__________________

(١) الآية ٢٨ سورة الأحقاف

(٢) سقط ما بين القوسين فى ب

(٣) زيادة من الراغب

(٤) من حديث متفق عليه عن أبى هريرة (الاحياء : كتاب الأذكار)

(٥) الآية ٣٢ سورة الاسراء

(٦) الآية ١٥٢ سورة الأنعام والآية ٣٤ سورة الاسراء

(٧) الآية ٣٥ سورة البقرة ، والآية ١٩ سورة الأعراف

(٨) فى الأصلين : «ولا تأكل» والمناسب ما أثبت

٢٥٤

وقيل فى قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)(١) أى مجيب. وقوله : (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ)(٢) ، أى إلى ثلاثة أيّام. وقوله : (لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً)(٣) أى لأصوب. وقوله : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً)(٤) أى ألينهم. وقوله : (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ)(٥) قيل : من صخرة بيت المقدس ، وهو أقرب أماكن الأرض إلى السّماء. وقوله : (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ)(٦) ، أى عند (٧) هول المطّلع. (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى)(٨) ، أى لا تدخلوها ولا تشرعوا فيها. و (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً)(٩) ، أى كائنا واقعا. وقوله تعالى : (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ)(١٠) أى جارا لها.

__________________

(١) الآية ١٨٦ سورة البقرة

(٢) الآية ٦٤ سورة هود

(٣) الآية ٢٤ سورة الكهف

(٤) الآية ٨٢ سورة المائدة

(٥) الآية ٤١ سورة ق

(٦) الآية ١٧ سورة النساء

(٧) كذا ، والمطلع : ما يشرف عليه المحتضر من أمر الآخرة ، والتوبة عنده غير نافعة ، فالواجب أن يقال : قبل هول المطلع. وقد يكون الأصل : «لا عند هول المطلع» فيصح الكلام

(٨) الآية ٤٣ سورة النساء

(٩) الآية ٤٠ سورة النبأ

(١٠) الآية ٣١ سورة الرعد

٢٥٥

١٣ ـ بصيرة فى قرح وقرد وقرطس

قرح جلده ـ كعلم ـ وقرحه ـ كمنعه ـ قرحا وقرحا فهو مقروح وقريح ، وقوم قرحى. وقرّحه تقريحا فتقرّح. وقرّح الوشم : غرزه بالإبرة. وبه قرحة دامية ، وقرح وقروح ، وهو كلّ ما جرح الجلد من عضّ سلاح وغيره. قال تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ)(١) وقرئ (٢) بالضمّ. وقيل : القرح ـ بالضمّ ـ : الألم ، يقال : به قرح من قرح به ، أى ألم من جراحة. وأقرح أكل الورق شفتى. وقرح (٣) الفرس يقرح قروحا. وقرح نابه : طلع. وفرس قارح وخيل قرّح. وفرس أقرح : أغرّ ، وخيل قرح. وبوجهه قرحة وهى ما دون الغرّة. ولا ذباب إلّا وهو أقرح ؛ كما لا بعير إلّا وهو أعلم. وقرحت ركيّة واقترحتها : حفرتها فى مكان لم يحفر فيه. / وشربت قريحة البئر : أوّل ما استنبط منها. وقريحة السّحاب وقريحه : أوّل ما صاب (٤) منها ، قال (٥) :

قريحة أبكار من المزن جلّة

شغاميم لاحت فى ذراها البوارق

وماء قراح : لا يشوبه شىء. ورجل طوال قرحان : سالم من الجدرىّ والحصبة ونحوها ؛ وقوم قرحان ، وقرحانون. ونخلة قرواح : طويلة.

__________________

(١) الآية ١٤٠ سورة آل عمران

(٢) هى قراءة أبى بكر وحمزة والكسائى وخلف ووافقهم الأعمش

(٣) أى انتهت أسنانه. وذلك عند إكمال خمس سنين

(٤) فى الأصلين : «أضاء» وظاهر أنه تحريف عما أثبت. وقد اعتمدت فيه على الأساس. وصاب : نزل

(٥) أى مزاحم ، كما فى الأساس. والجلة : المسان من الابل ، والشغاميم : الطول الحسان. استعار للسحب أوصاف النوق

٢٥٦

وأرض قرواح : واسعة. وقرّح الشجر : خرجت رءوس ورقه. ولقيته مقارحة : مواجهة. وهو قرحة أصحابه : غرّتهم. واقترح الجمل : ركبه قبل أن يركب ، والأمر : ابتدعه ، وخطبة : ارتجلها. وهو حسن القريحة أى إذا ابتدع شعرا أو خطبة أجاد. وأخذت قريحة الشّىء : أوّله وباكورته القرد (م) (١) وجمعه قردة ، قال تعالى : (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ)(٢) أى جعل صورهم كصورها ، وقيل : بل جعل أخلاقهم كأخلاقها ، وإن لم يكن صورتهم كصورتها. والأوّل الوجه.

القراد (م) (٣) وجمعه : قردان. ويقال : فلان أذلّ من قرد وقراد ، وأسفل من القراد. وقرّده : خدعه. قال الأعشى (٤) :

هم السّمن بالسنّوت لا ألس فيهم

وهم يمنعون جارهم أن يقرّدا

ورجل قرود : ساكن. وأقرد : لصق بالأرض من ذلّ.

القرطاس : الكاغد الّذى يكتب فيه. ويقال فيه : الكاغد والكاغذ. قال تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ)(٥).

__________________

(١) أى معروف

(٢) الآية ٦٠ سورة المائدة

(٣) أى معروف. وهو دويبة تتعلق بالبعير ونحوه ، وهى كالقمل للانسان

(٤) فى اللسان (سنت) عزوه إلى الحصين بن القعقاع ، وقبله :

جزى الله عنى بختريا ورهطه

بنى عبد عمرو ما أعف وأمجدا

وفيه أن يعقوب فسر السنوت بالكمون. والألس : الخيانة

(٥) الآية ٧ سورة الأنعام

٢٥٧

١٤ ـ بصيرة فى قرض وقرع وقرف

القرض : ضرب من القطع ، قرضه يقرضه ، كضربه يضربه. وقرضه أيضا : جازاه كقارضه. وسمّى قطع المكان وتجاوزه قرضا ، كما سمّى قطعا ، قال تعالى : (وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ)(١) أى تجوزهم وتدعهم إلى أحد (٢) الجانبين. وأقرضه : قطع له قطعة من ماله بشرط أن يجازى عليها ، قال تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً)(٣). وما يدفع إلى أحد بشرط ردّ بدله يسمّى قرضا. وعليه قرض وقروض. واستقرضته فأقرضنى. واقترضت ، كما يقال : استلفت. وقارضته مقارضة وقراضا : أعطيته المال مضاربة (٤).

قرع الباب : دقّه. قال (٥) :

أخلق بذى الصّبر أن يحظى بحاجته

ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

وفى الحديث : «إنّ المصلّى ليقرع باب الملك ، وإنّ من يدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له». والقرعاء والقارعة : الداهية ، والشديدة من شدائد الدّهر ، قال الله تعالى : (تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ)(٦) أى داهية تفجؤهم

__________________

(١) الآية ١٧ سورة الكهف

(٢) الأولى «إلى جهة الشمال» ، والمراد شمال الكهف ، كما فى القرطبى ١٠ / ٣٦٩. وفى القاموس : «وتتركهم على شمالها» ، وهو كما ترى

(٣) الآية ٢٤٥ سورة البقرة ، والآية ١١ سورة الحديد

(٤) فسر القراض فى القاموس فقال : «وصورته أن يدفع إليه ما لا ليتجر فيه والربح بينهما على ما يشترطان»

(٥) أى محمد بن بشير. وهو من قطعة حماسية. وانظر شرح المرزوقى فى الحماسية ٤٣٦.

(٦) الآية ٣١ سورة الرعد

٢٥٨

يقال : قرعه أمر : إذا أتاه بشدّة. وقيل : قارعة أى سريّة من سرايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله تعالى : (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ)(١) يعنى القيامة تقرع بالأهوال. وفى الحديث : «من لم يغز ولم يجهّز غازيا أصابه الله بقارعة (٢)» أى بداهية تقرعه. وقوارع القرآن : هى الآيات التى من قرأها أمن من الشيطان والجن والإنس ، كأنها تقرع هؤلاء ، يقال : نعوذ بالله من قوارع فلان ولواذعه.

القرف ـ بالكسر ـ : القشر ، ومن الخبز : ما يقشر منه ويبقى فى التنّور ؛ ومن الأرض : ما يقتلع منها من (٣) البقول والعروق ؛ ومن الجرح : جلدته. واستعير الاقتراف للاكتساب حسنا كان أو سيّئا ، و [الاقتراف](٤) فى الإساءة أكثر استعمالا ، ولهذا قيل : الاعتراف يزيل الاقتراف. وقرفت فلانا بكذا : إذا عبته به أو اتّهمته ، وقد حمل على ذلك (٥) قوله تعالى : (وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ)(٦). وقارفه : قاربه

__________________

(١) صدر سورة القارعة

(٢) رواه أبو داود وابن ماجه ، كما فى الترغيب والترهيب فى كتاب الجهاد

(٣) فى القاموس : «مع» ، وما هنا عبارة العباب كما فى التاج

(٤) زيادة من الراغب.

(٥) أى على الاقتراف بمعنى الاساءة. والأولى ذكر هذا بعد قوله ، : «الاقتراف»

(٦) الآية ١١٣ سورة الأنعام

٢٥٩

١٥ ـ بصيرة فى قرن

القرن / : الرّوق (١) من الحيوان ، وموضعه من الإنسان ، وأعلى الجبل ، وناحية الشمس أو أعلاها أو أوّل شعاعها ، ومن القوم : سيّدهم ، ومن الكلأ : خيره أو أنفه الّذى لم يوطأ ، والقوم المقترنون (٢) فى زمن واحد ، وأربعون سنة أو عشرون أو ثلاثون أو ستّون أو سبعون أو ثمانون أو مائة وعشرون أو مائة سنة ، أقوال ، وأصحّها الأخير ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لغلام : عش قرنا ، فعاش مائة سنة.

وذو القرنين : إسكندر الرومىّ ؛ لأنّهم ضربوا رأسه حين دعا إلى الله تعالى ، أو لأنه بلغ قطرى الأرض ، أو لضفيرتين كانتا له ، قال تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ)(٣). وقول النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلىّ رضى الله عنه : «إنّ لك بيتا فى الجنة ـ ويروى : كنزا ـ وإنّك لذو قرنيها» أى ذو طرفيها ، أى ذو قرنى الأمّة ، فأضمر وإن لم يتقدّم لها ذكر ، أو ذو جبليها ، أى الحسن والحسين ، أو ذو شجّتين فى رأسه إحداهما من عمرو ابن ودّ ، والأخرى من ابن ملجم ، وهذا أصحّ. والقرن أيضا : أمّة بعد أمّة ، وقال تعالى : (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ)(٤).

وقرن بين الشيئين : جمع. وقرّن للتكثير ، قال تعالى : (وَآخَرِينَ

__________________

(١) هذا تفسير بالغريب. والقرن من الحيوان معروف

(٢) فى الأصلين : «المقرنون» ، وما أثبت عن الراغب

(٣) الآية ٨٣ سورة الكهف

(٤) الآية ٣٨ سورة الفرقان

٢٦٠