بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٧

السّادس : باعتبار القهر والغلبة ؛ نحو [قوله تعالى] : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) (١) ، ومنه قيل : فاق فلان قومه أي علاهم.

وما أقام عنده إلّا فواق ناقة ، وفيقة ناقة : أي قليلا ؛ وذلك أنّ النّاقة تحلب في اليوم خمس مرات أو ستّ مرّات ، فما اجتمع بين الحلبتين فهو فيقة.

وألفوه والفاه والفيه والفم سواء. والجمع : أفواه وأفمام ، ولا واحد لها (٢) ؛ لأنّ فما أصله فوه ، حذفت الهاء كما حذفت من سنة ، وبقيت الواو طرفا متحركة فوجب إبدالها ألفا لانفتاح ما قبلها ، فبقى (فا) ولا يكون الاسم على حرفين أحدهما التنوين (٣)، فأبدل مكانها حرف جلد مشاكل لها ، وهو الميم ؛ لأنهما شفهيّتان. وفي الميم هوىّ في الفم يضارع امتداد الواو. ويقال في تثنيته : فمان وفموان وفميان ، والأخيران نادران.

وألفوه ـ محركة ـ : سعة الفم. قال اللّه تعالى : (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) (٤).

والفوم ـ بالضمّ ـ : الثوم ، والحنطة ، والحمّص ، والخبز ، وسائر الحبوب التي تخبز.

__________________

(١) الآية ٦١ سورة الأنعام

(٢) أي الأفمام ، يريد أنه لا يقال : فم بتشديد الميم

(٣) أي بعد حذف الألف للتنوين لأنه مصروف. وفي التاج أن الواجب أن يقال : «أحدهما الألف»

(٤) الآية ٣٠ سورة التوبة

٢٢١

٢٩ ـ بصيرة في فهم وفيض وفيل وفيا

فهمه فهما ، وفهما ـ بالتحريك وهي أفصح ـ وفهامية : علمه. وقيل الفهم : هيئة للنّفس بها يتحقّق معاني ما يحسن. فهم فهو فهم. واستفهمني وفهّمته ، قال تعالى : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) (١) ، وذلك إمّا بأن جعل اللّه له من فضل قوّة الفهم ما أدرك به ذلك وإمّا بأن ألقى ذلك في روعه ، أو بأن أوحى إليه وخصّه به. وتفهّم الكلام : فهمه شيئا بعد شئ.

فاض الماء يفيض فيضا وفيوضا وفيوضا ـ بالكسر ـ وفيضوضة وفيضانا : سال في كثرة انصباب. وأفاض الماء على نفسه : أفرغه ، والناس من عرفات : دفعوا أو رجعوا وتفرّقوا ، وفي الحديث : «اندفعوا وفاضوا». قال تعالى : (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) (٢). والإناء : ملأه حتى فاض ، ومن المكان : أسرع منه إلى آخر. وقوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) (٣) ، أي اندفعتم منها بكثرة كاندفاع السيل وفيضان الماء.

والفيل : معروف والجمع أفيال ، وفيول ، وفيلة. والأنثى فيلة. وصاحبهما فيّال. واستفيل الجمل : صار كالفيل.

وتفيّل الشباب : زاد. وفال رأيه يفيل فيلولة : أخطأ وضعف.

والفىء والفيئة والفيوء : الرّجوع إلى حالة محمودة ، قال تعالى : (فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا) (٤). وسمّى الفىء فيئا لرجوعه من جانب إلى جانب.

__________________

(١) الآية ٧٩ سورة الأنبياء

(٢) الآية ٨ سورة الأحقاف

(٣) الآية ١٩٨ سورة البقرة

(٤) الآية ٩ سورة الحجرات

٢٢٢

قال ابن السكّيت : الفىء : ما نسخ الشمس ، والظلّ : ما نسخته الشمس.

والفئة : الطّائفة. والهاء عوض من الياء الّتى سقطت من وسطها ، وأصلها فىء مثال فيع ، ويجمع على فئين وفئات.

وأفأته : رجعته ، قال تعالى : (ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) (١) يعنى من مال الكفّار.

والفىء الغنيمة ، والخراج. سمّى بذلك تشبيها بالفىء الذي هو الظلّ ، تنبيها بأن أشرف أعراض الدنيا يجرى مجرى ظلّ زائل. واللّه أعلم

__________________

(١) الآية ٧ سورة الحشر

٢٢٣

الباب الثّانى والعشرون

في الكلم المفتتحة بحرف القاف /

وهي : القاف ، وقبح ، وقبر ، وقبس ، وقبص وقبض ، وقبل ، وقتر ، وقتل ، وقحم ، وقدّ ، وقدر ، وقدس ، وقدم ، وقذف ، وقرّ وقرب ، وقرح ، وقرد ، وقرطس ، وقرض ، وقرع ، وقرف ، وقرن ، وقرأ ، وقرى ، وقس ، وقسر ، وقسط ، وقسم ، وقسو ، وقشعر ، وقص وقصد ، وقصر ، وقصف ، وقصم ، وقصو ، وقضب ، وقضى ، وقط ، وقطر ، وقطع ، وقطف ، وقطمر ، وقعد ، وقعر ، وقفل ، وقفو ، وقلب ، وقلد ، وقل ، وقلم ، وقلى ، وقمح ، وقمر ، وقمص ، وقمطر ، وقمع ، وقمل ، وقنت ، وقنط ، وقنع ، وقنو ، وقنى ، وقوب ، وقوت ، وقوس ، وقول ، وقوم ، وقوى ، وقهر ، وقيل ، وقيع.

٢٢٤

١ ـ بصيرة في القاف

وإنه وارد على تسعة أوجه :

١ ـ حرف هجاء لهوىّ مخرجه من اللهاة قرب مخرج الكاف. والنسبة قافىّ. والفعل منه : قوّفت قافا حسنا وحسنة. والجمع : أقواف وقافات.

٢ ـ اسم لعدد المائة في حساب الجمّل.

٣ ـ القاف الأصلىّ في الكلم ، كما في : قول ، وقلو ، ولوق.

٤ ـ قاف الاتباع والمزاوجة : هو ابن عمّى لحّا قحّا ، أي خالصا.

٥ ـ القاف المبدلة من الكاف : أعرابىّ قحّ وكحّ ، أي محض خالص. (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) (١) ، و (لا تكهر) قرأ بها ابن مسعود رضى اللّه عنه.

٦ ـ قاف العجز والضرورة ، كقول العرب : قال في كال. والترك يقولون في خادم : قادم.

٧ ـ القاف المكرّرة : نحو : حقّ ، وحقوق.

٨ ـ القاف الكافية الّتى يختصر (٢) عليها من الكلمة : نحو : (ق وَالْقُرْآنِ) و (حم عسق) قال الشاعر :

قلت لها قفى فقالت لي قاف (٣) أي وقفت

٩ ـ قاف : اسم جبل محيط بالعالم.

١٠ ـ القاف اللغوىّ : معناه في اللغة : الرجل المصلح بين القوم. قال أبو النّجم :

مهذّب الخلقة أريحىّ

قاف بسيط الكفّ عبقرىّ

__________________

(١) الآية ٩ سورة الضحى

(٢) الأولى : يقتصر

(٣) من رجز ينسب للوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو يحدو ، يخاطب ناقته. وانظر الخصائص ١ / ٣٠

٢٢٥

٢ ـ بصيرة في قبح وقبر وقبس

ما ينبو عنه البصر من الأعيان يقال فيه : قبيح ، وكذا ما تنبو عنه النّفس من الأفعال والأحوال. وهذا قبيح مستقبح. وأحسنت وأقبح أخوك : جاء بفعل قبيح. وقبّحت عليه فعله. وقبحه اللّه : أبعده. وفلان مقبوح : منحّى عن الخير. قال تعالى : (هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) (١) أي المعلمين بعلامة قبيحة ، وذلك إشارة إلى ما وصف اللّه تعالى به الكفّار من المذامّ ، ومن سواد الوجه وزرقة العيون ، وسحبهم في الأغلال ونحو ذلك.

القبر : منزل الميت. ونقلوا من القصور إلى القبور ، ومن المنابر إلى المقابر. والمقبرة والمقبرة : مجتمع القبور. قال (٢) :

لكلّ أناس مقبر بفنائهم

فهم ينقصون والقبور تزيد

وقبره : جعله في القبر. وأقبره : جعل له مكانا يقبر فيه ، قال تعالى : (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) (٣) ، وقيل : معناه : ألهم كيف يدفن. وقوله تعالى : (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) (٤) كناية عن الموت. وقوله : (إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) (٥) إشارة إلى حال البعث ، وقيل : إشارة إلى حين كشف السرائر ، فإنّ أحوال النّاس في الدنيا مستورة كأنها مقبورة ، وقيل معناه : إذا زالت الجهالة

__________________

(١) الآية ٤٢ سورة القصص

(٢) أي عبد اللّه بن ثعلبة الحنفي. وقبله ـ كما في التاج :

أزور وأعتاد القبور ولا أرى

سوى رمس أعجاز عليه ركود

(٣) الآية ٢١ سورة عبس

(٤) الآية ٢ سورة التكاثر

(٥) الآية ٩ سورة العاديات

٢٢٦

بالموت. وكأنّ الكافر والجاهل ما دام في الدنيا مقبور ، فإذا مات فقد نشر من قبره وأخرج / من جهالته ، وذلك معنى الأثر : «النّاس نيام فإذا ماتوا انتبهوا». واللّه تعالى أشار إلى هذا بقوله : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (١).

خذ قبسا من النّار ومقبسا ومقباسا ، واقبس لي نارا. ومنه : وما أنت إلا كالقابس العجلان ، أي كالمقتبس.

وقبسته ، نارا وعلما وأقبسته ، كقولك : بغيته وأبغيته. وما أنا إلّا قبسة من نارك ، وقبضة من آثارك. قال تعالى : (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) (٢).

وحمّى قبس لا حمّى عرض ، أي اقتبسها من غيره ولم تعرض له من تلقاء نفسه.

__________________

(١) الآية ٢٢ سورة فاطر.

(٢) الآية ١٣ سورة الحديد.

٢٢٧

٣ ـ بصيرة في قبص وقبض

القبص والتقبيص : التناول بأطراف الأصابع. وذلك المتناول قبصة وقبصة وقبيصة. وقرئ في الشاذّ : (فقبصت قبصة من أثر الرسول) (١).

والقبض : التناول باليد ، والسوق الشديد. والمتناول قبضة وقبضة ، قال تعالى : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) (٢). يقال : قبضت من أثره قبضة وقبضا ، واقتبضت. قال أبو الجهم الجعفري (٣) :

قالت له واقتبضت من أثره

يا ربّ صاحب شيخنا في سفره

قيل له : كيف اقتبضت من أثره؟ قال : أخذت قبضة من أثره في الأرض فقبّلتها. وعن مجاهد في قوله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) (٤) يعنى القبض الّتى تعطى عند الحصاد. وقوله تعالى : (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) (٥) أي يمتنعون عن العطاء والإنفاق.

ويستعار القبض للتصرّف في شئ وإن لم يكن [فيه] (٦) مراعاة (٧) اليد والكف ، نحو : قبضت الدار والأرض أي حزتها. وقوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٨) أي في حوزه حيث لا تملّك لأحد. وقوله تعالى : (والله يقبض ويبسط) (٩) أي يسلب ناسا ويعطى آخرين ، أو يجمع مرّة ويفرّق مرّة ، أو يميت ويحيى.

__________________

(١) الآية ٩٦ سورة طه. قرأ (قَبْضَةً) بفتح القاف ابن الزبير وأبو العالية وأبو رجاء وقتادة ونصر بن عاصم. وقرأ بضم القاف الحسن البصري كما في التاج

(٢) في الأساس : «الجعدي»

(٣) الآية ١٤١ سورة الأنعام وقد جاء قول مجاهد في الأساس في قبص

(٤) الآية ٦٧ سورة التوبة

(٥) زيادة من الراغب

(٦) في ب : «ملاحظة»

(٧) الآية ٦٧ سورة الزمر

(٨) الآية ٢٤٥ سورة البقرة

٢٢٨

وقد يكنى بالقبض عن الموت فيقال : قبضه اللّه. [وقوله (١) تعالى : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) (٢) إشارة إلى نسخ ظل الشمس]. أخبر اللّه تعالى في هذه الآية أنه بسط الظلّ ومدّه وجعله متحرّكا تبعا لحركة الشمس ، ولو شاء لجعله ساكنا لا يتحرّك ، إمّا بسكون المظهر له والدّليل عليه ، وإمّا بسبب آخر. ثم أخبر أنه قبضه بعد بسطه قبضا يسيرا ، وهو (٣) شيء بعد شيء ، لم يقبضه جملة. فهذا من أعظم آياته الدالّة على كمال قدرته وحكمته. فندب سبحانه إلى رؤية صنعه وقدرته وحكمته في هذا الفرد من مخلوقاته ، ولو شاء لجعله لاصقا بأصل ما هو ظلّ له من جبل وبناء وحجر وغيره فلم ينتفع به أحد ، فإن كمال الانتفاع به تابع لمدّه وبسطه وتحوّله من مكان إلى مكان. وفي مدّه وبسطه ثمّ قبضه شيئا فشيئا من المصالح والمنافع ما لا يخفى ولا يحصى ، فلو كان ساكنا دائما أو قبض دفعة واحدة لتعطّلت مرافق العالم ومصالحه. وفي دلالة الشمس على الظّلال ما تعرف به أوقات الصّلوات ، وما مضى من اليوم وما بقي منه ، وفي تحرّكه وانتقاله ما (٤) يبرد ما أصابه حرّ الشمس ، وينتفع الحيوان والشجر والنّبات. فهو من آيات اللّه الدّالّة عليه.

وفي الآية وجه آخر. وهو أنه سبحانه مدّ الظل حين بنا السّماء كالقبّة المضروبة ، ودحا الأرض عنها ، فألقت القبّة ظلها عليها ، فلو شاء سبحانه لجعله ساكنا مستقرا في تلك الحال ، ثم خلق الجبال ونصبها دليلا على ذلك

__________________

(١) ما بين القوسين في الأصلين كتب بعد (حيث لا تملك لأحد) وهو قطع لما يجب وصله من الكلام ، ولذلك وضعته في موضعه اللائق به

(٢) الآية ٤٦ سورة الفرقان

(٣) في الأصلين : «هو»

(٤) في الأصلين : «بما»

٢٢٩

الظل ، فهو يتبعها في حركتها ، يزيد وينقص ، ويمتدّ ويقلص ، فهو تابع لها تبعيّة المدلول / لدليله.

وفيه وجه آخر ، وهو أن يكون المراد قبضه عند قيام السّاعة بقبض أسبابه ، وهي الأجرام الّتى تلقى الظّلال ، فيكون قد ذكر إعدامه بإعدام أسبابه ؛ كما ذكر إنشاءه بإنشاء أسبابه. وقوله : (قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) كأنه يشعر بذلك. وقوله : (قَبْضاً يَسِيراً) يشبه قوله : (ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) (١) ، وقوله بصيغة الماضي لا ينافي ذلك كقوله : (أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) (٢).

والوجه في الآية هو الأوّل. وهذان الوجهان إن أراد من ذكرهما دلالة الآية عليهما إشارة وإيماء فقريب ، وإن أراد أن ذلك هو المراد من لفظها فبعيد ؛ لأنّه سبحانه جعل (٣) ذلك آية ودلالة عليه للناظر فيه كما في سائر آياته التي تدعو عباده إلى النّظر فيها ، فلا بدّ أن يكون ذلك أمرا مشهودا تقوم به الدّلالة ، ويحصل به المقصود.

قال المحقّقون من السّالكين : القبض نوعان : قبض في الأحوال ، وقبض في الحقائق. فالقبض في الأحوال : أمر يطرق القلب ويمنعه عن الانبساط والفرح ، وهو نوعان أيضا : أحدهما : ما يعرف سببه كتذكر ذنب ، أو تفريط ، أو بعد ، أو جفوة ، أو حدوث ذلك. والثاني : ما لا يعرف سببه بل يهجم على القلب هجوما لا يقدر على التخلّص منه ، وهذا هو القبض المشار إليه بألسنة القوم ، وضدّه البسط.

__________________

(١) الآية ٤٤ سورة ق

(٢) أول سورة النحل

(٣) في الأصلين : «عقل» وظاهر أنه محرف عما أثبت

٢٣٠

فالقبض والبسط عندهم حالتان للقلب لا يكاد ينفكّ عنهما. قال أبو القاسم الجنيد : في معنى القبض والبسط معنى الخوف والرّجاء ، فالرّجاء يبسط إلى الطّاعة ، والقبض والخوف يقبض عن المعصية.

وكلّهم تكلّم في القبض والبسط حتّى جعلوه أقساما : قبض تأديب ، وقبض تهذيب ، وقبض جمع ، وقبض تفريق. ولهذا يمتنع به صاحبه إذا تمكّن منه من الأكل والشرب والكلام ، ويقل الانبساط إلى الأهل وغيرهم.

فقبض التأديب يكون عقوبة على غفلة أو خلطاء سوء ، أو فكرة رديئة.

وقبض التهذيب يكون إعدادا لبسط عظيم يأتي بعده. فيكون القبض قبله كالتنبيه عليه والمقدّمة له ، كما كان الغتّ والغطّ (١) بين يدي الوحي إعدادا لوروده. وهكذا الخوف الشديد مقدّمة بين يدي الأمن. فقد جرت سنّة اللّه ـ سبحانه ـ أن هذه الأمور النافعة المحبوبة يدخل إليها من أبواب أضدادها.

وأمّا قبض الجمع فهو ما يحصل للقلب حالة جمعيّته على اللّه من انقباضه عن العالم وما فيه ، فلا يبقى فيه فضل ولا سعة لغير من اجتمع عليه قلبه. وفي هذه من أراد من صاحبه ما يعهده منه من المؤانسة والمذاكرة فقد ظلمه.

وأمّا قبض التفرقة فهو القبض الذي يحصل لمن تفرّق قلبه عن اللّه وتشتّت في الشّعاب والأودية. فأقلّ عقوبته ما يجده من القبض الذي ينتهى معه الموت.

وثمّ قبض آخر خصّ اللّه به صيّابته أي خواصّ عباده. وهم ثلاث فرق :

__________________

(١) الغت والغط : العصر الشديد والكبس. وورد في حديث الوحي : «فأخذني جبريل فغتنى» وفي رواية : «فغطني» أي عصرنى عصرا شديدا حتى وجدت منه المشقة. وانظر النهاية

٢٣١

فرقة قبضهم إليه قبض التّوفى أو قبض التوقّى ـ من الوقاية ـ أي سترهم عن أعين النّاس وقاية لهم وصيانة عن ملابستهم ، فغيّبهم عن أعينهم. وهؤلاء أهل الانقطاع والعزلة عن الناس وقت فساد الزمان. ولعلّهم الذين قال [فيهم] النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : «يوشك (١) أن يكون خير مال المسلم غنما يتّبع بها شعف الجبال ومواقع القطر» ، وقوله : «ورجل معتزل في شعب من الشّعاب يعبد ربّه ، ويدع النّاس من شرّه (٢)». وهذه الحال تحمد في بعض الأماكن والأوقات دون بعضها ، وإلّا فالمؤمن الذي يخالط النّاس ويصبر على أذاهم أفضل من هؤلاء.

وفرقة أخرى مستورون في لباس التلبيس ، مخالطون للناس ، والنّاس يرون ظواهرهم وقد ستر اللّه سبحانه حقائقهم وأحوالهم عن رؤية الخلق لها ، فحالهم ملتبس على النّاس. فإذا رأوا منهم ما يرون من أبناء الدنيا ـ من الأكل والشرب واللباس والنكاح وطلاقة الوجه وحسن المعاشرة ـ قالوا : هؤلاء منّا أبناء الدنيا ، وإذا رأوا ذلك الجدّ (٣) والهمّ والصبر والصدق وحلاوة المعرفة والإيمان والذكر ، وشاهدوا أمورا ليست في أبناء الدنيا ، قالوا : هؤلاء أبناء الآخرة ، فالتبس حالهم عليهم فهم مستورون عنهم. فهؤلاء هم الصادقون ، هم مع النّاس ، والنّاس لا يعرفونهم ولا يرفعون (٤) بهم رأسا ، وهم من سادات أولياء اللّه. وهذه الفرقة بينها وبين

__________________

(١) هذا الحديث رواه البخاري في كتاب الفتن

(٢) الحديث بتمامه كما في تيسير الوصول في ترجمة «الجهاد». قيل يا رسول اللّه أي الناس أفضل؟ قال مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل اللّه. قيل : ثم من؟ قال : رجل في شعب من الشعاب يتقى اللّه ويدع الناس من شره.

(٣) العبارة في الأصلين غير ظاهرة في الرسم. والأقرب ما أثبت

(٤) في الأصلين : «يعرفون»

٢٣٢

الفرقة الأولى من الفضل ما لا يعلمه إلا اللّه. فهم بين النّاس بأبدانهم ، ومع الرفيق الأعلى بقلوبهم ، فإذا قبضوا انتقلت أرواحهم إلى تلك الحضرة ؛ فإن المرء مع من أحبّ. وما أحسن قول القائل :

ووراء هاتيك الستور محجّب

بالحسن كلّ العزّ تحت لوائه

لو أبصرت عيناك بعض جماله

لبذلت منك الروح في إرضائه

ما طابت الدنيا بغير حديثه

كلّا ولا الأخرى بدون لقائه

يا خاسرا هانت عليه نفسه

إذ باعها بالغبن من أعدائه

لو كنت تعلم قدر ما قد بعته

لفسخت ذاك البيع قبل وفائه

أو كنت كفؤا للرشاد وللهدى

أبصرت لكن لست من أكفائه

وفرقة ثالثة قبضهم إليه فصافاهم مصافاة ستر وفيض ومدد عليهم وهذه الفرقة أعلى من الفرقتين المتقدّمتين ، لأن الحق سبحانه قد سترهم عن نفوسهم ، وشغلهم به عنهم ، فهم في أعلى الأحوال والمقامات ، ولا التفات لهم إليها. فهؤلاء قلوبهم معه سبحانه لا مع سواه ، بل هم مع السّوى بالمجاورة والامتحان ، لا بالمساكنة والألفة ، وقد سترهم وليّهم وحبيبهم عنهم ، وأخذهم إليه منهم. واللّه أعلم.

٢٣٣

٤ ـ بصيرة في قبل

قبل : نقيض بعد ، يقال : أتيتك من قبل ، وأتيتك قبل ، وقبل بالتنوين (١) ، وقبل بالفتح ، وقبلا منوّنة.

والقبل ـ بضمّتين ـ : نقيض الدبر. ويكنى بهما عن السوءتين ، ومن الجبل : سفحه ، ومن الزمان : أوله. وإذا أقبل قبلك ـ بالضمّ ـ أي أقصد قصدك.

وقبل يستعمل على أوجه :

الأول : في المكان بحسب الإضافة ؛ كقول الخارج من اليمن إلى بيت المقدس : مكّة قبل المدينة ، ويقول الخارج من القدس إلى اليمن : المدينة قبل مكّة.

الثاني : في الزمان : زمان معاوية قبل زمان عمر بن عبد العزيز.

الثالث : في المنزلة ، نحو : فلان عند السلطان قبل فلان.

الرابع : في الترتيب الصناعىّ ، نحو : تعلّم الهجاء قبل تعلّم الخطّ.

والقبل والإقبال والاستقبال : التّوجّه. والقابل : الذي يستقبل الدلو من البئر فيأخذها. والقابلة : الّتى تأخذ الولد عند الولادة.

وقبل توبته يقبلها قبولا وتقبّلها ، قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) (٢) وقال : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ) (٣).

__________________

(١) في التاج أن هذا غريب لا يعرف.

(٢) الآية ٢٥ سورة الشورى.

(٣) الآية ٣ سورة غافر.

٢٣٤

والتقبّل : قبول الشئ على وجه يقتضى ثوابا كالهديّة. وقوله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)(١) تنبيه أنه ليس كل عبادة متقبّلة. بل إذا كانت (٢) على وجه مخصوص. وقوله تعالى : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) (٣) ، قيل : معناه : قبلها ، وقيل : تكفّل بها. وإنما قال : (فَتَقَبَّلَهابِقَبُولٍ) ولم يقل (بتقبّل) للجمع بين الأمرين : التقبّل الذي هو الترقّي في القبول ، والقبول الذي يقتضى الرضا والإثابة. وقيل : القبول هو من قولهم : فلان عليه قبول ، أي من رآه أحبّه.

وقوله : (وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا) (٤) قيل : هو جمع قابل ، ومعناه : مقابل لحواسّهم. قال مجاهد : جماعة جماعة فيكون جمع قبيل ، وكذلك قوله تعالى : (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا) (٥). ومن (٦) قرأ (قِبلا) بكسر القاف فمعناه عيانا ، وكذا قوله تعالى :(وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا) (٧) أي عيانا ، (وقُبُلًا) أي جماعة جماعة.

والقبيل : جمع قبيلة ، وهي الجماعة المجتمعة التي تقبل بعضها على بعض ، قال تعالى : (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ) (٨) ، مأخوذ من قبائل الرأس وهي القطع المشعوب بعضها إلى بعض. قيل ترتيب صنوف الأحياء على ترتيب الأعضاء. فأوّلها القبيلة من قبائل الرأس ، ثم الشّعب ، ثم

__________________

(١) الآية ٢٧ سورة المائدة

(٢) في الأصلين : «كان» وما أثبت من التاج

(٣) الآية ٣٧ سورة آل عمران

(٤) الآية ١١١ سورة الأنعام

(٥) الآية ٥٥ سورة الكهف

(٦) هم غير عاصم وحمزة الكسائي وأبى جعفر وخلف كما في الاتحاف

(٧) قرأ (قِبَلا) بكسر القاف وفتح الباء نافع وابن عامر وأبو جعفر كما في الاتحاف

(٨) الآية ١٣ سورة الحجرات

٢٣٥

العمارة هى الصدر ، ثم البطن ، ثم الفخذ ، ثم الفصيلة ، وهى الساق. وأعظمها الحىّ لأنه يجمع الجميع.

وقوله : (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً)(١) أى جماعة جماعة. وقيل : معناه كفيلا من قولهم : قبلت فلانا وتقبّلت به أى تكفّلت. وقيل : مقابلة ، أى معاينة. والمقابلة والتقابل أن يقبل بعضهم على بعض إمّا بالذات وإمّا بالعناية والمودّة ، قال تعالى : (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ)(٢).

ولى قبل فلان حقّ كقولك عنده ، قال تعالى : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ)(٣). ويستعار ذلك للقوّة والقدرة ، فيقال : لا قبل لى بكذا ، أى لا يمكنى أن أقابله ، قال تعالى : (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ)(٤) ، وقوله : (بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها)(٥) أى لا طاقة لهم على استقبالها ودفاعها.

والقبلة فى الأصل : الحالة التى عليها المقابل ، نحو الجلسة والقعدة ، وفى التعارف صارا اسما للمكان المقابل المتوجّه إليه للصلاة. وقوله تعالى : (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)(٦) أى متقابلة (٧). وقوله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ)(٨) ، أى نحوه.

__________________

(١) الآية ٩٢ سورة الاسراء

(٢) الآية ١٦ سورة الواقعة

(٣) الآية ٣٦ سورة المعارج

(٤) الآية ٩ سورة الحاقة. وقد قرأ (قِبَله) بكسر القاف وفتح الباء أبو عمرو والكسائى ويعقوب كما فى الاتحاف أى عنده ، وكان الأولى تقديم هذه الآية على قوله : «ويستعار ..»

(٥) الآية ٣٧ سورة النمل

(٦) الآية ٨٧ سورة يونس

(٧) فى الأصلين : «مقابلة» وما أثبت من القاموس.

(٨) الآية ١٧٧ سورة البقرة

٢٣٦

٥ ـ بصيرة فى قتر

قتر على أهله يقتر ويقتر ، وأقتر وقتّر ، أى ضيّق عليهم وقلّل ، قال تعالى : (لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا)(١) ، وقرئ : (ولم يقتِروا) (٢).

واقتتر الصائد وتقتّر للصيد : اختفى فى القترة ليختله ، وهى ناموس الصائد الحافظ لقتار الإنسان أى ريحه.

ورجل مقتّر وقتور. وقوله : (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً)(٣) تنبيه على ما جبل عليه الإنسان من البخل.

ورجل مقتر ـ كمحسن ـ : مقلّ ، قال تعالى : (وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)(٤). وبوجهه قتر وقترة ، وهو ما يغشاه من غبرة الكذب والموت. قال تعالى : (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ)(٥). وكأن المقتر والمقتّر هو الذى يتناول من الشىء قتاره. ورجل قاتر : ضعيف.

وابن قترة : حيّة لا تطنى (٦). وأبو قترة كنية إبليس. وقترة البستان : خرقه الذى يدخل الماء منه ، ومن الباب : مكان الغلق. وهم فى قترة من العيش : ضيق.

وتقتّر له : تلطّف ، وللرمى : تهيّأ.

__________________

(١) الآية ٦٧ سورة الفرقان

(٢) فى الاتحاف أن نافعا وابن عامر وأبا جعفر قرءوا (يُقتروا) بضم الياء وكسر التاء ، وأن ابن كثير وأبا عمرو ويعقوب قرءوا (يَقتِروا) بفتح الياء وكسر التاء

(٣) الآية ١٠٠ سورة الاسراء

(٤) الآية ٢٣٦ سورة البقرة

(٥) الآية ٤١ سورة عبس

(٦) حية لا تطنى : لا يبرأ لديغها

٢٣٧

٦ ـ بصيرة فى قتل

قتله يقتله قتلا وتقتالا : أزال روحه عن جسده. وقتّل الرّجال وقاتلهم وتقاتلوا واقتتلوا. وأقتله : عرّضه للقتل ، كما قال مالك بن نويرة لامرأته الحسناء حين رآها خالد بن الوليد : أقتلتنى يا امرأة ، أى سيقتلنى من أجلك.

وقوله تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ)(١) دعاء عليهم ، و [هو] من الله إيجاد لذلك. وقيل : معناه لعن الخرّاصون وطردوا / وكذا قوله تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ)(٢) ، و (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ)(٣) ، كلّ ذلك بمعنى اللّعن والطّرد. ويقال : قتل الشىء خبرا أى علمه وتحقّقه ، ومنه قوله تعالى : (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً)(٤) أى ما علموه ولا حقّقوه. وقوله تعالى : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ)(٥) أى جفاه ، و (قطعه فقتله) (٦) وقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)(٧) أى ليقتل بعضكم بعضا. وقال تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ)(٨).

وقوله : (قاتَلَهُمُ اللهُ)(٩) أى لعنهم الله. وقيل معناه : قتلهم الله. والصّحيح الأوّل (١٠) ، والمعنى صار يتصدّى لمحاربة الله ، فإنّ من قاتل الله

__________________

(١) الآية ١٠ سورة الذاريات

(٢) الآية ١٧ سورة عبس

(٣) الآية ٤ سورة البروج

(٤) الآية ١٥٧ سورة النساء

(٥) الآية ٣٠ سورة المائدة

(٦) فى الأصلين : «قطيعته مقتله» والظاهر ما أثبت

(٧) الآية ٥٤ سورة البقرة

(٨) الآية ٩٣ سورة النساء

(٩) الآية ٣٠ سورة التوبة والآية ٤ سورة المنافقين

(١٠) تصرف المؤلف فى كلام الراغب على غير ما يريد. فان الراغب بعد أن أورد القولين قال : «والصحيح أن ذلك هو المفاعلة والمعنى : صار بحيث يتصدى لمحاربة الله ...» فهو لا يرضى عن القولين المبنيين على أن المفاعلة على غير بابها ، ويرى أن المفاعلة مرادة وأن القتل من جانب العصاة هو أنهم بعصيانهم صاروا كمن يتصدى للمحاربة.

٢٣٨

مقتول. وقال تعالى : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ)(١) ، (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ)(٢) ، وقال : (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ)(٣) ، وقال : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ)(٤) ، (اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا)(٥) ، (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ)(٦) ، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى)(٧) ، (حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ)(٨) : اقتلع رأسه بيده. (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ)(٩) ، (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)(١٠) ، (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)(١١)(وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)(١٢) ، (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ)(١٣) ، (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ)(١٤) ، (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً)(١٥) ، (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ)(١٦) إلى قوله (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) ، وقال : (وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا)(١٧)

والاقتتال كالقتال. قال الله تعالى (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا)(١٨) أى قاتلوا (١٩).

__________________

(١) الآية ٩١ سورة البقرة

(٢) الآية ١٨١ سورة آل عمران

(٣) الآية ٢٥١ سورة البقرة

(٤) الآية ١٩ سورة القصص

(٥) الآية ٢٥ سورة غافر

(٦) الآية ٢٠ سورة القصص

(٧) الآية ١٧٨ سورة البقرة

(٨) الآية ٧٤ سورة الكهف

(٩) الآية ١٩١ سورة البقرة

(١٠) الآية ٩٢ سورة النساء

(١١) الآية ١٩١ سورة البقرة

(١٢) الآية ٩ سورة التكوير

(١٣) الآية ٩٥ سورة المائدة

(١٤) الآية ١٥٤ سورة البقرة

(١٥) الآية ١٦٩ سورة آل عمران

(١٦) الآية ١١١ سورة التوبة

(١٧) الآية ١٩٥ سورة آل عمران

(١٨) الآية ٩ سورة الحجرات

(١٩) الأولى : تقاتلوا

٢٣٩

٧ ـ بصيرة فى قد

القدّ : الشق طولا. قددت السّير وغيره أقدّه قدّا ، قال الله تعالى : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ)(١) ، ومنه حديث على رضى الله عنه : إذا تطاول قدّ (٢) ، وإذا تقاصر قطّ. والقدّ : المقدود ، ومنه قيل لقامة الإنسان : قدّه كقولك : تقطيعه. والقدّ ـ بالكسر ـ : النعل لم تجرّد من الشعر ، والسّير يقدّ من جلد مدبوغ ، ومنه الحديث : «ولقاب قوس أحدكم من الجنّة أو موضع قدّه خير من الدّنيا وما فيها (٣)» ، أراد بالقدّ السّوط لأنه يتّخذ من القدّ.

والقدّة : الطّريقة ، والفرقة من الناس إذا كان هوى كلّ واحد على حدة ، قال الله تعالى : (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً)(٤) ، أى فرقا مختلفة أهواؤها. ومعنى (قِدَداً) : متفرقين يعنى فى اختلاف الأهواء.

وقد ـ مخفّفة ـ : حرف لا يدخل إلا على الأفعال ، وهو جواب لقولك : لمّا يفعل. وزعم الخليل أن هذا لمن ينتظر الخبر ، يقول : قد مات فلان ، ولو أخبره وهو لا ينتظره لم يقل : قد مات ، ولكن يقول : مات فلان. وقد يكون بمعنى ربّما ، قال (٥).

__________________

(١) الآية ٢٦ سورة يوسف

(٢) ورد الخبر فى اللسان (قطط): «علا» وفسره : علا قرنه : قده بنصفين طولا كما يقد السير» وقوله : «تقاصر» فى اللسان أيضا : «توسط» وفسره : «إذا أصاب وسطه قطعه عرضا نصفين»

(٣) قاب القوس : مقدارها

(٤) الآية ١١ سورة الجن

(٥) أى عبيد بن الأبرص كما فى اللسان نقلا عن ابن برى

٢٤٠