بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٧

١٧ ـ بصيرة فى فعل

الفعل : كناية عن كلّ عمل متعدّ أو غيره. فعل يفعل بفتحهما. والفعال بالفتح اسم الفعل الحسن ، وقيل : يكون فى الخير والشرّ ، وهو الصّحيح. وهو مخلّص لفاعل واحد ، فإذا كان من فاعلين فهو فعال بالكسر. وهو أيضا جمع فعل. والفعّال والفعول : كثير الفعل ، قال :

إذا سيّد منّا خلا قام سيّد

قئول لما قال الكرام فعول

وقال تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ)(١) ، وقال : (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ)(٢) ، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ)(٣) ، (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ)(٤) ، (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ)(٥) ، (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ)(٦) ، (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ)(٧).

لمّا قال نمرود حين كسر إبراهيم أصنامهم : (مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا)(٨) أحال إبراهيم تهكّما وسخرية على كبيرهم وقال : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ)(٩). ولمّا قال فرعون لموسى مهددا : (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ)(١٠) أجابه بأن ذلك مرسوم صحبة الظلمة من أتباعك ، وقال : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ

__________________

(١) الآية ١٠٧ سورة هود ، والآية ١٦ سورة البروج

(٢) الآية ١٨ سورة الحج

(٣) أول سورة الفيل

(٤) الآية ٦ سورة الفجر

(٥) الآية ٥٠ سورة النحل

(٦) الآية ٦ سورة التحريم

(٧) الآية ١٠٤ سورة الأنبياء

(٨) الآية ٥٩ سورة الأنبياء

(٩) الآية ٦٣ سورة الأنبياء

(١٠) الآية ١٩ سورة الشعراء

٢٠١

الضَّالِّينَ)(١). وقال تعالى فى حديث ذبح البقرة : (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ)(٢) وقرب أن يتحكّم عليهم اللجاج : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ)(٣). ولمّا قال النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ)(٤) أجيب بقوله تعالى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ)(٥) ، ويفعل بالأعداء كما فعل بأشياعهم من قبل : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)(٦) ، (إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ)(٧) وعرّف عباده بأنّ سبب الفلاح إنّما هو فعل الخير وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٨). وقوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)(٩) أى ، إن لم تبلّغ هذا الأمر فأنت فى حكم من لم يبلّغ شيئا.

والفعل عامّ لما كان بإجادة أو غيرها ، ولما كان بعلم أو بغيره ، وبقصد أو بغيره ، ولما كان من إنسان أو حيوان أو جماد. والعمل والصنع أخصّ منه. ويقال للذى من جهة الفاعل : مفعول ومنفعل. وفصّل بعضهم فقال : المفعول إذا اعتبر بفعل الفاعل ، والمنفعل إذا اعتبر قبول الفعل فى نفسه ، فالمفعول أعمّ من المنفعل / لأنّ المنفعل يقال لما لا يقصد الفاعل إلى إيجاده وإن تولّد منه ، كالطرب الحاصل من الغناء ، وتحرك العاشق لرؤية معشوقه.

__________________

(١) الآية ٢٠ سورة الشعراء

(٢) الآية ٦٨ سورة البقرة

(٣) الآية ٧١ سورة البقرة

(٤) الآية ٩ سورة الأحقاف

(٥) الآية ٢ سورة الفتح

(٦) الآية ٢٣١ سورة البقرة

(٧) الآية ١٨ سورة المرسلات

(٨) الآية ٧٧ سورة الحج

(٩) الآية ٦٧ سورة المائدة

٢٠٢

١٨ ـ بصيرة فى فقد

الفاء والقاف والدّال تدلّ على ذهاب شىء وضياعه. وقد فقدت الشىء أفقده فقدا وفقدانا ـ بالكسر ـ وفقدانا ـ بالضمّ ـ وفقودا ، وهذه عن ابن دريد. قال عنترة بن شدّاد العبسىّ يذكر رميه جريّة العمرىّ.

فإن يبرأ فلم أنفث عليه

وإن يفقد فحقّ له الفقود (١)

وتفقّدته ، أى طلبته عند غيبته ، قال الله تعالى : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ)(٢).

قال أبو الدّرداء : من يتفقّد يفقد ، اقرض من عرضك ليوم فقرك ، أى من يتفقّد أحوال النّاس ويتعرفها عدم الرّضا ، فإن ثلبك أحد فلا تشتغل بمعارضته ، ودع ذلك قرضا عليه ليوم الجزاء.

ويقال : ما افتقدته منذ افتقدته ، أى ما تفقّدته منذ فقدته. وبات فلان غير فقيد ولا حميد ، أى غير مكترث لفقده.

__________________

(١) يقال : نفث عليه : رقاه. وانظر مختار الشعر الجاهلى ٣٩٩

(٢) الآية ٢٠ سورة النمل

٢٠٣

١٩ ـ بصيرة فى فقر

الفقر : ضدّ الغنى.

ووقع فى القرآن لفظ الفقر فى أربعة مواضع :

أحدها ـ قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ)(١) ، أى الصّدقات لهؤلاء ، وكان فقراء المهاجرين نحو أربعمائة لم يكن لهم مساكن فى المدينة ولا عشائر ، وكانوا قد حبسوا أنفسهم على الجهاد ، وكانوا وقفا على كلّ سريّة يبعثها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم أهل الصّفّة. هذا أحد الأقوال [فى] إحصارهم فى سبيل الله. وقيل : هو حبسهم أنفسهم فى طاعة الله. وقيل : حبسهم الفقر والعدم عن الجهاد. وقيل : لمّا عادوا أعداء الله وجاهدوهم أحصروا عن الضرب فى الأرض لطلب المعاش ، فلا يستطيعون ضربا فى الأرض. والصّحيح أنه لفقرهم وعجزهم وضعفهم لا يستطيعون ضربا فى الأرض ، ولكمال عفّتهم وصيانتهم يحسبهم من لم يعرف حالهم أغنياء.

والموضع الثانى ـ قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ)(٢) الآية.

والموضع الثالث ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ)(٣).

والموضع الرابع ـ قال الله تعالى : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)(٤).

__________________

(١) الآية ٢٧٣ سورة البقرة

(٢) الآية ٦٠ سورة التوبة

(٣) الآية ١٥ سورة فاطر

(٤) الآية ٢٤ سورة القصص

٢٠٤

والصّنف الأول خواصّ الفقراء ، والثّانى فقراء المسلمين خاصّهم وعامّهم ، والثالث الفقر العامّ لأهل الأرض كلّهم غنيّهم وفقيرهم ، مؤمنهم وكافرهم. والرابع الفقر إلى الله المشار إليه بقوله : «اللهم أغننى بالافتقار إليك». وبهذا ألمّ الشاعر :

ويعجبنى فقرى إليك ولم يكن

ليعجبنى لو لا محبّتك الفقر

والفقراء الموصوفون فى الآية الأولى يقابلهم أصحاب الجدة (١) ، ومن ليس محصرا فى سبيل الله ، ومن لا يكتم فقرا وضعفا. فمقابلهم أكثر من مقابل الصّنف الثانى. والصّنف الثانى يقابل أصحاب الجدة ، ويدخل فيهم المتعفّف وغيره ، والمحصر وغيره. والصّنف الثالث لا مقابل لهم ، بل الله وحده الغنىّ وكلّ ما سواه فقير إليه.

ومراد المشايخ بالفقر شىء أخصّ من هذه كلّها (٢) وهو الافتقار إلى الله فى كلّ حالة. وهذا المعنى أجلّ من أن يسمّى فقرا ، بل هو حقيقة العبوديّة ولبّها ، وعزل النفس عن مزاحمة الرّبوبيّة.

وسئل عنه يحيى بن معاذ الرازىّ فقال : حقيقته ألّا يستغنى إلّا بالله ، ورسمه / عدم الأسباب كلّها. وقال بعض المشايخ : الفقر سرّ لا يضعه الله إلّا عند من يحبّه ، ويسوقه إلى من يريد (٣). وقال : رويم : إرسال النّفس فى أحكام الله. وسئل أبو حفص بم يقدم الفقير على ربّه؟ فقال : ما للفقير أن (٤) يقدم به على ربّه سوى فقره. وسئل بعضهم : متى يستحق

__________________

(١) الجدة : الغنى.

(٢) فى الأصلين : «كله»

(٣) ورد هذا الخبر فى الرسالة ١٦٠ فى صورة أخرى. وهى : «قام فقير فى مجلس يطلب شيئا وقال : إنى جائع منذ ثلاث ، وكان هناك بعض المشايخ ، فصاح عليه وقال : كذبت ، إن الفقر سر الله ، وهو لا بضع سره عند من يحمله إلى من يريد»

(٤) كذا فى الرسالة ١٦١. والأولى : «ما».

٢٠٥

الفقير اسم الفقر؟ قال إذا لمّ [يبق](١) عليه منه بقيّة. فقيل له : وكيف ذاك؟ فقال : إذا كان له فليس له ، وإذا لم يكن له فهو له. وهذه من أحسن العبارات عن معنى الفقر الذى يشير إليه القوم ، وهو أن يصير كلّه لله لا يبقى عليه بقيّة من نفسه وحظّه وهواه ، فمن بقى عليه شىء من أحكام نفسه ففقره مدخول. ثم فسّر ذلك أى قوله : إذا كان له فليس له ، أى إذا كان لنفسه فليس لله ، وإذا لم يكن لنفسه فهو لله. فحقيقة الفقر إذا ألّا تكون لنفسك ولا يكون لها منك شىء بحيث تكون كلّك لله. وهذا الفقر الذى يشيرون إليه لا ينافيه الجدة ولا الأملاك ، فقد كان رسل الله وأنبياؤه ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ فى ذروة الفقر مع جدتهم وملكهم ، كإبراهيم الخليل عليه‌السلام كان أبا الضّيفان ، وكانت له الأموال والمواشى ، وكذلك كان سليمان وداود ، وكذلك كان نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما قال تعالى : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى)(٢) ، وكانوا أغنياء فى فقرهم ، فقراء فى غناهم.

فالفقر الحقيقىّ : دوام الافتقار إلى الله تعالى فى كلّ حال ، وأن يشهد العبد فى كلّ ذرّة من ذرّاته الظّاهرة والباطنة فاقة نامية إلى الله تعالى من كلّ وجه. فالفقر ذاتىّ للعبد ، وإنما يتجدّد له بشهوده حالا ، وإلّا فهو حقيقته ؛ كما قال بعض المشايخ :

الفقر لى وصف ذات لازم أبدا

كما الغنى أبدا وصف له ذاتى

وله آثار وعلامات وموجبات ، أكثر إشارات القوم إليها ، كقول بعضهم الفقير لا يسبق همّته ، أى ابن وقته ، فهمّته مقصورة على وقته لا يتعدّاه. وقيل : أركان الفقر أربعة : علم يسوسه ، وورع يحجزه ، ويقين يحمله ،

__________________

(١) زيادة من الرسالة ١٦٢

(٢) الآية ٨ سورة الضحى

٢٠٦

وذكر يؤنسه. وقال الشّبلىّ : حقيقة الفقر ألّا يستغنى بشيء دون الله. وسئل سهل : متى يستريح الفقير؟ فقال : إذا لم ير لنفسه غير الوقت الّذى هو فيه. وقال أبو حفص : أحسن ما يتوسّل به العبد إلى الله دوام الافتقار إليه على جميع الأحوال ، وملازمة السنّة فى جميع الأفعال ، وطلب القوت من وجه حلال. وقيل : من حكم الفقير ألّا يكون له رغبة ، فإن كان ولا بدّ فلا يجاوز رغبته كفايته. وقيل : الفقير من لا يملك ولا يملك (١). وأتمّ من هذا : لا يملك ولا يملكه مالك. وقيل : من أراد الفقر لشرفه مات فقيرا ، ومن أراده لئلا يشتغل عن الله بغيره مات غنيّا.

والفقر له بداية ونهاية ، فبدايته الذلّ ونهايته العزّ ، وظاهره العدم وباطنه الغنى ، كما قال رجل لآخر ، [الفقر (٢)] فقر وذلّ ، فقال ، لا : بل فقر وعزّ. فقال : فقر وثرى. فقال : لا ، بل فقر وعرش. وكلاهما مصيب.

واتّفقت كلمة القوم على أن دوام الافتقار إلى الله مع تخليط خير من دوام الصّفاء مع رؤية النّفس والعجب ، مع أنه لا صفاء معهما.

وإذا عرفت معنى الفقر عرفت عين الغنى بالله تعالى / فلا معنى لسؤال من سأل : أىّ الحالين أكمل؟ الافتقار إلى الله أم الاستغناء به؟ هذه مسألة غير صحيحة ، فإنّ الاستغناء به هو عين الافتقار إليه.

وأمّا مسألة الفقير الصّابر ، والغنىّ الشاكر ، وترجيح أحدهما ، فعند المحقّقين أن التفضيل لا يرجع إلى ذات الفقر والغنى ، وإنما يرجع إلى الأعمال والأحوال والحقائق. فالمسألة فاسدة فى نفسها ، وإنّ التفضيل

__________________

(١) فى الرسالة ١٦٤ : «يميل» وفى الشرح فى الهامش : «ولا يميل لشىء من المشتهيات ، فلا يصير رقيقا لشىء من المخلوقات» وهذه العبارة تؤول لما هنا

(٢) زيادة من الرسالة

٢٠٧

عند الله بالتّقوى وحقائق الإيمان ، لا بفقر ولا غنى ، قال : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(١) ولم يقل : أفقركم أو أغناكم.

ثمّ اعلم أنّ الفقر والغنى ابتلاء لعبده كما قال تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ. كَلَّا)(٢) أى ليس كلّ من أعطيته ووسّعت عليه فقد أكرمته ، ولا كلّ من ضيّقت عليه وقترت عليه الرزق فقد أهنته والإكرام أن يكرم العبد بطاعته ومحبّته ومعرفته ، والإهانة أن يسلبه ذلك. ولا يقع التفاضل بالغنى والفقر بل بالتقوى. وقال بعضهم : هذه المسألة محال أيضا من وجه آخر ، وهو أنّ كلّا من الغنىّ والفقير لا بدّ له من صبر وشكر ، فإنّ الإيمان نصفان : نصف صبر ، ونصف شكر. بل قد يكون قسط الغنىّ من الصّبر أوفى ، لأنه يصبر عن قدرة ، فصبره أتمّ من صبر من يصبر عن عجز ، ويكون شكر الفقير أتمّ ، لأن الشكر هو استفراغ الوسع فى طاعة الله ، والفقير أعظم فراغا بالشكر من الغنىّ. وكلاهما لا يقوم قائمة إيمانه إلا على ساق الصّبر والشكر.

نعم الّذى رجع الناس إليه فى المسألة أنّهم ذكروا نوعا من الشكر ، ونوعا من الصّبر ، وأخذوا فى التّرجيح ، فجردوا غنيّا منفقا متصدّقا باذلا ماله فى وجوه القرب ، شاكرا الله عليه ؛ وفقيرا متفرّغا لطاعة الله ولأوراد العبادات ، صابرا على فقره ، هل هو أكمل من ذلك الغنى أم بالعكس. فالصّواب فى مثل هذا أنّ أكملهما أطوعهما ، فإن تساوت طاعتهما تساوت درجتهما والله أعلم.

__________________

(١) الآية ١٣ سورة الحجرات

(٢) الآيات ١٥ ـ ١٧ سورة الفجر

٢٠٨

والعرب تقول : سدّ الله مفاقره ، أى وجوه فقره. ويقال : افتقر فهو مفتقر وفقير ، ولا يكاد يقال : فقر. وإن كان القياس يقتضيه.

وأصل الفقير هو المكسور الفقار. وعمل به الفاقرة أى الدّاهية الّتى كسرت فقاره. وأفقرك الصّيد : أمكنك عن فقاره. أفقرته ناقتى : أعرته فقارها للركوب ، وما أحسن قول الزّمخشرى :

ألا أفقر الله عبدا أبت

عليه الدّناءة أن يفقرا (١)

ومن لا يعير قرا مركب

فقل كيف يعقره للقرى (٢)

وما أحسن فقر كلامه ، أى نكته ، وهى فى الأصل حلىّ تصاغ على شكل فقر الظهر.

__________________

(١) أى يعير ناقته للركوب

(٢) القرا : الظهر. والقرى : إكرام الضيف

٢٠٩

٢٠ ـ بصيرة فى فقع وفقه وفك

الفقوع : النصوع ، أى خلوص اللّون ، قال تعالى : (صَفْراءُ فاقِعٌ)(١) فقع ـ كمنع ونصر ـ فقعا وفقوعا : اشتدّت صفرته. وأصفر فاقع وفقاعىّ اللون : صادق. وأبيض فقّيع كسكّيت. وأصابته فاقعة من فواقع الدّهر : بائقة (٢) من بوائقه ، يقال : كلّ باقعة (٣) ممنوّ (٤) بفاقعة. وطفت على الشراب الفواقع والفواقيع ، وهى النفّاحات.

والفقه بالكسر : العلم بالشىء ، / والفهم له ، والفطنة. وغلب على علم الدّين لشرفه ، فقه ـ ككرم وفرح ـ فهو فقيه وفقه. والجمع فقهاء. وهى فقيهة ، والجمع : فقائه. وفقهه كعلمه : فهمه. وتفقّهه : تفهّمه. وفقّهه تفقيها ، وأفقهه : علّمه. وفاقهه ففقهه كنصره : باحثه فغلبه فى العلم. ويقال للشاهد : كيف فقاهتك لما أشهدناك.

والفقه أخصّ [من](٥) العلم ، قال تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)(٦) ، وقال : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)(٧).

فكّه : فصله ، والرهن فكّا وفكوكا : خلّصه ، والرقبة : أعتقها ، ويده : فتحها عمّا فيها. وفكاك الرهن ـ ويكسر ـ : ما يفتكّ به ..

__________________

(١) الآية ٦٩ سورة البقرة

(٢) البائقة : الداهية

(٣) الباقعة : الذكى العارف لا يفوته شىء

(٤) أى مصاب

(٥) زيادة من الراغب

(٦) الآية ١٣ سورة الحشر

(٧) الآية ١٢٢ سورة التوبة

٢١٠

وانفكّت قدمه : زالت ، وإصبعه : انفرجت ، قال تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ)(١) ، أى لم يكونوا متفرّقين ، بل كان كلّهم على الضّلال. وما انفكّ يفعل كذا ، نحو ما زال يفعل كذا.

__________________

(١) أول سورة البينة

٢١١

٢١ ـ بصيرة فى فكر

الفكر : قوّة مطرّقة للعلم إلى المعلوم. والتفكر : جريان (١) تلك القوّة بحسب نظر العقل ، وذلك مختصّ بالإنسان دون الحيوان ، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة فى العقل ، ولهذا قيل : تفكّروا فى آلاء الله ولا تفكّروا فى الله ؛ إذ كان منزّها أن يوصف بصورة ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ)(٢) ، (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ)(٣).

ورجل فكّير وفكور : كثير الفكرة. وتقول : لفلان فكر ، كلّها فقر ، وما زالت فكرته مغاص الدرر.

وقال المشايخ : الفكرة فكرتان : فكرة تتعلّق بالعلم والمعرفة ، وفكرة تتعلق بالطلب والإرادة. فالتى تتعلق بالعلم والمعرفة فكرة التمييز بين الحقّ والباطل ، والثابت والمنفىّ. والفكرة الّتى تتعلّق بالطّلب والإرادة هى الفكرة الّتى تميّز بين النافع والضّار ، ثمّ تترتّب عليها فكرة أخرى فى الطّريق إلى حصول ما ينفع فيسلكها ، وطريق ما يضرّ فيتركها ولهم فكرة فى عين التوحيد وفكرة فى لطائف الصّنعة ، وفكرة فى معانى الأعمال والأحوال. فهذه ستة أقسام لا سابع لها هى مجال أفكار العقلاء.

فالفكرة فى التوحيد : استحضار أدلّته وشواهده الدّالة على بطلان الشّرك واستحالته ، وأنّ الإلهيّة يستحيل ثبوتها لاثنين كما يستحيل ثبوت الربوبيّة لاثنين ؛ فلذلك أبطل الباطل عبادة اثنين ، والتوكّل على اثنين ، بل لا تصلح العبادة إلا للإله الحقّ ، والرّب الحقّ. وهو الله الواحد القهار.

__________________

(١) فى الراغب : «جولان»

(٢) الآية ٨ سورة الروم

(٣) الآية ١٨٥ سورة الأعراف

٢١٢

٢٢ ـ بصيرة فى فكه وفلح وفلق

الفاكهة : الثمار كلّها ، وقيل : ما عدا العنب والرّمان والتمر ، كأن قائله نظر إلى اختصاصها (١) بالذّكر فى قوله تعالى : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ)(٢). والفاكهانىّ : بائعها. والفكه ـ ككتف ـ : آكلها. والفاكه : صاحبها. وفكّههم تفكيها : أتاهم بها. والفاكهة : النخلة المعجبة ، واسم للحلواء. وفكّههم (٣) بملح الكلام تفكيها : أطرفهم : بها. والاسم الفكيهة والفكاهة بالضّمّ. [وفكه ـ كفرح ـ فكها وفكاهة] فهو فكه وفاكه : طيّب النفس ضحوك وفاكهه. مازحه. وتفاكهوا : تمازحوا.

الفلح ـ محركة ـ والفلاح : البقاء ، والظفر ، وإدراك المنية. وذلك ضربان : دينىّ ودنيوىّ. فالدنيوىّ : الظفر بالسعادات الّتى تطيب بها حياة الدّنيا. والأخروىّ أربعة أشياء : بكاء بلا فناء ، وغنى بلا فقر ، وعزّ بلا ذلّ ، وعلم بلا جهل ؛ ولذلك قيل : / لا عيش إلا عيش الآخرة. وقوله : (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى)(٤) يحتمل الأخروىّ والدنيوى وهو أقرب. والفلّاحة : الأكرة لأنّهم يفلحون الأرض أى يشقونها.

وحىّ على الفلاح ، أى على الظفر الذى جعله الله لنا بالصّلاة

والفلح ـ محركة ـ : الشقّ فى الشفة السفلى.

__________________

(١) لم يذكر فى الآية العنب ، وكأن من أخرجه قاسه على التمر

(٢) الآية ٦٨ سورة الرحمن

(٣) زيادة من القاموس

(٤) الآية ٦٤ سورة طه

٢١٣

الفلق : شقّ الشىء وإبانة بعضه من بعض ، فلقه يفلقه وفلّقه : شقّه فانفلق وتفلّق ، قال تعالى : (فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ)(١). وفالق الحبّ : خالقه أو شاقّه بإخراج الورق منه. وفالق الإصباح : شاقّه بالفجر وبالنور. وأفلق الشاعر وافتلق : أتى بالعجيبة.

الفيلق : الجيش ، والعجب ، والرجل العظيم. وتفيلق : ضخم وسمن.

و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)(٢) أى الصّبح ، وقيل : الأنهار المذكورة فى قوله تعالى : (وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً)(٣) ، وقيل : هو الكلمة التى علّمها الله موسى ففلق بها البحر.

__________________

(١) الآية ٦٣ سورة الشعراء

(٢) أول سورة الفلق

(٣) الآية ٦١ سورة النمل

٢١٤

٢٣ ـ بصيرة فى فلك وفلن وفن

الفلك ـ محركة ـ : مدار النّجوم. والجمع : أفلاك وفلك ، ومن كلّ شىء : مستداره ومعظمه ، وقطع من الأرض تستدير وترتفع عمّا حولها ، الواحدة فلكة بسكون اللام. ومنه : فلك ثديها وأفلك وتفلّك ، وفلكت هى وفلّكت ، فهى فالك ومفلّك.

والفلك ـ بالضمّ : السفينة. ويذكّر ويؤنّث ويستوى فيه الواحد والجمع ، وتقديراهما مختلفان ، فإنه إذا كان واحدا فكبناء قفل ، وإذا كان جمعا كان كبناء حمر.

وفلان وفلانة كنايتان عن أسماء الرّجل والمرأة ، والفلان والفلانة كناية عن غير بنى آدم. وقد يقال للواحد : يا فل ، وللاثنين : يا فلان ، وللجمع : يا فلون ، وفى المؤنث : يا فلة ، ويا فلتان ، ويا فلاة. ومنع سيبويه أن يقال يا فل (١) ويراد به يا فلان. قال تعالى : (يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً)(٢) تنبيها على تندّم من خالّ صاحبه فى تحرّى باطل.

الفنن ـ محركة ـ : الغصن. والجمع أفنان. وجمع الجمع أفانين. وشجرة فنّاء وفنواء : كثيرتها. والأفنون : الغصن. وقوله تعالى : (ذَواتا أَفْنانٍ)(٣) ، أى ذواتا غصون. وقيل : ذواتا ألوان مختلفة.

__________________

(١) أى على أنه مرخم فلان ، وإلا قيل : يا فلا ، كما هو قاعدة الترخيم ، وهو لا ينكر يا فل فى النداء على أنه من غير مادة فلان. وقد صح عند سيبويه وضع فل موضع فلان فى الشعر. وانظر الكتاب ١ / ٣٣٣

(٢) الآية ٢٨ سورة الفرقان

(٣) الآية ٤٨ سورة الرحمن

٢١٥

٢٤ ـ بصيرة فى فند

الفند ـ محرّكة ـ : الكذب ، وضعف الرّأى من هرم ، والخطأ فيه. قال النابغة الذبيانىّ يمدح النّعمان بن المنذر :

ولا أرى فاعلا فى النّاس يشبهه

وما أحاشى من الأقوام من أحد

إلّا سليمان إذ قال المليك له

قم فى البريّة فاحددها عن الفند

والتفنيد : اللوم ، وتضعيف الرأى ، قال تعالى : (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ)(١) أى قبل أن تلومونى فيه.

والتفنّد : التندّم فى الأمر.

__________________

(١) الآية ٩٤ سورة يوسف

٢١٦

٢٥ ـ بصيرة فى فوت وفوج

الفوت والفوات : خلاف إدراك الشىء والوصول إليه. فاته يفوته فوتا وفواتا ، قال تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ)(١) قال ، ابن عرفة : أى لم يسبقوا ما أريد منهم. ومرّ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحائط مائل فأسرع المشى ، فقيل : يا رسول الله أسرعت المشى ، فقال : «أخاف موت الفوات» ، أى موت الفجاءة. ورجل فويت وامرأة فويت لمن ينفرد برأيه ولا يشاور. والافتيات : السبق إلى الشىء دون ائتمار من يؤتمر : وتفاوت الشيئان تباعد ما بينهما تفاوتا. وقال ابن السّكّيت : قال الكلابيّون : تفاوتا بفتح الواو ، وقال العنبرىّ : تفاوتا بكسر الواو. وحكى أيضا أبو زيد تفاوتا / ـ وتفاوتا بفتح الواو وكسرها ـ وهو على غير قياس ؛ لأن المصدر من تفاعل تفاعل بضم العين إلّا ما روى فى هذه الكلمة.

وقوله تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ)(٢) أى اختلاف واضطراب. وقرأ حمزة والكسائىّ : (من تفوّت) ، قال السدّى : أى من عيب ، يقول النّاظر : لو كان كذا وكذا كان أحسن.

وجعل الله رزقه فوت فمه ، أى حيث يراه ولا يصل إليه.

والفوج : الجماعة يمرّون مسرعين ، قال تعالى : (يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً)(٣).

__________________

(١) الآية ٥١ سورة سبأ

(٢) الآية ٣ سورة الملك

(٣) الآية ٢ سورة النصر

٢١٧

٢٦ ـ بصيرة فى فود و (فور)

الفواد ـ بالفتح وبالواو ـ لغة فى الفؤاد ـ بالضمّ وبالهمز ـ. وقيل : إنّما يقال للقلب الفؤاد إذا اعتبر فيه معنى التفؤّد أى التوقّد. وقيل : القلب أخصّ من الفؤاد ، ومنه حديث (١) النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتاكم أهل اليمن هم أرقّ قلوبا وألين أفئدة. والإيمان يمان ، والحكمة يمانية» ، فوصف القلوب بالرقّة ، والأفئدة باللّين ، قال تعالى : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى)(٢). وقوله تعالى : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ)(٣) تنبيه على شدّة تأثيرها.

ورجل مفئود : مصاب الفؤاد. وقد فئد ، وفأده الفزع. وفأدت الظبى : رميته فأصبت فؤاده. والمفتأد : موقد النار للشواء.

الفور : شدّة الغليان. فارت النار والقدر ، والعين ، والغضب. وثار ثائره ، وفار فائره ، أى اشتدّ غضبه. وفورة العقار : طفاوتها وما فار منها ، وفوارة الماء ، كلّ ذلك تشبيها بغليان القدر.

وفعلته من فورى ، أى فى غليان الحال ، قال تعالى : (وَهِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)(٤).

__________________

(١) أخرجه الشيخان والترمذى كما فى تيسير الوصول

(٢) الآية ١١ سورة النجم

(٣) الآيتان ٦ ، ٧ سورة الهمزة

(٤) الآيتان ٧ ، ٨ سورة الملك

٢١٨

٢٧ ـ بصيرة فى فوز وفوض

الفوز : الظفر. والفوز : النجاة. يقال : طوبى لمن فاز بالثواب ، وفاز من العقاب ، أى ظفر ونجا. وهو بمفازة من العذاب ، أى بمنجاة منه ، وقال تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ)(١). وسمّى الفلاة مفازة على سبيل التّفاؤل. وفاز سهمه ، وخرج له سهم فائز : إذا غلب. وفاز بفائزة ، أى شىء يسير يصيب به الفوز. قال تعالى : (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ)(٢).

وفوّز الرجل : مات ، أى صار فى مفازة ما بين الدّنيا والآخرة ، أو بمعنى أنه نجا من متاعب الدّنيا وحبالتها.

وقوله تعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً)(٣) أى فوزا ، أو مكان فوز ، ثمّ فسّر فقال : (حَدائِقَ وَأَعْناباً)(٤). وقوله تعالى : (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ) إلى قوله : (فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً)(٥) أى يحرصون على أعراض الدّنيا ويعدّون ما ينالونه من الغنيمة فوزا عظيما. وقال تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ)(٦).

فوّض إليه الأمر : ردّه إليه. (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ)(٧) وفاوضته فى أمرى : جاريته. والمفاوضة والتّفاوض : الاشتراك فى كلّ شىء. وكانت بيننا مفاوضات ومخاوضات.

__________________

(١) الآية ١٨٨ سورة آل عمران

(٢) الآية ٣٠ سورة الجاثية

(٣) الآية ٣١ سورة النبأ

(٤) الآية ٣٢ سورة النبأ

(٥) الآية ٧٣ سورة النساء

(٦) الآية ١٨٥ سورة آل عمران

(٧) الآية ٤٤ سورة غافر

٢١٩

٢٨ ـ بصيرة في فوق وفوه (وفوم)

كلمة فوق نقيض تحت. وتستعمل في الزّمان والمكان ، والجسم ، والعدد والمنزلة. وذلك أضرب :

الأوّل : بمعنى العلوّ ، نحو قوله : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) (١).

الثاني : باعتبار الصعود والحدور ، نحو قوله تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) (٢).

الثالث : يقال في العدد ، نحو قوله تعالى : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) (٣).

الرابع : في الكبر والصغر ؛ نحو قوله تعالى :(أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً / فَما فَوْقَها)(٤) ، أشار بما فوقها إلى العنكبوت المذكور في قوله :(كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ)(٥). وقيل معناه : ما فوقها في الصّغر. وليس فوق من الأضداد ، كما توهّم بعض المصنّفين.

الخامس : باعتبار الفضيلة الدنيويّة ، نحو قوله تعالى : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) (٦) ، أو الأخرويّة نحو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٧).

__________________

(١) الآية ٦٥ سورة الأنعام

(٢) الآية ١٠ سورة الأحزاب

(٣) الآية ١٤ سورة النساء

(٤) الآية ٢٦ سورة البقرة

(٥) الآية ٤١ سورة العنكبوت

(٦) الآية ٣٢ سورة الزخرف

(٧) الآية ٢١٢ سورة البقرة

٢٢٠