بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٧

٢ ـ بصيرة فى فتح

قد ورد الفتح فى القرآن على وجوه :

الأوّل : بمعنى القضاء والحكومة ، نحو قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)(١) ، أى حكمنا وقضينا ، (ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ)(٢) أى يقضى ، (مَتى هذَا الْفَتْحُ)(٣) أى القضاء ، (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ)(٤) أى يوم القضاء

الثانى : بمعنى إرسال الرّحمة : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ)(٥) ، أى ما يرسل.

الثالث : بمعنى النصرة : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ)(٦) أى بالنصرة.

الرّابع : بمعنى إزالة الأغلاق. وهذا يأتى على وجوه :

الأوّل : بمعنى فتح أبواب النّصرة : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا)(٧).

الثانى : بمعنى فتح أبواب الغنيمة والظفر بها : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ)(٨)

الثالث : فتح خزائن القدرة : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ)(٩).

الرّابع : فتح أبواب النعمة : (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ)(١٠).

الخامس : فتح أبواب السّماء : (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ)(١١).

__________________

(١) صدر سورة الفتح

(٢) الآية ٢٦ سورة سبأ

(٣) الآية ٢٨ سورة السجدة

(٤) الآية ٢٩ سورة السجدة

(٥) الآية ٢ سورة فاطر

(٦) الآية ٥٢ سورة المائدة

(٧) الآية ٨٩ سورة البقرة

(٨) الآية ١٤١ سورة النساء

(٩) الآية ٥٩ سورة الأنعام

(١٠) الآية ٤٤ سورة الأنعام

(١١) الآية ٤٠ سورة الأعراف

١٦١

السّادس : فتح مغاليق الخصومات : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ)(١).

السّابع : فتح أبواب البركة : (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ)(٢).

الثامن : فتح أبواب القتل والإهلاك : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ)(٣).

التاسع : فتح باب البضاعة : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ)(٤).

العاشر : فتح أبواب السّماء على طريق الإعجاز : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ)(٥).

الحادى عشر : فتح السّدّ يوم القيامة : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ)(٦).

الثانى عشر : فتح أبواب العذاب : (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ)(٧).

الثالث عشر : فتح بيوت الأصدقاء وذوى القربى : (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ)(٨).

الرّابع عشر : فتح باب الدّعاء رجاء للإجابة : (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً)(٩).

__________________

(١) الآية ٨٩ سورة الأعراف

(٢) الآية ٩٦ سورة الأعراف

(٣) الآية ١٩ سورة الأنفال وتسميته الاهلاك فتحا فى الآية على سبيل التهكم كما فى البيضاوى. فقد سألت الله قريش حين خروجهم إلى بدر أن ينصر أهدى الطائفتين ، وهذا استفتاحهم ، وكانوا يرجون أن يكون النصر فى جانبهم فكان فتحهم الهلاك والهزيمة

(٤) الآية ٦٥ سورة يوسف

(٥) الآية ١٤ سورة الحجر

(٦) الآية ٩٦ سورة الأنبياء

(٧) الآية ٧٧ سورة المؤمنين

(٨) الآية ٦١ سورة النور

(٩) الآية ١١٨ سورة الشعراء هذا والذى فى البيضاوى أن الفتح فى الآية معناه الحكم

١٦٢

الخامس عشر : فتح أبواب الجنّة : (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ)(١)(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها)(٢).

السّادس عشر : فتح أبواب جهنّم : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها)(٣).

السّابع عشر : فتح أبواب الثواب والكرامة : (وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)(٤)

التّاسع عشر : فتح أبواب الطوفان : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ)(٥).

العشرون : فتح البلاد على يدى أهل الإسلام : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ)(٦).

قال أبو القاسم (٧) الأصبهانىّ : الفتح ضروب (٨) :

أحدها : ما يدرك بالبصر ، كفتح الباب والقفل والمتاع.

والثانى : ما يدرك بالبصيرة ، كفتح الهمّ و [هو](٩) إزالة الغمّ ، وذلك ضربان : غمّ يفرّج ، وفقر يزال ، ونحوه قوله : (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ)(١٠) ، أى وسّعنا عليهم. (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ)(١١) ، أى أقبل عليهم الخيرات من كلّ جانب.

__________________

(١) الآية ٥٠ سورة ص

(٢) الآية ٧٣ سورة الزمر

(٣) الآية ٧١ سورة الزمر

(٤) الآية ١٨ سورة الفتح

(٥) الآية ١١ سورة القمر

(٦) صدر سورة النصر

(٧) هو الراغب فى مفرداته

(٨) فى الأصلين : «ضربان» وما أثبت من الراغب

(٩) زيادة من الراغب

(١٠) الآية ٤٤ سورة الأنعام

(١١) الآية ٩٦ سورة الأعراف

١٦٣

/ والثالث : فتح المستغلق من العلوم. قلت : وذلك على ضربين : الأوّل بتوفيق الاستكثار من العلوم الظّاهرة وتحقيق معانيها ، والثانى بفتح باب القلب إلى العلم اللّدنّىّ كما تقدّم بيانه فى «بصيرة العلم»

وقيل فى قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) إنه عنى فتح مكّة. وقيل : بل عنى ما فتح عليه من العلوم والهدايات التى هى ذريعة إلى الثواب العظيم ، والمقامات المحمودة التى صارت سببا لغفران ذنوبه.

وفاتحة كل شىء مبدؤه الذى يفتح به ما بعده ، وبه سمّى فاتحة الكتاب. ويقال : افتتح فلان كذا أى ابتدأه ، وفتح عليه كذا : أعلمه ووقّفه عليه : (أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ)(١).

وقيل : فى قوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) يحتمل النّصر والظفر والحكم وما يفتح الله من المعارف ، وعلى ذلك : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ)(٢) وقوله : (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ)(٣) أى يوم الحكم ، وقيل يوم إزالة الشّبهة بإقامة القيامة ، وقيل : ما كانوا يستفتحون من العذاب ويطلبونه.

والاستفتاح : طلب الفتح [أو (٤) الفتاح قال : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ)] أى إن طلبتم الظفر أو الفتاح أى الحكم ، أو طلبتم مبدأ الخيرات ، فقد جاءكم ذلك بمجيء النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقوله : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا)(٥) أى يستنصرون ببعثة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل : يستعلمون خبره من النّاس مرّة ، ويستنبطونه من الكتب مرّة ، وقيل : يطلبون من الله الظفر بذكره ، وقيل : كانوا يقولون

__________________

(١) الآية ٧٦ سورة البقرة

(٢) الآية ١٣ سورة الصف

(٣) الآية ٢٩ سورة السجدة

(٤) ما بين الحاصرتين من الراغب

(٥) الآية ٨٩ سورة البقرة

١٦٤

إنا ننصر (١) بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عبدة الأوثان.

وقوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ)(٢) ، أى ما يتوصّل به إلى غيبه المذكور فى قوله : (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً)(٣).

وقوله : (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ)(٤) أى مفاتح خزائنه ، وقيل : عنى بالمفاتح الخزائن نفسها ، قال الشّاعر :

يا سيد الأمراء والألباب

أشكو إليك فظاظة البوّاب

قد كنت جئت لخدمة أبغى بها

عزّا فقابلنى بذلّ حجاب

إن كنت ترغب سيدى فى خدمتى

فأقلّ ما فى الباب فتح الباب

__________________

(١) فى الراغب : «تنصر محمدا»

(٢) الآية ٥٩ سورة الأنعام

(٣) الآية ٢٦ سورة الجن

(٤) الآية ٧٦ سورة القصص

١٦٥

٣ ـ بصيرة فى فتر وفتق وفتل وفتن

فتر الحرّ : سكن ، والماء الحارّ : لانت شدّة حرارته. وقوله تعالى : (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ)(١) أى سكون حال عن مجىء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقوله تعالى : (لا يَفْتُرُونَ)(٢) أى لا يسكنون عن نشاطهم فى العبادة (٣). والطرف الفاتر : الذى فيه ضعف مستحسن.

والفتق : الشقّ ، فتقه وفتّقه فتفتّق وانفتق. ومفتق القميص : مشقّه. قال تعالى : (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما)(٤). والفتق أيضا : شقّ عصا الجماعة ، ووقوع الحرب بينهم. والفتق والفتق والفتيق : الصّبح.

فتل الحبل وفتّله : لواه فهو فتيل ومفتول ، وقد انفتل وتفتّل. وفتل وجهه عنهم : صرفه. وقوله : (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(٥) مثل فى الحقارة والقلّة ، وهو ما يكون فى شقّ النّواة لكونه على هيئة الفتيل. وقيل : هو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ.

والفتن : الفنّ ، والحال ، والإحراق. ومنه قوله تعالى : (عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ)(٦). والمفتون والفتنة : الخبرة ، مصدر كالمعقول والمجلود. ومنه قوله تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ)(٧). والفتنة أيضا : إعجابك بالشىء ، فتنه

__________________

(١) الآية ١٩ سورة المائدة

(٢) الآية ٢٠ سورة الأنبياء

(٣) كذا فى الأصلين ، والمناسب : «التسبيح»

(٤) الآية ٣٠ سورة الأنبياء

(٥) الآية ٧٧ سورة النساء

(٦) الآية ١٣ سورة الذاريات

(٧) الآية ٦ سورة القلم. هذا وقد فسر المفتون على أنه مصدر فى الآية بالجنون لا بالخبرة وسيذكر هذا التفسير

١٦٦

يفتنه فتنا وفتونا ، وأفتنه. وأصل الفتنة إدخال الذّهب النار ليختبر جودته ، والجمع : فتن ، قال :

وفيك لنا فتن أربع

تسلّ علينا سيوف الخوارج

لحاظ الظّباء وطوق الحمام

ومشى القباج وزىّ التّدارج (١)

وقد / ورد فى القرآن على اثنى عشر وجها :

(١) بمعنى العذاب : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ)(٢).

(٢) وبمعنى الشّرك : (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ)(٣).

(٣) وبمعنى الكفر : (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ)(٤) ، (مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ)(٥) ، (وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ)(٦) أى كفرتم.

(٤) وبمعنى الإثم (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ)(٧) أى إثم ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا)(٨) فى الإثم.

(٥) وبمعنى العذاب : (مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا)(٩) أى عذّبوا.

(٦) وبمعنى البلاء والمحنة : (أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(١٠) أى يبتلون ، (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)(١١) : امتحنّاهم ، (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً)(١٢) أى بلوناك. (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ)(١٣) أى ابتليناهم.

__________________

(١) التدارج : جمع التدرج وهو طائر حسن الصورة طويل الذنب. والقباج : جمع القبجة وهو الحجلة لطائر فى حجم الحمام

(٢) الآية ١٤ سورة الذاريات

(٣) الآية ٢١٧ سورة البقرة

(٤) الآية ٤٨ سورة التوبة

(٥) الآية ٧ سورة آل عمران

(٦) الآية ١٤ سورة الحديد

(٧) الآية ٦٣ سورة النور

(٨) الآية ٤٩ سورة التوبة

(٩) الآية ١١٠ سورة النحل

(١٠) الآية ٢ سورة العنكبوت

(١١) الآية ٣ سورة العنكبوت

(١٢) الآية ٤٠ سورة طه

(١٣) الآية ١٧ سورة الدخان

١٦٧

(٧) وبمعنى التعذيب والحرقة : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ)(١) أى عذّبوهم ، (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) : حرقكم.

(٨) وبمعنى القتل والهلاك : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٢) أى يقتلكم ، (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ)(٣) أى يقتلهم.

(٩) وبمعنى الصدّ عن الصراط المستقيم : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ)(٤) ، (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ)(٥) أى يصدّوك. وقيل : يوقعوك فى بليّة وشدّة فى صرفهم إيّاك عمّا أوحى إليك.

(١٠) وبمعنى الحيرة والضّلال : (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ)(٦) أى بضالّين ، (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ)(٧) أى ضلالته.

(١١) وبمعنى العذر والعلّة : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا)(٨) أى عذرهم.

(١٢) وبمعنى الجنون والغفلة : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ)(٩) أى الجنون. وقيل التقدير : أيكم المفتون والباء زائدة كقوله : (وَكَفى بِاللهِ)

والفتنة والبلاء يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدّة ورخاء. وهما فى الشدّة أظهر معنى وأكثر استعمالا.

__________________

(١) الآية ١٠ سورة البروج

(٢) الآية ١٠١ سورة النساء

(٣) الآية ٨٣ سورة يونس

(٤) الآية ٧٣ سورة الاسراء

(٥) الآية ٤٩ سورة المائدة

(٦) الآية ١٦٢ سورة الصافات. وتفسير (بِفاتِنِينَ) بضالين لا يستقيم ، وإنما فاتنون مضلون هنا. ومفعوله : (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) وكذا هو فى الراغب

(٧) الآية ٤١ سورة المائدة

(٨) الآية ٢٣ سورة الأنعام

(٩) الآية ٦ سورة القلم

١٦٨

وقوله تعالى : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ)(١) إشارة إلى ما قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ)(٢).

والفتنة من الأفعال التى تكون من الله تعالى ، ومن العبد ؛ كالبليّة والمصيبة ، والقتل ، والعذاب ونحوه من الأفعال المكروهة. ومتى كان من الله إنّما يكون على وجه الحكمة ، ومتى كان من الإنسان بغير أمر الله يكون ضدّ ذلك.

__________________

(١) الآية ١٢٦ سورة التوبة

(٢) الآية ١٥٥ سورة البقرة

١٦٩

٤ ـ بصيرة فى فتى

الفتى : الشاب ، والسخىّ الكريم ، وهما فتيان وفتوان ، والجمع : فتيان وفتوة وفتوّ وفتىّ ، وهى فتاة ، والجمع : فتيات. والفتوّة نهاية الكرم. (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ)(١) : يوشع.

والفتوّة منزلة حقيقتها منزلة الإحسان وكفّ الأذى عن (٢) الغير واحتمال الأذى منهم. فهى فى الحقيقة نتيجة حسن الخلق وغايته. وقيل : الفرق بينها وبين المروءة أنّ المروءة أعمّ ، والفتوّة نوع من أنواعها ؛ فإنّ المروءة استعمال ما يجمّل ويزين ممّا هو مختصّ بالعبد ، أو متعدّ إلى غيره ، وترك ما يدنّس ويشين ممّا هو مختصّ به أو متعلّق بغيره. والفتوّة إنّما هى استعمال الأخلاق الكريمة مع الخلق. وهى منزلة شريفة لم يعبّر عنها [فى] الشريعة باسم الفتوّة ، بل عبّر عنها باسم مكارم الأخلاق ؛ كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ الله بعثنى لتمام مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأفعال (٣)» رواه جابر. وأصل الفتوّة من الفتى (٤) وهو الشاب الطرىّ الحديث السّنّ ، قال تعالى : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً)(٥) وقال عن قوم إبراهيم إنهم : (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ)(٦)

__________________

(١) الآية ٦٠ سورة الكهف

(٢) فى الأصلين : من ، وما أثبت هو الأولى.

(٣) رواه الطبرانى فى الأوسط كما فى (الفتح الكبير)

(٤) فى الأصلين : «الفتوى» ويظهر أنه تحريف عما أثبت

(٥) الآية ١٣ سورة الكهف

(٦) الآية ٦٠ سورة الأنبياء

١٧٠

وقال تعالى عن يوسف عليه‌السلام : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ)(١) ، (وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ)(٢).

فاسم / الفتى لا يشعر بمدح ولا ذمّ كاسم الشابّ والحدث. ولذلك لم يجئ لفظ الفتوّة فى الكتاب والسنّة ولا فى كلام السّلف ، وإنما استعمله من بعدهم فى مكارم الأخلاق. قيل : أقدم من تكلّم فى الفتوّة جعفر الصّادق ، ثمّ الفضيل بن عياض ، والإمام أحمد ، وسهل بن عبد الله التسترىّ ، والجنيد ، ثم طائفة. سئل جعفر عنها وقال للسّائل ما تقول؟ قال. إن أعطيت شكرت ، وإن منعت صبرت. فقال : الكلاب عندنا كذلك. فقال : يا ابن رسول الله فما الفتوّة عندكم؟ قال : إن أعطينا آثرنا ، وإن منعنا شكرنا. وقال الفضيل : الفتوّة : الصّفح عن عثرات الإخوان. وسئل الإمام أحمد عن الفتوّة ، فقال : ترك ما تهوى لما تخشى. وسئل الجنيد عنها فقال : ألّا تنافر فقيرا ، ولا تعارض غنيّا. وقال الحارث المحاسبىّ : الفتوة أن تنصف ولا تنتصف. وقال عمرو ابن عثمان المكىّ : الفتوة حسن الخلق. وقال محمّد بن على الترمذىّ : الفتوة أن تكون خصيما (٣) لربّك على نفسك. وقيل : الفتوة ألّا ترى لنفسك فضلا على غيرك. وقال الدقّاق : هذا الخلق لا يكون كماله إلّا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنّ كلّ أحد يقول يوم القيامة : نفسى نفسى ، وهو يقول : أمّتى أمّتى. وقيل الفتوّة : كسر الصّنم الذى بينك وبين الله وهو نفسك ؛ فإنّ الله تعالى حكى عن قصة (٤)

__________________

(١) الآية ٣٦ سورة يوسف

(٢) الآية ٦٢ سورة يوسف

(٣) فى الرسالة القشيرية ١٣٤ : «خصما»

(٤) فى الأصلين : «نفسه» ويظهر أنه محرف عما أثبت

١٧١

إبراهيم أنّه جعل الأصنام جذاذا فكسر الأصنام له ، فالفتى من كسر صنما واحدا لله. وقيل : الفتوّة ألّا تكون خصما لأحد يعنى فى حظّ نفسك ، وأمّا فى حق الله فالفتوّة أن تكون خصما لكل أحد ولو كان الحبيب المصافيا (١). وقال الثورىّ (٢) : أن يستوى عندك المقيم والطّارئ. وقال بعضهم : ألّا يميز بين أن يأكل عنده ولىّ أو كافر. وقال الجنيد أيضا : الفتوة كفّ الأذى ، وبذل الندى. وقال سهل : هى اتّباع السنّة. وقيل : الوفاء والحفاظ. وقيل : فضيلة تأتيها ولا ترى نفسك فيها. وقال (٣) : ألا تحتجب ممّن قصدك. وقيل : ألّا تهرب إذا أقبل العافى ، يعنى طالب المعروف. وقيل : إظهار النعمة ، وإسرار المحنة. وقيل : ألّا تدّخر ولا تعتذر. وقيل : تزوّج رجل امرأة فلمّا دخل عليها رأى بها الجدرىّ فقال : عينى (٤) ثم قال : عميت. فبعد عشر سنين ماتت ولم تعلم أنه بصير. وقيل : ليس من الفتوّة أن تربح على صديق. ويذكر أن رجلا نام من الحاجّ بالمدينة ففقد هميانا (٥) فيه ألف دينار. فقام فزعا فوجد جعفر بن محمّد رضى الله عنه فتعلّق به وقال : أخذت هميانى. فقال أيش كان فيه؟ فقال : ألف دينار. فأدخله داره ووزن له ألف دينار ، ثمّ إنه وجد هميانه فجاء معتذرا إلى جعفر بالمال ، فأبى أن يقبله ، وقال : شىء أخرجته من يدى لا أستردّه أبدا.

وقال الشيخ عبد الله الأنصارى : نكتة الفتوة ألّا تشهد لك فضلا ،

__________________

(١) كذا. وهذا إنما يأتى فى الشعر فأما فى النثر فيقال : «المصافى»

(٢) فى الرسالة ١٣٥ نسبة هذا القول إلى محمد بن على الترمذى

(٣) فى الرسالة : «قيل» وهو أولى.

(٤) فى الرسالة : «اشتكت عينى»

(٥) هو وعاء الدراهم

١٧٢

ولا ترى لك حقّا ؛ يشير إلى أن قلب الفتوّة وإنسان عينها أن تغيب بشهادة نقصك وعيبك عن فضلك ، وتغيب بشهادة حقوق الخلق عليك عن شهادة حقوقك عليهم ، والنّاس فى هذا على مراتب ، فأشرفهم أهل هذه المرتبة ، وأخسّهم عكسهم.

وأوّل الفتوّة ترك الخصومة باللسان / والقلب فى حقّ نفسه لا فى حقّ ربّه ، والتغافل عن الزلّات الّتى لم يوجب الشرع أخذه بها ، ونسيان أذيّة من نالك بأذى ليصفو قلبك له ، ونسيانك إحسانك إلى من أحسنت إليه حتّى كأنّه لم يصدر منك إحسان. وهذا أكمل ممّا قبله ، وفيه يقول :

ينسى صنائعه والله يظهرها

إنّ الجميل إذا أخفيته ظهرا

وثانيها : أن تقرّب من يبعدك ، وتعتذر إلى من يجنى عليك ، سماحة لا كظما ، وتحسن إلى من أساء إليك وتعتذر إليه أيضا. ومعنى هذا أنّك تنزل نفسك منزلة الجانى والمسىء ، وكلّ منهما خليق بالعذر.

والذى يشهدك هذا المشهد أن تعلم أنه إنّما سلّط عليك بذنب صدر منك ، كما قال تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ)(١) ، فإذا علمت أنك بدأت بالجناية وانتقم الله منك على يده كنت فى الحقيقة أولى بالاعتذار. وقال بعض أهل الخصوص : من طلب نور الحقيقة على قدم الاستدلال لم تحلّ له دعوة الفتوّة أبدا ، كأنه يقول : إذا لم تحوج يا فتى عدوّك إلى العذر والشفاعة ، ولم

__________________

(١) الآية ٣٠ سورة الشورى

١٧٣

تكلّفه طلب الاستدلال على صحّة عذره ، فكيف تحوج وليّك وحبيبك إلى أن يقيم لك الدليل على التوحيد والمعرفة ، ولا تسير إليه حتى يقيم لك دليلا على وجود وحدانيته وقدرته ومشيئته ، فأين هذا من درجة الفتوّة! وهل هذا إلّا خلاف الفتوّة من كلّ وجه؟!

وليس يصحّ فى الأذهان شىء

إذا احتاج النهار إلى دليل

١٧٤

٥ ـ بصيرة فى فتئ وفج وفجر وفجو وفحش وفخر

أبو زيد : ما فتأت أذكره ، وما فتئت أذكره. وما فتؤت أذكره وهذه عن الفرّاء ، أى ما زلت أذكره وما برحت. وقوله تعالى : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ)(١) أى ما تفتأ. وما أفتأت (٢) أذكره لغة فى ذلك.

والفجّ : شقّة يكتنفها جبلان. ويستعمل فى الطّريق الواسع ، قال تعالى : (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)(٣). ويقال : قطعوا سبلا فجاجا ، حتى أتوك حجّاجا.

والفجر : شقّ الشىء شقّا واسعا كفجرك سكر (٤) النهر. فجرته فانفجر ، وفجّرته فتفجّر. وفجر الله الفجر : أظهره ، سمّى به لأنّه يشق اللّيل قال تعالى : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً)(٥).

والفجر فجران : كاذب وهو كذنب السّرحان (٦) ، وصادق وهو المستطير الذى يتعلّق به الصلاة والصيام.

والفجر (٧) : الكرم. وفلان يتفجّر بالمعروف.

__________________

(١) الآية ٨٥ سورة يوسف

(٢) فى ا : «تفتأت» وفى ب : «فتأت» والذى فى اللغة ما أثبت

(٣) الآية ٢٧ سورة الحج

(٤) هو ما سد به النهر

(٥) الآية ٧٨ سورة الاسراء

(٦) هو الذئب

(٧) فى الأصلين : «الفجور» وما أثبت هو الموافق لما فى اللغة.

١٧٥

والفجوة والفجواء : الفرجة وما اتّسع من الأرض ، قال تعالى : (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ)(١) أى ساحة واسعة. والفجوة : ساحة الدّار ، والجمع : فجوات وفجاء. وفجا بابه : فتحه فانفجى ، وقوسه : رفع وترها (٢) عن كبدها. وأفجى : وسّع النفقة على عياله. والفجا : تباعد ما بين الفخذين أو الرّكبتين أو السّاقين.

والفحش والفحشاء والفاحشة : ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال. قال تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً)(٣)

الفخر : المباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه. رجل فاخر وفخور وفخّير كسكّيت. وفخرت فلانا على صاحبه ـ كمنعت ـ : حكمت له بفضل عليه. ويعبّر عن كلّ نفيس بالفاخر.

والفخّار : الجرار.

__________________

(١) الآية ١٧ سورة الكهف

(٢) فى الأصلين : «وتره» وما أثبت عن القاموس.

(٣) الآية ٣٢ سورة الاسراء

١٧٦

٦ ـ بصيرة فى فدى وفر وفرت وفرث وفرج وفرح

فداه يفديه فداء وفدى وفدى / وافتدى به ، وفاداه : أعطى شيئا فأنقذه. والفداء ككساء : ذلك المعطى. قال تعالى : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً)(١). وأفداه الأسير : قبل منه فديته.

أصل الفرّ : الكشف (٢) ومنه الافترار ، وهو : ظهور السنّ من الضّحك. وفرّ من الحرب فرارا. وأفررته : جعلته فارّا. قال تعالى : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ)(٣). والمفرّ : موضعه ووقته. والمفرّ أيضا : الفرار نفسه قال تعالى : (أَيْنَ الْمَفَرُّ)(٤) يحتمل المعانى الثلاثة.

والفرات : البحر نفسه. والفرات : الماء العذب ، يقال : ماء فرات ومياه فرات. والفرات : نهر بالكوفة. وفى الحديث : «سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنّة (٥)». وفرت الماء فروتة : عذب.

وفرت ـ كفرح ـ : ضعف عقله بعد مسكة.

والفرث : السّرقين ما دام فى الكرش ، والجمع : فروث ، قال الله تعالى (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ)(٦) ، والفرث أيضا : غثيان الحبلى.

__________________

(١) الآية ٤ سورة محمد

(٢) فى الراغب بعده : «عن سن الدابة»

(٣) الآية ٢١ سورة الشعراء

(٤) الآية ١٠ سورة القيامة

(٥) هذا الحديث أخرجه مسلم كما فى تيسير الوصول فى الفضائل

(٦) الآية ٦٦ سورة النحل

١٧٧

والفرج والفرجة : الشقّ بين الشيئين ، كفرجة الحائط. الفرج ما بين الرّجلين ، وكنى به عن السّوءة. وكثر حتّى صار كالصّريح فيه.

قال تعالى : (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ)(١) أى انشقّت. وقوله تعالى : (ما لَها مِنْ فُرُوجٍ)(٢) أى من شقوق. ولكلّ غمّ فرجة ، أى كشفة. قال (٣)

ربّ ما تكره النفوس من الأم

ر له فرجة كحلّ العقال

وفرج الباب : فتحه ، وفرج الله غمّه فانفرج. والله فارج الغموم

يا فارج الكرب مسدولا عساكره

كما يفرّج غمّ الظلمة الفلق (٤)

ومكان فرج : فيه تفرّج. ورجل فرج : لا يكتم سرّا. وفلان يسدّ به الفرج ، أى يحمى به الثغر. وجاءوا وعليهم فراريج ، وهى الأقبية المشقوقة من وراء.

والفرح : ضدّ الترح ، وهو انشراح الصّدر بلذّة عاجلة : (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ)(٥). ولم يرخّص فى الفرح إلّا بما فى قوله : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)(٦) وقوله : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ)(٧). والفرح : الكثير الفرح قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)(٨). ولك عندى فرحة ، أى بشرى.

وأفرحه : غمّه ، وأزال فرحه ، وتقول : أفرحتنى الدّنيا ثم أفرحتنى ، والهمزة (٩) للسّلب. ويقال : المرء بين مفرحين ، قاعد بين سلامة وحين (١٠). ورجل مفراح : كثير الفرح.

__________________

(١) الآية ٩ سورة المرسلات

(٢) الآية ٦ سورة ق

(٣) أى أمية بن أبى الصلت ، كما فى التاج

(٤) أنشده فى الأساس غير معزو.

(٥) الآية ٢٣ سورة الحديد

(٦) الآية ٥٨ سورة يونس

(٧) الآية ٤ سورة الروم

(٨) الآية ٧٦ سورة القصص

(٩) قبله فى الأساس : «أى سرتنى ثم غمتنى» وبه يستقيم الكلام

(١٠) الحين : الهلاك

١٧٨

٧ ـ بصيرة فى فرد

الفرد : الوتر ، والجمع : أفراد ، وفرادى على غير قياس كأنه جمع فردان. قال الله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى)(١). قال الفراء : قوم فرادى وفراد بغير تنوين ، لا يجرون (٢) فراد ، تشبيها بثلاث ورباع ، قال : وأنشدنى بعضهم قول تميم بن أبىّ بن مقبل يصف فرسا :

ترى النعرات الخضر تحت لبانه

فراد ومثنى أضعفتها صواهله (٣)

ويروى أحاد ومثنى. وجاءوا فراد فراد كقولهم : جاءوا فرادى ، ويقال أيضا جاءوا فرادا بالتنوين ، أى واحدا واحدا. قال : والواحد فرد وفرد وفريد وفردان ولا يجوز فرد فى هذا المعنى. وقد جاء فردى مثال سكرى ، ومنه قراءة الأعرج ونافع وأبى عمرو (٤) : (ولقد جئتمونا فَرْدَى).

والفرد أخصّ من الواحد ، قال تعالى : (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً)(٥) أى وحيدا. ويقال فى الله فرد تنبيها أنه بخلاف الأشياء كلّها فى الازدواج المنبّه عليه بقوله : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ)(٦) ، أو معناه : المستغنى عمّا عداه ، كما نبّه بقوله : (غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٧) ، وإذا قيل : هو منفرد

__________________

(١) الآية ٩٤ سورة الأنعام

(٢) إجراء الكلمة : صرفها. وهو اصطلاح كوفى

(٣) النعرات : جمع النعرة ، وهى ذبابة تسقط على الدواب فتؤذيها. والصواهل : جمع الصاهلة بمعنى الصهيل. وقوله : «أضعفتها» الرواية فى معانى القرآن ١ / ٢٥٥ «أصعقتها»

(٤) إسناد هذه القراءة إلى نافع وأبى عمرو إنما هو فى رواية خارجة عنهما كما فى البحر المحيط ٤ / ١٨٢ وهى من القراءات الشاذة

(٥) الآية ٨٩ سورة الأنبياء

(٦) الآية ٤٩ سورة الذاريات

(٧) الآية ٩٧ سورة آل عمران

١٧٩

بوحدانيّته فمعناه هو مستغن عن كلّ تركيب وازدواج ، / تنبيها أنه بخلاف الموجودات كلّها. قال :

فى الأهل شغل وفى الأولاد منقصة

والله فرد يحب الفرد فانفردوا

إن كنت منفردا فاللّيث منفرد

والسيف منفرد والبدر منفرد

وقد ورد فى القرآن على أربعة أوجه :

١ ـ فى دعاء زكريّا وسؤاله ألّا يبقى بلا وارث : (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً)(١).

٢ ـ بمعنى المنفرد فى القبر : (وَيَأْتِينا فَرْداً)(٢).

٣ ـ فى الحضور إلى المحشر وحيدا : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً)(٣).

٤ ـ بمعنى الفرد العاصى عن الأهل والمال فى القيامة : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)(٤).

__________________

(١) الآية ٨٩ سورة الأنبياء

(٢) الآية ٨٠ سورة مريم والظاهر أن هذا يوم المحشر كالآتى بعده

(٣) الآية ٩٥ سورة مريم]

(٤) الآية ٩٤ سورة الأنعام

١٨٠