بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٧

فى بيعه غبن وفى رأيه غبن ، وقد غبن وغبن. وتقول : لحقته فى تجارته غبينة. وغبن الشىء ـ كفرح ـ غبنا وغبنا : نسيه ، وأغفله. وغبن رأيه ـ بالنّصب ـ غبنا وغبانة : ضعف ، فهو غبين ومغبون (١). وغبنه فى البيع يغبنه غبنا وغبنا : خدعه. وقد غبن فهو مغبون ، وتغابنوا : غبن بعضهم بعضا.

وقوله تعالى : (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ)(٢) سمّى به لظهور الغبن فى المبايعة المشار إليها بقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)(٣) وقوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ)(٤) ، وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً)(٥) ، فعلم أنّهم قد غبنوا فيما تركوا من المبايعة ، وفيما تعاطوا من ذلك جميعا. وسئل بعضهم عن يوم التغابن فقال : تبدو الأشياء لهم بخلاف مقاديرهم فى الدنيا. وقيل سمّى يوم التّغابن لأن أهل الجنّة تغبن أهل النّار.

والمغابن : كلّ منثن من الأعضاء كالإبط ونحوه.

__________________

(١) كذا ، واسم المفعول لا يأتى من المبنى للفاعل

(٢) الآية ٩ سورة التغابن

(٣) الآية ٢٠٧ سورة البقرة

(٤) الآية ١١١ سورة التوبة

(٥) الآية ٧٧ سورة آل عمران

١٢١

٣ ـ بصيرة فى غثو وغدر وغدق وغدو

والغثاء والغثّاء ـ كغراب وزنّار ـ : القمش (١) ، والزّبد ، والهالك البالى من ورق الشجر المخالط زبد السّيل. ويقال : فلان ماله غثاء ، وعمله هباء ، وسعيه جفاء (٢).

والغدر : الإخلال بالشىء وتركه. والمغادرة مثله. قال تعالى : (فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(٣).

والماء الغدق : الكثير. وقد غدقت العين ـ كفرح ـ : غزرت ، قال تعالى : (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً)(٤).

والغدوة ـ بالضمّ ـ : البكرة ، وقيل : ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس. والغديّة والغداة بمعناه ، والجمع : (غدوات (٥) وغديّات وغدايا وغدوّ). وقيل : لا يقال (٦) : غدايا إلّا مع عشايا للازدواج. وقوبل فى التنزيل الغدوّ بالآصال ، والغداة بالعشىّ.

والغادية : مطرة الغداة ، والسحابة تنشأ غدوة. وفلان (يغاديه (٧) ويراوحه ثم يغاديه ويكاوحه). وهو ابن غداتين : ابن يومين.

__________________

(١) هو جمع القماش ، وهو ما يجمع من هنا وهنا

(٢) الجفاء هنا الباطل.

(٣) الآية ٤٧ سورة الكهف

(٤) الآية ١٦ سورة الجن

(٥) غدوات وغدو جمعا الغداة ، وغديات وغدايا جمعا الغدية. فأما جمع الغدوة فالغدى كما يؤخذ من اللسان.

(٦) هذا مبنى على أنه لم يرد فى اللغة الغدية

(٧) يغاديه ويراوحه ، أى يزوره فى الغداة والعشى وهو وقت الرواح ، ثم بغد ينقلب عليه فيغدو عليه ويكاوحه ، أى يسابه ويشاره. وهذا من سجعات الأساس

١٢٢

٤ ـ بصيرة فى غرب

الغرب : خلاف الشرق ، والمغرب : خلاف المشرق ، قال الله تعالى (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)(١) باعتبار الجهتين ، و (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ)(٢) باعتبار الجهتين مطلع كلّ يوم. ولقيته مغيربان الشمس صغّروه / على غير مكبّره كأنّهم صغّروا مغربانا ، والجمع : مغيربانات. كأنّهم جعلوا ذلك الحيّز أجزاء كلّما تصوّبت الشمس ذهب منها جزء فجمعوه على ذلك. والمغارب : السّودان (٣) ، والمغارب : الحمران (٤). وأسود غربيب ، أى شديد ، قال تعالى : (وَغَرابِيبُ (٥) سُودٌ) ، السود (٦) بدل من غرابيب ؛ لأنّ توكيد الألوان لا يتقدّم. وقيل التقدير : سود غرابيب سود.

والغريب : المغترب ، والجمع : الغرباء. والغرباء أيضا : الأباعد. والغريب من الكلام : الغامض العقمىّ (٧) منه.

وفى الحديث (٨) : «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء. قيل : ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس». وروى الإمام (٩) بسنده (١٠) أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) الآية ٢٨ سورة الشعراء

(٢) الآية ٤٠ سورة المعارج

(٣) السودان : جمع أسود ، والحمران : جمع أحمر

(٤) الآية ٢٧ سورة فاطر

(٥) الأولى : «سود»

(٦) فى الأصلين : «العمقى». وفى القاموس (عقم) أن العقمى الغريب الغامض من الكلام بضم العين وكسرها

(٧) رواه مسلم والترمذى كما فى الجامع الصغير بلفظ «إن الاسلام ..»

(٨) الظاهر أنه يريد الامام أحمد بن حنبل فى مسنده وفى الجامع الصغير الحديث عن مسند الامام أحمد الآتى عن عبد الله بن عمرو ، والجامع الصغير لا يستوعب كل ما روى.

(٩) فى الأصلين : «بسند».

١٢٣

«طوبى للغرباء. قالوا : يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال : الذين يزيدون إذا نقص النّاس» ، فإن كان هذا الحديث محفوظا بهذا اللفظ فمعناه : الّذين يزيدون خيرا وإيمانا وتقى إذا نقص النّاس. والله أعلم.

وفى لفظ : قيل من الغرباء يا رسول الله؟ قال : نزّاع (١) القبائل. وفى حديث عبد الله بن عمرو أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «طوبى للغرباء. قيل : ومن الغرباء؟ قال : ناس صالحون قليل فى ناس سوء كثير ، من يبغضهم أكثر ممّن يطيعهم». وعند عبد الله بن عمرو أنه قال : «إن أحبّ شىء إلى الله الغرباء. قيل : ومن الغرباء؟ قال : الفارّون بدينهم يجتمعون إلى عيسى بن مريم يوم القيامة». وفى حديث آخر : «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء. قيل ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال : الذين يحبون سنّتى ويعلّمونها النّاس».

فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون. ولقلمّتهم فى الناس جدّا سمّوا غرباء. فإنّ أكثر النّاس على غير هذه الصّفات. فأهل الإسلام فى الناس غرباء ، وأهل العلم فى أهل الإسلام غرباء ، وأهل السنّة الذين تميّزوا بها من الأهواء والبدع فيهم غرباء ، والداعون الصّابرون على أذى المخالفين لهم هؤلاء أشدّ غربة (٢) ، ولكن هؤلاء هم أهل الله فلا غربة عليهم ، وإنما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله فيهم : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(٣) فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه ، وغربتهم هى الغربة الموحشة.

__________________

(١) النزاع : جمع نازع ، وهو الغريب الذى نزع من أهله وعشيرته أى بعد وغاب. وسيأتى للمؤلف شرحه

(٢) فى الأصلين : (غرباء)

(٣) الآية ١١٦ سورة الأنعام

١٢٤

فليس غريبا من تناءى دياره

ولكنّ من تنأين عنه غريب (١)

والغربة ثلاثة أنواع :

غربة أهل الله وأهل سنّة رسوله بين هذا الخلق ، وهى الغربة الّتى مدح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهلها ، وأخبر عن الدّين الذى جاء به أنه بدأ غريبا وأنه سيعود غريبا ، وأن أهله يصيرون غرباء ، وهذه الغربة قد تكون فى مكان دون مكان ، ووقت دون وقت ، وبين قوم دون غيرهم ، ولكن أهل هذه الغربة هم أهل الله حقّا لم يأووا إلى غير الله ، ولم يأنسوا (٢) إلى غير رسوله ، وهم الذين فارقوا النّاس أحوج ما كانوا إليهم. فهذه الغربة لا وحشة على صاحبها ، بل هو آنس ما يكون إذا استوحش النّاس ، وأشدّ ما يكون وحشة إذا استأنسوا ، تولّاه الله ورسوله والذين آمنوا ، وإن عاداه أكثر النّاس وجفوه. ومن هؤلاء الغرباء من ذكرهم أنس فى حديثه عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أخبركم عن ملوك أهل الجنّة؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : كلّ ضعيف أغبر ذى طمرين (٣) لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبرّه». وقال الحسن : المؤمن فى الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلّها ، ولا ينافس فى خيرها (٤) ، للنّاس حال وله حال.

ومن صفات هؤلاء التمسّك بالسنّة إذا رغب عنه (٥) النّاس ، وترك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم. وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقا ، وأكثر النّاس بل كلّهم لائمون لهم.

__________________

(١) «تناءى» كذا فى الأصلين .. والأولى : «تناءت»

(٢) فى الأصلين : «ينافسوا» والظاهر أنه محرف عما أثبت.

(٣) الطمر : الثوب الخلق البالى. وفى الفتح الكبير ٢ / ٣٣٢ برواية : كم من ذى طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره.

(٤) فى الأصلين : «غيرها» والظاهر ما أثبت

(٥) أى عن التمسك. والأولى «عنها» ، أى عن السنة.

١٢٥

ومعنى قول النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنهم النزّاع من القبائل : أن الله تعالى بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأهل الأرض على أديان مختلفة ، فهم بين عبّاد أوثان ، وعبّاد نيران ، وعبّاد صلبان ، ويهود ، وصابئة ، وفلاسفة ، وكان الإسلام فى أول ظهوره غريبا ، وكان من أسلم منهم واستجاب لدعوة الإسلام نزّاعا من القبائل آحادا منهم ، تفرّقوا عن قبائلهم وعشائرهم ، ودخلوا فى الإسلام ، فكانوا هم الغرباء حقا ، حتى ظهر الإسلام وانتشرت دعوته ، ودخل النّاس فيه أفوجا فزالت تلك الغربة عنهم ، ثم أخذ فى الاغتراب حتى عاد غريبا كما بدأ. بل الإسلام الحق الّذى كان [عليه] رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه اليوم أشدّ غربة منه فى أوّل ظهوره ، وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة ، فالإسلام الحقيقىّ غريب جدّا ، وأهله غرباء بين النّاس.

وكيف لا يكون فرقة واحدة قليلة جدّا غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة ذات أتباع ورياسات ، ومناصب وولايات ، لا يقوم لها سوق إلّا بمخالفة ما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ وكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبا بين هؤلاء الذين اتّبعوا أهواءهم ، وأطاعوا شحّهم ، وأعجب كلّ منهم برأيه. ولهذا جعل له فى هذا الوقت إذا تمسّك بدينه أجر خمسين من الصّحابة ، ففى سنن أبى داود من حديث أبى ثعلبة الخشنىّ قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ)(١) فقال : «بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحّا مطاعا ، وهوى متّبعا ، ودنيا مؤثرة،

__________________

(١) الآية ١٠٥ سورة المائدة

١٢٦

وإعجاب كلّ ذى رأى برأيه ، فعليك بنفسك ودع عنك العوامّ ، فإنّ من ورائكم أيّاما الصّبر فيهن كمثل قبض على الجمر ، للعامل فيهم أجر خمسين رجلا يعملون بمثل عمله. قلت يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال : أجر خمسين منكم». وهذا الأجر العظيم إنما هو لغربته بين الناس ، والتمسّك بالدين بين ظلمة أهوائهم. فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطّن نفسه على قدح الجهّال وأهل البدع وطعنهم عليه ، وإزرائهم به ، وتنفير النّاس عنه ، وتحذيرهم منه ، كما كان الكفّار يفعلون مع متبوعه وإمامه. فأمّا إن دعاهم إلى ذلك وقدح فيما هم عليه فهناك تقوم قيامتهم ، ويتغوّلون له الغوائل ، وينصبون له الحبائل ، ويجلبون عليه بخيلهم ورجلهم. فهو غريب فى دينه لفساد أديانهم ، غريب فى تمسّكه بالسّنة لتمسّكهم بالبدعة ، غريب فى اعتقاده لفساد عقائدهم ، غريب فى صلاته لسوء صلاتهم ، غريب فى معاشرته لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم ، وبالجملة فغريب فى أمور دنياه وآخرته ، لا يجد له مساعدا ولا معينا .. فهو عالم بين قوم جهّال ، صاحب سنّة بين أهل بدع ، داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع.

وثمّ غربة مذمومة وهى غربة أهل الباطل بين أهل الحقّ ، فهم وإن كثروا عددا قليلون مددا.

وثمّ غربة لا تحمد ولا تذمّ. وهى الغربة عن الوطن ، فإن الناس كلّهم فى هذه الدنيا غرباء فإنّها ليست بدار مقام ، ولا خلقوا لها. وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لابن عمر : «كن فى الدّنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل» (١)

__________________

(١) رواه البخارى عن ابن عمر كما فى الفتح الكبير.

١٢٧

وهكذا الحال فى نفس الأمر ، لكنه أمره أن يطالع ذلك بقلبه ، ويعرفه حقّ المعرفة. وقد أنشد شيخ السنّة لنفسه :

وحىّ على جنّات عدن فإنّها

مفاز لك الأولى وفيها المخيّم

ولكننا سبى العدوّ فهل ترى

نعود إلى أوطاننا ونسلّم

وأىّ اغتراب فوق غربتنا التى

لها أضحت الأعداء فيها تحكّم

وقد زعموا أن الغريب إذا نأى

وشطّت به أوطانه ليس ينعم

فمن أجل ذا لا ينعم العبد ساعة

من العمر إلا بعده يتألّم

فالإنسان [على] جناح سفر لا يحلّ راحلته إلا بين أهل القبور ، فهو مسافر فى صورة قاعد ، قال :

وما هذه الأيام إلّا مراحل

يحثّ بها داع إلى الموت قاصد

وأعجب شىء لو تأمّلت أنّها

منازل تطوى والمسافر قاعد

١٢٨

٥ ـ بصيرة فى غر

الغرّة : الغفلة. وغررته : أصبت غفلته ، ونلت منه ما أريد.

قال [الله تعالى] : (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ)(١) ، الغرور : كل ما يغرّك من مال وجاه وشهوة وشيطان ، وقد فسّر بالشيطان ، وبالدنيا لأنّها تغرّ وتمرّ ، وأما الشيطان فإنّه أقوى الغارّين وأخبثهم.

والغرير : الخلق الحسن ، لأنه يغرّ. والأغرّ : الكريم.

والغرر : الخطر فى البيع ، وقد نهى عنه. وغرار السيف : حدّه

__________________

(١) الآية ٣٣ سورة لقمان

١٢٩

٦ ـ بصيرة فى غرض وغرف وغرق وغرم وغرى

الغرض ـ محركة ـ : هدف يرمى فيه ، ثم جعل اسما لكل غاية يتحرّى إدراكها والجمع : أغراض.

غرف الماء : أخذه بيده كاغترفه. والغرفة للمرّة ، وبالضمّ : اسم للمفعول ؛ لأنّك ما لم تغرفه لا تسمّيه غرفة ، والجمع : غراف ، كنطفة ونطاف. والغرافة أيضا : الغرفة.

والغرفة من البناء : العلّيّة ، والجمع غرفات وغرفات وغرفات وغرف. قال تعالى : (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً)(١) ، وقال : (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ)(٢) ، وقال : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ)(٣).

الغرق : الرسوب فى الماء وغيره. غرق ـ كفرح ـ غرقا وغرقا (٤) فهو غرق وغارق وغريق ، وجمعه : غرقى. وغرّقه وأغرقه ، قال تعالى : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ)(٥). وأقيم الغرق مقام المصدر الحقيقى فى قوله تعالى : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً)(٦) أى إغراقا. وقال تعالى : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ)(٧) وقال : (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ)(٨) ، وقال : (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً)(٩) ، وقال

__________________

(١) الآية ٥٨ سورة العنكبوت

(٢) الآية ٢٠ سورة الزمر

(٣) الآية ٣٧ سورة سبأ

(٤) لم أقف على هذا المصدر لغرق ، والمذكور هو الأول. والغرق إنما يأتى اسم مصدر بمعنى الاغراق كما سيذكره.

(٥) الآية ٥٠ سورة البقرة ، والآية ٥٤ سورة الأنفال

(٦) صدر سورة النازعات

(٧) الآية ٩٠ سورة يونس

(٨) الآية ٢٤ سورة الدخان

(٩) الآية ١٠٣ سورة الاسراء

١٣٠

فى قوم لوط : (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ)(١) ، وقال فى الجمع بين الإغراق والإحراق فى القيامة : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً)(٢).

والغرام : الولوع ، والشرّ الدائم ، والهلاك ، والعذاب : (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً)(٣).

والغرم والمغرم والغرامة : ما يلزم أداؤه ، قال تعالى : (وَالْغارِمِينَ)(٤) والغريم : المديون ، والدّائن. وأغرمته أنا وغرّمته (٥)

والمغرم : أسير الحبّ أو الدين ، والمولع بالشىء.

وغرى بكذا : لهج وأولع ، غرا وغراء ، كغرى به وأغرى مضمومتين. وأغراه به ، والاسم الغروى ، قال تعالى : (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ)(٦)

__________________

(١) الآية ٧٧ سورة الأنبياء

(٢) الآية ٢٥ سورة نوح

(٣) الآية ٦٥ سورة الفرقان

(٤) الآية ٦٠ سورة التوبة

(٥) فى الأصلين : «غرمنا منه» والظاهر أنه محرف عما أثبت.

(٦) الآية ٦٠ سورة الأحزاب

١٣١

٧ ـ بصيرة فى غزل / وغزو وغسق وغسل وغشى

غزلت المرأة القطن تغزله واغتزلته. ونسوة غزّل وغوازل. والمغزل ـ مثلثه الميم ـ : ما يغزل به الغزل ، قال : (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها)(١).

والغزل ـ محركة ـ والمغزل : اللهو مع النساء. وقد غازلها. والتغزّل : التكلّف له. ورجل غزل : متغزّل بالنساء.

والغزال : الشادن حين يتحرّك ويمشى ، والجمع : غزلة وغزلان.

والغزو : الخروج لمحاربة العدوّ. غزاه : أراده وطلبه وقصده ، والعدوّ : سار إلى قتالهم وانتهابهم ، غزوا وغزوانا وغزاوة ، فهو غاز ، والجمع : غزّى وغزىّ كدلىّ. والغزىّ كغنىّ : اسم الجمع. وأغزاه إغزاء : حمله عليه ، قال تعالى : (أَوْ كانُوا غُزًّى)(٢).

والغسق : ظلمة أوّل اللّيل [(٣) غسقت عينه كضرب وسمع غسوقا [وغسقانا](٤) محركة : أظلمت (٥)] والغاسق : الليل إذا غاب الشفق.

وقوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ)(٦) أى الليل إذا دخل ، أو الثّريّا إذا سقطت لكثرة الطّواعين حينئذ. الغزالىّ عن ابن عباس : من شرّ الذكر إذا قام. وقيل : القمر إذا كسف واسودّ.

__________________

(١) الآية ٩٢ سورة النحل

(٢) الآية ١٥٦ سورة آل عمران

(٣) (٣ ـ ٣) سقط ما بين القوسين فى ا. وفى ب بدل ما بين القوسين : «غسقت عينه تغسق كفرح يفرح أظلمت» ولم أقف على باب فرح من غسق

(٤) زيادة من القاموس

(٥) الآية : ٣ سورة الفلق

١٣٢

والغساق والغسّاق كسحاب وشدّاد : البارد المنتن ، وقيل : ما يقطر من جلود أهل النار. وقال تعالى : (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)(١) ، أى ظلمته.

وغسلته غسلا وغسلا : أجريت عليه الماء فأزلت درنه ، وقيل : بالفتح المصدر ، وبالضمّ الاسم ، فهو غسيل ومغسول ، والجمع : غسلى وغسلاء. وهى غسيل. والغسل والغسل والغسلة والغسول : الماء الذى يغتسل به. والغسلين : غسالة أبدان الكفّار.

غشى عليه ـ كعنى ـ غشيا وغشيانا ـ محركة ـ فهو مغشىّ عليه ، والاسم الغشية ، قال تعالى : (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ)(٢).

وقوله تعالى : (وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ)(٣) أى أغماء (٤). وعلى بصره وقلبه غشوة وغشاوة مثلّثين ، وغاشية ، وغشية وغشاية مضمومتين ، وغشاية بالكسر : غطاء. وغشّى الله على بصره تغشية وأغشى. وغشيه الأمر وتغشّاه وأغشيته إيّاه وغشّيته. وغشيت الدّار : أتيتها. وكنى به عن الجماع فقيل : غشيها وتغشّاها ، قال تعالى : (فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ)(٥).

والغاشية : القيامة ، والنار ، وقميص القلب ، وجلد ألبس جفن السّيف من أسفل شاربه (٦) إلى نعله (٧).

__________________

(١) الآية : ٧٨ سورة الاسراء

(٢) الآية ١٩ سورة الأحزاب

(٣) الآية : ٤١ سورة الأعراف

(٤) الأغماء : جمع الغمى وهو سقف البيت ، والمراد ما يعلوهم من النيران

(٥) الآية ١٨٩ سورة الأعراف

(٦) الشارب : أنف طويل فى أسفل قائم السيف وهما شاربان. والنعل : حديدة فى أسفل غمد السيف

١٣٣

وقوله تعالى : (أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ)(١) ، أى نائبة تغشاهم وتجلّلهم. وقيل : الغاشية فى الأصل محمودة ، وإنّما استعير لفظه هاهنا تهكّما على نحو : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ)(٢)

واستغشى ثوبه وبه : تغطّى به كيلا يسمع ولا يرى ، قال تعالى : (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ)(٣) ، أى جعلوها غشاوة على أسماعهم ، وذلك كناية عن الامتناع من الإصغاء. وقيل : كناية عن العدو ، كقولهم : شمّروا ذيلهم.

__________________

(١) الآية ١٠٧ سورة يوسف

(٢) الآية ٤١ سورة الأعراف

(٣) الآية ٧ سورة نوح

١٣٤

٨ ـ بصيرة فى غض وغضب وغطش وغطا وغفر

الغصّة : الشجا ، وما اعترض فى الحلق فأشرق (١) ، والجمع : غصص. وقد غصصت وغصصت تغصّ (٢) غصصا.

والغضّ والغضيض : الطرىّ. وغضّ طرفه : خفضه واحتمل المكروه ، ومن فلان : نقص ووضع من قدره.

والغضب : ثوران دم القلب إرادة للانتقام ، قال تعالى : (فَباؤُ بِغَضَبٍ)(٣). غضب عليه غضبا ومغضبة : سخط. وقوله / تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)(٤) يعنى اليهود.

وقال ابن عرفة : الغضب من المخلوقين شىء يداخل قلوبهم ، ويكون منه محمود ومذموم ، فالمذموم ما كان فى غير الحقّ (٥). وأمّا غضب الله عزوجل ، فهو إنكاره على من عصاه فيعاقبه. وقال الطحاوى : إنّ الله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى. وقال غيرهما : المفاعيل (٦) إذا وليتها الصّفات (٧) فإنها (٨) تذكّر الصفات وتجمعها وتؤنّثها ، وتترك المفاعيل على أحوالها ، يقال : هو مغضوب عليه ، وهما مغضوب عليهما ،

__________________

(١) أى أحدث الشرق وهو الغصة

(٢) هذا مضارع الأول. ومضارع الثانى تغص بضم الغين. ويراجع التاج

(٣) الآية ٩٠ سورة البقرة

(٤) الآية ٧ سورة الفاتحة

(٥) بعده فى التاج : «والمحمود ما كان فى جانب الدين والحق»

(٦) أى أسماء المفعول.

(٧) يريد حروف الجر يسميها الكوفيون حروف الصفات ، لأنها نقع صفات لما قبلها من النكرات. وانظر ابن يعيش فى شرح المفصل ٨ / ٧

(٨) الضمير فى «فانها» للقصة. وقوله : «تذكر» أى تذكر أنت أيها القائل. والمراد من التصرف بالتذكير وما بعده فى لواحق الحروف والمجرور بها

١٣٥

وهم مغضوب عليهم ، وهى مغضوب عليها ، وهنّ مغضوب عليهنّ. ورجل غضبان وامرأة غضبى. ولغة بنى أسد غضبانة. وقوم غضبى وغضابى وغضابى مثل سكرى وسكارى وسكارى.

وقوله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً)(١) أى مراغما لقومه.

(وَأَغْطَشَ لَيْلَها)(٢) ، أى أذهب ضوءه وجعله مظلما. وأصله من الغطش ، وهو شبه الغمش (٣) فى العين.

والغطاء ـ ككساء ـ : ما يغطّى به الشىء. وقد استعير للجهالة ، قال تعالى : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ)(٤).

والغفر : الستر. اللهمّ غفرا. والغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب. وقد يقال : غفر له إذا تجاوز عنه فى الظّاهر وإن لم يتجاوز فى الباطن ، نحو : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ)(٥). والاستغفار : طلب المغفرة قولا وفعلا. وقوله : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً)(٦) لم يؤمروا أن يسألوه ذلك باللسان فقط ، بل به وبالفعل ، فبدونه (٧) قول الكذّابين. وقوله : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ)(٨) ، وقوله : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)(٩) ، وقوله : (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)(١٠) ، وقوله : (إِنَّهُ كانَ (١١) غَفَّاراً) ، وقوله : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ)(١٢) فيه من تأميل الرّاجين ، وتأنيس المذنبين ما لا يخفى.

__________________

(١) الآية ٨٧ سورة الأنبياء

(٢) الآية ٢٩ سورة النازعات

(٣) هو إظلام البصر من جوع أو عطش

(٤) الآية ٢٢ سورة ق

(٥) الآية ١٤ سورة الجاثية

(٦) الآية ١٠ سورة نوح

(٧) عبارة الراغب : «فقد قيل : الاستغفار باللسان من دون ذلك بالفعال فعل الكذابين»

(٨) الآية ٨٢ سورة طه

(٩) الآية ٥٣ سورة الزمر

(١٠) الآية ٣٠ سورة فاطر

(١١) الآية ١٠ سورة نوح

(١٢) الآية ٣ سورة غافر

١٣٦

ومن دعاء الأعراب : اللهمّ أسألك الغفيرة ، والناقة الغزيرة ، والعزّ فى العشيرة (١) قال:

كلّ الذنوب فإنّ الله يغفرها

إن شيّع (٢) المرء إخلاص وإيمان

وكل كسر فإن الله يجبره

وما لكسر قناة الدين جبران

واعلم أنّ كلّ أحد ـ من عهد آدم إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة ـ من نبىّ وولىّ ، ومؤمن موقن وصادق ، وفاسق ، وكافر ونافر ، ومخلص ، إلّا وهو ينتظر بحقّه المغفرة. أما ترى آدم عليه‌السلام وابتهاله وتضرّعه فى سؤال الغفران فى قوله : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا)(٣). وقال شيخ (٤) المرسلين : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ)(٥) وأمر قومه به : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ)(٦). وقال هود لقومه : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ)(٧). وقال صالح : (لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ)(٨). وقال إبراهيم : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي)(٩) وقال فى حقّ نفسه : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي)(١٠). وإخوة (١١) يوسف سألوا والدهم أن يستغفر لهم : (يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا)(١٢) فوعدهم بقوله : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي)(١٣) ، ويوسف بشرّهم بالمغفرة بقوله : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ)(١٤). سحرة فرعون كانوا فى طلب المغفرة : (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا)(١٥). موسى ساعة قتله

__________________

(١) بعده فى التاج : «فانها عليك يسيرة»

(٢) شيع : قوى وشجع

(٣) الآية ٢٣ سورة الأعراف

(٤) يريد نوحا عليه‌السلام

(٥) الآية ٢٨ سورة نوح

(٦) الآية ١٠ سورة نوح

(٧) الآية ٥٢ سورة هود

(٨) الآية ٤٦ سورة النمل

(٩) الآية ٤٧ سورة مريم

(١٠) الآية ٨٢ سورة الشعراء

(١١) فى الأصلين : أولاد وما أثبت هو الصواب

(١٢) الآية ٩٧ سورة يوسف

(١٣) الآية ٩٨ سورة يوسف

(١٤) الآية ٩٢ سورة يوسف

(١٥) الآية ٥١ سورة الشعراء

١٣٧

القبطىّ عرض هذه الحاجة فقال : (إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي)(١) ، ثم أشرك أخاه فى دعائه / فقال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي)(٢). داود رفع قصّة ضراعته فى هذه الحاجة : (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ)(٣) فقوبلت قصته بإجابته (فَغَفَرْنا لَهُ)(٤). سليمان افتتح سؤاله قبل سؤال الملك بطلب المغفرة : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً)(٥). عيسى فى عرصات القيامة يحيل أمّته إلى عالم المغفرة : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ)(٦). سيّد المرسلين ومقصد الوجود وأعجوبة العالم أمر بطلبه له ولأمّته : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)(٧) فكانت المغفرة أعظم هداياه من ربّ العالمين : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ)(٨). عتاب الصدّيق من الله لم يكن إلّا لأجل المغفرة : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ)(٩). شفاعة الملك الوهّاب إلى عمر بن الخطّاب فى قوم (١٠) قد استوجبوا أشدّ العقاب ما كانت [إلّا] فى المغفرة : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ)(١١). أعظم حاجات عثمان فى أعقاب الصّلوات وختم القرآن طلب المغفرة والرضوان : (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(١٢). والثناء على علىّ ، من الملك العلىّ ، كان بهذا المهمّ الجلىّ : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ)(١٣).

__________________

(١) الآية ١٦ سورة القصص

(٢) الآية ١٥١ سورة الأعراف

(٣) الآية ٢٤ سورة ص

(٤) الآية ٢٥ سورة ص

(٥) الآية ٣٥ سورة ص

(٦) الآية ١١٨ سورة المائدة

(٧) الآية ١٩ سورة محمد

(٨) الآية ٢ سورة الفتح

(٩) الآية ٢٢ سورة النور

(١٠) فى الكشاف «قيل : نزولها فى عمر رضى الله عنه وقد شتمه رجل من غفار فهم أن يبطش به» وكأنه يريد بالقوم هذا الشاتم ومن يناصره من عشيرته.

(١١) الآية ١٤ سورة الجاثية

(١٢) الآية ١٨ سورة الذاريات

(١٣) الآية ١٧ سورة آل عمران

١٣٨

ثمّ إنّ الله تعالى نبّه على أنّ المشرك غير أهل للمغفرة فقال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)(١). دعوة سيّد المرسلين كانت بطمع طلبه (٢) المغفرة : (تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ)(٣) ، ثم عرّف بعدم معرفة الكافر قدر المغفرة : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ)(٤). ثمّ أمر بالعفو والاستغفار ، للأخيار والأبرار : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)(٥). حملة العرش يتوسّلون إلى الله بطلب المغفرة للمؤمنين من عباده : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ)(٦) إلى قوله : (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) ، (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ)(٧) ، (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا)(٨). تضرّع أهل الإيمان وانتهاؤهم إلى الرحمن فى طلب الغفران : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ)(٩). بشّر عباده بأعظم البشرى : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ)(١٠) ، (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(١١).

__________________

(١) الآية ٤٨ سورة النساء

(٢) فى الأصلين : «طمعه» والظاهر أنه محرف عما أثبت

(٣) الآية ٥ سورة المنافقين

(٤) الآية ٦ سورة المنافقين. هذا والظاهر أن المراد من الآية القطع بعدم المغفرة لهم فى كلتا الحالتين الاستغفار وعدمه كما هو ظاهر فى قوله فى الآية بعد : «لن يغفر الله لهم». وفى الخطيب الشربينى أن هذا تيئيس للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من إيمانهم. وقد ذهب المؤلف فى الآية مذهبا بعيدا

(٥) الآية ١٥٩ سورة آل عمران

(٦) الآية ٧ سورة غافر

(٧) الآية ٥ سورة الشورى

(٨) الآية ٥ سورة الشورى

(٩) الآية ٢٨٥ سورة البقرة

(١٠) الآية ٥٦ سورة المدثر

(١١) الآية ٤٩ سورة الحجر

١٣٩

٩ ـ بصيرة فى غفل

الغفلة : سهو يعترى من قلّة التحفّظ والتيقّظ. غفل عنه غفولا وأغفله (١). قيل : غفل ، أى صار غافلا ، وغفل عنه وأغفله : وصل غفلته إليه ، والاسم الغفلة والغفل والغفلان ، قال تعالى : (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ)(٢). والتغافل والتغفّل : تعمّد الغفلة. والتّغفيل : أن يكفيك صاحبك وأنت غافل. والمغفّل : من لا فطنة له. والغفل ـ بالضمّ ـ من لا يرجى خيره ولا يخشى شرّه.

وقوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا)(٣) ، أى تركناه غير مكتوب فيه الإيمان. وقيل : من جعلناه غافلا عن الحقائق.

والغفول : العظيم الغفلة.

تيقّظ من منامك يا غفول

فنومك بين رمسك قد يطول

تأهّب للمنيّة حين تغدو

عسى تمسى وقد نزل الرسول (٤)

قيل : وردت حروف هذه المادّة فى القرآن على عشرة (٥) أوجه :

١ ـ غفلة الكفّار المغبونين بالإعراض عن الإيمان : (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ)(٦).

٢ ـ وغفلة مقيّدة بإقرارهم : (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا)(٧).

__________________

(١) فى الأصلين ، «أغفل» وما أثبت هو المناسب

(٢) الآية ٦ سورة يس

(٣) الآية ٢٨ سورة الكهف

(٤) يريد بالرسول ملك الموت

(٥) المذكور تسعة

(٦) الآية ١ سورة الأنبياء

(٧) الآية ٩٧ سورة الأنبياء

١٤٠