بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٤

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٧

عمارة المكان. والعمار : ما يضعه الرئيس على رأسه عمارة لرياسته وحفظا لها ، ريحانا كان أو عمامة. وإن سمّى الرّيحان من دون ذلك عمارا فاستعارة.

العمق ـ بالضمّ وبضمّتين ـ : قعر البئر ونحوها. عمق ـ ككرم ـ عماقة. وبئر عميقة ، وما أبعد عماقتها ، وما أعمقها ، قال تعالى : (مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)(١). وعمّق (٢) النظر فى الأمر. وتعمّق فى كلامه : تنطّع.

والعمل : المهنة والفعل ، وقيل / : أخصّ منه ، لأنّ الفعل قد ينسب إلى الحيوانات الّتى يقع منها (٣) بغير قصد وإلى الجمادات أيضا ، والعمل قلّما ينسب إليها ، والجمع : أعمال. عمل ـ كفرح ـ وأعمله واستعمله ، وأعمل رأيه وآلته واستعمله : عمل به. ورجل عمل وعمول : ذو عمل.

والعمل يستعمل فى الأعمال الصّالحة والسيّئة ، قال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)(٤) ، وقال : (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ)(٥). وقوله : (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها)(٦) [هم](٧) المولّون (٨) عليها. والعملة والعملة والعمالة مثلثه العين : أجر العمل.

__________________

(١) الآية ٢٧ سورة الحج. والفج العميق : البعيد

(٢) أى بالغ فيه

(٣) فى الأصلين : «فبها» وما أثبت من الراغب

(٤) الآية ٢٥ سورة البقرة. وورد فى مواطن أخر

(٥) الآية ٤ سورة العنكبوت

(٦) الآية ٦٠ سورة التوبة

(٧) زيادة من الراغب

(٨) فى الراغب : «المتولون»

١٠١

٤٠ ـ بصيرة فى عمه وعمى وعن

العمه ـ محرّكة ـ : التردّد فى الضلالة ، والتحيّر فى منازعة أو طريق ، أو ألّا يعرف الحجّة. عمه ـ كفرح ومنع ـ عمها وعمها وعموها وعموهة وعمهانا ، وتعامه فهو عمه وعامه ، والجمع : عمهون وعمّه. قال تعالى : (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(١).

عمى ـ كرضى ـ ذهب بصره كلّه. وكذا اعماى يعماى اعمياء ، وقد يشدّد (٢) الياء ، فهو أعمى وعم من عمى وعماة وعميان ، وهى عمياء وعمية وعمية. وعمّاه تعمية : صيّره أعمى ، ومعنى الكلام : أخفاه. والعمى أيضا : ذهاب بصر القلب. والفعل والصفّة كما تقدّم فى غير أفعال ، وتقول : ما أعماه فى هذه دون الأولى. وتعامى : أظهره. ومن الأوّل قوله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى)(٣) ، ومن الثانى ما ورد من ذمّ العمى نحو قوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ)(٤) ، بل لم يعدّ تعالى افتقاد البصر فى جنب افتقاد البصيرة عمى حين قال : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(٥).

وقوله تعالى : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً)(٦) فالأوّل اسم الفاعل ، والثانى قيل : هو مثله ، وقيل : هو أفعل من

__________________

(١) الآية ١٥ سورة البقرة. وورد فى مواطن أخر

(٢) أى يقال : اعماىّ. وفى التاج : «قال الصاغانى : وهو تكلف غير مستعمل»

(٣) أول سورة عبس

(٤) الآيتان ١٨ ، ١٧١ سورة البقرة

(٥) الآية ٤٦ سورة الحج

(٦) الآية ٧٢ سورة الاسراء

١٠٢

كذا الّذى للتفضيل ، لأنّ ذلك من فقدان البصيرة. ومنهم من حمل الأوّل على عمى البصيرة والثانى على عمى البصر ، وإلى هذا ذهب (١) أبو عمرو ، فأمال الأوّل لمّا كان من عمى القلب ، وترك الإمالة فى الثانى لمّا كان اسما ، فالاسم أبعد من الإمالة. وقوله : (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى)(٢) ، و (قَوْماً عَمِينَ)(٣) ، (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى)(٤) ، (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً)(٥) محتمل لعمى البصر والبصيرة جميعا.

وعمى عليه الأمر : اشتبه حتى صار بالإضافة إليه كالأعمى ، قال تعالى : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ)(٦).

وعن يرد على ثلاثة أوجه :

١ ـ يكون حرفا جارا. ولها عشرة معان :

١ ـ المجاوزة : سافرت عن البلد.

٢ ـ البدل : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)(٧).

٣ ـ الاستعلاء : (فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ)(٨) ، أى عليها.

٤ ـ والتعليل : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ)(٩).

٥ ـ ومرادفة بعد : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ)(١٠).

__________________

(١) الذى فى البحر المحيط ٦ / ٦٤ أن قراءة أبى عمرو تخرج أن الأول من عمى البصر فهو وصف لا يتعلق به شىء ، والثانى من عمى القلب فهو أفعل تفضيل وكماله بتقدير (من) فليس ألفه فى النهاية فكانت أبعد عن الامالة بخلاف الأول فألفه فى النهاية فقبلت الامالة

(٢) الآية ٤٤ سورة فصلت

(٣) الآية ٦٤ سورة الأعراف

(٤) الآية ١٢٤ سورة طه

(٥) الآية ٩٧ سورة الاسراء

(٦) الآية ٦٦ سورة القصص

(٧) الآيتان ٤٨ ، ١٢٣ سورة البقرة

(٨) الآية ٣٨ سورة محمد

(٩) الآية ١١٤ سورة التوبة

(١٠) الآية ٤٠ سورة المؤمنين

١٠٣

٦ ـ الظرفية.

* ولا تك عن حمل الرّباعة وانيا (١) *

بدليل : (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي)(٢).

٧ ـ مرادفة من : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ)(٣).

٨ ـ مرادفة الباء : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى)(٤).

٩ ـ الاستعانة : رميت عن القوس ، أى (٥) به ، قاله ابن مالك.

١٠ ـ الزائدة للتعويض عن أخرى محذوفة ، كقوله :

أتجزع إن نفس أتاها حمامها

فهلّا التى عن بين جنبيك تدفع (٦)

أى تدفع عن الّتى بين جنبيك. فحذفت (عن) من أوّل الموصول وزيدت بعده.

ب ـ ويكون مصدريا وذلك فى عنعنة تميم ، يقولون / : فى أعجبنى أن تفعل : عن تفعل كذا.

ج ـ ويكون اسما بمعنى جانب :

من عن يمينى مرّة وأمامى (٧)

وكقول الآخر :

عن يمينى مرّت الطّير سنّحا (٨)

__________________

(١) صدره :

وآس سراة الحى حيث لقيتهم

والرباعة نجوم الحمالة وهى الدية يحملها قوم عن قوم. وهو من قصيدة للاعشى ميمون

(٢) الآية ٤٢ سورة طه. وقد ساق الآية عقب الشعر ليفيد أن الونى يتعدى بفى كما فى الآية.

(٣) الآية ٢٥ سورة الشورى

(٤) الآية ٣ سورة النجم

(٥) فى التاج : «كذا فى النسخ. والصواب أى بها» وفى القاموس أن القوس قد تذكر.

(٦) لرجل من محارب يعزى ابن عم له على ولده (جامع الشواهد)

(٧) صدره : فلقد أرانى للرماح دريئة وهو لقطرى بن الفجاءة. والدريئة : البعير يستتر وراءه صاحبه ليرمى الصيد ، والحلقة يتعلم عليها الطعن. وانظر شواهد المغنى للسيوطى ١٥٠

(٨) عجزه :

وكيف سنوح واليمين قطيع

١٠٤

٤١ ـ بصيرة فى عنت وعند وعنق

العنت : الإثم. وقد عنت الرّجل ـ كفرح ـ قال الله تعالى : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ)(١) ، وقوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ)(٢) يعنى الفجور والزّنى. والعنت أيضا : الوقوع فى أمر شاقّ. وأكمة عنوت وعنتوت : شاقّة المصعد.

وعنتت عنه : أعرض. وجاءنى متعنّتا : إذا جاء يطلب زلّتك. وأعنته : أوقعه فى العنت ، قال الله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ)(٣).

وعند معناه حضور الشىء ودنوّه. وفيها ثلاث لغات : عند وعند وعند : وهى ظرف فى المكان والزّمان ، تقول : عند اللّيل ، وعند الحائط إلّا أنّها ظرف غير متمكّن ، لا تقول : عندك واسع بالرّفع. وقد أدخلوا عليها من حروف الجرّ من وحدها كما أدخلوها على لدن ، قال الله تعالى : (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا)(٤) ، وقال سبحانه : (مِنْ لَدُنَّا)(٥) ولا يقال : مضيت إلى عندك ولا إلى لدنك. وقد يغرى (٦) بها ، تقول : عندك زيدا أى خذه.

وقال ابن عبّاد : العند والعند والعند : النّاحية ، ومنه قولهم : هو عند فلان ، إلّا أن هذا لا يستعمل إلّا ظرفا إلّا فى موضع ، وهو أن يقال : هذا عندى كذا فيقال : ولك (٧) عند؟ أو يراد به القلب والمعقول

__________________

(١) الآية ١٢٨ سورة التوبة

(٢) الآية ٢٥ سورة النساء

(٣) الآية ٢٢٠ سورة البقرة

(٤) الآية ٦٥ سورة الكهف

(٥) أى تستعمل اسم فعل أمر

(٦) أى تستعمل اسم فعل أمر

(٧) فى الأساس : «أو لك»

١٠٥

وقوله : (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(١) المراد به الزّلفى والمنزلة. وقوله : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ)(٢) أى فى حكمك.

والعنيد والعنود ، قيل : بينهما فرق ، لأنّ العنيد الّذى يعاند ويخالف ، والعنود الذى يعند عن القصد ، وجمعه عندة ، وجمع العنيد : عند.

والعنق والعنق والعنيق بمعنى ، والجمع : أعناق. قال تعالى : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ)(٣) أى رءوسهم.

والعنق : الجماعة من الناس. والأعناق : الأشراف والرؤساء ، وعلى هذا قوله تعالى : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(٤).

والمؤذّنون أطول الناس أعناقا ، أى أفضلهم أعمالا ، أو أفضلهم جماعات ، وهم الشهداء لهم ، أو المراد الأشراف والرؤساء. وروى : إعناقا بالكسر أى أشدّهم إسراعا إلى الجنّة. وقيل غير ذلك.

__________________

(١) الآية ١٦٩ سورة آل عمران

(٢) الآية ٣٢ سورة الأنفال

(٣) الآية ١٢ سورة الأنفال

(٤) الآية ٤ سورة الشعراء

١٠٦

٤٢ ـ بصيرة فى عنو وعوج

عنوت فيهم عنوّا وعناء ، وعنيت كرضيت : صرت أسيرا. وعنوت له : خضعت ، قال تعالى : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ)(١) أى خضعت مستأسرة بعناء. وأعنيته : أذللته. والعنوة : الاسم منه ، والقهر ، والمودّة ضدّ. والعوانى : النساء ؛ لأنّهنّ يظلمن فلا ينتصرن.

وقرئ (لكل امرى منهم يومئذ شأن يعنيه) (٢) أى يأسره (٣) ويذلّه. والمعنى (٤) : إظهار ما تضمّنه اللفظ من عنت القربة : أظهرت ماءها.

والعوج : العطف عن حال الانتصاب. وقد عاج البعير بزمامه. وهو ما يعوج عن أمر يهمّ به ، أى ما يرجع. والعوج ـ محرّكة ـ يقال فيما يدرك بالبصر كالخشب المنتصب ونحوه ، والعوج ـ بكسر العين ـ فيما يدرك بفكر وبصيرة كالدّين والمعاش ، قال الله تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ)(٥) ، وقال : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً)(٦) وقد يكون فى أرض بسيط عوج يعرف تفاوته بالبصيرة.

والأعوج يكنى [به](٧) عن سيّئ الخلق.

__________________

(١) الآية ١١١ سورة طه

(٢) الآية ٣٧ سورة عبس. وقراءة الجمهور : «يغنيه»

(٣) الظاهر أن «يعنيه» : يهمه وليس من عنا الواوى بل من عنى اليائى

(٤) هذا ـ فى القاموس وغيره ـ من عنى اليائى بمعنى قصد. ومعنى الشىء المقصود منه. وقد تبع فى هذا الراغب ، وهو قد يتكلف فى التخريج

(٥) الآية ٢٨ سورة الزمر

(٦) الآية ٤٥ سورة الأعراف والآية ١٩ سورة هود

(٧) زيادة من الراغب

١٠٧

٤٣ ـ بصيرة فى عود

عاد إليه يعود عودا / وعودة ومعادا : رجع. وقد عاد له بعد ما كان أعرض عنه. والمعاد : المصير والمرجع. والآخرة معاد الخلق.

وقوله تعالى : (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)(١) قيل : إلى مكّة حرسها الله تعالى لأنّها معاد الحجيج ؛ لأنّهم يعودون إليها كقوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ)(٢) وقوله تعالى : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)(٣). وقيل : (لَرادُّكَ) أى لباعثك ، (إِلى مَعادٍ) أى مبعثك فى الآخرة.

وقوله تعالى : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا)(٤) أى لتصيرنّ إلى ملّتنا ، لأنّ شعيبا ـ صلوات الله عليه ـ ما كان على الكفر قطّ. والعرب تقول : عاد علىّ من فلان مكروه ، يريدون صار منه إلىّ. وقيل : (لَتَعُودُنَّ) يا أصحاب شعيب وأتباعه ، لأنّ الّذين اتّبعوه كانوا كفارا ، فأدخلوا شعيبا فى الخطاب والمراد أتباعه.

وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا)(٥) عند أهل الظّاهر أن يقول ذلك للمرأة ثانيا فحينئذ تلزمه الكفّارة. وعند الشّافعى رحمه‌الله هو إمساكها بعد وقوع الظّهار عليها مدّة يمكنه أن يطلّق فيها فلم يفعل. وعند أبى حنيفة ـ رحمه‌الله ـ العود فى الظّهار

__________________

(١) الآية ٨٥ سورة القصص

(٢) الآية ١٢٥ سورة البقرة

(٣) الآية ٣٧ سورة إبراهيم

(٤) الآية ٨٨ سورة الأعراف ، والآية ١٣ سورة إبراهيم

(٥) الآية ٣ سورة المجادلة

١٠٨

هو أن يجامعها بعد أن ظاهر منها ، وقال بعض الفقهاء : المظاهرة هو يمين نحو أن يقول : امرأتى علىّ كظهر أمّى إن فعلت كذا ، فمتى فعل ذلك حنث ولزمه من الكفّارة ما بيّنه الله تعالى فى هذا المكان. وقوله : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) يحمله على فعل ما حلف له ألّا يفعل ، وذلك كقولهم : فلان حلف ثمّ عاد ، إذا فعل ما حلف عليه.

قال الأخفش : قوله : (لِما قالُوا) يتعلق بقوله ، (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) ، وهذا يقوّى القول الأخير. قال : ولزوم هذه الكفارة إذا حنث كلزوم الكفارة المثبتة (١) فى الحلف بالله والحنث فى قوله : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ)(٢).

وأعاد الشىء إلى مكانه ، وأعاد الكلام : ردّده ثانيا ، قال تعالى : (سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى)(٣). وهو معيد لهذا الأمر أى مطيق له. والمعيد : العالم بالأمور الذى ليس بغمر (٤). والمعيد : الأسد ، والفحل الذى قد ضرب فى الإبل مرّات.

والعيد : واحد الأعياد ، ومنه الحديث : «إن لكلّ قوم عيدا وهذا عيدنا». ويستعمل العيد لكلّ يوم فيه فرح وسرور ، ومنه قوله تعالى : (تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا)(٥). وإنّما جمع بالياء وأصله الواو للزومها فى الواحد وقيل : للفرق بينه وبين أعواد الخشب.

__________________

(١) فى الراغب : «المبينة»

(٢) الآية ٨٩ سورة المائدة

(٣) الآية ٢١ سورة طه

(٤) هو الذى لم يجرب الأمور

(٥) الآية ١١٤ سورة المائدة

١٠٩

والعادة : الديدن. وأسماؤها تنيف على مائة وعشرين.

وعاده واعتاده : صار عادة له. ويقال : عد فإنّ لك عندنا عوادا حسنا ـ مثلّثة العين ـ أى لك ما تحبّ.

والعود : المسنّ من الإبل ، والطّريق القديم.

وهذا أعود عليك من كذا ، أى أنفع لك. وهو ذو صفح وعائدة ، أى ذو عطف وتعطّف.

١١٠

٤٤ ـ بصيرة فى عوذ وعور

عذت بفلان أعوذ عوذا وعياذا ومعاذا ومعاذة أى لجأت (١) به. وهو عياذى وعوذى ـ محرّكة ـ ومعاذى أى ملجئى. وقرأت المعوّذتين ـ بكسر الواو ـ أى (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس). والتعويذ : الإعاذة.

وكان النبىّ صلّى الله / عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين ويقول : أعوّذ كما بكلمات الله التّامّة من شرّ السامّة (٢) والهامّة ، ومن كلّ عين لامّة ، ويقول لهما : إنّ أبا كما [إبراهيم] كان يعوّذ بها إسماعيل وإسحاق.

والتعويذ والعوذة : [الرقية](٣). وتعوّذت به واستعذت به.

ويقال : معاذ الله ، أى أعوذ بالله معاذا ، يجعلونه بدلا من اللفظ بالفعل لأنّه مصدر وإن كان غير مستعمل مثل سبحان الله. قال الله تعالى : (مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ)(٤) أى نلتجئ إليه ونستعيذ (٥) به أن نفعل ذلك. ويقال : معاذة الله ، ومعاذ وجه الله ، ومعاذة وجه الله.

والعورة : سوأة الإنسان. وأصلها من العار كأنه يلحق بظهوره (٦) عار أى مذمّة ، ولذلك سميّت المرأة عورة ، ومنه العوراء أى الكلمة القبيحة.

__________________

(١) كذا فى الأصلين. والمألوف أن يقال : لجأت إليه» وقد يكون ضمن لجأت معنى تحصنت فعداه بالباء

(٢) المراد الحيوانات ذات السم

(٣) زيادة اقتضاها السياق.

(٤) الآية ٧٩ سورة يوسف

(٥) فى الأصلين : «نستعين» والمناسب ما أثبت

(٦) كذا فى الأصلين. وفى عبارة التاج المنقولة عن البصائر : «بظهورها»

١١١

والعورة أيضا والعوار : شقّ فى الشىء ، كالثوب والبيت ونحوه ، قال تعالى : (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ)(١) أى منخرقة ممكنة لمن أرادها. ومنه فلان يحفظ عورته ، أى خلله.

وقوله تعالى : (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ)(٢) أى نصف النهار ، وآخر النهار ، وبعد العشاء الآخرة. وقوله : (الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ)(٣) أى لم يبلغوا الحلم.

والعاريّة : فعليّة من العار (٤) ؛ لأن استعارتها تجلب المذمّة والعار. وفى المثل : قيل للعارية : أين تذهبين؟ فقالت : أجلب إلى أهلى مذمّة وعارا

__________________

(١) الآية ١٣ سورة الأحزاب

(٢) الآية ٥٨ سورة النور

(٣) الآية ٣١ سورة النور

(٤) فى الراغب : «وقيل : هذا لا يصح من حيث الاشتقاق ، فان العارية من الواو بدلالة تعاورنا ، والعار من الياء لقولهم : عيرته بكذا»

١١٢

٤٥ ـ بصيرة فى عول وعوق وعوم وعون

عال : جار ومال عن الحقّ. وعال الميزان : جار ونقص ، أو زاد ، يعول ويعيل ، وأمر القوم : اشتدّ وتفاقم ، وعال الشىء فلانا : غلبه وثقل عليه وأهمّه. قال تعالى (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا)(١) ، ومنه عالت الفريضة : إذا زادت فى القسمة المسمّاة لأصحابها بالنصّ. والعول : ما يثقل من المصيبة. وعاله : تحمّل ثقله. وأعال : كثر عياله.

والعائق : الصّارف عمّا يراد به من خير. وعاقه وعوّقه واعتاقه. قال تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ)(٢).

العوم : السباحة. والعام : الحول لعوم الشمس فى بروجها (٣) ، والجمع : أعوام. وسنون عوّم توكيد. قال تعالى : (عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ)(٤) قيل يعبّر عن الجدب بالسنة ، وعمّا فيه رخاء بالعام ، وقال تعالى : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً)(٥).

والعون : الظّهير ؛ يستوى فيه الواحد والجمع والمؤنّث. ويكسّر أعوانا. والعوين : اسم للجمع. واستعنته فأعاننى ، قال تعالى (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ)(٦)

والتعاون والاعتوان : إعانة بعضهم بعضا ، قال تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)(٧) وعاونه معاونة وعوانا ، والاسم العون والمعانة والمعونة والمعونة والمعون.

__________________

(١) الآية ٣ سورة النساء

(٢) الآية ١٨ سورة الأحزاب

(٣) فى الأصلين : «بروجه» وما أثبت من الراغب

(٤) الآية ٤٩ سورة يوسف

(٥) الآية ١٤ سورة العنكبوت

(٦) الآية ٩٥ سورة الكهف

(٧) الآية ٢ سورة المائدة

١١٣

٤٦ ـ بصيرة فى عهد وعهن

العهد : الأمان ، واليمين ، والموثق ، والذّمّة ، والحفاظ ، والوصيّة. وقد عهدت إليه أى أوصيته ، قال تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ)(١).

وقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٢) قال ابن عرفة : معناه ألا يكون الظالم إماما. وقال غيره : العهد : الأمان هاهنا. وقوله تعالى : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ)(٣) يعنى ميثاقهم ، وكذلك هو فى قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ)(٤) ، وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ)(٥).

والعهد : الضمان ، تقول (٦) : عهد إلىّ فلان فى كذا وكذا أى ضمّننيه. ومنه قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي)(٧) أى بما ضمّنتكم من طاعتى (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) أى بما / ضمنت لكم من الفوز بالجنّة.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن حسن العهد من الإيمان» أى الحفاظ ورعاية الحرمة. وقوله تعالى : (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً)(٨) المراد توحيد الله والإيمان به.

__________________

(١) الآية ٦٠ سورة يس

(٢) الآية ١٢٤ سورة البقرة

(٣) الآية ٤ سورة التوبة

(٤) الآية ٩١ سورة النحل

(٥) الآية ٢٧ سورة البقرة

(٦) فى الأصلين : «بقوله» والمناسب ما أثبت

(٧) الآية ٤٠ سورة البقرة

(٨) الآية ٨٧ سورة مريم

١١٤

والعهد الذى يكتب للولاة من عهد [إليه (١)] : أوصاه.

والعهد : المنزل الذى لا يزال القوم إذا انتووا (٢) عنه رجعوا إليه. والعهد : المطر بعد المطر. والعهد : الوفاء ، قال الله تعالى : (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ)(٣).

والعهن : الصّوف المصبوغ. والقطعة : عهنة ، والجمع : عهون. قال تعالى : (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ)(٤)

__________________

(١) زيادة من القاموس.

(٢) أى تحولوا

(٣) الآية ١٠٢ سورة الأعراف

(٤) الآية ٥ سورة القارعة

١١٥

٤٧ ـ بصيرة فى عيب

العيب والعيبة والعاب بمعنى واحد ، عاب المتاع : صار ذا عيب ، وعبته أنا ، يتعدّى ولا يتعدّى ، فهو معيب ومعيوب أيضا على الأصل ، قال الله تعالى : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها)(١). والعائب : الخاثر من اللّبن ، وقد عاب السّقاء. وتقول : ما فيه معابة ، ومعاب ، أى عيب ، ويقال : موضع عيب ، قال :

أنا الرجل الذى قد عبتموه

وما فيه لعيّاب معاب

لأنّ المفعل من ذوات الثلاثة (٢) ، نحو كال يكيل ، إن أريد به الاسم مكسور ، والمصدر مفتوح ، ولو فتحتهما أو كسرتهما فى الاسم والمصدر جميعا لجاز ؛ لأنّ العرب تقول : المعاش والمعيش ، والمسار والمسير ، والمعاب والمعيب. والمعايب : العيوب.

ورجل عيّابة أى يعيب الناس كثيرا. والهاء للمبالغة.

والعيبة : ما يجعل فيه الثياب ، والجمع : عيب وعيبات وعياب.

__________________

(١) الآية ٧٩ سورة الكهف

(٢) يريد الفعل الأجوف الذى يصير عند الاسناد إلى تاء الفاعل على ثلاثة أحرف لسقوط عينه نحو بعت وهبت. وكلامه فى الأجوف اليائى.

١١٦

٤٨ ـ بصيرة فى عير و (عيس) وعيش وعيل وعى

العير : القوم معهم الميرة ، وذلك اسم للرجال والجمال الحاملة للميرة ، وإن كان قد يستعمل فى كلّ واحد منهما على حدة.

وعيسى إذا جعل عربيّا أمكن أن يكون من قولهم : إبل عيس أى بيض.

والعيش : الحياة المختصّة بالحيوان. ويشتقّ منه المعيشة لما يتعيّش منه.

والعيل والعيلة والعيول والمعيل : الافتقار. عال يعيل فهو عائل ، قال تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً)(١) أى فقرا ، والجمع : عالة وعيّل وعيلى.

وقوله تعالى : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى)(٢) ، أى أزال عنك فقر النّفس ، وجعل لك الغنى الأكبر ، يعنى ما أشار إليه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : «الغنى غنى النّفس».

وعىّ بالأمر وعيى ـ كرضى ـ وتعايا واستعيا وتعيّا : لم يهتد لوجه مراده (٣) ، أو عجز عنه ولم يطق إحكامه. وهو عيّان وعياياء وعىّ وعيىّ ، والجمع : أعياء وأعيياء قال تعالى : (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ)(٤).

آخر حرف العين والحمد لله رب العالمين.

__________________

(١) الآية ٢٨ سورة التوبة

(٢) الآية ٨ سورة الضحى

(٣) فى الأصلين : «بمراده» وما أثبت موافق لما فى القاموس

(٤) الآية ٣٣ سورة الأحقاف.

١١٧

الباب العشرون

فى الكلم المفتتحة بحرف الغين

وهى : الغين ، وغبر ، وغبن ، وغثو ، وغدر ، وغدق ، وغدو ، وغرّ ، وغرض ، وغرف ، وغرق ، وغرم ، وغرى ، وغزل ، وغزو ، وغسق ، وغسل ، وغشى ، وغض ، وغضب ، وغطش ، وغطا ، وغفر ، وغفل ، وغلّ ، وغلب ، وغلظ ، وغلف ، وغلق ، وغلم ، وغلو ، وغمّ ، وغمر ، وغمز ، وغمض ، وغنم ، وغنى ، وغور ، وغوض ، وغول ، وغيب ، وغير ، وغيظ ، وغى.

١١٨

١ ـ بصيرة فى الغين

وقد ورد على عشرة أوجه :

١ ـ حرف من حروف الهجاء ، مخرجه من أعلى الحلق جوار مخرج الخاء. والنسبة غينىّ. والفعل غيّنت غينا حسنة وحسنا. والجمع : غيون وأغيان وغينات.

٢ ـ اسم لعدد الألف فى حساب الجمّل.

٣ ـ يكون بدلا من العين فى نشوع (١) ونشوغ (٢). ، وارمعلّ (٣) وارمغلّ (٤).

٤ ـ / غين العجز والضرورة. بعض النّاس يجعل اللام والرّاء غينا فيقول : ما إلى الأميغ من سبيغ ، يريد : ما إلى الأمير من سبيل.

٥ ـ بمعنى الغيم.

٦ ـ بمعنى الأشجار الملتفّة بلا ماء.

٧ ـ بمعنى التغشية ، يقال : غين على قلبه غينا ، أى تغشّته الشهوة.

٨ ـ بمعنى التغطية.

٩ ـ الغين : العطش.

١٠ ـ الغين الأصلى ، كما فى : غرف ، وغفر ، وفرغ.

__________________

(١) النشوع والنشوغ : السعوط والوجور : والسعوط : ما يدخل فى الأنف ، الوجور : ما يدخل فى الفم من الدواء

(٢) ارمعل الصبى : سال لعابه ، وكذلك ارمغل

١١٩

٢ ـ بصيرة فى غبر وغبن

يقال : هو غابر فلان ، أى بقيّتهم ، قال عبيد الله بن عمر.

أنا عبيد الله ينمينى عمر

خير قريش من مضى ومن غبر

بعد رسول الله والشيخ الأغرّ

وهو من الأضداد. تقول : أنت غابر غدا ، وذكرك غابر أبدا. ومنه قيل : غبّر الحيض ، وغبّر اللّبن وغبّراته لبقاياه. وغبر فى الحوض غبر ، أى بقيّة ماء.

وقوله تعالى : (إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ)(١) يعنى فيمن طال أعمارهم ، وقيل : فيمن بقى ولم يسر مع لوط عليه‌السلام ، وقيل : فيمن بقى فى العذاب. وفى آخر : (وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ)(٢) ، وفى وجه آخر : (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ)(٣).

والغبار : لما يبقى من التراب المثار ، جعل على بناء الدّخان والعثان (٤) ونحوهما من البقايا.

وقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ)(٥) كناية عن تغيّر الوجه من الغمّ.

__________________

(١) الآية ١٧١ سورة الشعراء

(٢) الآية ٣٣ سورة العنكبوت

(٣) الآية ٦٠ سورة الحجر

(٤) هو الدخان

(٥) الآية ٤٠ سورة عبس

١٢٠