الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ١

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

[١٨٢] ـ (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) سنقربهم الى الهلاك درجة درجة (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) ذلك بأن نواتر عليهم النعم وهم يزدادون غيا حتى يحل بهم العذاب.

[١٨٣] ـ (وَأُمْلِي لَهُمْ) وأمهلهم (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) بطشي شديد ، سماه كيدا لمجيئه من حيث لا يشعرون.

[١٨٤] ـ (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) فيعلموا (ما بِصاحِبِهِمْ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مِنْ جِنَّةٍ) قيل : صعد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصفا فحذرهم بأس الله ، فقال بعضهم «ان صاحبكم جنّ حتى بات يصوّت الى الصباح» فنزلت (١) (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) موضح للإنذار.

[١٨٥] ـ (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا) نظر (٢) اعتبار (فِي مَلَكُوتِ) ملك (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) بيان ل «ما» فيستدلوا به على قدرة صانعه ووحدانيته (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) عطف على «ملكوت» و «أن» مصدرية أو مخففة واسمها ضمير الشأن ك «يكون» أي أو لم ينظروا في اقتراب موتهم فيبادروا [الى] (٣) الإيمان لئلا يموتوا كفارا فيصيروا الى النار (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) أي القرآن (يُؤْمِنُونَ) مع وضوح دلالته.

[١٨٦] ـ (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ) بتركه وسوء اختياره (فَلا هادِيَ لَهُ) يقسره على الإيمان (وَنَذَرُهُمْ) (٤) (فِي طُغْيانِهِمْ) بالرفع على الاستئناف وقرأ «أبو عمرو» و «عاصم» بالياء» (٥)

__________________

(١) ذكره البيضاوي في تفسيره ٢ : ٢٥٢ ـ وفيه : يهوّت ، وذكر معناه الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٢ : ٥٠٥.

(٢) في «ط» : نظرة.

(٣) الزيادة اقتضاها السياق.

(٤) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يذرهم».

(٥) حجة القراءات : ٣٠٣.

٥٠١

و «حمزة» و «الكسائي» بها وبالجزم عطفا على محل الجزاء (١) (يَعْمَهُونَ) متحيرين.

[١٨٧] ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) يوم القيامة أو وقت موت الخلق (أَيَّانَ مُرْساها) متى إرساؤها ، إثباتها.

ورسا الشيء : ثبت واستقر. وأصل «أيان» أيّ ، إذ معناها أي وقت (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) لم يطلع عليه أحدا (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها) لا يظهرها في وقتها (إِلَّا هُوَ) فلا يعلمها غيره حتى يجلّيها (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) عظمت على أهلها لهولها (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) فجأة ، فتكون أعظم وأهول (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌ) مستقص في السؤال (عَنْها) حتى علمتها (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) كرر تأكيدا (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ان علمها عند الله استأثر به.

[١٨٨] ـ (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً) بجلب (وَلا ضَرًّا) بدفع (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أن يملكنيه من ذلك بإلهامه (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) من المنافع (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) من فقر وغيره لاحترازي من أسبابه (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) لا أعدو ، ذلك الى علم الغيب (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فإنهم المنتفعون بالإنذار والبشارة أو يتعلق ب «بشير» ومتعلق «نذير» مقدر.

[١٨٩] ـ (هُوَ) أي الله (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) آدم (وَجَعَلَ مِنْها) من ضلعها أو فضل طينتها أو جنسها (زَوْجَها) حواء (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) ليأنس بها. ذكّر نظرا الى المعنى (فَلَمَّا تَغَشَّاها) جامعها (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) هو النطفة (فَمَرَّتْ بِهِ) فاستمرت به تجيء وتذهب لخفته (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) صارت ذات ثقل بكبر الحمل في بطنها (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) ولدا سويا (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) لك على ذلك.

[١٩٠] ـ (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) أي جعل أولادهما

__________________

(١) حجة القراءات : ٣٠٣.

٥٠٢

له شركاء فيما أتى أولادهما فسمّوه «عبد اللات» و «عبد العزى» على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه بقرينة (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).

وقيل : ضمير «جعلا» للنسل الصالح السوي. (١) وثنّي لأن حواء كانت تلد توأما.

وقيل المعنى : خلق كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل زوجها من جنسها.

وضمير «جعلا» للنفس ، وزوجها من ولد آدم ، (٢) وضمير «يشركون» للجميع. وقرأ «نافع» و «أبو بكر» شركا (٣) أي ذوي شرك أي شركاء.

[١٩١] ـ (أَيُشْرِكُونَ) توبيخ (ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) أي الأصنام التي سموها آلهة. وأفرد للفظ «ما» وجمع لمعناها.

[١٩٢] ـ (وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ) أي لعبدتهم (نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) بدفع ما يعتريها.

[١٩٣] ـ (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) أي المشركين (إِلَى الْهُدى) الإيمان (لا يَتَّبِعُوكُمْ) وخففه «نافع» ، (٤) أو الخطاب للمشركين والضمير للأصنام ، أي إن تدعوهم الى أن يهدوكم لا يجيبوكم (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) لم يقل صمتّم مبالغة في عدم إفادة الدعاء من حيث تسويته بالثبات على الصمت.

[١٩٤] ـ (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ) تعبدونهم (مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ) مملوكة مذلّلة (٥) (أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ) في مهامّكم (فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) انهم آلهة.

[١٩٥] ـ (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها) وضمّ «الطاء»

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٢ : ٥٠٩.

(٢) قاله الحسن وقتادة ـ كما في تفسير مجمع البيان ٢ : ٥٠٩ ـ.

(٣) حجة القراءات : ٣٠٤.

(٤) تفسير مجمع البيان ٢ : ٥٠٨ وحجة القراءات : ٣٠٥.

(٥) في «ط» : مملوكون مذللون.

٥٠٣

«أبو جعفر» (١) (أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) الهمزة للإنكار ، و «أم» منقطعة أي ليس لهم شيء من ذلك مما هو لكم ، فأنتم أفضل وأتمّ منهم ، ولم يستحق بعضكم عبادة بعض فكيف يستحقون عبادتكم وهم انقص منكم (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) وتظاهروا بهم عليّ (ثُمَّ كِيدُونِ) فاجتهدوا أنتم وهم في هلاكي (فَلا تُنْظِرُونِ) فلا تمهلوني فإني لا أبالي بكم.

[١٩٦] ـ (إِنَّ وَلِيِّيَ) متولي أموري وناصري (اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) القرآن ، حجة لي عليكم (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) ينصرهم بالدفع عنهم والحجة.

[١٩٧] ـ (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) فكيف أبالي.

[١٩٨] ـ (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) أي الأصنام (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ) كالناظرين (إِلَيْكَ) إذا قابلت صورهم (وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ).

[١٩٩] ـ (خُذِ الْعَفْوَ) ما عفا وتسهل من أخلاق الناس أو من أموالهم. ونسخ بآية الزكاة ، أو اعف عن المذنب (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) ما حسن عقلا وشرعا (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) فقابل سفههم بالحلم.

[٢٠٠] ـ (وَإِمَّا) «ان» الشرطية أدغمت في «ما» الزائدة (يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) ينخسنك منه نخس ، أي وسوسة تزعجك (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) يكفكه (إِنَّهُ سَمِيعٌ) لدعائك (عَلِيمٌ) بما يصلحك فيفعله.

[٢٠١] ـ (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ) خاطر ولمم ، (٢) اسم فاعل من طاف يطوف ، أو طاف يطيف طيفا وقرأ «ابن كثير» و «أبو عمرو» و «الكسائي» «طيف»

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٢ : ٥١١.

(٢) اللّمم هي صغار الذنوب ، ويقال مقاربة الذنب من غير مواقعة.

٥٠٤

مصدر. (١) (مِنَ الشَّيْطانِ) أي جنسه بقرينة جمع ضميره (تَذَكَّرُوا) عقاب الله وثوابه (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) للرشد فيرجعون إليه بسبب التذكّر.

[٢٠٢] ـ (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ) أي إخوان الشياطين من الكفار يمدّهم الشياطين ، أو إخوان الكفار من الشياطين يمدون الكفار (فِي الغَيِ) بتزيينه لهم. وقرأ «نافع» : «يمدونهم» من أمد (٢) (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) لا يكفون عن اغوائهم ، أو لا يكف الاخوان عن الغي كما يكف المتقون.

[٢٠٣] ـ (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ) مما اقترحوا ، أو من القرآن (قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) هلا تقوّلتها من نفسك كسائر ما تقوّلته ، أو هلّا طلبتها من ربك (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) لست بمتقول ولا مقترح للآيات (هذا) القرآن (بَصائِرُ) دلائل تبصر القلوب بها الحق (مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فسر. (٣)

[٢٠٤] ـ (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) قيل : نزلت في الصلاة كانوا يتكلمون فيها ، فأمروا بالاستماع والإنصات لقراءة الإمام ، (٤) وروى ذلك عن الباقر عليه‌السلام (٥) وقيل فيها وفي الخطبة (٦) وظاهرها وجوبهما لقراءة القرآن مطلقا وبه اخبار. (٧)

وتحمل على تأكد الاستحباب إن ثبت الإجماع على عدم الوجوب في غير

__________________

(١) اتحاف فضلاء البشر ٢ / ٧٣.

(٢) حجة القراءات : ٣٠٦.

(٣) قد مرّ مثله في الآية ٥٢ من هذه السورة.

(٤) تفسير البيضاوي ٢ : ٢٥٦.

(٥) تفسير البرهان ٢ : ٥٦ ونقله الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٢ : ٥١٥.

(٦) قاله الحسن ـ كما في تفسير مجمع البيان ٢ : ٥١٥ ـ.

(٧) تفسير البرهان ٢ : ٥٧ وتفسير مجمع البيان ٢ : ٥١٥.

٥٠٥

الصلاة كما ادعي. (١)

[٢٠٥] ـ (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) يعمّ كل ذكر. وعن «زرارة» عن أحدهما عليهما‌السلام ، معناه : «إذا كنت خلف امام تأتم به فانصت وسبّح في نفسك» (٢) يعني فيما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) متضرعا وخائفا (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) ولافظا دون الجهر وفوق السّر (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) بالبكر والعشيات (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) عن ذكر ربك.

[٢٠٦] ـ (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) أي الملائكة (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ) ينزهونه (وَلَهُ يَسْجُدُونَ) يخصونه بالخضوع والتذلل. تعريض بمن ليس كذلك.

وسجود التلاوة هنا مستحب عندنا ، وعند الشافعي ، وأوجبه أبو حنيفة. (٣)

__________________

(١) نقل الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٢ : ٥١٥ ، قول الشيخ الطوسي قدس‌سره : وأقوى الأقوال ، الاول : لأنه لا حال يجب فيها الإنصات لقراءة القرآن إلا حالة قراءة الإمام في الصلاة فإن على المأموم الإنصات والاستماع ، فاما خارج الصلاة فلا خلاف ان الإنصات والاستماع غير واجب.

(٢) تفسير مجمع البيان ٢ : ٥١٥.

(٣) تفسير مجمع البيان ٢ : ٥١٦.

٥٠٦

سورة الأنفال

[٨]

ستّ وسبعون آية مدنية وقيل : إلّا من «وإذ يمكر» الى آخر سبع (١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) عن الغنائم لمن هي. نزلت حين اختلف المسلمون في غنائم بدر فقال الشبّان : هي لنا لبماشرتنا القتال ، وقال الشيوخ كنا تحت الرايات ردءا لكم تنحازون إلينا.

أو عن الأشياء المختصة به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما روى عن أهل البيت عليهم‌السلام انها ما أخذ من دار الحرب بلا قتال ، والآجام والموات وغيرهما ، فإنّها لله ولرسوله ، وبعده لمن قام مقامه يصرفه حيث شاء من مصالحه (٢) وان غنائم بدر كانت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة فقسمها بينهم تفضلا منه ، فالمراد بالسؤال عنها طلبهم إياها منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) قاله ابن عباس وقتادة ـ كما في تفسير الصافي ٢ : ٢٦٦ ـ.

(٢) راجع الأحاديث الواردة في ذلك في تفسير البرهان ٢ / ٥٩ وتفسير الصافي ٢ : ٢٦٦.

٥٠٧

ويعضده قراءة أهل البيت عليهم‌السلام «يسألونك الأنفال» (١) (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) أي أمرها مختص بهما يجعلها الرسول حيث أمره الله (فَاتَّقُوا اللهَ) في الاختلاف والخلاف (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) الحال بينكم ، أو حقيقة وصلكم ، بالمواصلة وترك الشقاق (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في أوامرها ونواهيهما (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) كاملي الإيمان ، فإن كماله بتقوى الله والانقياد له ولرسوله وإصلاح ذات البين.

[٢] ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) أي الكاملون الإيمان (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) خافت لذكره تعظيما له ، أو إذا ذكر وعيده تركوا المعاصي خوفا من عقابه (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) تصديقا لرسوخ اليقين بتظاهر الحجج (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) به ، يثقون وإياه يرجون ويخشون لا غيره.

[٣] ـ (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) فسر في البقرة. (٢) [٤] ـ (أُولئِكَ) المستجمعون لهذه الخصال (هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) أي إيمانا حقا لا يشوبه شك ، أو حق ذلك حقا (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) في الجنة يرتقونها بأعمالهم (وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) دائم كثير في الجنة.

[٥] ـ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) «كما» متعلق بما دلّ عليه «الأنفال لله والرسول» ، أي جعلها لك وان كرهوا ولم يعلموا انها صالح لهم كإخراجك من وطنك المدينة للحرب وإن كرهوه.

أو خبر محذوف أي هذه الحال في كراهتهم لها كإخراجك في كراهتهم له (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) حال أي أخرجك في حال كراهتهم ، وذلك «أن عير قريش أقبلت من الشام وفيها أبو سفيان وجماعة ، فعلم بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) جوامع الجامع ٢ / ١ وتفسير البرهان ٢ / ٥٩.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٤.

٥٠٨

فانتدب أصحابه ليغنموها ، فخرجوا هم ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا ، فعلمت قريش فخرج أبو جهل بأهل مكة ليذبّوا عنها وهم النفير ، فأخذت العير الساحل فنجت ، فأشير على أبي جهل بالرجوع فأبى ، وسار الى «بدر» وقد وعد الله نبيه إحدى الطائفتين فاستشار أصحابه ، فكره بعضهم قتال النفير ، وقالوا لم نتأهب له ، انما خرجنا للعير ، فقال : العير مضت ، وهذا أبو جهل قد أقبل ، فرادّوه ، فغضب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال «سعد بن عبادة» و «المقداد» و «سعد بن معاذ» : امض لما أردت فإنّا معك لم يتخلف منّا أحد عنك ، فسرّ بذلك وقال : سيروا على بركة الله.

[٦] ـ (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ) أي القتال ، إذ قالوا هلا أخبرتنا لنستعد له (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) ظهر وعرفوا صوابه (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) أي هم في كراهتهم له كمن يساق الى الموت وهو يعاين أسبابه.

[٧] ـ (وَإِذْ) واذكروا إذ (يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) العير أو النفير. و «احدى» ثاني مفعولي «يعدكم» (أَنَّها لَكُمْ) بدل اشتمال منه (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) أي تريدون العير لقلة الناس والسلاح فيها دون النفير لكثرة عددهم. (١)

والشوكة : الحدة ، كني بها عن الحرب (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَ) يثبته ويظهره (بِكَلِماتِهِ) السابقة بالوعد بظهور الإسلام (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) آخرهم أي يستأصلهم بظفركم بالنفير.

[٨] ـ (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) أي أمركم بقتال النفير ليظهر الإسلام ويمحق الكفر (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) ذلك.

[٩] ـ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) متعلق ب «ليحقّ» أو بمضمر أي اذكروا إذ تطلبون منه

__________________

(١) وفي تفسير البيضاوي : والشوكة : الحدة ، مستعار من واحدة الشوك.

٥٠٩

الغوث بنصركم عليهم (فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ) أني معينكم ، قيل : كسرها «أبو عمرو» (١) على ارادة القول أو لأن الاستجابة منه (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) متبعين بعضهم بعضا ، من أردفته جئت بعده ، أو متبعين أنفسهم المؤمنين من أردفته الشيء اتبعته إياه فردفه ، وفتح «نافع» الدال (٢) أي متبعين أمدهم أولا بها ثم صارت ثلاثة آلاف ثم خمسة كما في «آل عمران». (٣)

[١٠] ـ (وَما جَعَلَهُ اللهُ) أي الإمداد (إِلَّا بُشْرى) بشارة لكم بالنصر (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) تسكن إليه من الروع (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) لا من العدد والعدد والملائكة ، وإنما أمدهم بشارة وتقوية لقلوبهم (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يغالب (حَكِيمٌ) يفعل المصلحة.

[١١] ـ (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ) بدل من «إذ تستغيثون» أو متعلق ب «جعل» أو بالنصر ، أو بإضمار «اذكر» وخففه نافع (٤) من «أغشيته الشيء» أي غشيته إياه ، وقرأ «ابن كثير» و «أبو عمرو» : «يغشاكم (٥) النعاس» بالرفع (أَمَنَةً مِنْهُ) أمنا من الله ، مفعول له ل «يغشيكم النعاس» و «يغشاكم» لأنهما بمعنى تنعسون.

والأمنة فعلهم ، أو يراد بها الأمان فهي فعل المغشي (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) من الجنابة والحدث أو منهما ومن الخبث (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) الجنابة ، لأنها من تخييله أو وسوسته لكم.

قيل نزلوا على تل رمل تسوخ فيه أقدامهم فباتوا على غير ماء فاحتلم أكثرهم ،

__________________

(١) تفسير الكشّاف ٢ : ٦.

(٢) حجة القراءات : ٣٠٧.

(٣) آل عمران : ٣ / ١٢٤ و ١٢٥.

(٤) حجة القراءات : ٣٠٩.

(٥) حجة القراءات : ٣٠٨.

٥١٠

وقد غلب المشركون على الماء فتمثل لهم إبليس وقال : تزعمون انكم على الحق وقد سبقتم الى الماء ، وتصلّون بالجنابة والحدث وأنتم ظماء ، فامطروا وتلبد الرمل لتثبت عليه أقدامهم ، فصنعوا الحياض واغتسلوا وتوضؤوا اطمأنوا وزالت الوسوسة (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) باليقين والثقة بالنصر (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) أي بالمطر بتبليده الرمل ، أو بالربط.

[١٢] ـ (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ) بدل ثاني ، أو متعلق ب «يثبت» (إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ) بالنصر في إعانتهم (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) بالتبشير بالنصر ، أو بقتل أعدائهم ، فيؤيد القول بأنهم قاتلوا ، ويكون (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) كالبيان ل «أني معكم» فثبتوا ، ومن منع قتالهم جعله خطابا للمؤمنين على تغيير الخطاب (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) أي الرؤوس (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) أطراف أيديهم وأرجلهم.

[١٣] ـ (ذلِكَ) الضرب (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي بسبب مخالفتهم لهما (وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) بالإهلاك في الدنيا وبالنار في الآخرة.

[١٤] ـ (ذلِكُمْ) أي الأمر ذلكم (فَذُوقُوهُ) أيها الكفار في الدنيا (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ) عطف على «ذلكم» (عَذابَ النَّارِ) في الآخرة.

[١٥] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) متدانين لقتالكم ، كأنهم لكثرتهم يزحفون ، أو يدنون إليكم وتدنون إليهم (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) منهزمين.

[١٦] ـ (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ) أي يوم لقائهم (دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) منعطفا يريهم الفرّ وهو يريد الكرّ مكيدة (أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) منحازا الى جماعة من المسلمين يستعين بها. ونصب «متحرفا» و «متحيزا» حالا ، أو على الاستثناء أي إلّا رجلا متحرفا أو متحيزا (فَقَدْ باءَ) رجع (بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)

٥١١

المرجع هي ، هذا إذا لم يزد العدوّ على الضعف.

[١٧] ـ (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) ببدر بقوتكم (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) بنصره لكم وإرعابهم.

قيل : (١) لما التقى الجمعان رماهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقبضة من الحصى ، فلم يبق مشرك إلّا دخل في عينيه شيء منها فهزموا ، وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ، ثم رجعوا يتفاخرون بقتلهم فنزلت. والفاء جواب شرط مقدر أي إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم (وَما رَمَيْتَ) وما بلغت أعينهم الحصى يا محمّد (إِذْ رَمَيْتَ) بها نحوهم (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) بلّغ ، إذ لا قدرة لبشر أن يبلغ كفا من الحصى أعين الجيش الكثير. وخفف «ابن عامر» و «حمزة» و «الكسائي» «لكن» في الموضعين (٢) ورفعوا ما بعدها (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) أي فعل ذلك ليقهر المشركين ولينعم على المؤمنين نعمه بالنصر والغنيمه (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لدعائهم (عَلِيمٌ) بأحوالهم.

[١٨] ـ (ذلِكُمْ) أي الأمر ذلكم الإبلاء (وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) عطف على «ذلكم» وشدد «ابن كثير» و «نافع» «موهن» منونا ، وخففه الباقون ونوّنوه ، إلّا «حفصا» (٣) إضافة.

[١٩] ـ (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) تطلبوا الفتح أي النصر ، أو الحكم أيها الكفار ، إذ قال أبو جهل يوم بدر : اللهم من كان أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فانصر عليه أو فأهلكه (فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) نصر ـ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عليكم ، أو الحكم بهلاك أبي جهل وقتلاكم (وَإِنْ تَنْتَهُوا) عن الكفر وحرب الرسول (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)

__________________

(١) وردت في ذلك أحاديث راجع تفسير البرهان ٢ : ٧٠ وعليه جماعة من المفسرين ومنهم ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٢ : ٥٣٠ ـ.

(٢) حجة القراءات : ٣٠٩.

(٣) حجة القراءات : ٣٠٩ ـ ٣١٠.

٥١٢

عاجلا وآجلا (وَإِنْ تَعُودُوا) لحربه (نَعُدْ) لنصره (وَلَنْ تُغْنِيَ) تدفع (عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ) جماعتكم (شَيْئاً) من العذاب (وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصر وفتح «إنّ» «نافع» و «ابن عامر» و «حفص» على تقدير اللام. (١)

[٢٠] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا) تعرضوا (عَنْهُ) عن الرسول (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) القرآن والمواعظ.

[٢١] ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا) كالكفرة في دعواهم السماع (وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) سماع قبول ، فكأنهم لم يسمعوا.

[٢٢] ـ (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِ) ما دب على وجه الأرض (عِنْدَ اللهِ الصُّمُ) عن سماع الحق (الْبُكْمُ) عن قوله (الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) جعلوا شرا من البهائم لإبطالهما ميزوا به.

[٢٣] ـ (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً) انتفاعا باللطف (لَأَسْمَعَهُمْ) للطف بهم حتى يسمعوا الحق ويقبلوه (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) وقد علم أن لا خير فيهم (لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) عن قبوله عنادا.

[٢٤] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) بالطاعة (إِذا دَعاكُمْ) الرسول (لِما يُحْيِيكُمْ) من العقائد والأعمال المورثة للحياة الباقية أو العلم لأنه حياة ، والجهل موت ، أو الجهاد لأنه يمنع عن غلبة العدو ، أو الشهادة لقوله (بَلْ أَحْياءٌ) (٢) (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) بالموت ونحوه ، فلا يمكنه تلافي ما فات فبادروا الى الطاعات قبل الحيلولة ، أو أنه أقرب إليه من قلبه فاحذروه نظير (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٣) أو أنه يتملك عليه قلبه فيفسخ عزائمه ففوضوا أموركم إليه (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فيجزيكم بأعمالكم.

__________________

(١) حجة القراءات : ٣١٠.

(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٦٩.

(٣) سورة ق : ٥٠ / ١٦.

٥١٣

[٢٥] ـ (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) عذابا أي موجبه كإقرار المنكر بين أظهركم ، وترك الأمر بالمعروف (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) جواب الأمر ، أي إن إصابتكم لا تخصّ الظالمين بل تعمهم وغيرهم.

وسوغ التوكيد مع منافرته لجواب الشرط تضمنه النهي ، ك (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) (١) أو صفة ل «فتنة» و «لا» للنهي بتقدير القول ، لا للنفي ، لشذوذ النون فيه في غير القسم ، أو نهي بعد أمر كأنه قيل اتقوا عذابا ولا يخصّنّ العذاب الظالمين ، أي لا تظلموا فإن وبال الظلم يخصّ الظّالم ويؤيده قراءة أمير المؤمنين والباقر عليهما‌السلام : «لتصيبن» (٢) (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) للعصاة.

[٢٦] ـ (وَاذْكُرُوا) معشر المهاجرين (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) قبل الهجرة (مُسْتَضْعَفُونَ) لقريش (فِي الْأَرْضِ) أرض مكّة (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) يأخذونكم بسرعة كفار قريش أو غيرهم (فَآواكُمْ) إلى المدينة (وَأَيَّدَكُمْ) قوّاكم (بِنَصْرِهِ) يوم بدر بالملائكة أو بالأنصار (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) الغنائم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعمه.

[٢٧] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) بترك الفرائض والسنن ، أو بترك شيء من الدين.

قيل : حاصر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «قريظة» أياما ، فسألوه الصلح كما صالح «النظير» على أن يسيروا الى إخوانهم بالشام ، فأبى إلّا نزولهم على حكم «سعد» فأبوا ، وقالوا بعث إلينا «أبا لبابة» وكان عياله وماله فيهم ، فبعثه فاستشاروه ، فأشار لهم انه الذبح.

قال فما زالت قدماي حتى عرفت اني قد خنت الله ورسوله ، فنزلت ، فشدّ نفسه

__________________

(١) سورة النمل : ١٨ / ٢٧.

(٢) تفسير الصافي ٢ : ٢٩٠.

٥١٤

على سارية في المسجد ، والى لا يذوق شيئا حتّى يموت أو يتاب عليه ، فمكث سبعة حتى غشى عليه ، ثم تاب الله عليه فقيل له : تيب عليك ، فحلّ نفسك ، فآلى لا يحلها حتى يحله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاءه فحلّه (١) (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) ما آمنتم عليه من الدين وغيره. جزم عطفا على النهي ، أو نصب جوابا له (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) انها أمانة أو قبح الخيانة.

[٢٨] ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) بليّة من الله ليبلوكم فيهم فلا تعصوه لأجلهم ك «أبي لبابة» (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) من أطاعه فيهم وآثر رضاه عليهم فالتمسوه.

[٢٩] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ) بطاعته وترك معاصيه (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) هداية في قلوبكم ، تفرقون بها بين الحق والباطل ، أو نصرا يفرق بينكم وبين أعدائكم بإعزازكم وإذلالهم.

أو نجاة مما تخافون في الدارين (وَيُكَفِّرْ) يستر (عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) بالعفو عن ذنوبكم (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) يبتدئ بالنعم قبل استحقاقها فلا يمنعها مستحقا بتقواه.

[٣٠] ـ (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) واذكر إذ يحتالون بمكة في أمرك (لِيُثْبِتُوكَ) ليحبسوك (أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) من مكة وذلك انهم تشاوروا في أمره بدار الندوة ، فقال بعضهم : احبسوه في بيت حتى يموت ، وآخر قال : احملوه على جمل وأخرجوه على وجهه.

وقال أبو جهل اقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل فتضربوه ضربة واحدة ، فيتفرق دمه في القبائل ، فلا يقوى بنو هاشم على حرب الكل ، فيرضوا بالدية ، فصوب إبليس رأيه ، وكان قد أتاهم بصورة شيخ نجديّ ـ وخطّأ الأوّلين ، فأجمعوا

__________________

(١) روي معناه عن الباقر والصادق عليهم‌السلام في تفسير البرهان ٣ : ٧٣.

٥١٥

على ذلك.

فأخبر جبرائيل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمره بالهجرة ، فبيّت عليّا عليه‌السلام في فراشه وخرج الى الغار (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ) بمجازاتهم بمكرهم أو برده عليهم ، أو بمعاملة الماكر بهم بمبيت عليّ عليه‌السلام في الفراش (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) أعلمهم بالتدبير.

[٣١] ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) القرآن (قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) قاله : «النضر بن الحارث» وأسند الى الجمع لأنه رئيسهم وقاضيهم أو التأمرون في شأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالوه مع ظهور عجزهم عن معارضة سورة بعد التحدّي مكابرة وعنادا (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ما سطروه من القصص.

[٣٢] ـ (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا) الذي يتلوه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو قوله في علي عليه‌السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه (١) (هُوَ الْحَقَ) الثابت تنزيله (مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) على جحوده.

قاله النضر أو أبو جهل أو أبو النعمان بن الحارث تهكما وإظهارا للجزم ببطلانه.

[٣٣] ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) بيان لسبب إمهالهم عمّا سألوه وهو كون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أظهرهم إذ لم يستأصل الله أمة ونبيّها مقيم فيها. واللام لتوكيد النفي (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) حيث يقولون : (غُفْرانَكَ رَبَّنا) (٢) أو فرضا أي لو استغفروا لم يعذبوا أو وهم يستغفر فيهم بقية المؤمنين الذين لم يهاجروا عجزا.

[٣٤] ـ (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) وأي شيء لهم يمنع تعذيبهم بعد خروجك وخروج البقية وقد عذّبهم بالسّيف ببدر وغيره (وَهُمْ يَصُدُّونَ) يمنعون النبيّ صلّى الله

__________________

(١) اتفق على نقله العامة والخاصة للتفصيل انظر «عمدة عيون صحاح الأخبار» الفصل الرابع عشر.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٨٥.

٥١٦

عليه وآله وسلّم والمؤمنين (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) بإلجائهم الى الهجرة وإحصارهم عام الحديبيّة (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) كما زعموا أنهم ولاة البيت الحرام (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) لا المشركون (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أن لا ولاية لهم عليه. ويفيد ان بعضهم يعلم ويعاند إن لم يرد بالأكثر الكلّ.

[٣٥] ـ (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً) صفيرا من مكا يمكو : صفر (وَتَصْدِيَةً) تصفيقا من الصدى ، أي وضعوا ذلك مكان الدعاء ، أو الصلاة التي أمروا بها ، فمن كانت هذه صلاته لا يصلح لولاية السجدة.

قيل كانوا يفعلون ذلك في طوافهم عراة رجالا ونساء ، (١) وقيل يفعلونه إذا صلّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليخلطوا عليه (٢) (فَذُوقُوا الْعَذابَ) أي القتل ببدر ، أو عذاب الآخرة (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) بكفركم.

[٣٦] ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) في حرب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ليصرفوا الناس عن دينه.

قيل نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر ، كل يوم يطعم واحد منهم عشر جزر ، (٣) أو في «أبي سفيان» استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش سوى من احتاش من العرب ، وأنفق عليهم أربعين أوقية ، أو في أهل العير أعانوا بمالهم الثائرين بقتلى بدر (فَسَيُنْفِقُونَها) بأجمعها (ثُمَّ تَكُونُ) تصير في العاقبة (عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) غما لفواتها وفوات مقصودهم (ثُمَّ يُغْلَبُونَ) في الحرب (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي من ثبتوا على الكفر منهم (إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) يساقون.

[٣٧] ـ (لِيَمِيزَ) وشدده «حمزة» و «الكسائي» : (٤) من التمييز أي ليفصل (اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) الكافر من المؤمن أو نفقة الكافرين في حرب رسول الله صلّى الله

__________________

(١ ، ٢ ، ٣) نقله البيضاوي في تفسيره ٢ : ٢٦٥.

(٤) تفسير البيضاوي ٢ : ٢٦٥.

٥١٧

عليه وآله وسلّم ونفقة المؤمنين في نصره. ومتعلق اللام «يحشرون» أو «تكون» (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً) يجمعه حتى يتراكب بعضه على بعض لازدحامهم ، أو يضمّ ما أنفقوه إليهم ليعذّبوا به كالكانزين (فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ) المنفقون (هُمُ الْخاسِرُونَ) أنفسهم إذا اشتروا لها العذاب بأموالهم.

[٣٨] ـ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) لأجلهم كأبي سفيان وأصحابه (إِنْ يَنْتَهُوا) عن الكفر وحرب الرسول (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) من ذنوبهم (وَإِنْ يَعُودُوا) الى حربه (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) أي دأب الله فيهم بالتدمير إذا حاربوا أنبياءهم فيجري فيهم.

[٣٩] ـ (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) لا يوجد شرك (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) بالاجتماع على الدين الحق (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الكفر (فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فلا يضيع أجرهم.

[٤٠] ـ (وَإِنْ تَوَلَّوْا) عن دين الله (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) متولي أمركم وناصركم (نِعْمَ الْمَوْلى) يحفظ من تولاه (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) لا يخذل من نصره.

[٤١] ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) الذي أخذتم من الكفار قهرا ، وقد يعمم في كل ما فيه الخمس ، إذ الغنيمة الفائدة (مِنْ شَيْءٍ) وان قلّ (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) خبر محذوف أو مبتدأ حذف خبره أي فالحكم ، أو فواجب أنّ لله خمسه (وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) وهو الإمام عند أكثرنا ، وبه أخبار. (١)

وقال بعضنا ؛ «بنو هاشم» لظاهر الآية وبعض الله خبار وعليه بعض العامة (٢)

__________________

(١) راجع أحاديثه في تفسير البرهان ٢ : ٨٣ وتفسير نور الثقلين ٢ : ١٥٥.

(٢) تفسير ابو الفتوح ٥ : ٩٠ ، وانظر تفسير البيضاوي ٢ : ٢٦٦.

٥١٨

وقال ، بعضهم. بنو هاشم والمطلب ، (١) وبعضهم جميع قريش. (٢) (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) من بني هاشم عند جلّ أصحابنا وبه اخبار.

ومنّا من عمم الحكم في الأصناف الثلاثة من جميع المسلمين (٣) لظاهر الآية واخبار وعليه الجمهور.

ثم إن مقتضى العطف بالواو أن يقسم الخمس ستة سهام : سهم الله ، وسهم رسوله ، وسهم ذي القربى للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعده للإمام والثلاثة الآخر لأصناف الثلاثة ويدلّ عليه اخبار ، (٤) وعليه أكثرنا وبعض العامة ، إلّا أنه قال سهم الله للكعبة والباقي لمن ذكره الله. (٥)

ومنّا من قال : يقسم خمسة (٦) إذا لمعنى فان للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما عطف عليه خمسه ، وذكر الله للتعظيم كأنه قيل : فإن لله خمسه ، يصرف الى هؤلاء ويعضده اخبار ، وعليه جمهورهم.

واختلفوا في سهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته فقيل يصرف في المصالح ، (٧) وقيل للإمام ، (٨) وقيل للأصناف الأربع (٩) وقيل : يسقط هو وسهم ذي القربى بموته ، ويصير الكل للثلاثة الأخر (١٠) (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) جوابه محذوف دل عليه «واعلموا» أي إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا حكمه في الخمس واعملوا به (وَما

__________________

(١) تفسير الكشاف ٢ : ١٦ ـ وتفسير البيضاوي ٢ : ٢٦٦ ـ.

(٢ ـ ٣) تفسير البيضاوي ٢ : ٢٦٦.

(٤) تفسير البرهان ٢ : ٨٤ الحديث ٦.

(٥) رواه البيضاوي في تفسيره ٢ : ٢٦٧.

(٦) تفسير ابو الفتوح ٥ : ٨٩.

(٧) تفسير الصافي ٢ : ٣٠٤ ـ وتفسير البيضاوي ٢ : ٢٦٧.

(٨ ـ ٩) تفسير الصافي ٢ : ٣٠٤.

(١٠) نقله البيضاوي في تفسيره ٢ : ٢٦٧.

٥١٩

أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا) من الفتح والآيات (يَوْمَ الْفُرْقانِ) يوم بدر ، إذ فرّق فيه بين الحق والباطل (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) المسلمون والكفار (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومنه نصركم وأنتم أقل منهم.

[٤٢] ـ (إِذْ) بدل «يوم الفرقان» (أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) جانب الوادي الأدنى من المدينة ، وكسر عينها «ابن كثير» و «أبو عمرو» ، (١) وضمها الباقون (وَهُمْ) أي النفير (بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) جانبه الأبعد منها (وَالرَّكْبُ) العير بمكان (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) خبر نصب ظرفا ، والجملة حال عن الظرف قبلها (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ) أنتم والنفير للقتال ثم علمتم ضعفكم وقوتهم (لَاخْتَلَفْتُمْ) أنتم (فِي الْمِيعادِ) رهبة منهم (وَلكِنْ) جمعكم بلا ميعاد (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) واجبا كونه ، وهو نصركم وقهرهم.

أشير الى ضعفهم وقوة عدوّهم بذكر مركزيهم ، إذ العدوة الدنيا ، تسوخ فيها الأقدام ، وليس بها ماء بخلاف القصوى ، وباستظهار النفير بالعير وتصميمهم على الثبات في المقاتلة عنها ، وبتخلفهم عن الميعاد رهبة منهم ليعلم ان نصرهم معجز من الله تعالى (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) متعلق ب «مفعولا» أي ليموت من مات ، أو ليكفر من كفر بعد حجة واضحة قامت عليه وهي وقعة بدر ، فإنها آية بينة (وَيَحْيى مَنْ حَيَ) وفكّه «نافع» و «ابن كثير» و «أبو بكر» (٢) (عَنْ بَيِّنَةٍ) أي ويعيش من عاش ، أو ويؤمن من آمن عن حجة واضحة (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ) للأقوال (عَلِيمٌ) بالعقائد والأعمال.

[٤٣] ـ (إِذْ) اذكر إذ (يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) أي يقللهم في عينك في نومك لتخير أصحابك ، ليجتروا عليهم (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) جبنتم (وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) أمر القتال من الاقدام والاحجام (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) سلمكم من الفشل والتنازع (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بما يحدث في القلوب.

[٤٤] ـ (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) أيها المؤمنون (إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) سبعين أو

__________________

(١) حجة القراءات : ٣١١.

(٢) تفسير البيضاوي ٢ : ٢٦٧.

٥٢٠