الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ١

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

٤١

٤٢

٤٣
٤٤

مقدمة المؤلف

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي أنزل على عبده القرآن ، هدى للنّاس وبيّنات من الهدى والفرقان ، فتحدّى به الفصحاء من أهل اللّسان ، فعجزوا عن معارضة أقصر سورة في حسن نظمها والبيان.

والصّلاة على الخطيب به على رؤس الإنس والجانّ ، النّاسخ به وبدينه سائر الكتب والأديان محمد المبعوث بأبلغ حجة وأقوى برهان.

وآله الذين هم لكتابه وشرعه حفظة وخزّان عليهم صلوات الرحمن في كلّ زمان.

«وبعد» فإنّ أسير الذّنوب العظام ، ورهين الجرائم الجسام ، الرّاجي من فضل مولاه ، فكّ رقبته من أغلال خطاياه ، العبد الجاني ، علي بن حسين (١) بن أبي جامع العاملي ـ عامله الله بعفوه ورأفته ، وشمله ووالديه والمؤمنين بفضله ورحمته ـ يقول :

إن علم التفسير من أجلّ العلوم الشّرعية موضوعا ، وأفضل المعارف الدينيّة أصولا وفروعا ، لأنّه «الكشّاف» عن «أنوار التنزيل» الحجاب ، ومن شأنه الإسعاف (٢) ب «مجمع البيان» و «التبيان» لاولى الألباب. وفي ضمنه كشف عن حقائق علوم جمّة ، وفي طيّة نشر لدقائق فنون مهمّة.

__________________

(١) هذه النسبة الى الجدّ الخامس ، والصحيح : عليّ بن الحسين بن محي الدين بن عبد اللطيف بن علي بن احمد بن أبي جامع.

(٢) الإسعاف : الإعانة ـ كما في مجمع البحرين «سعف».

٤٥

وكثيرا ما كنت احدّث نفسي في تأليف مختصر منتخب من «منتقى جمانه» ، وجمع ملخّص ملتقط من «جواهر كنز عرفانه» ويعوّقني عنه قصر الباع عن تناول هذا المرام ، وقصور الاستعداد عن بلوغ ذلك المقام ، فقلت لنفسي : لا تقنطي من فيض الكريم ، وثقي بفضل جوده العميم.

فشرعت فيه مع توزّع البال ، وعروض الشواغل من سفر وغيره من الأشغال ، سالكا فيه طريق الإيجاز في التعبير ، مشيرا إلى أكثر الأقوال المحتملة من وجوه التفسير ، منبّها على قليل من النّكت إذ لا يحيط بكلّها حساب معربا عمّا يتوقف عليه فهم المعنى من وجوه الإعراب ، مقتصرا على ذكر «القراءات السّبع» المشهورة (١) وربّما ذكرت غيرها (٢) في مواضع يسيرة ، جاريا في عدّ الآيات على المشهور من إغفال البسملة ، خوفا من مخالفة المسطور في المصاحف الشّريفة المبجّلة ، وإن كان الإعتقاد : أنّها آية من كلّ سورة إلّا التّوبة ، لأخبار صحيحة (٣) من المتواترات محسوبة ، وإذ قد وفّق الله بلطفه للإتمام ، على ما ذكرت من التأليف والنّظام ، ناسب أن يسمى ب :

«الوجيز في تفسير القرآن العزيز»

ثمّ إني أسأل الله تعالى أن يجعله وسيلة الى عفوه وغفرانه ، وذريعة الى الفوز بثوابه ورضوانه ، وأن ينفع به الطالبين ، ويهدي به المسترشدين ، بمحمّد وآله الأكرمين صلّى الله عليهم أجمعين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

__________________

(١) القراء السبعة هم : نافع ـ المدني ـ وابن كثير ـ المكي ـ ويطلق عليهما : الحرميان ، أحيانا ـ وابو عمرو ـ البصري ـ ، وعبد الله بن عامر ـ الدمشقي ـ وعاصم ـ الكوفي ـ وحمزة ـ الكوفي ـ والكسائي ـ كما في حجة القراءات : ٥١ ـ.

(٢) هناك قرّاء لم يشتهروا كاشتهار السبعة منهم : يزيد بن القعقاع ، ويعقوب بن إسحاق والبزاز وغيرهم.

(٣) الأحاديث في هذا المضمار كثيرة جدا ، انظر جامع أحاديث الشيعة ٥ : ١١٤.

٤٦

سورة الفاتحة

[١]

مكيّة ، وقيل : أنزلت ثانيا في المدينة (١)

تسمّى «فاتحة الكتاب» لأنها مفتتحة ، و «امّ الكتاب» لاشتمالها على جمل معانيه ، و «الحمد» لذكره فيها ، و «السبع المثاني» لأنها سبع آيات اتّفاقا ، (٢) لكنّهم بين عادّ للبسملة دون «أنعمت عليهم» وعاكس. (٣) وتثنّى في الفريضة أو الإنزال. (٤) ولها أسماء أخر ، (٥) والمذكورة أشهر.

[١] ـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية من الفاتحة ، ومن كلّ سورة ، عدا «براءة»

__________________

(١) نقل معناه الطبرسي في تفسير مجمع البيان ١ : ١٧.

(٢) في تفسير القرطبي ١ : ١١٤ : أجمعت الامة على انّ فاتحة الكتاب سبع آيات.

(٣) قال القرطبي في تفسيره ١ : ٩٤ عن ابن بكير عن مالك قوله «أنعمت عليهم» آية ، ثم الآية السابعة : الى آخرها وكذا عدّ اهل المدينة واهل الشام واهل البصرة وامّا وأهل الكوفة ـ من القراء والفقهاء ـ فإنهم عدّوا فيها : «بسم الله الرحمن الرحيم» ، ولم يعدّوا : «أنعمت عليهم».

(٤) وهذا تعليل آخر لتسمية السورة بالسبع المثاني. ونقل هذا الطبرسي في تفسير مجمع البيان ١ : ١٧ وفيه : قيل لأنها نزلت مرّتين.

(٥) منها : «الكافية» و «الوافية» و «الأساس» و «الشفاء» وغيرها مما ورد في تفسير مجمع البيان ١ : ١٧ وتفسير روح المعاني ٣٣.

٤٧

بإجماعنا ، (١) والمخالفون بين موافق ومخالف. (٢)

و «الباء» للاستعانة ؛ وترجّح بأن جعل اسمه تعالى آلة للفعل مشعرا بزيادة مدخليته فيه حتى كأنه لا يوجد بدونه.

أو للمصاحبة وترجّح بأن التبرّك باسمه تعالى أدخل في الأدب من جعله آلة ، إذ هي تابعة مبتذلة ، وفي الردّ على المشركين في تبرّكهم باسم آلهتهم.

والحق أنّ التبرّك يجامع كلا منهما ، فإنّ ذكر اسمه تعالى يثمره مطلقا والسّورة مقولة على ألسنة عباده تعليما للتبرّك باسمه وحمده وسؤاله.

ومتعلّق الظرف ، الأولى تقديره فعلا ؛ لأصالته في العمل وقلّة الإضمار مؤخّرا ؛ لأهميّة اسمه تعالى ، وقصر التبرّك عليه خاصّا ؛ هكذا : باسم الله أتلو ؛ لدلالة الحال عليه ، إذ ما يتلو التّسمية متلوّ.

وكل فاعل يضمر ما جعلها مبدءا له كأذبح وأحلّ وارتحل : في الذّبح والحلّ والارتحال ، (٣) والإيهام العام كأبدأ قصر التبرّك على الابتداء ، ولمطابقة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ). (٤) و «الاسم» من : السّموّ وأصله «سمو» حذف عجزه ، وسكّن أوّله ، وزيد فيه مبتدأ

__________________

(١) كما في تفسير التبيان ١ : ٢٤ وتفسير مجمع البيان ١ : ١٨.

(٢) في تفسير القرطبي ١ : ٩٢ : اختلف العلماء في هذا المعنى علي ثلاثة اقوال :

الاول : انها ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها ـ وهو قول مالك ـ.

الثاني : انها آية من كل سورة ـ وهو قول عبد الله بن المبارك ـ.

الثالث : قول الشافعي : هي آية في الفاتحة ، وتردد قوله في سائر السور ، فمرّة قال : هي آية من كل سورة ، ومرّة قال : ليست بآية الّا في الفاتحة وحدها.

(٣) أي : وكل فاعل (بمعنى القائم بالعمل) يجعل مبدأ عمله بسم الله ... كأن يضمر في نفسه أذبح بسم الله ... وأحلّ ... وأرتحل ...

(٤) سورة العلق : ٩٦ / ١.

٤٨

به همزة ، بشهادة التّكبير والتّصغير.

أو : من «السّمة» وأصله «وسم» حذفت الواو وعوّض عنها الهمزة.

ولم يقل بالله ، لأنّ التبرّك باسمه ، وليعمّ كل أسمائه.

و «الله» أصله : «إله» ، حذفت الهمزة وعوّض عنها أداة التعريف (١) لكنّه مختصّ بالمعبود بالحقّ. و «الإله» كان لكلّ معبود ، ثم غلّب في المعبود بالحقّ. وهو من «أله» بالفتح : عبد أو تحيّر ، أو ـ الكسر ـ : سكن أو فزع أو ولع ، لأنه معبود تتحيّر فيه العقول ، وتطمئن بذكره القلوب ، ويفزع اليه ، ويولع بالتضرّع لديه.

وقيل : أصله «لاه» مصدر لاه ليها ولاها : احتجب وارتفع. فأدخلت عليه الأداة. (٢)

وفي الحديث إشارة إلى جلّ هذه المعاني : فعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «الله ، معناه : المعبود الذي تألّه فيه الخلق ، ويؤله اليه ، المستور عن إدراك الأبصار ، المحجوب عن الأوهام والخطرات». (٣)

وهو علم شخصي للذات المقدّس الجامع لكلّ كمال ؛ لا اسم لمفهوم واجب الوجود ، وإلّا لم تفد كلمة الشّهادة : التوحيد ؛ لاحتمال اعتقاد قائلها تعدّد أفراد ذلك المفهوم.

وعورض بأنّه لو كان كذلك لم يفده : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) لجواز علميّته لأحد أفراد الواجب ، مع عدّهم السّورة من أدلّة التّوحيد.

__________________

(١) قال سيبويه : «الله» مشتق ، وأصله : «اله» دخلت عليه الالف واللام فبقي الإله ثم نقلت حركة الهمزة الى اللام وسقطت فأسكنت اللام الاولى وأدغمت. ينظر مجمع البحرين ٦ : ٣٤٠ ـ.

(٢) نقل هذا القول الشيخ الطوسي في تفسير التبيان : ١ / ٢٧ ، والطبرسي في تفسير مجمع البيان ١ : ١٩.

(٣) رواه الصدوق في كتاب التوحيد : ٨٩ مع اختلاف يسير.

٤٩

ويجاب : بأن آخرها يفيد الواحديّة وصدرها يفيد الأحدية : أي نفي قبول القسمة بأنحائها ، وما مرّ في الحديث (١) لا ينافي العلمية.

وتفخّم لامه إذا فتح ما قبلها أو ضمّ. وحذف ألفه لحن.

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) صفتان مشبّهتان من «رحم» ـ بالكسر ـ بعد نقله الى المضموم ؛ كغضبان من غضب ، وعليم من علم.

والرّحمة : رقة القلب المقتضية للإحسان. واتّصافه تعالى بها باعتبار غايتها التي هي فعل ، لا مبدئها الّذي هو انفعال.

و «الرحمن» أبلغ ؛ لاقتضاء زيادة البناء زيادة المعنى. وهي هنا إما باعتبار الكمّ بحسب كثرة أفراد المرحومين وقلّتها ، وعليه حمل «يا رحمن الدنيا» لشمول المؤمن والكافر «ورحيم الآخرة» للاختصاص بالمؤمن. أو باعتبار الكيف ، وعليه حمل : «يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا» ، لجسامة (٢) نعم الآخرة ـ كلّها ـ بخلاف نعم الدّنيا.

فمعنى «الرّحمن» : البالغ في الرّحمة غايتها ؛ ولهذا اختص به تعالى ، لأن من عداه مستعيض بأنعامه ثوابا أو ثناء أو إزالة الرّقة الجنسية أو البخل.

ثم هو كالواسطة ، لأن ذات النّعم وسوقها الى المنعم وإقداره على إيصالها منه تعالى فهو المنعم الحقيقيّ.

وإنّما قدّم «الرّحمن» ـ ومقتضى التّرقّي العكس ـ لصيرورته بالاختصاص كالواسطة بين العلم والوصف ، فناسب توسيطه بينهما. أو لأنّ الملحوظ في مقام التّعظيم جلائل النّعم وغيرها كالتّتمة ، فقدّم.

وأردف ب «الرّحيم» للتّعميم ، تنبيها على أن جلائلها ودقائقها منه تعالى ؛ لئلا

__________________

(١) أي : الحديث المروي عن امير المؤمنين عليه‌السلام ـ المتقدم آنفا ـ.

(٢) الجسامة : العظمة.

٥٠

يأنف عباده من سؤال الحقير من جنابه ، وللفاصلة.

وخصّ البسملة بهذه الأسماء الثّلاثة إعلاما بأنّ التحقيق بأن يستعان به في جميع الأمور (١) هو المعبود الحقيقيّ البالغ في الرّحمة غايتها المولي للنّعم كلّها.

[٢] ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) الحمد : هو الثّناء على جميل اختياريّ ، نعمة وغيرها وحمده تعالى على صفاته حمد على الآثار الاختيارية الصّادرة عن ذاته العينيّة كما هو الحقّ. ونقيضه : الذّم ، ويرادفه : المدح ، أو يعمّ غير الاختياري.

والشكر : ما قابل النّعمة من قول أو عمل أو اعتقاد ، ومنه الحمد على النّعمة ، بل هو أظهر شعبه دلالة عليها ؛ لخفاء الإعتقاد واحتمال عمل الجوارح ؛ ولذا

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحمد رأس الشّكر ، ما شكر الله من لم يحمده» (٢)

فجعله كأشرف الأعضاء ، فكأنّ الشكر منتف بانتفائه. وخصّه بعض بالقول ، فيتساويان. ونقيضه : الكفران.

ورفع «الحمد» بالابتداء ، وخبره «لله». وهو من المصادر التي تنصب بأفعال مضمرة ، فأصله النّصب ، وعدل الى الرفع ليفيد الثبات دون التجدّد. ولامه للجنس.

أو الاستغراق ، أو العهد ، أي : حقيقة الحمد ، أو : كل أفراده ، أو : أكملها ثابت له تعالى على وجه الإختصاص ـ كما تفيده اللام ـ ولو بمعونة المقام. (رَبِّ الْعالَمِينَ) مالكهم.

و «الربّ» مصدر ، بمعنى : التّربية ، وهي : تبليغ الشّيء كماله تدريجا. وصف به للمبالغة. أو : صفة مشبّهة من : ربّه يربّه ، بعد جعله لازما كما في «الرحمن» واضافته حقيقية لانتفاء العمل النّصب لاشتقاقه من اللازم ، ولقصد الاستمرار الثّبوتيّ ككريم البلد ، فساغ وصف المعرفة به ، وسمّي به : المالك ، لحفظه ما يملكه وتربيته

__________________

(١) في النسخ : مجامع الأمور.

(٢) رواه البيضاوي في تفسيره ١ : ٢٢.

٥١

له. ولا يطلق على غير تعالى إلّا مضافا كربّ الدّار ، أو مجموعا كالأرباب.

و «العالم» اسم لما يعلم به كالطابع غلّب في كل جنس مما يعلم به الصانع من الجواهر والأعراض ، كما يقال : عالم الأرواح ، وعالم الأفلاك وعالم العناصر ، ويطلق على مجموعها ـ أيضا ـ ، ولا يجمع إلّا بالإطلاق الأول ، فيتعيّن هنا. وإنما جمع ليشمل كلّ أجناس مسمّاه وأفرادها أيضا. وجمع بالواو والنون لمعنى الوصفيّة فيه ، وتغليب العقلاء.

وقيل : اسم لكل جنس من ذوي العلم من الملائكة والثقلين ودخول غيرهم بالتّبعيّة. (١) [٣] ـ (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) كررا في مفتتح الكتاب الكريم إشعارا بشدة اعتنائه سبحانه بالرّحمة ، وتثبيتا للرّجاء بأنّ مالك يوم الجزاء هو البالغ في الرحمة غايتها ، فلا يقنط من عفوه المذنبون.

[٤] ـ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قراءة «عاصم» و «الكسائي». (٢) ويؤيّده : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ). (٣)

وقرأ الباقون : «ملك» (٤) ويؤيّده : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٥) وأنه أدخل في التّعظيم ، وأنسب بالإضافة الى «يوم الدين» كملك العصر ، ولوصفه تعالى بالملكية بعد الرّبوبية في خاتمة الكتاب ، (٦) ليوافق الافتتاح الاختتام.

__________________

(١) نقل هذا القول البيضاوي في تفسيره ١ : ٢٧ ولم ينسبه.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ١ / ٢٥.

(٣) سورة الانفطار : ٨٢ / ١٩.

(٤) الكشف عن وجوه القراءات ١ / ٢٥.

(٥) سورة المؤمن : ٤٠ / ١٦.

(٦) في سورة الناس : ١١٤ / ٢ ، قوله تعالى : «ملك النّاس».

٥٢

والمالك : من له التّصرّف فيما في حوزته ، والملك : من له التّصرّف في الأمور ـ في الأمر والنّهي ـ بالغلبة.

والدين : الجزاء ، ومنه : «كما تدين تدان». (١)

وعن الباقر عليه‌السلام : أنه الحساب. (٢)

وإضافة اسم الفاعل الى الظّرف لإجرائه مجرى المفعول به توسّعا ، وسوّغ وصف المعرفة به قصد معنى المضيّ ؛ تنزيلا لمحقّق الوقوع منزلة ما وقع ، أو قصد الاستمرار الثّبوتيّ. والمعنى : ملك الأمر كلّه في ذلك اليوم ، أو له الملك ـ بكسر الميم ـ فيه ، فإضافته حقيقيّة ، وكذا إضافة «ملك» إذ لا مفعول للصّفة المشبّهة.

وتخصيص اليوم بالإضافة ـ مع أنه تعالى مالك وملك لجميع الأشياء في كلّ الأوقات ـ لتعظيم اليوم ، أو لتفرّده تعالى بالملك والملك فيه ؛ لأن ما حصل منهما للبعض في الدنيا بحسب الظاهر يزول وينفرد سبحانه بهما (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ). (٣) وفي التّعبير باسم الذّات الدّالّ على استجماع الكمالات ، وتعقيبه بتلك الصّفات المنتفية عمّا سواه تعالى ، دلالة على انحصار استحقاق الحمد فيه ، وقصر العبادة والاستعانة عليه تعالى ، وإرشاد الى المبدأ والمعاد ، وتنبيه على أنّ من يحمده النّاس إمّا أن يحمدوه لكماله الذّاتيّ ، أو لإنعامه عليهم ، أو لرجائهم إحسانه في المستقبل ، أو لخوفهم من كمال قهره ، فكأنّه تعالى يقول : أيها النّاس إن كنتم تحمدون للكمال الذّاتي ؛ فأنا الله ، أو للإنعام والتّربية ؛ فأنا ربّ العالمين ، أو للرجاء في المستقبل ؛ فأنا الرّحمن الرّحيم ، أو للخوف من كمال القهر ؛ فأنا مالك

__________________

(١) وهو قول أمير المؤمنين عليه‌السلام كما ورد في نهج البلاغة (الخطبة : ١٥٣).

(٢) تفسير التبيان ١ : ٣٦ وتفسير مجمع البيان ١ : ٢٤.

(٣) سورة المؤمن : ٤٠ / ١٦.

٥٣

يوم الدّين.

[٥] ـ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) «إيّا» : ضمير منصوب منفصل ، ولواحقه من «الكاف» و «الياء» و «الهاء» حروف لبيان الخطاب والتكلّم والغيبة لا محل لها من الإعراب ككاف «ذلك» ـ على أصحّ الأقوال ـ. (١)

والعبادة أعلى مراتب الخضوع والتذلّل ؛ ولذا لا يستحقها إلّا المولي لأعظم النّعم ـ من الوجود والحياة وتوابعها ـ.

والاستعانة : طلب المعونة في الفعل ، ويراد بها ـ هنا ـ : طلب المعونة في كلّ المهمات ، ولذا حذف المستعان فيه ، أو : في أداء العبادة بوظائفها ، بقرينة توسّطها بين «نعبد» و «اهدنا» فحذف اختصارا للقرينة.

وتقديم المفعول ، لقصر العبادة والاستعانة عليه تعالى قصرا حقيقيّا ، أو إضافيا إفراديّا ، ولتقدّمه تعالى في الوجود ، وللتّنبيه على أنّ العابد والمستعين ينبغي أن يكون نظرهما ـ بالذّات ـ الى الحقّ سبحانه ، ثم منه الى أنفسهما ، (٢) لا من حيث ذواتهما ، بل من حيث انّها ملاحظة له تعالى ، ثم الى عبادتهما (٣) ـ ونحوها ـ لا من حيث صدورها عنهما ، (٤) بل من حيث إنها وصلة بينهما (٥) وبينه تعالى.

وتكرير الضّمير للتنصيص على التّخصيص بالاستعانة ، فينتفي احتمال تقدير مفعولها مؤخّرا ، ويرتفع توهّم إرادة التخصيص بمجموع الأمرين لا بكل منهما ، ولبسط الكلام مع المحبوب كآية : (هِيَ عَصايَ). (٦)

وتقديم العبادة على الاستعانة ليتوافق الفواصل في متلوّ الآخر ؛ ولأنّ تقديم الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة ، ولمناسبة تقديم مطلوبه تعالى من

__________________

(١) راجع الأقوال المتعددة الواردة عن كبار النحويين في تفسير مجمع البيان ١ : ٢٥.

(٢ ، ٣ ، ٤ ، ٥) وردت الكلمة بصيغة الجمع ـ في المواضع الأربعة ـ وصححناه نظرا الي السياق.

(٦) سورة طه : ٢٠ / ١٨.

٥٤

العباد على مطلوبهم منه ، ولأنّ المتكلّم لمّا نسب العبادة الى نفسه كان كالمعتدّ بما يصدر منه فعقّبه (١) ب «إيّاك نستعين» ، إيذانا بأنّ العبادة لا تتمّ إلّا بمعونته.

وإيثار صيغة المتكلّم مع الغير على المتكلّم وحده ، ليلاحظ القارئ دخول الحفظة أو حاضري صلاة الجماعة ، او كلّ موجود (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ، (٢) وليؤذن بحقارة نفسه عن عرض العبادة وطلب المعونة منفردا على باب الكبرياء بدون انضمامه إلى جماعة تشاركه في العرض ، كما يصنع في عرض الهدايا ، ورفع الحوائج إلى الملوك ، وليحترز عن الكذب لو انفرد في ادّعائه : قصر خضوعه التّام واستعانته عليه تعالى ، مع خضوعه التّام لأهل الدنيا من الملوك ونحوهم.

وفي الجمع يمكن أن يقصد تغليب الخلّص على غيرهم فيصدق ، وليدرج عبادته وحاجته في عبادة المقرّبين وحاجتهم لعلّها تقبل وتجاب ببركتهم.

والعدول من الغيبة الى الخطاب التفات ، ويكون بالعكس ، ومن أحدهما الى التّكلّم وبالعكس ، ومن عادة العرب العدول من أسلوب الى آخر تفنّنا في الكلام ، وتطرية له ، وتنشيطا للسّامع ، وتختصّ مواقعه بنكت.

وممّا اختص به هذا الموضع : أنّ الحمد إظهار مزايا المحمود ، فالمخاطب به غيره تعالى ، فالمناسب له طريق الغيبة.

وأما العبادة والاستعانة ، فينبغي كتمانهما من غير المعبود والمستعان ؛ ليكون أقرب الى الإخلاص وأبعد عن الرّياء ، فالمناسب له طريق الخطاب.

ومنه : التّلويح إلى ما في حديث : «اعبد الله كأنّك تراه» (٣) إذ العبادة الكاملة هي ما يكون العابد حال اشتغاله بها مستغرقا في الحضور ، كأنّه مشاهد لجناب معبوده.

__________________

(١) في «ج» : فعقّب.

(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٤٤.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٤٠٥ الحديث ٦٥.

٥٥

ومنه التّنبيه على علوّ مرتبة الذّكر ، وأنّ العبد بإجراء هذا القدر منه على لسانه صار أهلا للخطاب ، فكيف لو لازمه ليلا ونهارا.

ومنه الإيماء إلى أنّ من تأدّب وكسر نفسه ورءاها بعيدة عن ساحة القرب حقيق أن تدركه رحمة إلهيّة توصله إلى مقام أهل القرب والخطاب.

[٦] ـ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) فصل عمّا قبله لكمال الانقطاع ؛ لتخالفهما خبرا وإنشاء ، أو لكمال الاتّصال لأنّه بيان للمعونة المطلوبة كأنّه قيل : كيف أعينكم؟ فقالوا : «اهدنا».

والهداية : الدّلالة بلطف ـ أوصلت إلى المطلوب أم لا ـ ، وقيل : الموصلة. (١) ويدفعه (فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى). (٢) وقيل : إراءة ما يوصل ، (٣) ويدفعه : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (٤) وقيل إن تعدّت الى ثاني مفعوليها بنفسها فالموصلة ، ولا تسند إلّا اليه تعالى ، أو بالحرف فالإراءة وتسند الى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن ، ويدفعه : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (٥) والإسناد إلى غيره تعالى في : (فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا). (٦)

ثمّ إنّ أصناف هديته سبحانه ـ وإن لم يحصرها العدّ ـ على أربعة أوجه :

الاول : إفاضة القوى والحواس لجلب النّفع ودفع الضّرر (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى). (٧)

__________________

(١) ذكره البيضاوي في تفسيره ١ : ٣٤.

(٢) سورة فصّلت : ٤١ / ١٧ وتمامه : «وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى علي الهدى».

(٣) أشار اليه البيضاوي في تفسيره ١ : ٣٥.

(٤) سورة القصص : ٢٨ / ٥٦.

(٥) سورة البلد : ٩٠ / ١٠.

(٦) سورة مريم : ١٩ / ٤٣.

(٧) سورة طه : ٢٠ / ٥٠.

٥٦

الثاني : نصب الدلائل الفارقة بين الحقّ والباطل (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ). (١)

الثالث : إرسال الرّسل وإنزال الكتب (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ). (٢)

الرابع : إزالة الغواشي البدنيّة وإراءة الأشياء كما هي ، بالوحي أو الإلهام أو المنام الصّادق ، والاستغراق في ملاحظة جماله وجلاله ، وهذا يختصّ به الأنبياء والأولياء ونحوهم (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) ، (٣) (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) ، (٤) فإذا تلا هذه الآية غير الواصلين أرادوا بالهداية : المرتبة الرّابعة ، وإذا تلاها الواصلون أرادوا : زيادة ما منحوه من الهدى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً). (٥) والثبات عليه.

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «اهدنا» : ثبّتنا. (٦)

والصّراط : الجادّة ، من : سرط الطّعام ، أي ابتلعه ، فكأنّه يسترط السّابلة وهم يسترطونه ، كما سمّي : لقما كأنّه يلتقمهم. وجمعه : ككتب ، ويذكّر ويؤنّث كالسّبيل ، وأصله : السين ، قلبت صادا لتطابق الطاء في الإطباق ، وقد يشمّ الصّاد صوت الزّاء.

وقرأ «ابن كثير» بالأصل (٧) و «حمزة» بالإشمام ، (٨) والباقون بالصّاد ـ وهي لغة قريش ـ. (٩)

والمراد ب «الصراط المستقيم» : طريق الحقّ أو دين الإسلام ، أو كتاب الله.

[٧] ـ (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بدل كلّ من : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ،

__________________

(١) سورة البلد : ٩٠ / ١٠.

(٢) سورة فصّلت : ٤١ / ١٧.

(٣) سورة الزمر : ٣٩ / ١٨.

(٤) سورة الانعام : ٦ / ٩٠.

(٥) سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٤٧ / ١٧.

(٦) رواه الزمخشري في تفسير الكشّاف : ١ / ٦٧.

(٧ ، ٨ ، ٩) الكشف عن وجوه القراءات ١ : ٣٤.

٥٧

للتأكيد والتّنصيص على أنّ الطريق الذي هو علم في الاستقامة هو طريق المنعم عليهم ، حيث جعل كالتّفسير له.

والمراد بهم المذكورون في قوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ). (١) وقيل : المراد بهم المسلمون ، (٢) فإنّ نعمة الإسلام أصل كلّ النّعم. وقيل : الأنبياء. (٣)

والإنعام : إيصال النّعمة ، وهي ـ في الأصل ـ مصدر ، بمعنى : الحالة المستلذّة ، ككون الإنسان مليّا ـ مثلا ، ثمّ أطلقت على نفس الشّيء المستلذّ ، تسمية للسّبب باسم المسبّب.

ونعمه سبحانه ـ على كثرتها وتعذّر حصرها (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٤) ـ ثمانية أنواع : إمّا دنيويّ موهبيّ روحاني ـ كإفاضة العقل ـ ، أو جسمانيّ ـ كخلق الأعضاء ـ.

وإمّا دنيويّ كسبيّ روحانيّ ـ كتحلية النّفس بالأخلاق الزّكية ـ ، أو جسمانيّ ـ كتزيين البدن بالهيئات المطبوعة.

وإمّا أخرويّ موهبيّ روحانيّ ـ كغفران ذنب من لم يتب ـ ، أو جسماني كأنهار العسل ، وامّا أخرويّ كسبي روحانيّ كغفران ذنب التائب او جسماني كاللذّات الجسمانية المستجلبة بالطّاعات.

والمراد ـ هنا ـ : الأربعة الأخيرة ، وما يكون وصلة إليها من الأربعة الاول ـ لاشتراك المؤمن والكافر فيما عدا ذلك ـ. (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).

__________________

(١) سورة النساء : ٤ / ٦٩.

(٢) قاله وكيع كما في تفسير ابن كثير ١ : ٢٨.

(٣) أورد هذا القول ابن كثير في تفسيره (١ : ٢٨) أيضا.

(٤) سورة النحل : ١٦ / ١٨.

٥٨

الغضب : ثوران النفس (١) لإرادة الانتقام ، فإن أسند إليه تعالى فباعتبار الغاية ـ كالرّحمة ـ.

والعدول عن اسناده إليه تعالى إلى صيغة المجهول ، وإسناد عديله اليه سبحانه تأسيس لمباني الرّحمة ، فكأنّ الغضب صادر من غيره تعالى ، وإلّا فالظّاهر : غير الذين غضبت عليهم ، ومثله ـ في التّصريح بالوعد والتّعريض بالوعيد ـ كثير في الكتاب المجيد ، ومنه : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) (٢) والمقابل : لاعذبنّكم.

والضّلال : العدول عن الطّريق السّويّ ولو خطأ ، وشعبه كثيرة ، بشهادة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ستفترق امّتي ثلاثا وسبعين فرقة ، فرقة ناجية والباقون في النار». (٣)

وتفسير «المغضوب عليهم» باليهود ، و «الضّالين» بالنصارى مشهور. (٤)

وقيل : المراد بهما مطلق الكفار ، (٥) وقيل : مطلق الموصوفين بالعنوانين من الكفّار وغيرهم. (٦)

و «غير» بدل كلّ من «الذين» ، والمعنى : أنّ المنعم عليهم هم الذين ـ سلموا من الغضب والضّلال ، فيفيد التأكيد والتنصيص ـ كما مرّ ـ ، أو صفة له.

ويبتنى ـ كونها مبيّنة او مقيّدة ـ على تفاسير «المنعم عليهم» ، و «المغضوب عليهم» و «الضّالّين» ، ولا يكاد يخفى على المتدبّر.

__________________

(١) اي : هيجانها ـ كما في مجمع البحرين «ثور».

(٢) سورة ابراهيم : ١٤ / ٧.

(٣) أورده السيوطي في الجامع الصغير ١ : ١٨٤ والدر المنثور ١ : ١٣٦ وغيره ، وقد الّف في هذا الحديث عدّة كتب ، فينظر.

(٤) ذهب اليه كثير من علمائنا ومنهم العياشي في تفسيره ١ : ٢٢ والطبرسي في تفسير مجمع البيان ١ : ٣١.

(٥) نقل هذا القول الطبرسي في تفسير مجمع البيان ١ : ٣٠.

(٦) قاله عبد القاهر الجرجاني ـ كما في تفسير مجمع البيان ١ : ٣٠.

٥٩

وكيف كان : فتعرّف الموصوف ، وتوغّل الصّفة في النّكارة يحوج إلى إخراج أحدهما عن صرافته ، اما : بجعل الموصول مقصودا به جماعة ـ لا بأعيانهم ـ ، فيصير معهودا ذهنيا ، فيجري مجرى النّكرات كالمعرّف بلام الجنس ـ المراد به فرد غير معيّن ـ.

أو بجعل «غير» بالإضافة الى ذي الضد الواحد معيّنا تعيّن المعارف ، فينكسر إبهامه ، فيصّح وصف المعرفة به كقولهم : «عليك بالحركة غير السكون».

ورجّح هذا على سابقه بأنّ إرادة بعض غير معيّن تخدش بدليّة صراطهم من «الصراط المستقيم» ، إذ مدارها على علميّة صراطهم في الاستقامة ، وذلك انّما هو من حيث انتسابه الى كلّهم لا إلى البعض.

ولفظة «لا» بعد «واو» العطف في سياق النّفي ، تفيد توكيده والتّصريح بشموله كلا من المتعاطفين لا أنّه لمجموعهما. وصحّح مجيئها هنا تضمّن «غير» المغايرة والنّفي ، ولذا جاز «أنا زيدا غير ضارب» رعاية لجانب النّفي ، فتكون الإضافة كالعدم ، فيجوز تقديم معمول المضاف اليه على المضاف ، كما جاز : «أنا زيدا لا ضارب» وإن لم يجز في : «أنا مثل ضارب زيدا» : «أنا زيدا مثل ضارب» لامتناع وقوع المعمول حيث يمتنع وقوع العامل.

روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ أفضل سورة أنزلها الله في كتابه هي «الحمد» ، أمّ الكتاب ، وإنّها شفاء من كلّ داء». (١)

وعن الصّادق عليه‌السلام : «لو قرئت الحمد على ميّت سبعين مرة ، ثم ردّت فيه الرّوح ، ما كان عجبا». (٢)

وعنه عليه‌السلام أنه قال : اسم الله الأعظم مقطّع في أمّ الكتاب». (٣)

__________________

(١) رواه العياشي في تفسيره ، ١ : ٢٠ الحديث ٩.

(٢) رواه الكليني في الكافي ٢ : ٤٥٦ ـ كتاب : فضل القرآن ـ الحديث ١٦.

(٣) رواه الصدوق في ثواب الأعمال : ١٣٠.

٦٠