الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ١

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

والإثم قيل : الزنا (١) وقيل : كل معصية (٢) (إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ) يكتسبون.

[١٢١] ـ (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) فيحرم متروك التسمية إلّا نسيانا عندنا لأخبارنا (٣) وهم بين موافق ومحرّم مطلقا ، ومبيح مطلقا (٤) (وَإِنَّهُ) أي الأكل منه (لَفِسْقٌ) خروج عن طاعة الله (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ) يوسوسون (إِلى أَوْلِيائِهِمْ) الكفار (لِيُجادِلُوكُمْ) في تحليل الميتة بقولهم : «ما قتل الله أحقّ أن تأكلوه مما قتلتم» (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) في ذلك (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) بترك دين الله الى دينهم.

[١٢٢] ـ (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً) كافرا وشدده «نافع» (٥) (فَأَحْيَيْناهُ) بالهدي الى الإيمان (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) علما بالحجج ، الفاصلة بين الحق والباطل (كَمَنْ مَثَلُهُ) صفته (فِي الظُّلُماتِ) ظلمات الكفر (لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) حال من فاعل الظرف (كَذلِكَ) كما زين للمؤمن ايمانه (زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) زينه الشيطان أو الله بتخليتهم وشأنهم.

والآية نزلت في حمزة أو عمّار وأبي جهل.

[١٢٣] ـ (وَكَذلِكَ) كما جعلنا فساق مكة أكابرها (جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ) مفعول ثاني (مُجْرِمِيها) أول أي خليناهم (لِيَمْكُرُوا فِيها) وخصّ الأكابر لأن الناس أطوع لهم (وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ) لعود وباله عليهم (وَما يَشْعُرُونَ) بذلك.

[١٢٤] ـ (وَإِذا جاءَتْهُمْ) أي كفار مكة (آيَةٌ) على صدق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) قاله السدي والضحاك ـ كما في تفسير مجمع البيان ٢ : ٣٠٨.

(٢) قاله قتادة ومجاهد والربيع ـ كما في تفسير مجمع البيان ٢ : ٣٠٨ ـ.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢٥ الباب ١٥ من أبواب الذبائح.

(٤) تفسير مجمع البيان ٢ : ٣٠٨ ، وتفسير القرطبي ٧ : ٧٥.

(٥) حجة القراءات : ٢٧٠.

٤٤١

وسلّم (قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) قيل : قال أبو جهل : «زاحمنا بنو عبد مناف حتى إذا صرنا كفرسي رهان» قالوا منا نبي يوحى اليه والله لا نرضى به إلّا أن يأتينا وحي كما يأتيه ، فنزلت ، (١) وردّ عليهم بقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ) «رسالاته» (٢) وأفردها «ابن كثير» و «حفص». (٣)

و «حيث» مفعول به لفعل دلّ عليه «أعلم» أي يعلم المكان الصالح لها فيضعها فيه وليست بالنسب والمال (سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ) ذلّ بعد كبرهم (عِنْدَ اللهِ) في القيامة (وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ) بمكرهم.

[١٢٥] ـ (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) أن يلطف به (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) يلطف به حتى يرغب فيه ويطمئن اليه (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) أن لا يلطف به فيخليه ، وشأنه (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً) يمنعه الطافه حتى ينبو عن قول الحق فلا يدخله الإيمان ، وخففه «ابن كثير» (٤) (حَرَجاً) كسره «نافع» و «أبو بكر» أي شديد الضيق ، وفتحه الباقون (٥) وصفا بالمصدر (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ) يتصعد وخففه «ابن كثير».

وقرأ «أبو بكر» : يصاعد (٦) أي يتصاعد (فِي السَّماءِ) إذا كلف الإيمان لشدته عليه ، أو كأنّما يتصاعد إليها نبوّئ عن الحق (كَذلِكَ) الجعل (يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ) الخذلان ومنع اللطف أو العذاب (عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) وضع موضع عليهم تعليلا.

[١٢٦] ـ (وَهذا) البيان أو الإسلام أو التوفيق والخذلان (صِراطُ رَبِّكَ) طريقه الذي ارتضاه ، أو الذي اقتضته حكمته (مُسْتَقِيماً) لا عوج له ، أو عادلا ، حال مؤكّدة

__________________

(١) قاله مقاتل ـ كما في تفسير مجمع البيان ٢ : ٣٦١ ، وفيه : لا نؤمن ـ.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «رسالته» كما سيشير اليه المؤلف.

(٣) حجة القراءات : ٢٧٠.

(٤ ، ٥ ، ٦) حجة القراءات : ٢٧١.

٤٤٢

عاملها معنى الإشارة (قَدْ فَصَّلْنَا) بيّنا (الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) يتذكرون أي يتعظون فإنهم المنتفعون بها.

[١٢٧] ـ (لَهُمْ) للمتذكرين (دارُ السَّلامِ) دار السلامة أو دار الله وهي الجنة (عِنْدَ رَبِّهِمْ) في ضمانه (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ) متولي أمرهم أو ناصرهم (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) بسبب أعمالهم أو متوليهم بجزائها.

[١٢٨] ـ (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) وقرأ «حفص» بالياء (١) أي يجمع الله الخلق ونصبه بإضمار «اذكر» أو نقول (يا مَعْشَرَ) والضمير لمن يحشر (الْجِنِ) أي الشياطين (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) من اغوائهم أو منهم بالإغواء (وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ) الذين أطاعوهم (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) أي أنتفع الإنس بالجن بأن زينوا لهم الشهوات والجن بالإنس بطاعتهم لهم.

وقيل : استمتاع الإنس أن يعوذوا بهم إذا خافوا في واد واستمتاعهم بالإنس إقرارهم بقدرتهم على نفعهم (٢) (وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) أي البعث وهو تحسر منهم (قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ) مقامكم أو ذات اقامتكم (٣) (خالِدِينَ فِيها) حال عاملها «مثواكم» ان كان مصدرا أو معنى الإضافة ان كان مكانا (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) من الأوقات التي يعذبون فيها بغير النار كالزمهرير.

أو إلّا ما شاء قبل دخولها (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ) في أفعاله (عَلِيمٌ) بخلقه.

[١٢٩] ـ (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) نخلّيهم حتى يتولى بعضهم بعضا أو نكل بعضهم الى بعض في القيامة أو نقرنه به في النّار (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٢ : ٣٦٥.

(٢) قاله الحسن وابن جريج والزجاج وغيرهم ـ كما في تفسير مجمع البيان ٢ : ٣٦٥.

(٣) في «الف» : دار اقامتكم. وفي روح المعاني ٨ : ٢٣ : النار مثواكم اي منزلكم ومحل اقامتكم او ذات ثوائكم على أن المثوى اسم لمكان او مصدر.

٤٤٣

من الشرّ.

[١٣٠] ـ (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) من مجموعكم وهم من الإنس خاصة ك (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) (١) وقيل من كل من الثقلين (٢) وقيل : رسل الجن رسل للرسل إليهم (٣) (يَقُصُّونَ) يتلون (عَلَيْكُمْ آياتِي) حججي (وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا) ـ مجيبين ـ : (شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) بالكفر واعترفنا باستحقاق العذاب (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) فكفروا (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) تخطئة لرأيهم إذ اغتروا بالحياة الفانية حتى كان عاقبة أمرهم ان اعترفوا بالكفر واستسلموا للعذاب.

[١٣١] ـ (ذلِكَ) أي إرسال الرسل ، خبر محذوف أي الأمر ذلك (أَنْ) مخففة أو مصدرية بتقدير لام أي لأنه (لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ) أو لانتفاء كونه (مُهْلِكَ الْقُرى) أو بدل من «ذلك» (بِظُلْمٍ) بسبب ظلم منها أو ظالما (وَأَهْلُها غافِلُونَ) لم ينبهوا برسول.

[١٣٢] ـ (وَلِكُلٍ) من المكلفين (دَرَجاتٌ) مراتب (مِمَّا عَمِلُوا) من جزاء أعمالهم (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ) بساه (عَمَّا يَعْمَلُونَ) فيخفى عليه قدر جزائه وقرأ «ابن عامر» بالتاء. (٤) [١٣٣] ـ (وَرَبُّكَ الْغَنِيُ) عن خلقه وطاعتهم (ذُو الرَّحْمَةِ) يترحم عليهم بالتكليف ليعرضهم للنفع العام الدائم (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) يهلككم أيها العصاة (وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) من الخلق (كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ)

__________________

(١) سورة الرحمن : ٥٥ / ٢٢.

(٢) قاله الضحاك والطبري والبلخي ـ كما في تفسير التبيان ٤ / ٢٧٧.

(٣) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٢ : ٣٦٧.

(٤) حجة القراءات : ٢٧٢.

٤٤٤

اذهبهم لكنه ابقاكم رحمة لكم.

[١٣٤] ـ (إِنَّ ما تُوعَدُونَ) من البعث والجزاء (لَآتٍ) لا محالة (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) مريدكم به.

[١٣٥] ـ (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) تمكنكم أو طريقتكم أو حالتكم وجمعه «أبو بكر» حيث وقع (١) وهو تهديد أي أثبتوا على كفركم وتسجيل بأن المهدد لا يتأتى منه إلّا الشرك المأمور به الذي ليس له التفصي عنه (إِنِّي عامِلٌ) على ما أنا عليه من الإسلام ومصابرتكم (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ) موصولة مفعول العلم أو استفهامية معلق عنها ، أي أيّنا (تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أي العاقبة الحسنى في الدار الآخرة وهو إنذار مع انصاف في القول وتضمن وثوق المنذر بأنه محق ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» «يكون» (٢) بالياء (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) وضع موضع الكافرين لعمومه.

[١٣٦] ـ (وَجَعَلُوا) أي المشركون (لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) خلق (مِنَ الْحَرْثِ) الزرع (وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) حظا يطعمونه الضيفان والمساكين ولآلهتهم منه نصيبا يصرفونه الى سدنته (٣) (فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ) وضمه والآتي «الكسائي» (٤) (وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ) الى جهته (وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ) كانوا إذا رأوا نصيب الله أزكى بدّلوه بنصيب ألهتهم ، وإن رأوا نصيب آلهتهم أزكى تركوه لها.

وقيل : إن سقط في نصيبه شيء من نصيبها التقطوه ، وإن انعكس تركوه لها (٥) (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) حكمهم هذا.

__________________

(١ ـ ٢) حجة القراءات : ٢٧٢.

(٣) السدنة : جمع سادن ، بمعنى الحاجب والخادم.

(٤) حجة القراءات : ٢٧٣.

(٥) قاله ابن عباس وقتادة ـ كما في تفسير مجمع البيان ٢ : ٣٧٠.

٤٤٥

[١٣٧] ـ (وَكَذلِكَ) كما زين لهم فعلهم (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ) بالوأد ، ونحرهم للأصنام (شُرَكاؤُهُمْ) من الشياطين أو السدنة. وهو فاعل «زيّن» وبناه «ابن عامر» للمفعول وهو «قتل» ونصب «أولادهم» ، وجرّ «شركائهم» بإضافة «قتل» اليه ، مفصولا بينهما بمفعوله. (١) وهو قبيح في ضرورة الشعر فكيف في القرآن المعجز (لِيُرْدُوهُمْ) ليهلكوهم (وَلِيَلْبِسُوا) يخلطوا (عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) أي ما كانوا عليه من دين إسماعيل. واللام للعلة ان كان المزين الشيطان ، وللعاقبة ان كان السدنة (٢) (وَلَوْ شاءَ اللهُ) قسرهم (ما فَعَلُوهُ) ما فعل المشركون والشركاء ذلك (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) وافتراءهم ، أو ما يفترونه.

[١٣٨] ـ (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) حرام فعل بمعنى مفعول كالذبح ، يستوي فيه الواحد والكثير والذكر وغيره (لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ) من خدم الأصنام ، والرجال دون النساء (بِزَعْمِهِمْ) بلا حجة (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) كالبحائر والسوائب والحوامي (وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) في ذبحها بل يهلون عليها بأصنامهم (افْتِراءً عَلَيْهِ) حال ، أو مفعول له ، أو مصدر ، لأن «قالوا» بمعنى افتروا على الله بنسبة ذلك اليه (سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) بسببه أو مقابله.

[١٣٩] ـ (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ) أجنّة البحائر والسوائب (خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) حلال لهم خاصة ، وتأنيثها لمعنى «ما» أي الأجنة ، أو ناؤها للمبالغة كرواية الشعر (وَمُحَرَّمٌ) ذكرّ للفظ «ما» (عَلى أَزْواجِنا) أي الإناث إن ولد حيا (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ) فالذكور والإناث (فِيهِ شُرَكاءُ) سواء ، وقرأ «ابن عامر» «تكن» بالتاء ورفع «ميتة» و «أبو بكر» بالتاء والنصب ، و «ابن كثير» بالياء والرفع ، و «الباقون» بالياء

__________________

(١) حجة القراءات : ٢٧٣ وفي تفسير البيضاوي ٢ : ٢٠٩ : الذي هو القتل وفي «ب» و «ج» : ورفع «قتل».

(٢) في «الف» : ان كان التزيين من الشيطان وللعاقبة ان كان من السدنة.

٤٤٦

والنصب (١) (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) جزاء وصفهم أي تحليلهم وتحريمهم (إِنَّهُ حَكِيمٌ) في فعله (عَلِيمٌ) بخلقه.

[١٤٠] ـ (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا) وشدده «ابن كثير» و «ابن عامر» (٢) (أَوْلادَهُمْ) بناتهم ، خشية الفقر أو العار (سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ) لخفة عقلهم وجهلهم (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) مما ذكر (افْتِراءً عَلَى اللهِ) سبق مثله (قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) الى الحق.

[١٤١] ـ (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ) بساتين (مَعْرُوشاتٍ) مرفوعات بالدعائم ، أو ما غرسه الناس فعرشوه (وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) ملقيات على الأرض ، أو ما نبت في البراري (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) ثمره هيئة وكيفا. والهاء لكل من النخل والزّرع ، و «مختلفا» حال مقدرة (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً) أي بعض افرادهما طعما ولونا (وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) أي بعضها (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) ثمر كل من ذلك (إِذا أَثْمَرَ) وإن لم يدرك (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) وكسر الحاء أكثرهم (٣) والمراد به التصدق بشيء منه غير الزكاة لفرضها بالمدينة والآية مكية.

وقيل : الزكاة ، والآية مدنية (٤) (وَلا تُسْرِفُوا) في الصدقة فلا يبقى لعيالكم شيء (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) لا يرضى فعلهم.

[١٤٢] ـ (وَمِنَ الْأَنْعامِ) وأنشأ منها (حَمُولَةً) ما يحمل الأثقال أو الكبار الصالحة للحمل (وَفَرْشاً) ما يفرش للذبح ، أو يفرش ما نسج من صوفه ونحوه ، أو الصغار الدانية من الأرض كالفرش لها (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) فإنه مباح لكم (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) طرقه في التحليل والتحريم (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)

__________________

(١) حجة القراءات : ٢٧٤ ـ ٢٧٥.

(٢ ـ ٣) حجة القراءات : ٢٧٥.

(٤) نقله الفيض في تفسير الصافي ٢ : ١٦٢.

٤٤٧

بيّن العداوة.

[١٤٣] ـ (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) بدل من «حمولة وفرشا». والزوج ما معه آخر من جنسه. وهو المراد ويقال لمجموعهما (مِنَ الضَّأْنِ) اسم جنس كالإبل ، أو جمع ضائن ، زوجين (اثْنَيْنِ) الكبش والنعجة وهو بدل من «ثمانية أزواج» (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) جمع «ماعز» وفتحه «ابن كثير» و «أبو عمرو» و «ابن عامر» (١) (قُلْ) إنكارا على من حرّم ما أحلّ الله (آلذَّكَرَيْنِ) من الضأن والمعز (حَرَّمَ) الله (أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) منهما (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) أم ما حملت الآنات منهما ذكرا كان أو أنثى (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) بحجة ، تدل على أن حرّم شيئا من ذلك (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيه.

الزموا بأن التحريم إن كان للذكورة فكلّ ذكر حرام ، أو للأنوثة ، فكل أنثى حرام أو لاشتمال الرحم فالصنفان ، فمن أين التخصيص ببعض دون بعض.

[١٤٤] ـ (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) كما مرّ (أَمِ) بل أ(كُنْتُمْ شُهَداءَ) حضورا (إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) التحريم إذ لم تؤمنوا بنبيّ فلا طريق لكم الى معرفته إلّا المشاهدة (فَمَنْ) أي أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بنسبة تحريم ذلك اليه (لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إلى ثوابه ، أو لا يلطف به.

[١٤٥] ـ (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ) مطلقا أو في القرآن طعاما (مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) ويفيد أن لا تحريم إلّا بالوحي (إِلَّا أَنْ يَكُونَ) الطعام (مَيْتَةً) وقرأ «حمزة» و «ابن كثير» «تكون» بالتاء لتأنيث الخبر ، و «ابن عامر» «بالتاء» ، ورفع «ميتة» على تمامية «كان» (٢) (أَوْ دَماً) عطف على «ميتة» ، وان رفعتها فعلى المستثنى (مَسْفُوحاً) مصبوبا. ولا عبرة بمفهومه ، فلا ينافي ما دلّ على تحريمه مطلقا إلّا ما

__________________

(١) حجة القراءات : ٢٧٥.

(٢) حجة القراءات : ٢٧٦.

٤٤٨

استثنى بدليل (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) فإنّ الخنزير أو لحمه خبيث قذر (أَوْ فِسْقاً) عطف على «لحم خنزير» (أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) ذبح على اسم الصنم ، وسمي فسقا لتوغله فيه (فَمَنِ اضْطُرَّ) إلى تناول شيء من ذلك (غَيْرَ باغٍ) اللذّة (وَلا عادٍ) حد الضرورة (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ) له (رَحِيمٌ) به ، والآية محكمة ، إذ مفادها عدم وجدان محرّم الى تلك الغاية غير هذه ، فلا ينافيه تحريم شيء آخر بعدها ، ولا في ذلك الوقت ، لجواز كون الحصر إضافيا ، أو تخصيص عموم الإباحة بدليل.

[١٤٦] ـ (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) كل ما له إصبع كالإبل والطيور والسباع أو كل ذي مخلب وحافر (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) الثروب وشحم الكلى (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) اشتمل عليها (أَوِ الْحَوايا) أو ما اشتمل على الأمعاء جمع «حاوية» أو حاوياء (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) هو شحم الالية لاختلاطه بالعصص (١) (ذلِكَ) الجزاء (جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) بسبب ظلمهم (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) فيما نقول.

[١٤٧] ـ (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) حيث أمهلكم ، أو لأهل طاعته (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) عذابه (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) إذا نزل.

[١٤٨] ـ (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) أي لو شاء خلاف ذلك ما فعلناه نحن ولا آباؤنا ولكن فعلناه بمشيّته لا باختيارنا. تعللوا بقول المجبرة (كَذلِكَ) كما كذبوا شهادة الحجج العقليّة والسمعية بغناه تعالى وبراءته من مشيّته القبائح بالذات (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الحجج (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) عذابنا (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) حجة توجب علما فيما زعمتم (فَتُخْرِجُوهُ) فتبدوه (لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ) في ذلك (إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) تكذبون فيه.

__________________

(١) العصص : عظم الذنب.

٤٤٩

[١٤٩] ـ (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) البيّنة التي بلغت قطع غدر المحجوج من «حج» أي قصد (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) بإلجائكم اي الأيمان لكنّه لم يشأ لمنافاته المحكمة.

[١٥٠] ـ (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) احضروهم. اسم فعل لا ينصرف عند الأكثر ، وقد يجعل فعلا فيؤنث ويثنى ويجمع ، وهو متعدّ ولازم (الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) وهم قدوتهم فيه. استحضروا لتلزمهم الحجة بانقطاعهم كمقلديهم ، ولذلك أضيف الشهداء إليه وجعلوا معهودين بالوصف (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) فلا تصدقهم إذ تصديقهم كالشهادة معهم بالباطل ، (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) وضع موضع (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) (١) ليدلّ على أنّ مكذب الآيات متبع هواه لا غير (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) كعبدة الأصنام (وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) يجعلون له عديلا. وتفيد الآية منع التقليد ، ووجوب اتباع الحجة دون الهوى.

[١٥١] ـ (قُلْ تَعالَوْا) أصله أمر من «علا مكانه» لمن سفل ثم عمّم اتّساعا (أَتْلُ) أقرأ (ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) منصوب ب «أتل» و «ما» موصولة أو مصدرية أو استفهامية منصوبة ب «حرّم» والجملة مفعول «أتل» لأنه بمعنى «أقول» أي شيء حرّم ربكم (عَلَيْكُمْ) متعلق ب «أتل» أو «حرّم» (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ) «أن» مفسرة وتعليق المفسر وهو «أتل» ب «ما حرّم» لا يمنع عطف الأوامر عليه ، لرجوع التحريم فيها إلى أضدادها ، وإن جعل «أن» ناصبة فهي منصوبة ب «عليكم» على الإغراء ، أو بالبدل من «ما» على زيادة «لا» أو مجرور بلام مقدرة (شَيْئاً) مفعول أو مصدر (وَبِالْوالِدَيْنِ) وأحسنوا بهما (إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) من خشية فقر (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) فانتفى ما زعمتموه علّة لقتلهم (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) الكبائر أو الزنا (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) كقوله : (ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) (٢) (وَلا تَقْتُلُوا

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ / ٤٨.

(٢) سورة الانعام : ٦ / ١٢٠.

٤٥٠

النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) كالقود ، وحدّ المحصن والمرتد (ذلِكُمْ) المذكور (وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ما وصّاكم به ولا تضيّعونه.

[١٥٢] ـ (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي) بالخصلة التي (هِيَ أَحْسَنُ) ما يفعل بماله كحفظه وتثميره (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) يصير بالغا رشيدا ، وهو جمع شدّ أو «شدة» أو مفرد (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) بالعدل (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) إلّا ما يسعها وتطيقه في ذلك إذ يعسر مراعاة حدّ العدل في إيفاء الحق فلا يجب إلّا ما في الوسع ويعفى عما وراءه (وَإِذا قُلْتُمْ) في حكم ونحوه (فَاعْدِلُوا) فيه (وَلَوْ كانَ) المقول له أو عليه (ذا قُرْبى) قرابة (وَبِعَهْدِ اللهِ) ما عهد إليكم مما أوجبه عليكم (أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) تتعظون وخففه «حمزة» ، و «الكسائي» و «حفص» حيث وقع. (١)

[١٥٣] ـ (وَأَنَّ هذا) المذكور في السورة من بيان الدين ، وكسرها «حمزة» و «الكسائي» استئنافا ، (٢) وفتحه خفيفة «ابن عامر» (٣) والباقون مشددة بتقدير اللام علة ل «اتبعوه» أي ولأنّ هذا (صِراطِي) وفتح «ابن عامر» الياء (٤) (مُسْتَقِيماً) حال (فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) الطرق المختلفة المخالفة له (فَتَفَرَّقَ) فتتفرّق أي تميل (بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) دينه (ذلِكُمْ) الاتباع (وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الضلال عن الحق.

[١٥٤] ـ (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) عطف على «وصّيكم» و «ثم» لترتيب الاخبار (تَماماً) للنعمة ، مفعول له (عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) بالقيام به أو بتبليغه وهو موسى

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٢ : ٣٨٣.

(٢ ـ ٣) حجة القراءات : ٢٧٧.

(٤) النشر في القراءات العشر ٢ : ٢٦٧.

٤٥١

(وَتَفْصِيلاً) بيانا (لِكُلِّ شَيْءٍ) يحتاج إليه في الدين (وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ) أي أمة موسى (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) أي بالبعث.

[١٥٥] ـ (وَهذا) القرآن (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) كثير الخير (فَاتَّبِعُوهُ) اعملوا بما فيه (وَاتَّقُوا) مخالفته (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) باتباعه.

[١٥٦] ـ (أَنْ تَقُولُوا) أي أنزلناه كراهة أن تقولوا (إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) اليهود والنصارى (وَإِنْ) مخففة (كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ) تلاوتهم (لَغافِلِينَ) أي لا نعرف مثلها ، واللام فارقة.

[١٥٧] ـ (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) لذكائنا أو حدة أذهاننا (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ) حجة واضحة بلسانكم (مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) لمن اتبعها (فَمَنْ) أي : لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها) صدّ ، وأعرض عنها (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ) شدته (بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) بصدفهم.

[١٥٨] ـ (هَلْ يَنْظُرُونَ) ما ينتظر كفرة مكة (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) لتوفيهم ، أو بالعذاب. وقرأ «حمزة» و «الكسائي» بالياء (١) (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) أي أمره بالعذاب أو إهلاكه إياهم عاجلا أو آجلا (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) أي أشراط الساعة كطلوع الشمس من مغربها وغيره (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) الملجئة إلى المعرفة (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) حينئذ لزوال التكليف (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) صفة «نفسا» (أَوْ) لم تكن (كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) طاعة والمعنى لا ينفع نفسا خلت من الأمرين إيمانها وينفعها إن حصل أحدهما (قُلِ انْتَظِرُوا) إتيان أحد الثلاثة (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) ذلك.

[١٥٩] ـ (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) اختلفوا فيه فآمنوا ببعض ، وكفروا ببعض.

__________________

(١) حجة القراءات : ٢٧٧.

٤٥٢

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : افترقت اليهود إحدى وسبعين فرقة ، كلها في النار إلّا واحدة ، والنصارى اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلّا واحدة وتفترق أمتى ثلاثا وسبعين فرقة ، كلها في النار إلّا واحدة ، (١) وقرأ «حمزة» و «الكسائي» : «فارقوا» (٢) أي تركوا (وَكانُوا شِيَعاً) فرقا ، كل فرقة تشيع إماما (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أي من السؤال عن تفرّقهم أو من عقابهم أو نهى عن قتالهم ونسخ بآية السيف (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) في مجازاتهم (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) بالمجازاة.

[١٦٠] ـ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) أي جزاء عشر حسنات أمثالها فضلا منه تعالى ، ونوّن «يعقوب» «عشر» ورفع «أمثالها» صفة ل «عشر» (٣) (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) أي جزاؤه عدلا منه تعالى (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بنقص ثواب وزيادة عقاب.

[١٦١] ـ (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي) وفتح «نافع» و «أبو عمرو» ياء «ربي» (٤) (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً) بدل من محل «صراط» إذ معناه هداني صراطا (قِيَماً) فيعلا من قام ك «سيد» من «ساد» وهو أبلغ من قائم. وقرأ «الكوفيون» و «ابن عامر» «قيما» بكسر القاف وفتح الياء مخففة (٥) مصدرا كالقيام وصف به (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) عطف بيان ل «دينا» (حَنِيفاً) حال من «ابراهيم» (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) عطف عليه.

[١٦٢] ـ (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) عبادتي أو قرباني (وَمَحْيايَ وَمَماتِي) حياتي وموتي ، أو ما آتيه في حياتي وأموت عليه من الإيمان ، وسكن «نافع» ياء «محياي»

__________________

(١) جوامع الجامع ١ : ٤٢٢ ، وسنن الترمذي ٥ : ٢٦ الحديث رقم ٢٦٤١.

(٢) حجة القراءات : ٢٧٨.

(٣) تفسير مجمع البيان ٢ : ٣٨٩.

(٤) النشر في القراءات العشر ٢ : ٢٦٧.

(٥) حجة القراءات : ٢٧٨.

٤٥٣

وهو شاذ وفتح ياء «مماتي» (١) (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

[١٦٣] ـ (لا شَرِيكَ لَهُ) خالصة له وحده (وَبِذلِكَ) الإخلاص (أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) من هذه الامّة.

[١٦٤] ـ (قُلْ) إنكارا لما دعوك اليه من عبادة آلهتهم : (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) أي أطلب غيره إلها (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) فكلّ ما سواه مربوب لا يصلح للربوبية (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) فلا ينفعني إن أشركت به إشراككم (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ) ولا تحمل نفس آثمة (وِزْرَ) نفس (أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) بتمييزه الحق من الباطل.

[١٦٥] ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) يخلف بعضكم بعضا أو خلفاء الأمم السابقة (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) بالشرف والمال (لِيَبْلُوَكُمْ) ليختبركم (فِي ما آتاكُمْ) من ذلك ، كيف يشكر الرفيع ويصبر الوضيع (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) إذا أراده فاحذروه ، أو لأنّ ما هو آت قريب (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ) للمؤمنين (رَحِيمٌ) بهم.

__________________

(١) حجة القراءات : ٢٧٩.

٤٥٤

سورة الأعراف

[٧]

مائتان وست آيات مكية إلّا ثمان من : «واسألهم» (١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (المص) فسّر مثله. (٢)

[٢] ـ (كِتابٌ) خبر محذوف أو «المص» (أُنْزِلَ إِلَيْكَ) صفته (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) ضيق من تبليغه خوفا أن تكذب ، أو شك. والفاء للعطف ، أو جواب مقدر أي إذا أنزل إليك (لِتُنْذِرَ بِهِ) فلا يحرج صدرك ، ونهي الحرج مبالغة.

«لتنذر به» متعلق ب «أنزل» (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) عطف على «كتاب» أو محل «لتنذر» أو مصدر أي ولتذكر ذكرى أي تذكيرا.

[٣] ـ (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) من القرآن والسنة (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ) ولا تتخذوا غير الله (أَوْلِياءَ) تطيعونهم في معصيته تعالى (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) أي

__________________

(١) وهي الآية ١٦٣ من هذه السورة.

(٢) وذلك عند تفسير قوله تعالى : (الم) في أول سورة البقرة.

٤٥٥

تذكرا قليلا تتذكرون. و «ما» زيدت لتوكيد القلّة ، وخففه الكوفيون غير «أبي بكر» (١) وزاد «ابن عامر» ياء (٢) والخطاب له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٤] ـ (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي أهلها. و «كم» خبرية (أَهْلَكْناها) أردنا إهلاكها ، أو خذلناها ، خبر «كم» أو ناصبها (فَجاءَها بَأْسُنا) عذابنا (بَياتاً) مصدر وقع حالا أي بائتين (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) عطف عليه. وحذفت واو الحال استثقالا.

والقيلولة استراحة نصف النهار ، وخص الوقتان مبالغة في غفلتهم ولان مجيء العذاب فيهما أفظع.

[٥] ـ (فَما كانَ دَعْواهُمْ) أي دعاؤهم (إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) إلّا إقرارهم بظلمهم.

[٦] ـ (فَلَنَسْئَلَنَ) اللام للقسم (الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) عن اجابتهم الرسل (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) عما أجيبوا. (٣) والسؤالان توبيخ للكفرة. والمنفي في : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) (٤) سؤال الاستعلام ، أو هذا في موقف وذاك في آخر ، إذ القيامة مواقف.

[٧] ـ (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ) على الرسل والمرسل إليهم أحوالهم (بِعِلْمٍ) عالمين بها أو بمعلومنا منها (وَما كُنَّا غائِبِينَ) عنها فتخفى علينا.

[٨] ـ (وَالْوَزْنُ) القضاء ، أو وزن الأعمال بعد تجسيمها أو صحائفها بميزان له لسان وكفتان يراه الخلق إظهارا للعدل وقطعا للعذر.

وقيل توزن الأشخاص (٥) (يَوْمَئِذٍ) خبر «الوزن» أي يوم السؤال (الْحَقُ) العدل

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٢ : ٣٩٤.

(٢) حجة القراءات : ٢٨٠.

(٣) في «ط» : أجيبوا به.

(٤) سورة القصص : ٢٨ / ٧٨.

(٥) نقله البيضاوي في تفسيره ٢ : ٢١٩.

٤٥٦

صفة «الوزن» (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) حسناته أو ميزانها جمع موزون ، أو ميزان ، وجمع باعتبار تعدد الحسنات (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون بالثواب.

[٩] ـ (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بتعريضها للعذاب (بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) يكذبون.

[١٠] ـ (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ) في التصرف فيها (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) أسبابا تعيشون بها جمع «معيشة» وعن «نافع» همزة ، (١) (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) على ذلك.

[١١] ـ (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) أي خلقنا أباكم «آدم» عن مصوّر ثم صورناه (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) السجود لله تكرمة لآدم (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ).

[١٢] ـ (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) «لا» زائدة أو أريد ما حملك على أن لا تسجد إذ الممنوع عن شيء محمول على خلافه (إِذْ أَمَرْتُكَ) يفيد أن الأمر للوجوب (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) ويقبح أمر الأفضل بالتخضع للمفضول فهو جواب من حيث المعنى كأنه قال المانع ذلك. وهو أول من تكبر ، وعلّل فضله عليه بقوله (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ظانا ان النار خير من الطين ، وأن الفضل باعتبار العنصر ، وقد غلط في كليهما لأنّ الفضل لمن فضّله الله وقد فضل الطين على النار من جهات متعددة ، وفضل آدم على المخلوق من النور كالملائكة ، حيث أمرهم بالسجود له فضلا عن المخلوق من النار.

قال ابن عباس : «أول من قاس إبليس فأخطأ ، فمن قاس الدين برأيه قرنه الله

__________________

(١) في تفسير مجمع البيان ٢ : ٣٩٩ : وروى بعضهم عن نافع : «معائش» ممدودا مهموزا.

٤٥٧

معه» (١) ونحوه عن أئمتنا عليهم‌السلام. (٢)

[١٣] ـ (قالَ فَاهْبِطْ مِنْها) من الجنة أو السماء (فَما يَكُونُ) يصح (لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) فإنها لا يسكنها متكبر (فَاخْرُجْ) منها (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) الأذلاء ، فإن من تواضع لله رفعه ومن تكبر وضعه.

[١٤] ـ (قالَ أَنْظِرْنِي) أمهلني فلا تمتني ، أو أخّر جزائي (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي الخلق.

[١٥] ـ (قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) محمول على ما قيّد بقوله (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (٣) وهو النفخة الأولى.

[١٦] ـ (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) خيّبتني أو كلّفتني بما غويت لأجله ، أو أهلكتني أي بسبب اغوائك لي أقسم (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) لبني آدم (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) طريق الحق. نصب ظرفا أو بتقدير «على».

[١٧] ـ (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) أي من جهاتهم الأربع فاضلهم عن سلوكه ولم يقل «من فوقهم» لنزول الرحمة منه.

ولا «من تحتهم» لإيحاش الإتيان منه.

وقيل (٤) «من بين أيديهم» من قبل الآخرة و «من خلفهم» من قبل الدنيا ، والآخران من جهة حسناتهم وسيئاتهم ومجيء «من» في الأوّلين لتوجهه منهما إليهم ، و «عن» في الآخرين لانحراف الآتي منهما إليهم (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) مؤمنين. قاله ظنا (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) ، (٥) أو من جهة الملائكة.

__________________

(١) يقرب منه ما في تفسير مجمع البيان ٢ : ٤٠٢.

(٢) تفسير البرهان ٢ : ٤ ـ ٥ وتفسير نور الثقلين ٢ : ٧.

(٣) سورة الحجر : ١٥ / ٣٨.

(٤) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير البيضاوي ٢ : ٢٢١.

(٥) كما ورد في الآية ٢٠ من سورة سبأ : ٣٤.

٤٥٨

[١٨] ـ (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً) معيبا أو مذموما (مَدْحُوراً) مطرودا (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) لام الابتداء موطّئة للام القسم في (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) منك ومن ذريتك ومنهم ، غلّب الحاضر والجملة نابت جزاء الشرط.

[١٩] ـ (وَيا آدَمُ) وقال : يا آدم (اسْكُنْ أَنْتَ) تأكيد لفاعل «اسكن» ليعطف عليه (وَزَوْجُكَ) حواء بالمدّ (الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) بالأكل (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) الباخسين أنفسهم الثواب. و «تكونا» نصب جوابا ، أو جزم بالعطف.

[٢٠] ـ (فَوَسْوَسَ لَهُمَا) لأجلهما أو إليهما. وأصل الوسوسة الصوت الخفي (الشَّيْطانُ) إبليس (لِيُبْدِيَ لَهُما) ليظهر لهما. واللام للعاقبة أو للغرض بأن أراد بوسوسته إساءتهما ببدو (١) عوراتهما (ما وُورِيَ) ستر (عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) عوراتهما ، وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر.

ويفيد قبح كشفها في الخلوة ، وعند الزوج لا لحاجة طبعا. (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا) كراهة (أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) في الجنة أو الذين لا يموتون. ولا يفيد فضل الملائكة على الأنبياء لأنهما انّما رغبا في حصول خواص الملائكة لهما كالكمال الفطري والاستغناء عن الغذاء ، وهذا لا يوجب فضلهم مطلقا ، أو المعنى أن النهي عنها للملائكة والخالدين دونكما.

[٢١] ـ (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) أي أقسم لهما بالله على ذلك من «فاعل» (٢) مبالغة وقيل اقسما له بالقبول.

[٢٢] ـ (فَدَلَّاهُما) أي حطهما عن درجتهما العالية الى رتبة سالفة (بِغُرُورٍ) بأن غرّهما بقسمه لظنهما بأن أحدا لا يقسم بالله كذبا (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ) أي ابتدا

__________________

(١) في «الف» و «ب» : يبدى.

(٢) تفسير البيضاوي ٢ : ٢٢٢.

٤٥٩

بالأكل منها (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) أي ظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر ودبره.

وسميت العورة سوأة لأن انكشافها يسوء صاحبها (وَطَفِقا يَخْصِفانِ) أي أخذا يرقّعان ورقة على ورقة (عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) وهو ورق التين ليستترا به (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) عتاب على مخالفة النهي وان كان نهي تنزيه ، وقبول قول العدّو والاستفهام للتقرير.

[٢٣] ـ (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) بخسناها الثواب بفعل ما تركه أولى (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا) تستر علينا (وَتَرْحَمْنا) وتتفضل بنعمك (التي يتمّ بها) (١) ما فوّتناه نفوسنا (٢) من الثواب (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) بتضييع حظنا.

[٢٤] ـ (قالَ اهْبِطُوا) خطاب لهما ولذريتهما ، أو لهما ولإبليس (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) أي متعادين (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) مصدر ، أو اسم مكان (وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) وتمتع الى تقضّي آجالكم.

[٢٥] ـ (قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ) بالبعث وبناه «حمزة» و «الكسائي» و «ابن ذكوان» للفاعل. (٣) [٢٦] ـ (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) خلقناه لكم بأسباب سماوية ، ومثله (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) (٤) (يُوارِي) يستر (سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً) جمالا أي ما تتجملون به أو مالا ، يقال : تريّش ، أي : تموّل (وَلِباسُ التَّقْوى) خشية الله والإيمان ، أو العمل الصالح ، أو لباس الحرب ، نصبه «نافع» و «ابن عامر» و «الكسائي» (٥) عطفا على

__________________

(١) الزيادة من تفسير مجمع البيان ٢ : ٤٠٧.

(٢) في النسخ «ما فوتناه نفوسنا» وقريب منه ما في تفسير مجمع البيان ٢ : ٤٠٧ ، والظاهر ان الصحيح «ما فوتته نفوسنا» ، أو : «ما فوتناه بنفوسنا».

(٣) تفسير مجمع البيان ٢ : ٤٠٦.

(٤) سورة الحديد : ٥٧ / ٢٥.

(٥) حجة القراءات : ٢٨٠.

٤٦٠