الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ١

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

الى غيره (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بكسبه (حَكِيماً) في عقابه.

[١١٢] ـ (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً) صغيرة ، أو ما لا يتعمده (أَوْ إِثْماً) كبيرة (١) أو ما تعمده (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) كرمى أبي طعمة اليهودي (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً) برميه البريء (وَإِثْماً مُبِيناً) بيّنا بكسبه.

[١١٣] ـ (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ) بالنبوة أو الطافه (وَرَحْمَتُهُ) بالعصمة ، أو إعلامك سرّهم بالوحي (لَهَمَّتْ) أضمرت (طائِفَةٌ مِنْهُمْ) من بني ظفر (أَنْ يُضِلُّوكَ) عن الحكم بالحق. ولم يرد نفي همّهم بل نفي تأثيره فيه (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لعود وبالهم عليهم (وَما يَضُرُّونَكَ) لأن الله عاصمك ومسدّدك (مِنْ شَيْءٍ) في محل المصدر أي شيئا من الضّرر (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) القرآن والأحكام (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) من الشرائع وخفيّات الأمور (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) إذ ختم بك النّبوّة.

[١١٤] ـ (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) من تناجيهم (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) إلّا نجوى من أمر. أو منقطع ، أي : ولكن من أمر ؛ ففي نجواه الخير (أَوْ مَعْرُوفٍ) عمل برّ أو قرض ، أو إغاثة ملهوف ، أو صدقة تطوّع (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) تأليف بينهم بالمودّة (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) المذكور (ابْتِغاءَ) طلب (مَرْضاتِ اللهِ) لا لغرض دنيوي (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ) وقرأ «حمزة» و «أبو عمرو» بالياء (٢) (أَجْراً عَظِيماً) يحتقر في جنبه ما فات من أعراض الدنيا.

[١١٥] ـ (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) يخالفه من الشق ، إذ مخالفه في شقّ غير شقّه (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) ظهر له الحق بالدلائل (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) الذي هم عليه من الدين (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) نجعله واليا لما تولى من الضلال ، ونخلّي

__________________

(١) هكذا وردت الصفة «كبيرة» مؤنثة في تفسير البيضاوي ٢ : ١١٥.

(٢) حجة القراءات : ٢١١.

٣٤١

بينه وبينه (وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) وندخله فيها (وَساءَتْ مَصِيراً) هي. واحتج به على حجية الإجماع ، وفيه بحث.

[١١٦] ـ (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) كرّر تأكيدا ، أو لقصة «أبي طعمة» (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) عن الحق إذ الشرك أبعد أنواع الضّلال عنه.

[١١٧] ـ (إِنْ يَدْعُونَ) ما يعبدون (مِنْ دُونِهِ) دون الله (إِلَّا إِناثاً) أصناما مؤنثة كاللات و «العزى» و «مناة». كان لكل حي صنم يعبدونه ، ويسمّونه أنثى بني فلان ، أو : إلّا جمادات لأن الجمادات تؤنث.

أو : إلّا ملائكة ؛ لقولهم : «الملائكة بنات الله» (وَإِنْ يَدْعُونَ) وما يعبدون بعبادتها (إِلَّا شَيْطاناً) لطاعتهم له فيها (مَرِيداً) عاتيا خارجا عن الطاعة.

[١١٨] ـ (لَعَنَهُ اللهُ) طرده عن رحمته ، صفة ثانية (وَقالَ) عطف عليه ، أي : شيطانا مريدا جامعا بين لعنه وقوله (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) مقطوعا فرضته لنفسي من قولهم : «فرض له في العطاء» فكل من أطاعه فهو من نصيبه.

[١١٩] ـ (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) عن الحق بالوسوسة (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) الأماني الكاذبة كطول العمر ، وأن لا بعث ولا حساب (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَ) فليقطّعن أو يشقّقن (آذانَ الْأَنْعامِ) لتحريم ما أحلّ الله وقد فعلوه بالبحائر والسوائب (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) دينه ، بتحريم ما أحل وتحليل ما حرّم أو فقئ عين الحامي وإخصاء العبيد أو الوشم. (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ) بإيثار طاعته على طاعة الله (فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) إذ استبدل الجنة بالنار.

[١٢٠] ـ (يَعِدُهُمْ) الشّيطان الأكاذيب (وَيُمَنِّيهِمْ) الأباطيل (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) هو إيهام النفع فيما فيه ضرر.

[١٢١] ـ (أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) معدلا من «حاص»

٣٤٢

أي عدل و «عنها» حال عنه ، لا صلة له.

[١٢٢] ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكّد لنفسه لأنّ مضمون الجملة قبله وعد (حَقًّا) أي حقّ ذلك حقّا ، مصدر مؤكد لغيره (وَمَنْ) أي : لا أحد (أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) قولا تمييز ، والجملة مؤكدة ، والآية تضمنت معارضة مواعيد الشيطان الكاذبة لقرنائه بوعد الله الصادق لأوليائه ، وبولغ في توكيده ترغيبا في نيله.

[١٢٣] ـ (لَيْسَ) ما وعد الله من الثواب ينال (بِأَمانِيِّكُمْ) ايها المسلمون (وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) بل بالعمل الصالح ، أو : ليس الإيمان بالتمنّي ولكن ما وقّر في القلب وصدقه العمل.

قيل : تفاخر المسلمون وأهل الكتاب ، فقال أهل الكتاب : نبينا وكتابنا قبل نبيكم وكتابكم ، ونحن أولى بالله منكم.

وقال المسلمون : نحن أولى منكم ، نبيّنا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على الكتب المتقدمة فنزلت. (١) وقيل : الخطاب للمشركين أي ليس الأمر بأمانيكم أن لا جنة ولا نار ، ولا أماني أهل الكتاب أنه (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً) (٢) (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) آجلا أو عاجلا بالآلام والمصائب ما لم يتب أو يعفو الله عنه بفضله (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) إذا جاوز موالاته ونصرته (وَلِيًّا) يحميه (وَلا نَصِيراً) ينجيه من العذاب.

[١٢٤] ـ (وَمَنْ يَعْمَلْ) شيئا (مِنَ الصَّالِحاتِ) أو بعضها ، وهو ما في وسعه وكلّف به (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) حال من المستكن في «يعمل» و «من» بيانية ، أو من «الصالحات» ، و «من» ابتدائية (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) حال ، لبيان أن الطاعة لا تنفع بدونه

__________________

(١) قاله قتادة والضحاك ـ كما في تفسير مجمع البيان ٢ : ١١٤ ـ.

(٢) قاله مجاهد وابن زيد ـ كما في تفسير التبيان ٣ : ٣٣٧ ـ ، والآية من سورة البقرة : ٢ / ١١١.

٣٤٣

(فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) وبناه «ابن كثير» و «أبو عمرو» للمفعول (١) (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) بنقص شيء من أجرهم ويعلم منه أنه لا يزاد في عقاب المجرم ، ولذلك اكتفى بذكره عقيب الثواب.

[١٢٥] ـ (وَمَنْ) أي : لا أحد (أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ) اسلم نفسه أو أخلص قلبه (لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) قولا وعملا ، أو موحّد (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) الموافقة لملة الإسلام (حَنِيفاً) مائلا عن الأديان. حال من المتبع ، أو الملة ، أو ابراهيم (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) مجاز عن اصطفاءه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله.

والخلّة من الخلال ؛ وهو : الودّ أو من الخلل إذ كلّ من الخليلين يسدّ خلل الآخر ، أو : من الخلة بمعنى الخصلة لتوافقهما في الخلال. والجملة اعتراضية تفيد الترغيب في اتباع ملته.

[١٢٦] ـ (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وخلقا (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) علما وقدرة.

[١٢٧] ـ (وَيَسْتَفْتُونَكَ) يطلبون منك الفتوى (فِي النِّساءِ) في ميراثهنّ (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ) يبيّن لكم حكمه (فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) عطف على اسم الله ، أي : الله يفتيكم وما في القرآن من آية المواريث يفتيكم كقولك : نفعني زيد وعلمه» أو «ما يتلى عليكم» مبتدأ ، خبره «في الكتاب» ويراد به اللوح المحفوظ.

والجملة معترضة لتعظيم المتلوّ عليهم (فِي يَتامَى النِّساءِ) صلة «يتلى» ان عطف «ما يتلى» على ما قبله ، وإلّا فبدل من «فيهن» والإضافة بمعنى «من» (اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ) فرض (لَهُنَ) من الميراث (وَتَرْغَبُونَ أَنْ) في أن ، أو : عن أن (تَنْكِحُوهُنَ) كان الرجل منهم يضمّ اليتيمة ، فإن كانت جميلة تزوجها وأكل مالها ،

__________________

(١) حجة القراءات : ٢١٢.

٣٤٤

وإلّا عضلها ليرثها. والواو للعطف أو الحال (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ) الصبيان عطف على «يتامى النساء» وكانوا لا يورثونهم كالنساء (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) بالعدل في حقوقهم ، عطف عليه أيضا ، أو : منصوب بتقدير فعل ، أي : ويأمركم أن تقوموا (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) في أمر هؤلاء (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً) فلا يضيّعه.

[١٢٨] ـ (وَإِنِ امْرَأَةٌ) فاعل فعل يفسره (خافَتْ) علمت أو توقّعت (مِنْ بَعْلِها) لأمارات ظهرت لها (نُشُوزاً) ترفّعا عنها بمنع حقوقها كراهة لها (أَوْ إِعْراضاً) بتقليل محادثتها ومؤانستها (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا) يتصالحا (بَيْنَهُما صُلْحاً) بأن تهب له بعض القسم ، أو المهر ، أو غيره فتستعطفه به ، هكذا فسّر.

وفيه لزوم إباحة الأخذ بفعل الواجب وترك الحرام. ويمكن حمله على ترك بعض الأمور المتعارفة بين الزوجين من التلطّف والمودّة زيادة على الواجب.

وقرأ الكوفيون : «أن يصلحا» من أصلح بين الخصمين ، وحينئذ جاز كون «صلحا» مفعولا به و «بينهما» ظرف أو حال منه ، وكونه مصدرا كالقراءة الاولى (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) من الفرقة أو من النشوز (١) والإعراض ، أو : من الخصومة ، أو : خير من الخيور ، كما أن الخصومة شرّ من الشرور ؛ فلا يراد التفضيل ، وهو اعتراض ، وكذا (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) جبلت عليه وجعل حاضرا لها لا ينفك عنها فلا تكاد المرأة تسمح بنصيبها من زوجها ولا الرّجل يسمح بإمساكها على ما ينبغي إذا كرهها (وَإِنْ تُحْسِنُوا) العشرة (وَتَتَّقُوا) النشوز والإعراض (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فيثيبكم عليه.

[١٢٩] ـ (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ) بحيث لا يقع ميل قلبي أصلا ، ولذلك كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسّم بين نساءه فيعدل ويقول : «هذا قسمي (٢)

__________________

(١) في «ط» : من الفرقة ومن النشوز.

(٢) في «ب» و «ج» : هذه قسمتي.

٣٤٥

فيما أملك فلا تأخذني فيما تملك ولا أملك» (١) (وَلَوْ حَرَصْتُمْ) على ذلك فلا تكلّفون منه إلّا ما تستطيعون (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) فلا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور بترك المستطاع (فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) التي ليست بأيّم ولا ذات بعل (وَإِنْ تُصْلِحُوا) بترك الميل (وَتَتَّقُوا) الله فيه (فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) فيغفر لكم ما سلف من ميلكم.

[١٣٠] ـ (وَإِنْ يَتَفَرَّقا) أي الزوجان بالطلاق (يُغْنِ اللهُ كُلًّا) منهما عن الآخر ببدل أو غيره (مِنْ سَعَتِهِ) غناه واقتداره (وَكانَ اللهُ واسِعاً) غنيا مقتدرا (حَكِيماً) في تدبيره.

[١٣١] ـ (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) تقرير لكمال (٢) سعته وقدرته (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) جنسه من اليهود والنصارى وغيرهم (مِنْ قَبْلِكُمْ) متعلق ب «وصّينا» أو ب «أوتوا» (وَإِيَّاكُمْ) ووصيناكم (أَنِ) بأن ، أو : أي (اتَّقُوا اللهَ) أطيعوه ولا تعصوه (وَإِنْ) أي : وقلنا لهم ولكم إن (تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وخلقا ؛ فلا يضرّه كفركم كما لا تنفعه تقواكم ، وإنما وصّاكم رحمة بكم (وَكانَ اللهُ غَنِيًّا) عن خلقه وطاعتهم (حَمِيداً) مستحقا للحمد.

[١٣٢] ـ (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ذكر ثالثا ؛ تقريرا لغناه واستحقاقه الحمد لحاجة الخلق اليه وانعامه عليهم بأصناف النعم (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) حافظا ومدبّرا لخلقه.

[١٣٣] ـ (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ) يعدمكم (وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) ويوجد قوما آخرين بدلكم ، أو خلقا آخرين بدل الإنس (وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ) على الإعدام والإيجاد (قَدِيراً) بليغ القدرة وهو تقرير لقدرته ، وتخويف لمن خالف أمره.

__________________

(١) رواه البيضاوي ذيل تفسيره للآية.

(٢) في «ب» : تقديرا لكمال.

٣٤٦

وقيل : الخطاب لمن عادى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي : إن يشأ يمتكم ويأت بناس آخرين يوالونه (١) قيل : لما نزلت ، ضرب [الرّسول] (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على ظهر سلمان قال : «هم قوم هذا». (٣)

[١٣٤] ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ) بجهاده (ثَوابَ الدُّنْيا) الغنيمة (فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) لمن أراده فلم يطلب أخسّهما ، وهلا طلبهما أو طلب الأشرف بإخلاصه له فينالهما معا (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) عالما بما يقصد بالأقوال والأعمال ، فيجازي به.

[١٣٥] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) مجتهدين في إقامة العدل ، (شُهَداءَ لِلَّهِ) بالحقّ. خبر ثان ، أو حال (وَلَوْ) كانت الشهادة (عَلى أَنْفُسِكُمْ) بأن تقرّوا عليها (أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) ولو على والديكم وأقاربكم (إِنْ يَكُنْ) المشهود عليه أو كلّ منه ومن المشهود له (غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) فلا تمتنعوا من الشهادة عليهما أو لهما محاباة أو ترحّما (فَاللهُ أَوْلى بِهِما) وانظر لهما ؛ فلو لا أن الشهادة عليهما أو لهما مصلحة لما شرعها. والضمير لجنسي الفقير والغني المدلول عليهما بالمذكور ، لا له ؛ إلّا لا فرد. (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) ارادة العدول عن الحق أو كراهة العدل بين الناس (وَإِنْ تَلْوُوا) تحرّفوا الشهادة وقرأ «ابن عامر» و «حمزة» : «وان تلوا» (٤) أي : وان ولّيتم إقامة الشهادة (أَوْ تُعْرِضُوا) عن إقامتها (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فيجازيكم به.

[١٣٦] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) على الحقيقية أو نفاقا أو الخطاب لمؤمني أهل

__________________

(١) نقله جوامع الجامع ١ : ٢٩٣. ولم ينسبه.

(٢) ما بين المعقوفتين من «ب».

(٣) رواه ابو هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما في تفسير التبيان ـ ٣ : ٣٥٢ ـ.

(٤) حجة القراءات : ٢١٥.

٣٤٧

الكتاب ك «ابن سلام» وأصحابه ، إذ قالوا يا رسول الله نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواء ، فنزلت (آمَنُوا) اثبتوا على الإيمان أو أخلصوا فيه ، أو آمنوا ايمانا عامّا (بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ) القرآن (الَّذِي نَزَّلَ) منجّما ، وبناه «الكوفيون» و «نافع» للفاعل (١) (عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ) أي جنسه (الَّذِي أَنْزَلَ) جملة. وفيه القراءتان (مِنْ قَبْلُ) قبل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي ومن يكفر بشيء من ذلك (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) عن الحق.

[١٣٧] ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) هم اليهود ، آمنوا بموسى (ثُمَّ كَفَرُوا) بعبادة العجل (ثُمَّ آمَنُوا) بعد ذلك (ثُمَّ كَفَرُوا) ب «عيسى» (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو المنافقون تكرر منهم الارتداد سرّا بعد إظهار الإيمان ، ثم اصرّوا على الكفر (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) إذ يستبعد منهم التوبة والثبات عليها لتمرّنهم على الرّدة ، لا أنهم لو آمنوا بإخلاص لم يغفر لهم (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) الى الجنة أو لا يلطف بهم.

[١٣٨] ـ (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) يفيد أن الآية في المنافقين ووضع «بشّر» موضع «خبر» تهكم بهم.

[١٣٩] ـ (الَّذِينَ) نصب أو رفع على الذم (يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ) أيطلبون (عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) القوّة والمنعمة بموالاتهم (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) لا يعزّ إلّا أولياءه.

[١٤٠] ـ (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) القرآن ، وبناه «عاصم» للفاعل (٢) (أَنْ) مخففة ، أي : إنه (إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ) القرآن (يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها) حالان من «الآيات» (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ) مع الكفار والمستهزئين (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ

__________________

(١ ـ ٢) حجة القراءات : ٢١٧.

٣٤٨

غَيْرِهِ) والمنزل عليهم في الكتاب ما نزل بمكة في «الأنعام» : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا ...) الآية (١) (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) في الإثم لقدرتكم على الإنكار عليهم ، أو في الكفر لرضاكم بذلك ، وكان الذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأحبار هم المنافقون (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) يعني القاعدين والمقعود معهم.

[١٤١] ـ (الَّذِينَ) بدل من «الذين يتخذون» ، أو صفة للمنافقين والكافرين ، أو ذم منصوب أو مرفوع (يَتَرَبَّصُونَ) ينتظرون (بِكُمْ) وقوع أمر (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) مجاهدين ، فأعطونا من الغنيمة (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ) من الظّفر (قالُوا) لهم (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ) نستول (عَلَيْكُمْ) ونقدر على قتلكم فأبقينا عليكم (وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بتخذيلهم عنكم وإفشاء أسرارهم إليكم فأعطونا مما أصبتم (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) بالحجّة أو يوم القيامة.

[١٤٢] ـ (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) فسّر في البقرة (٢) (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) متثاقلين (يُراؤُنَ النَّاسَ) في صلاتهم ليحسبوهم مؤمنين.

و «المراءاة» مفاعلة من الرؤية إذ المرائي يري غيره عمله وهو يريه استحسانه ، أو بمعنى التّفعيل كنعّم وناعم (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ) بالتسبيح ونحوه ، أو لا يصلّون (إِلَّا قَلِيلاً) إذ لا يفعلونه إلّا بحضرة من يراؤونه وهو قليل ، أو أريد الذكر في الصلاة إذ لا يذكرون فيها غير التكبير وما يجهر به.

[١٤٣] ـ (مُذَبْذَبِينَ) حال من واو (يُراؤُنَ) مثل «ولا يذكرون» أي يراءونهم غير

__________________

(١) سورة الانعام : ٦ / ٦٨.

(٢) في تفسير الآية (٩) من سورة البقرة.

٣٤٩

ذاكرين ، مذبذبين ، أو ذم منصوب من الذبذبة وهي جعل الشيء مضطربا ، وأصله الذب بمعنى الطرد أي ذبذبهم الشيطان (بَيْنَ ذلِكَ) أي الإيمان والكفر ، فهم متردّدون بينهما (لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) لا منسوبين الى المؤمنين ولا الى الكافرين (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) يمنعه اللّطف بسوء اختياره (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) الى الحق.

[١٤٤] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) كصنع المنافقين فتكونوا مثلهم (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) حجّة بينة ، إذ موالاتهم دليل النّفاق ، أو سبيلا الى عذابكم.

[١٤٥] ـ (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ) الطبق. وسكّن «الكوفيون» الراء (١) (الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) وهو قعرها ، وسميت طبقاتها السبع دركات لأنها متدارك متتابعة ، بعضها فوق بعض. وانما استحقوا ذلك لضمّهم الى الكفر تمويها واستهزاء (وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) ينقذهم منه.

[١٤٦] ـ (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) من نفاقهم (وَأَصْلَحُوا) نيّاتهم (وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ) وثقوا به (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) لا يبتغون بطاعتهم إلّا وجهه (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) رفقاؤهم في الدّارين (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) فيشاركونهم فيه.

[١٤٧] ـ (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) أيستجلب به نفعا ، أو يدفع به ضررا؟! وهما مستحيلان عليه ، وإنما يعاقب المسيء ، لأنّ إساءته كالسّبب للمرض له ، (٢) فإذا زال بالإيمان والشّكر تخلّص من العذاب (وَكانَ اللهُ شاكِراً) مثيبا يعطى الجزيل على القليل (عَلِيماً) بما يستحقونه من الجزاء.

[١٤٨] ـ (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) إلّا جهر من ظلم

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ١٢٩.

(٢) في «ط» : لان إساءته كالمرض له.

٣٥٠

بأن يشكو ظالمه ويدعو عليه (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً) للأقوال (عَلِيماً) بالأعمال.

[١٤٩] ـ (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً) تظهروا برّا (أَوْ تُخْفُوهُ) تعملوه سرّا (أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ) ظلم وهو المقصود. وذكر إبداء الخير وإخفاءه تسبّب له بدليل (فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) يكثر العفو عن الجناة مع قدرته على الانتقام فاقتدوا بسنته.

[١٥٠] ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) بالإيمان به دونهم (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ) من الرسل (وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) منهم (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ) أي الإيمان والكفر (سَبِيلاً) طريقا وسطا. ولا واسطة بينهما إذ الكفر ببعض الرسل كفر بالله وبجميع الرسل ؛ ولذلك قال :

[١٥١] ـ (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) الكاملون في الكفر (حَقًّا) مصدر مؤكّد لغيره. أي حقّ ذلك حقّا ، أو صفة مصدر الكافرين ، أي هم الذين كفروا كفرا حقا ثابتا (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) لهم.

[١٥٢] ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) وعموم «أحد» في سياق النفي سوّغ دخول «بين» المقتضي للمتعدّد عليه (أُولئِكَ سَوْفَ) «نؤتيهم» (١) وقرأ «حفص» بالياء (٢) (أُجُورَهُمْ) المستحقة بإيمانهم (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لزلّاتهم (رَحِيماً) بهم بتفضّله (٣) عليهم.

[١٥٣] ـ (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ) اليهود (أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) قالوا : إن كنت صادقا فأتنا بكتاب من السّماء جملة ، كما أتى به موسى.

أو كتابا مكتوبا من السماء كما كانت التوراة على الألواح ، أو كتابا إلينا بأعياننا بأنك رسول الله (فَقَدْ) جواب شرط مقدر ، أي : فإن استكبرت ذلك (سَأَلُوا مُوسى

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يؤتيهم» ـ كما سيشير اليه المؤلف ـ.

(٢) حجة القراءات : ٢١٨.

(٣) في «ج» و «ط» : يتفضل.

٣٥١

أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) أسند هذا السؤال لهم ـ وهو من آبائهم ـ لرضاهم به ومضاهاتهم لهم في التعنّت (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) عينانا (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) نار نزلت فأهلكتهم (بِظُلْمِهِمْ) بسبب ظلمهم ، وهو سؤالهم المستحيل (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) إلها (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) المعجزات على أن لا إله إلّا الله (فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ) بترك استئصالهم (وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) تسلّطا ظاهرا عليهم ، إذ أمرهم بقتل أنفسهم توبة فأطاعوه.

[١٥٤] ـ (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ) الجبل (بِمِيثاقِهِمْ) بسبب ميثاقهم ليخافوا فلا ينقضوه (وَقُلْنا لَهُمُ) وهو مطلّ عليهم : (ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) منحنين (وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) بأخذ الحيتان. وفتح «ورش» «العين» وشدّد «الدال» على انه «تعتدوا» فأدغمت التّاء في الدال (١) (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) وثيقا على ذلك فنقضوه.

[١٥٥] ـ (فَبِما نَقْضِهِمْ) «ما» زائدة ، والباء للسببية ، تعلّقت بمحذوف ، أي فعلنا بهم ما فعلنا بنقضهم (مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ) دلائله على صدق رسله (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ) في أكنّة لا تعي قولك (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها) خذلها ومنعها ألطافه (بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) منهم ك «ابن سلام» وأصحابه ، أو إلّا إيمانا قليلا ناقصا.

[١٥٦] ـ (وَبِكُفْرِهِمْ) بعيسى ، عطف على «فبما نقضهم» أو على «بكفرهم» (وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) وهو رميها بالزنا.

[١٥٧] ـ (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ) بزعمهم ، أو قالوه استهزاء ، أو هو استئناف من الله لمدحه (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) قيل : لما مسخ الله الذين سبّوا «عيسى» وامّه بدعائه ، اتفقت اليهود على قتله ، فأخبره

__________________

(١) حجة القراءات : ٢١٨.

٣٥٢

الله بأنه يرفعه الى السماء ، فقال لأصحابه : «أيّكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ، ويصلب ، وله الجنة»؟ فقام أحدهم فألقى الله عليه شبهه ، فقتل ، وصلب. (١)

وقيل : دلّ عليه رجل كان ينافقه فألقى الله عليه شبهه ، فأخذ وصلب ، (٢) و «شبّه» مسند الى «لهم» أو الى ضمير المقتول الدّال عليه «إنّا قتلنا» (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) في «عيسى» فقال بعضهم : رفع الى السماء ، وقال بعضهم : قتلناه ، وقال بعضهم : صلب النّاسوت وصعد اللاهوت وتردد آخرون فقال بعضهم : الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا ، وقال بعضهم : ان كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وان كان صاحبنا وأين عيسى؟ (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) أريد بالشّك ما يقابل العلم ، ترجح أحد طرفيه أم لا (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) استثناء منقطع ولكنهم يتّبعون الظن (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) قتلا يقينا كما زعموا ، أو متيقنين ، أو هو تأكيد للنفي.

[١٥٨] ـ (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) لا يقهر (حَكِيماً) فيما يدبّر.

[١٥٩] ـ (وَإِنْ) وما (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) أحد (إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) بعيسى أنه عبد الله ورسوله (قَبْلَ مَوْتِهِ) أي الكتابي حين يعاين ولا ينفعه ايمانه. ويعضده أن قرئ : «إلّا ليؤمنن به قبل موتهم» ـ بضمّ النون ـ لأن أحدا بمعنى الجمع.

وهذا بعث لهم على معاجلة الإيمان به أوان الانتفاع ، أو قبل موت عيسى إذا نزل من السماء ، فإنه ينزل في آخر الزمان فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلّا يؤمن به ، ويصلي خلف المهدي من آل محمد عليه‌السلام ، وتكون الملّة واحدة وهي ملة الإسلام ، وتقع الأمنة حتى ترتع السباع مع الأنعام ، ويلبث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ، ويصلّي عليه المسلمون ويدفنونه (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) بكفر

__________________

(١) قاله قتادة ، والسدي ، ومجاهد ، وابن إسحاق ، وابن جريج ـ كما يفي تفسير التبيان ٣ : ٣٨٢ وتفسير مجمع البيان ٣ : ١٣٦ ـ.

(٢) قاله بعض النصارى ـ كما في تفسير التبيان ٣ : ٣٨٣ ـ.

٣٥٣

اليهود به وغلوّ النصارى فيه.

[١٦٠] ـ (فَبِظُلْمٍ) فبسبب ظلم عظيم (مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) هي ما في قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ...) الآية (١) (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أناسا ، أو صدا (كَثِيراً).

[١٦١] ـ (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) في التوراة. ويفيد ان النهي للتحريم (وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) بالرّشا ونحوها (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً).

[١٦٢] ـ (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) الثّابتون في علم التوراة (مِنْهُمْ) ك «ابن سلام» وأصحابه (وَالْمُؤْمِنُونَ) من المهاجرين والأنصار. وخبر المبتدأ (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) نصب على المدح ، أو عطف على «ما انزل إليك» ويراد بهم الأنبياء أو الأئمة المعصومون (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) عطف على «الراسخون» أو مبتدأ ، والخبر : «أولئك». (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الذين حازوا الإيمان بطرفيه (أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ) وقرأ «حمزة» بالياء (٢) (أَجْراً عَظِيماً) على إيمانهم وعملهم.

[١٦٣] ـ (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) احتجاج على المقترحين أن ينزّل عليهم كتابا ، بأن شأنه في الوحي كسائر الأنبياء (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) أولاده (وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ) خصّوا بالذكر مع دخولهم في النبيين تعظيما لهم (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) مصدر ، أو بمعنى مزبور وضمّه «حمزة». (٣)

[١٦٤] ـ (وَرُسُلاً) نصب بمضمر في معنى «أوحينا» كأرسلنا ، أو بما فسره(قَدْ

__________________

(١) سورة الانعام : ٦ / ١٤٦.

(٢ ـ ٣) حجة القراءات : ٢١٩.

٣٥٤

قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) قبل اليوم (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) بلا واسطة.

[١٦٥] ـ (رُسُلاً) نصب على المدح ، أو بإضمار «أرسلنا» (مُبَشِّرِينَ) بالثّواب للمطيع (وَمُنْذِرِينَ) بالعقاب للعاصي (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) فيقولوا : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١) و «اللام» متعلقة ب «أرسلنا» مضمرا ، واسم كان «حجة» ، وخبرها «للناس» ، و «على الله» حال ، أو بالعكس (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) لا يقهر (حَكِيماً) فيما يدبر.

[١٦٦] ـ (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) لما اقترحوا عليه إنزال كتاب واحتجّ عليهم ب (إِنَّا أَوْحَيْنا) فكأنه قيل : انهم لا يشهدون ، ولكن الله يشهد ، أو أنهم قالوا : لا نشهد برسالتك فنزل لكن الله يشهد ، يثبتها (بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) من القرآن الدال باعجازه على صدقك (أَنْزَلَهُ) متلبسا (بِعِلْمِهِ) بأنه معجز ، أو بأنك أهل لإنزاله إليك. والجملة كالبيان لما قبلها (وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) أيضا برسالتك (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) بها بما نصبه من الدلائل عليها وإن لم يشهد غيره.

[١٦٧] ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) دين الإسلام (قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) بعيدا عن طريق الحق لضمّهم الى الضلال والإضلال.

[١٦٨] ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتكذيبه ، أو أعمّ من ذلك ، أي الذين جمعوا بين الكفر والظلم ، فالكفار مخاطبون بالفروع (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ) يوم القيامة (طَرِيقاً).

[١٦٩] ـ (إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) الموصل إليها (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) حال مقدرة (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) هيّنا.

[١٧٠] ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ)

__________________

(١) سورة القصص : ٢٨ / ٤٧.

٣٥٥

أي وائتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم فيه (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكا وخلقا ؛ فلا يضره كفركم (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بخلقه (حَكِيماً) في تدبيره لهم.

[١٧١] ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) خطاب للفريقين. غلت اليهود في حطّ «عيسى» حتى قالوا : «ولد لغير رشدة» (١) والنصارى في رفعه حتى عبدوه ، أو للنصارى خاصة بدليل (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) من تنزيهه عن الشريك والولد (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها) أوصلها (إِلى مَرْيَمَ) وسمّي كلمته لأنه وجد بكلمته (وَرُوحٌ مِنْهُ) ذو روح اخترع من قدرته لا بتوسط ما هو كالمادة (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا) الآلهة (ثَلاثَةٌ) الله ، وعيسى ، وامّه.

ويعضده : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ). (٢)

أو الله ثلاثة أقانيم : الأب والابن وروح القدس ـ ان صحّ عنهم ذلك ـ (انْتَهُوا) عن التثليث وأتوا (خَيْراً لَكُمْ) منه وهو التوحيد (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) بالذات ، لا شريك له ، ولا ولد ولا صاحبة (سُبْحانَهُ) اسبّحه تسبيحا من (أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وخلقا وذلك ينافي البنوّة (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) قيّما ومدبرا وحافظا لخلقه ؛ فهو الغني عن أن يكون له ولد ليخلفه.

[١٧٢] ـ (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) لن يأنف ، من نكفت الدمع نحيّته بإصبعك (أَنْ) من أن (يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) قال وفد نجران للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لم تعيب صاحبنا؟ قال : وأي شيء أقول؟ قالوا : تقول : انه عبد الله. فنزلت (وَلَا الْمَلائِكَةُ) ولا يستنكف الملائكة (الْمُقَرَّبُونَ) عند الله ان يكونوا عبيدا لله.

واستدل به على فضل الملائكة على الأنبياء إذ سيق لردّ غلوّ النّصارى في المسيح ، ومقتضاه أن يكون ما عطف عليه أعلى درجة منه.

__________________

(١) الرّشدة : ضد الزّنية.

(٢) سورة المائدة : ٥ / ١١٦.

٣٥٦

وردّ بأن الآية للرد على عبدة المسيح والملائكة فلا يتم ذلك ، ولم سلم اختصاصها بالنصارى فلعل العطف للمبالغة باعتبار التكثير دون التّفضيل (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ) يترفّع عنها.

والاستكبار طلب الكبر بلا استحقاق والتّكبّر قد يكون باستحقاق (فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) للمجازاة.

[١٧٣] ـ (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) ثواب إيمانهم وأعمالهم (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أضعاف ما يستحقّونه من الثّواب (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا) يحميهم من العذاب (وَلا نَصِيراً) ينجيهم منه.

[١٧٤] ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ) حجة (مِنْ رَبِّكُمْ) وهو محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أو معجزاته أو : الدين ، أو : القرآن (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) بيّنا وهو القرآن.

وعن الصادق عليه‌السلام : انه ولاية علي عليه‌السلام. (١)

[١٧٥] ـ (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ) نعمة وهي الجنة (وَفَضْلٍ) إحسان زائد على ما يستحقون (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ) الى الله أو الفضل (صِراطاً مُسْتَقِيماً) هو الإسلام أي : يوفقهم له ويثبتهم عليه.

[١٧٦] ـ (يَسْتَفْتُونَكَ) أي : في الكلالة بدليل (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) مرّ تفسيرها. (٢)

قيل : مرض «جابر» فعاده النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «اني كلالة فكيف

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣ : ١٤٧.

(٢) في تفسير الآية (١٢) من هذه السورة.

٣٥٧

أصنع في ما لي؟ فنزلت (١) (إِنِ امْرُؤٌ) فاعل فعل يفسره (هَلَكَ) مات (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) ذكر أو أنثى ، صفة له ، أو حال عن فاعل «هلك» وهو مقيّد بعدم الوالد أيضا للإجماع والسنّة ، ودلالة الكلالة عليه ـ ان فسرت بالميّت ـ (وَلَهُ) عطف أو حال (أُخْتٌ) لأبوين أو لأب ، لسبق حكم الاخت للام (فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) بالفرض ، والباقي ردّ عليها ، لا للعصبة (وَهُوَ يَرِثُها) أي المرء يرث أخته كل المال إن انعكس الأمر (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) ذكر أو أنثى ، ولا والد لما مرّ (فَإِنْ كانَتَا) أي من يرث بالاخوة.

والتأنيث باعتبار المعنى (اثْنَتَيْنِ) فصاعدا خبر «كان» وفائدته بيان ان الحكم باعتبار العدد دون غيره من الصفات (فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) الميت بالفرض والباقي بالردّ (وَإِنْ كانُوا) الكلام فيه كما في «كانتا» (إِخْوَةً) تغليب للمذكّر (رِجالاً وَنِساءً) بدل أو صفة أو حال (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ) الأحكام كراهة (أَنْ تَضِلُّوا) أو لأن لا تضلوا (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيعلم الأصلح لعباده فيفعله لهم.

__________________

(١) تفسير جوامع الجامع ١ : ٣٠٦.

٣٥٨

سورة المائدة

[٥]

مائة وعشرون آية مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الوفاء والإيفاء بالعقد : القيام بمقتضاه. والعقود أوكد العهود ، والمراد بها ما عقده الله على عباده وكلّفهم به ، أو ما يتعاقدونه بينهم في معاملاتهم ونحوها ، أو ما يعمّهما (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) لعله تفصيل للعقود.

والبهيمة : كلّ حي لا يميّز ، أو كل ذي أربع ، واضافتها الى الأنعام بيانية ، أي البهيمة من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) تحريمه كآية (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (١) (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) حال من ضمير «لكم» أو «أوفوا» (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) حال من ضمير «محلّي و «حرم» جمع حرام للمحرم (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) من تحليل وغيره.

[٢] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) حدوده أو فرائضه أو مناسكه ،

__________________

(١) وهي الآية الثالثة من هذه السورة.

٣٥٩

أو دينه ، جمع شعيرة أي علامة (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) بالقتال فيه (وَلَا الْهَدْيَ) ما اهدى الى الكعبة جمع هدية ك «جدي» جمع جدية : السرج (وَلَا الْقَلائِدَ) جمع قلادة ، وهي ما قلد به الهدي من نعل وغيره ، علامة له فلا يتعرض له.

والنهي عن أخذها مبالغة في النهي عن الهدي ، أو : أريد ذات القلائد من الهدي. وعطفها عليه لشرفها (وَلَا آمِّينَ) قاصدين (الْبَيْتَ الْحَرامَ) بأن تقاتلوهم (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) ثوابه ورضاه عنهم في الآخرة ، والجملة حال من مستكن «آمّين» يعطى علة المنع.

وقيل : يبتغون رزقا منه بالتجارة ، و «رضوانا» بزعمهم ، (١) إذ قيل : نزلت الآية في المشركين حجّاج اليمامة حين همّ المسلمون أن يتعرضوا لهم. (٢) فقيل : انها منسوخة بآيات منع المشركين عن المسجد ، (٣) وقيل : محكمة إذ لا يجوز أن يبدئوا بالقتال في الأشهر الحرم (٤) ويؤيده ما اشتهر أنّ «المائدة» آخر ما نزل.

وأما آيات منعهم فمخصصة لهذه فيما إذا وصلوا وأرادوا دخول الموضع المحرّم (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) إباحة للاصطياد بعد زوال ما حرّمه (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) لا يكسبنّكم (شَنَآنُ قَوْمٍ) بغضهم مصدر مضاف الى الفاعل أو المفعول. وسكّن نونه «ابن عامر» و «أبو بكر» و «نافع» (٥) (أَنْ صَدُّوكُمْ) لأن صدوكم. وكسر الهمزة «ابن كثير» و «أبو عمرو» على الشرط (٦) (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) عام الحديبية (أَنْ تَعْتَدُوا) بقتالهم. مفعول ثان ل «يجرمنكم» إذ هو ك «كسب» يتعدى الى واحد واثنين

__________________

(١) قاله قتادة وابن عباس ـ كما في تفسير التبيان ٣ : ٤٢٣ ـ.

(٢) قاله السدّي ـ كما في تفسير روح المعاني ٦ : ٤٨.

(٣) قاله قتادة وابن عباس ـ كما في تفسير التبيان ٣ : ٤٢٣ ـ ، وانظر سورة التوبة : ٩ / ٢٨.

(٤) قاله ابن جريج ـ كما في تفسير التبيان ٣ : ٤٢٢ ـ.

(٥) حجة القراءات : ٢١٩.

(٦) حجة القراءات : ٢٢٠.

٣٦٠