الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ١

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

لا نفرّق. وقرأ «يعقوب» بالياء ، (١) والفعل ل «كلّ» (٢) (بَيْنَ أَحَدٍ) بمعنى : الجمع ـ لوقوعه في سياق النفي ـ ، ولذلك دخل عليه «بين» (مِنْ رُسُلِهِ) أي نؤمن بجميعهم لا ببعض دون بعض (وَقالُوا سَمِعْنا) قولك (وَأَطَعْنا) أمرك (غُفْرانَكَ رَبَّنا) : اغفر غفرانك (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) : المرجع بعد الموت ، وهو إقرار بالبعث.

[٢٨٦] ـ (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) إلّا ما تتسع فيه طاقتها ، ولا تضيق عنه ، أي : ما دونها (لَها ما كَسَبَتْ) من خير (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) من شرّ ، لا يثاب بطاعتها ، ولا يؤاخذ بذنبها غيرها.

وخصّ الكسب بالخير والاكتساب بالشرّ ، لأن في الاكتساب اعتمالا ، والشرّ تشتهيه النّفس الأمّارة ، فهي أعمل في تحصيله بخلاف الخير (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) إن تعرضنا لما يؤدي بنا إلى نسيان أو خطأ من تفريط أو : إغفال ، أو : إن تركنا ، أو : أذنبنا ، أو يكون الدّعاء به لاستدامة فضله تعالى ك (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٣) (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) عبء (٤) يأصر حامله ، أي : يحبسه مكانه لثقله ، استعير للتكليف الشاق (كَما حَمَلْتَهُ) حملا مثل حملك (عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) كتكليف بني إسرائيل بقتل الأنفس ، وقطع موضع النّجاسة وغير ذلك (٥) (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) من العقوبات (وَاعْفُ) : وامح (عَنَّا) ذنوبنا (وَاغْفِرْ لَنا) واسترها ولا تفضحنا بها (وَارْحَمْنا) وأنعم علينا (أَنْتَ مَوْلانا) الأولى بنا (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) فمن حقّ المولى أن ينصر عبيده على أعدائهم.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ١ : ٤٠٢.

(٢) اي ان الفعل وهو : «لا يفرّق» ـ على قراءة يعقوب ـ ل «كلّ آمن».

(٣) في سورة الفاتحة الآية : ٥.

(٤) في «الف» : عبا والعب : الحمل والثقل.

(٥) للتفصيل ينظر تفسير نور الثقلين ١ : ٣٠٦ والاحتجاج للطبرسي ١ : ٣٢٧.

٢٢١
٢٢٢

سورة آل عمران

[٣]

مائتين آية مدنيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٢] ـ (الم* اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) حق «الميم» الوقف عليها ، والابتداء بما بعدها ، وقرأ بها «عاصم» وفتحها الباقون ، (١) لا لإلتقاء الساكنين ـ لجوازه في الوقف ، ولذا لم يحرّك في «لام» ـ ، بل لإلقاء فتحة الهمزة عليها ، إيذانا بأنّها في حكم الثابت ؛ لأنها حذفت تخفيفا ، لا للدرج ؛ إذ الميم في حكم الوقف. (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) روي أنّ ذلك اسم الله الأعظم. (٢)

[٣] ـ (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) : القرآن نجوما (بِالْحَقِ) بالصدق في إخباره ، أو بما يحقق أنه منه تعالى ، وهو حال ، وكذا (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) جملة على موسى وعيسى ، وهما أعجميّان ، وقيل : مشتقان من

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ١ : ٤٠٥ وتفسير الكشّاف ١ : ٤١٠.

(٢) ورد ذلك عن ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ١ : ٤٠٧.

٢٢٣

الوريّ (١) والنجل. (٢) ووزنهما : «تفعلة» و «إفعيل».

[٤] ـ (مِنْ قَبْلُ) : من قبل تنزيل القرآن (هُدىً لِلنَّاسِ) لقومهما (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) جنس الكتب السماوية ، فإنها تفرّق بين الحق والباطل ، من عطف العام على الخاص ، أو : القرآن. وكرّر ذكره بوصفه المادح له ، تعظيما لشأنه (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) من كتبه وغيرها (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) بكفرهم (وَاللهُ عَزِيزٌ) : غالب لا يمنع من أن يعذّب (ذُو انْتِقامٍ) لا يقدر على مثله أحد.

والنقمة : عقوبة المجرم.

[٥ ـ ٦] ـ (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ) كلّيّ أو : جزئي ، إيمان أو : كفر ، كائن (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أي : في العالم ، فعبّر عنه بهما ؛ إذ الحس لا يتجاوزهما وفيه تقرير للحياة وفي (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) من الصور المختلفة ، تقرير للقيّومية ، واثبات لعلمه تعالى بإتقان فعله في تصوير الجنين ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا يعلم غيره علمه ، ولا يقدر قدرته (الْعَزِيزُ) في سلطانه (الْحَكِيمُ) في أفعاله.

قيل : هذا حجاج على من زعم أنّ «عيسى» كان ربّا ، وهم وفد «نجران» حاجّوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ، فنزلت أوائل السورة إلى نيف وثمانين آية ، تقريرا لحجاجه عليهم. (٣)

[٧] ـ (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) : أحكمت عبارتها (٤) بالحفظ من الاحتمال ، (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) : أصله ، يردّ إليها غيرها.

__________________

(١) الوري : مأخوذ من : وري الزند. وهو نوره وضياءه.

(٢) الإنجيل معرب انجليون باليونانية ومعناه إنباء جيد او بشارة او خبر مفرح ـ كما في محيط المحيط «إنجيل» ـ.

(٣) قاله الكلبي ومحمّد بن إسحاق والربيع بن أنس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٢ : ٤٠٦.

(٤) في «ط» : عباراتها.

٢٢٤

وأفرد «امّ» على إرادة كلّ واحدة ، أو المجموع (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) : محتملات لا يعلم مرادها إلّا بالنّظر ؛ ليجتهد العلماء في تدبّرها وتحصيل ما يتوقف عليه فهم مرادها ، فينالوا بإتعابهم القرائح ـ في استخراج معانيها ، وردها الى المحكمات ـ رفيع الدرجات ، وقوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) (١) أي : حفظت من فساد المعنى وركاكة اللفظ ، وقوله : (كِتاباً مُتَشابِهاً) (٢) أي : يشبه بعضه بعضا في صحة المعنى ، وجزالة اللفظ (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) : ميل عن الحق إلى البدع (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) : يتعلقون به في باطلهم (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) : طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) : أن يؤوّلوه على مرادهم (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) الحق (إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) : الثابتون فيه.

عن الصادق عليه‌السلام : «نحن الراسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله ، (٣) ومن وقف على «[إلّا] (٤) الله»

فسّر المتشابه بما استأثر الله تعالى بعلمه ، كوقت قيام الساعة ونحوه ، والأصح الأول (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) حال من «الراسخين» ، أو : خبر له ـ إن جعل مبتدأ ـ (كُلٌ) أي : من المتشابه والمحكم (مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) مدح للراسخين بإلقاء الذهن وإعمال الفكر في ردّ المتشابه الى المحكم.

[٨] ـ (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) من مقول الراسخين ، أي : لا تبلنا ببلاء تزيغ فيه قلوبنا (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) لدينك ، أو : لا تمنعنا ألطافك بعد إذ لطفت بنا (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) : نعمة ، أو : لطفا نثبت به على الإيمان (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) للنّعم.

__________________

(١) سورة هود : ١١ / ١.

(٢) سورة الزمر : ٣٩ / ٢٣.

(٣) تفسير نور الثقلين ١ : ٣١٦ الحديث ٣٤.

(٤) كلمة : «الّا» زيادة اقتضاها السياق ، أخذناها من تفسير البيضاوي ٢ : ٤ ـ ٥.

٢٢٥

[٩] ـ (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ) لجزاء يوم (لا رَيْبَ فِيهِ) : في وقوع اليوم (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) : الوعد.

[١٠] ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي : بدل رحمته أو طاعته أو : من عذابه (وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) حطبها.

[١١] ـ (كَدَأْبِ) مصدر دأب في العمل ، أي : كدح فيه ، فنقل الى معنى الشّأن. ومحل الكاف : الرّفع ، أي : دأب هؤلاء كدأب (آلِ فِرْعَوْنَ) في الكفر ، أو : النصب ب «تغني» أو «وقود» ، أي : لن تغني عنهم كما لم تغن عن أولئك ، أو توقد بهم كما توقد بأولئك (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) عطف على «آل فرعون» (كَذَّبُوا بِآياتِنا) تفسر لدأبهم ، أو بيان لسببه (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) : أهلكهم (بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) ترهيب للكفرة.

[١٢] ـ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) مشركي مكة (سَتُغْلَبُونَ) أي : يوم بدر (وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ) أو : لليهود حين حذّرهم بعد «بدر» أن ينزل بهم ما نزل بقريش ، فقالوا : «لا يغرنّك أنك أصبت أغمارا لا علم لهم بالحرب ، لئن قاتلتنا لعلمت أنّا نحن الناس» فنزلت ، (١) وصدق الوعد بقتل «قريظة» وإجلاء «النضير» وفتح خيبر (٢) وضرب الجزية على ما بقي.

وهو من آيات النبوّة. وقرأ «حمزة» و «الكسائي» بالياء فيهما ـ على الأمر ـ ، (٣) بأن يحكى لهم ما أخبره به من وعيدهم بلفظه (وَبِئْسَ الْمِهادُ) : جهنم ، أو : ما مهّدوا لأنفسهم.

[١٣] ـ (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) خطاب للمشركين ، أو : اليهود ، أو : المؤمنين

__________________

(١) نقله البيضاوي في تفسيره ٢ : ٦.

(٢) ما بين المعقوفتين من «ب».

(٣) حجة القراءات : ١٥٣.

٢٢٦

(فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) يوم بدر (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ) يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين ، قريب ألفين ، أو : مثلي عدد المسلمين ستمائة وستة وعشرين. قللوا أولا في أعينهم حتّى اجترأوا عليهم كما قال : (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) (١) فلما لاقوهم كثّروا في أعينهم حتّى غلبوا.

أو : يرى المسلمون المشركين مثلي المسلمين ـ ، وكانوا ثلاثة أمثالهم ـ ليثبتوا ثقة بالنّصر الذي وعدوه في : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) (٢) وقرأ «نافع» بالتاء (٣) (رَأْيَ الْعَيْنِ) : رؤية مكشوفة معاينة (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) كما أيّد أهل بدر (إِنَّ فِي ذلِكَ) التّقليل والتّكثير ونصر القليل على الكثير (لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) عظة لذوي العقول.

[١٤] ـ (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) أي : المشتهيات جعلها شهوات مبالغة ، والمزيّن هو : الله ، للابتلاء ، أو : لبقاء النوع وتعيّشه.

وقيل : الشيطان ، (٤) إذ الآية في معرض الذم. وبيّن الشهوات بقوله : (مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ) جمع : قنطار ، وهو : المال الكثير ، وقيل : ملء مسك ثور ، (٥) وقيل : مائة الف دينار (٦) (الْمُقَنْطَرَةِ) مبنيّة منه للتأكيد ك «بدرة مبدّرة» (مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) : المعلّمة من السومة ، وهي : العلامة ، أو : المرعية من أسام الدابة وسوّمها (وَالْأَنْعامِ) : الإبل والبقر والغنم (وَالْحَرْثِ ذلِكَ)

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ / ٤٤.

(٢) سورة الأنفال : ٨ / ٦٦.

(٣) حجة القراءات : ١٥٤.

(٤) قاله الحسن ـ كما في تفسير التبيان ٢ : ٤١١ وتفسير مجمع البيان ١ : ٤١٧ ـ.

(٥) قاله ابو نضرة والفرّاء وهو مروي عن الإمامين الباقر والصادق عليه‌السلام ـ كما في تفسير التبيان ٢ : ٤١١ وتفسير مجمع البيان ١ : ٤١٧ ـ.

(٦) قاله سعيد بن جبير ـ كما في تفسير الكشّاف ١ : ٤١٦ ـ.

٢٢٧

المذكور (مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) : المرجع.

[١٥] ـ (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) المتاع الفاني (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) استئناف لبيان ما هو خير ، أو : يتعلق اللام ب «خير» ويرتفع جنات على (١) «هو جنات» (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) من الأدناس خلقا وخلقا (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) وضمّ «عاصم» «الراء» (٢) (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) أي بأعمالهم فيجازيهم بها.

[١٦] ـ (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ) صفة للمتقين ، أو : مدح منصوب أو مرفوع.

[١٧] ـ (الصَّابِرِينَ) على الطاعة وعن المعصية ، (٣) مجرور أو : منصوب كما مرّ ، وكذا البواقي (وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ) : المطيعين (وَالْمُنْفِقِينَ) أموالهم في سبيل الخير (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) المصلّين وقت السحر. عن الصادق عليه‌السلام : «من استغفر الله سبعين مرّة في السحر ، فهو من أهل هذه الآية». (٤)

[١٨] ـ (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) بدلالته على وحدانيته بعجيب صنعه ، وبالآيات الناطقة بها (وَالْمَلائِكَةُ) بالإقرار بها (وَأُولُوا الْعِلْمِ) به ، وبالاحتجاج عليها ، شبّه ذلك في البيان بشهادة الشاهد (قائِماً بِالْقِسْطِ) : مقيما للعدل في امور خلقه ، نصب حالا من «الله» ، وجاز إفراده ـ دون «جاء زيد وعمرو راكبا» ـ لعدم اللبس ، أو : من «هو» فتكون حالا مؤكدة وعاملها معنى الجملة ، أي : تفرّد قائما ، أو : على المدح ، ويندرج في المشهود به ـ على الأخيرين ـ (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) كرر

__________________

(١) في «الف» زيادة : تقدير.

(٢) حجة القراءات : ١٥٧.

(٣) وفي الحديث الصبر ثلاثة : صبر على الطاعة وصبر عن المعصية وصبر عند المصيبة.

(٤) تفسير مجمع البيان ١ : ٤١٩ وتفسير نور الثقلين ١ : ٣٢١ الحديث (٦١).

٢٢٨

تأكيدا (الْعَزِيزُ) : الذي لا مغالب له (الْحَكِيمُ) : الذي لا يخلّ بالعدل وهما مقرران للوحدانية والعدل. ورفعا بدلا من «هو» ، أو : خبرا لمحذوف. وورد في فضلها أخبار. (١)

[١٩] ـ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) جملة مستأنفة تؤكد الأولى ، أي : لا دين مرضيّ عند الله غير الإسلام ، وهو : التوحيد والتمسك بشريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفتح «الكسائي» «إنّ» بدلا من «أنّه» (٢) (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) اليهود والنصارى وأهل الكتب السّالفة في دين الإسلام فأثبته قوم ، وخصّه قوم بالعرب ، ونفاه قوم ، أو : في التوحيد فثلّثت النصارى ، وقالت اليهود : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) (٣) وقيل : هم اليهود ، اختلفوا بعد موسى ، (٤) وقيل : النصارى اختلفوا في أمر عيسى (٥) (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بعد أن علموا الحقّ ، أو تمكنوا (٦) من العلم به بالدلائل (بَغْياً) حسدا وطلبا للرئاسة (بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) وعيد لهم. وفسّر في البقرة. (٧)

[٢٠] ـ (فَإِنْ حَاجُّوكَ) في الدين (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ) : أخلصت نفسي (لِلَّهِ) وحده وهو الدين القيم الذي دعت اليه الرسل ، وقامت عليه الحجج. وعبّر بالوجه عن النفس لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) عطف على التاء. وحسن للفصل ، أو : مفعول معه. وحذف «عاصم» و «حمزة» و «الكسائي» الياء

__________________

(١) ينظر تفسير نور الثقلين ١ : ٣٢٢ الحديث (٦٥) وما بعده.

(٢) حجة القراءات : ١٥٧.

(٣) سورة التوبة : ٩ / ٣٠.

(٤) قاله الربيع ـ كما في تفسير مجمع البيان ١ : ٤٢١ ـ.

(٥) قاله محمّد بن جعفر بن الزبير ـ كما في تفسير مجمع البيان ١ : ٤٢١ ـ.

(٦) في «ب» و «ط» : وتمكنوا.

(٧) في تفسير الآية ٢٠٢ من سورة البقرة.

٢٢٩

اجتزاء بالكسرة (١) (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ) : من لا كتاب لهم كمشركي العرب (أَأَسْلَمْتُمْ) بعد وضوح الحجج ، أم أنتم بعد على كفركم؟. ومثله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٢) وفيه توبيخ لهم بالمعاندة (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) فقد نفعوا أنفسهم بإخراجها من الضلال (وَإِنْ تَوَلَّوْا) لم يضرّوك (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) : ما عليك إلّا أن تبلّغ (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) وعد ووعيد.

[٢١] ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) هم أهل الكتاب المعاصرون له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قتل أوّلوهم الأنبياء ومتابعيهم ، وهم رضوا به ، وحاولوا قتل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين فعصمهم الله تعالى. وقرأ «حمزة» : «ويقاتلون الذين» (٣) (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) تدخل الفاء خبر «إن» المتضمن للجزاء لعدم تغييرها معنى الابتداء بخلاف «ليت» و «لعلّ» ومنعه سيبويه ، فالخبر.

[٢٢] ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) كقولنا : «زيد ـ فاعرف ـ رجل كريم» (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يدفعون عنهم العذاب.

[٢٣] ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) : التوراة ، أو : جنس الكتب المنزلة ، و «من» للتبعيض ، أو البيان. وتنكير «النصيب» للتعظيم أو : التحقير (يُدْعَوْنَ) يدعوهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِلى كِتابِ اللهِ) : القرآن أو :

التوراة (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) في نبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو : في أنّ دين إبراهيم عليه‌السلام : الإسلام ، أو : في أمر الرّجم (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) استبعاد لتولّيهم مع علمهم بوجوب الرجوع إليه (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) شأنهم الإعراض. والجملة حال من

__________________

(١) حجة القراءات : ١٥٨.

(٢) سورة المائدة : ٥ / ٩١.

(٣) حجة القراءات : ١٥٨.

٢٣٠

«فريق» وسوّغه الوصف.

[٢٤] ـ (ذلِكَ) التولّي والإعراض (بِأَنَّهُمْ قالُوا) بسبب تسهيلهم على أنفسهم أمر العقاب ، بقولهم : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) : قلائل (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من أنّ آباءهم ـ الأنبياء ـ يشفعون لهم.

[٢٥] ـ (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) تهويل لما اعدّ لهم في الآخرة (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) : جزاء ما كسبت (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الضمير ل «كلّ نفس» لأنّه في معنى : كلّ الناس.

[٢٦] ـ (قُلِ اللهُمَ) الميم عوض من «يا» ولذا «لا يجتمعان» وهو من خصائص هذا الاسم ، كدخول «يا» عليه مع لام التعريف ، وتاء القسم ، وقطع همزته (مالِكَ الْمُلْكِ) كلّه ، تتصرف فيه تصرّف الملّاك ، وهو نداء ثان ، وقيل : صفة (١) (تُؤْتِي الْمُلْكَ) أي : ما تشاء منه (مَنْ تَشاءُ) وكذا : (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) فالملك الأوّل عام ، والآخران خاصّان. وقيل : الملك ـ هنا ـ : النبوّة ، ونزعه : نقلها من قوم إلى قوم (٢) (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) في الدنيا والدين بالنصر والإدبار ، والتّوفيق والخذلان (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) لم يذكر الشرّ لأنّ أفعاله تعالى من نافع وضارّ لمصالح ، فكلّها خير ، أو : لأن الكلام وقع في الخير ؛ إذ وعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمته ملك فارس والرّوم فأنكره المنافقون (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

[٢٧] ـ (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) تعاقب بينهما بإدخال كلّ واحد في الآخر ، بالنّقص والزّيادة (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) : من النطفة (وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ) : النطفة (مِنَ الْحَيِ) أو : المؤمن من الكافر ، وبالعكس ، وخفّف

__________________

(١) نقله البيضاوي في تفسيره ٢ : ١١.

(٢) قاله مجاهد ـ كما في تفسير التبيان ٢ : ٤٢٩ ـ.

٢٣١

«الميت» «ابن كثير» و «أبو عمرو» و «ابن عامر» و «أبو بكر» (١) (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) وفي ذكر قدرته على معاقبة الليل والنهار ، وإخراج الحيّ من الميت وعكسه ، ورزقه الواسع دلالة على أن القادر على ذلك كلّه ، قادر على إيتاء الملك ونزعه ، والإعزاز والإذلال.

[٢٨] ـ (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) نهوا أن يوالوهم لقرابة ونحوها حتّى لا يحبّوا ولا يبغضوا إلّا في الله (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) فإنهم الأحقّاء بالموالاة ، فلا يؤثروا الكفرة عليهم (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) ومن يولّهم (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ) : من ولاية الله (فِي شَيْءٍ) يسمى ولاية ؛ إذ لا يجتمع موالاة متعاديين (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) : (٢) إلّا أن تخافوا من جهتهم ما يجب اتّقاؤه ، أو : مصدر ، وعدي الفعل ب «من» لتضمنه معنى : تخافوا. وقرأ «يعقوب» تقيّة ، (٣) رخّص لهم إظهار موالاتهم إذا خافوهم ، مع إبطان عداوتهم (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) فلا تتعرّضوا لسخطه بموالاة أعدائه ، وهو ترهيب بليغ.

[٢٩] ـ (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ) من ولاية الكفار وغيرها (يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فيعلم سرّكم وعلنكم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على عقابكم ، وهذا بيان لقوله : «ويحذركم الله نفسه» (٤) لأن نفسه متصفة بعلم وقدرة ذاتيين ، يحيطان بجميع المعلومات والمقدورات فلا يجسر على معصيته لاطّلاعه عليها ، وقدرته على العقوبة بها.

[٣٠] ـ (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ

__________________

(١) حجة القراءات : ١٥٩.

(٢) في الأصل : «تقاة» ـ بالألف ـ.

(٣) تفسير مجمع البيان ١ : ٤٢٩.

(٤) في الآية السابقة.

٢٣٢

لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) نصب «يوم» ب «تودّ» أي : تتمنى كلّ نفس يوم تجد جزاء عملها من خير وشرّ حاضرا لو أنّ بينها وبين ذلك اليوم وهوله مسافة بعيدة ، أو : ب «اذكر ـ مضمرا ـ». و «تودّ» حال من ضمير «عملت» أو خبر «ما عملت من سوء» وتقصر تجد على «ما عملت من خير». وليست «ما» شرطية لارتفاع «تودّ» (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ترهيب للحثّ على عمل الخير وترك السّوء ، والأوّل للمنع من موالاة الكفرة ، فلا تكرار (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) ومن رأفته أن حذّرهم عقابه.

[٣١] ـ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ) : تريدون طاعته (فَاتَّبِعُونِي) حتّى تصح دعواكم محبته (يُحْبِبْكُمُ اللهُ) جواب الأمر ، أي : يرض عنكم (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) : يستر ذنوبكم بالعفو (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن أطاعه واتبع نبيّه.

نزلت حين قالت اليهود : نحن أبناء الله وأحباؤه ، أو : حين قال وفد نجران : إنّا (١) نعبد المسيح حبّا لله.

[٣٢] ـ (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا) ماض أو : مضارع (فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) لا يرضى عنهم. وعدل عن «لا يحبّهم» للتعميم ، والدلالة على ان التولّي كفر ، واختصاص محبته بالمؤمنين.

[٣٣] ـ (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) بالنبوّة والإمامة والعصمة. وآل إبراهيم : إسماعيل وإسحاق وأولادهما ، ودخل فيهم النبي وآله صلوات الله عليهم.

وآل عمران : موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب.

أو : عيسى ومريم بنت عمران بن ماثان من ولد سليمان بن داود بن ايشا من ولد

__________________

(١) وقد ورد في تفسير البيضاوي ٢ : ١٣ : «انما» وفي تفسير مجمع البيان ١ : ٤٣٢ : انه قول محمّد بن جعفر بن الزبير.

٢٣٣

يهودا (١) بن يعقوب ، وكان بين العمرانين ألف وثمان مائة سنة.

[٣٤] ـ (ذُرِّيَّةً) بدل أو حال من الآلين (بَعْضُها) متشعّب (مِنْ بَعْضٍ) أو : من بعض في الدين (وَاللهُ سَمِيعٌ) للأقوال (عَلِيمٌ) بالأعمال.

أو لقول امرأة عمران وبنتها ، فينتصب به ، أو : ب «اذكر ـ مضمرا».

[٣٥] ـ (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) بن ماثان «حنّة بنت فاقوذا» جدّة عيسى ، وكانت لعمران بن يصهر بنت ، اسمها : «مريم» أكبر من «هارون» ، فظن ان المراد امرأته ، ويبطله كفالة زكريا ؛ لمعاصرته لابن ماثان ، وتزوّج بنته «ايشاع» أم يحيى أخت «مريم» للأب (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي) رأت طائرا يطعم فرخه فحنّت للولد ، فقالت : «اللهم إنّ لك عليّ نذرا إن رزقتني ولدا أن أتصدق به على بيت المقدس ، فيكون من خدمه» ، فحملت بمريم ، وهلك عمران ، وكان هذا النذر مشروعا عندهم (مُحَرَّراً) : معتقا لخدمته ـ حال ـ (فَتَقَبَّلْ مِنِّي) ما نذرت (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ) لقولي (الْعَلِيمُ) بنيّتي.

[٣٦] ـ (فَلَمَّا وَضَعَتْها) الضمير لما «في بطني» وأنث لأنه كان أنثى ، أو :

لتأويله بالنفس ، أو : النسمة (قالَتْ) ـ تحسّرا الى ربّها ، إذ كانت ترجو أن تلد ذكرا ، ولذا نذرت تحريره ـ : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) حال (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما) بالشيء الذي (وَضَعَتْ) قاله تعالى تعظيما لموضوعها ، وتجهيلا لها بقدره ، وقرأ «ابن عامر» و «أبو بكر» : «وضعت» (٢) تسلية لنفسها ، أي : ولعلّ لله فيه حكمة ، أو : هذه الأنثى خير (وَلَيْسَ الذَّكَرُ) الذي طلبت (كَالْأُنْثى) التي وهبت ، (٣) فاللام للعهد ، وإن كان من قولها فللجنس ، أي : وليس الذكر كالأنثى فيما نذرت (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) عطف

__________________

(١) في تفسير البيضاوي ٢ : ١٤ : يهوذا بالمعجمة.

(٢) حجة القراءات : ١٦٠.

(٣) في النسخ ـ هنا ـ زيادة : لها.

٢٣٤

على «إنّي وضعتها» ، وما بينهما اعتراض. وذكرت تسميتها لربها طلبا لأن يعصمها حتى يطابق فعلها اسمها ، لأن مريم في لغتهم بمعنى : العابدة (وَإِنِّي أُعِيذُها) :

أجيرها (بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) : المطرود.

[٣٧] ـ (فَتَقَبَّلَها رَبُّها) : فرضي بها في النّذر مكان الذكر (بِقَبُولٍ حَسَنٍ) القبول : ما يقبل به الشيء ، وهو اختصاصها بإقامتها مقام الذكر ، أو : مصدر على حذف مضاف ، أي : بذي قبول حسن (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) مجاز عن تربيتها بما يصلحها (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) شدّد «الفاء» و «حمزة» و «الكسائي» و «عاصم» ، وقصروا : «زكريّا» غير «عاصم» ـ في رواية ـ على أنه مفعول والفاعل هو الله ، أي جعله الله كافلا لها ، وضامنا لمصالحها ، وخفف الباقون ومدوا «زكريّا» مرفوعا. (١)

روي : أن «حنة» حين ولدتها لفتها في خرقة وأتت بها إلى المسجد ، وقالت للأحبار : «دونكم النذيرة» فتنافسوا فيها ؛ لأنها كانت بنت إمامهم ، وصاحب قربانهم ، وكان بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وملوكهم ، فقال زكريّا : «أنا أحقّ بها ، عندي أختها» فأبوا إلّا القرعة فانطلقوا ـ وهم سبعة وعشرون ـ إلى نهر ، وألقوا فيه أقلامهم ، فطفا قلم «زكريّا» ورسبت أقلامهم ، فتكفلها (٢) (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) أي : الغرفة التي بناها لها ، أو : المسجد ، أو : أشرف مواضعه ، سمي به لأنه محلّ محاربة الشيطان (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) قيل : كان يدخل عليها وحده ، وإذا خرج أغلق عليها سبعة أبواب ، فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء ، والشتاء في الصيف (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى) من أين (لَكِ هذا) : الرزق الآتي في غير حينه والأبواب مغلقة (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) فلا تستبعد. قيل : تكلمت صغيرة كعيسى ، وما

__________________

(١) حجة القراءات : ١٦١.

(٢) رواه ابن إسحاق وجماعة ـ كما في تفسير مجمع البيان ١ : ٤٣٦ ـ.

٢٣٥

رضعت قط ، وكان رزقها يأتيها من الجنة كرامة لها ، (١) ومن منع ذلك لغير الأنبياء جعله إرهاصا (٢) لنبوّة عيسى ـ عليه‌السلام ـ ، أو : معجزة لزكريّا (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) : بغير تقدير لكثرته ، أو بغير استحقاق تفضّلا به. من كلامها ، أو :

كلامه تعالى. ولفاطمة عليها‌السلام مثل هذه الكرامة. (٣) [٣٨] ـ (هُنالِكَ) في ذلك المكان ـ أو : الوقت ؛ إذ تستعار للزمان ـ (دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) لما رأى كرامة مريم على الله (قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) كما وهبتها ل «حنّة» العاقر العجوز ، أو : لمّا رأى الفاكهة في غير وقتها طمع في ولادة العاقر ، فسأل الولد (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) : مجيبه.

[٣٩] ـ (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) جبرئيل ، أي : نودي من جنسهم ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» : «فناداه» بالتذكير والإمالة (٤) (وَهُوَ قائِمٌ) حال عن «الهاء» (يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) حال من الضمير في «قائم» (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ) أي : بأن الله ، وكسرها «حمزة» و «ابن عامر» على إضمار القول أو لأن النّداء منه ، وخفف «حمزة» «يبشرك» فاتحا ياءه. (٥) (بِيَحْيى) علم أعجمي ، وإن كان عربيا فمنع صرفه للتعريف ووزن الفعل (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) أي : بعيسى ، سمي بذلك ، لأنه حصل بأمره تعالى بلا أب (وَسَيِّداً) يسود قومه وقد فاق النّاس في أنه ما ارتكب سيّئة (وَحَصُوراً) : لا يقرب النساء حصرا لنفسه عن الشهوات (وَنَبِيًّا) ناشئا (مِنَ الصَّالِحِينَ) أو كائنا من جملة الأنبياء.

__________________

(١) نقله البيضاوي في تفسيره ٢ : ١٦.

(٢) الإرهاص : الأمر الخارق العادة الذي ظهر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل بعثته.

(٣) وردت فيه روايات كثيرة ، للتفصيل ينظر تفسير الدر المنثور ١ / ٢٠ ، تفسير الكشّاف ١ / ٣٢١ جوامع الجامع ١ / ١٧١ ، مناقب آل ابى طالب لابن شهر آشوب ٣ / ٣٣٩.

(٤) حجة القراءات : ١٦٢.

(٥) حجة القراءات : ١٦٢ ـ ١٦٣.

٢٣٦

[٤٠] ـ (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) تعجّبا (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) : أدركني كبر السنّ وأضعفني ، وكان له تسع وتسعون سنة ولامرأته ثمان وتسعون (وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) : لا تلد (قالَ كَذلِكَ) أي : مثل ذلك الفعل العجيب وهو خلق الولد من هرمين (اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) أو : كما أنتما عليه يفعل ما يشاء من خلق الولد.

[٤١] ـ (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) : علامة لوقت الحمل لأتلقّاه بالشكر (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) : أن لا تقدر على تكليمهم (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) وإنّما خصّ المنع بتكليمهم لتخلص المدة لذكر الله وشكره على النعمة ، وكأنه قيل : آيتك أن تحبس لسانك إلّا عن الشكر (إِلَّا رَمْزاً) إشارة بيد أو غيرها ، والاستثناء منقطع ، أو : متّصل إن أريد بالكلام ما دلّ على الضمير (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) في ايّام المنع وفيه تأكيد لما قبله (وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِ) : من الزوال إلى الغروب (وَالْإِبْكارِ) من الفجر إلى الضحى.

[٤٢] ـ (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ) كلّموها شفاها كرامة لها. ومنكر الكرامة جعله إرهاصا (١) لنبوّة عيسى ـ عليه‌السلام ـ ، أو معجزة لزكريّا (إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ) أولا حين تقبلك من أمّك وربّاك وأكرمك برزق الجنّة (وَطَهَّرَكِ) مما يستقذر من النساء (وَاصْطَفاكِ) آخرا بالهداية وتكليم الملائكة والولد بلا أب (عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) عالمي زمانك ، إذ فاطمة عليها‌السلام سيدة نساء العالمين مطلقا. (٢) [٤٣] ـ (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي) أمرت بالصلاة بذكر أركانها (مَعَ الرَّاكِعِينَ) أي : في الجماعة ، أو : مع من يركع في صلاته لا مع من لا يركع.

[٤٤] ـ (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) أي : ما سبق من القصص من

__________________

(١) انظر الهامش (٢) في الصحفة السابقة.

(٢) وردت فيه روايات كثيرة ، ينظر الكتب المؤلفة في مناقب السيّدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ومنها الجزء الخاص لحياتها من بحار الأنوار.

٢٣٧

الغيوب التي لا تعرف إلّا بالوحي (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) التي كانوا يكتبون بها التوراة للاقتراع ، أو : قداحهم. قرر كونه وحيا على التهكم (١) إذ طريق معرفة الوقائع المشاهدة والسماع ، وعدم السماع متيقن عندهم ، فلم يبق إلّا المشاهدة ولم يتوهّمها عاقل (٢) (أَيُّهُمْ) أي : ليعلموا أيّهم (يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) تشاحّا فيها.

[٤٥] ـ (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) بدل من «إذ قالت» أو : من «إذ يختصمون» على أنّ الاختصام والبشارة وقعا في زمان واسع (٣) (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ) ذكر الضمير نظرا الى المعنى (الْمَسِيحُ) من الألقاب الشريفة ، أصله ـ في لغتهم ـ مسيحا ، ومعناه : المبارك (عِيسَى) معرّب ايشوع (ابْنُ مَرْيَمَ) صفة جعلت من الأسماء لأنها تميّز تمييزها ، أو المراد : أنّ أسمه المميز له عن غيره هذه الثلاثة ، إذ الاسم علامة المسمّى. وإنّما قيل : «ابن مريم» والخطاب لها ، ليعلم أنه يولد من غير أب ؛ إذ لا ينسب الى الأم إلّا إذا عدم الأب. (وَجِيهاً) حال من «كلمة» وسوّغه وصفها (فِي الدُّنْيا) بالنبوّة (وَالْآخِرَةِ) بالشفاعة (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) من الله ، أو :

أريد رفعه الى السماء.

[٤٦] ـ (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) أي : يكلّمهم حال الطفولة والكهولة كلام الأنبياء بلا تفاوت.

والمهد مصدر ، سمى به ما يمهّد مضجعا للصبي. قيل : رفع شابا فالمراد «وكهلا» بعد نزوله ، (٤) وذكر تقلّب أحواله تنبيها على نفي إلهيته (وَمِنَ الصَّالِحِينَ)

__________________

(١) في «ب» و «ج» زيادة : لمنكريه. والتهكم : السخرية.

(٢) في «ب» و «ج» زيادة : فتعيّن كونه وحيا.

(٣) في «ط» : واحد.

(٤) قاله زيد بن اسلم ـ كما في تفسير مجمع البيان ١ : ٤٤٣.

٢٣٨

حال رابع من : «كلمة».

[٤٧] ـ (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) تعجّب ، أو : استفهام عن أنه يكون بزوج أو بدونه (قالَ) جبرئيل ، أو : الله ، وجبرئيل المبلغ (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فإنه يقدر أن يخلق الأشياء بلا أسباب كما يخلقها بأسباب.

[٤٨] ـ «ونعلمه» (١) عطف على «يبشرك» ، أو «وجيها» ، أو : كلام مبتدأ ، وقرأ «عاصم» و «نافع» بالياء (٢) (الْكِتابَ) أو جنس الكتب المنزلة (وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) خصّا لفضلهما.

[٤٩] ـ (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) نصب بمضمر على إرادة القول ، تقديره : ويقول : أرسلت رسولا بأنّي قد جئتكم (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) نصب بدل «أني قد جئتكم» ، أو جرّ بدل «آية» ، أو : رفع على «هي اني» ، وكسرها «نافع» على الاستئناف (٣) أي : أقدّر لكم شيئا مثل صورة الطير (فَأَنْفُخُ فِيهِ) الضمير للكاف (فَيَكُونُ طَيْراً) فيصير حيّا طيّارا ، وقرأ «نافع» : «طائرا» (٤) (بِإِذْنِ اللهِ) : بأمره ، دلّ به على انّ إحياءه من الله تعالى ، لا منه (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ) : الّذي ولد أعمى (وَالْأَبْرَصَ) قيل : ربّما اجتمع عليه ألوف من المرضى من أطاق منهم أتاه ، ومن لم يطق أتاه عيسى عليه‌السلام وما يداوي إلّا بالدّعاء (٥) (وَأُحْيِ الْمَوْتى) وممن أحيا : سام بن نوح عليه‌السلام (بِإِذْنِ اللهِ) كرّر لدفع وهم اللاهوتية (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) كان يقول للرجل : أكلت كذا وخبّئ

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يعلمه» كما سيشير اليه المؤلف.

(٢) حجة القراءات : ١٦٣.

(٣ ـ ٤) حجة القراءات : ١٦٤.

(٥) قاله وهب ـ كما في تفسير مجمع البيان ١ : ٤٤٥ ـ.

٢٣٩

لك كذا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) مصدّقين بالمعجزات.

[٥٠] ـ (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) عطف على «رسولا» أو : منصوب بمضمر دلّ عليه «جئتكم» ، أي : وجئتكم مصدّقا (وَلِأُحِلَ) مقدّر بالمضمر ، أي : وجئتكم لأحلّ (لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) في شريعة موسى كلحم الإبل ، والشحوم ، والثرب (١) وبعض الطير ، والسمك ، والسبت (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ).

[٥١] ـ (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) أي : جئتكم بآية من إلهام ربّكم وهي قولي : إنّ الله ربّي وربّكم ، فإنّه القول الذي اجمع عليه الرّسل ، وقوله : «واتّقوا الله وأطيعون» اعتراض ، أو : تكرير لقوله : «قد جئتكم بآية من ربّكم» أي جئتكم بآية بعد اخرى مما ذكرت لكم من الخلق ، والإبراء والإحياء والإنباء وغيره ، فاتّقوا الله في مخالفتي ، وأطيعوني في دعوتي ، ثمّ ابتدأ بالدعوة ، فقال : إنّ الله ربّي وربّكم ، اشارة الى الإعتقاد الحق (فَاعْبُدُوهُ) إشارة الى العمل (هذا) أي : الجمع بين الأمرين (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) موصل الى النجاة.

[٥٢] ـ (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) علمه علم ما يدرك بالحواس (قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) ذاهبا اليه ، أو : الجار متعلق ب «أنصاري» مضمّنا معنى الإضافة ، أي : من الّذين يضيفون أنفسهم الى الله في نصري (قالَ الْحَوارِيُّونَ) حواريّ الرجل : خالصته ، من الحور وهو البياض الخالص ، سمي به أصحاب عيسى عليه‌السلام لنقاء قلوبهم وخلوص نيّتهم (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) أنصار دينه (آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) استشهدوه لأنّ الرّسل يوم القيامة يشهدون لقومهم وعليهم.

[٥٣] ـ (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) بالوحدانيّة ، أو : مع الأنبياء الّذين يشهدون لأممهم ، أو أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنهم شهداء

__________________

(١) في «ب» الثروب ، والثرب : هو الشحم الرقيق الذي يكون على الكرش والأمعاء.

٢٤٠