أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ١٠

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ١٠

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠

ووقعت لحني فوق قيثارة الهوى

بانغام صب واله القلب عاشق

ورحت أغني باسم من ملك الحشا

باجفانه لا بالسيوف البوارق

فلولاه ما رقت شعوري ولا جرت

باعذب معنى في الخواطر رائق

وما الشعر الا نظرة وابتسامة

الى النفس تزجيها مشاعر وامق

وما الشعر الا ما يردد لحنه

بكل فم من أعجمي وناطق

وما الشعر الا روضة رقصت بها

بنات الرؤى كالعين بين الحدائق

وما الشعر الا ثورة النفس رتلت

أهازيجها الاجيال بين الخلائق

فما كل طير كالهزار مغرد

ولا كشقيق الورد عطرا لناشق

ولا مثل يوم بالمسرات مشرقا

كيوم بنور السبط بالامس شارق

بمولده طافت مواكب للمنى

تصافح في دنيا الهنا خير صادق

واشرقت الامال فيه ورفرفت

طيور المنى في روضها المتناسق

وبالافق الاعلى تطوف مواكب

من النور تجلو في الدجى كل غاسق

فيالك مولودا بحجر محمد

تغذى بطيب للنبوة عابق

تفرع من زيتونة احمدية

زكا أصلها كالفرع بالمجد باسق

فكم سن نهجا للاباة بعزمه

وحلق في افق من الحزم سامق

وأوضح درس التضحيات لامة

أبت أن تهاب الموت عند الحقائق

بنهضته الكبرى اهتدى كل ثائر

الى الحق في غرب الدنا والمشارق

لقد طاب غرسا مثلما طاب مولدا

ونال من الرحمن أسمى المرافق

ورف على الارضين بالعدل نوره

فطهرها من رجس كل منافق

وبدد شمل الظالمين وهد من

معاقلهم في سيفه كل شاهق

وخلد للاجيال أروع صفحة

تضيء بانوار الهدى كل غاسق

* * *

امام الهدى عفوا فاني ألكن

بمدحك لا اسطيع تعبير ناطق

ولكنني ارجو شفاعتكم غدا

من الله يوم الحشر بين الخلائق

٢٦١

السيد عبّاس شبّر

المتوفى ١٣٩١ ه‍

يا باذلا في سبيل الحق مهجته

وما حقا كل تمويه وتأسيس

ومنقذا شرف الاسلام من فئة

يزيدها البغي تدنيسا لتدنيس

شرعت دستور اخلاص وتضحية

في مجلس للهدى والحق تأسيسي

بعثت في الدين روحا كان أزهقها

جور الطغاة وارهاق الاباليس

ضربت رقما قياسيا يحار له

أهل الحساب واصحاب المقاييس

للمصلحين قواميس مخلدة في

الارض واسمك عنوان القواميس

تقيم نهضتك الدنيا وتقعدها

للحشر ما بين اكبار وتقديس

ناهيك من نهضة غص الزمان بها

لما تضم وتحوي من نواميس

خلدتها فهي للاجيال مدرسة

تناوح المجد في بحث وتدريس

هذا هو الشرف الباقي فما هرم

يعزى لغنج عمون أو رعمسيس

في ذمة الدين ما أرخصت من مهج

للدين سلن على السمر المداعيس

لولاك لاندثرت فينا معالمه

فلم نجد غير ربع منه مطموس

بعدا لقوم يرون الدين قنطرة

لما يسد فراغ البطن والكيس

باتوا يحوطون دنياهم بحيطته

وهم على دخل منه وتدليس

رام ابن ميسون أمرا دونه رصد

أعيى أباه فأودى تحت كابوس

وكم سعى جده مسعاة ذي حنق

وجد لكن لجد منه معكوس

وكيف تطفئ نور الله زعنفة

عار على العيس ان قلنا من العيس

لها فصول من التاريخ قد ملئت

خزيا فكانت هناة في القراطيس

ان انتمت لقريش في أرومتها

فخسة الطبع تنميها لإبليس

يحيى علاك وتخزى نفس مرتطم

في حمأة الشرك والطغيان مركوس

هذا ضريحك كم حج الملوك له

فأين قر الخنا في أي ناووس

صلى عليك الذي أولاك منزلة

دانت لعليائها علياء ادريس

٢٦٢

الفقيه الاديب السيد عباس شبر حسنة من حسنات الدهر ونابغة من نوابغ العصر ووجه ناصع من وجوه الكمال ، لازمته بحكم صلة القرابة وامتزجت به روحيا وكان يعظم في عيني كلما ازددت ويسخر من هذه الحياة التي يتطاحن الناس على زبارجها وزخارفها ويبتعد كل الابتعاد عن المطامع والتصنع ويندد بالمرائين والمدلسين وكان البعض يحسبه مترفعا غير مبال بالكرامات ، وانما كان يرى لنفسها قيمتها ويحفظ لها كرامتها فما عرف عنه الا الاباء والعزة فاسمعه يقول :

ترفعت عن معروف حي وميت

فكل حطامي منزل لابي وقف

فكم ليلة للغيث بت مسهدا

احاذر أن يهوي على صبيتي السقف

عانى من شظف العيش ومرارة الحياة وآلام المجتمع شيئا كثيرا وهو صلب الارادة قوي العزيمة تتمثل فيه صفة المؤمن الكامل ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) وحتى لو اقتسم الناس الدنيا لما التفت اليهم ومن وقوله :

انا ما استخدمت شعري

في مديح أو خلاعة

لا ولا لوثت بالاطماع

سربال القناعة

أبعد الله أديبا

تخذ الشعر بضاعة

كان عندما يشاهد هذا المجتمع الراكض وراء السفاسف والزخارف وقد بنى كل مقوماته على الدجل استشهد بقول الامام العادل امير المؤمنين علي بن ابي طالب : ان هؤلاء لبسوا الدين كما يلبس الفرو مقلوبا. وكنت عندما اسمعها منه واحدق في وجهه وعينيه البراقتين استغرق ضاحكا ويزداد ارتياحي عندما يفر هذه الكلمة وأن الذي يلبس الفرو مقلوبا فقد استعمله لغير ما وضع له اذ يفقد التدفئة ثم يتراءى شكله كالكبش بمنظر مضحك ثم ينشدني قوله :

يا خليلي كفناني بشعري

واعصرا للتغسيل منه دموعي

واعرضاني للبدر فهو رفيقي

كي يصلي على عند الهزيع

٢٦٣

وارقبا فسوف يبدو عليه

عارض من كابة وخشوع

وامنعا اهل موطني حمل نعشي

فحرام عليهم تشييعي

صور العلامة شبر وابدع بتصويره ـ لوائح فنية بشعره عن مجتمعه فقد درس الحياة دراسة وافية واتحفنا بروائع جرت مجرى الامثال كقوله :

فالمرء مرآة المحيط وطبعه

كالماء يأخذ شكله من ظرفه

حديثه ملذ معجب فأين ما حل استرسل بالادب الشهي والفوائد العلمية والادبية والكلمات الحكمية فهو أشبه بدائرة معارف ولا يكاد جليسه يمل حديثه ، لذلك أعددت نفسي لالتقاط منثوره ومنظومه وقال له احد الادباء : ان حفظك للشعر لا يقوى عليه أحد ، فقال كنت ايام شبابي عندما تنتظم حلقة الادباء للتقفية الشعرية التي تبرهن على ملكة الاديب اطلب منهم ان تقتصر التقفية على ديوان واحد من دواوين الشعر كديوان الرضي مثلا ، وفي الليلة التي تليها تكون التقفية وتسمى ب‍ ( المطارة الشعرية ) مقصورة على ديوان المتنبي والبحتري وهكذا. وربما تحبس التقفية وتحصر بدائرة اضيق من ذلك بان تكون بحماسيات الرضي أو حكميات المتنبي او وصفيات ابن الرومي والبحتري أو غزل ابن الاحنف ، قال وربما تكون التقفية مقصورة بباب واحد من ابواب الديوان بمعنى تكون المطاردة بميميات المهيار أو همزيات المرتضى أو بائيات الرضي. وعندما تعرف عليه الشاعر السيد محمود الحبوبي أثناء اقامته بالبصرة وساجله ورأى قوة براعته الادبية اذ كان له على كل كلام شاهد أو شواهد شعرية قال له : اهنئك على هذا الشغف فما رأيت اسمى من روحك الادبية وحافظتك القوية ، وشاركت في الحديث فقلت : ما مر بأحد من الشعراء الا وقرأ شيئا من شعره ، فقال السيد : ما تركت شاعرا من شعراء العرب الا وحفظت أجود ما نظم.

تولى منصب القضاء الشرعي بعد الحاح كثير من عارفيه ومقدري فضله وحتى ألزمه المرجع الديني الاعلى السيد ابو الحسن فتولى القضاء في العمارة أولا ثم في البصرة فبغداد فكان المثال الرائع

٢٦٤

للنزاهة فلم ينتقض له حكم قط طيلة اثنتي عشرة سنة ولم يغير المنصب منه شيئا ، ملتزما بأوامر الشرع الشريف متثبتا كل التثبت مراعيا احكام الله والشريعة ( المقدسة ) وعرف عنه انه يحرص كل الحرص على حل الخصومات صلحية اكثر منها تنفيذية ومن شعره :

لولا شؤون شرحها محزن

تهدد الحر بما يخشى

ما كنت بالمنبر مستبدلا

ما عشت كرسيا ولا عرشا

وقوله :

أبعد الصبر والعزلة

والاخبات والنسك

أولى الحكم بين الناس

هذا المضحك المبكي

لقد ألجأني دهري

الى أمر به هلكي

فللويل على الفعل

وللويل على الترك

لقد ألزم نفسه ان لا يجلس للقضاء بين الناس الا وهو على وضوء داعيا ربه أن يهديه للصواب ، قال له زميله الشيخ علي الشرقي ـ وكان اكثر اخوانه اصرارا عليه بتولي القضاء ـ قال له على سبيل المداعبة ، انك ستجد النشوة الكبرى عندما تجلس وراء منضدتك وتقرر حكمك والناس صامتون مذعنون والمحامون صاغون ترى نفسك كأنك جالس فوق النجوم. وعندما تولى السيد المنصب كتب للشيخ الشرقي : اني وجدت أن تلك الساعة هي أخوف ساعة ، فما من مرة وقد هممت باصدار الحكم الا وارتسمت امام عيني الآية من قوله تعالى « ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ».

كان يقضي شطرا من الليل بالابتهال والدعاء والتضرع والبكاء ويراها احب الساعات الى نفسه ومما أنشدنيه رحمه الله في أواخر حياته وهو آخر ما نظم من رباعيات.

لقد أعرضت عن دنيا

بها لا يرتجى الخير

وأقبلت على اخرى

اليها ينتهي السير

فدنيا أنا فيها الدار

والمسجد لا غير

تحيرت فلا ادري

أدار هي أم دير

وقال :

ولما أن رأيت الناس غرقى

بطوفان الجهالة والغوايه

٢٦٥

فلا قلب يباركه حنان

ولا رأس تتوجه الهداية

وعاد الدين بينهم غريب

واهل الدين هم أهل الجناية

بكيت على الورى ولزمت بيتي

أسير اليأس انتظر النهاية

وأنشدني :

طغى في الناس الحاد بجهل

فماذا قيمة العقل الحصيف

يريد المرء أن يحيى طليقا

برغم العلم والدين الحنيف

يقول لنا المعري منذ ألف

وما أسمى مقال الفيلسوف

اذا ما الحدت امم بجهل

فقابلها بتوحيد السيوف

وكثيرا ما كان يرتجل البيت والبيتين ولكنها تذهب مع الريح كقوله عن البصرة :

هيهات غاضت أبحر ( الخليل )

في عصرنا فالجيل غير الجيل

وقال :

أرى الشط شط العرب مرآة أهله

فما فيه فيهم من هدوء ومن بشر

يصارف منه الرافدان بعسجد

لجينا ولكن المحصل للبحر

وكثيرا ما كان عند مطالعته الكتب وتأثره بالكتاب ينظم البيتين والثلاث فيخطها على ظهر الكتاب كقوله عندما طالع ديوان نازك الملائكة (١).

قلت لليل صامت أنت مثلي

قال اني مصغ للحن الملائك

كم على الليل من شياطين هم

دحرتها عني نيازك نازك

وكقوله الذي كتبه بخطه على كتاب ( نظرية التطور ) لسلامة موسى :

هبطت الى هذا الوجود فلم أجد

بميدانه المكتض الا مصارعا

أليس محالا أن أعيش مسالما وقد

سن قاضي الكون فيه التنازعا

وقوله وقد كتبه بخطه على مجلة الاماني وهو من المناجاة :

أنقذت نوحا وابراهيم ، من غرق

أنجيت هذا وذا من حرق نيران

فها انا غارق بالدمع محترق

( بنار ) حزني فأنقذني باحسان

٢٦٦

وفي اثناء مطالعاتي في مكتبته القيمة رأيت ديوان الشاعر بدر شاكر السياب وقد أهداه للشاعر شبر وقد كتب الاهداء بخطه ثم نعته بشاعر الانسانية. وكتب على كتاب ( فلسفة اللذة والالم ).

أطالت تباريح الحياة تألمي

فطال على الدهر الخؤن تظلمي

ولا عجب للمرء ان عاش شاكيا

فأقدم حس فيه حس التألم

وكتب أيضا بخطه على كتاب ( اعرف مذهبك ) لمؤلفه مارتين دودج.

مذاهب ليس لها غاية

الا جدال وأضاليل

والحق مقصور على واحد

لاحمد أوحاه جبريل

وكتب على ديوان ابي الطيب المتنبي.

أمة الشعر آمني بنبي

شكلت معجزاته ديوانا

ما ادعى أحمد النبوة حتى

عاد في الشعر قوله فرقانا

وارتجل مرة عدما استمع الى خطيب الذكرى الحسينية في احدى المجالس :

هتفت لك الاملاك والـ

ـعلياء تصفق باليدين

ذهبت سفر الحق من

دمك المقدس يا حسين

نشرت له امهات المجلات ادبا كثيرا منها مجلة الاعتدال والهاتف والغري والبيان وكتب عنه الاستاذ الخليلي في ( هكذا عرفتهم ) كما كتب عنه الحوماني في ( وحي الرافدين ). كانت ولادته سنة ١٣٢٢ ه‍ بالبصرة ليلة الجمعة ١٩ ذي الحجة الحرام والمصادف ٢٤ شباط ١٩٠٥ م وكانت وفاته ليلة الجمعة ٨ شوال ١٣٩١ وقد شيع في كل من البصرة والعمارة ميسان والكاظمية وكربلاء والنجف مثواه الاخير في احدى حجر الصحن الشريف وهي الحجرة المجاورة لباب القبلة عن يمين الداخل واقيمت له الفاتحة الكبرى في مسجده الذي يقيم فيه صلاة الجماعة بالبصرة كما اقيمت له الفاتحة في المدرسة الشبرية بالنجف واستمرت الفواتح بنواحي البصرة وسائر العراق حتى يوم اربعينه الذي أقيم في مسجده وشارك العلماء والادباء نظما ونثرا.

٢٦٧

الشيخ محمد سعيد مانع

المتوفى ١٣٩٢

حياة الناس في لهو ولعب

ونحن حياتنا ذكرى الحسين

لعمرك اننا فيه سنجزى

نعيما دائما في النشأتين

وللراثي جزاء ليس يحصى

ويسكن في الجنان قرير عين

الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ سلمان آل مانع. ولد سنة ١٣٣٩ ه‍ اديب لبيب وظريف لطيف ، شاعر باللغتين الفصحى والدارجة خدم المنبر الحسيني برهة من الزمن درس ونال رتبة عالية فكان احد أساتذة منتدى النشر يوم افتتح مدرسته ، اشتركت معه في تحقيق ( جامع السعادات ) للنراقي وفي تأليف كتاب ( لسان الصدق ) وله ( أنيس الجليس في التشطير والتخميس ) ما زلت احتفظ به بخطه يتحلى بالعفة والحياء وصلابة المبدأ وقوة العقيدة الى جنب رقة الطبع والظرف فهو في الوقت الذي الف كتابا مختصرا في الدعاء وفوائده واختار جملة من الادعية المجربة اقول بهذا الوقت كان قد جمع مجموعة من الاغاني الرقيقة في الحب الطاهر والجمال الباهر والمعاني البديعة التي يشتاقها كل ذي ذوق وحس عالي ، مهما وقعت عينه على الازهار والرياض والورود والرياحين راح يتغنى بصوته الرقيق بما قاله الشعراء في الشعر الروضي. ولا يكاد يطلع عليه الفجر الا وانتبه لطاغة ربه وردد الاوراد وهو شاب مملوء حيوية وايمانا ووجدانا وذكاء وفطنة ، زاملته ولازمته اكثر من عشر سنين وهو اكثر من صاحبته فلا اعرف شخصا اتصلت به روحيا اكثر منه ، درسنا سويا في مدرسة منتدى النشر وحزنا على شهادة التخرج وتدارسنا كثيرا من الكتب فقد حققنا كتاب جامع السعادات للنراقي وعلقنا عليه وهو لم يزل موجودا عندي وعندما حققت اللجنة التي

٢٦٨

قامت بطبع الكتاب كان ما حققناه من جملة المصادر. كان الاستاذ المانع يمتهن الخطابة ثم تفرغ للدراسة والتدريس في مدرسة منتدى النشر ، وكنا في اوقات الفراغ نتدارس كتاب ( الكامل ) للمبرد ونطالع على انفراد كتب الاخلاق ونختار منها حتى كان منها كتاب ( الاخلاق في قصة ) فاذا نظم جاء بالشيء المعجب وما زلت احتفظ بمجموعة من مراسلاته وخواطره منها اني كتبت له من لبنان سنة ١٣٦٥ ه‍ رسالة وفيها قطعة شعرية منها :

حاشاك تمنع وصلنا

حاشا وفاءك يا ابن مانع

انساك ـ لا انساك ـ

يا قلبي ومثواك الاضالع

هل عهدنا ( الماضي ) أرى

يوما لعودته ( مضارع )

تلك السويعات العذاب

أريجها كالمسك ضائع

عودي فقد حن الفؤاد

لطيب هاتيك المرابع

قفص الاضالع عاقه

فأناب مرسلة المدامع

قد هام حولا بالكنائس

ثم حن الى ( الجوامع )

يا صاحب الخلق الاغر

وجامع الشيم الروائع

هذي البراقع خلفها

ـ الله ما خلف البراقع ـ

وجه تناسق بالروائع

مثل ما يهوى المطالع

فأجابني بقطعة أذكر منها قوله :

بكم نجاة محب

وجدكم خير شافع

منعت ودي سواكم

لذاك لقبت مانع

لبنان طابت فسرتم

لها وخلفتموني

سببتم الهجر انتم

ففيه لا تتهموني

بالعيد هنأتموني

هل يعرف العيد مضنى

وصالكم لي عيد

بغيره لست أهنا

توفي ليلة ٢٢ شوال ـ ليلة الاربعاء سنة ١٣٩٢ ه‍ المصادف ٢٨ / ١١ / ١٩٧٢ ومن مؤلفاته كتاب ( الرفيق في الطريق ) يضم النوادر الادبية والنتف الاخلاقية والمقاطيع الشعرية وجملة من شعره ومراسلاته لاصدقائه واخوانه امثال السيد محمد تقي الحكيم وصادق القاموسي من اعضاء منتدى النشر ومن موشحاته رائعته التي عنوانها ( انشودة الفجر ).

٢٦٩

الدكتور زكي المحاسني

المتوفى ١٣٩٢

الملحمة العربية الكبرى للدكتور زكي المحاسني وتنفرد بنشرها مجلة ( قافلة الزيت ) السعودية وقد بلغ بهذه الملحمة حتى الآن النشيد السابع.

قالت مجلة العرفان اللبنانية عدد ٤ م ٥٩ : وندعو الله ونحن في ارض الوحي ان يمد له بعمره ، وهو اليوم في الخمسين منه ، ليتم هذه الملحمة الفريدة التي ينتظرها العالم العربي الحديث ويرصدها ، لتكون له بين ملاحم الامم في آدابها العالمية ملحمته المثلى.

الملحمة العربية

النشيد المحزون

الحسين

عاطني دمعا وخذ مني عينا

واحسينا واحسينا واحسينا

انا في الشام وتيار حناني

ينتحي من ذكرك المحزون حينا

يسأل الريح اذا هبت رخاء

في البوادي عن هوى قد كان دينا

يا مهادا في العراقين أجيبي

أين مثوى ذلك المحبوب أينا

كربلاء لفحة قهرية

حملت في صفحة التاريخ شينا

هي لا ذنب لها من بلدة

من دعا الاحجار ان تلبس زينا

وقعة فيها على عثيرها

هزت الدهر لذكراها أوينا

لكأني أبصر المرج دنا

بخيول بالردى الباغي سرينا

يا لها من طحمة كان خصيم

سامها العرب وبلواها جنينا

تلك همدان أتت في مذحج

وتميم وبأقدار رمينا

٢٧٠

ذا عدى حصن دين وتقى

قتلوه قطعوا منه ردينا

فانبرى الصحب على عرض الملا

شيعة الثأر يصيحون افتدينا

فتن عجت مدى الجيل كما

تلفح النيران لا تدري الهوينا

هب يطفيها على طغيانها

بطل اعداؤه نادوا : الينا

ناصح قال له يابن مطيع

لا تكن كبشا على المنحر هينا

فأبى وهو ينادي رهطه

لن يصيب العرب من بعدي أينا

فأتاه الجمع في وثب الفدا

يا حسيناه للقياك أتينا

أم وهب فيهمو مقدامة

زوجها الكلبي نادى : ما اختشينا

بأبي أنت وأمي تلك روح

غير ما نفديك فيها ما اقتنينا

خذ أبا الحمد فهذي طعنة

بعدو الله طغواها ورينا

وهتاف قد علا تهداره

نحن أنصارك انا قد حمينا

فيهمو عمرو أخو قرظة من

يصدق الموت ولا يعرف مينا

ولديهم سالم ذو عوسج

وحبيب قال للحتف اقتفينا

وزهير فارس الفتكة ان

قيل ياابن القين لم تعرفه قينا

ورمى الكندي يفدي خدنه

بكماة مثل جن قد هوينا

يا لابطال تدانوا في الوغى

اشهدوا الله وقالوا ما اعتدينا

وأتى الخصم بجمع حاشد

يا رواة الحرب انا قد روينا

قد بكى التاريخ خجلان ولو

أظلم التاريخ فينا ما اهتدينا

يا أبا المجد ويا زين الملا

لك في حرب المناجيد بنينا

مشهدا في ملحمات حمحمت

قد طوين البيد والعمر طوينا

نحن ألجمنا الى الحشر الذي

قد فرى قلبك ذكراه فرينا

وسفحنا بعدك الدمع على

بطل ما مثله فيك بكينا

عطشا غبت عن الدنيا فيا

ليتنا حزنا بماء ما ارتوينا

نشرب الكأس بلا طعم وما

ساغ أنا بعد ظمآن استقينا

ليس يرثيك سوى روح على

النجف الاشرف عنها ما انثنينا

حملت سر ( البلاغات ) ولو

سكبت شعرا لمرثى ما رثينا

يا حبيبي لك في الشام ندى

في مطل الزهر قد رف علينا

كم ركبنا الشوق نسري عمره

خلف آماد الهوى فيه جرينا

دمشق الدكتور زكي المحاسني

ولد الدكتور زكي المحاسني سنة ١٣٢٩ ه‍ ١٩١١ م وكان ابوه من كتاب المحكمة الشرعية بدمشق ، قال : لم يلبث أن توفي وعمري

٢٧١

سنتان ولم يترك لي صورة أراه فيها فعشت يتيما ترعاني أمي الحنون ، وحين نلت الشهادة من كلية الحقوق بدمشق وعمري يومذاك اثنتان وعشرون سنة توفيت امي فعشت بعدها باكيا عليها في شعري وكانت حنونا رؤوما ولن استطيع ان انساها حتى اموت.

الدكتور زكي المحاسني له شهرته الادبية والعلمية ، شاعر رقيق متين الاسلوب واستاذ لامع في مجال التربية والتعليم ومحام قدير وكاتب واديب كبير نشر مقالاته في امهات الصحف والمجلات الشرقية والمهجرية منها :

الرسالة ، الهلال ، المجلة ، الكتاب ، الاديب يحمل شهادة دكتوراه الدولة من جامعة القاهرة من الادب العربي منذ سنة ١٩٤٧ م مع اجازة ( الليسانس ) منذ سنة ١٩٣٠ في الحقوق والآداب من الجامعة السورية سنة ١٩٣٢ م درس فقه اللغة العربية وعلومها والادب العباسي في كلية الآداب العربية ، عين ملحقا ثقافيا بالسفارة السورية في القاهرة ١٩٥٦ م.

كان عضوا في لجنة التربية والتعليم بدمشق ١٩٥٦.

كان مديرا ثقافيا لتخطيط التعليم الجامعي بوزارة التربية والتعليم المركزية بالقاهرة سنة ١٩٥٨ ـ ١٩٦١ ثم مديرا لوزارة التربية السورية.

آثاره ومؤلفاته : ( ابو العلاء ناقد المجتمع ) ( دراسات في الادب والنقد ) وكثير من الدروس الادبية وتغنى بشعره وذكر ثورة العشرين وامجاد العرب ووصف بغداد فكانت حياته حافلة بالعلم والادب والآثار الخالدة حتى تجاوز عمره الستين عاما وفي اليوم ٢٣ من الشهر ٣ من عام ١٩٧٢ م ١٣٩٢ ه‍ رحل رحلته الابدية الى عالمه الثاني. كتب عنه الدكتور محسن جمال الدين في كتابه ( العراق في الشعر العربي ) وكتب عنه الاستاذ جمال الهنداوي في مجلة العرفان مجلد ٦١ وفي مجلة البلاغ العراقية السنة السابعة.

٢٧٢

الشيخ عبد الكريم صادق

المتوفى ١٣٩٢

الشيخ عبد الكريم صادق علم من الاعلام وائمة الشرع الكرام وسامته تنبيك عن ايمانه وورعه واساريره تقرأ عليها تقواه وطيب سريرته ، عاش في النجف ولبنان مصلحا مرشدا وافنى جل عمره بالصلاح والاصلاح ولا عجب فالاسرة اسرة علم وتقى فهو ابن البطل الكبير الشيخ عبد الحسين صادق واخو الشيخ محمد تقي صادق والشيخ حسن صادق ، دوحة تنفح بالعطر الطيب ، كان محل ثقة الجميع في عفافه وتقاه وزهده في الدنيا وانصرافه عنها ويحتل في النبطية صدر البلد ازدانت به واحتضنته معتزة به فخورة بفضله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

أعن الابا يرضى الحسين عدولا

والخسف هل يرضى عليه نزولا

وهو الذي أنف الدنية قائلا

انا ما خلقت لان أعيش ذليلا

وانا ابن أعراق الثرى من هاشم

وأعز من تحت السماء قبيلا

فاذا تحداني وهاجم منعتي

عات شهرت الصارم المصقولا

ودفعت نفسي للمهالك قائلا

لا عز الا أن تموت قتيلا

لست الحسين وليس حيدرة أبي

ان لم أشق الى الكفاح سبيلا

وأخض غمار الموت يتبع بعضها

بعضا وتعتر السيول سيولا

أأهون والشرف الاصيل يلفني

بردا ويعصب مفرقي اكليلا

وابي علي من تردي بردة

للفخر تلثمها النجوم ذيولا

والام فاطمة التي في القرط من

عرش المهيمن كانت القنديلا

وأنا الذي هز الملائك مهده

ولظهر احمد كم غدا محمولا

٢٧٣

ولكم تنشق وفرتي ريحانة

طه وقبل مبسمي تقبيلا

أحسين للدين الحنيف وللابا

وكلاهما لك قد غدا مكفولا

جردت عزمك ثائرا وشحذته

سيف أغر وساعدا مفتولا

فوقفت اذ عبس الفوارس باسما

وتهز فيها الصارم المصقولا

لله وقفتك التي كم للورى

أدهشت البابا بها وعقولا

وله من قصيدة نبوية قال في أولها :

صفاك ربك واصطفاك نذيرا

يا من بطلعتك الوجود أنيرا

هي دفقة للنور من بحر السنا

رحب الفضاء بها غدا مغمورا

هي قبسة ممن تجلى نوره

للطور من سينا فدك الطورا

ولدتك آمنة الفخار مباركا

ومطيبا ومطهرا تطهيرا

وحواك منها حجر أكرم حرة

واذا النساء كرمن طبن حجورا

وله أيضا في مدح الرسول الأعظم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

بالكتاب المنير أحمد جاءا

معجزا مفحما به البلغاءا

فيه تبيان كل شيء واحصت

آية كل حكمة احصاءا

ولما في الصدور فيه شفاء

حينما جهلها يكون الداءا

جاءنا بالهدى رسول أمين

خاتما رسل ربه الامناءا

جاء كالبدر جاء والليل داج

يتجلى فمزق الظلماءا

وله أيضا في مدح أمير المؤمنين علي عليه‌السلام

مضى طه وقام وصي له

مديرا من شريعته رحاها

وفوق منصة الاحكام منها

علي قد تربع واعتلاها

ففاضت ثم فاضت ثم فاضت

ركي الفضل طافحة دلاها

فلو وردته عطشى الخلق طرا

لروى من منابعه ظماها

له من فوق منبره سلوني

سلوني هل بها الاه فاها

وله أيضا في مدح أمير المؤمنين علي عليه‌السلام

ولاؤك حصني يا علي وجنتي

اذا قصرت يوم القيامة حجتي

أفي النار ترضى أن يزج معذبا

وليك لا يشتم روحا لجنة

٢٧٤

وحبك منه خامر اللحم وهو في

غشا الرحم في دور اختباء الاجنة

واذ ألقمتني ثديها الام في اللبا

تذوقته منه لاول رشفة

ببابك حط الرحل مولاك عالما

بأنك يا مولى الورى باب حطة

وله أيضا في مدح أمير المؤمنين علي عليه‌السلام :

هي بيعة لك يا علي اقامها

خير الانام بمشهد الاملاء

يوم الغدير اذ الحجيج معرس

فيما أحاط به من الصحراء

وله أقيم من الحلائج منبر

يحنو عليه الدوح بالافناء

حيث الهواجر قد ذكت نيرانها

والرمل متقد بحر ذكاء

فعلاه خير المرسلين محمد

وأتى بتلك الخطبة العصماء

فصل في الالهيات ارجوزة له ايضا تشتمل على مأة واربع وعشرين بيتا

المبدأ الفياض رب الجود

هو القديم الواجب الوجود

شاء فكان عالم التكوين

مسخرا لكافه والنون

أبدع ما أبدع من صنيعه

فجاءت الدهشة من جميعه

هذي السما تبنى على غير عمد

وهذه الارض على الريح تمد

وهذه الشمس وهذا القمر

كلاهما في سيره مسخر

وله ايضا

بك آمنت يا قديم الوجود

يا من الكون منه رشحة جود

منك فاض الشعور في كل حي

وتمشى النمو في كل عود

منك زهر النجوم شعت ضياء

وبدا الصبح ضاربا بعمود

وتجلت ذكاء ناشرة النو

ر على الارض سهلها والنجود

أنت سخرتها طلوعا أفولا

كلما أدبرت لها قلت عودي

وله ايضا

يا واهب الكون منه أجمل الصور

ويا منوره بالشمس والقمر

ويا مرصع آفاق السماء بما

يبدو خلال الدجى من أنجم زهر

٢٧٥

يا من أدار بها الافلاك دائبة

ولو أراد لها التعطيل لم تدر

يا من بنى فوقنا السبع العلى ودحى

من تحتنا الارض مرساة بلا جذر

يا مرسل الريح يجريها مسخرة

بأمره فهي مهما سيرت تسر

وله أيضا في العقل

هو العقل للانسان أشرف ما فيه

سراج هدى في حالك الجهل يهديه

له الصدر بيت والفؤاد زجاجة

اذا ما صفت شع السنا من نواحيه

يزيد بنور العلم نورا وتستقي

ذبالته من زيته ما يغذيه

هو العلم معراج السعادة للفتى

تبلغه أسمى الكمال مراقيه

به يكبر الانسان روعة كونه

وما من جمال فيه أودع منشيه

وله أيضا

يا واهب العقل هذا العقل برهان

عليك أن طلب البرهان حيران

عداه عما يرى في الكون من نظم

تمت فما ان عراها قط نقصان

هذي السماوات والافلاك دائرة

فيها فليس لها يختل ميزان

تجري كواكبها فيها على نسق

فكل جار له في جريه شان

كل له منزل يأبى تعديه

الى سواه وفوق الكل سلطان

وله ايضا

أتخفى وهذا النور يا رب سافر

لوجهك عنا لا يواريه ساتر

لان كنت بالابصار ربي لا ترى

فما قصرت عن أن تراك البصائر

فأنت الذي عين الشهود خفاؤه

وأنت الهي في بطونك ظاهر

كم الفيلسوف استفرغ الوسع

طالبا لذاتك تحليلا اذا هو قاصر

أتى حائما حول الحمى كي ينيله

ولوجا وأنهى عمره وهو حائر

وله أيضا

العلم حيث يكون علما نافعا

هو ما يقارن صالح الاعمال

واذا هما افترقا فأعلم عالم

متبحر هو أجهل الجهال

٢٧٦

ولكم نرى من عالم فاق الورى

بالجاه أصبح مغرما بالمال

يسعى وراءهما واكبر مدهش

ولع المريض بدائه القتال

يا حامل المشعال كي يهدي الورى

اتغض طرفك عن سنا المشعال

وله ايضا في المواعظ

عظ منك نفسك قبل ان تعظ الورى

أولا فخل لمن سواك المنبرا

اتقول سيروا للأمام وأنت من

يمشي ويرجع للوراء القهقرى

والماء اما لوثته نجاسة

فمن النجاسة هل يكون مطهرا

فتحر أول أن تكون محررا

وهنا يحق بأن تقوم محررا

أهواك تعبد ثم عن أن يعبدوا

أهواءهم لهموا تجيء محذرا

وله أيضا

حاسب النفس قبل يوم الحساب

وتأهب لرحلة واغتراب

سفر شاسع ومرمى بعيد

وهبوط الى محل خراب

وسؤال من منكر ونكير

أفهل أنت ناهض بالجواب

وكتاب في الحشر تلقاه منثو

را فماذا أنت صانع بالكتاب

حين تبدو لك الصحائف سودا

اكسبتها الذنوب لون الغراب

وله أيضا ارجوزة

على بني العلم اتباع الرسل

في صالح القول وحسن العمل

وفي الرياضات لهذي الانفس

كيما تفوز بالثمين الانفس

من جوهر القدس ومن در الصفا

وحسبها ذانك حليا وكفى

بذاك ترقى سلم السعادة

وتبلغ الاوج من السيادة

اذ انهم كنخسة عنهم بدل

أو مثل أقرب شيء من مثل

قال يذكر المخدرة زينب بنت أمير المؤمنين علي ومحنتها بعد قتل أخيها الحسين

يا ربة الخدر ما لاقيت من خجل

عصر الطفوف وما عانيت من وجل

اذ الكفيل مضى والرحل صيح به

نهبا وجردت من حلي ومن حلل

٢٧٧

ماذا دهاك ابنة الزهرا فانت على

ذعر تراكضت في البيدا على عجل

وما عداك وقار من أبي حسن

ولا شمائل طاها سيد الرسل

دهاك والله ان الخيل ضابحة

جاست خلال الحمى من سائر السبل

وغودرت جنبات الربع خالية

من كل ذي نجدة يحميك بالاسل

٢٧٨

أنور العطّار

المتوفى ١٣٩٢

انت في العين دمعة الكبرياء

يا علاءا أزرى بكل علاء

لا أناجيك بالمدامع تهمى

انت أسمى من الاسى والبكاء

ما غناء الدموع في موقف جل

عن النوح والشجى والرثاء

لست في مأتم تغص به الار

ض فتبكي له عيون السماء

لست في الهم عاصفا يذر

الانفس مرعى مهدودة الاشلاء

انما أنت فكرة ومثال

للعلى والمروءة السمحاء

نسجت حولك البطولة رمزا

وارتوت منك دوحة الشهداء

أي معنى سكبت في اذن

الخلد فظلت تعج بالاصداء

مطمح انت في العلاء بعيد

واباء أعظم به من اباء

تمتطي الهول مركبا غير هيا

ب صروف الدجنة السوداء

السجايا الوضاء فيك ابتداع

واحنيني الى السجايا الوضاء

ضمنت منك مهجة تسع الخير

ونفسا تموج بالاضواء

وعزوفا عن الدنايا وكبرا

ومضاءا ما بعده مضاء

وثباتا على العقيدة وقفا

لم يزل آية على الآناء

وهي النفس ان تثر تركب

الصعب وتزحم مناكب الجوزاء

يا مثال الجهاد يا صورة البأس

ويا غاية الندى والسخاء

لذ في ذكرك السني قريضي

وحلا باسمك الحبيب ندائي

يا رجائي يا باني المثل العليا

بناء ما مثله من بناء

أيها الموقظ النفوس من الظلم

ومردي جحافل البغضاء

انفح الكون بالعظائم تترى

فالعظيمات نفحة العظماء

علم العرب كيف يستسهل الموت

ذيادا عن فكرة علياء

علم العرب كيف يقضى على

البغي دفاعا عن عزة قعساء

علم العرب كيف يرتخص البذل

ويحلو الفداء اثر الفداء

علم العرب كيف يحمى حمى

الحق ويرعى بمائج من دماء

٢٧٩

يا رفاتا تضوع المسك منه

فسرى الطيب في مدى الارجاء

عبقت منه جنة الخلد حتى

فغم العطر عالم السعداء

التقيون من شذاه نشاوى

والنبيون منه في ايحاء

يا طرازا من المروءة سمحا

فاض بالمكرمات والآلاء

صورة انت للعلى وكتاب

ليس يبلى ، وعالم من ثناء

رددته الاحقاب جيلا فجيلا

وروته قيثارة الانباء

وتغنت به الليالي هياما

فهي منه في رفعة وازدهاء

بابي انت يا حسين وأمي

يا نشيدي على المدى وغنائي

منك صغت الشعور لحنا جديدا

وتفردت في بديع أدائي (١)

كان يسمى بشاعر الشباب متأثر بالديباجة البحترية والمدرسة الشامية في الشعر قال يصف خواطره في مقدمة ديوانه ( ظلال الايام ).

غفلت عني المنون فغنيت

ولحن الحياة لحن قصير

وبنفسي قيثارة تتشكى

وانا الدمع والاسى والشعور

قصد العراق استاذا في معاهدها العلمية واحتضنته ظلال الرافدين كما احتضنت غيره من أبناء العروبة يوم ان كانت نيران الاستعمار الفرنسي تلهب سماء دمشق نارا وسجنا وتعذيبا ونفيا. حل في بغداد عام ١٩٣٦ شاعر الشباب السوري انور العطار منتدبا من وزارة المعارف العراقية ليكون استاذا في معاهدها لتدريس الادب العربي ، وأوحت له بغداد ودجلتها الكثير من القصائد الرقيقة ومنها قصيدته ( دجلة في الليل ) ذات الوزن الرقيق والتصوير اللطيف ، تبدو فيها اللوحات الخيالية قال فيها :

اسكب النور يا قمر

واغمر النهر بالصور

وأذع فرحة الهوى

وأشع لذة السمر

يتصباني النخيل

ويغريني النهر

في ثناياه صورة

حلوة كلها سير

__________________

١ ـ ذكرى أبي الشهداء.

٢٨٠