أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ١٠

جواد شبّر

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام - ج ١٠

المؤلف:

جواد شبّر


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠

١ ـ تحفة النشأتين في مدح ورثاء الامام الحسين.

٢ ـ تسلية الواله في النبي وآله.

٣ ـ اللؤلؤ المنثور في النبي وآله البدور تكررت طبعاته.

٤ ـ العقود الدرية في مواليد العترة النبوية.

وهناك دواوين من تراثه الادبي تحتوي على قصائد رائعة للامجاد العربية والمواقف الاسلامية والايام الحافلة بالذكريات الخالدة ورجالات العلم والعلماء وسائر فنون الشعر والأدب واليكم احدى روائعه في الفخر والحماسة والاعتزاز بالنفس والتحلي بالهمم وهي القصيدة التي اثبتناها في آخر الترجمة ، ومن الجدير ان أذكر كلمة للمؤرخ السيد عبد الرزاق الحسني سلمه الله اثبتها في كتابه ( تاريخ الثورة العراقية ) وقد سمعها من السيد هادي مكوطر أحد زعماء الثورة وقطب رحاها ، قال : ان موقف الشيخ باقر الخفاجي يعادل آلاف المدافع والبنادق لانه هو الذي يلهب النفوس حماسة واندفاعا. وله قصيدة في الفخر والحماسة

كم من أمور مهمات ومن أرب

ادركتها بالعوالي السمر والقضب

ولي يراع كمثل السيل تحسبه

اذا تحدر فوق الطرس للكتب

والعز والمجد يستوحيهما رجل

قد كافح الموت لا باللهو واللعب

اصحرت ها أناذا لا كالذي سفها

قد راح يفخر بين الناس كان أبي

وما أبي خامل بل كل مكرمة

قد حازها فاغتنمت الفضل بالنسب

الناس تعشق ما شاءت وما عشقت

نفسي سوى الطرف والصمصام واليلب

والبخل والجهل بالانسان منقصة

فما ولعت بغير الجود والادب

تزداد بشرا بنو الآمال ان ترني

كما تباشرت الازهار بالسحب

بعض يقول لبعض جاء منقذنا

من فاقة الدهر والبأساء والسغب

وأطعم الضيف ان قلوا وان كثروا

بادي البشاشة ما في الوجه من غضب

هل كيف اجهل والعلياء تشهد لي

اني أبي كريم الاصل والحسب

١٦١

لعامر منتمانا نجل صعصعة

اكرم به من أبي جاء وابن أبي

فاضرب بطرفك انى شئت لست ترى

سوى مقر لنا بالمجد والرتب

هذي التواريخ فاسألها تقول نعم

قدما خفاجة قد سادوا على العرب

الناس تطلب عيشا وهي ضارعة

ونحن بالبيض والخطية السلب

سل عن مواقفنا الافرنج كم ثبتت

اقدامنا لهم في الحرب كالهضب

في الرستمية دمرنا جحافلهم

وفي السماوة كانت غاية الغلب

حتى اذا ايقنوا بالموت قاطبة

بعض أطاعوا ومال البعض للهرب

فأصبحت راية للعرب خافقة

منصورة من آله العرش بالعرب

وقد غرسنا بأيدينا لبذرتها

وكل من قام يدعو ذاك من سببي

من يقض بالعدل ما بيني وبينهم

هل للحصى الفخر حقا أم الى الشهب

فالشمس يا سعد للرائين واضحة

ان النحاس بعيد عن على الذهب

١٦٢

السيد عبد الهادي الشيرازي

المتوفى ١٣٨٢

له موشحة في ميلاد الامام الحسين عليه‌السلام منها :

ظهر النور المبين الزاهر

فبدا الغيب وزال الساتر

ولد السبط الزكي الطاهر

من بحفظ الدين قدما نهضا

فهو لولا شخصه لم ينصر

لم اصرح باسمه حيث الهنا

كلما ثار به عاد عنا

فاسمه والحزن قدما قرنا

وهو للقلب يثير المضضا

بلظى الاحزان ذات السعر

فاستمع يا صاح ذكراه فقد

ضاق صدري وبه النار اتقد

ولذكرى الطف صبري قد نفد

وكأن القلب في جمر الغضا

لحسين السبط خير البشر

لست انساه وحيدا بالطفوف

مفردا مستضعفا بين الوف

ضامئا يسقي العدى كأس الحتوف

آيسا يرقب مختوم القضا

ينذر القوم بأقوى النذر

١٦٣

ما أفاد الوعظ بالقوم اللئام

وغدت ترمي حسينا بالسهام

فانثنى السبط لتوديع الخيام

فأتت تسرع بنت المرتضى

والنسا من خلفها بالاثر

السيد ميرزا عبد الهادي الحسيني الشيرازي احد فقهاء الطائفة الامامية ومفخرة من مفاخرها وهو ابن آية الله الميرزا اسماعيل ابن الشريف المبجل الامير السيد رضي الذي هو اخو الشريف ميرزا محمود والد السيد المجدد الميرزا محمد حسن الشيرازي نزيل سامراء ، وهما : السيد الأمير رضي ، والسيد ميرزا محمود ولدا الشريف السيد ميرزا اسماعيل. والمترجم له السيد ميرزا عبد الهادي علم من اعلام الامة ومرجع التقليد في عصره وموضع ثقة الجميع في المرجعية.

فلم يك يصلح الا لها

ولم تك تصلح الا له

ورع وديانة وتقى وذكاء وقاد وفكر صائب ومعرفة بطبقات الناس وتواضع مع عزه واباء ولا عجب فاستاذه الاول هو المغفور له الميرزا محمد تقي الشيرازي فريد دهره وجوهرة عصره ، ثم الاصولي المشهود له بالتفوق الملا كاظم الخراساني صاحب ( كفاية الاصول ) ثم ابن عمته آية الله السيد ميرزا علي اقا الشيرازي وغيرهم من فلاسفة الاسلام فكان من اكبر حسنات العصر تربى على يده جملة من دعاة الدين وقوام المذهب وممن يشار اليهم بالبنان مضافا الى ما انتجه قلمه العالي من بحوث قيمة في الفقه والاصول لا زالت تدرس وتعاد وتتخذ مصدرا للباحثين والمدرسين.

ولد قدس‌سره سنة ١٣٠٥ وتربى برعاية ابن عمه آية الله المجدد الميرزا حسن الشيرازي لانه ولد في السنة التي مات فيها أبوه واكب على الدرس وواصل السهر حتى لمع بين أقرانه واصبح قرة عين اهل العلم ونال درجة الاجتهاد وبعد وفاة المرجع الديني السيد أبي الحسن الاصفهاني اتجهت الانظار اليه وتمت مرجعيته والرجوع اليه عندما توفي آية الله السيد البرجردي في ايران. والحق ان سيدنا كان ممن يكره الرفعة ويشنأ السمعة وانما عظم وعظمه

١٦٤

الناس من أجل صغر الدنيا في عينيه ، يجلس فيسكت فاذا سئل أجاب الجواب الشافي الكافي وشاءت ارادة الله أن تستأثر بروحه الطاهرة فودع الحياة في شهر صفر سنة ١٣٨٢ ه‍.

١٦٥

عبد القادر رشيد الناصري

المتوفى ١٣٨٢

أأبا العقيدة والنضال الدامي

قدست ذكرك يا ابن خير امام

وجعلت يومك رمز كل بطولة

غراء تعبق في فم الايام

وعرفت أنك في القلوب مصور

لم تمح من لوح الخلود السامي

هيهات تسلبك الخلود منية

ذهبت بدولة جائر هدام

دين ابن عبد الله ما ساد الورى

لولا دم الشهداء في الاسلام

صفحات تحرير الشعوب من الاذى

مكتوبة بالسيف لا الاقلام

فالقادسية لم تزل أخبارها

تروى برغم تقادم الاعوام

وأرى الدماء الحمر خير وسيلة

لطهارة الدنيا من الآثام

* * *

أأبا العقيدة ، والعقيدة مركب

ما ذل الا للفتى المقدام

لما رأيت البغي مد رواقه

والظلم صال على الورى بحسام

ضحيت بالدنيا لاجل كل عقيدة

لم يعتنقها غير كل همام

أفديك من بطل ابى الا الردى

فمضى يكافح دونه ويحامي

هل كنت الا الليث ديس عرينه

فمضي يكافح دونه ويحامي

والنفس ان كبرت تعاظم همها

في العيش بل سخطت على الاجسام

١٦٦

يا ابن الاولى نزل الكتاب مبشرا

بهم ويا ابن السادة الاعلام

الطاهرين وكلهم داع الى

سبل الهدى أو حافظ لذمام

من فارس قاد الجحافل في الوغى

أو مالك للحق فضل زمام

انا ان بكيتك لست أبكي فانيا

تطوي مفاخره يد الايام

لي من مصابك وهو نبع خالد

وحي يحيي مرقمي بسلام

الاربعون تصرمت بمواكب الا

تراح والتذكار والآلام

وكأنها والحزن غال ضياءها

قبر يجلله الردى بقتام

* * *

يا أيها الفلك المشع قداسة

الناظر الدنيا بعين وئام

غنيت في ذكراك أروع آية

هبطت على وتري الجريح الدامي

وهتفت والدمع الهتون يقول لي

هذا أوان روائع الانغام

أنى التفت رأيت جرحك ماثلا

لنواظري في يقظتي ومنامي

فاذا غفوت فأنت ملء نواظري

واذا صحوت فأنت انت أمامي

واذا تمثلك الضمير فانما

ملك يحاط بهالة الاعظام (١)

ولد في لواء السليمانية سنة ١٩٢٠ م الموافق ١٣٣٩ ه‍ وأكمل دراسته الثانوية في بغداد. واشتغل في الصحف والاذاعة. له ديوانان : الحان الالم ، وصوت فلسطين. ومن شعره تغريدة جراح.

أحبك والهوى وتر صدوح

وأنسام معطرة وروح

ومجمرة دم العشاق فيها

بخور كلما احترقت تفوح

وفردوس من المتع الغوالي

على شطآنه يحلو الصبوح

أحبك هل علمت سلي دموعي

على كفيك لو سئلت تبوح

احبك هل علمت بأن روحي

على شفتيك ذائبة تنوح

وأني قد عصرت دمي غراما

فأزهر من دمي طلح وشيح

واني لو ابوح بسر حبي

لناح على فمي الوتر الذبيح

وهل تدري الشقائق في الروابي

بأن دمي بمبسمها يلوح

أحبك يا سهيل فكل عرق

من الاشواق ملتاع جريح

تناهى في هواك فكل آه

يضيق بنارها الصدر الفسيح

اذا عانقت طيفك في خيالي

وطيفك باللقا أبدا شحيح

__________________

١ ـ مجلة البيان النجفية ـ السنة الثالثة ص ٢٢٧.

١٦٧

فاني قد نذرت اليك عمري

وعمري في هناك سنى لموح

وما رتلت أشعاري غناء

ولكن غردت فيك الجروح

نشرت له الصحف العراقية قصائد كثيرة وطبع له ديون بعنوان ( آثام ) وتوفي بتاريخ ١١ ـ ٥ ـ ١٩٦٢ وبعد وفاته قام كامل خميس بنشر ديوان له غير هذه الثلاثة. ومن شعره في الامام الحسين عليه‌السلام قصيدته التي عنونها ب‍ ( اشراقة من نور الحسين ) نشرت في الجزء الثاني من ديوانه وقصيدته الاخرى عنوانها ب‍ ( الدهر يصغي والزمان يردد ) وثالثة في الإمام الحسين أيضا نشرها في مجلة البيان النجفية ، السنة الثانية : أولها :

لك في الجوارح حسرة لا تخمد

تخبو السنون ونارها تتوقد

١٦٨

الشيخ محمد رضا المظفر

المتوفى ١٣٨٣

حكم الغرام تضاحك وبكاء

بيض الثغور ودمعتي الحمراء

ضدان يكتنفان سر صبابتي

ضيق النجاء وعينها النجلاء

واذا اقتربت فمن مذهب خدها

نار وفي النحر اللجين الماء

ومن الجعود فليل همي أسود

ومن الخدود نهاري الوضاء

أدنو وأين من العناق متيم

أدنى له أن تذهب الحوباء

وأقول قد قبلت منها مبسما

فيه المنى لو تفعل الشعراء

وتنازلت نفسي لعدل قوامها

فرجعت وهو الصعدة السمراء

ان قد من صخر فؤاد معذبي

فأنا على تعذيبه الخنساء

سفها يخيل لي الوصال وانما

انا والحقيقة واصل والراء

فأغوص في بحر الخيال طماعة

وأعود لا صفر ولا بيضاء

واذا انكفأت فللحقيقة اهتدي

فبها الحسين السبط وهو ذكاء

شمس لها يوما هنا ورزية

وأنا على حاليهما الحرباء

شعبان منه على المحب لذاذة

طابت ، ورزء فيه عاشوراء

نشدو على فرح وبين قلوبنا

شرر عليه من الرماد غطاء

بشراي اني في ولاك متيم

تقتادني السراء والضراء

يخضر عيشي في ادكارك مشرقا

ضحكت لك الخضراء والغبراء

يوم به خص النبي وآله

فرحا فعمت في الورى الآلاء

والشمس تشرق في السماء بعيدة

وبنورها تتضاحك الارجاء

١٦٩

ما شأن فطرس أن يقال تمدحا

أنجاه وهو من القضاء قضاء

بالمدح تكتسب الانام ترفعا

وعلاه منه على الثناء ثناء

اما سكت فليس من ذهب كما

ذهبوا ، واما فهت فالفأفاء

فالجد ذاك الجد والأب ذلك

النبا العظيم وامه الزهراء

يا سره العالي الجلي تقاصرت

عن كنهه الافكار والآراء

في الارض في الآفاق أنت وفي السما

في الشمس في البدر المنير ضياء

في جمع هذي الكائنات وان تسل

سل آدما من تلكم الاسماء

الشيخ محمد رضا ابن الشيخ محمد بن عبد الله آل مظفر عالم فيلسوف ومصلح من المصلحين ولد في النجف خامس شعبان ١٣٢٣ ه‍ بعد وفاة والده بستة أشهر فكفله أخواه الشيخ عبد النبي والشيخ محمد حسن فنشأ عليهما وتعلم المبادئ وقرأ مقدمات العلوم على افاضل عصره وقد قضى ردحا من الزمن وهو مكب على دروسه في مدرسة السيد كاظم اليزدي الكبرى ، وحضر في الفقه والاصول دروس الميرزا حسين النائيني والشيخ ضياء العراقي ، كما حضر في الفلسفة على الشيخ محمد حسين الاصفهاني سنوات عديدة. وأضاف الى دراسة العلوم الدينية العلوم الرياضية العالية ومبادئ العلوم الطبيعية على الطريقة الحديثة كما برع في الفنون العربية كالعروض وقرض الشعر في شبابه فأجاد فيه ونشر في الصحف والمجلات. اذا عد أفاضل الطلاب فهو في الطليعة وقد ساهم في الحركة الفكرية في النجف واشتغل في كثير من المسائل الدينية العامة واسس ( جميعة منتدى النشر ) عام ١٣٥٤ ه‍ وانتخب لرئاستها من سنة ١٣٥٧ وجدد انتخابه في كل دورة ، وله آثار علمية خالدة منها :

١ ـ السقيفة ألفه سنة ١٣٥٢ ه‍ بحث علمي منطقي وقد طبع أكثر من مرة.

٢ ـ المنطق ، في ثلاثة أجزاء ، طبع مرات ولم يزل يتدارسه الطلاب.

١٧٠

٣ ـ عقائد الامامية ، طبع سنة ١٧٧٣ ه‍ وأعيدت طبعته مرات.

٤ ـ أصول الفقه ما زال يتدارسه الطلاب.

٥ ـ أحلام اليقظة محاضراته التي ألقاها في قاعة المجمع الثقافي وهي بحوث فلسفية حول ترجمة الحكيم الملا صدرا الشيرازي صاحب الاسفار.

توفي بالنجف ليلة ١٦ رمضان سنة ١٣٨٣ ه‍ وشيع تشييعا حافلا بالعلماء والوجوه من النجف وخارجها ، وأقبر مع أخيه الحجة الشيخ محمد حسن بمقبرتهم الخاصة.

١٧١

بدر شاكر السياب

المتوفى ١٣٨٣

قال يعاتب يزيد ويتفجع على الامام الحسين الشهيد عليه‌السلام :

ارم السماء بنظرة استهزاء

واجعل شرابك من دم الاشلاء

واسحق بظلك كل عرض ناصع

وأبح لنعلك أعظم الضعفاء

واملأ سراجك ان تقضى زيته

مما تدر نواضب الاثداء

واخلع عليك كما تشاء ذبالة

هدب الرضيع وحلمة العذراء

واسدر بغيك يا يزيد فقد ثوى

عنك الحسين ممزق الاحشاء

والليل أظلم والقطيع كما ترى

يرنو اليك بأعين بلهاء

أحنى لسوطك شاحبات ظهوره

شأن الذليل ودب في استرخاء

مثلت غدرك فاقشعر لهوله

قلبي وثار وزلزلت أعضائي

واستقطرت عيني الدموع ورنقت

فيها بقايا دمعة خرساء

يطفو ويرسب في خيالي دونها

ظل أدق من الجناح النائي

حيران في قعر الجحيم معلق

ما بين ألسنة اللظى الحمراء

أبصرت ظلك يا يزيد يرجه

موج اللهيب وعاصف الانواء

رأس تكلل بالخنا واعتاض عن

ذاك النضار بحية رقطاء

ويدان موثقتان بالسوط الذي

قد كان يعبث أمس بالاحياء

قم فاسمع اسمك وهو يغدو سبة

وانظر لمجدك وهو محض هباء

١٧٢

وانظر الى الاجيال يأخذ مقبل

عن ذاهب ذكرى أبي الشهداء

كالمشعل الوهاج الا أنها

نور الاله يجل عن اطفاء

عصفت بي الذكرى فألقت ظلها

في ناظري كواكب الصحراء

مبهورة الاضواء يغشي ومضها

أشباح ركب لج في الاسراء

أضفى عليه الليل سترا حيك من

عرف الجنان ومن ظلال ( حراء )

أسرى ونام فليس الا همسة

باسم الحسين وجهشة استبكاء

تلك ابنة الزهراء ولهى راعها

حلم ألم بها مع الظلماء

تنبي أخاها وهي تخفي وجهها

ذعرا وتلوي الجيد من اعياء

عن ذلك السهل الملبد يرتمي

في الافق مثل الغيمة السوداء

يكتض بالاشباح ظمأى حشرجت

ثم اشرأبت في انتظار الماء

مفغورة الافواه الا جثة

من غير رأس لطخت بدماء

زحفت الى ماء تراءى ثم لم

تبلغه وانكفأت على الحصباء

غير الحسين تصده عما انتوى

رؤيا فكفي يا ابنة الزهراء

من للضعاف اذا استغاثوا والتظت

عينا يزيد سوى فتى الهيجاء

بأبي عطاشى لاغبين ورضعا

صفر الشفاه خمائص الاحشاء

أيد تمد الى السماء وأعين

ترنو الى الماء القريب النائي

عز الحسين وجل عن أن يشتري

جم الخطايا طائش الاهواء

آلى يموت ولا يوالي مارقا

ري الغليل بخطة نكراء

فليصرعوه كما أرادوا انما

ما ذنب أطفال وذنب نساء

عاجت بي الذكرى عليها ساعة

مر الزمان بها على استحياء

خفقت لتكشف عن رضيع ناحل

ذبلت مراشفه ذبول حباء

ظمآن بين يدي أبيه كأنه

فرخ القطاة يدف في النكباء

لاح الفرات له فأجهش باسطا

يمناه نحو اللجة الزرقاء

واستشفع الاب حابسيه على الصدى

بالطفل يومي باليد البيضاء

رجي الرواء فكان سهما حز في

نحر الرضيع وضحكة استهزاء

فاهتز واختلج اختلاجة طائر

ظمآن رف ومات قرب الماء

* * *

ذكرى ألمت فاقشعر لهولها

قلبي وثار وزلزلت أعضائي

١٧٣

واستقطرت عيني الدموع ورنقت

فيها بقايا دمعة خرساء

يطفو ويرسب في خيالي دونها

ظل أدق من الجناح النائي

حيران في قعر الجحيم معلق

ما بين السنة اللظى الحمراء (١)

ولد الشاعر بدر شاكر بن عبد الجبار بن مرزوق السياب في قرية ( جيكور ) من قرى أبي الخصيب في لواء البصرة والواقعة على شط العرب وذلك سنة ١٣٤٤ ه‍ ١٩٢٦ م ، فنشأ في محل ولادته ، ثم دخل المدرسة الابتدائية في ابي الخصيب ثم انتقل الى المدرسة المحمودية التي أسسها المرحوم محمود باشا عبد الواحد سنة ١٩١٠ حيث تخرج فيها سنة ١٩٣٨ ثم أكمل دراسته المتوسطة والاعدادية في البصرة وبعدها التحق بدار المعلمين العالية في بغداد حيث ظهرت مواهبه بانتمائه الى جماعة اخوان ( عبقر ) عن طريق الندوات والاحتفالات التي كانت تقام في دار المعلمين العالية وعمل مترجما في جريدة ( الجبهة الشعبية ) كما شغل وظيفة رئيس الملاحظين في مديرية الشؤون الثقافية في مديرية الموانئ العامة ، وعين عضوا في هيئة تحرير مجلة الموانئ ـ عام ١٩٦١ و١٩٦٢ ثم سافر الى بيروت للمعالجة وحضر مؤتمر الشعراء العرب ودخل مستشفى الجامعة الاميركية ، وعاد الى البصرة ثم سافر الى لندن للاستشفاء وقد خصصت مديرية الموانئ العامة دارا له ولعائلته.

وله مؤلفات منها : ( ازهار ذابلة ) القاهرة ١٩٤٧ و ( أساطير ) النجف ١٩٥٠ و ( انشودة المطر ) بغداد ١٩٦٠ و ( حفار القبور ) بغداد ١٩٥٢ ، مختارات من الادب البصري ـ البصرة ١٩٥٦ والمعبر البصري ـ البصرة ١٩٥٦ او المعبد العريق بيروت ١٩٦٢ ومولد الحرية الجديد ( ترجمة بيروت ١٩٦١ ) و ( المومس العمياء ) بغداد ١٩٥٤ و ( منزل الاقنان )

__________________

١ ـ عن ديوانه ( أساطير ) المطبوع بمطبعة الغري الحديثة ١٣٦٩ ه‍ ١٩٥٠ م.

١٧٤

بيروت ١٩٦٣ وغيرها. توفي في الكويت عام ١٩٦٤ (١) وكتبت مجلة ( آفاق عربية ) العدد الاول من السنة الثالثة عن شاعرية السياب والتجدد في شعره ، والحق ان السياب شاعر من شعراء الفكرة والموضوع في الادب العراقي المعاصر ، تأثر بأليوت وايدث سيتويل وغيرهما من شعراء الانكليز ... تعلم منهم التعبير بالصور وتداعي المعاني والتعبير عنها بطرق غير مألوفة ومال أخيرا الى ادخال عنصر الثقافة والاستعانة بالاساطير والتأريخ والتضمين والغرف من الانثروبولوجيا. اذ أنه عندما درس في دار المعلمين العالية في بغداد وقضى سنتين في فرع الادب العربي انتقل الى اللغة الانكليزية فتخرج منها عام ١٩٤٨.

مات وهو لم يكمل السادسة والعشرين من عمره. وفاته ٢٤ ـ ١٢ ـ ١٩٦٤ رأيت في جريدة الجمهورية الصادرة ببغداد عدد ٣٤٤٢ ه‍ بتاريخ ١ كانون الاول ١٩٧٨ الشاعر والناقد المصري حسن توفيق الذي نال شهادة الماجستير من جامعة القاهرة عن رسالته ( الشاعر بدر شاكر السياب ).

__________________

١ ـ أعلام العراق الحديث ، باقر أمين الورد.

١٧٥

الشيخ حميد السماوي

المتوفى ١٣٨٤

لا حكم الا للقضاء وما الذي

يجري بغير اشاءة وقضاء

يهفو الزمان ولا تزال صروفه

تهفو بغابره الى الهيجاء

ويظل يشدو شدوه فترتل

الاشهاد ما استوحى ابو الشهداء

عوجي أمية في حضيضك واضربي

صفحا اذا شئت عن العلياء

خلي الطريق لاهله وترسلي

في كل مظلمة من الارجاء

كبلت أيدي المخلصين بحادث

أطلقت فيه هواجس الشعراء

ما اظلم يوم الطف الا للاولى

فيهم أضاءت ليلة الاسراء

نجمت بعاهل هاشم وتمخضت

أحلامها عن خيرة الابناء

أمناء وحي الله في العهد الذي

ختم القضاء على فم الامناء

صدروا وما انفكوا على ورد الردى

متزاحمين تزاحم الاكفاء

ضربوا لهم طنبا بكل تنوفة

وبنوا لهم فلكا بكل سماء

فتناثرت هاماتهم بمساقط

الاقدار لا بمساقط الانواء

رقمت على لوح الوجود وخططت

بالنور صدر العالم الوضاء

جذبتهم الصحرا الى أحضانها

علما بأنهم بنو الصحراء

وتدافعت فيهم حداتهم فمن

بيداء شاسعة الى بيداء

ما كان أسعدهم بادراك المنى

وأحقهم بالمدح والاطراء

أبقية الخلفاء من عمرو العلى

حدبت عليك صنايع الخلفاء

ضاقت رحاب الارض فيك وانها

لولا القضاء فسيحة الارجاء

١٧٦

فلئن سموت مصفدا نحو العلى

فلقد هويت موزع الاشلاء

أجهدت نفسك في شؤون لم يزل

فيها حسامك أبلغ الخطباء

رفقا بهم رفقا فلست بمسمع

من في القبور مواعظ الاحياء

أرسلتها خطبا ترن وما عسى

تجدي بجنب الصخرة الصماء

ما كنت أحسب والمقدر كائن

ان العقول تصاب بالاغماء

سمعا أبا الشهداء نجوى شاعر

فيما تنوء به من الارزاء

أنا لم أقم لكم مقام مؤبن

فأطيل فيكم مدحتي وثنائي

لكن أقول وهل تراني واجما

أما وجدتك مصغيا لندائي

ان الاناشيد التي رتلتها

قطعا وأنت تجود بالحوباء

ورسمتها في صدر كل صحيفة

سطرين : صدر هدى وصدر دماء

ذهبت ويؤسفني ادكاري أنها

ذهبت وراء سفاسف الاهواء (١)

الشيخ حميد ابن الشيخ احمد آل عبد الرسول الشهير بالسماوي ينتهي نسبه الى قبيلة بني عبس وهي تقطن وادي السماوة من قديم العصور ، ولد المترجم له في السماوة عام ١٣١٥ ه‍ ونشأ على حب الخير بحكم بيئته وسيرة سلفه الصالح ومكانة أبيه مرشد تلك المنطقة اذ كان المرجع الديني والزمني هناك وقد أرخ ولادة المترجم له ( صاحب الطليعة ) البحاثة الشيخ محمد السماوي بقصيدة مطولة وآخرها :

أنا انشي وأنت في الناس أرخ

فاق عبد الحميد فضلا ومجدا

هاجر الى النجف الاشرف وهو شاب حدث السن وبعد أن أكمل المقدمات تخصص للدراسات العالية على اساتذة جهابذة أمثال المرحوم الميرزا حسن النائيني والشيخ محمد حسين الاصفهاني وميرزا فتاح الزنجاني صاحب الحاشية على المكاسب ، وكان يعد من الطبقة العالية في الاوساط العلمية.

__________________

١ ـ عن الديوان.

١٧٧

وتوفرت له المعلومات الكافية والاحاطة التامة بعلمي الفقه والاصول فطلبه اهالي السماوة وألحوا عليه بالرجوع الى بلده ومسقط رأسه فاستجاب لطلبهم بأمر من مراجع الطائفة وعاد الى السماوة واعتزت به كاعتزاز العين بانسانها.

والسماوي شاعر فحل بما أوتي من جزالة القول وقوة الذهنية والفكرة الوقادة وهو أحد أعلام الشعر في العالم العربي ، وفي العراق لا يوازيه في شهرته وشاعريته غير افراد عدد أصابع اليد ، ولازال الادباء يحفظون شعره ويتناشدونه ، وهذه رباعياته التي عارض بها الطلاسم لايليا أبي ماضي وعنوانها : فوق اثباج الطبيعة. نشرتها الصحف ونشرها الاديب التقي الحاج رضا السماوي في كراسة ، ومما سجلته للشاعر العالم في مؤلفي ( شعراء العصر الحاضر ) قوله يخاطب بلبلا في قفص :

يا بلبل القفص المطل

وشاعر الروض الاغن

ما كان ظني أن أراك

مغردا ما كان ظني

فالحزن أعمق نغمة

من نغمة الوتر المرن

لحن النفوس الشاعرات

وهل تجيش بغير لحن

واذا علا صوت النعي

بمحفل سكت المغني

يا ابن الاراكة قد قتلت

مسرتي وأثرت حزني

أنا لست من حمم الححيم

ولست من جنات عدن

أو لم نكن أبناء لحن

واحد ولدات فن

نصغي الى وحي الجمال

ونشرئب لكل حسن

انت الاسير بلا فدى

وانا الطليق ـ بغير من

تشدو وأنت بمحبس

وأنا أنوح بمطمئني

أتصاغرت للسجن نفسك

فهي من طرب تغني

وتعاظمت نفسي على

فخلت هذا الكون سجني

ما أنت مثلي في الشعور

ولست مثلك في التجني

لم أعد أحلام الشباب

ان اصرح أو أكني

انشوة الطفل الصغير

وحسرة اليفن المسن

أشدو بقومي ان شدوت

وانما اياك أعني

فالريح لا تدع السرى

والغصن لا يدع التثني

١٧٨

ماذا التأني والخطوب

سريعة ، ماذا التأني

لم يجن من غرس الرجاء

ببلقع غير التمني

فاهدم دعامة صرحها

من لم يهدم ليس يبني

ففؤادها متضارب

الحركات من خوف وأمن

ولسانها متلجلج

بين المعزي والمهني

ولقد أبدع كل الابداع في قصيدته : عاصفة النوى ، والتي مطلعها :

وجمت فلا نطق ولا ايماء

وخبت فلا قدح ولا ايراء

جذ القضاء لسانها فتلجلجت

وتكلم التمتام والفأفاء

وطوى صحيفة مجدها فتكفلت

بعد العيان بنشرها الانباء

سعدت بهم دهرا فأعقبها الشقا

وكذا الحياة سعادة وشقاء

وفيها ما سار مسير الامثال فمنها :

لا يصلح الحسن القبيح وهل ترى

كف الوصيف تزينه الحناء

وقوله :

واصدر على ظمأ فأنت بمنهل

ترد الصحيحة منه والجرباء

وقوله :

لا تنصتن بجنب كل أراكة

ما كل غصن فوقه ورقاء

وان استفزك ناعب فلربما

طرب الاصم وغنت الخرساء

وقصيدته : لمن المواكب ، ومطلعها :

لمن المواكب في ضفاف الوادي

نشرت مطارفها على الآباد

من عالم العدم استمدت فيضها

حتى تخطت عالم الايجاد

مخرت بتيار الفنا فتدافعت

فيها الخطوب الى محيط الهادي

١٧٩

ومنها :

والنار ان يك هينا ايقادها

لكن هلم الخطب في الاخماد

وفيها عتاب لبعض الاقارب والاحباب :

ما سرني ان سدتكم بل ساءني

ان لم تكونوا أنتم اسيادي

ومنها :

هامت باذلالي وهمت بعزها

( فأنا بواد والعذول بوادي )

سيان في الارقال الا اننا

شتان في الاتهام والانجاد

وأهب منفردا لجمع شتاتها

وتهب مجمعة على افرادي

ان هزهم هذا الشعور فحسبهم

أولا فكم من نفخة برماد

وحسبك فاقرأ حكمياته وفي مقدمتها : طريق الخلود ، وأولها :

متى ائتلفت هذه النيرات

وماذا أحاط بهذي الكرات

وهل قبل عالمنا عالم

وهل بعده من هن أوهنات

فماض ولم أدر ما كنهه

وآت ولم أدر ما فيه آت

ومن براعته الفنية قوله :

اني اعيذك والاقلام ساغبة

تلوك ما تنضج الآراء والفكر

من كل ساحرة الالفاظ تحسبها

عصا ابن عمران لا تبقي ولا تذر

فللسياسة أبطال تنادمها

والنظم والنثر ابطال له أخر

تخدرت حسب ما شاؤا مشاعرنا

حتى تساوى لديها النفع والضرر

وقوله :

اذا ظمئ العقل في منهل

فليس يروي حديث الرواة

وكيف أحاول بل الصدى

اذا انبت في البئر حبل السقاة

١٨٠