بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

تعالى : (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ)(١) أى بفرسانك ورجّالتك. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عفوت (٢) لكم عن صدقة الخيل» يعنى الأفراس وكذا قوله تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها)(٣) والخيّالة : أى أصحاب الخيول.

وخيّل إليه أنّه كذا على ما لم يسمّ فاعله من التّخييل والوهم. قال تعالى : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى)(٤) قال أبو زيد : خيّلت على الرّجل إذا وجّهت التّهمة إليه.

وقوله (وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ)(٥) أى أعطيناكم ومكنّاكم. والتخويل فى الأصل : إعطاء الخول وهو العطيّة ، قال لبيد رضى الله عنه :

ولقد تحمد لما فارقت

جارتى والحمد من خير خول (٦)

وقوله تعالى : (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ)(٧) [أى] أعطاه وملّكه. قال أبو النّجم :

الحمد لله الوهوب المجزل

أعطى فلم يبخل ولم يبخّل

* كوم (٨) الذرا من خول المخوّل*

والخاء لنيّف وعشرين معنى ذكرته فى القاموس.

__________________

(١) الآية ٦٤ سورة الاسراء.

(٢) ورد فى الجامع الصغير بلفظ «عفوت لكم عن صدقة الجبهة والكسعة والنخة» والجبهة الخيل.

(٣) الآية ٨ سورة النحل.

(٤) الآية ٦٦ سورة طه.

(٥) الآية ٩٤ سورة الأنعام.

(٦) الديوان (الكويت) ١٧٧

(٧) الآية ٨ سورة الزمر.

(٨) الذرا جمع ذروة وهى أعلى الشىء ، والمراد السنام ، والكوم جمع كوماء وهى الناقة السمينة.

٥٨١

٢٩ ـ بصيرة فى الخون

وهو أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح ، خانه خونا وخيانة ومخانة ، واختانه ، فهو خائن وخائنة وخئون وخوّان والجمع خانة وخونة وخوّان. قال الرّاغب : الخيانة والنّفاق واحد ، إلّا أنّ الخيانة يقال اعتبارا بالعهد والأمانة ، والنفاق يقال اعتبارا بالدّين ، ثمّ يتداخلان. فالخيانة : مخالفة الحقّ بنقض العهد فى السّر. ونقيض الخيانة الأمانة. يقال خنت فلانا وخنت أمانة فلان قال تعالى : (لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ)(١) وقوله (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ)(٢) أى على جماعة خائنة ، وقيل على رجل خائن فإنّه يقال : رجل خائن وخائنة كداهية وراوية. وقيل : خائنة موضوعة موضع المصدر ؛ نحو قم قائما.

وقوله تعالى : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ)(٣) فالاختيان مراودة الخيانة.

ولم يقل : تخونوا أنفسكم ، لأنه لم يكن منهم الخيانة ، بل كان منهم الاختيان فالاختيان تحرّك شهوة الإنسان لتحرّى الخيانة وذلك هو المشار إليه بقوله تعالى : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(٤). وخائنة الأعين : ما يسارق من النظر إلى ما لا يحلّ أو أن ينظر نظرة بريبة. وخوّنه : نسبه إلى الخون ونقصه.

__________________

(١) الآية ٢٧ سورة الانفال.

(٢) الآية ١٣ سورة المائدة.

(٣) الآية ١٨٧ سورة البقرة.

(٤) الآية ٥٣ سورة يوسف.

٥٨٢

الباب التاسع

فى الكلمات المفتتحة بحرف الدال

وهى : الدّال ، والدّب ، والدّبر ، والدّثر ، والدّحر ، والدّحض ، والدّحو ، والدّخر ، والدّخل ، والدّخن ، والدّر ، والدّرج ، والدّرس ، والدّرك ، والدّرى ، والدّرء ، والدّس ، والدّسر ، والدّسى ، والدّعّ ، والدّعاء ، والدّفع ، والدّفق ، والدّف ، والدّك ، والدّل ، والدّلو ، والدّلك ، والدّمر ، والدّمع ، والدّمغ ، والدّنيا ، والدّنو ، والدّهر ، والدّهق ، والدّهم ، والدّهن ، والدّأب ، والدّور ، والدّول ، والدّوام ، والدّون ، والدّين.

١ ـ بصيرة فى الدال

وهى ترد فى القرآن واللغة والعرف على عشرة أوجه :

الأوّل : حرف من حروف التهجّى مخرجه من طرف اللسان قرب مخرج التاء ، يجوز تذكيره وتأنيثه. تقول منه : دوّلت دالا حسنا وحسنة. وجمع المذكّر أدوال كمال وأموال ، وإذا أنّثت جمعت دالات كحال وحالات.

الثّانى : الدّال فى حساب الجمّل اسم لعدد الأربعة.

الثّالث : الدّال الكافية وهى الّتى تقتصر عليها من كلمة أوّلها الدّال ؛ كقول الشاعر :

٥٨٣

أتيت إبراهيم فى حاجة

فقال لى خذها أخى دالا

فقلت دال درهم أم دال دينا

ر فبيّن قال لى لا لا

الرّابع : الدّال المكرّرة فى مثل عدد ومدد.

الخامس : الدال المدغمة فى مثل عدّ ومدّ.

السّادس : دال العجز والضّرورة كما يأتى الألكن بالدّالات الزّائدة فى أثناء كلامه.

السّابع : الدّال المشتقّ من الدّلالة. والدّلال تقول فى اسم الفاعل : دال دالّان.

الثامن : الدّال الأصلى فى نحو دبر وبدر وبرد.

التّاسع : الدّال المبدلة من التّاء إذا كان بعد جيم ، نحو قوله تعالى : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ)(١) وقرئ فى الشاذّ (يجدبيك) وقال الشاعر (٢) :

فقلت لصاحبى لا تحبسنّا

بنزع أصوله واجدزّ شيحا

أى اجتزّ.

العاشر : الدّال اللغوى. قال الخليل : الدّال عندهم : المرأة السّمينة.

قال الشاعر :

مهفهفة حوراء عطبولة

دال كأن الهلال حاجبها

__________________

(١) الآية ٦ سورة يوسف.

(٢) هو مضرس بن ربيعى الاسدى. يذكر فى أبيات قبله أنه أعد لحما يشويه لأصحابه. ويذكر فى هذا البيت أنه أمر صاحبه بجمع الحطب للشيء وأمره أن يسرع فلا يتلبث حتى ينزع أصول الشجر ، بل يأخذ القضبان وأن يجتر الشيح ، وهو نبت سهل الجز والقطع.

٥٨٤

٢ ـ بصيرة فى الدب

الدّب والدّبيب : مشى خفيف على الهينة. ويستعمل ذلك فى الحيوان وفى الحشرات أكثر. وقد يقال : دبّ الشّراب فيه ودبّ السّقم فى الجسم ودبّ البلا فى الثوب أى سرى. ويقال : دبّت عقاربه أى سرت نمائمه وأذاه.

والدّابة : ما دبّ من الحيوان ، وغلب على ما يركب. ويقع على المذكّر والمؤنّث. وقوله تعالى : (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ)(١) قال أبو عبيدة : المراد الإنسان خاصّة. والأولى إجراؤها على العموم. وقوله تعالى : (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ)(٢) قيل عنى بها الأشرار الذين هم فى الجهل بمنزلة الدّواب ، فيكون الدّابّة جمعا لكلّ شىء يدبّ ، نحو خائنة فى جمع خائن. وقيل : هى حيوان بخلاف ما نعرفه يختصّ خروجه بقرب القيامة (أو أوّلها) (٣) تخرج بتهامة. وقيل : تخرج بثلاثة أمكنة ثلاث مرّات. وقيل : تخرج من الصّفا ، وقيل : من عند الحجر الأسود. وقوله تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ)(٤) عامّ فى جميع الحيوانات.

__________________

(١) الآية ٤٥ سورة فاطر.

(٢) الآية ٨٢ سورة النمل.

(٣) فى الأصلين : «وأذلها» ويبدو أنه محرف عما أثبت.

(٤) الآيتان ٢٢ ، ٥٥ سورة الانفال.

٥٨٥

٣ ـ بصيرة فى الدبر

الدّبر والدّبر : الظّهر ، قال الله تعالى : (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)(١) جعله للجماعة كقوله تعالى : (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ)(٢) والجمع أدبار. قال تعالى : (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ)(٣) أى قدّامهم وخلفهم. وقال (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ)(٤) أى لا تنهزموا. والدّبر والدّبر أيضا : خلاف القبل والقبل. ودبر الأمر ودبره : آخره. قال الكميت :

أعهدك من أولى الشّبيبة تطلب

على دبر هيهات شأو مغرّب (٥)

وأدبار السّجود : أواخر الصّلوات.

وقرئ (وَإِدْبارَ النُّجُومِ)(٦) بالفتح والكسر ، فبالكسر (٧) مصدر مجعول ظرفا نحو مقدم الحاجّ وخفوق النجم ، وأدبار بالفتح جمع (٨).

ويشتقّ منه تارة باعتبار دبر الفاعل كقولهم : دبر فلان ، وأمس الدابر (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ)(٩) وباعتبار [دبر](١٠) المفعول ، دبر السّهم الهدف أى سقط خلفه ، ودبر فلان القوم : صار خلفهم. والدّابر يقال للمتأخّر والتّابع إمّا باعتبار المكان وإمّا باعتبار الزّمان أو باعتبار المرتبة. وأدبر : أعرض

__________________

(١) الآية ٤٥ سورة القمر.

(٢) ٤٣ سورة ابراهيم.

(٣) الآية ٥٠ سورة الانفال.

(٤) الآية ١٥ سورة الانفال.

(٥) الشأو : المدى والغاية. و (مغرب) : يريد أن عود الشبيبة أصبح بعيد المنال.

(٦) الآية ٤٩ سورة الطور.

(٧) هى قراءة الجمهور. والفتح قراءة سالم بن أبى الجعد ، والمنهال بن عمرو ، يعقوب كما فى البحر لأبى حيان ٨ / ١٥٣

(٨) الآية ٣٣ سورة المدثر.

(٩) زيادة من الراغب.

٥٨٦

وولّى دبره. قال تعالى : (ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ)(١) قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا تقاطعوا (٢) ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا» وقيل (٣) : لا يذكر أحدكم صاحبه من خلفه. والاستدبار طلب دبر الشّىء. وتدابر القوم إذا ولّى بعضهم عن بعض ، والدّبار : مصدر دابرته أى عاديته من خلفه.

والتّدبير : التفكّر فى دبر الأمور. قوله تعالى : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً)(٤) يعنى : ملائكة موكّلة بتدبير أمور. ودابر كلّ شىء : آخره. ويقال : قطع الله دابرهم ، أى آخر من بقى منهم. وقوله تعالى : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٥) أى استأصل الله شأفتهم. ودابرهم : أصلهم. ومثله قوله تعالى (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ)(٦) أى لا يبقى منهم باقية. ومثلة قوله عزوجل (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ)(٧) أى آخرهم. ودابر الرّجل : عقبه. والدّبار : الهلاك الذى يقطع دابرهم. ودبر اللّيل : أدبر ، قال تعالى : (والليل إذا دبر) (٨) وهى قراءة غير نافع (٩) وحمزة وحفص ويعقوب وخلف. ودبر فلان القوم أى كان آخرهم ، ومنه قول عمر : ولكنّنى كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتّى يدبرنا. والدّبور : الرّيح الّتى تقابل الصّبا. ودبر كعنى : أصابته ريح الدّبور. وأدبر : خلاف

__________________

(١) الآية ٢٣ سورة المدثر.

(٢) ورد فى رياض الصالحين عن الصحيحين ببعض اختلاف.

(٣) أى فى معنى الحديث.

(٤) الآية ٥ سورة النازعات.

(٥) الآية ٤٥ سورة الانعام.

(٦) الآية ٧ سورة الانفال.

(٧) الآية ٦٦ سورة الحجر.

(٨) الآية ٣٣ سورة المدثر.

(٩) أما قراءة نافع ومن عطف عليه فهو (إِذْ أَدْبَرَ).

٥٨٧

أقبل ، قال تعالى : (وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ)(١) وأدبر النهار : ولّى ، قال : (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ)(٢) وهى قراءة من تقدّم ذكره.

والتدبّر : التفكّر ، يقال : تدبّرت الأمر إذا نظرت فى أدباره. ومنه قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ)(٣) أى أفلا يتفكّرون فيعتبروا ، وقوله : (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ)(٤) أى أفلم يتفهّموا ما خوطبوا به فى القرآن. والدّبر : النحل والزنابير ونحوهما مما سلاحها فى أدبارها.

٤ ـ بصيرة فى الدثر والدخر والدحض والدحر

قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)(٥) أى المتدثّر ، وهو المتلفّف فى الدّثار ، وهو ما كان من الثياب فوق الشّعار. يقال : ادّثّر الرجل يدّثّر ادّثّرا أى تدثّر يتدثّر تدثّرا ، فأدغمت التّاء فى الدّال وشدّدت أى تلفّف فى الدّثار. وتدثّر الفحل النّاقة : تسنّمها ، وزيد فرسه : وثب عليه فركبه. وأدثر مثل أكرم : اقتنى دثرا من المال. ودثر الرّجل : علته كبرة واستشنان (٦). والسّيف : صدئ لبعد عهده بالصّقال ، والثوب : اتّسخ. والدّثر : المال الكثير. وهو دثر مال ـ بالكسر ـ أى حسن القيام به. ويقال : مال دثر ومالان دثر وأموال دثر. ومنه (٧) قيل للمنزل الدّارس : داثر لذهاب أعلامه.

__________________

(١) الآية ١٠ سورة النمل ، الآية ٣١ سورة القصص.

(٢) الآية ٣٣ سورة المدثر.

(٣) الآية ٨٢ سورة النساء ، والآية ٢٤ سورة محمد.

(٤) الآية ٦٨ سورة المؤمنين.

(٥) أول سورة المدثر.

(٦) الكبرة : التقدم فى السن والاستشنان : الهزال.

(٧) ذكر الراغب هذا بعد قوله : «وسيف داثر : بعيد العهد بالصقال» والمناسبة على هذا ظاهرة.

٥٨٨

والدّحر : (١) الإبعاد والطّرد.

والدّحض : الزلق ، والفحص والبحث والزوال. و (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ)(٢) : باطلة. ومكان دحض ودحض ودحوض : ذلق.

والدحو : إزالة الشّىء عن مكانه ومقرّه (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها)(٣) أى أزالها (٤) عن مقرّها. وهو من قولهم : دحا المطر الحصى عن وجه الأرض أى جرفها.

ودخر يدخر دخرا : صغر وذلّ (وَهُمْ داخِرُونَ)(٥) صاغرون.

__________________

(١) ورد من هذا قوله تعالى فى الآية ٦٨ من سورة الاعراف : (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً).

(٢) الآية ١٦ سورة الشورى.

(٣) الآية ٣٠ سورة النازعات.

(٤) تبع هذا الراغب. وتتمة كلامه : «كقوله : (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ)» وتراه يذهب بالدحو فى الآية الى ما يكون قبيل القيامة ، وليس الأمر كذلك فقد فسر (دَحاها) بقوله بعد : (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها ..) ولا يناسب هذا معنى الراغب. وقد أجمع المفسرون على أن الدحو فى الآية البسط والتمهيد.

(٥) الآية ٤٨ سورة النحل.

٥٨٩

٥ ـ بصيرة فى الدخل

الدّخول : نقيض الخروج. ويستعمل ذلك فى الزّمان والمكان والأعمال. قال تعالى : (ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ)(١).

وقوله : (أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ)(٢) فمدخل (٣) من دخل ، ومدخل (٤) من أدخل. وقوله تعالى (مُدْخَلاً كَرِيماً)(٥) قرئ بالوجهين أيضا. فمن قرأ (مَدخلا) بالفتح (٦) فكأنه إشارة إلى أنّهم يقصدونه ولم يكونوا كمن ذكرهم فى قوله تعالى : (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ)(٧) ومن قرأ بالضّمّ (٨) فكقوله : (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ)(٩) وادّخل : اجتهد فى دخوله ، قال تعالى : (أَوْ مُدَّخَلاً)(١٠) والدّخل : كناية عن الفساد والعداوة المستبطنة (١١) ، وعن الدّعوة فى النسب. يقال : دخل دخلا ، قال تعالى : (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً)(١٢) أى : مكرا وخديعة وغشّا وخيانة. والدّخل ـ بسكون الخاء ـ العيب والرّيبة. قالت عثمة بنت مطرود :

ترى الفتيان كالنخل

وما يدريك بالدخل

__________________

(١) الآية ٥٨ سورة البقرة.

(٢) الآية ٨٠ سورة الاسراء.

(٣) قراءة فتح الميم قراءة قتادة وأبى حيوة وحميد وابراهيم بن أبى عبلة ، وقراءة الجمهور بالضم ، وانظر البحر ٦ / ٧٣

(٤) الآية ٣١ سورة النساء.

(٥) الآية ٣١ سورة النساء.

(٦) هى قراءة نافع وأبى جعفر. والضم قراءة الباقين ، كما ورد فى الاتحاف.

(٧) الآية ٣٤ سورة الفرقان.

(٨) هى قراءة نافع وأبى جعفر. والضم قراءة الباقين ، كما ورد فى الاتحاف.

(٩) الآية ٥٩ سورة الحج.

(١٠) الآية ٥٧ سورة التوبة.

(١١) فى الاصلين : «المستنبطة» وما أثبت من الراغب.

(١٢) الآية ٩٢ سورة النحل.

٥٩٠

يضرب (١) فى ذى منظر لا خير عنده. ويقال دخل فلان فهو مدخول كناية عن بله فى عقله ، وفساد فى أصله (٢).

وقوله تعالى : (فَادْخُلِي فِي عِبادِي)(٣) تدخل كلّ نفس فى البدن الذى خرجت منه.

وقوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ)(٤) أى هى مثل الدّخان إشارة إلى أنه لا تماسك لها.

٦ ـ بصيرة الدر

وهو فى الأصل تولّد شىء من شىء ، ويدل على اضطراب فى شىء أيضا. قال تعالى : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً)(٥) وأصله من الدّرّ والدّرة أى اللّبن. ويستعار ذلك للمطر استعارة أسماء البعير وأوصافه. يقال فى المدح : لله درّه : أى عمله ، ولله درّك من رجل ، وفى الذمّ : لا درّ درّه ، قال المتنخّل :

لا درّ درّى إن أطعمت نازلكم

قرف الحتىّ وعندى البرّ مكنوز (٦)

__________________

(١) انظر قصة المثل فى أمثال الميدانى فى حرف التاء.

(٢) فى الراغب : «داخله».

(٣) الآية ٢٩ سورة الفجر.

(٤) الآية ١١ سورة فصلت.

(٥) الآية ٥٢ سورة هود.

(٦) الحتى : المقل وهو الدوم ، وقرفة : قشرة. والبيت مطلع قصيدة فى ديوان الهذليين ٢ / ١٥

٥٩١

٧ ـ بصيرة فى الدرج

الدّرجة نحو المنزلة ، لكن يقال للمنزلة ، درجة إذا اعتبرت بالصّعود دون الامتداد على البسيطة (١) كدرجة السّطح والسّلّم. ويعبّر بها عن المنزلة الرّفيعة. قال تعالى : (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)(٢) تنبيها لرفعة منزلة الرجال عليهنّ فى العقل والسّياسة ونحو ذلك من المشار إليه بقوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ)(٣) وقال تعالى : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ)(٤) أى ذوو درجات. ودرجات النجوم تشبيها بما تقدّم وهى ثلاثمائة وستون درجة لأنهم قسّموا الفلك ثلاثمائة وستّين قسما ، ووزعوه على اثنى عشر برجا ، كلّ برج ثلاثون درجة ، كل درجة ستون دقيقة ، كل دقيقة ستّون ثانية ، كلّ ثانية ستّون ثالثة ، [و] هكذا إلى العاشرة. ولا يجىء فى الحساب أكثر من هذا. والفعل من هذه المادة درج يدرج دروجا فهو دارج أى صعد.

والإدراج : لفّ (٥) شىء فى (٦) شىء. يقال أدرج فلان فى أكفانه. ودرّجه فى الأمر تدريجا أى جرّه إليه قليلا قليلا. واستدرج الله المرء : جرّه قليلا قليلا إلى العذاب. قال تعالى : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)(٧) كلما جدّدوا خطيئة جدّدنا لهم نعمة وأنسيناهم شكر النّعمة واستغفار الذّنب.

__________________

(١) هى الأرض. وفى الراغب : «البسيط»

(٢) الآية ٢٢٨ سورة البقرة.

(٣) الآية ٣٤ سورة النساء.

(٤) الآية ١٦٣ سورة آل عمران.

(٥) فى الاصلين : «كف» تحريف.

(٦) فى الاصلين : «من» والمناسب ما أثبت.

(٧) الآية ١٨٢ سورة الاعراف ، والآية ٤٤ سورة القلم.

٥٩٢

والدّرجات وردت فى القرآن على وجوه :

الأوّل : درجة الرّجال على النّساء بما ذكرنا (وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)(١) والثّانى : درجة المجاهدين على القاعدين (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً)(٢).

الثّالث : درجة الصّحابة بالسّبق والصّحبة (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً)(٣).

الرّابع : درجة أصناف الخلق بعضهم على بعض بزيادة الطّاعة ونقصانها. (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)(٤).

الخامس : درجات خواصّ العباد (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ)(٥).

السّادس : درجات العلماء والمروءة (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ)(٦)

السّابع : منازل المطيعين وزيادة درجاتهم فى الجنّة (فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى)(٧).

الثامن بمعنى : رافع درجات المطيعين على تفاوت أحوالهم (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ)(٨).

__________________

(١) الآية ٢٢٨ سورة البقرة.

(٢) الآيتان ٩٥ ، ٩٦ سورة النساء.

(٣) الآية ١٠ سورة الحديد.

(٤) الآية ١٣٢ سورة الانعام.

(٥) الآية ١٦٣ سورة آل عمران.

(٦) الآية ١٦٥ سورة الانعام.

(٧) الآية ٧٥ سورة طه.

(٨) الآية ١٥ سورة غافر.

٥٩٣

٨ ـ بصيرة فى الدرس والدرك

الدّرس : درس الشىء معناه بقى أثره. ومنه درس الكتاب ودرست العلم أى أى تناولت أثره بالحفظ. ولمّا كان تناول ذلك بمداومة القرآن عبّر عن إدامة القرآن بالدّرس. وقوله تعالى : (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ)(١) أى : جاريت أهل الكتاب فى القراءة (٢). وقيل : (دَرَسُوا ما فِيهِ)(٣) تركوا العمل به ، من قولهم : درس القوم المكان أى أبلوا أثره ، ودرست المرأة كناية عن حاضت ودرس البعير : صار فيه أثر الجرب.

* * *

والدّرك : اسم فى مقابلة الدّرج بمعنى : أنّ الدّرج مراتب اعتبارا بالصّعود ، والدّرك مراتب اعتبارا بالهبوط. ولهذا عبّروا عن منازل الجنّة بالدّرجات ، وعن منازل جهنّم بالدّركات. وكذلك بتصوّر (٤) الحدور فى النّار سمّيت هاوية. والدّرك أقصى قعر البحر (٥). ويقال للحبل الّذى (يوصل به حبل آخر (٦) ليدرك الماء : درك ، ولما يلحق الإنسان من تبعة : درك كالّذى فى البيع. قال تعالى : (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى)(٧). وأدرك :

__________________

(١) الآية ١٠٥ سورة الانعام.

(٢) عبارة الراغب : «وقرئ (دارست) أى جاريت أهل الكتاب» فجعل هذا المعنى للقراءة الاخرى.

(٣) الآية ١٦٩ سورة الاعراف.

(٤) فى الراغب : «لتصور».

(٥) فى القاموس : «الشىء» وفى الشرح : «زاد فى التهذيب : كالبحر ونحوه».

(٦) ظاهر هذا أن الدرك الحبل الكبير الذى يوصل به حبل آخر. وعبارة القاموس : «حبل يوثق فى طرف الحبل الكبير ليكون هو الذى يلى الماء» وصحة العبارة هنا أن يقال : يوصل بحبل آخر. وقد تبع عبارة الراغب.

(٧) الآية ٧٧ سورة طه والمعروف أن الدرك فى الآية الادراك واللحاق لا التبعة.

٥٩٤

بلغ علمه أقصى الشىء. ومنه المدركات الخمس والمدارك الخمس يعنى الحواسّ كالسّمع والبصر والشمّ والذّوق واللّمس. وأدرك الصّبىّ : بلغ أقصى غاية الصبا وذلك حين البلوغ. والتدارك : إدراك الغائب ، والاستدراك : إصلاح الخطأ ، قال :

تداركنى من عثرة الدّهر قاسم

بما شاء من معروفه المتدارك

وقال تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)(١) منهم من حمل ذلك على البصر الّذى هو الجارحة ، ومنهم من حمله على البصيرة منبّها على قول الصّديق : يا من غاية معرفته القصور عن معرفته ، إذ كان غاية معرفته تعالى أن تعرف الأشياء فتعلم أنّه ليس بشيء منه ولا بمثله بل هو موجد كلّ ما أدركته. والتدارك فى الإغاثة والنّعمة أكثر.

وقوله تعالى : (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً)(٢) أى لحق كلّ بالآخر. وقال : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ)(٣) أى تدارك ، فأدغمت الدّال فى التّاء وتوصّل إلى السّكون بألف الوصل. وقرئ (بل أدرك علمهم) (٤) قال الحسن : معناه جهلوا أمر الآخرة ، وحقيقته : انتهى علمهم فى لحوق الآخرة فجهلوها وقيل : معناه : بل يدرك علمهم ذلك فى الآخرة ، أى إذا حصلوا فى الآخرة ؛ لأنّ ما يكون ظنونا فى الدّنيا فهو فى الآخرة يقين.

وقد ورد الإدراك فى القرآن على وجوه. كقوله تعالى لموسى عليه‌السلام

__________________

(١) الآية ١٠٣ سورة الانعام.

(٢) الآية ٣٨ سورة الاعراف.

(٣) الآية ٦٦ سورة النمل.

(٤) هى قراءة غير نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائى وخلف ، كما فى الاتحاف

٥٩٥

(لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى)(١)(قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)(٢) وبلوغ فرعون الغرق (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ)(٣) وبمعنى منازل أهل النّار (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)(٤) وبمعنى أنّ الكفّار كانوا فى تشارك الشّكّ ولم يكن لعلمهم رسوخ بتحقّق القيامة (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ)(٥) وبمعنى أنّهم فى دخول النّار يلحق آخرهم أولهم (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً)(٦) وبمعنى أنّ الأفهام والأوهام والأبصار والبصائر لا تطّلع على حقيقة الذّات المقدّسة ، تعالى عن ذلك (٧)

__________________

(١) الآية ٧٧ سورة طه ولم يبين المعنى فى هذه الآية وما بعدها. ويظهر أن فى الكلام سقطا.

(٢) الآية ٦١ سورة الشعراء.

(٣) الآية ٩٠ سورة يونس.

(٤) الآية ١٤٥ سورة النساء.

(٥) الآية ٦٦ سورة النمل.

(٦) الآية ٣٨ سورة الاعراف.

(٧) من ذلك قوله تعالى : «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ».

٥٩٦

٩ ـ بصيرة فى الدرى والدرء

يقال دريته ودريت به أدرى دريا ودرية ودريا ودرية ودريانا ودريّا كحلىّ أى علمته. وقيل : علمته بضرب من الحيلة ، وادّريت بمعناه. قال الشاعر (١) :

وما ذا تدّرى الشعراء منّى

وقد جاوزت حدّ الأربعين

وأدراه به : أعلمه. ودرى الصيد دريا : ختله وكذا تدرّاه وادّراه. ودرى رأسه : حكّه بالمدرى.

وكلّ موضع فى القرآن (وَما أَدْراكَ) فقد عقّب ببيانه ؛ نحو قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ. نارٌ حامِيَةٌ)(٢) ، وكل موضع ذكر بلفظ (وَما يُدْرِيكَ) لم يعقّب ببيانه ، نحو قوله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)(٣) والدّراية لا يستعمل فى حق الله تعالى. وأمّا قول الشاعر :

* لا همّ لا أدرى وأنت الدارى*

فمن تعجرف أجلاف العرب.

* * *

والدرء بالهمز : الدفع إلى أحد الجانبين ، يقال : قوّمت درأه ؛ ودرأت عنه درءا ودرأة : دفعت عن جانبيه. ورجل ذو تدرأ وتدرأة : ذو عزّ ومنعة

__________________

(١) هو سحيم بن وثيل الرياحى التميمى والرواية المشهورة : «تبتغى» فى مكان «تدرى» وانظر الكامل مع رغبة الآمل ٣ / ٣٦.

(٢) الآيتان ١٠ ، ١١ سورة القارعة.

(٣) الآية ١٧ سورة الشورى.

٥٩٧

قوى على دفع أعدائه. ودارأته : دافعته ولاينته. وفى حديث : «ادرءوا (١) الحدود بالشّبهات» وفيه تنبيه على تطلب حيلة يدفع بها الحدّ.

وقوله تعالى : (فَادَّارَأْتُمْ فِيها)(٢) هو تفاعلتم ، فأدغم التاء فى الدّال واجتلب ألف الوصل كما تقدّم فى ادّارك. وقال بعض العلماء : ادّارأتم : افتعلتم. وهو غلط من أوجه :

الأوّل : أنّ ادّرأتم على ثمانية أحرف وافتعلتم على سبعة أحرف.

الثّانى : أنّ الّذى يلى ألف الوصل تاء (٣) فجعلها دالا.

الثالث : أنّ الذى يلى التاء (٤) دال فجعلها تاء.

الرّابع : أن الفعل الصّحيح العين لا يكون ما بعد تاء الافتعال منه إلّا متحرّكا وقد جعله هاهنا ساكنا.

الخامس : أنّ هاهنا قد دخل بين (٥) التاء والدّال زائد وفى افتعلت (٦) لا يدخل ذلك.

السادس : أنّه أنزل (٧) الألف منزلة العين وليست بعين.

السّابع : أن افتعل قبل تائه حرفان وبعده حرفان ، وادّارأتم بعد التاء ثلاثة أحرف.

__________________

(١) ورد فى الجامع الصغير عن ابن عباس مرفوعا.

(٢) الآية ٧٢ سورة البقرة.

(٣) اى فى ادرأتم على أن أصلها : تداراتم.

(٤) أى أن أصلها : تدارأتم ، كما سبق.

(٥) كذا فى الراغب. وكأن الصواب : «بعد» فان الزائد ـ وهو الألف ـ بعد التاء والدال.

(٦) فى هامش ب : «افتعلتم».

(٧) فى الاصلين : «أبدل الالف وترك» وما أثبت من الراغب.

٥٩٨

١٠ ـ بصيرة فى الدس والدسر والدسى

الدّسّ : إدخال شىء فى شىء بضرب من الإكراه فى إخفاء. يقال : دسسته فدسّ (١). قال تعالى (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ)(٢).

* * *

والدّسر الدّفع الشّديد ، تقول : دسرت المسمار أدسره دسرا ، وهو أن تدخله فى الشىء بقوّة. والدّسار : المسمار ، والجمع دسر ودسر مثال ظفر وظفر ، وقيل الدّسر : خيوط تشدّ بها ألواح السّفينة. وبكليهما فسّر قوله تعالى : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ)(٣) وقيل : الدسر : خرز السفينة ، وقيل : هى (٤) السّفن بعينها تدسر الماء. والدّسراء أيضا : السّفينة. والدّوسر : الأسد الصّلب الموثّق ، الخلق قال :

* عبل الذراعين شديد دوسر*

وقوله تعالى : (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها)(٥) أى دسّسها (٦) فأبدل من إحدى السّينين ياء ؛ نحو تظنّيت وأصله تظنّنت.

* * *

والدّعّ : الدّفع الشديد قال تعالى : (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ)(٧)

__________________

(١) كذا فى الراغب. والاولى : «فاندس».

(٢) الآية ٥٩ سورة النحل.

(٣) الآية ١٣ سورة القمر.

(٤) أى الدسر بضم الدال والسين ، وعلى هذا المعنى فقوله (دُسُرٍ) عطف على (ذاتِ أَلْواحٍ).

(٥) الآية ١٠ سورة الشمس.

(٦) أى أخفاها اخفاء فضائلها وابداء مساوئها من ذميم الخصال ومنها الكفر.

(٧) الآية ٢ سورة الماعون.

٥٩٩

١١ ـ بصيرة فى الدعاء والدفع والدفق (*)

الدّعاء : الرّغبة إلى الله تعالى. وقد دعا يدعو دعاء ودعوى ، والدعاء كالنداء أيضا ، لكن النداء قد يقال إذا قيل يا وأيا ونحو ذلك من غير أن يضمّ إليه الاسم ، والدّعاء لا يكاد يقال إلّا إذا كان معه الاسم نحو يا فلان ، وقد يستعمل كلّ واحد منهما موضع الآخر. ويستعمل (١) أيضا استعمال التّسمية نحو : دعوت ابنى زيدا ، أى سمّيته. قال الله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً)(٢). حثّا على تعظيمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وذلك مخاطبة لمن يقول : يا محمد. ودعوته : إذا سألته ، وإذا استغثته. قال الله تعالى : (أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ)(٣) تنبيها أنّكم إذا أصابتكم شدّة لم تفزعوا إلّا إليه. وقوله : (وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً)(٤) وهو أن يقول : يا لهفاه وا حسرتاه ونحو ذلك من ألفاظ التّأسف. والمعنى : يحصل لكم غموم كثيرة. وقوله تعالى : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ)(٥) أى سله.

والدعاء إلى الشىء : الحثّ على قصده. وقوله (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ)(٦) أى رفعة وتنويه. (ولهم الدّعوة على غيرهم) أى يبدأ بهم فى الدّعاء. و (تداعوا عليهم تجمّعوا). والداعية : صريخ الخيل فى الحروب. ودعاه الله بمكروه : أنزله به. وادّعى كذا زعم أنّه له ، حقّا كان أو باطلا.

__________________

(*) يلاحظ أن المصنف لم يتكلم فى هذه البصيرة عن الدفع والدفق ، وتكلم عنهما فى البصيرة التالية. (التصحيح).

(١) أى الدعاء.

(٢) الآية ٦٣ سورة النور.

(٣) الآية ٤٠ سورة الانعام.

(٤) الآية ١٤ سورة الفرقان.

(٥) الآيات ٦٨ ـ ٧٠ سور البقرة.

(٦) الآية ٤٣ سورة غافر.

٦٠٠