بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

١٤ ـ بصيرة فى الخشع

والخشوع والاختشاع : الخضوع. وقيل : قريب من الخضوع. وقيل : الخضوع فى البدن والخشوع فى الصوت والبصر. والخشوع : السّكون والتذلّل والضراعة والسّكوت. وقيل : أكثر ما يستعمل فيما يوجد فى الجوارح ، والضّراعة أكثر ما يستعمل فيما يوجد فى القلب. وروى : إذا ضرع القلب خشع الجوارح.

وقوله تعالى : (تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً)(١) كناية عنها (٢) وتنبيها على تزعزعها. وقوله تعالى : (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ)(٣) أى خائفين منّا. وقوله : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ)(٤) أى المتواضعين. وقوله (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ)(٥) أى ذليلة. وقوله : (خاشِعَةًأَبْصارُهُمْ)(٦) و (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ)(٧) أى مطرقة فى نظرها.

وقوله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ (٨) لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) قال ابن مسعود : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلّا أربع سنين. وقال ابن عباس : إنّ الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن. وقال تعالى :

__________________

(١) الآية ٣٩ سورة فصلت.

(٢) فى الاصلين : «سكونها عنها وتنبيها على عدم ترعرعها* وما ثبت موافق لما فى الراغب. وقوله : «عنها» أى عن الضراعة.

(٣) الآية ٩٠ سورة الانبياء.

(٤) الآية ٤٥ سورة البقرة.

(٥) الآية ٢ سورة الغاشية.

(٦) الآية ٤٣ سورة القلم.

(٧) الآية ٧ سورة القمر.

(٨) الآية ١٦ سورة الحديد

٥٤١

(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ)(١) ، وقال تعالى : (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ)(٢) أى سكنت وذلت وخضعت. ورأى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا يعبث بلحيته فى الصّلاة فقال : «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» وكان بعض الصّحابة يقول : أعوذ بالله من خشوع النّفاق فقيل : ما خشوع النفاق؟ فقال : أن يرى البدن خاشعا والقلب غير خاشع. وقال حذيفة : أوّل ما تفقدون من دينكم الخشوع ، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيهم خاشعا. وقال سهل : من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان. قال عبد الله بن المعمار :

رقة فى الجنان فيها حياء

فيهما هيبة وذاك خشوع

ليس حال ولا مقام وإن فا

ضت عليه من العيون دموع

وقيل : الخشوع الاستسلام للحكمين ، أعنى الحكم الدّينىّ الشّرعىّ فيكون معناه عدم معارضته برأى أو غيره ، والحكم القدرىّ وهو عدم تلقّيه بالتسخط والكراهة والاعتراض ؛ والاتّضاع (٣) أعنى اتّضاع القلب والجوارح وانكسارها لنظر الرّبّ إليها واطّلاعه على تفاصيل ما فى القلب والجوارح. فخوف العبد فى هذا المقام يوجب خشوع القلب لا محالة. وكلّما كان أشدّ استحضارا له كان أشدّ خشوعا. وإنّما يفارق القلب الخشوع إذا غفل عن اطّلاع الله تعالى ونظره إليه.

__________________

(١) صدر سورة المؤمنين.

(٢) الآية ١٠٨ سورة طه.

(٣) معطوف على قوله : «الاستسلام».

٥٤٢

وممّا يورث الخشوع ترقّب آفات النفس والعمل ، ورؤية فضل كلّ ذى فضل عليك ، وتنسّم العناء ، يعنى انتظار ظهور نقائص نفسك وعملك وعيوبهما ؛ فإنّه يجعل القلب خاشعا لا محالة لمطالعة عيوب نفسه وأعمالها ونقائصها : من العجب والكبر والرّياء وضعف الصّدق وقلّة اليقين وتشتت النيّة وعدم إيقاع العمل على الوجه الّذى ترضاه لربّك وغير ذلك من عيوب النّفس. وأمّا رؤية فضل كلّ ذى فضل عليك فهو أن تراعى حقوق النّاس فتؤدّيها ولا ترى أنّ ما فعلوه معك من حقوقك عليهم فلا تعاوضهم عليها فإنّ ذلك من رعونات النّفس وحماقاتها ، ولا تطالبهم بحقوق نفسك فالعارف لا يرى له على أحد حقّا ، ولا يشهد له على غيره فضلا. فلذلك لا يعاقب ولا يطالب ولا يضارب.

٥٤٣

١٥ ـ بصيرة فى الخشية

وهى خوف يشوبه تعظيم. وأكثر [ما يكون](١) ذلك عن علم بما يخشى منه ، ولذلك خصّ العلماء بها فى قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(٢) وقوله (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ)(٣) أى ليستشعروا خوفا عن معرفة. وقوله (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ)(٤) أى لا تقتلوهم معتقدين لمخافة أن يلحقهم إملاق. وقوله : (لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ)(٥) اى لمن خاف خوفا اقتضاه معرفته بذلك عن نفسه. وقال تعالى : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)(٦).

ومدح الله تعالى أهله (٧)(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ (٨) مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ. أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) وعند الإمام أحمد فى مسنده ، وفى جامع الترمذى عن عائشة رضى الله عنها قالت قلت : يا رسول الله ، الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ، أهو الذى يسرق ويزنى ويشرب الخمر؟ قال : لا يا ابنة الصّدّيق ، ولكنه الرّجل يصلّى ويصوم ويتصدّق

__________________

(١) زيادة من الراغب.

(٢) الآية ٢٨ سورة فاطر.

(٣) الآية ٩ سورة النساء.

(٤) الآية ٣١ سورة الاسراء.

(٥) الآية ٢٥ سورة النساء.

(٦) الآية ٤٤ سورة المائدة

(٧) أى أهل الخشية ، وذكر الضمير باعتبار أنها مقام من مقامات الدين.

(٨) الآيات ٥٧ ـ ٦١ سورة المؤمنين.

٥٤٤

ويخاف ألا يقبل منه. قال الحسن رحمه‌الله : عملوا لله بالطّاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن تردّ عليهم. إنّ المؤمن جمع إيمانا وخشية ، والمنافق جمع إساءة وأمنا. والخشية والخوف والوجل والرّهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة.

فالخوف : توقّع العقوبة على مجارى الأنفاس ، قاله (١) جنيد. وقيل : اضطراب القلب وحركته من تذكّره المخوف. وقيل : الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره.

والخشية أخصّ من الخوف ؛ فإنّ الخشية للعلماء بالله تعالى كما تقدّم. فهى خوف مقرون بمعرفة. قال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إنّى أتقاكم لله وأشدّكم له خشية» فالخوف حركة ، والخشية انجماع (٢) وانقباض وسكون ، فإنّ الّذى يرى العدوّ والسّيل ونحو ذلك له حالتان : إحداهما حركة الهرب منه ، وهى حالة الخوف ، والثانية سكونه وقراره فى مكان لا يصل إليه وهى الخشية ، ومنه الخشّ : الشىء [الأخشن](٣) والمضاعف والمعتل أخوان ؛ كتقضّى البازى وتقضّض.

وأمّا الرّهبة فهى الإمعان فى الهرب من المكروه ، وهى ضدّ الرّغبة الّتى هى سفر القلب فى طلب المرغوب فيه. وبين الرّهب والهرب تناسب فى اللفظ

__________________

(١) انظر الرسالة القشيرية ٧٨

(٢) فى الاصلين : «الجماع» والمناسب ما أثبت. والانجماع : اعتزال الناس كأنه يجمع نفسه عنهم .. وهذه لفظة مولدة فيما أعلم.

(٣) زيادة من القاموس. ولا تظهر الصلة بين الخشية والخش بهذا المعنى. اللهم الا أن يقال : ان الاخشن كالمنجع المنقبض ينأى عن الناس وينأون عنه.

٥٤٥

والمعنى يجمعهما الاشتقاق الأوسط الّذى هو عقد تقاليب الكلمة على معنى جامع.

وأمّا الوجل فرجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته أو لرؤيته.

وأمّا الهيبة فخوف مقارن للتعظيم والإجلال. وأكثر ما يكون مع المحبة والإجلال.

فالخوف لعامّة المؤمنين ، والخشية للعلماء العارفين ، والهيبة للمحبّين ، والوجل للمقرّبين. وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخشية ، كما قال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إنى لأعلمكم بالله وأشدّكم له خشية» وقال : «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ، ولما تلذّذتم بالنّساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله تعالى (١)» فصاحب الخوف يلتجئ إلى الهرب والإمساك (٢) ، وصاحب الخشية إلى الاعتصام بالعلم ، ومثلهما كمثل من لا علم له بالطّب ومثل الطّبيب الحاذق. فالأوّل يلتجئ إلى الحمية والهرب ، والطّبيب يلتجئ إلى معرفته بالأدوية والأدواء. وكلّ واحد إذا خفته هربت منه ، إلا الله ، فإنك إذا خفته هربت إليه. فالخائف هارب من ربّه إلى ربه.

__________________

(١) ورد فى الجامع الصغير ، وليس فيه : «ولما تلذذتم بالنساء على الفرش» والصعدات جمع الصعد وهو جمع الصعيد للطريق.

(٢) كذا. وكأن المراد به الامساك عما يوجب الخوف. وقد يكون محرفا عن «الانسلال»

٥٤٦

١٦ ـ بصيرة فى الخصوص والخصف والخصم

الخصوص : التفرّد ببعض الشىء ممّا لا يشاركه فيه الجملة ، وذلك خلاف العموم. خصّه بالشّىء خصّا وخصوصا وخصوصيّة وخصّيصى وخصّيصاء وخصّيّة وتخصّة : فضّله به وميّزه. قال تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)(١) أى بل تعمّكم.

* * *

والخصف مصدر خصف الورق على بدنه خصفا أى ألزقها وأطبقها عليه ورقة ورقة. قال الله تعالى : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)(٢) أى يجعلان عليهما خصفة وهى الجلّة (٣) تعمل من الخوص للتمر.

* * *

والخصم مصدر خصمته أى نازعته. والخصم : المخاصم المنازع ، والجمع خصوم وخصام وأخصام. وقد يكون للاثنين والجمع والمذكّر والمؤنّث. قال تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا)(٤) أى فريقان. والخصيم : الخصم الكثير المخاصمة ، والجمع خصماء وخصمان. والخصم ـ بالضّمّ ـ الجانب والزاوية. وأصل المخاصمة أن يتعلّق كلّ واحد بخصم الآخر أى بجانبه وان يجذب كلّ واحد خصم الجوالق من جانبه.

__________________

(١) الآية ٢٥ سورة الأنفال.

(٢) الآية ٢٢ سورة الاعراف والآية ١٢١ سورة طه

(٣) عبارة الراغب : «وهى أوراق. ومنه قيل لجلة التمر خصفة» وهى ظاهرة.

(٤) الآية ١٩ سورة الحج.

٥٤٧

١٧ ـ بصيرة فى الخضد والخضر

الخضد : الكسر. وأكثر ما يستعمل فى الشىء اللّيّن قال : (فِي سِدْرٍ (١) مَخْضُودٍ) أى مكسور الشّوك. خضدته فانخضد فهو مخضود. والخضد ـ محرّكة ـ : المخضود ، كالنقض (٢) والمنقوض.

* * *

والخضرة : لون الأخضر وهى بين البياض والسّواد : قال تعالى : (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً)(٣) جمع أخضر. والخضرة فى ألوان الإبل والخيل : غبرة تخالطها دهمة ، وفى ألوان النّاس : السمرة. والأخضر لقب الفضل ابن العبّاس بن عتبة بن أبى لهب. قال (٤) :

وأنا الأخضر من يعرفنى

أخضر الجلدة فى بيت العرب

من يساجلنى يساجل ماجدا

يملأ الدلو إلى عقد الكرب

وربما سموا الأسود أخضر ، ويسمّى الليل أخضر لسواده.

وقول أهل التفسير فى قوله تعالى : (مُدْهامَّتانِ)(٥) : خضراوان ؛ لأنهما تضربان إلى السواد من شدّة الرىّ. وذكر علماء أهل الكتاب أن الخضر

__________________

(١) الآية ٢٨ سورة الواقعة.

(٢) ب : «فى».

(٣) الآية ٣١ سورة الكهف.

(٤) أراد بالخضرة أى السمرة خلوص نسبه وأنه عربى محض ، فان ألوان العرب السمرة ، ويوصف العجم بالحمرة. والمساجلة : المفاخرة. والكرب : الحبل يشد فى وسط عراقى. الدلو. والعراقى جمع عرقوه. وعرقوتا الدلو : خشبتان يعرضان عليها كالصليب وانظر الاغانى ١٦ / ١٧٢

(٥) الآية ٦٤ سورة الرحمن

٥٤٨

سمّى خضرا لأنّه كان إذا قعد فى موضع قام عنه وتحته روضة تهتزّ ، قاله ابن دريد. وكان فى غنى عن ذكر أهل الكتاب بما صحّ عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «إنما (١) سمّى الخضر لأنّه جلس على فروة بيضاء فاهتزّت تحته خضراء» ويقال فيه الخضر بالكسر أيضا.

وقوله تعالى : (فَأَخْرَجْنا (٢) مِنْهُ خَضِراً) قال الأخفش : يريد الأخضر ، أى ورقا أخضر. ويقال : أخضر وخضر : كما يقال : أعور وعور. وكلّ شىء ناعم فهو خضر. يقال : أخذ الشّىء خضرا مضرا أى غضّا طريّا ، وخذه (٣) خضرا مضرا أى هنيئا مريئا.

__________________

(١) فى التاج أنه حديث مرفوع ، ولم يذكر تخريجه.

(٢) الآية ٩٩ سورة الانعام.

(٣) فى الاصلين : «خذ لك». وفى القاموس : «هو لك».

٥٤٩

١٨ ـ بصيرة فى الخضوع والخط والخطب

الخضوع : التّطامن والتّواضع والسّكون والتسكين والدّعوة إلى السّوء (١) وخضع النجم : مال للغروب. وخضعت (٢) الإبل جدّت (٣) فى السّير.

والخط : الكتب : (وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ)(٤) والخطّ : المدّ. ويقال لما له طول. والخطوط أضرب فيما يذكره أهل الهندسة من مبطوح [ومسطح](٥) ومستدير ومقوّس وممال. ويعبّر عن كلّ أرض فيها طول بالخطّ كخطّ اليمن ، وإليه ينسب الرّمح الخطّىّ. (وكلّ) (٦) مكان يخطّه الإنسان لنفسه ويحصره يقال له خطّ وخطّة.

والخطب (٧) والمخاطبة والتخاطب : المراجعة فى الكلام. ومنه الخطبة والخطبة ، لكن بالضمّ يختصّ بالموعظة ، وبالكسر يختصّ بطلب المرأة. وأصل الخطبة الحالة الّتى عليها الإنسان إذا خطب ، نحو الجلسة والقعدة. ويقال من (٨) الخطبة : خاطب وخطيب ، ومن الخطبة : خاطب لا غير. والفعل منهما خطب كنصر. وفصل الخطاب : ما ينفصل به الأمر من الخطاب.

__________________

(١) فى شرح القاموس : «كذا فى النسخ. وصوابه : السوءة». والسوء : الشر ، والسوءة : الخلة القبيحة. وقد يكون السوء غير مستقبح.

(٢) فى الاصلين : «خضع» و «جد».

(٣) الآية ٤٨ سورة العنكبوت.

(٤) زيادة من الراغب.

(٥) فى الاصلين : «فكل» وما أثبت من الراغب.

(٦) الخطب : الشأن والامر ولا يظهر فيه معنى المراجعة. وفى التاج اقتصر على معنى المراجعة على المخاطبة والخطاب.

(٧) ب : «فى»

٥٥٠

١٩ ـ بصيرة فى الخطف والخطأ

خطف الشىء كعلم ، وضرب لغة قليلة أو رديئة : استلبه بسرعة. والخاطف : الذّئب. وخاطف ظلّه : طائر إذا رأى ظلّه فى الماء أقبل ليخطفه.

وقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ)(١) وصف للشّياطين المسترقة للسّمع. وقوله : (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)(٢) أى يقتلون ويسلبون.

والخطّاف للطّائر (٣) الذى كأنه يخطف شيئا فى طيرانه ، ولما يخرج به الدّلو من البئر فإنّه يتخطّفه. والخيطف : سرعة انجذاب السير. وأخطف الحشى ومخطفه كأنّه اختطف حشاه لضموره.

* * *

والخطأ : العدول عن الجهة. وذلك أضرب :

أحدها : أن يريد غير ما يحسن فعله وإرادته فيفعله. وهذا هو الخطأ التّامّ المأخوذ به الإنسان ، ويقال فيه خطئ يخطأ خطأ وخطأ.

والثّانى : أن يريد ما يحسن فعله ، ولكن يقع منه بخلاف ما يريد ، فيقال : أخطأ إخطاء (٤) فهو مخطئ. وهذا قد أصاب فى الإرادة وأخطأ فى الفعل ، وهذا هو المعنىّ بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رفع عن أمتى الخطأ والنّسيان» وبقوله : «من اجتهد فأخطأ فله أجر (٥)».

__________________

(١) الآية ١٠ سورة الصافات.

(٢) الآية ٦٧ سورة العنكبوت.

(٣) فى الاصلين : «الطائر» وما أثبت من الراغب.

(٤) فى الأصلين : «خطأ» وما أثبت من القاموس.

(٥) فى تيسير الوصول فى كتاب القضاء : اذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وان أخطأ فله أجر ، اخرجه الشيخان وابو داود.

٥٥١

والثالث : أن يريد ما لا يحسن فعله ويتفق منه خلافه ، فهذا مخطئ فى الإرادة ومصيب فى الفعل ، فهو مذموم لقصده ، غير محمود بفعله. وهذا المعنى هو الذى أراد الشاعر بقوله :

أردت مساءتى فاجتررت مسرّتى

وقد يحسن الإنسان من حيث لا يدرى

وجملة الأمر [أنّ](١) من أراد شيئا واتفق منه غيره يقال : أخطأ ، وإن وقع منه كما أراده يقال : أصاب. وقد يقال لمن فعل فعلا لا يحسن ، أو أراد إرادة لا تجمل : إنه أخطأ ، ولهذا يقال : أصاب الخطأ ، وأخطأ الصواب ، وأصاب الصّواب وأخطأ الخطأ. وهذه اللّفظة مشتركة كما يرى ، متردّدة بين معان يجب لمن يتحرّى الحقائق أن يتأمّلها.

وقوله تعالى : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ)(٢) فالخطيئة والسيّئة يتقاربان ، لكن الخطيئة أكثر ما يقال فيما لا يكون مقصودا إليه فى نفسه ، بل يكون القصد شيئا يولّد ذلك الفعل ، كمن يرمى صيدا فأصاب إنسانا ، أو شرب مسكرا فجنى جناية فى سكره. ثمّ السّبب سببان : سبب محظور فعله كشرب المسكر ، وما يتولّد من الخطإ عنه غير متجافى عنه ؛ [وسبب غير محظور ، كرمى الصيد. والخطأ الحاصل عنه متجافى عنه](٣). قال تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)(٤) وقوله : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً)(٥) فالخطيئة (هى التى (٦) لا تكون عن قصد إلى فعله ،

__________________

(١) زيادة من الراغب

(٢) الآية ٨١ سورة البقرة.

(٣) زيادة من الراغب

(٤) الآية ٥ سورة الاحزاب.

(٥) الآية ١١٢ سورة النساء.

(٦) فى الاصلين : «هاهنا» وما أثبت من الراغب.

٥٥٢

والجمع (١) الخطيئات والخطايا. وقوله : (نَغْفِرْ لَكُمْ)(٢)(خَطاياكُمْ) هى المقصود [إليها](٣) والخاطئ هو القاصد الذّنب. وعلى ذلك قوله : (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ)(٤).

وقد يسمّى الذّنب خاطئة (٥) فى قوله تعالى : (وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ)(٦) أى الذّنب العظيم. وذلك نحو قولهم : شعر شاعر. وأمّا ما لم يكن مقصودا فقد ذكر النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه متجاوز عنه.

* * *

وأمّا الخطو ـ بالواو ـ فهو المشى ، خطا خطوا واختطى واختاط على القلب : مشى. والخطوة ـ بالضّمّ وقد يفتح ـ : مسافة ما بين القدمين. والجمع خطا وخطوات بضمّتين. والخطوة بالفتح : المرّة. والجمع خطوات.

وقوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعُوا (٧) خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أى لا تتبعوه.

__________________

(١) كذا فى ب والراغب. وفى ا : «الجميع»

(٢) الآية ٥٨ سورة البقرة.

(٣) زيادة من الراغب.

(٤) الآية ٣٧ سورة الحاقة.

(٥) فى الاصلين : «خطيئة».

(٦) الآية ٩ سورة الحاقة.

(٧) الآية ١٦٨ سورة البقرة وورد فى آيات أخر.

٥٥٣

٢٠ ـ بصيرة فى الخفيف والخفض والخفى

الخفّ ـ بالكسر ـ والخفيف : ضدّ الثقيل. ويقال تارة باعتبار المضايفة بالوزن وقياس شيئين أحدهما بالآخر ، نحو : درهم خفيف ودرهم ثقيل ، وتارة باعتبار مضايفة الزّمان نحو فرس خفيف وفرس ثقيل إذا عدا أحدهما أكثر من الآخر فى زمان واحد ، وتارة يقال : خفيف فيما يستحليه النّاس ، وثقيل فيما يستوخمونه ، فيكون الخفيف مدحا والثّقيل ذمّا. ومنه قوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ)(١) والظّاهر أنّ قوله : (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً)(٢) من هذا النّمط. وتارة يقال : خفيف فيمن فيه طيش ، وثقيل فيمن فيه وقار ، فيكون الخفيف ذمّا والثّقيل مدحا. وتارة يقال : خفيف فى الأجسام الّتى من شأنها أن ترجحنّ (٣) إلى أعلى كالنار والهواء ، والثّقيل فى الأجسام الّتى من شأنها أن ترجحن إلى الأسفل كالأرض والماء.

وقد خفّ يخفّ خفّا وخفّة ، وخفّفه تخفيفا ، وتخفّف تخفّفا ، واستخفّه ضدّ استثقله. واستخفّ فلانا عن رأيه حمله على الجهل والخفّة. وقوله تعالى : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ)(٤) أى حملهم على أن يخفّوا معه ، أو وجدهم خفافا فى أبدانهم وعزائمهم. وقيل : معناه : وجدهم طائشين. وقوله تعالى : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ ... وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ)(٥) فإشارة إلى كثرة الأعمال

__________________

(١) الآية ٦٦ سورة الانفال.

(٢) الآية ١٨٩ سورة الاعراف.

(٣) أى تميل.

(٤) الآية ٥٤ سورة الزخرف.

(٥) الآيتان ٨ ، ٩ سورة الاعراف ، والآيتان ١٠٢ ، ١٠٣ سورة المؤمنين.

٥٥٤

الصّالحة وقلّتها وقوله : (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)(١) أى لا يزعجنّك ولا يزيلنّك عن اعتقادك بما يوقعون من الشّبه. وخفّوا من منازلهم : ارتحلوا عنها فى خفّة.

* * *

والخفض : ضدّ الرّفع. والخفض : الدّعة ، ومنه عيش خافض. والخفض : السّير اللّيّن. والخفض : الإقامة ، خفض بالمكان أقام.

وقوله تعالى : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)(٢) حثّ على تليين الجانب والانقياد ، كأنّه ضدّ قوله (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ)(٣) وقوله : (خافِضَةٌ رافِعَةٌ)(٤) أى ترفع أقواما إلى الجنّة وتخفض آخرين إلى النّار ، وهى إشارة إلى قوله تعالى : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ)(٥).

* * *

والخفية : الاستتار ، وقد خفى خفية وخفاء فهو خاف وخفىّ. وخفاه هو وأخفاه : ستره وكتمه. والخافية : ضدّ العلانية. وخفاه يخفيه خفيا وخفيّا : أظهره واستخرجه ، كأنّه من الأضداد.

وقوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها)(٦) وقال : (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ)(٧).

__________________

(١) الآية ٦٠ سورة الروم.

(٢) الآية ٢٤ سورة الاسراء.

(٣) الآية ١٩ سورة الدخان.

(٤) الآية ٣ سورة الواقعة.

(٥) الآية ٥ سورة التين.

(٦) الآية ٢٧١ سورة البقرة.

(٧) صدر سورة الممتحنة.

٥٥٥

٢١ ـ بصيرة فى الخلل

وهو ضدّ الفرجة بين الشّيئين ، وجمعه خلال. نحو خلل الدّار والسّحاب وغيره.

وقوله تعالى : (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ)(١) وقوله (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ)(٢) أى سعوا نحوكم (٣) [و] وسطكم بالنميمة والفساد. والخلل فى الأمر كالوهن تشبيها بخلل (٤) الدّيار. والخلّة ـ بالفتح ـ الحاجة والخصلة والفقر والخصاصة. خلّ الرّجل وأخلّ به (٥) : احتاج ، ورجل مخلّ ومختلّ وخليل وأخل : معدم فقير. واختلّ إليه : احتاج. والخلّة ـ بالضمّ ـ : الصّداقة المختصّة الّتى لا خلل فيها تكون فى عفاف الحبّ ودعارته. والجمع خلال. وهى الخلالة أيضا ـ بتثليث الخاء ـ والخلولة أيضا بالضمّ. وقد خالّه مخالّة وخلالا ، وإنه لكريم الخلّ والخلّة ـ بكسرهما ـ أى المصادقة والإخاء. والخلّ ـ بالكسر والضّمّ ـ : الصّديق المختصّ ، والجمع أخلال. والخليل : من أصفى المودّة وأصحّها ، وهى بهاء ، جمعها خليلات.

وقوله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً)(٦) قيل سمّاه بذلك لافتقاره إليه تعالى فى كلّ حال ، وهو الافتقار المعنىّ بقوله (إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَ (٧)

__________________

(١) الآية ٥ سورة الاسراء.

(٢) الآية ٤٧ سورة التوبة.

(٣) سقط فى الراغب.

(٤) فى الراغب : «بالفرجة الواقعة بين الشيئين»

(٥) سقط فى القاموس ، وجاء فى مستدرك التاج. والمناسب لقوله : «رجل مخل» سقوط هذه العبارة.

(٦) الآية ١٢٥ سورة النساء.

(٧) الآية ٢٤ سورة القصص.

٥٥٦

مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) وعلى هذا الوجه قيل : اللهمّ أغننى بالافتقار إليك ، ولا تفقرنى بالاستغناء عنك. قال أبو القاسم (١) ، هو من الخلّة لا من الخلّة. قال : ومن قاسه بالحبيب فقد أخطأ لأنّ الله تعالى يجوز أن يحبّ عبده فإنّ المحبّة منه الثناء ولا يجوز أن يخالّه. وهذا القول منه تشهّ ليس بشيء ، والصّواب الّذى لا محيد عنه إن شاء الله أنّه من الخلّة وهى المحبّة التى قد تخلّلت روح المحبّ وقلبه حتى لم يبق فيه موضع لغير محبوبه ، كما قيل :

قد تخلّلت مسلك الروح منى

وبذا (٢) سمّى الخليل خليلا

وهذا هو السّر الذى لأجله ـ والله أعلم ـ أمر الخليل بذبح ولده وثمرة فؤاده وفلذة كبده ، لأنّه لمّا سأل من الله الولد وأعطاه تعلّقت به شعبة من قلبه ، والخلّة منصب لا يقبل الشركة والقسمة ، فغار الخليل على خليله أن يكون فى قلبه موضع لغيره ، فأمره بذبح الولد ليخرج المزاحم من قلبه ، فلمّا وطّن نفسه على ذلك وعزم عليه عزما جازما حصل مقصود الآمر ، فلم يبق فى ذبح الولد مصلحة ، فحال بينه وبينه وفداه بالذّبح العظيم ، وقيل له : (يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا)(٣) أى عملت عمل المصدّق (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)(٤) من بادر إلى طاعتنا أقررنا عينه كما قرّت عيناك بامتثال أوامرنا وإبقاء الولد وسلامته (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ)(٥) وهو اختيار المحبوب محبّه وامتحانه إيّاه ليؤثر مرضاته فيتمّ نعمته عليه ، فهو بلاء محنة ومنحة معا.

__________________

(١) هو أبو القاسم البلخى ، كما فى الراغب.

(٢) فى الراغب : «به».

(٣) الآيات ١٠٤ ـ ١٠٦ سورة الصافات

(٤) الآيات ١٠٤ ـ ١٠٦ سورة الصافات

(٥) الآيات ١٠٤ ـ ١٠٦ سورة الصافات

٥٥٧

والخلّة آخر درجات الحبّ وخاتمة أقسامه العشرة الّتى أوّلها العلاقة ، وثانيها الإرادة ، وثالثها الصبابة ، ورابعها الغرام ، وخامسها الوداد ، وسادسها الشّغف ، وسابعها العشق ، وثامنها التتيّم ، وتاسعها التعبّد. فحقيقة العبوديّة الحبّ التّامّ مع الذلّ التامّ والخضوع للمحبوب. وعاشرها الخلّة الّتى انفرد بها الخليلان إبراهيم ومحمّد عليهما‌السلام كما صحّ عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إنّ الله (١) تعالى اتّخذنى خليلا كما اتّخذ ابراهيم خليلا» وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو كنت (٢) متّخذا خليلا غير ربّى لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم» والحديثان فى الصّحيحين ، وهما يبطلان قول من قال : الخلّة لإبراهيم والمحبّة لمحمّد عليهما‌السلام فإبراهيم خليله ومحمّد حبيبه.

وقوله تعالى : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ)(٣) أى لا يمكن فى القيامة ابتياع حسنة ولا اجتلابها بمودّة. وذلك إشارة إلى قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)(٤) وقوله : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ)(٥) فقد قيل : هو مصدر من خاللت ، وقيل : هو جمع. يقال خليل وأخلّة وخلال ، والمعنى كالأول.

__________________

(١) من حديث جاء فى الجامع الصغير عن الطبرانى.

(٢) ورد فى الجامع الصغير عن مسند أحمد وعن البخارى.

(٣) الآية ٢٥٤ سورة البقرة.

(٤) الآية ٣٩ سورة النجم.

(٥) الآية ٣١ سورة ابراهيم.

٥٥٨

٢٢ ـ بصيرة فى الخلود والخلوص والخلط والخلع

الخلود هو تبرّؤ الشىء من اعتراض الفساد ، وبقاؤه على الحالة الّتى هى عليه. وكلّ ما يتباطأ عنه التغيير والفساد يصفه العرب بالخلود كقولهم للأثافىّ (١) : خوالد. وذلك لطول [مكثها](٢) لا لدوام بقائها. يقال : خلد يخلد خلودا. والخلد ـ بالتّحريك ـ : اسم (٣) للجزء الّذى يبقى من الإنسان على حالته فلا يستحيل ما دام الإنسان حيّا استحالة سائر أجزائه. وأصل المخلّد الذى يبقى مدّة طويلة. ومنه رجل مخلّد لمن أبطأ عنه الشّيب ثمّ استعير للمبقى دائما.

والخلود فى الجنّة : بقاء الأشياء على الحالة التى هى عليها من غير اعتراض الكون والفساد عليها ، قال تعالى : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ)(٤) أى مبقّون بحالتهم لا يعتريهم استحالة. وقيل : مقرّطون بخلدة. والخلدة : ضرب من القرطة (٥). وإخلاد الشىء : جعله مبقّى أو الحكم بكونه مبقّى. وعلى هذا قوله تعالى : (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ)(٦) أى ركن إليها ظانّا أنّه يخلد فيها.

__________________

(١) فى الاصلين تبعا لنسخة سقيمة من الراغب : «الايام» والصواب ما أثبت تبعا لنسخة صحيحة فى الراغب. والاثافى : الحجارة توضع عليها القدر.

(٢) زيادة من الراغب.

(٣) تبع فى هذا الراغب. ولم أجد هذا المعنى فيما وقفت عليه فى كتب اللغة. والخلد فى القاموس : البال والقلب والنفس.

(٤) الآية ١٧ سورة الواقعة.

(٥) جمع قرط ، وهو ما يعلق من الحلى فى شحمة الاذن.

(٦) الآية ١٧٦ سورة الأعراف. والاخلاد فى الآية من اللازم ، وقد جعله تبعا للراغب من المتعدى. وكان المراد : أخلد نفسه فى ظنه واعتقاده ، كما يشير اليه كلامه ، فكأن المفعول محذوف.

٥٥٩

والخالص الصّافى الذى زال عنه شوبه الّذى كان فيه.

وقوله (خَلَصُوا نَجِيًّا)(١) أى انفردوا خالصين من غيرهم. وقوله (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ)(٢) اخلاص المسلمين أنّهم تبرّءوا ممّا يدّعيه اليهود من التشبيه ، والنّصارى من التّثليث ، فحقيقة الإخلاص التبرّى (٣) من دون الله.

والخلط : الجمع بين أجزاء الشيئين فصاعدا ، سواء كانا مائعين أو جامدين ، أو أحدهما مائعا والآخر جامدا. وهو أعمّ من المزج. قال تعالى : (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ)(٤) ويقال للصّديق والمجاور والشريك : خليط. والخليطان (٥) فى الفقه من ذلك ، وجمعه خلطاء. قال تعالى : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ)(٦). وقوله تعالى : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً)(٧) أى يتعاطون هذا مرّة وهذا مرّة.

والخلع : النّزع. خلع زيد ثوبه. والفرس جلّه وعذاره.

وقوله (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ)(٨) قيل هو على الظّاهر لأنّه كان من جلد حمار ميّت. وقال بعض الصّوفية : هذا مثل ، وهو أمر بالإقامة والتمكّن كقولك لمن رمت أن يتمكّن : انزع ثوبك وخفّك ونحو ذلك. وإذا قيل : خلع فلان على فلان كان معناه : أعطاه ثوبا. واستفيد معنى العطاء من هذه اللفظة بأن وصل به لفظة (على) لا من مجرّد الخلع.

__________________

(١) الآية ٨٠ سورة يوسف.

(٢) الآية ١٣٩ سورة البقرة.

(٣) كذا. وأصله : التبرؤ.

(٤) الآية ٤٥ سورة الكهف.

(٥) هما اللذان خلطا ماشيتهما فاشتركت فى المسرح والمراح على ما هو مفصل فى الفقه ، وهما يزكيان زكاة الواحد.

(٦) الآية ٢٤ سورة ص.

(٧) الآية ١٠٢ سورة التوبة.

(٨) الآية ١٢ سورة طه.

٥٦٠