بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

السّادس : بمعنى قتل بنى قريظة وبنى النّضير على وفق الحكمة (فَاعْفُوا (١) وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ).

السّابع : بمعنى فتح مكّة على سبيل البشارة (حَتَّى (٢) يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ).

الثامن : بمعنى ظهور القيامة : (أَتى أَمْرُ اللهِ)(٣) أى القيامة.

التّاسع : بمعنى القضاء والقدر على حكم الرّبوبيّة : (أَلا لَهُ (٤) الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (يُدَبِّرُ (٥) الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ).

العاشر : بمعنى الوحى إلى أرباب النبوّة والرّسالة (يُدَبِّرُ (٦) الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) (يَتَنَزَّلُ (٧) الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ).

الحادى عشر : بمعنى الذّنب والزلّة : (فَذاقَتْ وَبالَ (٨) أَمْرِها).

الثّانى عشر : بمعنى العون والنّصرة (هَلْ لَنا (٩) مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ).

الثالث عشر : بمعنى الشأن والحالة : (أَلا إِلَى اللهِ (١٠) تَصِيرُ الْأُمُورُ) ، (وَإِلَى اللهِ (١١) تُرْجَعُ الْأُمُورُ).

الرّابع عشر : بمعنى الغرق والهلاك : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ (١٢) مِنْ أَمْرِ اللهِ).

__________________

(١) الآية ١٠٩ سورة البقرة

(٢) الآية ٢٤ سورة التوبة. وقد جاء النص فى النسختين محرفا ومغيرا

(٣) أول سورة النحل.

(٤) الآية ٥٤ سورة الأعراف

(٥) الآية ٣ سورة يونس

(٦) الآية ٥ سورة السجدة

(٧) الآية ١٢ سورة الطلاق

(٨) الآية ٩ سورة الطلاق

(٩) الآية ١٥٤ سورة آل عمران

(١٠) الآية ٥٣ سورة الشورى

(١١) الآية ٢١٠ سورة البقرة وغيرها

(١٢) الآية ٤٣ سورة هود

٤١

الخامس عشر : بمعنى الرّحمة (١) والكثرة (أَمَرْنا (٢) مُتْرَفِيها).

السّادس عشر : بمعنى العلم والحقيقة : (قُلِ الرُّوحُ (٣) مِنْ أَمْرِ رَبِّي).

السّابع عشر : بمعنى مضىّ الحكم (إِنَّما أَمْرُهُ (٤) إِذا أَرادَ شَيْئاً).

الثامن عشر : بمعنى الحكم واستدعاء الطاعة : (إِنَّ اللهَ (٥) يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ).

__________________

(١) كذا فى ا ، ب. وقد يكون الزحمة

(٢) الآية ١٦ سورة الاسراء وايراد الفعل هنا سهو فقد قصره على الاسم

(٣) الآية ٨٥ سورة الاسراء

(٤) الآية ٨٢ سورة يس

(٥) الآية ٩٠ سورة النحل

٤٢

٦ ـ بصيرة فى الاتيان

هو مجىء بسهولة. ومنه قيل للسّيل المارّ على وجهه : أتىّ ، وأتاوىّ. وبه شبّه الغريب ، فقيل : أتاوىّ. والإتيان قد يقال للمجيء بالذات ، وبالأمر ، والتدبير. ويقال فى الخير ، وفى الشرّ ، وفى الأعيان ، وفى الأعراض ، كقوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) (فَأَتَى اللهُ (١) بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) (أَتاكُمْ (٢) عَذابُ اللهِ) وعلى هذا النحو قول الشاعر (٣) :

* أتيت المروءة من بابها *

وقول الصاحب (٤) :

أتتنى بالأمس إتيانة

تعلّل روحى بروح الجنان

كعهد الصّبا ونسيم الصّبا

وظلّ الأمان ، ونيل الأمانى

فلو أنّ ألفاظه جسّمت

لكانت عقود نحور الغوانى

وقوله تعالى : (وَلا يَأْتُونَ (٥) الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) أى لا يتعاطون وقوله : (يَأْتِينَ (٦) الْفاحِشَةَ) فاستعمال (٧) الإتيان هنا كاستعمال (٨) المجىء فى

__________________

(١) الآية ٢٦ سورة النحل

(٢) الآيتان ٤٠ ، ٤٧ سورة الأنعام

(٣) هو الأعشى. وهو فى بيتين هما :

وكأس شربت على لذة

وأخرى تداويت منها بها

لكى يعلم الناس أنى امرؤ

أتيت المروءة من بابها

وانظر خاص الخاص ٧٨ وديوانه (طبع مصر) ص ١٧٣

(٤) هو كافى الكفاة اسماعيل بن عباد وقوله : «أتتنى» كذا والأنسب بما بعده : أتانى.

(٥) الآية ٥٤ سورة التوبة

(٦) الآية ١٥ سورة النساء

(٧) ا ، ب : «واستعمال». وما أثبت عن مفردات الراغب

(٨) أ ، ب : «باستعمال»

٤٣

(لَقَدْ (١) جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) يقال : أتيته ، وأتوته ، ويقال للسّقاء إذا مخض وجاء زبده : قد جاء أتوه. وتحقيقه : جاء ما (٢) من شأنه أن يأتى منه. فهو مصدر فى معنى الفاعل. وأرض كثيرة الإتاء ـ بالمدّ ـ أى الرّيع. وقوله : (مَأْتِيًّا)(٣) مفعول من أتيته (وقيل معناه (٤) آتيا فجعل المفعول فاعلا. وليس كذلك ، بل يقال : أتيت الأمر وأتانى الأمر. ويقال : أتيته بكذا وآتيته) كذا. قال تعالى (٥) : (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ (٦) بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً (٧) عَظِيماً).

وكلّ موضع ذكر فى وصف الكتاب : (آتَيْنا) ، فهو أبلغ من كلّ موضع ذكر فيه (أُوتُوا) ، لأنّ (أُوتُوا) قد يقال إذا أوتى من لم يكن منه قبول ، و (آتَيْنا) يقال فيمن كان منه قبول.

* * *

والإتيان جاء فى القرآن على ستّة عشر وجها :

الأوّل : بمعنى القرب الزّمانى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) أى قرب وقته.

الثّانى : بمعنى وصول شىء بشيء (أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ)(٨) أى أصابكم الثالث : بمعنى القلع وخراب البناء : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ (٩) مِنَ الْقَواعِدِ) أى قلعها وخرّبها.

__________________

(١) الآية ٢٧ سورة مريم

(٢) أ ، ب : «هل» وما أثبت عن الراغب

(٣) الآية ٦١ سورة مريم

(٤) سقط ما بين القوسين فى ا.

(٥) ا ، ب : «قوله» وما أثبت على وفق ما فى الراغب

(٦) الآية ٣٧ سورة النمل

(٧) الآية ٥٤ سورة النساء

(٨) الآية ٤٧ سورة الأنعام

(٩) الآية ٢٦ سورة النحل

٤٤

الرّابع : بمعنى العذاب والعقوبة : (فَأَتاهُمُ (١) اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) أى عذّبهم.

الخامس : بمعنى سوق الرّزق (يَأْتِيها رِزْقُها (٢) رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ) أى يسوقه الله.

السّادس : بمعنى الصّحبة وقضاء الشّهوة : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ (٣) الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ).

السّابع : بمعنى الخوض فى المنكرات من الأعمال : (وَتَأْتُونَ (٤) فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) أى تخوضون فيه.

الثامن : بمعنى الانقياد والطاعة : (إِلَّا آتِي (٥) الرَّحْمنِ عَبْداً) أى إلّا وينقاد للرّحمن.

التّاسع : بمعنى الإيجاد والخلق (وَيَأْتِ (٦) بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) أى يخلق ويوجد.

العاشر : بمعنى حقيقة الإتيان والمجىء : (فَأَتَتْ (٧) بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ) أى جاءت.

الحادى عشر : بمعنى الظهور والخروج : (وَمُبَشِّراً (٨) بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) أى يظهر ويخرج.

__________________

(١) الآية ٢ سورة الحشر

(٢) الآية ١١٢ سورة النحل

(٣) الآية ٥٥ سورة النمل

(٤) الآية ٢٩ سورة العنكبوت

(٥) الآية ٩٣ سورة مريم

(٦) الآية ١٩ سورة ابراهيم ، الآية ١٦ سورة فاطر

(٧) الآية ٢٧ سورة مريم

(٨) الآية ٦ سورة الصف

٤٥

الثانى عشر : بمعنى الدّخول : (وَأْتُوا (١) الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) أى وادخلوها.

الثالث عشر : بمعنى المرور والمضىّ (وَلَقَدْ (٢) أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ) أى مضوا.

الرابع عشر : بمعنى إرسال الآيات ، وإنزال الكتاب ، (بَلْ أَتَيْناهُمْ (٣) بِذِكْرِهِمْ) أى أرسلنا وأنزلنا.

الخامس عشر : بمعنى التعجيل والمفاجأة : (أَتاها (٤) أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً) أى فاجأها.

السّادس عشر : بمعنى الحلول والنّزول : (وَيَأْتِيهِ (٥) الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) أى يحلّ به.

قوله : (آتُونِي (٦) زُبَرَ الْحَدِيدِ) قرأها حمزة (٧) موصولة أى جيئونى. والإيتاء : الإعطاء. وخصّ دفع الصّدقة فى القرآن بالإيتاء نحو (آتُوا الزَّكاةَ).

__________________

(١) الآية ١٨٩ سورة البقرة

(٢) الآية ٤٠ سورة الفرقان

(٣) الآية ٧١ سورة المؤمنون

(٤) الآية ٢٤ سورة يونس

(٥) الآية ١٧ سورة ابراهيم

(٦) الآية ٩٦ سورة الكهف

(٧) فى البيضاوى والأتحاف نسبة هذه القراءة لأبى بكر لا حمزة. وانما قراءة حمزة بالوصل فى قوله تعالى فى الآية «قالَ آتُونِي» لا فى «آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ»

٤٦

٧ ـ بصيرة فى (ا فمن)

اعلم أنّ (أمن) و (أم من) و (أومن) و (أفمن) كانت فى الأصل (من) ، وألحقوا بها هذه الحروف للاستفهام. والأصل فى الاستفهام الهمزة وحدها ، ثم ألحقوا الواو ، والفاء ، والميم ، لزيادة التقرير والتأكيد. (أَمَّنْ (١) جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) لإلزام الحجّة (أَوَمَنْ كانَ (٢) مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) ؛ لبيان التمثيل.

* * *

وقد ورد (أفمن) فى التّنزيل على ستّة عشر وجها. منها ثلاثة فى حقّ الله تعالى ، وثلاثة فى ذكر الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخمسة فى شأن الصّحابة رضى الله عنهم واثنان لتشريف المؤمنين ، وثلاثة فى توبيخ الكافرين.

أمّا التى (٣) فى حقّ الله تعالى فالأول للدليل والهداية : (أَفَمَنْ (٤) يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ). الثانى للحفظ والرّعاية : (أَفَمَنْ (٥) هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ). الثالث لإظهار القدرة (٦)(أَفَمَنْ يَخْلُقُ (٧) كَمَنْ لا يَخْلُقُ).

وأمّا الثلاثة الّتى فى ذكر المصطفى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فالأوّل للبرهان والحجّة : (أَفَمَنْ كانَ (٨) عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ). الثانى فى وعد الرّضا والرّؤية : (أَفَمَنِ (٩) اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) الثالث فى بيان الثبات والاستقامة : (أَفَمَنْ (١٠)

__________________

(١) الآية ٦١ سورة النمل

(٢) الآية ١٢٢ سورة الأنعام

(٣) ا ، ب : «الذين»

(٤) الآية ٣٥ سورة يونس

(٥) الآية ٣٣ سورة الرعد

(٦) ا ، ب : «القدر»

(٧) الآية ١٧ سورة النحل

(٨) الآية ١٧ سورة هود

(٩) الآية ١٦٢ سورة آل عمران

(١٠) الآية ٢٢ سورة الملك

٤٧

يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) يعنى أبا جهل (أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) يعنى محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأمّا الخمس الّتى للصّحابة ، فالأوّل للصّدّيق ذى الصّدق والحقيقة : (أَفَمَنْ (١) يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ). الثانى للفاروق ذى العدل ، والأمن ، والأمانة : (أَفَمَنْ (٢) يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً). الثالث لذى (٣) النّورين أهل الطاعة والعبادة (أَمَّنْ (٤) هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) الرّابع للمرضىّ (٥) صاحب الدّيانة والصّيانة (أَفَمَنْ (٦) كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً). الخامس للصّحابة أهل الصحبة والحرمة : (أَفَمَنْ (٧) أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ).

وأمّا الاثنان فى تشريف أهل الإيمان فالأوّل الوعد بنعمة الجنّة : (أَفَمَنْ (٨) وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً). الثانى اشتعال سراج المعرفة : (أَفَمَنْ (٩) شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ).

وأمّا التى لتوبيخ الكفّار فالأوّل لبيان كمال الضلالة (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ (١٠) سُوءُ عَمَلِهِ) : الثانى فى تحقيق العذاب والعقوبة : (أَفَمَنْ حَقَ (١١) عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ). الثالث لإتمام الطرد والإهانة : (أَفَمَنْ (١٢) يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ).

__________________

(١) الآية ١٩ سورة الرعد

(٢) الآية ٤٠ سورة فصلت

(٣) هو عثمان رضى الله عنه

(٤) الآية ٩ سورة الزمر

(٥) أى الامام على رضى الله عنه

(٦) الآية ١٨ سورة السجدة

(٧) الآية ١٠٩ سورة التوبة

(٨) الآية ٦١ سورة القصص

(٩) الآية ٢٢ سورة الزمر

(١٠) الآية ٨ سورة فاطر

(١١) الآية ١٩ سورة الزمر

(١٢) الآية ٢٤ سورة الزمر

٤٨

٨ ـ بصيرة فى الانزال

وهو إفعال من النّزول ، وهو فى الأصل انحطاط من علوّ. يقال : نزل عن دابّته ، ونزل فى مكان كذا : حطّ رحله فيه. وأنزل غيره. وأنزل الله نعمه على الخلق : أعطاها إيّاهم. وذلك إمّا بإنزال الشىء نفسه ، كإنزال القرآن ، وإمّا بإنزال أسبابه والهداية إليه ، كإنزال الحديد واللباس.

والفرق بين الإنزال والتّنزيل فى وصف القرآن والملائكة ، أنّ التنزيل يختصّ بالموضع الّذى يشير إلى إنزاله متفرّقا ، ومرّة بعد أخرى ، والإنزال عامّ (لَوْ لا (١) نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ) فإنّما ذكر فى الأوّل (نزّل) وفى الثانى (أنزل) ، تنبيها أنّ المنافقين يقترحون أن ينزل شىء فشىء من الحثّ على القتال ؛ ليتولّوه. وإذا أمروا بذلك دفعة واحدة تحاشوا عنه ، فلم يفعلوه ، فهم يقترحون الكثير ، ولا يفون منه بالقليل. و (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) إنّما خصّ بلفظ الإنزال ؛ لأنّ القرآن نزل دفعة إلى السّماء الدّنيا ، ثمّ نزل نجما نجما. وقوله : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا (٢) الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ) دون نزّلنا تنبيها أنّا لو خوّلناه تارة (٣) واحدة ما (خوّلناكم مرارا (٤)) إذا لرأيته خاشعا.

__________________

(١) الآية ٢٠ سورة محمد ـ عليه الصلاة والسّلام ـ

(٢) الآية ٢١ سورة الحشر

(٣) فى الراغب : «مرة»

(٤) ا ، ب : «خولنا من ، وما أثبت عن الراغب

٤٩

والتنزل النزول ، قال : (تَنَزَّلُ (١) الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها).

والإنزال فى القرآن ورد على خمسة (٢) عشر وجها :

الأوّل : إنزال المنّ والسّلوى على سبيل الكفاية.

الثانى : إنزال العذاب والبلوى على سبيل اللّعنة. (فَأَنْزَلْنا (٣) عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ).

الثالث : إنزال الملائكة المقرّبين فى بدر ، للتقوّى : (أَنْ يُمِدَّكُمْ (٤)رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ).

الرّابع : إنزال النّعاس على أهل الحرب ؛ لتأمين الصّحابة : (ثُمَ (٥) أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً).

الخامس : إنزال اللّباس من السّماء ؛ سترا للعورة : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ (٦) لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ).

السّادس : إنزال السّكينة ؛ لتحقيق العون والنّصرة : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ (٧) عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ).

السّابع : إنزال الصّاعقة والبرد ؛ لإظهار السّياسة والهيبة : (وَيُنَزِّلُ (٨) مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ).

__________________

(١) الآية ٤ سورة القدر

(٢) حرف ب «أحد»

(٣) الآية ٥٩ سورة البقرة

(٤) الآية ١٢٤ سورة آل عمران

(٥) الآية ١٥٤ سورة آل عمران

(٦) الآية ٢٦ سورة الأعراف

(٧) الآية ٢٦ سورة الفتح

(٨) الآية ٤٣ سورة النور

٥٠

الثّامن : إنزال المطر ؛ لكمال النّعمة والرّحمة : (وَهُوَ الَّذِي (١) يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ).

التّاسع : إنزال الأنعام ؛ لكمال الإنعام والمنفعة : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ (٢) مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ).

العاشر : إنزال الرّزق على الحيوانات للغذاء والتربية : (وَيُنَزِّلُ (٣) لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً).

الحادى عشر : إنزال الغيث وإرسال الرّياح للبشارة : (وَهُوَ الَّذِي (٤) يُرْسِلُ الرِّياحَ) الآية.

الثانى عشر : إنزال ميزان العدل ، لأجل الإنصاف والأمانة : (وَأَنْزَلْنا (٥) مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ).

الثالث عشر : إنزال الحديد لتقرير المنافع والمصلحة : (وَأَنْزَلْنَا (٦) الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ).

الرّابع عشر : إنزال المائدة للامتحان والمعجزة : (رَبَّنا (٧) أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ).

الخامس عشر : إنزال الوحى والقرآن لإلزام الحجّة وإهداء هديّة الهداية (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).

__________________

(١) الآية ٢٨ سورة الشورى

(٢) الآية ٦ سورة الزمر

(٣) الآية ١٣ سورة غافر

(٤) الآية ٥٧ سورة الأعراف

(٥) الآية ٢٥ سورة الحديد

(٦) الآية ٢٥ سورة الحديد

(٧) الآية ١١٤ سورة المائدة

٥١

ولا يقال فى المفترى والكذب ، وما كان من الشياطين إلّا التّنزّل (١) قال الله تعالى : (وَما تَنَزَّلَتْ (٢) بِهِ الشَّياطِينُ).

والنّزل ـ بالضمّ وبضمّتين ـ : ما يعدّ للنّازل من الزاد. وأنزلت فلانا : أضفته. ويعبّر بالنّازلة عن الشّدّة ، وجمعه نوازل. والنّزال فى الحرب : المنازلة.

__________________

(١) ا ، ب : «التنزيل» وما أثبت عن الراغب

(٢) الآية ٢١٠ سورة الشعراء

٥٢

٩ ـ بصيرة فى الارض

هو الجرم المقابل للسّماء. وجمعه أرضون ، وأرضات ، وأروض ، وآراض والأراضى جمع غير قياسىّ (١). ولم يأت بجمعها القرآن. ويعبّر بها عن أسفل الشّىء ؛ كما يعبّر بالسّماء عن أعلاه. والأرض أيضا : أسفل قوائم الدّابة ، والزكام والنفضة ، والرعدة (٢).

وقوله تعالى : (يُحْيِ (٣) الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) عبارة عن كلّ تكوين بعد إفساد ، وعود بعد بدء (٤) ولذلك قال بعض المفسّرين : يعنى به تليين القلوب بعد قساوتها. وأرض أريضة : حسنة النبت ، زكيّة معجبة للعين ، خليقة للخير. والأرضة محرّكة : دودة خبيثة مفسدة. وخشب مأروض : أكلته الأرضة. والأرضة ـ بالكسر وبالضمّ ، وكعنبة ـ : الكلأ الكثير. وأرضت الأرض ـ كسمع ـ : كثر كلؤها. والتّأريض : تشذيب الكلام ، وتهذيبه ، والتثقيل ، والإصلاح. وفى بعض الآثار : إنّ الأرض بين إصبعى ملك يقال له : قصطائل. وفيه (٥) : خلق الله جوهرا غلظه كغلظ سبع سماوات ، وسبع أرضين ، ثمّ (نظر إلى (٦)) الجوهر ، فذاب الجوهر

__________________

(١) فى الأصلين «قياس»

(٢) أ ، ب «الرعد» وما أثبت عن القاموس

(٣) الآية ١٧ سورة الحديد

(٤) أ ، ب «يدة» وما أثبتت عن الراغب

(٥) أى فى بعض الآثار

(٦) ا : «بطوال» وكذا فى ب ، غير أن فى هامشه : «احتمال ثم نظر الى الجوهر». وهو ما أثبت.

٥٣

من هيبة الجبّار ، فصار ماء سيّالا ، ثمّ سلّط نارا على الماء ، فعلا الماء وعلاه زبد ، وارتفع منه دخان ، فخلق الله السّماوات من الدّخان ، والأرض من الزّبد ، وكانت السّماوات والأرضون متراكمة ، ففتقهما الله تعالى ، ووضع بينهما الهواء. فذلك قوله تعالى : (كانَتا (١) رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) قال الشاعر :

منها خلقنا وكانت أمّنا خلقت

ونحن أبناؤها لو أننا شكر

هى القرار فما نبغى به بدلا

ما أرحم الأرض إلّا أننا كفر

وسئل بعضهم ، وقيل : إنّ ابن آدم يعلم أنّ الدّنيا ليست بدار قرار ، فلم يطمئنّ إليها؟ فقال : لأنّه منها خلق ، فهى أمّه ، وفيها ولد فهى مهده ، وفيها نشأ فهى عشّه ، وفيها رزق فهى عيشه ، وإليها يعود فهى كفاته (٢) ، وهى ممرّ الصّالحين إلى الجنّة.

وذكر الأرض فى القرآن على أربعة عشر وجها.

الأوّل : بمعنى الجنّة : (أَنَّ الْأَرْضَ (٣) يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ).

الثانى : بمعنى أرض الشّأم وبيت المقدس : (كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ (٤) مَشارِقَ الْأَرْضِ) يعنى أرض الشام.

الثالث : بمعنى المدينة النبويّة : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ (٥) واسِعَةً) (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ (٦) فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ (٧) مُراغَماً كَثِيراً).

__________________

(١) الآية ٣٠ سورة الأنبياء

(٢) الكفات : الموضع يكفت فيه الشىء أى يضم ، والأرض كفات للناس : تضمهم.

(٣) الآية ١٠٥ سورة الأنبياء

(٤) الآية ١٣٧ سورة الأعراف

(٥) الآية ٩٧ سورة النساء

(٦) الآية ٥٦ سورة العنكبوت

(٧) الآية ١٠٠ سورة النساء

٥٤

الرّابع : بمعنى أرض مصر خصوصا : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي (١) الْأَرْضِ) (اجْعَلْنِي (٢) عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) (عَلَى الَّذِينَ (٣) اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ).

الخامس : بمعنى أرض ديار الإسلام (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ (٤) مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ).

السّادس : بمعنى جميع الأرض : (وَما (٥) مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) ، (وَفِي الْأَرْضِ (٦) آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) ، (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ).

السّابع : بمعنى تراب القبر (لَوْ تُسَوَّى (٧) بِهِمُ الْأَرْضُ) أى القبر.

الثامن : بمعنى تيه بنى إسرائيل : (أَرْبَعِينَ (٨) سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ).

التّاسع : كناية عن القلوب : (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ (٩) النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) يعنى منفعة مواعظ القرآن فى قلوب الخلق.

العاشر : بمعنى ساحة المسجد وصحنه : (فَإِذا قُضِيَتِ (١٠) الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ).

الحادى عشر : بمعنى المقام : (وَما تَدْرِي (١١) نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) أى بأىّ مقام.

__________________

(١) الآية ٤ سورة القصص

(٢) الآية ٥٥ سورة يوسف

(٣) الآية ٥ سورة القصص

(٤) الآية ٩٤ سورة الكهف

(٥) الآية ٦ سورة هود

(٦) الآية ٢٠ سورة الذاريات

(٧) الآية ٤٢ سورة النساء

(٨) الآية ٢٦ سورة المائدة

(٩) الآية ١٧ سورة الرعد وما ذكره تفسير اشارى

(١٠) الآية ١٠ سورة الجمعة

(١١) الآية ٣٤ سورة لقمان

٥٥

الثانى عشر : بمعنى أرض مكّة شرّفها الله تعالى : (قالُوا كُنَّا (١) مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ).

الثالث عشر : بمعنى أرض قريظة وبنى النّضير : (أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ (٢) وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها).

الرابع عشر : بمعنى أرض المحشر (يَوْمَ تُبَدَّلُ (٣) الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ).

__________________

(١) الآية ٩٧ سورة النساء

(٢) الآية ٢٧ سورة الأحزاب

(٣) الآية ٤٨ سورة ابراهيم

٥٦

١٠ ـ بصيرة فى الاتخاذ

وهو مصدر من باب الافتعال. وقد اختلف فى أصله. فقيل : من تخذ يتخذ تخذا ؛ اجتمع فيه التّاء الأصلىّ ، وتاء الافتعال ، فأدغما. قال تعالى : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ (١) وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ) وهذا قول حسن ، لكنّ الأكثرين على أن أصله من الأخذ ، وأنّ الكلمة مهموزة. ولا يخلو هذا من خلل ، لأنّه لو كان كذلك لقالوا فى ماضيه : ائتخذ بهمزتين على قياس ائتمر ، وائتمن ، قال تعالى : (وَأْتَمِرُوا (٢) بَيْنَكُمْ) و (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي (٣) اؤْتُمِنَ) ومعنى الأخذ والتّخذ واحد. وهو حوز الشىء وتحصيله. وذلك تارة يكون بالتّناول ؛ نحو (مَعاذَ اللهِ (٤) أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) ، وتارة بالقهر ؛ نحو (لا تَأْخُذُهُ (٥) سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (وَأَخَذَ الَّذِينَ (٦) ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) (وَكَذلِكَ (٧) أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى) ويعبر عن الأسير بالمأخوذ ، والأخيذ (٨). والاتّخاذ يعدّى إلى مفعولين ، ويجرى مجرى الجعل ؛ نحو (لا تَتَّخِذُوا (٩) الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) (وَلَوْ (١٠) يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) تخصيص لفظ المؤاخذة تنبيه على معنى المجازاة والمقابلة لما أخذوه من النّعم ، ولم يقابلوه بالشكر.

__________________

(١) الآية ٥٠ سورة الكهف

(٢) الآية ٦ سورة الطلاق

(٣) الآية ٢٨٣ سورة البقرة

(٤) الآية ٧٩ سورة يوسف

(٥) الآية ٢٥٥ سورة البقرة

(٦) الآية ٦٧ سورة هود

(٧) الآية ١٠٢ سورة هود

(٨) الآية وما بعدها حتى كلمة «والأخيذ» ساقط فى «ا»

(٩) الآية ٥١ سورة المائدة

(١٠) الآية ٦١ سورة النحل. ويلاحظ ان كلامه فى الاتخاذ لا فى الأخذ ، فلا مجال لا يراد هذه الآية هنا

٥٧

والاتّخاذ ورد فى القرآن على ثلاثة عشر وجها.

الأوّل : بمعنى الاختيار : (وَاتَّخَذَ (١) اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً).

الثّانى : بمعنى الإكرام : (وَيَتَّخِذَ (٢) مِنْكُمْ شُهَداءَ) أى يكرمهم بالشّهادة.

الثالث : بمعنى الصّياغة : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ (٣) مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً) أى صاغوه.

الرابع : بمعنى سلوك السّبيل : (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ (٤) فِي الْبَحْرِ سَرَباً) أى سلك.

الخامس : بمعنى التسمية : (اتَّخَذُوا (٥) أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) أى سمّوهم.

السّادس : بمعنى النّسج : (كَمَثَلِ (٦) الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) أى نسجت.

السّابع : بمعنى العبادة (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا (٧) مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ). ولهذا نظائر كثيرة.

الثامن : بمعنى الجعل : (اتَّخَذُوا (٨) أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) أى جعلوها.

التّاسع : بمعنى البناء : (اتَّخَذُوا (٩) مَسْجِداً ضِراراً) أى بنوا.

العاشر : بمعنى الرّضا : (فَاتَّخِذْهُ (١٠) وَكِيلاً) أى ارض به.

__________________

(١) الآية ١٢٥ سورة النساء

(٢) الآية ١٤٠ سورة آل عمران

(٣) الآية ١٤٨ سورة الأعراف

(٤) الآية ٦١ سورة الكهف

(٥) الآية ٣١ سورة التوبة

(٦) الآية ٤١ سورة العنكبوت

(٧) الآية ٦ سورة الشورى

(٨) الآية ٢ سورة المنافقين

(٩) الآية ١٠٧ سورة التوبة

(١٠) الآية ٩ سورة المزمل

٥٨

الحادى عشر : بمعنى العصر : (تَتَّخِذُونَ (١) مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) أى تعصرون.

الثّانى عشر : بمعنى إرخاء السّتر : (فَاتَّخَذَتْ (٢) مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً) أى أرخت سترا.

الثالث عشر : بمعنى عقد العهد : (إِلَّا مَنِ (٣) اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) أى عقد.

__________________

(١) الآية ٦٧ سورة النحل

(٢) الآية ١٧ سورة مريم

(٣) الآية ٨٧ سورة مريم

٥٩

١١ ـ بصيرة فى الامراة (١)

اعلم أنّ المرء والمرأة اسمان على فعل وفعلة. وهما من الاسماء (٢) الموصولة ؛ مثل ابن ، وابنة ، واثنين ، واثنتين.

والأصل فيهما مر (٣) ومرة من غير همزة ، لكن ألحقوا بهما همزتين ، إحداهما فى الآخر للوقف ، والأخرى فى الأوّل لتسهيل النّطق والابتداء. ومن عجائب الأسماء امرؤ ؛ لأنّ إعراب الأسماء فى آخرها دون أوّلها ووسطها. وهذا فيه ثلاث لغات : فتح الرّاء دائما ، وضمّها دائما ، وإعرابها (٤) دائما. وتقول أيضا : هذا امرؤ ، ومرء ، ورأيت امرأ ، ومررت بامرئ ، وبمرء ، معربا من مكانين.

والمرء والمرأة (٥) ـ مثلثة الميم ـ الإنسان. ولا يجمع من لفظه. وقيل : سمع مرءون ؛ قال الحسن : أحسنوا أخلاقكم أيّها المرءون.

وجاء الامرأة فى القرآن على اثنى عشر وجها.

__________________

(١) المعروف أن أل لا تدخل على امراة وانما يقال المرأة. وفى التاج أن أبا على حكى الامراة وأن شراح الفصيح أنكروها ، ومن أثبتها حكم بأنها لغة ضعيفة.

(٢) الذى من الأسماء الموصولة ـ أى المبدوءة بهمزة وصل ـ امرؤ وامرأة لا مرء ومرأة

(٣) كذا والاسم المتمكن لا يقل عن ثلاثة أحرف ولا توجد فيه هذه الثنائية التى يزعمها المؤلف

(٤) أى اتباعها حركة الاعراب التى على الهمزة.

(٥) فى القاموس قصر التثليث على المرء

٦٠