بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

٢ ـ بصيرة فى الخبث

وهو المطمئن من الأرض. وأخبت الرّجل : قصد الخبت أو نزله نحو أنجد وأسهل ، ثمّ استعمل الإخبات استعمال اللّين والتّواضع. قال تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)(١) أى المتواضعين. وقيل معناه : المخلصين. وقوله تعالى : (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ)(٢) أى تلين وتخشع. وقيل : معناه تطمئن ، والإخبات هاهنا قريب من الهبوط فى قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ)(٣). وقوله تعالى : (وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ)(٤) أى سكنوا إليه وتواضعوا له.

__________________

(١) الآية ٣٤ سورة الحج.

(٢) الآية ٥٤ سورة الحج.

(٣) الآية ٧٤ سورة البقرة.

(٤) الآية ٢٣ سورة هود.

٥٢١

٣ ـ بصيرة فى الخبث

الخبث والخبيث ما يكره رداءة وخساسة ، محسوسا كان أو معقولا. وأصله الردىء الدّخلة الجارى مجرى خبث الحديد ، قال :

سبكناه ونحسبه لجينا

فأبدى الكير عن خبث الحديد (١)

وذلك يتناول الباطل فى الاعتقاد ، والكذب فى المقال ، والقبيح فى الفعال. قال تعالى : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ)(٢) أى ما لا يوافق النّفس من المحظورات.

وقوله تعالى : (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ)(٣) كناية عن إتيان الرّجال. وقوله تعالى : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(٤) أى الأعمال الخبيثة من الأعمال الصالحة ، والنفوس الخبيثة من النّفوس الزّكيّة. وقوله تعالى : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)(٥) أى الحرام بالحلال. وقوله تعالى : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ)(٦) أى الأفعال الرديئة والاختيارات المبهرجة لأمثالها. وقوله تعالى : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ)(٧) أى كثرة الحرام ، وقيل أى الكافر والمؤمن ، والأعمال الفاسدة والأعمال الصالحة. وقوله تعالى : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ)(٨) إشارة إلى كلّ كلمة قبيحة من كفر وكذب ونميمة وغير ذلك. وفى الحديث «المؤمن أطيب من عمله والكافر أخبث من عمله» وفيه

__________________

(١) من أمثال المستطرف ١ / ٣٨

(٢) الآية ١٥٧ سورة الأعراف.

(٣) الآية ٧٤ سورة الانبياء.

(٤) الآية ٣٧ سورة الانفال.

(٥) الآية ٢ سورة النساء.

(٦) الآية ٢٦ سورة النور.

(٧) الآية ١٠٠ سورة المائدة.

(٨) الآية ٢٦ سورة ابراهيم.

٥٢٢

أيضا «أعوذ بك من الخبث والخبائث» وفى رواية «من الرّجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرّجيم». المخبث أى فاعل الخبث ، قال :

أفّ للدنيا الدنيّة

خبثت فعلا ونيّه

ولعيش كلّه ه

مّ وعقباه منيّه

وقال (١) :

نبّئت عمرا غير شاكر نعمتى

والكفر مخبثة لنفس المنعم

وسبى خبثة أى فى حلّة شبهة ، يقال فى مقابلته سبى طيبة أى حلال بلا شبهة. ويا خباث أى يا خبيثة.

٤ ـ بصيرة فى الخبر والخبر

الخبر ـ بالضّمّ ـ : العلم بالشّىء قال تعالى : (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)(٢) ويقال : صدّق الخبر الخبر ، ويقال لأخبرنّ خبرك أى لأعلمنّ علمك (٣) ، يقال منه : خبرته أخبره كنصرته أنصره خبرا بالضّمّ وخبرة بالكسر اذا؟؟؟ ووجدت النّاس اخبر تقله ، المعنى : وجدتهم مقولا؟؟؟ ما منهم إلّا وهو مسخوط الفعل عند الخبرة ، إذا؟؟؟ خرج الكلام على لفظ الأمر ومعناه الخبر. العالم ، قال تعالى : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً)(٤) والخبير فى صفات الله تعالى :

__________________

(١) أى عنترة فى معلقته.

(٢) الآية ٦٨ سورة الكهف.

(٣) فى الاصلين : «لأعملن عملك» وما أثبت من القاموس.

(٤) الآية ٥٩ سورة الفرقان.

٥٢٣

العالم بما كان وبما يكون. وأخبرت أعلمت بما حصل لى من الخبر. وقيل الخبرة : المعرفة ببواطن الأمور.

وقوله تعالى : (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ)(١) أى من أحوالكم الّتى يخبر عنها. وقوله تعالى : (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)(٢) أى عالم بأخباركم وأعمالكم. وقيل : أى عالم ببواطن أموركم. وقيل : خبير بمعنى مخبر كقوله تعالى : (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٣) وتخبّرته أى سألته عن الخبر. وقد جاء يتفعّل بمعنى يستفعل كتكبّر واستكبر وتضعّفه واستضعفه. وفى الحديث : بعث (٤) بين يديه عينا من خزاعة يتخبّر له خبر كفّار قريش. والمخابرة : المزارعة على الخبرة وهى النّصيب كالثّلث والرّبع ونحوه. وقيل أصل الكلمة من خيبر لأنّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أقرّها فى أيدى أهلها على النصف ؛ فقيل : خابرهم أى عاملهم فى خيبر.

__________________

(١) الآية ٩٤ سورة التوبة.

(٢) الآية ١٣ سورة المجادلة.

(٣) الآية ٩٤ سورة التوبة. ورد فى آيات أخر.

(٤) فى الأصلين : «بعثت» وما أثبت فى التاج.

٥٢٤

٥ ـ بصيرة فى الخبط

والخبل والخبء والختر

الخبط : الضّرب على غير استواء كخبط البعير الأرض بيده. وخبطه وتخبّطه واختبطه بمعنى ، أى ضربه ضربا شديدا. وخبطه الشيطان وتخبّطه : مسّه بأذى. قال تعالى : (يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ)(١) يجوز أن يكون من خبط الشجر ، وأن يكون من الاختباط الّذى هو طلب المعروف ، خبطه واختبطه : سأل معروفه. وفى دعاء النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «وأعوذ بك أن يتخبّطنى الشّيطان عند الموت».

والخبال : الفساد يلحق الحيوان فيورثه إضرابا كالجنون والمرض المؤثر فى العقل والفكر ، قال تعالى : (ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً)(٢) والخبال : النقصان ، والخبال : الهلاك ، والخبال : العناء. والخبال السمّ القاتل. والخبل : فساد الأعضاء ، وقطع الأيدى والأرجل ، والجنون. ويضمّ خاؤه. والخبل ـ بالتحريك ـ والخابل : الجنّ. واختبله. جنّنه. وقول زهير :

* هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا (٣) *

__________________

(١) الآية ٢٧٥ سورة البقرة.

(٢) الآية ٤٧ سورة التوبة.

(٣) عجزه : * وأن يسألوا يعطوا وأن ييسروا يغلوا*

وقد فسر الاخبال بأن تعطى الرجل البعير أو الناقة ليركبها ويجتز وبرها وينتفع بها ثم يردها وفسر بغير هذا. وييسروا يدخلوا فى الميسر ، ويغلوا : يتخيروا فى الميسر الابل الغالية السمينة. والبيت من قصيدة فى مدح هرم ابن سنان والحارث بن عوف وقومهما. وانظر الديوان بشرح ثعلب ١١٢

٥٢٥

أى إن طلب منهم إفساد شىء من إبلهم أفسدوه

* * *

والخبء كلّ مدّخر مستور ، وقال تعالى : (يُخْرِجُ الْخَبْءَ)(١) ومنه جارية مخبّأة. والخبأة : الجارية التى تظهر مرّة وتخبأ (٢) أخرى

* * *

والختر الغدر.

٦ ـ بصيرة فى الختم

الختم والطّبع : مصدرا ختمت وطبعت. وهو تأثير الشىء كنقش (٣) الخاتم والطّابع ، والثانى (٤) الأثر الحاصل عن الشىء. وتجوّز بذلك تارة فى الاستيثاق من الشىء والمنع منه اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب ؛ نحو قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ)(٥) وتارة فى تحصيل أثر شىء اعتبارا بالنّقش الحاصل وتارة يعتبر منه بلوغ الآخر. ومنه قيل : ختمت القرآن أى انتهيت إلى آخره.

وقوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) إشارة (٦) إلى ما أجرى الله به العادة : أن الإنسان إذا تناهى فى اعتقاد باطل أو ارتكاب محظور ولا (٧)

__________________

(١) الآية ٢٥ سورة النمل.

(٢) كذا فى الاصلين والراغب. وكأن المراد : تخبأ نفسها. والانسب : تختبئ.

(٣) فى الأصلين : «بنقش» وما أثبت من الراغب.

(٤) الاول هو الاستعمال السابق ، وهو كونهما مصدرين. والعبارة فى الراغب واضحة وهى : «الختم والطبع يقال على وجهين : مصدر ختمت وطبعت. وهو تأثير الشىء كنقش الخاتم والطابع والثانى الأثر ...».

(٥) الآية ٧ سورة البقرة.

(٦) تبع فى هذا الراغب ، وهى نزعة اعتزالية تنفى تأثير الله سبحانه واحداثه هذه الامور من الختم والطبع ونحوهما ، اذ أن هذا عندهم لا يليق بالله سبحانه ، وأهل السنة يثبتون احداث الله لهذه الأشياء كظاهر النصوص ولا يرون فيها شيئا.

(٧) فى الاصلين : «فلا» وما أثبت من الراغب.

٥٢٦

يكون منه تلفّت بوجه إلى الحقّ. يورثه ذلك هيئة تمرّنه (١) على استحسان المعاصى كأنما (٢) يختم بذلك على قلبه. وعلى ذلك (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ)(٣) وعلى هذا النحو استعارة الإغفال فى قوله : (أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا)(٤) ، واستعارة الكنّ فى قوله : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً)(٥) ، واستعارة القساوة فى قوله : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً)(٦). قال الجبّائىّ : يجعل الله ختما على قلوب الكفّار ليكون دلالة للملائكة على كفرهم فلا يدعون لهم ، وليس ذلك بشيء لأنّ هذه الكتابة إن كانت محسوسة فمن حقّها أن يدركها أصحاب التشريح ، وإن كانت معقولة غير محسوسة فالملائكة باطّلاعهم على اعتقاداتهم مستغنية عن الاستدلال. وقال بعضهم : ختمه شهادته تعالى عليه أنّه لا يؤمن ، وقوله تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ)(٧) أى نمنعهم من الكلام. (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ)(٨) لأنّه ختم النبوّة أى تممها (٩) بمجيئه. وقوله تعالى : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ)(١٠) يريد به ختم الحفظ والحياطة فى صدره صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقوله تعالى : (خِتامُهُ مِسْكٌ)(١١) [قيل](١٢) أى ما يختم به أى يطبع ، وإنما معناه منقطعه وخاتمة شربه أى سؤره [فى](١٣) الطّيب مسك. وقول من قال

__________________

(١) فى الأصلين : «يمر به» وما أثبت من الراغب.

(٢) كذا فى ب. وفى أوهامش : «كأنها».

(٣) الآية ١٠٨ سورة النحل.

(٤) الآية ٢٨ سورة الكهف.

(٥) الآية ٢٥ سورة الأنعام ، والآية ٤٦ سورة الاسراء.

(٦) الآية ١٣ سورة المائدة.

(٧) الآية ٦٥ سورة يس.

(٨) الآية ٤٠ سورة الاحزاب.

(٩) فى الأصلين : «تمم» وما أثبت من الراغب.

(١٠) الآية ٢٤ سورة الشورى.

(١١) الآية ٢٦ سورة المطففين.

(١٢) زيادة من الراغب.

(١٣) زيادة من الراغب.

٥٢٧

يختم بالمسك أى يطبع فليس بشيء لأنّ الشّراب يجب أن يطيب فى نفسه. فأمّا ختمه بالطّيب فليس ممّا يفيده ولا ينفعه طيب خاتمه ما لم يطب فى نفسه. وقال المتنبىّ.

أروح وقد ختمت على فؤادى

فليس يحلّها أحد سواها (١)

وقال آخر :

لا يكتم السّرّ إلّا كلّ ذى كرم

والسرّ عند كرام الناس مكتوم

والسرّ عندى فى بيت له غلق

قد ضاع مفتاحه والباب مختوم (٢)

__________________

(١) لم أجده فى ديوان المتنبئ.

(٢) ورد البيتان ببعض تغيير فى روضة العقلاء ١٦٨

٥٢٨

٧ ـ بصيرة فى الخداع

وهو إنزال الغير عمّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه.

والخداع ورد فى القرآن على أربعة أوجه :

الأوّل : خداع الكفار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يعقدوا معه عهدا فى الظّاهر وينقضوه فى الباطن (وَإِنْ (١) يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ).

الثّانى : خداع اليهود مع أهل الإيمان يصالحونهم فى الظّاهر ويتهيّئون لحربهم فى الباطن (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ)(٢)

الثالث : خداع المنافقين مع المؤمنين بإظهار الإيمان وإبطان الكفر (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ)(٣).

الرّابع : خداع الله الكفّار والمنافقين بإسبال النّعمة عليهم فى الدّنيا ، وادّخار أنواع العقوبة لهم فى العقبى (وَهُوَ خادِعُهُمْ)(٤) وقيل فى قوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ) أى يخادعون رسول الله وأولياءه. ونسب ذلك إلى الله من حيث إنّ معاملة الرّسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كمعاملته ، ولذلك قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ)(٥) وجعل ذلك خداعا تفظيعا لفعلهم ، وتنبيها على عظم الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعظم أوليائه

__________________

(١) الآية ٦٢ سورة الانفال.

(٢) الآية ٩ سورة البقرة.

(٣) الآية ١٤٢ سورة النساء.

(٤) الآية ١٤٢ سورة النساء.

(٥) الآية ١٠ سورة الفتح.

٥٢٩

وقول أهل اللّغة إنّ هذا على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه فيجب أن يعلم أنّ المقصود بمثله فى الحذف لا يحصل لو أتى بالمضاف المحذوف لما ذكرنا من التنبيه على أمرين :

أحدهما : فظاعة فعلهم فيما تحرّوه (١) من الخديعة ، وأنّهم بمخادعتهم إيّاه يخادعون الله.

والثانى : التنبيه على عظم المقصود بالخداع وأنّ معاملته كمعاملة الله. وقوله تعالى : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) قيل : معناه : مجازيهم بالخداع.

وخدع الضبّ أى استتر فى جحره. واستعمال ذلك فى الضبّ لما اعتقدوا فى الضبّ أنّه يعدّ عقربا تلدغ من يدخل يده فى جحره حتّى قيل : العقرب بوّاب الضّبّ وحاجبه. ولاعتقاد الخديعة فيه قيل : أخدع من ضبّ. وطريق خادع وخيدع : مضلّ كأنّه يخدع سالكه. وقيل : المؤمن يخدع عن درهمه ولا يخدع عن دينه ، والمنافق يخدع عن دينه ولا يخدع عن درهمه. وفى الحديث «إنّ بين يدى السّاعة سنين خدّاعة» قيل معناه أنّ النّاس فيها خدّاع. وقيل : من قولهم سنة خادعة إذا مضت سريعة ، أى سنون تمرّ سريعة لقربها من القيامة ، ولغفلة النّاس فيها عن مرور الأيّام.

قال :

ألا إنّ دنياك مثل الوديعه

جميع أمانيك فيها خديعه

فلا تغترر بالّذى نلته

فما هى إلّا سراب بقيعه

__________________

(١) كذا فى أ. وفى ب : «يحرون» وكأن أصله «يتحرون» وفى الراغب : «تجرءوه» وكأن الأصل : تجرءوا عليه ، فحذف الخافض وأوصل الفعل بالضمير.

٥٣٠

وقول الشّاعر (١) :

أبيض اللّون لذيذا طعمه

طيّب الرّيق إذا الرّيق خدع

أى فسد ، أى خفى طيبه.

٨ ـ بصيرة فى الخدن والخذل والخرور

الخدن والخدين : الصّاحب المحدّث ، ومن يخادنك فى كلّ أمر ظاهر وباطن. وأكثر ما يستعمل الخدن فيمن يصاحب بشهوة. قال (وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ)(٢).

الخذل ترك النّصرة. خذله خذلا وخذلانا : ترك نصرته وكان يظنّ به أن ينصره. لذلك قيل خذلت الظّبية وغيرها إذا تخلّفت (٣) عن صواحبها أو تخلّفت فلم تلحق ، وتخاذلت رجلاه : ضعفتا.

والخرور : السّقوط. خرّ الرجل يخرّ بالضمّ (٤) خرّا وخرورا : سقط. وخرّ الماء يخرّ بالكسر خريرا إذا صوّت. والخرير يقال لصوت الماء والرّيح وغير ذلك ممّا يسقط من علوّ.

وقوله تعالى : (خَرُّوا سُجَّداً)(٥) فيه تنبيه على اجتماع أمرين : السّقوط من علوّ ، وحصول الصّوت بالتسبيح. وقوله من بعد : (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) تنبيه على أنّ ذلك الخرير كان تسبيحا بحمد الله لا بشيء آخر.

__________________

(١) هو سويد بن أبى كاهل اليشكرى. من قصيدة مفضلية. والبيت فى وصف ثغر المرأة وأسنانها.

(٢) الآية ٢٥ سورة النساء.

(٣) أى تخلفت باختيارها. وفى القاموس : «تخلفت عن صواحبها وانفردت» وبهذا يخالف المعنى الثانى ، فان تخلفها فيه عن عجز.

(٤) جاء فى القاموس الكسر أيضا ، بل هو الأصل.

(٥) الآية ١٥ سورة السجدة.

٥٣١

٩ ـ بصيرة فى الخرب والخروج

خرب المكان خرابا ضدّ عمر. وقد أخربه غيره وخرّبه. قال تعالى : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ)(١) فتخريبهم بأيديهم إنما كان لئلا تبقى للنّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، وقيل : بل بإجلائهم عنها.

والخروج : البروز. يقال : خرج إذا برز من مقرّه وحاله ، سواء كان مقرّه دارا أو بلدا أو ثوبا ، وسواء كان حاله حالا فى نفسه أو فى أسبابه الخارجة. والإخراج أكثر ما يقال فى الأعيان. ويقال فى التكوين الّذى هو من فعل الله تعالى نحو (فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى)(٢) والتخريج أكثر ما يقال فى العلوم والصّناعات. وقيل : لما يخرج من الأرض ومن كراء الحيوان ونحو ذلك : خرج وخراج. قال تعالى : (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ)(٣) فإضافته إلى الله تنبيه أنّه هو الذى ألزمه وأوجبه. والخرج أعمّ من الخراج. وجعل الخرج بإزاء الدّخل. والخراج مختصّ فى الغالب بالضّريبة على الأرض. وقيل : العبد يؤدّى خرجه (٤) أى غلّته ، والرّعيّة تؤدّى إلى الأمير الخراج. وقيل : الخراج (٥) بالضّمان ، أى

__________________

(١) الآية ٢ سورة الحشر وقد قرأ : «يخربون» بالتشديد أبو عمرو ، وقرأ الباقون بسكون الخاء من الاخراب.

(٢) الآية ٥٣ سورة طه.

(٣) أى يؤديه الى سيده على حسب اتفاقه معه.

(٤) الآية ٧٢ سورة المؤمنين.

(٥) فى التاج فى المادة : قال الجلال فى التخريج : هذا الحديث صححه الترمذى وابن حبان والحاكم وابن القطان والمنذرى والذهبى ، وضعفه البخارى وأبو حاتم وابن حزم. وجزم فى موضع آخر بصحته ، وقال : هو حديث صحيح أخرجه الشافعى وأحمد وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وابن حبان من حديث عائشة رضى الله عنها. قال شيخنا : وهو من كلام النبوة الاولى الجامع. واتخذه الأئمة المجتهدون ، والفقهاء الاثبات المقلدون قاعدة من قواعد الشرع وأصلا من أصول الفقه ، بنوا عليه فروعا واسمة مبسوطة.

٥٣٢

ما يخرج من مال البائع فهو بإزاء ما سقط عنه من الضمان (١). والخارجىّ : الذى يخرج (٢) بذاته عن أحوال أقرانه. والخوارج سمّوا به لكونهم خارجين عن طاعة الإمام.

١٠ ـ بصيرة فى الخرص والخرق

الخرص : حزر الثمرة ، والاسم الخرص بالكسر. والخرص أيضا : الكذب وكلّ قول قيل بالظّنّ. والخرص ـ بالكسر ـ بمعنى المخروص كالنّقض بمعنى المنقوض.

وقوله تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)(٣) قيل : معناه يكذبون. وقوله تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ)(٤) قيل : لعن الكذّابون. وحقيقة ذلك أنّ كلّ قول عن ظنّ وتخمين يقال له خرص ، سواء كان ذلك مطابقا للشىء (٥) أو مخالفا له ، من حيث إنّ صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظن ولا سماع ، بل اعتمد فيه على الظنّ والتخمين كفعل الخارص فى خرصه. وكلّ من قال قولا على هذا النّحو يسمّى (٦) كاذبا وإن كان مطابقا للقول المخبر به

__________________

بيان هذا أن الرجل لو اشترى بقرة مثلا وانتفع بلبنها وعملها ثم اطلع على عيب فيها فردها فليس عليه أن يرد غلّتها حين كانت عنده ، كما أن البقرة لو تلفت عنده فانه يضمنها ولا يعود على البائع بثمنها ، فالخراج اى منفعة المبيع للمشترى ، فى مقابل ضمانه لو تلف عنده. ويوافق هذا قاعدة الغنم بالغرم.

(١) فى الراغب : «ضمان المبيع».

(٢) وهو الذى يقال له العصامى.

(٣) الآية ١١٦ سورة الانعام. وورد فى آيات اخرى.

(٤) الآية ١٠ سورة الذاريات.

(٥) فى الأصلين : «لشىء» وما أثبت من الراغب.

(٦) فى الراغب : «قد يسمى».

٥٣٣

كما حكى عن المنافقين فى قوله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ)(١) إلى قوله (إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ).

والخرق : قطع الشّىء على سبيل الفساد من غير تفكّر ولا تدبّر. وهو ضدّ الخلق فإنّ الخلق هو فعل الشىء بتقدير ورفق ، والخرق بغير تقدير. قال تعالى : (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ)(٢) أى حكموا بذلك على سبيل الخرق. وباعتبار القطع قيل : خرق الثوب وتخريقه.

وقوله تعالى : (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ)(٣) فيه قولان : أحدهما لن تقطع ، والآخر لن تنقب (٤) الأرض إلى الجانب الآخر اعتبارا بالخرق (٥) فى الأذن ، وباعتبار ترك التقدير قيل : رجل أخرق وخرق وامرأة خرقاء. وشبّه بها الرّيح فى تعسّف مرورها فقيل : ريح خرقاء. وفى الحديث «ما كان الخرق فى شىء قطّ إلّا شانه ، وما كان الرّفق فى شىء قطّ إلّا زانه (٦)».

__________________

(١) صدر سورة المنافقين.

(٢) الآية ١٠٠ سورة الانعام.

(٣) الآية ٣٧ سورة الاسراء.

(٤) كذا فى الأصلين. وفى الراغب والتاج : «تثقب».

(٥) جاء هذا فى الراغب بعد أن مهد له بقوله : «وقيل لثقب الاذن : خرق. وصبى أخرق ، وامرأة خرقاء مثقوبة الاذن ثقبا واسعا»

(٦) ورد فى الجامع الصغير باسناد صحيح بلفظ : ما كان الرفق فى شىء الا زانه ، ولا نزع من شىء الا شانه».

٥٣٤

١١ ـ بصيرة فى الخزن والخزى

الخزن : حفظ الشّىء فى الخزانة ، ثمّ يعبّر به عن كلّ حفظ كحفظ السّرّ ونحوه.

وقوله تعالى : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(١) إشارة منه إلى قدرته تعالى على ما يريد إيجاده ، أو إلى الحالة الّتى أشار إليها بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «فرغ (٢) ربّكم من الخلق والخلق والأجل والرّزق» وقوله تعالى : (وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ)(٣) قيل معناه : حافظين له بالشّكر ، وقيل : هو إشارة إلى ما أنبأ عنه قوله : (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ)(٤). والخزنة جمع الخازن. وقوله تعالى : (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ)(٥) أى مقدوراته الّتى منع النّاس عنها ، لأنّ الخزن ضرب من المنع ، وقيل : جوده الوسيع وقدرته. وقيل هو قوله : كن. والخزن فى اللّحم : الادّخار فكنى به عن نتنه.

* * *

الخزى : الانكسار من الوقوع فى بليّة وشهرة. وقد خزى كرضى خزيا ـ بالكسر ـ وخزى ، واخزوى : بمعناه. وأخزاه الله : فضحه. والخزية والخزية

__________________

(١) الآية ٧ سورة المنافقين.

(٢) ورد فى الجامع الصغير بلفظ «فرغ الى ابن آدم من أربع : الخلق والخلق والرزق والأجل».

(٣) الآية ٢٢ سورة الحجر.

(٤) الآيتان ٦٨ ، ٦٩ سورة الواقعة.

(٥) الآية ٣١ سورة هود.

٥٣٥

بالفتح والكسر : البلية. وقيل الخزى : انكسار يلحق الإنسان إمّا من نفسه وإمّا من غيره. فالّذى يلحقه من نفسه هو الحياء المفرط ومصدره الخزاية ، ورجل خزيان وامرأة خزيا. وفى الحديث : «اللهمّ احشرنا غير خزايا ولا نادمين» والّذى يلحقه من غيره يقال هو ضرب من الاستخفاف (١) ومصدره الخزى ورجل خز. وأخزى يقال من الخزاية والخزى جميعا

وقوله تعالى : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا)(٢) هو من الخزى أقرب ، وإن جاز أن يكون منهما جميعا. وقوله : (رَبَّنا إِنَّكَ (٣) مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) فمن الخزاية. ويجوز أن يكون من الخزى. وقوله تعالى : (إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)(٤) أى قتل وإهلاك لهم. قوله : (فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ)(٥) أى العذاب (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ)(٦) من عذابه. وقوله تعالى : (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ)(٧) أى الرّدّ والطّرد. (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ)(٨) أى الطّرد. وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي)(٩) أى لا تفضحون. (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى)(١٠) أى نفتضح. (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ)(١١) أى لا يهينه. (وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ)(١٢) أى لا تهنّا. ومنه : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ)(١٣) وقوله (فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)(١٤)

__________________

(١) كذا فى ب والراغب. وفى أ : «الاستحياء»

(٢) الآية ٨ سورة التحريم.

(٣) الآية ١٦٢ سورة آل عمران.

(٤) الآية ٨٥ سورة البقرة.

(٥) الآية ٢٦ سورة الزمر.

(٦) الآية ٦٦ سورة هود.

(٧) الآية ٢٧ سورة النحل.

(٨) الآية ٩٨ سورة يونس.

(٩) الآية ٧٨ سورة هود.

(١٠) الآية ١٣٤ سورة طه.

(١١) الآية ٨ سورة التحريم.

(١٢) الآية ١٩٤ سورة آل عمران.

(١٣) الآية ٨٧ سورة الشعراء.

(١٤) الآية ١٩٢ سورة آل عمران.

٥٣٦

١٢ ـ بصيرة فى الخسر

والخسر والخسران فى البيع : انتقاص رأس المال ، خسر يخسر خسرا بالضمّ ، وخسرا بضمّتين ، وخسرا بالتّحريك وخسارا وخسارة وخسرا ـ بفتحهنّ ـ وخسرانا.

وقوله تعالى : (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً)(١) أى خسرت أعمالها. وقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(٢) أى لفى عقوبة بذنوبه ، قاله الفراء. وقرأ الأعرج وعيسى بن عمر وأبو بكر (٣) بن عيّاش (لفى خُسُر) بضمّتين. وفيه لغة شاذّة : خسر يخسر مثال ضرب يضرب. ومنه قراءة الحسن البصرىّ (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ)(٤) وقرأ بلال بن أبى بردة (ولا تَخسَروا) بفتح التاء والسّين.

وقوله تعالى : (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً)(٥) قال الأخفش : واحدهم الأخسر مثل الأكثر ، وقوله (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ)(٦) لأنه خسر سعيهم فى جمعهم الحطب.

والخسران ينسب إلى الإنسان فيقال : خسر فلان ، وإلى الفعل فيقال : خسرت تجارته. ويستعمل ذلك فى المقتنيات النّفسيّة (٧) كالصّحّة والسّلامة

__________________

(١) الآية ٩ سورة الطلاق.

(٢) الآية ٢ سورة العصر.

(٣) هو قرين حفص فى الاخذ عن عاصم. وهذه الرواية رواية هارون عن أبى بكر ، كما فى البحر المحيط ، ولم تأت فى الاتحاف. وفى التاج : «أبو بكر وابن عباس» والصواب ما هنا.

(٤) الآية ٩ سورة الرحمن.

(٥) الآية ١٠٣ سورة الكهف.

(٦) الآية ٧٠ سورة الانبياء.

(٧) أى التى ترجع الى النفس ، يريد غير المادية. وفى التاج : «النفيسة».

٥٣٧

والعقل والإيمان والثّواب. وهو الّذى جعله الله الخسران المبين. وقوله : (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ)(١) يجوز أن يكون إشارة إلى تحرّى العدالة فى الوزن وترك الحيف فيما يتعاطاه من الوزن ، ويجوز أن يكون إشارة إلى تعاطى ما لا يكون ميزانه فى القيامة خاسرا فيكون ممّن قال فيه (وَمَنْ خَفَّتْ (٢) مَوازِينُهُ) وكلا المعنيين يتلازمان. وكلّ خسران ذكره الله تعالى فى القرآن فهو على هذا المعنى الأخير دون الخسران المتعلّق بالمقتنيات الدّنيويّة والتجارات الماليّة.

وقيل : ورد الخاسر فى القرآن على سبعة أوجه :

الأوّل : بمعنى العجز والعاجز (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ)(٣) أى لعاجزون.

الثّانى : بمعنى الغبن والخاسر المغبون (إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ)(٤)(خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أى غبنوها.

الثالث الخسران بمعنى : الضلالة (فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً)(٥) أى ضلّ (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(٦) أى فى ضلال.

الرّابع : بمعنى نقصان الكيل والميزان (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ)(وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)(٧) أى ينقصون.

__________________

(١) الآية ٩ سورة الرحمن.

(٢) الآية ٩ سورة الأعراف ، وورد فى آيات أخر.

(٣) الآية ١٤ سورة يوسف.

(٤) الآية ٤٥ سورة الشورى.

(٥) الآية ١١٩ سورة النساء.

(٦) الآية ٢ سورة العصر.

(٧) الآية ٣ سورة المطففين.

٥٣٨

الخامس بمعنى : ضدّ الربح (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)(١)

السّادس بمعنى : العقوبة (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً)(٢) أى عقوبة (وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٣) أى من الباقين فى العقوبة.

السّابع بمعنى : الهلاك (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٤) أى الهالكين (ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ)(٥) اى الهلاك البيّن (٦). قال :

إذا لم يكن لامرئ نعمة

لدىّ ولا بيننا آصره

ولا لى فى ودّه حاصل

ولا نفع دنيا ولا آخره

وأفنيت عمرى على بابه

فتلك إذا صفقة خاسره

__________________

(١) الآية ٩ سورة المنافقين.

(٢) الآية ٩ سورة الطلاق.

(٣) الآية ٦٥ سورة الزمر.

(٤) الآية ٢٣ سورة الاعراف.

(٥) الآية ١١ سورة الحج.

(٦) ب : «المبين».

٥٣٩

١٣ ـ بصيرة فى الخسف والخسأ والخشب

قال تعالى : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ)(١) وقرأ حفص ويعقوب وسهم قوله تعالى : (لَخَسَفَ بِنا)(٢) والباقون (لخُسِفَ بنا) من خسف المكان يخسف خسوفا أى ذهب فى الأرض ، وخسف الله به الأرض اى غيّبه فيها. وخسوف العين : ذهابها فى الرأس ، وخسوف القمر : كسوفه. وقال ثعلب كسفت الشمس وخسف القمر ، هذا أجود الكلام. وقال أبو حاتم إذا ذهب بعضها فهو الكسوف ، وإذا ذهب كلّها فهو الخسوف. والخسف : النقصان.

والخسء الزجر مع استهانة ، خسأت الكلب فخسأ أى زجرته مستهينا به فانزجر (٣).

وقوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ)(٤) شبّهوا بذلك لقلّة غنائهم.

__________________

(١) الآية ٨١ سورة القصص.

(٢) الآية ٨٢ سورة القصص.

(٣) الوارد من هذه المادة فى القرآن قوله تعالى فى الآية ١٠٨ من سورة المؤمنين : «اخْسَؤُا فِيها» وفى الآية ٤ من سورة الملك : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) ، وفى الآية ٦٥ من سورة البقرة (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) وكذا فى الآية ١٦٦ سورة الاعراف.

(٤) الآية ٤ سورة المنافقين.

٥٤٠