بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

٤٨ ـ بصيرة فى الحمل

مادّة (ح م ل) لمعنى واحد. واعتبر فى أشياء كثيرة فسوّى بين لفظه فى فعل ، وفرق بين كثير منها فى مصادرها (١). فقيل فى الأثقال المحمولة [فى الظاهر كالشىء المحمول على الظهر : حمل ، وفى الأثقال المحمولة](٢) فى الباطن : حمل كالولد فى البطن والماء فى السّحاب والثّمرة فى الشجرة تشبيها بحمل المرأة ، يقال حملت الثقل والرّسالة والوزر حملا.

وقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها)(٣) أى كلّفوا أن يتحمّلوها أى يقوموا بحقّها فلم يحملوها. ويقال حمّلته كذا فتحمّله ، وحملته على كذا فتحمّله واحتمله ، وحمله. وحملت المرأة : حبلت ، وكذا حملت الشجرة. ويقال : حمل وأحمال. قال تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ)(٤) وقوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)(٥) والأصل فى ذلك الحمل على الظّهر فاستعير للحبل ، بدلالة قولهم وسقت النّاقة إذا حملت ، وأصل الوسق الحمل المحمول على الظّهر : ظهر البعير. وقيل الحمولة (٦) لما يحمل عليه كالقتوبة والرّكوبة ، والحمولة (٧) لما يحمل ، والحمل للمحمول

__________________

(١) هذه عبارة الراغب. والفرق الذى ذكره ليس فى المصادر ، بل فى المحمول. فأما المصدر فهو فى جميعها فعل بفتح الفاء وسكون العين.

(٢) زيادة من الراغب.

(٣) الآية ٥ سورة الجمعة.

(٤) الآية ٤ سورة الطلاق.

(٥) الآية ١٥ سورة الاحقاف.

(٦) ب : «المحولة».

(٧) ظاهر القاموس أنه يفتح الحاء ، وفى الشرح بعد ذكر هذا الظاهر : «وضبطه الصاغانى والجوهرى بالضم : ومثله فى المحكم».

٥٠١

وخصّ الضأن الصّغير بذلك لكونه محمولا لعجزه (١) أو لقربه من حمل أمّه إيّاه. وجمعه أحمال وحملان [وبها] شبّه السّحاب فقيل (فَالْحامِلاتِ وِقْراً)(٢) والحميل : السّحاب الكثير الماء لكونه حاملا للماء. والحميل : ما يحمله السّيل ، والغريب تشبيها بالسّيل ، والولد فى البطن. والحميل : الكفيل لكونه حاملا للحقّ مع من عليه الحقّ. وحمّالة الحطب كناية عن النّمّام (٣) وفلان يحمل الحطب الرّطب أى ينمّ. قال الشّاعر :

نعم المعين على احتما

لك أيّها الرجل الجهول

علمى بأنك ميّت

ومسائل عمّا تقول

وقال :

سهّل على حامل لبدا تبلّله الشّمال فى حمل ذاك اللّبد مبلولا (٤) والحمل ورد فى القرآن على اثنى عشر وجها :

الأوّل : بمعنى قبول الأمانة (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ)(٥) أى قبلها.

الثانى : بمعنى الحفظ والرّعاية (حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ)(٦)(وَحَمَلْناهُ (٧) عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) أى حفظناه.

الثالث : بمعنى الضبط بشدّة القوّة (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ)(٨) ، (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ)(٩).

__________________

(١) ب : «بعجزه».

(٢) الآية ٢ سورة الذاريات.

(٣) كذا فى الراغب. وظاهر هذا أنه يقال للرجل : حمالة الحطب لا حمال ، فتكون الهاء للمبالغة.

(٤) الشعر فى الاصلين محرف ، وقد أثبته كما ترى بقدر جهدى.

(٥) الآية ٧٢ سورة الاحزاب.

(٦) الآية ١١ سورة الحاقة.

(٧) الآية ١٣ سورة القمر.

(٨) الآية ٧ سورة غافر.

(٩) الآية ١٧ سورة الحاقة.

٥٠٢

الرّابع : بمعنى الرّفع (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ)(١).

الخامس : بمعنى تحمّل المؤنة والنفقة (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ)(٢) أى لتنفق عليهم.

السّادس : بمعنى الالزام وطرح الحرم والجناية (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ)(٣)(وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ)(٤).

السّابع : حمل الوالدة (فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً)(٥)(وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ)(٦).

الثّامن : بمعنى الولد فى الرّحم (أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)(٧).

التّاسع : فى وضع الشىء فى موضعه عناية به (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)(٨).

العاشر : بمعنى الإيجاب والإلزام (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ)(٩).

الحادى عشر : بمعنى التّقصير فى الواجبات (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها)(١٠).

الثّانى عشر : بمعنى حقيقة الحمل (إِنِّي أَرانِي (١١) أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً) (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)(١٢) أى حاملة الشّوك.

__________________

(١) الآية ٧ سورة النحل.

(٢) الآية ٩٢ سورة التوبة.

(٣) الآية ١٣ سورة العنكبوت.

(٤) الآية ١٢ سورة العنكبوت.

(٥) الآية ١٨٩ سورة الاعراف.

(٦) الآية ٤ سورة الطلاق.

(٧) الآية ٤ سورة الطلاق.

(٨) الآية ٤٠ سورة هود.

(٩) الآية ٥ سورة الجمعة.

(١٠) الآية ٥ سورة الجمعة.

(١١) الآية ٣٦ سورة يوسف.

(١٢) الآية ٤ سورة المسد.

٥٠٣

٤٩ ـ بصيرة فى الحمى والحن

والحنث (١) والحنجرة والحنذ والحنف والحنك والحوذ والحور

والحيز والحوش [والحيص] والحوط والحيف والحيق

أمّا الحمى فهو الحرارة المتولّدة من الجواهر المحمية كالنّار والشّمس ، ومن القوّة الحارّة فى البدن. قال تعالى : (فى عين حامية) (٢) أى حارّة. وقرئ (حَمِئَةٍ) أى ذات حمأة وهى الطّين الأسود المنتن.

وقوله تعالى : (وَلا حامٍ)(٣) قيل : هو الفحل إذا ضرب (٤) عشرة أبطن قالوا : قد حمى ظهره فلا يركب. وأحماء المرأة : كلّ من كان من قبل زوجها. وقوله تعالى : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ)(٥) أى طين أسود منتن.

* * *

وقوله تعالى : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا)(٦) أى رحمة وعطفا. وأصله الحنين ، ولمّا كان الحنين نزاعا (٧) متضمّنا للإشفاق (٨) [والإشفاق لا ينفك (٩) من الرحمة] عبّر عن الرّحمة به فى قوله تعالى : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا)(١٠).

__________________

(١) سقط من النسختين الكلام على «الحنث» ، وقد وردت المادة فى الآيتين ٤٤ سورة ص و ٤٦ سورة الواقعة (التصحيح).

(٢) الآية ٨٦ سورة الكهف. وقد قرأ «حَمِئَةٍ» بالهمز من غير ألف نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص ويعقوب. والباقون «حامية» وهى القراءة التى بدأ بها المؤلف لتدخل فى «حمى».

(٣) الآية ١٠٣ سورة المائدة.

(٤) أى نزا على النياق ، وتكرر ذلك منه على السنين عشر مرات فى كل مرة يأتى نتاج منه ونسل.

(٥) الآيات ٢٦ ، ٢٨ ، ٣٣ سورة الحجر.

(٦) الآية ١٣ سورة مريم

(٧) كذا فى ب. وفى ا : «ترحما».

(٨) فى التاج نقلا عن الراغب : «للاشتياق ، والاشتياق ...».

(٩) زيادة من الراغب.

(١٠) الآية ١٣ سورة مريم

٥٠٤

وقوله تعالى : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ)(١) أى الغلاصم جمع حنجرة وهى رأس الغلصمة من خارج.

وقوله تعالى : (أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ)(٢) أى مشوىّ بين حجرين (٣) وإنّما يفعل ذلك لينصبّ (٤) عنه اللّزوجة الّتى فيه ، من قولهم : حنذت الفرس أى أحضرته (٥) شوطا أو شوطين ثمّ ظاهرت عليه الجلال (٦) ليعرق ، وهو محنوذ وحنيذ.

* * *

وقوله تعالى : (قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً)(٧) أى مائلا عن الباطل إلى الحقّ ، وعن الضّلال إلى الاستقامة. وسمّت العرب كلّ من اختتن أو حجّ حنيفا تنبيها على أنّه على دين إبراهيم عليه‌السلام.

* * *

وقوله تعالى : (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ)(٨) يحتمل أنّه مأخوذ من حنكت الدّابة : أصبت حنكه باللّجام والرّسن ، نحو قولك لألجمنّ فلانا ولأرسننّه. ويحتمل أن يكون مأخوذا من قولهم : احتنك الجراد الأرض أى استولى بحنكه (٩) عليها فأكلها واستأصلها. فيكون معناه : لأستولينّ عليهم استيلاء.

* * *

__________________

(١) الآية ١٠ سورة الاحزاب.

(٢) الآية ٦٩ سورة هود.

(٣) «الاصلين : «حنجرين» وما أثبت من الراغب.

(٤) فى الراغب : «لتتصبب».

(٥) أى حملته على الحضر وهو العدو. وقد استعمل «احضر» متعديا : وهو فى اللغة لازم ، يقال : أحضر الفرس. ويقال فى التعدية : استحضرت الفرس أى اعديته : كما فى اللسان

(٦) جمع جل بضم الجيم وفتحها. وهو كالثوب تلبسه الدابة لتصان به.

(٧) الآية ١٢٠ سورة النحل.

(٨) الآية ٦٢ سورة الاسراء.

(٩) فى ا : «بحنكها» ، وفى ب : «لحنكها» ، وما أثبت من الراغب

٥٠٥

وقوله تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ)(١) أى استاقهم مستوليا عليهم ، من حاذ الابل يحوذها إذا ساقها سوقا عنيفا ، أو من قولهم : استحوذ العير [على](٢) الأتان إذا استولى على حاذيها أى جانبى ظهرها.

وقوله تعالى : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ)(٣) جمع أحور وحوراء. والحور ـ محرّكة ـ : ظهور قليل من البياض فى العين من بين السّواد. وقد احورّت عينه. وذلك نهاية الحسن من العين. وقوله تعالى : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ)(٤) أى لن يبعث. وذلك نحو قوله تعالى : (زَعَمَ (٥) الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا). والحواريّون : أنصار عيسى : قيل : كانوا قصّارين (٦) وقيل : كانوا صيّادين ، وقال بعضهم : سمّوا به لأنّهم كانوا يطهّرون نفوس النّاس من الأدناس بإفادتهم العلم والدّين.

* * *

وقوله تعالى : (مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ)(٧) أى صائرا إلى حيّز ، وأصله من الواو. وذلك كلّ جمع منضمّ بعضه إلى بعض.

* * *

و (حاشَ لِلَّهِ)(٨) أى بعيدا منه. قال أبو عبيدة : هى تنزيه واستثناء.

__________________

(١) الآية ١٩ سورة المجادلة.

(٢) زيادة من الراغب.

(٣) الآية ٧٢ سورة الرحمن.

(٤) الآية ١٤ سورة الانشقاق.

(٥) الآية ٧ سورة التغابن.

(٦) القصار من يبيض الثياب ، وصنعته القصارة.

(٧) الآية ١٦ سورة الانفال.

(٨) الآيتان ٣١ ، ٥١ سورة يوسف.

٥٠٦

وقال أبو علىّ الفسوىّ : حاش ليس باسم (١) لأنّ حرف الجرّ لا يدخل على مثله ، وليس بحرف لأنّ الحرف لا يحذف منه ما لم يكن مضعّفا تقول حاشى وحاش. فمنهم من جعل حاش أصلا فى بابه وجعله من لفظ الحوش أى الوحش (٢). والحوشىّ : الغامض من الكلام ، والوحشىّ من الإبل وغيرها ، منسوب إلى الحوش وهو بلاد الجنّ : وقيل الحوش فحول (٣) جنّ ضربت فى نعم مهرة فنسب إليها.

* * *

وقوله تعالى : (ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ)(٤) أى محيد ومعدل ومميل ومهرب ، من حاص عنه حيصا وحيصة وحيوصا ومحيصا ومحاصا وحيصانا : عدل وحاد (٥)

* * *

والحائط : الجدار ، والإحاطة يقال على وجهين :

أحدهما : فى الأجسام نحو أحطت بمكان كدّا. ويستعمل فى الحفظ نحو : (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ)(٦) أى حافظ له من جميع جهاته. ويستعمل فى المنع نحو قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ)(٧) أى إلّا أن تمنعوا.

__________________

(١) فى الاصلين : «بحرف» وما أثبت عن الراغب. وقوله : «لان حرف الجر لا يدخل على مثله» يريد أنه لو كان اسما لدخل عليه حرف الجر ، وهو لا يدخل عليه لا تقول : من حاشى مثلا. وقوله : وليس حرف لأن الحرف لا يحذف منه ، أى أن «حاش» مختصرة من «حاشى» وهذا يرد كونها حرف لان الحذف من التصريف وهو لا يجرى فى الحروف ، وقد رد على هذا أن الحرف إذا كثر استعماله جرى فيه الحذف ، كقولهم : سو افعل فى سوف أفعل. وقوله «ما لم يكن مضعفا» أى نحو ربما فى ربما وترى انها عند الفسوى فعل.

(٢) كأنه يريد أن الحوش مقلوب الوحش.

(٣) فى الاصلين : «فحل» وما أثبت من الراغب.

(٤) الآية ٢١ سورة ابراهيم.

(٥) كذا فى ب والراغب. وفى أ : «جار»

(٦) الآية ٥٤ سورة فصلت.

(٧) الآية ٦٦ سورة يوسف.

٥٠٧

وقوله تعالى : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ)(١) فذلك أبلغ استعارة. وذلك أنّ الإنسان إذا ارتكب ذنبا واستمرّ عليه استجرّه إلى ارتكاب ما هو أعظم منه ، فلا يزال يرتقى حتّى يطبع على قلبه فلا يمكنه أن يخرج (٢) من تعاطيه. والاحتياط : استعمال ما فيه الحياطة أى الحفظ.

والثّانى : فى العلم نحو قوله تعالى (أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)(٣) فالإحاطة بالشىء علما هو أن يعلم وجوده وجنسه وكيفيّته وقدره وغرضه المقصود به وبإيجاده وما يكون هو منه ، وذلك ليس إلّا لله. وقال (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ)(٤) فنفى ذلك عنهم. وقال صاحب موسى (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)(٥) تنبيها أنّ الصّبر التّام إنّما يقع بعد إحاطة العلم بالشّىء. وذلك صعب إلّا بفيض إلهى.

وقوله تعالى : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ)(٦) فذلك إحاطة بالقدرة.

* * *

وقوله تعالى : (أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ)(٧) أى أن يجور فى حكمه.

* * *

(وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)(٨) أى لا ينزل ولا يصيب.

__________________

(١) الآية ٨١ سورة البقرة.

(٢) كذا فى ا والراغب وفى ب «يتحرج»

(٣) الآية ١٢ سورة الطلاق.

(٤) الآية ٣٩ سورة يونس.

(٥) الآية ٦٨ سورة الكهف.

(٦) الآية ٢٢ سورة يونس.

(٧) الآية ٥٠ سورة النور.

(٨) الآية ٤٣ سورة فاطر.

٥٠٨

٥٠ ـ بصيرة فى الحول

أصله تغيّر الشّىء وانفصاله عن غيره. وباعتبار التغيّر قيل : حال الشّىء يحول حئولا واستحال : تهيّأ لأن يحول ، وباعتبار الانفصال قيل : حال بينى وبينك كذا وقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)(١) هو إشارة إلى ما قيل فى وصفه تعالى : مقلّب القلوب وهو أن يلقى فى قلب الإنسان ما يصرفه عن مراده لحكمة تقتضى ذلك. وقيل : يحول بينه وبين قلبه هو أن يهلكه أو يردّه (٢) إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا.

وحوّلت الشّىء فتحوّل : غيّرته (٣) إمّا بالذّات وإمّا بالحكم والقول ومنه أحلت على فلان بالدّين. وقولهم : حوّلت الكتاب هو أن ينقل صورة ما فيه إلى غيره من غير إزالة الصّورة الأولى. وقوله تعالى : (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً)(٤) أى تحوّلا. والحول : السّنة اعتبارا بانقلابها ودوران الشّمس فى مطالعها ومغاربها. ومنه حالت السنة تحول. وحالت الدّار : تغيّرت وأحالت وأحولت : أتى عليها الحول نحو أعامت وأشهرت. وأحال فلان بمكان كذا : أقام به حولا. وحالت النّاقة تحول حيالا إذا لم تحمل. وذلك لتغيّر ما جرت به عادتها.

__________________

(١) الآية ٢٤ سورة الانفال.

(٢) ب : «ويرده».

(٣) فى الاصلين : «عبر عنه» وما أثبت من الراغب.

(٤) الآية ١٠٨ سورة الكهف.

٥٠٩

والحال لما يختصّ به الإنسان وغيره من أموره المتغيّرة فى نفسه وجسمه وقنياته. والحول : ما له من القوّة فى أحد هذه الأصول الثلاثة (١). ومنه لا حول ولا قوّة إلّا بالله. وحول الشّىء : جانبه الّذى يمكنه أى يحول إليه. والحيلة والحويلة (٢) : ما يتوصّل به إلى حالة ما فى خفية ، وأكثر استعماله فيما فى تعاطيه خبث (٣). وقد يستعمل فيما فيه حكمة ولهذا قيل فى وصف الله تعالى : (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ)(٤) أى الوصول فى خفية من النّاس إلى ما فيه حكمة. وعلى هذا النّحو وصف بالكيد والمكر لا على الوجه المذموم ، تعالى الله عن القبيح.

وأمّا المحال فما جمع فيه بين المتناقضين. وذلك يوجد فى المقال نحو أن يقال جسم واحد فى مكانين فى حالة واحدة. واستحال : صار محالا فهو مستحيل أى أخذ فى أن يصير محالا.

__________________

(١) أى النفس والجسم والقنية. وقد صرح بذلك التاج نقلا عن الراغب فى المستدرك.

(٢) الذى فى القاموس : «الحويل».

(٣) فى عبارة التاج نقلا عن الراغب : «حنث» ومن معانى الحنث الاثم.

(٤) الآية ١٣ سورة الرعد.

٥١٠

٥١ ـ بصيرة فى الحين

وهو وقت مبهم يصلح لجميع الأزمان طالت أو قصرت يكون سنة وأكثر. وقيل الحين الدّهر. وقيل : يختصّ بأربعين سنة ، وقيل سبع (١) سنين وقيل سنتين وقيل ستة أشهر وقيل شهرين وقيل فى كلّ غدوة وعشيّة حين. وقيل الحين : المدّة ومنه قوله تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ)(٢) أى حين ينقضى المدّة الّتى أمهلوها (٣) والجمع أحيان وجمع الجمع أحايين.

(وَلاتَ حِينَ)(٤) أى ليس حين. وإذا باعدوا بين الوقتين باعدوا بإذ فقالوا : حينئذ. وقوله تعالى : (وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ)(٥) أى إلى أجل. وقوله (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ)(٦) أى كلّ سنة. وقوله تعالى : (حِينَ تُمْسُونَ)(٧) أى ساعة تمسون. وقوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)(٨) المراد به الزّمان المطلق. وكذلك قوله تعالى : (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)(٩) وإنما فسّروا ذلك بما ذكرناه بحسب ما وجدوه قد علّق به. وحان حينه : قرب أوانه. والحين يعبّر به عن حين الموت. وحيّنت الشىء : جعلت له حينا. وأحينت بالمكان : أقمت به حينا.

__________________

(١) بالجر ، كما يدل عليه قوله : «وقيل سنتين». وهو معطوف على قوله : «بأربعين سنة» وفى الحقيقة مجرور بجار محذوف متعلق بمحذوف أيضا. والتقدير : وقيل يختص بسبع سنين. وكذا ما بعده. وهذا العطف يعرف بالعطف التلقينى ، وقد جاء فى قوله تعالى : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) وفى قوله تعالى : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ).

(٢) الآية ١٧٤ سورة الصافات.

(٣) ب : «أهملوها».

(٤) الآية ٣ سورة ص. وتمام الآية «وَلاتَ حِينَ مَناصٍ».

(٥) الآية ٩٨ سورة يونس.

(٦) الآية ٢٥ سورة ابراهيم.

(٧) الآية ١٧ سورة الروم.

(٨) صدر سورة الانسان.

(٩) الآية ٨٨ سورة ص.

٥١١

٥٢ ـ بصيرة فى الحى

وهو ضدّ الميّت. والحىّ بالكسر والحيوان ـ محرّكة ـ والحياة والحياة بفتح الياء وسكون الواو : نقيض الموت.

والحياة يستعمل على أوجه :

الأوّل : للقوّة النّامية الموجودة فى النبات والحيوان. ومنه قيل : نبات حىّ ، قال تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)(١).

الثّانى : للقوّة الحسّاسة ، وبه سمّى الحيوان حيوانا (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ)(٢) وقال تعالى (إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى)(٣) فقوله (إِنَّ الَّذِي أَحْياها) إشارة إلى القوة النّامية. وقوله (لَمُحْيِ الْمَوْتى) إشارة إلى القوّة الحسّاسة.

الثالث : للقوّة العالمة العاقلة كقوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(٤)

قال الشاعر (٥) :

لقد أسمعت لو ناديت حيّا

ولكن لا حياة لمن تنادى

الرّابع : عبارة عن ارتفاع الغمّ. وبهذا النّظر قال الشاعر (٦) :

ليس من مات فاستراح بميت

إنما الميت ميّت الأحياء

__________________

(١) الآية ٣٠ سورة الانبياء.

(٢) الآية ٢٢ سورة فاطر.

(٣) الآية ٣٩ سورة فصلت.

(٤) الآية ١٢٢ سورة الانعام.

(٥) هو عبد الرحمن بن الحكم كما فى شرح الصفدى للامية الطغرائى ٢ / ٧٠

(٦) هو عدى بن الرعلاء. وانظر اللسان. (موت).

٥١٢

وعلى هذا قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ)(١) أى [هم](٢) متلذّذون ، لما روى فى الأحاديث الصّحيحة من بيان أرواح الشهداء.

الخامس : الحياة الأخروية الأبديّة. وذلك يتوصّل إليه بالحياة الّتى هى العقل والعلم. وقوله تعالى : (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي)(٣) يعنى به الحياة الأخرويّة الدّائمة.

السّادس : الحياة الّتى يوصف بها البارئ تعالى ، فإنّه إذا قيل فيه تعالى : هو حىّ فمعناه : لا يصح عليه الموت ، وليس ذلك إلّا لله تعالى.

والحياة باعتبار الدّنيا والأخرى (٤) ضربان : الحياة الدّنيا والحياة الآخرة. قال تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ)(٥) أى الأعراض الدنيوية. وقوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ)(٦) أى حياة الدنيا. وقوله تعالى : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى)(٧) كان يطلب أن يريه الحياة الأخرويّة المعرّاة عن شوائب الآفات الدّنيوية.

وقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ)(٨) أى يرتدع بالقصاص من يريد الإقدام على القتل ، فيكون فى ذلك حياة النّاس. وقوله تعالى : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)(٩) أى من نجّاها من الهلاك. وعلى هذا قوله : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)(١٠) أى أعفو فيكون إحياء.

__________________

(١) الآيتان ١٦٩ ، ١٧٠ سورة آل عمران.

(٢) زيادة من الراغب.

(٣) الآية ٢٤ سورة الفجر.

(٤) ب : «الآخرة».

(٥) الآية ٢٦ سورة الرعد.

(٦) الآية ٩٦ سورة البقرة.

(٧) الآية ٢٦٠ سورة البقرة.

(٨) الآية ١٧٩ سورة البقرة.

(٩) الآية ٣٢ سورة المائدة.

(١٠) الآية ٢٥٨ سورة البقرة.

٥١٣

والحيوان : مقر الحياة. ويقال على ضربين : أحدهما ما له الحاسّة ، والثّانى ما له البقاء الأبدى. وهو المذكور فى قوله تعالى : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ)(١) وقد نبّه بقوله (لَهِيَ الْحَيَوانُ) أن الحيوان الحقيقىّ السّرمدىّ الّذى لا يفنى ، لا ما يبقى مدّة ويفنى بعد مدّة. وقال بعض اللغويّين الحيوان والحياة واحد. وقيل : الحيوان ما فيه الحياة والموتان ما ليس فيه الحياة. والحيا : المطر لأنّه يحيى به الأرض بعد موتها. وقوله تعالى : (نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى)(٢) فيه تنبيه أنه سماه بذلك من حيث إنّه لم تمته الذّنوب ، كما أماتت كثيرا من ولد آدم ، لا أنّه كان يعرف بذلك فقط فإنّ هذا قليل الفائدة. قوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)(٣) أى يخرج النّبات من الأرض والإنسان من النطفة (٤).

وقوله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها)(٥) فالتحيّة أن يقال : حيّاك الله أى جعل لك حياة. وذلك إخبار ثمّ يجعل دعاء [(٦) ويقال : حيّا فلان فلانا تحيّة إذا قال له ذلك ، وأصل التحية من الحياة ، ثم جعل ذلك دعاء] تحيّة لكون (٧) جميعه غير خارج عن حصول الحياة أو بسبب الحياة إمّا لدنيا أو لآخرة (٨). ومنه التّحيّات لله.

__________________

(١) الآية ٦٤ سورة العنكبوت. وتفسير الحيوان فى الآية بالحى ليس بالوجه ، بل الحيوان هنا الحياة ، والكلام على تقدير مضاف أى وان الدار الآخرة ذات الحيوان أى الحياة الحقيقية ، وقد ذكر هذا بعد.

(٢) الآية ٧ سورة مريم.

(٣) الآية ١٩ سورة الروم.

(٤) ترك تفسير قوله تعالى : «ويخرج الميت من الحى» وفسره الراغب باخراج النطفة من الانسان.

(٥) الآية ٨٦ سورة النساء.

(٦) زيادة من الراغب.

(٧) كذا فى ب والراغب. وفى أ : «لكونه»

(٨) كذا فى ب وفى أ : «الدنيا أو الآخرة».

٥١٤

٥٣ ـ بصيرة فى الحياء (١)

وهو انقباض النفس عن القبائح وعن التّفريط فى حقّ صاحب الحقّ. وقال (٢) ذو النّون : الحياء وجود الهيبة فى القلب مع وحشة ممّا سبق منك إلى ربّك ، والحبّ ينطق ، والحياء يسكت ، والخوف يقلق.

وقد قسم الحياء على عشرة أوجه : حياء جناية وحياء تقصير ، وحياء إجلال ، وحياء كرم ، وحياء حشمة ، وحياء (استقصار النّفس (٣)) ، وحياء محبّة ، وحياء عبوديّة ، وحياء شرف وعزّة ، وحياء المستحى من (٤) نفسه.

فأمّا حياء الجناية فمنه حياء آدم لما فرّ هاربا فى الجنّة ، قال الله تعالى : إفرارا منّى يا آدم؟! قال : لا يا ربّ بل حياء منك. وحياء التقصير كحياء الملائكة الّذين يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون ، فإذا كان يوم القيامة قالوا : سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك. وحياء الإجلال هو حياء المعرفة ، وعلى حسب معرفة العبد بربّه يكون حياؤه منه. وحياء الكرم كحياء النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من القوم الّذين دعاهم إلى وليمة زينب وطوّلوا عنده فقام واستحى أن يقول لهم : انصرفوا. وحياء الحشمة كحياء على بن أبى طالب أن يسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن المذى لمكان ابنته. وحياء الاستحقار

__________________

(١) كذا فى أ. وفى ب : «فصل» وكأن وجهه أن الحياة داخل فى مادة الحى الذى عقد له البصيرة السابقة ، فجعله لهذا فصلا.

(٢) انظر الرسالة القشيرية ١٢٨

(٣) ب : «استصغا وللنفس». واستقصار لنفس : عدها قصيرة لا تنال المعالى ولم أقف على هذه الصيغة فى اللغة.

(٤) كذا فى ب. وفى أ : «عن».

٥١٥

واستصغار النفس كحياء العبد من ربّه حين يسأله حوائجه احتقارا لشأن نفسه واستصغارا لها.

وأمّا حياء المحبة فحياء المحبّ من محبوبه ، حتّى إنّه إذا خطر على قلبه فى حال غيبته هاج الحياء فى قلبه وظهر أثره فى وجهه ولا يدرى ما سببه. وكذلك يعرض للمحبّ عند ملاقاة محبوبه ومناجاته له روعة شديدة. ومنه قولهم جمال رائع. وسبب هذا الحياء والرّوعة ممّا لا يعرفه أكثر الناس. ولا ريب أنّ للمحبّة سلطانا قاهرا للقلب أعظم من سلطان من يقهر البدن ، فأين من يقهر قلبك وروحك ممّن يقهر بدنك؟! ولذلك تعجّبت الملوك والجبابرة من قهرهم للخلق وقهر المحبوب لهم. فإذا فاجأ (١) المحبوب محبّه ورآه بغتة أحسّ القلب بهجوم سلطانه فاعتراه روعة وخوف (٢).

وأمّا حياء العبوديّة فهو ممتزج من حبّ وخوف ومشاهدة عدم صلاحية عبوديّته لمعبوده ، وأنّ قدره أعلى وأجلّ منها ، فعبوديته له توجب استحياءه منه لا محالة.

وأمّا حياء الشّرف والعزّة فحياء النّفس العظيمة الكبيرة إذا صدر منه ما هو دون قدرها من بذل أو إعطاء أو إحسان ، فإنّه يستخرج مع بذله حياء وشرف نفس وعزّة. وهذا له سببان : أحدهما هذا ، والثانى استحياءه من الآخذ ، حتّى إنّ بعض الكرماء يستحى من خجلة الآخذ.

وأمّا حياء المؤمن من نفسه فهو حياء النفوس الشّريفة العزيزة من رضاها لنفسه بالنّقص وقنعها بالدّون ، فيجد نفسه مستحبيا من نفسه حتّى كأنّه

__________________

(١) كذا فى ب. وفى أ : «فاجاه».

(٢) كذا فى ب. وفى ا وهامش ب : «خوفه».

٥١٦

له نفسان تستحى إحداهما من الأخرى ، وهذا أكمل ما يكون من الحياء ، فإنّ العبد إذا استحيا من نفسه فهو بأن يستحى من غيره أجدر. وقال (١) يحيى بن معاذ رحمه‌الله : من استحى من الله مطيعا استحى الله منه وهو مذنب. وهذا الكلام يحتاج إلى شرح ، ومعناه أنّ من غلب عليه خلق الحياء من الله حتّى فى حال طاعته فقلبه (٢) مطرق من بين يديه إطراق مستحى خجل ، فإنّه إذا واقع (٣) ذنبا استحى الله عزوجل من نظره إليه فى تلك الحالة لكرامته عليه فيستحى أن يرى من وليّه ومن يكرم عليه ما يشينه. وفى الشاهد [ما يشهد] بذلك ، فإن الرّجل إذا اطّلع على أخصّ النّاس به وأحبّهم إليه من صاحب أو ولد أو حبيب وهو يخونه فإنّه يلحقه من ذلك الاطّلاع حياء عجيب حتّى كأنّه هو الجانى ، وهذا غاية الكرم. وقد قيل : إنّ سبب هذا الحياء أنّه يمثّل نفسه الجانى فيلحقه الحياء كما إذا شاهد الرّجل من أحصر على المنبر عن الكلام فيلحقه الحياء فإنّه يخجل تمثيلا لنفسه بتلك الحالة.

وأمّا حياء الربّ ـ تبارك وتعالى ـ من عبده فنوع آخر لا تدركه الأوهام ولا تكيّفه العقول ، فإنّه حياء كرم وبرّ وجود ، فإنّه خير كريم يستحى من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردّهما صفرا ، ويستحى أن يعذّب ذا شيبة شابت فى الإسلام. وكان يحيى بن معاذ يقول : سبحان من يذنب عبده ويستحى هو (٤).

__________________

(١) انظر الرسالة القشيرية ١٢٩

(٢) فى الاصلين : «فعليه» والظاهر أنه محرف عما أثبت.

(٣) فى الاصلين : «وقع» والظاهر ما أثبت.

(٤) فى الرسالة ١٢٩ : «العبد فيستحيى هو منه».

٥١٧

واختلف العلماء فى الحياء ممّا ذا يتولّد. فقيل : من تعظيم منوط بودّ. وقال الجنيد : يتولّد من مشاهدة النّعم ورؤية التّقصير. وقيل : يتولّد من شعور القلب بما يستحى منه وشدّة نفرته (١) عنه فيتولّد من هذا الشعور والنفرة حالة تسمّى الحياء. ولا تنافى بين هذه الأقوال ، لأنّ للحياء عدّة أسباب ، كلّ أشار إلى بعضها.

__________________

(١) يريد النفور. ولم اقف على هذا المصدر. وقد يقرا «نفرته» بفتح النون المرة من النفور.

٥١٨

الباب الثامن

فى وجوه الكلمات المفتحة بحرف الخاء

وهى الخاء ، الخبت ، الخبث ، الخبر ، الخبط ، الخبل ، الخبء ، الختر ، الختم ، الخداع ، الخدن ، الخذل ، الخرب ، الخروج ، الخرط ، الخرق ، الخزن ، الخزى ، الخسر ، الخسف ، الخسأ ، الخشب ، الخشوع ، الخشية ، الخصوص ، الخصف ، الخصم ، الخضر ، الخضوع ، الخطّ ، الخطب ، الخطف ، الخطأ ، الخفيف ، الخفى ، الخلل ، الخلود ، الخالص ، الخلط ، الخلع ، الخلف ، الخلق ، الخلاء ، الخمر ، الخير ، الخيط ، الخيل ، الخول ، الخوف ، الخلاء.

١ ـ بصيرة فى الخاء

اعلم أنّ الخاء ورد فى القرآن وفى لغة العرب على وجوه عشر :

الأوّل : الخاء حرف من حروف التّهجّى. وهى من حروف الحلق من قرب مخرج العين فى أنحاء الحلق ، يمدّ ويقصر. وهو خائىّ وخاوىّ وخيوىّ (١) وقد خيّيت خاء حسنا وحسنة ، ويذكّر ويؤنّث. ويجمع على أخياء وأخواء وخاءات.

__________________

(١) فى الاصلين : «خوى» والوجه ما أثبت أو خووى.

٥١٩

الثّانى : الخاء اسم للعدد الّذى هو ستّمائة.

الثّالث : الخاء الكافية ، يقتصرون على الخاء من الخليل والأخ ، قال :

هو خائى وإننى لأخوه

لست ممّن يضيع حقّ الخليل

أى هو أخى.

الرّابع : الخاء المكرّر نحو خاء سخّن وسخّر.

الخامس : الخاء المدغمة فى مثل فخّ وزخّ فى قفاه.

السّادس : خاء العجز والضّرورة ، فإنّ بعض النّاس يجعل الخاء حاء.

السّابع : خاء ملحق بنوع من الأصوات نحو بخ بخ فى حال التلذّذ وأخ فى حال التوجّع ، قال :

* وكان وصل الغانيات أخّا*

الثّامن : الخاء الأصلىّ فى سخر وخسر ورسخ.

التّاسع : الخاء المبدلة من الحاء نحو خمص الجرح وحمص إذا تورّم (١)

العاشر : الخاء اللّغوى ، قال الخليل : الخاء عندهم شعر العانة وما حوليها.

قال الشاعر :

بجسمك خاء فى التواء كأنها

حبال بأيدى صالحات نوائح

__________________

(١) كذا فى الأصلين ، وفى القاموس : «سكن ورمه».

٥٢٠