بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

(وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ)(١) أى حافظ لأعمالهم ، أو بمعنى مفعول أى محفوظ لا يضيع ، كقوله تعالى : (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى)(٢).

والحفظة ، الملائكة الّذين يكتبون أعمال بنى آدم ، وجمع الرّجل الحافظ الحافظون والحفّاظ والحفظة. والحفيظ : الموكّل بالشىء يحفظه. والحفيظ فى صفات الله تعالى : الّذى لا يعزب عنه مثقال ذرّة فى الأرض ولا فى السّماء ، وقد حفظ على عباده ما يعملون من خير وشرّ ، وقد حفظ السموات والأرض (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما)(٣). والحفاظ المحافظة على العهد ، والوفاء بالعقد (٤) ، والتّمسّك بالودّ. والحفاظ أيضا أن يحفظ كلّ واحد الآخر. وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ)(٥) فيه تنبيه أنّهم يحفظون الصّلاة بمراعاة أوقاتها ، ومراعاة أركانها ، والقيام بها فى غاية ما يكون من الطّوق ، وأنّ الصّلاة تحفظهم الحفظ الّذى نبّه عليه فى قوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(٦).

وأهل الحفيظة والحفائظ هم المحامون من وراء إخوانهم ، المتعاهدون لعوراتهم ، الذابّون عنها. والتحفّظ هو قلّة الغفلة. وحقيقته إنّما هو تكلّف الحفظ لضعف القوّة الحافظة. والحفيظة : الغضب الّذى يحمل على المحافظة

__________________

(١) الآية ٤ سورة ق.

(٢) الآية ٥٢ سورة طه.

(٣) الآية ٢٥٥ سورة البقرة.

(٤) فى الاصلين : «بالعفو». وما أثبت عن التاج.

(٥) الآية ٩ سورة المؤمنين.

(٦) الآية ٤٥ سورة العنكبوت.

٤٨١

ثمّ استعمل فى الغضب المجرّد. والمحفظات : الأمور الّتى تحفظ الرّجل أى تغضبه إذا وتر فى حميمه (١) وجاره. قال القطامىّ :

أخوك الذى لا تملك الحسّ نفسه

وترفضّ عند المحفظات الكتائف (٢)

يقول : إذا استوحش الرّجل من ذى قرابته فاضطغن عليه لإساءة بدت منه فأوحشه ثمّ رآه يضام زال عن قلبه ما ألمّ به من الحقد وغضب له ونصره وانتقم له من ظالمه. قال قريط بن أنيف :

إذن لقام بنصرى معشر خشن

عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا (٣)

وقال :

وما العفو إلّا لامرئ ذى حفيظة

متى يعفّ عن ذنب امرئ السّوء يلجج (٤)

__________________

(١) الحميم : القريب. وقد يكون للجمع والمؤنث ، كما فى القاموس

(٢) الحس : العطف والرقة. والكتائف : الاحقاد ، واحدها كتيفة. والارفضاض : التفرق

(٣) من قصيدة هى أول الحماسة. وقبله :

لو كنت من مازن لم تستبح إبلى

بنو اللّقيطة من ذمل بن شيبانا

واللوثة الضعف والاسترخاء.

(٤) فى الأصلين : «يلحح». وما أثبتت عن اللسان والتاج.

٤٨٢

٤١ ـ بصيرة فى الحفا

يقال : حفيت بفلان وتحفّيت به إذا عنيت بكرامته. والحفىّ فى قوله تعالى (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا)(١) : البرّ اللّطيف. والحفىّ أيضا : العالم الّذى يتعلّم الشىء باستقصاء. والإحفاء فى السّؤال : التّترع (٢) فى الإلحاح والمطالبة ، أو فى البحث عن تعرّف الحال. وعلى الوجه الأوّل يقال : أحفيت السؤال ، وأحفيت فلانا فى السّؤال ؛ قال تعالى : (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا)(٣) وأصل ذلك من أحفيت الدّابة : جعلته حافيا ، وأحفيت الشّارب : أخذته أخذا متناهيا.

__________________

(١) الآية ٤٧ سورة مريم.

(٢) فى الاصلين : «التبرع» وما أثبت من الراغب. والتترع : التسرع.

(٣) الآية ٣٧ سورة محمد.

٤٨٣

٤٢ ـ بصيرة فى الحق

أصل الحقّ المطابقة والموافقة ، كمطابقة رجل الباب فى حقّه (١) لدورانه على الاستقامة.

والحقّ يقال على أربعة أوجه :

الأوّل : يقال لموجد الشىء بحسب ما تقتضيه الحكمة. ولذلك قيل فى الله تعالى : هو الحقّ.

الثّانى : يقال للموجد (٢) بحسب ما تقتضيه الحكمة. ولذلك يقال : فعل الله تعالى كلّه حقّ ؛ نحو قولنا : الموت حقّ ، والبعث حقّ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً)(٣) إلى قوله (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ)

الثالث : الاعتقاد فى الشىء المطابق لما عليه ذلك الشىء فى نفسه ؛ كقولنا : اعتقاد فلان فى البعث والثواب والعقاب والجنة والنّار حقّ.

الرّابع : للفعل والقول الواقع بحسب ما يجب ، وبقدر ما يجب ، وفى الوقت (٤) الذى يجب ، كقولنا : فعلك حق ، وقولك حق. وقوله تعالى (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ)(٥) يصح أن يكون المراد به الله تعالى ، ويصحّ أن (يراد) (٦) به الحكم الّذى هو بحسب مقتضى الحكمة. ويقال : أحققت كذا

__________________

(١) المراد به النقرة التى يدور فيها رجل الباب المعروفة بعقب الباب.

(٢) فى التاج : «للموجود».

(٣) الآية ٥ سورة يونس.

(٤) كذا فى ب. وفى ا : «الواقع».

(٥) الآية ٧١ سورة المؤمنين.

(٦) كذا فى أ. وفى ب : «يكون المراد».

٤٨٤

أى أثبتّه حقّا ، أو حكمت بكونه حقّا. وقوله تعالى : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ)(١) فإحقاق الحقّ على ضربين : أحدهما بإظهار الأدلّة والآيات ، كما قال (وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً)(٢) أى حجّة قويّة. والثّانى بإكمال الشريعة وبثّها (٣) ، كقوله تعالى : (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(٤) وقوله : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ)(٥) إشارة إلى القيامة كما فسّره بقوله : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ)(٦) لأنّه يحقّ فيه الجزاء.

ويستعمل استعمال الواجب اللازم والجائز نحو (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(٧) وقوله : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ)(٨) [قيل معناه جدير]. وقرئ (حقيق علىَّ) (٩) قيل واجب.

والحقيقة تستعمل تارة فى الشىء الذى له ثبات ووجود : كقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحارثة «لكلّ حقّ حقيقة فما حقيقة إيمانك» أى ما الذى ينبئ عن كون ما تدّعيه حقّا. وفلان يحمى حقيقته أى ما يحقّ عليه أن يحميه ، وتارة تستعمل فى الاعتقاد كما تقدّم ، وتارة فى العمل وفى القول فيقال : فلان لفعله حقيقة إذا لم يكن مرائيا فيه ؛ ولقوله حقيقة إذا لم

__________________

(١) الآية ٨ سورة الانفال.

(٢) الآية ٩١ سورة النساء.

(٣) كذا فى ب. وفى ا : «ثبتها» وكان الاصل : «تبيثتها».

(٤) الآية ٨ سورة الصف.

(٥) صدر سورة الحاقة.

(٦) الآية ٦ سورة المطففين.

(٧) الآية ٤٧ سورة الروم.

(٨) الآية ١٠٥ سورة الاعراف.

(٩) زيادة من الراغب. والقراءة الاولى قراءة الجمهور غير نافع ، والثانية قراءة نافع. وقد ضمن «حقيق» فى القراءة الاولى معنى «حريص» فعدى بعلى.

٤٨٥

يكن فيه مترخّصا ومتزايدا. ويستعمل فى ضدّه المتجوّز (١) والمتوسّع (٢) والمتفسّح (٣). وقيل : الدّنيا باطل والآخرة حقيقة ، تنبيها على زوال هذه وبقاء تلك. وأمّا فى تعارف الفقهاء والمتكلّمين فهى اللّفظ المستعمل فيما وضع له فى أصل اللّغة.

__________________

(١) أى المتجوز فيه ، والمتوسع فيه ، المنفسح فيه.

٤٨٦

٤٣ ـ بصيرة فى الحكم والحكمة

الحكم لغة : القضاء ، والجمع أحكام. وقد حكم عليه بالأمر حكما وحكومة. والحاكم : منفّذ الحكم وكذلك الحكم والجمع حكّام. وحاكمه إلى الحاكم : دعاه وخاصمه. وحكّمه فى الأمر : أمره أن يحكم ، فاحتكم. وتحكّم : جاز فيه حكمه. والاسم الأحكومة والحكومة. و [تحكيم الحروريّة (١)] قولهم لا حكم إلّا لله. وحكّام العرب فى الجاهلية أكثم بن صيفىّ وحاجب ابن زرارة والأقرع بن حابس وربيعة بن مخاشن وضمرة بن ضمرة لتميم ، وعامر بن الظرب وغيلان بن سلمة لقيس ، وعبد المطّلب (وأبو طالب) (٢) والعاص (٣) بن وائل والعلاء بن حارثة لقريش ، وربيعة بن حذار لأسد ، ويعمر (٤) بن الشّدّاخ وصفوان بن أميّة وسلمى ابن نوفل لكنانة.

والحكمة : العدل والعلم والحلم والنبوّة والقرآن والإنجيل وطاعة الله والفقه فى الدّين والعمل به أو الخشية أو الفهم أو الورع أو العقل أو الإصابة فى القول والفعل والتفكر فى أمر الله واتّباعه. وهو حكيم أى عدل حليم. وحكمه (٥) وأحكمه : أتقنه ومنعه من الفساد. وسورة محكمة : غير منسوخة. والآيات المحكمات (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)(٦)

__________________

(١) زيادة من القاموس والتاج. والحرورية : الخوارج.

(٢) سقط فى ب.

(٣) رسم فى القاموس «العاصى».

(٤) كذا ورد فى القاموس. وفى التاج أن الصواب حذف «بن».

(٥) يؤخذ من القاموس أن الفعل الثلاثى للمنع عن الفساد ، ولا يأتى للاتقان كما هنا.

(٦) الآية ١٥١ سورة الانعام.

٤٨٧

إلى آخر السّورة ، أو الّتى أحكمت فلا يحتاج سامعها إلى تأويلها لوضوحها كأقاصيص الأنبياء عليهم‌السلام. والمحكّم ـ بكسر الكاف ـ : الشيخ المجرّب. والحكم محرّكة (١) : الرّجل المسنّ.

والحكم (٢) وردت فى القرآن على نيّف وعشرين وجها :

الأوّل : حكم الله تعالى (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ)(٣).

الثانى : حكم نوح فى شفاعة النّبيّين (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ)(٤) حكم لوط عند استغاثته (٥) من جور المجرمين (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً)(٦) وحكم يوسف الصّدّيق عند الخلوة بسيّدة الحسان (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً)(٧) وحكمه أيضا بتعبير الرّؤيا لأهل الاسجان (٨)(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)(٩) وحكم إخوة يوسف عند توقّف بعضهم عن الرّواح إلى كنعان (حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ)(١٠) وحكم داود لمّا ترافع إليه الخصمان (فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ)(١١) وحكم خلفاء الله بين نوع الإنسان (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)(١٢) والحكم بين الزّارع والرّاعى من داود وسليمان (إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ)(١٣) وحكم اليهود بالتّوراة وشرائعها (وَعِنْدَهُمُ

__________________

(١) سقط فى ب.

(٢) يريد مادة الحكم ، على أى صيغة وردت. ويلاحظ أنه ذكر الاول والثانى ، ثم أتى بالباقى سردا من غير أن يذكر أعدادها المرتبة. وهو يفعل هذا كثيرا.

(٣) الآية ٨ سورة التين.

(٤) الآية ٤٥ سورة هود.

(٥) ب : «استعانته».

(٦) الآية ٧٤ سورة الانبياء.

(٧) الآية ٢٢ سورة يوسف.

(٨) جمع سجن ، كحمل وأحمال.

(٩) الآية ٦٧ سورة يوسف.

(١٠) الآية ٨٠ سورة يوسف.

(١١) الآية ٢٢ سورة ص.

(١٢) الآية ٢٦ سورة ص.

(١٣) الآية ٧٨ سورة الانبياء.

٤٨٨

التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ)(١) وحكم النّصارى بالإنجيل وأحكامها (٢)(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ)(٣) وحكم سيّد الأنبياء بما تضمّنه القرآن (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ)(٤) والحكم الجاهلىّ الّذى طلبه الجهّال من أهل الكفر والطّغيان (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ)(٥) والحكم الحقّ المنصوص فى القرآن (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً)(٦) والحكم الجزم البتّ فى شأن أهل النفاق والخذلان (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ)(٧) والحكم المقبول من المؤمنين بواسطة الإيمان ، المقابل بالتّذلل والتّواضع والإذعان (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ)(٨) والحكم فى القيامة بين جميع الإنس والجانّ (إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٩) والحكم بين الرّجال والنّسوان (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها)(١٠) وحكم بجزاء الصّيد على المحرم عند العدوان (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ)(١١) وحكم من الله بالحقّ إذا اختلف المختلفان (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ)(١٢) وحكم الكفّار فى دعوى مساواتهم مع أهل الإيمان (ساءَ ما يَحْكُمُونَ)(١٣)(ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(١٤) وحكم بتقديم الأرواح وتأخيرها من الرّحمن (وَاللهُ

__________________

(١) الآية ٤٣ سورة المائدة.

(٢) كذا فى الاصلين. وكأنه راعى فى الانجيل معنى الصحف أو الآيات فأنث.

(٣) الآية ٤٧ سورة المائدة.

(٤) الآية ٤٩ سورة المائدة.

(٥) الآية ٥٠ سورة المائدة.

(٦) الآية ٥٠ سورة المائدة.

(٧) الآية ٦٥ سورة النساء.

(٨) الآية ٤٨ سورة النور.

(٩) الآية ١٢٤ سورة النحل.

(١٠) الآية ٣٥ سورة النساء.

(١١) الآية ٩٥ سورة المائدة.

(١٢) الآية ١٠ سورة الشورى.

(١٣) الآية ١٣٦ سورة الأنعام ، وورد فى آيات أخرى.

(١٤) الآية ١٥٤ سورة الصافات ، والآية ٣٦ سورة القلم.

٤٨٩

يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ)(١) وحكم بتخليد الكفّار فى النّيران (إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ)(٢) وحكم بتخليد ثواب أهل الإيمان فى الجنان (٣).

وأمّا الحكمة فمن الله ـ تعالى ـ معرفة (الأشياء وإيجادها) (٤) على غاية الإحكام والإتقان ، ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات.

وقد (٥) وردت فى القرآن على ستّة أوجه :

الأوّل : بمعنى النبوّة والرّسالة (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ)(٦)(وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ)(٧)(وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ)(٨) أى النبوّة.

الثانى : بمعنى القرآن والتّفسير والتأويل وإصابة القول فيه (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)(٩).

الثالث : بمعنى فهم الدّقائق والفقه فى الدّين (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(١٠) أى فهم الأحكام.

الرّابع : بمعنى الوعظ والتّذكير (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ)(١١) أى المواعظ الحسنة (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ)(١٢).

__________________

(١) الآية ٤١ سورة الرعد.

(٢) الآية ٤٨ سورة غافر.

(٣) الاولى حذفه ، ولم يأت بمثال لهذا القسم.

(٤) ب : «الانبياء واتخاذها» وهو تصحيف.

(٥) فى الاصلين : «فقد».

(٦) الآية ٤٨ سورة آل عمران.

(٧) الآية ٢٠ سورة ص.

(٨) الآية ٢٥١ سورة البقرة.

(٩) الآية ٢٦٩ سورة البقرة.

(١٠) الآية ١٢ سورة مريم ويلاحظ أن الآية فيها الحكم لا الحكمة.

(١١) الآية ٥٤ سورة النساء.

(١٢) الآية ٨٩ سورة الانعام وفيها الحكم لا الحكمة.

٤٩٠

الخامس : آيات القرآن وأوامره ونواهيه (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)(١).

السّادس : بمعنى حجّة العقل على وفق أحكام الشّريعة (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ)(٢) أى قولا يوافق العقل والشرع.

وأصل المادّة موضوع لمنع يقصد به إصلاح ومنه سمّى حكمة (٣) الدّابة فقيل : حكمته وحكمت الدّابة منعتها بالحكمة ، وأحكمتها : جعلت لها حكمة والحكم بالشىء أن تقضى (٤) بأنه كذا أو ليس بكذا سواء ألزمت ذلك غيرك (٥) أو لم تلزمه ، قال الشاعر (٦) :

واحكم كحكم فتاة الحىّ إذ نظرت

إلى حمام سراع وارد الثّمد

وإذا وصف القرآن بالحكمة فلتضمّنه الحكمة نحو (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ)(٧) وقيل : معنى الحكيم المحكم نحو (أُحْكِمَتْ آياتُهُ)(٨) وكلا المعنيين صحيح. والحكم أعمّ من الحكمة فكلّ حكمة حكم وليس كلّ حكم حكمة (٩). وقوله * الصّمت حكم وقليل فاعله* أى حكمة

__________________

(١) الآية ١٢٥ سورة النحل.

(٢) الآية ١٢ سورة لقمان.

(٣) الحكمة فى اللجام. وفسرها فى القاموس بأنها ما أحاط بحنكى الفرس من اللجام ، وفسرها غيره بأنها حديدة من اللجام تكون فى الفم.

(٤) فى الاصلين : «يقضى». وما أثبت من الراغب.

(٥) فى الاصلين : «غيره» وما أثبت من الراغب.

(٦) هو النابغة الذبيانى من قصيدة يمدح فيها النعمان بن المنذر ، ويعتذر اليه من وشاية به. وفتاة الحى قيل هى زرقاء اليمامة ولها قصة فى حدة النظر والاصابة من بعيد. والثمد الماء القليل.

(٧) أول سورة يونس.

(٨) الآية ١ سورة هود.

(٩) فى الراغب بعده : «فان الحكم أن يقضى بشيء على شىء فيقول هو كذا أو كذا (و) قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ان من الشعر لحكمة ، أى قضية صادقة ، وذلك نحو قول لبيد : «أن تقوى ربنا خير نفل ، أى أن الحكم القضاء بالشىء ، صوابا كان الحكم أو خطأ ، والحكمة السداد والصدق».

٤٩١

(وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ)(١) قيل : تفسير القرآن. والمحكّمون أصحاب الأخدود يروى (٢) بفتح الكاف وكسرها ، سمّوا لأنّهم خيّروا بين أن يقتلوا مسلمين وبين أن يرتدّوا. ومنه الحديث (٣) «إنّ الجنّة للمحكّمين» وقيل عنى المتخصّصين بالحكمة.

وأمّا الحكيم فقد ورد فى القرآن على خمسة أوجه :

الأوّل : بمعنى الأمور المقضيّة على وجه الحكمة (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)(٤).

الثانى : بمعنى اللّوح المحفوظ (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)(٥).

الثالث : بمعنى الكتاب المشتمل على قبول (٦) المصالح (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ)(٧) وقيل فى معناه غير ذلك وقد تقدّم.

الرّابع : بمعنى القرآن العظيم المبيّن لأحكام الشّريعة (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ).

الخامس : المخصوص بصفة الله عزوجل تارة مقرونا بالعلوّ والعظمة (إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)(٨) وتارة مقرونا بالعلم والدّراية (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(٩) وتارة مقرونا بكمال الخبرة (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)(١٠) وتارة مقرونا بكمال العزّة (١١)(وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)(١٢).

__________________

(١) الآية ٣٤ سورة الاحزاب.

(٢) ب : «سيروى».

(٣) ورد فى النهاية. وما ذكره فى تسميتهم هو على رواية الفتح. واما على الكسر فلانهم انصفوا من أنفسهم كما فى النهاية.

(٤) الآية ٤ سورة الدخان.

(٥) الآية ٤ سورة الزخرف و (حكيم) فى الآية من وصف القرآن لا اللوح المحفوظ المعبر عنه بام الكتاب.

(٦) كذا فى الاصلين. وكأنه محرف عن (قول).

(٧) أول سورة يونس.

(٨) الآية ٥١ سورة الشورى.

(٩) الآية ٨٣ سورة يوسف.

(١٠) الآية ١ سورة هود.

(١١) ب : «العز».

(١٢) الآية ١٥٨ سورة النساء.

٤٩٢

٤٤ ـ بصيرة فى الحل

حلّ المكان وحلّ به يحلّ ويحلّ حلّا وحلولا وحللا ـ وهو نادر ـ نزل به [فهو (١) حالّ]. وكذلك احتلّه واحتلّ به. والجمع حلول وحلّال وحلّل. وأحلّه المكان وبه حلّله إيّاه. وحلّ به جعله يحلّه. وحالّه : حلّ معه. وحليلتك : امرأتك وأنت حليلها. ويقال للمؤنّث : حليل أيضا. وحليلتك جارتك.

وأصل الحلّ حلّ العقدة. ومنه قوله تعالى : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي)(٢) وحللت : نزلت ، من حلّ الأحمال عند النّزول ، ثمّ جرّد (٣) استعماله للنزول قال تعالى (تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ)(٤)(وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ)(٥) ويقال : حلّ الدين أى وجب أداؤه. والمحلّة : مكان النّزول. وعن حلّ العقدة استعير قولهم حلّ الشىء حلالا. ومنه قوله تعالى : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً)(٦) ومن الحلول أحلّت الشّاة : نزل اللّبن فى ضرعها. وقوله تعالى : (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)(٧) وأحلّ الله كذا.

وقوله تعالى : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ)(٨) فإحلال الأزواج فى الوقت لكونهنّ تحته ، وإحلال بنات العم وما بعدهنّ إحلال التّزوج بهنّ. ورجل

__________________

(١) زيادة من القاموس.

(٢) الآية ٢٧ سورة طه.

(٣) كذا فى الاصلين والتاج. وفى الراغب : «جرى».

(٤) الآية ٣١ سورة الرعد.

(٥) الآية ٢٨ سورة ابراهيم.

(٦) الآية ٨٨ سورة المائدة.

(٧) الآية ١٩٦ سورة البقرة.

(٨) الآية ٥٠ سورة الاحزاب.

٤٩٣

حلال ومحلّ إذا خرج من الإحرام أو خرج من الحرم. وقوله تعالى : (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ)(١) أى حلال.

وقوله تعالى : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ)(٢) أى بيّن ما تنحلّ به عقدة أيمانكم من الكفّارة. وفى الحديث «لا يموت لرجل (٣) ثلاثة من الولد فتمسّه النّار إلّا تحلّة القسم» أى إلّا قدر ما يقول إن شاء الله تعالى. والحليل : الزّوج [إمّا] لحلّ كلّ واحد منهما إزاره للآخر ، وإمّا لنزوله معه ، وإمّا لكونه حلالا له.

__________________

(١) الآية ٢ سورة البلد.

(٢) الآية ٢ سورة التحريم.

(٣) رواه مالك والبخارى ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه كما فى الترغيب والترهيب «ترغيب من مات له ثلاثة من الاولاد ..» فى الجزء الاول.

٤٩٤

٤٥ ـ بصيرة فى الحلم والحليم

[الحلم] الأناة والعقل. وقيل : ضبط النفس والطّبع عن هيجان الغضب. وجمعه أحلام.

قوله تعالى : (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا)(١) قيل : معناه عقولهم ، وليس الحلم فى الحقيقة العقل ، لكن فسّروه بذلك لكونه من مسبّبات العقل. وقد حلم وحلّمه العقل فتحلّم ، وأحلمت المرأة : ولدت أولادا حلماء.

وقوله تعالى : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ)(٢) أى وجد منه قوّة الحلم. وقوله تعالى : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ)(٣) أى زمان البلوغ. وسمّى الحلم لكونه جديرا صاحبه بالحلم. وفى الحديث «لا يتم بعد حلم (٤)» وقال (٥) «أوّل عوض الحلم أن يكون النّاس أنصاره» وقال «طوبى لمن كان له حلم يردّ به جهل الجاهل ، وورع يصدّه عن المحارم ، وخلق يدارى به النّاس». قال (٦) :

فإن كنت محتاجا إلى الحلم إنّنى

إلى الجهل فى بعض الأحايين أحوج

ولي فرس للحلم بالحلم ملجم

ولى فرس للجهل بالجهل مسرج

__________________

(١) الآية ٣٢ سورة الطور.

(٢) الآية ١٠١ سورة الصافات.

(٣) الآية ٥٩ سورة النور.

(٤) ورد فى الجامع الصغير عن أبى داود بلفظ «لا يتم بعد احتلام».

(٥) فى الاحياء فى الجزء الثالث «فضيلة الحلم» نسبة هذا الى على رضى الله عنه.

والنص فيه : «ان أول ما عوض الحليم من حلمه أن الناس كلهم أعوانه على الجاهل».

(٦) أى صالح بن جناح اللخمى ، كما فى الصناعتين «تحقيق الاستاذ أبى الفضل» ٣٤٦. والرواية فيه .. «لئن كنت محتاجا ..»

٤٩٥

فمن شاء تقويمى فإنى مقوّم

ومن شاء تعويجى فإنّى معوّج

وقال آخر (١) :

إذا قيل حلما قال للحلم موضع

وحلم الفتى فى غير موضعه جهل

والحليم ورد فى القرآن على ثلاثة أوجه :

الأوّل : بمعنى إبراهيم الخليل (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ)(٢).

الثّانى : بمعنى إسحاق (٣) وإسماعيل على اختلاف القولين (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ)(٤) وفى موضع آخر (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ)(٥) قيل معناه : فى صغره حليم ، وفى كبره عليم.

الثالث : صفة (٦) من صفات الله تعالى : تارة قرن بالعلم (وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ)(٧) وتارة قرن بالشّكر (وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ)(٨) وتارة ضمّ مع الغفران (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(٩).

__________________

(١) أى المتنبئ من قصيدة فى مدح شجاع بن محمد الطائى المنبجى.

(٢) الآية ٧٥ سورة هود.

(٣) كذا فى الأصلين. والمناسب «أو».

(٤) الآية ١٠١ سورة الصافات.

(٥) الآية ٢٨ سورة الذاريات.

(٦) فى الاصلين : «صفات». وما أثبت هو المناسب.

(٧) الآية ٥٩ سورة الحج.

(٨) الآية ١٧ سورة التغابن.

(٩) الآية ٢٢٥ سورة البقرة.

٤٩٦

٤٦ ـ بصيرة فى الحميم

الحميم والحميمة : الماء الحارّ ، والماء البارد ، من الأضداد. وقيل : الشّديد الحرارة. قال (١) :

وساغ لى الشّراب وكنت قبلا

أكاد أغصّ بالماء الحميم

أى البارد. وقال آخر (٢) :

سقيا لظلّك بالعشىّ وبالضّحى

ولبرد مائك والمياه حميم

لو كنت أملك منع مائك لم يذق

ما فى قلاتك ما حييت لئيم

وقال تعالى : (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ)(٣). وقيل للماء الحارّ فى خروجه من منبعه : حمّة. وروى : العالم كالحمّة ، يأتيها البعداء ، ويزهد فيها القرباء. وسمّى العرق حميما على التشبيه. وسمّى الحمّام إمّا لأنّه يعرّق ، وإمّا لما فيه من الماء الحارّ ، واستحمّ : دخل الحمّام.

وقوله تعالى : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)(٤) هو القريب المشفق. وكأنّه الّذى يحتدّ حماية لذويه. وقيل لخاصة الرّجل : حامّته وذلك لما قلنا. ويدلّ على ذلك أنّه قيل للمشفقين من أقارب الإنسان :

__________________

(١) فى مختصر شرح الشواهد للعينى فى باب الاضافة ان قائله عبد الله بن يعقوب ، وكان له ثأر فأدركه.

(٢) هو أبو القمقام الاسدى ، كما فى معجم البلدان «وشل». وأول الشعر :

اقرأ على الوشل السّلام وقل له

كلّ المشارب مد هجرت ذميم

والوشل جبل عظيم بناحية تهامة ، وفيه مياه عذبة. والقلات جمع قلت ، وهو النقرة فى الجبل.

(٣) الآية ١٩ سورة الحج.

(٤) الآيتان ١٠٠ ، ١٠١ سورة الشعراء.

٤٩٧

حزانته ، أى الّذين يحزنون له. واحتمّ لفلان أى احتدّ. وأحمّ (١) الشّحم : أذابه فصار كالحميم.

وقوله تعالى : (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ)(٢) فهو يفعول من ذلك. قيل : أصله الدّخان الشّديد السّواد ، وتسميته إمّا لما فيه من فرط الحرارة كما فسّر فى قوله تعالى : (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ)(٣) أو لما تصوّر فيه من الحممة (٤) وإليه أشير بقوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ)(٥).

وعبّر عن الموت بالحمام لقولهم حمّ كذا أى قدّر. والحمّى سمّيت [إما] لما فيها من الحرارة المفرطة. ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الحمّى (٦) من فيح جهنّم» وإمّا لما يعرض فيها من الحميم أى العرق ، أو لكونها من أمارات الحمام ، لقولهم الحمّى رائد (٧) الموت أو بريد الموت ، وقيل : باب الموت. وحمّم الفرخ إذا اسودّ جلده من الرّيش. ومنه : الحمام لا زمام له لا يدخل الشيطان بيتا فيه حمامة. وفيه أيضا : الحمام حبيبى وحبيب الله. وتسبيحه أن يقول سبحان المعبود بكلّ مكان ، سبحان المذكور بكل لسان ، ضعيف جدّا.

__________________

(١) فى ا : «احتم» وفى ب : «أحم» ، وما أثبت من اللسان والقاموس.

(٢) الآية ٤٣ سورة الواقعة.

(٣) الآية ٤٤ سورة الواقعة.

(٤) وهو الفحم.

(٥) الآية ١٦ سورة الزمر.

(٦) ورد فى الجامع الصغير عن البخارى وغيره.

(٧) فى : «زائر» وفى ب : «زائد» وهو تحريف عما أثبت.

٤٩٨

٤٧ ـ بصيرة فى الحمد والحميد

الحمد : الثّناء بالفضيلة ، وهو أخصّ من المدح وأعمّ من الشكر [فإن المدح](١) يقال فيما يكون من الإنسان باختياره وممّا يكون منه وفيه بالتّسخير ، فقد يمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه ، كما يمدح ببذل ماله وشجاعته وعلمه ، والحمد يكون فى الثانى (٢) دون الأوّل ، والشكر لا يقال إلّا فى مقابلة نعمة : فكلّ شكر حمد وليس كلّ حمد شكرا ، وكلّ حمد مدح وليس كلّ مدح حمدا. وفلان محمود إذا حمد ، ومحمّد إذا كثرت خصاله المحمودة ، ومحمد كمكرم إذا وجد محمودا.

وقوله تعالى : (إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)(٣) يصحّ أن يكون فى معنى المحمود ، وأن يكون فى معنى الحامد. وحماداك أن تفعل كذا أى غايتك المحمودة.

وقوله تعالى : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)(٤) فأحمد إشارة إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم باسمه [وفعله](٥) تنبيها على أنّه كما وجد أحمد يوجد وهو محمود فى أخلاقه وأفعاله. وخصّ بلفظ (٦) أحمد فيما يبشّر (٧) به عيسى عليه‌السلام تنبيها أنّه أحمد منه ومن الّذين قبله.

__________________

(١) زيادة فى الراغب.

(٢) أى فى التمثيل فى قوله «كما يمدح ببذل ماله وشجاعته وعلمه» وهو ما يكون من الانسان باختياره. وهذا هو الاول فى التقسيم.

(٣) الآية ٧٣ سورة هود.

(٤) الآية ٦ سورة الصف.

(٥) زيادة فى الراغب.

(٦) كذا فى ا. وفى ب : «بلفظة». وفى الراغب : «لفظة».

(٧) فى الراغب : «بشر».

٤٩٩

وقوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ)(١) فمحمّد هاهنا وإن كان اسما له علما ففيه إشارة إلى وصفه بذلك وتخصيصه بمعناه كما فى قوله تعالى : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى)(٢) على (٣) معنى الحياة كما يبيّن فى بابه إن شاء الله.

__________________

(١) الآية ٢٩ سورة الفتح.

(٢) الآية ٧ سورة مريم.

(٣) كان هنا سقطا ، والأصل اذ يدل على معنى الحياة.

٥٠٠