بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

الخامس : الحسيب بمعنى الشاهد الحاضر (كَفى (١) بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) أى شهيدا.

السّادس : الحساب بمعنى العرض على الملك الأكبر (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ)(٢) أى العرض على الرّحمن.

السّابع : بمعنى العدد (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ)(٣) أى عدد الأيام.

الثامن : بمعنى المنّة (يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ)(٤) أى بغير منّة عليهم ولا تقتير.

التّاسع : الحسبان بمعنى دوران الكواكب فى الفلك (الشَّمْسُ (٥) وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) أى يدوران حول القطب كدوران الرّحى.

العاشر : الحسبان بالكسر بمعنى الظن (وَلا تَحْسَبَنَ (٦) الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً)(٧) وله نظائر.

وأمّا قوله تعالى (وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ)(٨) فقيل معناه نارا وعذابا ، وإنما هو فى الحقيقة ما يحاسب عليه فيجازى بحسبه. وفى الحديث أنّه قال فى الريح : «اللهمّ لا تجعلها عذابا ولا حسابا».

وذكر بعضهم فى قوله تعالى (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٩) أوجها :

الأول : يعطيه أكثر مما (١٠) يستحقه.

الثانى : يعطيه ولا يأخذ منه.

__________________

(١) الآية ١٤ سورة الاسراء.

(٢) الآية ٤١ سورة ابراهيم.

(٣) الآية ٥ سورة يونس.

(٤) الآية ٤٠ سورة غافر.

(٥) الآية ٥ سورة الرحمن.

(٦) الآية ١٦٩ سورة آل عمران.

(٧) الآية ٤٢ سورة ابراهيم.

(٨) الآية ٤٠ سورة الكهف.

(٩) الآية ٢١٢ سورة البقرة.

(١٠) فى الاصلين : «ما».

٤٦١

الثالث : يعطيه عطاء لا (١) يمكن إحصاؤه كثرة.

الرابع : يعطيه بلا مضايقة ، من قولهم : حاسبته إذا ضايقته.

الخامس : أكثر ممّا يحسبه.

السّادس : أنه يعطيه بحسب ما يعرفه من مصلحة (٢) لا على حسب حسابهم. وذلك نحو ما نبّه عليه بقوله (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ)(٣) الآية.

السابع : يعطى المؤمن ولا يحاسبه عليه. ووجه ذلك أن المؤمن لا يأخذ من الدّنيا إلّا قدر ما يجب وكما يجب فى وقت ما يجب ، ولا ينفق إلّا كذلك ، ويحاسب نفسه فلا يحاسبه الله تعالى حسابا يضرّه ، كما روى : من حاسب نفسه لم يحاسبه الله يوم القيامة.

الثامن : يقابل المؤمنين يوم القامة لا بقدر استحقاقهم بل بأكثر منه كما قال (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ)(٤) ، وعلى هذه الأوجه قوله تعالى : (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ)(٥) وقوله تعالى : (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٦). قيل : تصرّف فيه تصرف من لا يحاسب ، أو تناول كما يجب فى وقت ما يجب وعلى ما يجب وأنفقه كذلك.

و «حسب» يستعمل فى معنى الكفاية (حَسْبُنَا (٧) اللهُ) أى كافينا (وَكَفى

__________________

(١) ب : «ولا».

(٢) كذا. والاولى «مصلحته».

(٣) الآية ٣٣ سورة الزخرف.

(٤) الآية ١١ سورة الحديد.

(٥) الآية ٤٠ سورة غافر.

(٦) الآية ٣٩ سورة ص.

(٧) الآية ١٧٣ سورة آل عمران. وورد فى آيات أخرى.

٤٦٢

بِاللهِ حَسِيباً)(١) أى رقيبا يحاسبهم عليه. وقوله تعالى : (ما عَلَيْكَ (٢) مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) نحو قوله : (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)(٣) وقيل معناه : ما كفايتهم (٤) عليك بل الله يكفيهم وإيّاك ، من قوله تعالى : (عَطاءً حِساباً) أى كافيا ، من قولهم حسبى كذا. وقيل : أراد من عملهم فسمّاه بالحساب الّذى هو منتهى الأعمال. وقوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ (٥) أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) مصدره الحسبان ، وهو أن يحكم لأحد النقيضين من من غير أن يخطر الآخر بباله فيحسبه ويعقد عليه الإصبع ويكون فى معرض أن يعتريه فيه شكّ. ويقارب ذلك الظنّ ، لكن الظنّ أن يخطر النّقيض بباله فيغلب أحدهما على الآخر.

__________________

(١) الآية ٦ سورة النساء ، والآية ٣٩ سورة الأحزاب.

(٢) الآية ٥٢ سورة الانعام.

(٣) الآية ١٠٥ سورة المائدة.

(٤) فى الأصلين : «من كفايتهم».

(٥) الآية ٢١٤ سورة البقرة.

٤٦٣

٣١ ـ بصيرة فى الحسن

وهو عبارة عن كلّ مبهج مرغوب فيه. وذلك ثلاثة أضرب : مستحسن من جهة العقل ، ومستحسن من جهة الهوى ، ومستحسن من جهة الحسّ. والحسنة يعبّر بها عن كلّ ما يسرّ من نعمة تنال الإنسان فى نفسه وبدنه وأحواله ، والسيئة تضادّها ، وهما من الألفاظ المشتركة كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة.

وقوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ)(١) أى خصب وسعة وظفر ، (وَإِنْ تُصِبْهُمْ (٢) سَيِّئَةٌ) أى جدب وضيق وخيبة وقوله : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ)(٣) أى ثواب (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ)(٤) أى عذاب.

والفرق بين الحسنة والحسن والحسنى أنّ الحسن يقال فى الأعيان والأحداث ، وكذلك الحسنة إذا كانت وصفا. فإذا كانت اسما فمتعارف فى الأحداث ، والحسنى لا يقال (٥) إلا فى الأحداث دون الأعيان ، والحسن أكثر ما يقال فى تعارف العامّة فى المستحسن بالبصر ، يقال رجل حسن وحسان وحسّان وامرأة حسناء أو حسانة وحسّانة. وأكثر ما جاء فى القرآن من الحسن فللمستحسن من جهة البصيرة ، وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)(٦) أى الأبعد عن الشّبهة. وقوله تعالى :

__________________

(١) الآية ٧٨ سورة النساء.

(٢) الآية ٧٨ سورة النساء.

(٣) الآية ٧٩ سورة النساء.

(٤) الآية ٧٩ سورة النساء.

(٥) ب : «يقابل».

(٦) الآية ١٨ سورة الزمر.

٤٦٤

(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(١) إن قيل : حكمه تعالى حسن لمن يوقن ولمن لا يوقن فلم خصّ؟ قيل : القصد إلى ظهور حسنه والاطّلاع عليه ؛ وذلك يظهر لمن تزكّى واطّلع على حكمة الله تعالى ، دون الجهلة.

والإحسان يقال على وجهين : أحدهما الإنعام على الغير ، وقد أحسن إلى فلان. والثّانى إحسان فى فعله. وذلك إذا علم علما حسنا ، أو عمل عملا حسنا. وعلى هذا قول أمير المؤمنين علىّ رضى الله عنه : «النّاس أبناء ما يحسنون» أى منسوبون إلى ما يعملونه (٢) من الأفعال الحسنة. والإحسان أعمّ (٣) من الإنعام.

وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(٤) فالإحسان فوق (٥) العدل. وذلك أنّ العدل هو أن يعطى ما عليه ويأخذ ما له ، والإحسان أن يعطى أكثر ممّا عليه ويأخذ أقلّ ممّا له. فالإحسان زائد عليه. فتحرّى العدل واجب ، وتحرى الإحسان ندب وتطوع ، ولذلك عظم الله ثواب أهل الإحسان ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(٦).

والإحسان من أفضل منازل العبوديّة ؛ لأنه لبّ الإيمان وروحه وكماله. وجميع المنازل منطوية فيها. قال تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)(٧) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الإحسان (٨) أن تعبد الله كأنّك تراه»

__________________

(١) الآية ٥٠ سورة المائدة.

(٢) ا ، وهامش ب : «يعلمونه» وفى الراغب : «يعلمون ويعملون».

(٣) وذلك أن الانعام خاص باسداء المنفعة الى الغير ، والاحسان يشمله ويشمل اتمام الافعال وغيرها.

(٤) الآية ٩٠ سورة النحل.

(٥) فى الاصلين : «قول» وما أثبت من الراغب.

(٦) الآية ١٩٥ سورة البقرة.

(٧) الآية ٦٠ سورة الرحمن.

(٨) فى البخارى فى كتاب الايمان وغيره

٤٦٥

وأمّا الآية فقال ابن عباس والمفسّرون : هل جزاء من قال لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا الجنّة. وقد روى عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قرأ (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) ثمّ قال : هل تدرون ما قال ربّكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : يقول : هل جزاء من أنعمت عليه بالتّوحيد إلّا الجنّة؟!. فالحديث إشارة إلى كمال الحضور مع الله تعالى ومراقبته ، الجامع لخشيته ومحبّته ومعرفته والإنابة إليه والإخلاص له ولجميع مقامات الإيمان.

والإحسان يكون فى القصد بتنقيته من شوائب الحظوظ ، وتقويته بعزم لا يصحبه فتور ، وبتصفيته من الأكدار الدالّة على كدر قصده ويكون الإحسان فى الأحوال بمراعاتها وصونها غيرة عليها أن تحول ، فإنّها تمرّ مرّ السّحاب ، فإن لم يرع حقوقها حالت. ومراعاتها بدوام الوفاء ، وتجنّب الجفاء ، وبإكرام نزلها (١) ؛ فإنّه ضيف ، والضّيف إن لم يكن له نزل ارتحل. ويراعيها بسترها عن النّاس ما أمكن لئلّا يعلموا بها إلّا لحاجة أو مصلحة راجحة ، فإن فى إظهارها بدون ذلك آفات. وإظهار الحال عند الصادقين من حظوظ النفس والشيطان ، وأهل الصّدق أكتم وأستر لها من أرباب الكنوز لأموالهم ، حتى إنّ منهم من يظهر أضدادها كأصحاب (٢) الملامة. ويكون الإحسان فى الوقت ، وهو ألّا يفارق حال الشّهود ، وهذا إنّما يقدر

__________________

(١) هو ما يهيأ للضيف من الطعام.

(٢) هم فرقة من الصوفية يرون من الاخلاص الا يظهروا احوالهم الكريمة ، وأن يتعرضوا للوم الناس لهم فى سلوكهم ، افراطا فى البعد عن الرياء. ويسمون : الملامتية.

٤٦٦

عليها أهل التمكّن الّذين قطعوا المسافات الّتى بين النّفس وبين القلب ، والمسافات الّتى بين القلب وبين الله تعالى ، وأن تعلّق همّتك بالحقّ وحده ، ولا تعلّق بأحد غيره ، فإنّ ذلك شرك فى طريق الصّادقين ، وأن تجعل هجرتك إلى الحقّ سرمدا. ولله على كلّ قلب هجرتان فرضا لازما : هجرة إلى الله بالتّوحيد والإخلاص والتّوبة والحبّ والخوف والرّجاء والعبوديّة ، وهجرة إلى رسوله بالتسليم له والتّفويض والانقياد لحكمه ، وتلقّى أحكام الظّاهر والباطن من مشكاته (١). ومن لم يكن لقلبه (٢) هاتان الهجرتان فليحث على رأسه التراب ، وليراجع الإيمان من أصله.

__________________

(١) هى الطاق فى الحائط غير النافذ. وقد جاءت فى الكتاب العزيز مقرونة بالمصباح المنير فى تمثيل نور الله سبحانه ، ومن هذا صارت تطلق على المصباح ، وهو المراد هنا.

(٢) فى الاصلين : «لقلته».

٤٦٧

٣٢ ـ بصيرة فى الحشر

وهو إخراج الجماعة عن مقرّهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب وغيرها. وروى عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال فى حجّة الوداع : «النّساء لا يعشرن (١) ولا يحشرن». وذكر له معنيان ، أحدهما : أنّهنّ لا يحشرن إلى المصدّق ولكن يؤخذ منهنّ الصّدقة بمواضعهنّ. والثّانى : أنّهنّ لا يحشرن إلى المغازى ولا يضرب عليهنّ البعوث. وهذا هو القول ، لأن القول الأوّل يستوى فيه الرّجال والنّساء. وأصل الحشر الجمع ، حشرت الناس أحشرهم وأحشرهم أى جمعتهم ، ومنه يوم الحشر.

وقوله تعالى : (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ)(٢) قيل هو الجلاء. وذلك [أن] بنى النّضير أوّل من أخرج من ديارهم وأجلوا. وقيل : هو أوّل حشر إلى الشام ، ثمّ يحشر النّاس إليها يوم القيامة. وقوله تعالى : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ)(٣) قال عكرمة : حشرها موتها. الأزهرى وأكثر المفسرين قالوا : تحشر الوحوش كلّها ، والدّوابّ حتى الذّباب تحشر للقصاص. والمحشر والمحشر ـ بفتح الشّين وكسرها ـ موضع الحشر ، والكسر أفصح ، كذا فى العباب.

وقد ورد الحشر فى القرآن على وجهين :

الأوّل (٤) : الجمع (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ)(٥) أى جمعت (وَحَشَرْناهُمْ)(٦) أى جمعناهم.

__________________

(١) فسر هذا بألا يؤخذ فى حليتهن زكاة. والحديث فى سنن النسائى.

(٢) الآية ٢ سورة الحشر.

(٣) الآية ٥ سورة التكوير.

(٤) ب : «أحدهما».

(٥) الآية ٥ سورة التكوير.

(٦) الآية ٤٧ سورة الكهف.

٤٦٨

والثانى : بمعنى السّوق والطّرد (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ)(١)(وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً)(٢).

والحشر بهذا المعنى يختلف لمعان :

حشر الطّيور لداود وطيب ألحانه (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً)(٣).

وحشر الجنّ وغيره لسليمان عليه‌السلام (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ)(٤).

وحشر السّحرة لفرعون وهامان (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥))

وحشر الخلائق للملك الدّيّان (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)(٦)(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً)(٧).

وحشر لأهل الظّلم والعدوان لعقوبتهم بالنّيران (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ)(٨).

وحشر للمتّقين إلى نعيم الجنان والرّضوان (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً)(٩).

__________________

(١) الآية ٩٧ سورة الاسراء.

(٢) الآية ١٠٢ سورة طه.

(٣) الآية ١٩ ص ص.

(٤) الآية ١٧ سورة النمل.

(٥) الآية ٥٣ سورة الشعراء.

(٦) الآية ٩٦ سورة المائدة.

(٧) الآية ٢٢ سورة الانعام ، والآية ٢٨ سورة يونس.

(٨) الآية ٢٢ سورة الصافات.

(٩) الآية ٨٥ سورة مريم.

٤٦٩

٣٣ ـ بصيرة فى الحصر

حصره يحصره حصرا : ضيّق عليه. وقوله تعالى (وَاحْصُرُوهُمْ)(١) أى ضيّقوا عليهم. وحصرنى الشىء : حبسنى. والحصير البارىّ (٢). وفى المثل : أسير على حصير ، قال :

فأضحى كالأمير على سرير

وأمسى كالأسير على حصير

وقوله تعالى : (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً)(٣) أى حابسا. قال فى العباب : الحصير السّجن. ومنه الآية (حَصِيراً) أى محبسا. وقال الحسن : معناه : مهادا ، كأنّه جعله الحصير المرمول (٤) ؛ كقوله (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ)(٥) ففى الأوّل بمعنى : الحاصر ، وفى الثانى بمعنى : المحصور ، فإنّ الحصير سمّى بذلك لحصر بعض طاقاته على بعض. وقال لبيد :

وقماقم غلب الرّقاب كأنهم

جنّ لدى باب الحصير قيام (٦)

دافعت خطّتها وكنت وليّها

إذ عىّ قصد جوابها الحكّام

سمّى الملك حصيرا لأنّه محجوب ، وإمّا لكونه حاصرا أى مانعا لمن أراد الوصول إليه. والحصير أيضا : البخيل ، والرّجل الّذى لا يشرب الشراب

__________________

(١) الآية ٥ سورة التوبة.

(٢) هو ما يفرش. ويخصه فى المصباح بالحصير الخشن.

(٣) الآية ٨ سورة الاسراء.

(٤) المنسوج وهو الحصير المعروف.

(٥) الآية ٤١ سورة الأعراف.

(٦) قماقم : جمع قماقم ـ بضم القاف ـ وهو السيد. وفى الراغب : «مقامة» وكذا ورد فى التاج فى «قوم». وفسرت المقامة بالقوم يجتمعون فى المجلس. و «غلب الرقاب» : غلاظها ، وهذا عندهم من وصف السادة.

٤٧٠

بخلا. والحصير عرق يمتدّ معترضا على جنب الدّابة إلى ناحية بطنها. وقول النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «تعرض (١) الفتن على القلوب عرض الحصير» فسّره أهل الحديث فقالوا : الحصير كلّ ما نسج من جميع الأشياء لأنّ بعضه نسج ببعض ، سداه بلحمته. وقالوا : المراد من هذا أنّ الحصير ثوب مزخرف موشىّ حسن إذا نشر أخذت القلوب مآخذه لحسن وشيه وصنعته ، وكذلك (٢) الفتنة تزيّن للناس وتزخرف ، وعاقبة ذلك إلى غرور. قال :

فليت الدّهر عاد لنا جديدا

وعدنا مثلنا زمن الحصير

أى زمنا كان بعضنا يزخرف القول لبعض فيتوادّ عليه. والحصير : الجنب ، والحصيران الجنبان.

وقوله تعالى : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً)(٣) قيل : الحصور : الّذى لا يأتى النّساء ، إمّا من العنّة ، وإمّا من العفّة والاجتهاد فى إزالة الشهوة ، والثانى أظهر فى الآية لأن بذلك يستحقّ الرّجل المحمدة. والحصور أيضا : المجبوب. والحصور أيضا الضّيّق البخيل كالحصر (٤). والحصر والإحصار : المنع عن طريق البيت. والإحصار يقال فى المنع الظّاهر كالعدوّ ، والمنع الباطن كالمرض ، والحصر لا يقال إلّا فى المنع الباطن. وقوله تعالى : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ)(٥) محمول على الأمرين ، وكذلك قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا)(٦) وقوله : (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)(٧) أى ضاقت بالبخل والجبن ، وعبّر عنه بذلك كما عبّر [عنه](٨) بضيق الصدر ، وعن ضدّه بالبرّ والسّعة.

__________________

(١) ورد فى النهاية عن حذيفة.

(٢) ب : «لذلك».

(٣) الآية ٣٩ سورة آل عمران.

(٤) فى الاصلين : «كالخصم» وما أثبت عن القاموس.

(٥) الآية ١٩٦ سورة البقرة.

(٦) الآية ٢٧٣ سورة البقرة.

(٧) الآية ٩٠ سورة النساء.

(٨) زيادة من الراغب.

٤٧١

٣٤ ـ بصيرة فى الحصن

وهو واحد الحصون. وقوله تعالى : (لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ)(١) أى مجعولة بالإحكام كالحصون. وحصّن القرية : بنى حولها ، وتحصّن : اتّخذ الحصن مسكنا. ثمّ يتجوّز به فى كل تحرز. ومنه درع حصينة لكونها حصنا للبدن ، وفرس حصان لكونه حصنا لراكبه ، وإلى هذا أشار الشاعر (٢) :

* أنّ الحصون الخيل لا مدر القرى*

وقوله تعالى : (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ)(٣) أى تحرزون فى المواضع الحصينة الجارية مجرى الحصن. وامرأة حصان وحاصن : عفيفة. وقد حصنت بالضمّ حصنا فهى حصناء بيّنة الحصانة ، وأحصنت. وقوله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَّ)(٤) أى تزوّجن و (أُحْصِنَّ) أى زوّجن. والحصان فى الجملة المحصنة إمّا بعفّتها أو بزوجها أو بمانع آخر. ويقال : امرأة محصن إذا تصوّر حصنها من نفسها ، ومحصن إذا تصوّر حصنها من غيرها.

وقوله تعالى : (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ)(٥) إلى قوله :

__________________

(١) الآية ١٤ سورة الحشر.

(٢) أى الاسعر الجعفى. وقبله * ولقد علمت على تجشمى الردى* وانظر الاصمعيات ٣

(٣) الآية ٤٨ سورة يوسف.

(٤) الآية ٢٥ سورة النساء. والقراءة بالبناء للفاعل قراءة أبى بكر وحمزة والكسائى وخلف ، وقرأ الباقون بضم الهمزة بالبناء للمفعول ، كما فى الاتحاف /.

(٥) الآية ٢٥ سورة النساء.

٤٧٢

(فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) قيل : المحصنات : المزوّجات تصوّر أن زوجها هو الّذى أحصنها. (وَالْمُحْصَناتُ)(١) بعد قوله تعالى : (حُرِّمَتْ) بالفتح لا غير ، وفى سائر المواضع بالفتح والكسر لأنّ الّتى حرّم التزوّج بها المزوّجات دون العفيفات ، وفى سائر المواضع يحتمل الوجهين.

٣٥ ـ بصيرة فى الحصى

أخذ من لفظه الإحصاء وهو التّحصيل بالعدد يقال : أحصيت كذا. واستعمال ذلك فيه من حيث إنّهم كانوا يعتمدونه بالعدد كاعتمادنا فيه على الأصابع.

قوله تعالى : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً)(٢) أى حصّله وأحاط به. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ لله) (٣) تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنّة» وقال «استقيموا ولن تحصوا (٤)» أى لن تحصّلوا ذلك. ووجه تعذّر إحصائه وتحصيله هو أنّ الحقّ واحد والباطل كثير بل الحقّ بالإضافة إلى الباطل كالنقطة بالإضافة إلى سائر أجزاء الدائرة وكالمرمى (٥) من الهدف ، وإصابة ذلك شديد ، وإلى هذا أشار ما روى أنّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «شيّبتنى (٦) سورة هود وأخواته» فسئل من الذى شيبك منه ، فقال قوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ)(٧) وقال أهل اللّغة : لن تحصوه أى لن تحصوا ثوابه.

__________________

(١) الآية ٢٤ سورة النساء.

(٢) الآية ٢٨ سورة الجن.

(٣) ورد فى الجامع الصغير عن الترمذى وغيره.

(٤) ورد فى الجامع الصغير عن أحمد بن حنبل وغيره.

(٥) فى الراغب : «كالغرض».

(٦) فى تيسير الوصول فى التفسير عن الترمذى فى تفسير سورة هود : «شيبتنى هود والمرسلات وعم يتساءلون واذا الشمس كورت»

(٧) الآية ١١٢ سورة هود.

٤٧٣

٣٦ ـ بصيرة فى الحضر

الحاضر خلاف البادى. ومنه الحديث «لا يبع حاضر لباد ، دعوا النّاس يرزق الله بعضهم من بعض (١)» والحاضرة خلاف البادية. والحاضر : الحىّ العظيم وهو جمع كما يقال سامر للسّمّار ، وحاجّ للحجّاج. والحضارة والحضارة : الكون بالحضر كالبداوة والبداوة.

وقوله تعالى : (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ)(٢) من باب الكناية أى أن يحضرنى الجنّ : وفى العباب : أى أن يصيبنى الشّياطين بسوء ، وكنّى عن المجنون بالمحتضر وعمّن حضره الموت كذلك. وقوله : (ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً)(٣) أى مشاهدا معاينا فى حكم الحاضر عنده. وقوله (حاضِرَةَ الْبَحْرِ)(٤) أى قربه (٥). وقوله (تِجارَةً حاضِرَةً)(٦) أى نقدا. وقوله : (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ)(٧) أى يحضره أصحابه

وحضر الرّجل يحضر حضورا ، وحضر بكسر الضّاد. ورجل حضر ككتف : لا يريد السّفر ، وكلّمته بحضرة فلان مثلثة الحاء ، وبمحضر من فلان وبحضر فلان بالتّحريك. والحضر بالضمّ العدو وخصّ بما (يحضر به) (٨)

__________________

(١) أورد فى تيسير الوصول فى البيع تحت عنوان «بيع الغرر وغيره».

(٢) الآية ٩٨ سورة المؤمنين.

(٣) الآية ٣٠ سورة آل عمران.

(٤) الآية ١٦٣ سورة الاعراف.

(٥) فى الاصلين : «قرية» وما أثبت من الراغب.

(٦) الآية ٢٨٢ سورة البقرة.

(٧) الآية ٢٨ سورة القمر.

(٨) كذا فى ب والراغب. وفى ا : «يحضره»

٤٧٤

الفرس إذا طلب جريه. يقال أحضر الفرس [واستحضرته](١) : طلبت ما عنده من الحضر. وحاضرته محاضرة وحضارا إذا حاججته من الحضور كأنّه يحضر كلّ واحد حجّته ، أو من الحضر كقولك جاريته. والحضيرة (٢) الأربعة والخمسة (٣) يغزون أى تحضر بهم (٤) الغزو ، وقالت سعدى (٥) الجهنيّة :

يرد المياه حضيرة ونفيضة

ورد القطاة إذا اسمألّ التّبّع (٦)

واللبن محضور ومحتضر أى كثير الآفة وأنّ الجنّ تحضره. وفى الحديث «إنّ هذه الحشوش محضرة محتضرة».

__________________

(١) زيادة من الراغب.

(٢) فى الاصلين : «الحضرة». وما أثبت من الراغب.

(٣) كذا ، والواو بمعنى أو.

(٤) فى الاصلين : «لهم» وما أثبت من الراغب.

(٥) وقيل : سلمى الجهنية ، كما فى اللسان. والبيت فى قطعة فى رثاء أسعد أخى الراثية.

(٦) النفيضة : جماعة يبعثون ليكشفوا هل ثم خوف أو عدو. واسمأل : قصر ، والتبع : الظل. واسمئلال التبع عند نصف النهار. كأن المراد أن المرثى كان يرد المياه ذا حضيرة ونفيضة أى مرافقا لهذه ولهذه ، أو أنه نفسه يكون حضيرة ونفيضة أى يقوم مقامهما ، فهو واحد يقوم مقام الجماعة.

٤٧٥

٣٧ ـ بصيرة فى الحطب

وهو ما يعدّ للإيقاد. وقد حطبت حطبا واحتطبت أى جمعته. وحطبنى فلان إذا أتاك بالحطب ، قال الجليح الجحاشىّ (١) :

تسألنى عن بعلها أىّ فتى

خبّ جروز وإذا جاع بكى

لا حطب القوم ولا القوم سقى

ولا ركاب القوم إن ضلّت بغى

ولا يوارى فرجه إذا اصطلى

ويأكل التّمر ولا يلقى النّوى

كأنه غرارة ملأى حثى (٢)

وقوله تعالى : (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)(٣) نزل فى أمّ جميل امرأة أبى لهب ، وكانت تمشى بالنّميمة ، فكنى عنها بالنّميمة. وإذا نصر الرّجل القوم قيل : حطب فى حبلهم. والحطباء : المرأة المشئومة. والحطب ككتف والأحطب : الشديد الهزال. ويقال لمن يتكلّم بالغثّ والسّمين : حاطب ليل ، لأنّه لا يبصر ما يجمع فى حبله. وحطب به إذا سعى به. والمحتطب : المطر الّذى يقلع أصول الشّجر. وناقة محاطبة : تأكل الشّوك اليابس. والحطاب ككتاب : ما يقطع من أعالى شجر العنب كلّ عام ، واستحطب العنب : حان أن يقطع حطابه.

__________________

(١) نسبة الى جحاش أبى حى من غطفان كما القاموس.

(٢) الرجل فى أواخر ديوان الشماخ ١٠٧. والخب : الخداع. والجروز : الأكول. والحثى التراب والتبن.

(٣) الآية ٤ سورة المسد.

٤٧٦

٣٨ ـ بصيرة فى الحلف

حفّه بالشّىء (١) يحفّه : أحاط (٢) كما يحفّ الهودج بالثوب (٣). وقوله تعالى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ)(٤) أى محدقين بأحفّته أى جوانبه. وحفافا الشىء جانباه. قال (٥) :

كأن جناحى مضرحىّ تكنّفا

حفافيه شكّا فى العسيب بمسرد

وقوله تعالى : (وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ)(٦) أى جعلنا النخل مطيفة بأحفّتهما أى جوانبهما. وفى الحديث أنّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم (٧) يشبع من طعام إلا على حفف أو شظف أو ضفف (٨). والرّوايات الثلاثة فى معنى ضيق العيش وقلّته وغلظه. ومن أمثالهم : «من حفّنا أو رفّتا فليقتصد» أى من طاف بنا واعتنى بأمرنا وأكرمنا وخدمنا وحاطنا وتعطّف علينا بالمدح ونحوه فلا يغلونّ فى ذلك ، ولكن ليتكلّم بالحقّ منه. والحفوف : اليبس. وحفتهم الحاجة إذا كانوا محاويج ؛ وهم قوم محفوفون. وحفيف الشجر والأفعى والطّائر والسّهم النّافذ : صوته.

__________________

(١) كذا فى ب. وفى ا : «الشىء».

(٢) ب : «أحاطه».

(٣) فى الأصلين : «بالقوت» والظاهر ما أثبتت. وفى اللسان : «كما يحف الهودج بالثياب».

(٤) الآية ٧٥ سورة الزمر.

(٥) أى طرفة فى معلقته. وهو فى وصف ذنب ناقته بالسبوخ. والمضرحى : الصقر. والعسيب عظم الذنب. والمسرد : المخرز ، يقول : ان الذنب كانه ركب فيه جناحا صقر من يمين وشمال ، وهى تذب بهما.

(٦) الآية ٣٢ سورة الكهف.

(٧) فى الاصلين : «انه لم يشبع».

(٨) فى ا : «طف» وفى ب : «وطف» والظاهر أن كليهما تحريف عما أثبت.

٤٧٧

٣٩ ـ بصيرة فى الحفر

حفر الأرض : قلعها سفلا. وحفر الدّابة : هزلها. يقال الحمل يحفر الجمل ولا يحفر النّاقة ، فإنّها تسمن عليه. وحفر : جامع ، وحفر ثرى فلان إذا فتّش عن أمره ووقف عليه.

وقوله تعالى : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ)(١) أى مكان محفور. ويقال لها حفيرة أيضا. والحفر ـ محرّكة ـ التّراب الّذى يخرج من الحفرة ، وهو مثل الهدم والنّقض. والحفر أيضا : المكان الّذى حفر. قال الأخطل :

حتّى إذا هنّ ورّكن القصيم وقد

أشرفن أو قلن هذا الخندق الحفر (٢)

وسمّى حافر الفرس تشبيها لحفره (٣) فى عدوه. وقوله تعالى : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ)(٤) أى إلى أمرنا الأوّل وهو الحياة. وقال مجاهد : أى خلقا جديدا. وقال ابن الأعرابى : أى إلى الدّنيا كما كنّا. يقال : عاد إلى حافرته أى رجع إلى حالته الأولى ، وإذا رجع من الطّريق الّذى جاء منه أيضا. وأنشد :

أحافرة على صلع وشيب

معاذ الله من سفه وعار

أى : أأرجع إلى أمرى الأوّل بعد أن شبت؟! يعنى الغزل والصبوة إلى النساء.

__________________

(١) الآية ١٠٣ سورة آل عمران.

(٢) بعده :

وقعن أصلا وعجبنا من نجائبنا

وقد تحين من ذى حاجة سفر

وانظر الديوان ١٠٠ وما بعدها.

(٣) فى الاصلين : «بالحفرة» وما أثبت من الراغب.

(٤) الآية ١٠ سورة النازعات.

٤٧٨

وفى الحديث قال (١) أبىّ بن كعب : سألت النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن التّوبة النّصوح فقال : هو الندم على الذنب حين يفرط منك ، وتستغفر الله بندامتك عند الحافر ، ثمّ لا تعود إليه أبدا. وقال أبو العبّاس هذه كلمة كانوا يتكلّمون بها عند السّبق والبرهان يقول : أوّل ما يقع حافر الفرس على الحافر ـ أى المحفور ـ أو الحافرة ـ أى المحفورة ـ فقد وجب النّقد. وإذا قيل عند الحافرة بالهاء (٢) أى عند أوّل كلمة. وقيل : فيه وجهان :

أحدهما : أنّه لمّا جعل الحافر فى معنى الدّابّة نفسها وكثر استعماله على ذلك من غير ذكر الذّات فقيل : اقتنى فلان الخفّ والحافر أى ذواتهما ، ألحقت (٣) به علامة التأنيث استعارة بتسمية الذّات بها.

والثّانى : أن يكون «فاعلة» من الحفر ، لأنّ الفرس بشدّة الدّوس تحفر (٤) الأرض ، كما سمّى فرسا لأنها تفرسها (٥) أى تدقّها (٦). هذا أصل الكلمة ثمّ كثرت حتى استعملت فى كلّ أوّليّة ، فقيل رجع إلى حافرته. ويقال التقى القوم فاقتتلوا عند الحافرة أى عند أوّل ما التقوا.

__________________

(١) ورد فى النهاية.

(٢) فى الاصلين : «مالها». وظاهر أنه تحريف عما أثبت.

(٣) فى الاصلين : «والحقت». والتصحيح من اللسان والتاج.

(٤) فى الأصلين : «يحفر» و «يغرسها» و «يدقها» بصيغة التذكير للفعل. والمناسب ما أثبت تبعا لما فى اللسان ، فان التذكير لا يأتى معه وجه تأنيث الوصف ، وهو المطلوب. وانظر النهاية فى غريب الحديث.

٤٧٩

٤٠ ـ بصيرة فى الحفظ

حفظت الشىء حفظا بالكسر أى حرسته ، وقوله تعالى : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً)(١) أى حفظ الله خير حفظ. ومن قرأ (حافِظاً)(٢) وهى قراءة الكوفيّين غير (٣) أبى بكر فالمراد خير (٤) الحافظين. وقوله تعالى (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ)(٥) أى ذلك الحفظ بأمر الله.

والحفظ يقال تارة لهيئة النّفس الّتى بها يثبت ما يؤدّى إليه الفهم ، وتارة لضبط الشىء فى النّفس. ويضادّه النّسيان ، وتارة لاستعمال تلك القوّة ، فيقال : حفظت كذا حفظا ، ثمّ يستعمل فى كلّ تفقّد وتعهّد ورعاية.

قوله تعالى : (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ)(٦) كناية عن العفّة و (حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ)(٧) أى يحفظن عهد الأزواج عند غيبتهم بسبب أنّ الله يحفظهنّ أن (٨) يطلع عليهنّ. وقرئ بنصب الجلالة أى بسبب رعايتهنّ حقّ الله لا (لرياء وتصنّع) (٩) منهنّ. وقوله (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(١٠) أى حافظا ؛ كقوله (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)(١١)

__________________

(١) الآية ٦٤ سورة يوسف.

(٢) كذا فى ب. وفى أ : «حفظا» وهو غير مناسب.

(٣) فى الاصلين : «عن» وما أثبت من التاج.

(٤) فى الأصلين : «حفظ» وما أثبت من التاج.

(٥) الآية ١١ سورة الرعد.

(٦) الآية ٣٥ سورة الأحزاب.

(٧) الآية ٣٤ سورة النساء.

(٨) كذا فى الراغب. وفى الاصلين : «أى»

(٩) فى ا : «الزنا وتضيع» وفى ب : «لزنا ويضع» والتصحيح من الراغب.

(١٠) الآية ٨٠ سورة النساء.

(١١) الآية ١٠٧ سورة الانعام.

٤٨٠