بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

١٥ ـ بصيرة فى الحذر

وهو احتراز عن مخيف. ويقال حذر وحذر ، قال الفرّاء : أكثر الكلام الحذر بالكسر وهو التحرّز. ورجل حذر وحذر أى متيقّظ متحرّز ، وقد حذر يحذر حذرا وحذّرته. قال تعالى (وَيُحَذِّرُكُمُ (١) اللهُ نَفْسَهُ) وقوله تعالى : (خُذُوا (٢) حِذْرَكُمْ) أى ما فيه الحذر من السلاح وغيره. حذار أى احذر.

وقد ورد الحذر فى القرآن على ثلاثة أوجه : الأوّل بمعنى : الخوف والخطر (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) أى يخوّفكم. الثّانى بمعنى : الإباء والامتناع (وَإِنْ لَمْ (٣) تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) أى امتنعوا. الثالث بمعنى : كتمان السرّ (إِنَّ اللهَ (٤) مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) أى مظهر ما تكتمون.

ثمّ يختلف الحذر تارة من فتنة الأولاد (عَدُوًّا (٥) لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) وتارة حذر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكر المنافقين (هُمُ الْعَدُوُّ (٦) فَاحْذَرْهُمْ) وتارة حذره صلى‌الله‌عليه‌وسلم من فتنة اليهود (وَاحْذَرْهُمْ (٧) أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) وتارة حذر المنافقين من فضيحتهم بنزول القرآن (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ (٨) أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ) وحذر فرعون وهامان من عسكر موسى بن عمران (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ (٩) حاذِرُونَ) وحذر المسلم ممّن يخالف (١٠) الرّحمن (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ (١١) يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ).

__________________

(١) الآية ٢٨ سورة آل عمران.

(٢) الآية ٧١ سورة النساء.

(٣) الآية ٤١ سورة المائدة.

(٤) الآية ٦٤ سورة التوبة.

(٥) الآية ١٤ سورة التغابن.

(٦) الآية ٤ سورة المنافقين.

(٧) الآية ٤٩ سورة المائدة.

(٨) الآية ٦٤ سورة التوبة.

(٩) الآية ٥٦ سورة الشعراء.

(١٠) فى الأصلين : «يخالفه».

(١١) الآية ٦٣ سورة النور.

٤٤١

١٦ ـ بصيرة فى الحر وما يشتق منه

الحرّ : ضدّ البرد ، والحرارة : ضدّ البرودة. تقول منه : حررت يا يوم بالفتح وحررت بالكسر ، فأنت تحرّ وتحرّ حرّا وحرارة وحرورا ، سمع ذلك الكسائىّ. والحرارة ضربان : حرارة عارضة فى الهواء من الأجسام المحمية (١) كحرارة الشّمس والنّار ، وحرارة عارضة فى البدن من الطّبيعة كحرارة المحموم.

وحرّ الرّجل فهو محرور ، وكذا حرّ (٢) يومنا وحرّ بالضمّ وبالفتح. والحرور : الريح الحارّة. واستحرّ القيظ : اشتدّ حرّه. والحرّ خلاف العبد ، حرّ العبد بالفتح يحرّ حرارا : عتق ، قال (٣) :

فما ردّ تزويج عليه شهادة

وما ردّ من بعد الحرار عتيق

ورجل حرّ بيّن الحروريّة والحروريّة كالخصوصيّة والخصوصية.

والحرّية ضربان : الأوّل من لم يجر عليه حكم السّبى نحو (الْحُرُّ بِالْحُرِّ)(٤) والثّانى من لم يتملكه قواه الذميمة : من الحرص والشره على القنيات الدّنيوية.

__________________

(١) كذا فى الراغب وتقرأ وصفا للفاعل من أحمى الشىء : جعله حاميا ، فأما قراءتها وصفا للمفعول من حمى ، فقد انكر ابن السكيت وغيره : حميت الشىء فى النار ، وانما يقال : أحميته. وروى الزبيدى عن شيخه أنه يقال ذلك ولم يأت بسند له.

(٢) لم أقف على هذا فى اللغة.

(٣) فى اللسان أن ثمرا قال : سمعته من رجل من باهلة. وقبله :

فلو أنك فى يوم الرخاء سألتنى

فراقك لم أبخل وأنت صديق

(٤) الآية ١٧٨ سورة البقرة.

٤٤٢

والى العبوديّة المضادّة لهذا أشار النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «تعس (١) عبد الدينار وتعس عبد الدرهم» وقول الشاعر :

* ورقّ ذوى الأطماع رقّ مخلد*

وقيل عبد الشهوة أذلّ من عبد الرّقّ. والتّحرير : جعل الإنسان حرّا فمن الأول (٢)(وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)(٣) ومن الثانى (٤)(نَذَرْتُ لَكَ ما فِي (٥) بَطْنِي مُحَرَّراً) قيل : هو أنّه جعل (٦) ولده بحيث لا ينتفع به الانتفاع الدّنيوى المذكور فى قوله (بَنِينَ (٧) وَحَفَدَةً) بل جعله مخلصا للعبادة. ولهذا قال الشّعبى : مخلصا للعبادة ، وقال مجاهد : خادما بالبيعة (٨) ، وقال جعفر : معتقا من أمر الدّنيا ، كلّ ذلك إشارة إلى معنى واحد. وحرّ الدّار وحرّ الرّمل : وسطه. وحرّ الوجه ما بدا من الوجه. والحرّ أيضا : فرخ الحمامة وولد الظّبية وولد الحيّة والصّقر والبازى. والحرّ أيضا : رطب الأزاذ. والحرّ من الفرس : سواد فى ظاهر أذنيه. وساق حرّ : الورشان وذكر القمارىّ. وأحرار البقول : ما يؤكل غير مطبوخ. ويقال ما هذا بحرّ أى بحسن ولا جميل. وطين حرّ : لا رمل فيل.

__________________

(١) رواه البخارى كما فى رياض الصالحين فى فصل الزهد.

(٢) كأنه يريد بالاول والثانى معنيى الحر السابقين : من لم يجر عليه حكم السبى ، وفى حكمه من أنقذ من الرق بالاعتاق ، وهذا هو المراد هنا ، ومن تجرد من الاطماع الدنيوية ، والمراد به هنا من أخلص للعبادة.

(٣) الآية ٩٢ سورة النساء.

(٤) كأنه يريد بالاول والثانى معنيى الحر السابقين : من لم يجر عليه حكم السبى ، وفى حكمه من أنقذ من الرق بالاعتاق ، وهذا هو المراد هنا ، ومن تجرد من الاطماع الدنيوية ، والمراد به هنا من أخلص للعبادة.

(٥) الآية ٣٥ سورة آل عمران.

(٦) الاولى : «انها جعلت ولدها» اذ أن هذا من امرأة عمران.

(٧) الآية ٧٢ سورة النحل.

(٨) ب : «للبيعة».

٤٤٣

١٧ ـ بصيرة فى الحرب

وهو معروف يذكّر ويؤنّث. يقال : وقعت بينهم حرب. قال الخليل : تصغيرها حريب رواية عن العرب. قال المازنىّ لأنّه فى الأصل مصدر. قال المبرّد : الحرب قد يذكّر. وأنشد :

وهو إذا الحرب هفا عقابه

مرجم حرب يلتظى حرابه (١)

وأنا حرب لمن حاربنى أى عدوّ. وفى الحديث «الحرب (٢) خدعة» وقال (٣) :

وصالكم صدّ وحبّكم قلى

وقربكم بعد وسلمكم حرب

وأنتم بحمد الله فيكم فظاظة

وكلّ ذلول من مراكبكم صعب

وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أوجه : الأوّل بمعنى : المخالفة (فَأْذَنُوا (٤) بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ) أى بخلاف (إِنَّما جَزاءُ (٥) الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) يخالفون. الثّانى بمعنى : الكفر والضلالة. يقال : دار الحرب أى الكفر (حَتَّى (٦) تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) أى الكافر الحربىّ. الثّالث بمعنى القتال (فَإِمَّا (٧) تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ) أى فى القتال (كُلَّما أَوْقَدُوا (٨) ناراً لِلْحَرْبِ) أى القتال. ورجل محرب كأنّه آلة فى الحرب. والحربة : آلة للحرب معروفة. والجمع حراب. وسيأتى المحراب فى الميم إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) فى اللسان : «كره اللقاء» فى مكان «مرجم حرب» ومرجم حرب : شديد فيها. والعقاب : والراية.

(٢) رواه الشيخان ، كما فى تمييز الطيب من الخبيث.

(٣) أى العباس بن الاحنف كما فى ديوانه ١٥

(٤) الآية ٢٧٩ سورة البقرة.

(٥) الآية ٣٣ سورة المائدة.

(٦) الآية ٤ سورة محمد.

(٧) الآية ٥٧ سورة الانفال.

(٨) الآية ٦٤ سورة المائدة.

٤٤٤

١٨ ـ بصيرة فى الحرث

وهو إلقاء البذر فى الأرض وتهيئتها للزرع ، ويسمى المحروث حرثا ، قال تعالى (أَنِ (١) اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ) وتصوّر منه العمارة التى تحصل عنه فى قوله تعالى (مَنْ كانَ (٢) يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) الآية ، والدّنيا محرث للناس وهم حرّاث فيها. وفى الحديث «أصدق (٣) الأسماء الحارث والهمّام» وذلك لتصوّر معنى الكسب فيه. وروى (احرث (٤) لدنياك كأنّك تعيش أبدا) وتصوّر [من] معنى الحرث معنى التّهييج فقيل : حرثت النّار. ويقال احرث القرآن أى أكثر تلاوته. وفى حديث ابن مسعود : احرثوا هذا القرآن ، أى فتّشوه وتدبّروه. وحرث ناقته إذا استعملها. وقال معاوية للأنصار : ما فعلت نواضحكم (٥) قالوا حرثناها يوم بدر. قال تعالى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ)(٦) وذلك على سبيل التشبيه. فبالنّساء زرع ما به بقاء نوع الإنسان ، كما أن بالأرض زرع ما به بقاء أشخاصهم.

وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أوجه. الأوّل : بمعنى الزّرع المعهود (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ)(٧)(وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ (٨) مُسَلَّمَةٌ) (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ

__________________

(١) الآية ٢٢ سورة القلم.

(٢) الآية ٢٠ سورة الشورى.

(٣) ورد فى النهاية. وهو فى الجامع الصغير عن الطبرانى. وصدره : أحب الى الله تعالى ما تعبد له.

(٤) ورد فى النهاية.

(٥) ب : «بنواضحكم» وكأن هناك رواية أخرى : ما فعلتم بنواضحكم. والنواضح : الابل تسقى الزرع ، عيرهم معاوية رضى الله عنه أنهم أهل زرع ، فأجابوه بما أسكته ، تعريضا بقتل أشياخهم يوم بدر.

(٦) الآية ٢٢٣ سورة البقرة.

(٧) الآية ٦٣ سورة الواقعة.

(٨) الآية ٧١ سورة البقرة.

٤٤٥

وَالنَّسْلَ)(١) الثانى بمعنى النّساء (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ)(٢) الثالث بمعنى منفعة الدّنيا وثواب الآخرة (مَنْ كانَ (٣) يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا) أى نفعها (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) أى ثوابها ، قال :

إذا أنت لم تحرث وأبصرت حاصدا

ندمت على التفريط فى زمن الحرث (٤)

وأصل الحرث كسب المال وجمعه يقال حرث يحرث مثال كتب يكتب ، وحرث يحرث مثال سمع (٥) يسمع. وحرث (٦) عصاه براها حيث يقع اليد عليه منها وجعل لها مقبضا. والحرث المحجّة المكدودة بالحوافر.

__________________

(١) الآية ٢٠٥ سورة البقرة.

(٢) الآية ٢٣ سورة البقرة.

(٣) الآية ٢٠ سورة الشورى. والتلاوة : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ).

(٤) انظر عيون الاخبار ٢ / ٣٦٩

(٥) فى القاموس أن الحرث فى جميع معانيه من بابى نصر وضرب واستدرك صاحب التاج بقوله : «الا حرث بمعنى تجمع بين أربع نسوة فقد ضبطه أبو عمرو كسمع ، وكذا حرث اذا تفقه وفتش فقد ضبط الصاغانى اياهما كسمع».

(٦) لم أقف على هذا الاستعمال.

٤٤٦

١٩ ـ بصيرة فى الحرج

وهو مصدر بزنة فعل ، وأصله مجتمع (١) الشجر. وتصوّر منه ضيق ما بينهما (٢) فقيل للضيق حرج ، وللإثم حرج ، وقد حرج صدره يحرج كعلم يعلم.

وقد ورد فى القرآن على ثلاثة معان. الأول : بمعنى الشّك والرّيب (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ)(٣) قيل هو نهى وقيل دعاء وقيل حكم (فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً (٤) مِمَّا قَضَيْتَ) أى شكّا. الثانى : بمعنى الضيق (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ (٥) فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ (٦) يَجْعَلْ (٧) صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) أى ضيّقا بكفره. الثّالث : بمعنى الإثم (لَيْسَ (٨) عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) (وَلا عَلَى الَّذِينَ (٩) لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) أى إثم ، والمتحرّج : المتجنّب عن الحرج.

__________________

(١) ب : «الشىء»

(٢) كذا فى الاصلين والراغب ، أى بين الشجرتين مثلا أو الطائفتين من الشجر.

(٣) الآية ٢ سورة الأعراف.

(٤) الآية ٦٥ سورة النساء.

(٥) الآية ٧٨ سورة الحج.

(٦) الآية ٦ سورة المائدة. وكتبها الناسخ سهوا : (عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)

(٧) الآية ١٢٥ سورة الانعام.

(٨) الآية ٦١ سورة النور.

(٩) الآية ٩١ سورة التوبة.

٤٤٧

٢٠ ـ بصيرة فى الحرد

وهو المنع عن حدّة وغضب ، قال تعالى (وَغَدَوْا (١) عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) أى على امتناع أن يتناولوه (٢) قادرين على ذلك. ونزل فلان حريدا أى ممتنعا عن مخالطة القوم ، وهو حريد المحلّ وحاردت السّنة : منعت قطرها ، والنّاقة : منعت درّها. وحرد كعلم : غضب وحرّده تحريدا أغضبه وبعير أحرد : فى إحدى يديه حرد. والحرديّة حظيرة من قصب.

__________________

(١) الآية ٢٥ سورة القلم.

(٢) كان المراد : أن يتناوله المساكين أى ينالوا من البستان ، وكانوا قرروا الا يعطوا المساكين شيئا.

٤٤٨

٢١ ـ بصيرة فى الحرس

الحرس والحرّاس جمع حارس وهو حافظ المكان. والحرس والحرز متقاربان معنى تقاربهما لفظا ، لكنّ الحرز (١) يستعمل فى النّاضّ (٢) والأمتعة أكثر ، والحرس (٣) يستعمل فى الأمكنة أكثر. وحريسة الجبل : ما يحرس فى الجبل بالليل. قال أبو عبيدة : الحريسة هى المحروسة. قال : والحريسة : المسروقة ، يقال حرس يحرس كضرب يضرب ، والظاهر أن ذلك تصوّر من لفظ الحريسة لأنّه جاء عن العرب فى معنى السرقة.

__________________

(١) يريد مادتى «حرز» و «حرس» ولا يريد صيغة بعينها.

(٢) فى المصباح : «وأهل الحجاز يسمون الدراهم والدنانير نضا وناضا. وقال أبو عبيدة : انما يسمونه ناضا اذا تحول عينا بعد أن كان متاعا.

(٣) يريد مادتى «حرز» و «حرس» ولا يريد صيغة بعينها.

٤٤٩

٢٢ ـ بصيرة فى الحرص

وهو فرط الشّره (١) ، وأصل ذلك من حرص القصّار الثوب أى قشره بدقّة.

وقد ورد فى القرآن على وجهين :

الأول : بمعنى التمنى (٢) والإرادة (إِنْ تَحْرِصْ (٣) عَلى هُداهُمْ) أى : إن يفرط إرادتك فى هدايتهم.

الثانى : بمعنى الشفقة والرّأفة (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ)(٤) ، قال (٥) :

يا طالب الرزق فى الآفاق مجتهدا

كبّح لجامك إن الرّزق مقسوم

لا تحرصنّ على ما لست تدركه

إنّ الحريص على المحبوب محروم

ومن الحكم : البخيل مذموم ، والحسود مرجوم ، والحريص محروم.

ويقال : لا تكن حريصا على الدنيا تكن حافظا ، فإن الحرص على الدنيا يورث النسيان.

ومن كلامهم : قرن الحرص بالحرمان.

__________________

(١) ب : «القشرة».

(٢) فى الاصلين : «النهى» وما أثبت هو المناسب.

(٣) الآية ٣٧ سورة النحل.

(٤) الآية ١٢٨ سورة التوبة.

(٥) أى الحيص بيص كما فى حياة الحيوان للدميرى فى «البعوض».

٤٥٠

٢٣ ـ بصيرة فى الحرض

رجل حرض كجبل وحرض ككتف وحارضة ، أى فاسد مريض ، واحده وجمعه (١) سواء ، قال الله تعالى (حَتَّى تَكُونَ (٢) حَرَضاً) قال قتادة : حتى تهرم أو تموت. ابن عرفة : وهو الفساد يكون فى البدن والمذهب والعقل. ورجل حرض وحارض اذا أشفى على الهلاك. وقيل الحرض والحارضة الذى لا خير عنده. قال :

يا ربّ بيضاء لها زوج حرض

حلّالة بين عريق وحمض (٣)

وفى حديث عوف بن مالك الأشجعى رضى الله عنه قال : رأيت محلّم بن جثّامة الليثى رضى الله عنه فى المنام فقلت له [كيف](٤) أنت يا محلّم؟ فقال : بخير. وجدنا ربّا رحيما غفر لنا ، قلت لكلّكم (٥)؟ قال : لكلنا (٦) غير الأحراض. قلت : ومن الأحراض؟ قال : الّذين يشار إليهم بالأصابع ، أراد : الفاسدين المشتهرين بالشر ، الذين (٧) لا يخفى على أحد فسادهم ، شبّههم بالسّقمى (٨) المشرفين على الهلاك فسمّاهم أحراضا. وقال : أبو عبيدة : الحرض الّذى أذابه الحزن والعشق. وأحرضه الحبّ : أفسده.

__________________

(١) هذا فى «حرض» بالتحريك. وذلك أنه فى الاصل مصدر. فأما «حرض» ككتف ، و «حارضة» فيثنيان ويجمعان.

(٢) الآية ٨٥ سورة يوسف.

(٣) عريق وحمض : موضعان بين البصرة والبحرين فى شرقى الدهناء. وبعد الشطرين شطر ثالث هو :

* ترميك بالطّرف كما ترمى الغرض*

وانظر معجم البلدان فى «حمض».

(٤) زيادة من اللسان.

(٥) فى الاصلين : «كلكم» و «كلنا» وما أثبت عن اللسان.

(٦) فى الاصلين : «الذى».

(٧) الوارد فى جمع السقيم السقام بزنة كتاب. والقياس يجيزه كمريض ومرضى.

٤٥١

والتحريض على القتال : الحثّ والإحماء عليه ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ)(١) أى حثّهم عليه بالتّزيين وتسهيل الخطب فيه ، كأنه فى الأصل إزالة الحرض ، نحو : قذّيته أى أزلت عنه القذى.

٢٤ ـ بصيرة فى الحرف

حرف كل شىء طرفه وشفيره وحدّه. ومنه حرف الجبل وهو أعلاه المحدّد. قال الفرّاء : جمع حرف الجبل حرف كعنب ومثله طلّ وطلل ولم يسمع غيرهما. وقوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ (٢) مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) أى على وجه. وهو أن يعبده فى السرّاء دون الضراء. وقيل : على شكّ ، وقيل على غير طمأنينة من أمره ، أى يدخل فى الدين دخول غير متمكن. وقيل : معناه ما بعده (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ) وفى معناه (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ (٣) ذلِكَ). وقوله : صلى‌الله‌عليه‌وسلم «نزل (٤) القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف» (٥). قال : أبو عبيدة أى سبع لغات من لغات العرب ، وليس معناه أن تكون فى الحرف الواحد سبعة أوجه ، ولكن يقول : هذه اللغات السبع مفرقة فى القرآن ، فبعضه بلغة قريش ، وبعضه بلغة هذيل ، وبعضه بلغة هوازن ، وبعضه [بلغة] أهل اليمن.

وتحريف الشىء : إمالته ، وتحرّف وانحرف : مال. قال الله تعالى (إِلَّا (٦) مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) أى مستطردا يريد الكرّة.

__________________

(١) الآية ٦٥ سورة الانفال.

(٢) الآية ١١ سورة الحج.

(٣) الآية ١٤٣ سورة النساء.

(٤) ورد أصل هذا الحديث دون «كلها شاف كاف» فى حديث طويل فى البخارى فى فضائل القرآن ، وفى غيره.

(٥) الآية ١١ سورة الحج.

(٦) الآية ١٦ سورة الانفال.

٤٥٢

٢٥ ـ بصيرة فى الحرق

حرقت الشىء أحرقه كنصرته أنصره أى بردته وحككت بعضه على بعض ، ومنه قراءة علىّ وابن عبّاس رضى الله عنهم وأبى جعفر (لَنُحَرِّقَنَّهُ)(١) والنون مشددة. وعن أبى جعفر(لنحرقنه) والنّون مخفّفة. والحرق بالتّحريك : النّار. يقال : فى حرق الله ، ومنه الحديث «الحرق (٢) والغرق والشّرق شهادة» ويقال حرق النّار : لهبها. وفى الحديث «ضالّة المؤمن (٣) أو المسلم حرق النّار» يعنى إذا أخذها إنسان وتملكها أدّته إلى النار. والحرقة بالضم والحريق : اسمان من الاحتراق.

وقوله تعالى (فَلَهُمْ (٤) عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) أى لهم عذاب بكفرهم ، وعذاب إحراقهم المؤمنين. وحرقت الشىء حرقا [و](٥) أحرقته. وقال الفرّاء : الحرقة والحرقة. وأحرقه بالنار وحرّقه شدد للكثرة ، وقرئ : (لتحرّقنّه) يقول للسّامرىّ لتحرّقنّ بيدك إلهك الذى ظلت عليه عاكفا. والإحراق إيقاع نار ذات لهب فى الشىء ومنه استعير أحرقنى بلومه إذا بلغ (٦) فى أذيته بلوم.

__________________

(١) الآية ٩٧ سورة طه.

(٢) الذى فى الجامع الصغير عن الطبرانى : «البطن والغرق شهادة».

(٣) ورد فى الجامع الصغير عن مسند ابن حنبل والترمذى وغيرهما.

(٤) الآية ١٠ سورة البروج.

(٥) زيادة من القاموس.

(٦) فى الراغب : «بالغ».

٤٥٣

٢٦ ـ بصيرة فى الحرام

وهو الممنوع منه ، إمّا بتسخير إلهى ، وإمّا بمنع بشرىّ ، وإما بمنع من جهة العقل أو من جهة الشرع أو من جهة من يرتسم أمره.

أما قوله تعالى (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ)(١) فذلك تحريم بتسخير ، وقد حمل على ذلك قوله تعالى (وَحَرامٌ (٢) عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) وقوله تعالى (فَإِنَّها (٣) مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) وقيل بل كان حراما عليهم من جهة القهر [لا] بالتسخير الإلهى. وقوله تعالى (إِنَّهُ (٤) مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) فهذا من جهة القهر.

والمحرم من جهة الشرع (٥) ما أشير إليه بقوله (وَهُوَ مُحَرَّمٌ (٦) عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) هذا كان محرّما عليهم بحكم شرعهم. وقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما (٧) أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) الآية

وقيل : ورد الحرام فى القرآن على عشرة أوجه :

الأول : حرام الصّحبة والمناكحة (حُرِّمَتْ (٨) عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) الآية.

الثانى : حرام الفسق والمعصية (إِنَّما حَرَّمَ (٩) رَبِّيَ الْفَواحِشَ) (أَتْلُ (١٠) ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)

__________________

(١) الآية ١٢ سورة القصص.

(٢) الآية ٩٥ سورة الانبياء.

(٣) الآية ٢٦ سورة المائدة.

(٤) الآية ٧٢ سورة المائدة.

(٥) فى الاصلين : «العقل» وما أثبت عن الراغب.

(٦) الآية ٨٥ سورة البقرة.

(٧) الآية ١٤٥ سورة الانعام.

(٨) الآية ٢٣ سورة النساء.

(٩) الآية ٣٣ سورة الأعراف.

(١٠) الآية ١٥١ سورة الانعام.

٤٥٤

الثالث : حرام العجائب والمعجزة (وَحَرَّمْنا (١) عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ).

الرابع : حرام العذاب والعقوبة (إِنَّ اللهَ (٢) حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) (فَقَدْ حَرَّمَ (٣) اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ).

الخامس : حرام فسخ (٤) الشريعة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ (٥) الْمَيْتَةُ) إلى قوله : (ذلِكُمْ فِسْقٌ).

السادس : حرام الحرمان والهلكة (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها)(٦).

السابع : حرام الهوى والشهوة (وَأَنْعامٌ (٧)حُرِّمَتْ ظُهُورُها) (٨)(وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا).

الثامن : حرام النذر والمصلحة (يا أَيُّهَا النَّبِيُ (٩) لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) أى لم تحكم بتحريم ذلك (إِلَّا ما حَرَّمَ (١٠) إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ).

التاسع : حرام الحظر والإباحة (وَحُرِّمَ (١١) عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ).

العاشر : حرام التوقير والحرمة (رَبَ (١٢) هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها).

وهذا النوع يأتى على وجوه :

الأول : وصف المسجد بالحرام (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ (١٣) الْحَرامَ).

الثانى : نعت الأشهر بالحرام (الشَّهْرُ (١٤) الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ).

__________________

(١) الآية ١٢ سورة القصص.

(٢) الآية ٥٠ سورة الاعراف.

(٣) الآية ٧٢ سورة المائدة.

(٤) فى الاصل : «نسخ» والظاهر ما أثبت.

(٥) الآية ٣ سورة المائدة.

(٦) الآية ٩٥ سورة الأنبياء.

(٧) الآية ١٣٨ سورة الانعام.

(٨) الآية ١٣٩ سورة الانعام.

(٩) اول سورة التحريم.

(١٠) الآية ٩٣ سورة آل عمران.

(١١) الآية ٩٦ سورة المائدة.

(١٢) الآية ٩١ سورة النمل.

(١٣) الآية ٢٧ سورة الفتح.

(١٤) الآية ١٩٤ سورة البقرة.

٤٥٥

الثالث : دعاء البيت بالحرام (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ)(١)

وسمّى الحرم حرما لتحريم الله تعالى فيه كثيرا مما ليس بمحرّم فى غيره من المواضع. ورجل حرام وحلال ومحلّ ومحرم. وكلّ تحريم ليس من قبل الله تعالى فليس بشيء. وقوله تعالى (بَلْ نَحْنُ (٢) مَحْرُومُونَ) أى ممنوعون من جهة الجدّ. وقوله تعالى (لِلسَّائِلِ (٣) وَالْمَحْرُومِ) أى الذى لم يوسّع عليه فى الرّزق كما وسّع على غيره. ومن قال : (أراد (٤) به) الكلب ، فلم يعن أن ذلك اسم للكلب كما ظنه بعض من ردّ عليه ، وإنما ذلك منه مثال لشىء كثيرا ما يحرمه الناس أى يمنعونه.

__________________

(١) الآية ٩٧ سورة المائدة.

(٢) الآية ٦٧ سورة الواقعة ، والآية ٢٧ سورة القلم.

(٣) الآية ١٩ سورة الذاريات ، والآية ٢٥ سورة المعارج.

(٤) ب : «بارادته».

٤٥٦

٢٧ ـ بصيرة فى الحزب

وهو جماعة فيها غلظ ، وقيل : الحزب الأصحاب ، والحزب الطائفة ، وهذيل تسمى السلاح الحزب تشبيها وسعة. والأحزاب : الطوائف التى تجتمع على محاربة الأنبياء عليهم‌السلام. وقوله تعالى (فَإِنَ (١) حِزْبَ اللهِ) يعنى أنصار الله. قال بلال عند وفاته : «غدا نلقى الأحبّة ، محمدا وحزبه».

وفى الحديث أنّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم حزّب أصحابه فى بعض الغزوات حزبين ، أى جعلهم فرقتين : فرقة تقابل العدوّ ، وفرقة تصلّى معه.

وورد فى القرآن على وجوه :

الأول : بمعنى أصناف الخلائق فى اختلاف المذاهب والملل والأديان (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(٢).

الثانى : بمعنى عسكر الشيطان (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ)(٣).

الثالث : بمعنى جند الرحمن (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ)(٤) وهم فى الدنيا غالبون مصلحون (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ)(٥) وفى العقبى فائزون مفلحون (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٦).

__________________

(١) الآية ٥٦ سورة المائدة.

(٢) الآية ٥٣ سورة المؤمنين.

(٣) الآية ١٩ سورة المجادلة.

(٤) الآية ٢٢ سورة المجادلة.

(٥) الآية ٥٦ سورة المائدة.

(٦) الآية ٢٢ سورة المجادلة.

٤٥٧

٢٨ ـ بصيرة فى الحزن

والحزن والحزن خشونة (١) فى الأرض وخشونة فى النفس لما يحصل فيه من الغمّ ، ويضادّه الفرح. ولاعتبار الخشونة بالغمّ قيل خشّنت بصدره (٢) إذا حزنته. يقال : حزن يحزن كعلم يعلم ، وحزنته وأحزنته. وقوله (وَلا تَحْزَنْ)(٣) ليس بنهى عن تحصيل الحزن ، لأن الحزن ليس يدخل باختيار الإنسان. ولكن النهى فى الحقيقة إنما هو عن تعاطى ما يورث الحزن واكتسابه. وإلى هذا المعنى أشار الشاعر بقوله :

ومن سرّه ألّا يرى ما يسوءه

فلا يتخذ شيئا يخاف (٤) له فقدا

وأيضا يحث على أن يتصوّر الإنسان ما عليه جبلّة الدّنيا ، حتى إذا غافصته (٥) نائبة لم يكترث لها لمعرفته إيّاها ، وحث على أن يروض نفسه على تحمل صغار النّوب حتى يتوصّل بها إلى تحمّل كبارها.

__________________

(١) الذى فى اللغة أن خشونة الارض يقال لها الحزن بفتح فسكون. وقد تبع فى هذا الراغب.

(٢) ويقال أيضا : خشنت صدره وبصدره اذا أوغره وأغضبه.

(٣) الآية ٨٨ سورة الحجر ، وورد فى آيات أخرى.

(٤) فى الراغب : «يبالى» والشعر لابن الرومى كما ورد فى محاضرات الراغب ٢ / ٣٢٥.

(٥) أى : فاجأته وأخذته على غرة.

٤٥٨

٢٩ ـ بصيرة فى الحس

وهو القتل ، ومنه قوله تعالى (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ (١) بِإِذْنِهِ) أى تقتلونهم وتستأصلونهم ، وحسّ البرد الجراد : قتله. والحسيس : القتيل ، فعيل بمعنى مفعول.

وقوله تعالى (لا يَسْمَعُونَ (٢) حَسِيسَها) أى حسّها وحركة تلهّبها. قال إبراهيم الحربى : الحسّ والحسيس أن يمرّ بك قريبا فتسمعه ولا تراه. والحاسة : القوّة التى بها تدرك الأعراض الجسميّة. والحواسّ : المشاعر الخمس ، يقال : حسست وحسيت وأحسست وأحسيت.

فحسست على وجهين : أحدهما يقال أصبته بحسّى ، نحو : عنته ورمحته (٣). والثانى أصبت حاسته ، نحو كبدته. ولمّا كان ذلك قد يتولد منه القتل عبّر به عن القتل فقيل حسسته أى قتلته. وأما حسست فنحو علمت وفهمت ، ولكن لا يقال ذلك إلا فيما كان من جهة الحاسّة. وأمّا حسيت فقلبت (٤) إحدى السّينين ياء. وأمّا أحسسته فحقيقته أدركته بحاستى ، وأحست مثله ، لكن حذف إحدى السينين تخفيفا نحو ظلت.

وقوله تعالى (فَلَمَّا أَحَسَ (٥) عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) تنبيه أنّه ظهر منهم الكفر ظهورا بان للحسّ فضلا عن التفهّم. وكذلك قوله تعالى (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا)(٦) وقوله تعالى (هَلْ (٧) تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) أى هل تجد بحاسّتك أحدا منهم. وقد يعبر عن الحركة بالحسيس والحس ، قال تعالى (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها)(٨).

__________________

(١) الآية ١٥٢ سورة آل عمران.

(٢) الآية ١٠٢ سورة الانبياء.

(٣) كذا فى مخطوطة الراغب. وفى الاصلين : «رمقته».

(٤) فى الاصلين : «فنقلت» والمناسب ما أثبت.

(٥) الآية ٥٢ سورة آل عمران.

(٦) الآية ١٢ سورة الانبياء.

(٧) الآية ٩٨ سورة مريم.

(٨) الآية ١٠٢ سورة الأنبياء.

٤٥٩

٣٠ ـ بصيرة فى الحساب

وهو استعمال العدد. يقال حسبت أحسب ككتبت أكتب حسابا وحسبانا وحسابه وحسبة (١) وحسبا. قال عمر رضى الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا. قال :

وكنت حسبت فلما حسبت

زاد الحساب على المحسبه

وقد خلتها مرتعا ممرعا

فصادفتها دمنة معشبه

وقال :

فإن تزرنى أزرك أو إن

تقف ببابى أقف ببابك

والله لا كنت فى حسابى

إلا إذ كنت فى حسابك

وقد ورد الحساب فى التنزيل على عشرة أوجه :

الأوّل : بمعنى الكثرة (عَطاءً (٢) حِساباً) أى كثيرا.

الثانى : بمعنى الأجر والثواب (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي)(٣) أى أجرهم.

الثالث : بمعنى العقوبة والعذاب (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً)(٤) أى لا يخافون عذابا.

الرّابع : الحسيب بمعنى الحفيظ (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً)(٥) أى حفيظا.

__________________

(١) ب : «حسيبة».

(٢) الآية ٣٦ سورة النبأ.

(٣) الآية ١١٣ سورة الشعراء.

(٤) الآية ٢٧ سورة النبأ.

(٥) الآية ٨٦ سورة النساء.

٤٦٠