بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

وهو الحبّ اللازم للقلب ملازمة الغريم لغريمه ، ثمّ الودّ وهو صفو المحبّة وخالصها ولبّها ، ثمّ الشغف ، شغف بكذا فهو مشغوف أى وصل الحبّ شغاف قلبه وهو جلدة رقيقة على القلب ، ثمّ العشق وهو الحبّ المفرط الّذى يخاف على صاحبه منه ، وبه فسّر (وَلا تُحَمِّلْنا (١) ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) ثمّ التتيّم وهو المحبّة والتذلّل ، تيّمه الحبّ أى عبّده وذلّله وتيم الله عبد الله ، ثمّ التعبّد وهو فوق التتيّم فإنّ العبد الذى (٢) ملك المحبوب رقّه فلم يبق له شىء من نفسه البتّة ، بل كلّه لمحبوبه ظاهرا وباطنا. ولمّا كمّل سيّد ولد آدم هذه المرتبة وصفه الله بها فى أشرف مقاماته بقوله (سُبْحانَ (٣) الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) وفى مقام الدّعوة (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ (٤) عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) وفى مقام التحدّى (وَإِنْ كُنْتُمْ (٥) فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) وبذلك استحقّ التقدّم على الخلائق فى الدّنيا والآخرة. العاشر : مرتبة الخلّة الّتى انفرد بها الخيلان إبراهيم ومحمّد عليهما الصّلاة والسّلام ؛ كما صحّ عنه «إنّ الله (٦) اتّخذنى خليلا كما اتّخذ إبراهيم خليلا» وقال «لو كنت (٧) متّخذا من أهل الأرض خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الرّحمن» والخلّة هى المحبّة الّتى تخلّلت روح [المحب] وقلبه حتى لم يبق فيه موضع لغير محبوبه.

والأسباب الجالبة المحبة عشرة : الأول : قراءة القرآن بالتّدبّر والتفهّم لمعانيه وتفطّن مراد الله منه. الثانى : التّقرّب إلى الله تعالى بالنّوافل بعد

__________________

(١) الآية ٢٨٦ سورة البقرة.

(٢) هو خبر ان.

(٣) أول سورة الاسراء.

(٤) الآية ١٩ سورة الجن.

(٥) الآية ٢٣ سورة البقرة.

(٦) رواه الطبرانى كما فى الجامع الصغير ، وفى شرحه أن اسناده ضعيف.

(٧) ورد فى أثناء حديث فى البخارى فى فضائل أبى بكر ، ببعض اختلاف فى اللفظ.

٤٢١

الفرائض ؛ فإنّها توصّل إلى درجة المحبوبيّة بعد المحبّة. الثالث : دوام ذكره على كلّ حال باللّسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبّة على قدر نصيبه من هذا الذكر. الرابع : ايثار محابّه على محابّك عند غلبات الهوى. الخامس : مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها وتقلّبه فى رياض هذه المعرفة ومباديها فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبّه لا محالة. السادس مشاهدة برّه وإحسانه ونعمه الظّاهرة والباطنة. السابع : وهو من أعجبها ـ انكسار القلب بكلّيّته بين يديه. الثامن : الخلوة به وقت النّزول الإلهىّ لمناجاته وتلاوة كلامه ، والوقوف بالقالب والقلب بين يديه ، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتّوبة. التّاسع : مجالسة المحبّين والصّادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم وألّا يتكلم إلّا إذا ترجّحت مصلحة الكلام وعلم أنّ فيه مزيدا لحاله. العاشر : مباعدة كلّ سبب يحول بين القلب وبين الله عزوجل.

فمن هذه الأسباب وصل المحبّون إلى منازل المحبّة ، ودخلوا على الحبيب وفى ذلك أقول :

تلاوة فهم مع لزوم (١) نوافل

وذكر دواما (٢) وانكسار بقلبه

وإيثار ما يرضى شهود عطائه

ووقت نزول الحقّ يخلو بربّه

مطالعة الأسماء مجالسة القدى (٣)

مجانبة الأهواء جوالب حبه

__________________

(١) فى الأصلين : «نزول» والوجه ما أثبت.

(٢) فى الأصلين : «دوام».

(٣) جمع قدوة. والمراد من يحسن الاقتداء به.

٤٢٢

٣ ـ بصيرة فى الحبر

وهو الأثر المستحسن. وبالكسر والفتح : الرّجل العالم ؛ لما يبقى من أثر علومه فى قلوب النّاس ، ومن آثار أفعاله الحسنة المقتدى بها ، وجمعه أحبار. قال تعالى (الرَّبَّانِيُّونَ (١) وَالْأَحْبارُ) وقال (إِنَّ كَثِيراً (٢) مِنَ الْأَحْبارِ) وإلى المعنى المذكور أشار المرتضى (٣) رضى الله عنه بقوله : العلماء باقون ما بقى الدّهر ، أعيانهم مفقودة ، وآثارهم فى القلوب موجودة ، وقول النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «يخرج (٤) من النّار رجل قد ذهب حبره وسبره» أى جماله وبهاؤه. ومنه شاعر محبّر وشعر محبّر وثوب حبير : محسّن. والحبرة : السّرور والبهجة لظهور أثره على صاحبه ، قال تعالى : (فِي رَوْضَةٍ (٥) يُحْبَرُونَ) أى يفرحون حتّى يظهر عليهم حبار نعيمهم.

__________________

(١) الآية ٤٤ سورة المائدة.

(٢) الآية ٣٤ سورة التوبة.

(٣) فى الراغب : «أمير المؤمنين» وهو على رضى الله عنه.

(٤) ورد فى النهاية وأنه فى صفة أهل النار.

(٥) الآية ١٥ سورة الروم.

٤٢٣

٤ ـ بصيرة فى الحبط

قال تعالى (وَمَنْ (١) يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) وقال تعالى (فَأَحْبَطَ (٢) أَعْمالَهُمْ).

حبط عمله ـ بكسر الباء وفتحها ـ حبطا وحبوطا : بطل. وأحبطه الله : أبطله. وهو من قولهم : حبط ماء الرّكيّة إذا ذهب ذهابا لا يعود أبدا.

وحبط العمل على أضرب :

أحدها : أن تكون الأعمال دنيويّة فلا تغنى فى القيامة غناء ؛ كما أشار إليه تعالى (وَقَدِمْنا إِلى (٣) ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً).

والثانى : أن تكون أعمالا أخرويّة لكن لم يقصد صاحبها بها وجه الله ؛ كما روى أنّه يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له : بم كان اشتغالك؟ فيقول : بقراءة القرآن. فيقال : كنت تقرأ القرآن ليقال : هو قارئ وقد قيل ، فيؤمر به إلى النّار.

والثالث : أن تكون أعمالا صالحة يكون بإزائها سيّئات تزيد عليها ، وذلك هو المشار إليه بخفّة الميزان.

وقيل : أصل الحبط من الحبط ، وهو أن تكثر الدّابّة أكلا ينفخ

__________________

(١) الآية ٢١٧ سورة البقرة.

(٢) الآية ٩ سورة محمد.

(٣) الآية ٢٣ سورة الفرقان.

٤٢٤

بطنها. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إنّ (١) ممّا ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ».

والحبط ـ بكسر الباء وفتحها ـ لقب الحارث بن عمرو (٢) لحبط أصابه فى سفر ، والحبطات أبناؤه.

٥ ـ بصيرة فى الحبك

وهو الشّدّ (٣) والإحكام. وبعير محبوك القراء (٤) أى محكمه. والاحتباك : شدّ الإزار. والحبك ـ بضمّتين ـ : الطّرائق ، قال تعالى (وَالسَّماءِ ذاتِ (٥) الْحُبُكِ) أى : الطّرائق. فمن النّاس من تصوّر منها الطّرائق المحسوسة بالنّجوم والمجرّة ، ومنهم من اعتبر ذلك بما فيه من الطّرائق المعقولة المدركة بالبصيرة ، وإلى ذلك أشار بقوله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ (٦) السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلى قوله (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً)(٧).

__________________

(١) هذا الحديث فى التزهيد فى الدنيا وصدره : «ان مما أخاف عليكم ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها». وقد أخرجه الشيخان والنسائى كما فى تيسير الوصول فى «ذم الدنيا». «ويلم» يقارب. ورد فى النهاية فى خضر.

(٢) فى ب : «الحارث ومازن». وكان الظاهر أن يقول : لحبط أصابهما ، عن هذه النسخة وقد ورد هذا فى تفسير الحبطات ففى التاج : «وقيل الحبطات الحارث بن عمرو بن تميم ، والعنبر بن عمرو بن تميم والقليب بن عمرو ، ومازن بن مالك بن عمرو ، هذا وفى القاموس. «الحارث بن مالك بن عمرو».

(٣) فى الأصلين : «الشدة» ، وما أثبت عن القاموس.

(٤) القرا : الظهر.

(٥) الآية ٧ سورة الذاريات.

(٦) الآيتان ١٩٠ ، ١٩١ سورة آل عمران.

(٧) الآيتان ١٩٠ ، ١٩١ سورة آل عمران.

٤٢٥

٦ ـ بصيرة فى الحبل

وقد ورد فى القرآن على ستّة معان. الأوّل بمعنى : العهد (إِلَّا بِحَبْلٍ (١) مِنَ اللهِ) أى بعهد منه. الثانى بمعنى : الأمانة (وَحَبْلٍ (٢) مِنَ النَّاسِ) أى أمان منهم. الثالث بمعنى : الإسلام والإيمان وبه فسّر ابن عبّاس قوله تعالى (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ). الرّابع بمعنى : الرّسين (فِي جِيدِها حَبْلٌ (٣) مِنْ مَسَدٍ). الخامس بمعنى : القرآن المجيد (وَاعْتَصِمُوا (٤) بِحَبْلِ اللهِ). السادس بمعنى : عرق فى البدن (أَقْرَبُ (٥) إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) شبّه بالحبل المعروف من من حيث الهيئة. وكذلك الحبل المستطيل من الرّمل ثمّ استعير للوصل ولكلّ ما يتوصّل به إلى شىء ..

(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) قال المحقّقون : حبله هو الّذى يمكن معه التّوصّل به إليه : من القرآن والنبى والعقل والإسلام وغير ذلك ، ممّا إذا اعتصمت به أدّاك إلى جواره.

وقوله تعالى (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ (٦) الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) فيه تنبيه على أنّ الكافر يحتاج إلى عهدين : عهد من الله وهو أن يكون من أهل كتاب أنزله الله ، وإلّا لم يقرّ على دينه ولم يجعل على ذمّة ، وإلى عهد من النّاس يبذلونه.

__________________

(١) الآية ١١٢ سورة آل عمران.

(٢) الآية ١١٢ سورة آل عمران.

(٣) الآية ٥ سورة المسد.

(٤) الآية ١٠٣ سورة آل عمران.

(٥) الآية ١٦ سورة ق.

(٦) الآية ١١٢ سورة آل عمران.

٤٢٦

والحابول : حبل يصعد به على النخل. والحبالة خصّت بحبل الصّائد والجمع حبائل وحبالات. وفى الحديث (١) : «النساء حبائل الشيطان».

قال الشاعر :

مطالب العالمين (٢) أشتات

وكلّهم معناهم هاتوا

وإنما العلم وما دونه

من الصناعات حبالات

وفى الحديث : «القرآن حبل ممدود بين الله وبين خلقه ، فمن تعلّق به نجا ، ومن فاته الحبل هلك وهوى». قال :

أصلى وفرعى فارقانى معا

واجتثّ من حبليهما حبلى

فما بقاء الغصن فى ساقه

بعد ذهاب الفرع والأصل

__________________

(١) ورد فى شهاب القضاعى. وورد فى كشف الخفاء وقبله : الشباب شعبة من الجنون.

(٢) فى الأصلين : «العلم».

٤٢٧

٧ ـ بصيرة فى حتى

وهى حرف يجرّ به تارة كإلى ، لكن يدخل الحدّ المذكور بعده فى حكم ما قبله ، ويعطف به تارة ، ويستأنف به تارة ؛ نحو أكلت السّمكة حتّى رأسها ورأسها ورأسها. ويدخل على الفعل المضارع فيرفع وينصب. وفى كلّ واحد وجهان ، فأحد وجهى النّصب إلى أن ، والثّانى كى. وأحد وجهى الرّفع أن يكون الفعل قبله ماضيا (١) نحو : مشيت حتّى أدخل البصرة ، أى مشيت فدخلت. والثّانى أن يكون ما بعده حالا نحو : مرض حتى لا يرجونه ، وقد قرئ (حَتَّى يَقُولَ (٢) الرَّسُولُ) بالرّفع والنّصب ، وحمل كلّ واحدة من القراءتين على الوجهين.

وقيل : إنّ ما بعد حتّى يقتضى أن يكون بخلاف ما قبله نحو (وَلا جُنُباً إِلَّا (٣) عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) وقد يجىء ولا يكون كذلك نحو ما فى الحديث : «إنّ الله (٤) لا يملّ حتّى تملّوا» ولم يرد أن يثبت ملالا لله بعد ملالهم.

__________________

(١) أى ولم يعتبر فيه أن مستقبلا بالنسبة الى ما قبله ، والا كان النصب ، كما فى الآية التالية ، فقد جاء فيها النصب على هذا الاعتبار ، وجاء الرفع على ارادة الحال المحكية ، كما هو مفصل فى كتب النحو.

(٢) الآية ٢١٤ سورة البقرة.

(٣) الآية ٤٣ سورة النساء.

(٤) الحديث مع صدره : «مه عليكم بما تطيقون فو الله لا يمل الله حتى تملوا» وانظر رياض الصالحين فى الاقتصاد فى العبادة.

٤٢٨

وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أوجه :

الأوّل بمعنى : إلى (تَمَتَّعُوا (١) حَتَّى حِينٍ) أى إلى أجلهم (حَتَّى (٢) مَطْلَعِ الْفَجْرِ) أى إلى طلوع الصّبح.

الثانى بمعنى : فلمّا (حَتَّى (٣) إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) (حَتَّى (٤) إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) (حَتَّى إِذا فَتَحْنا (٥) عَلَيْهِمْ باباً) أى فلمّا.

الثالث بمعنى إلى كناية عن وقت معيّن (حَتَّى (٦) يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) (حَتَّى (٧) تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) (حَتَّى لا تَكُونَ (٨) فِتْنَةٌ) أى إلى حال يتحقّق [فيه] ذلك.

والأصل فى حتّى حتّ لكن ألحقوا ألفا فى اللفظ وياء فى الخطّ لئلّا يلتبس باسم أو فعل. وقد يحذف ما بعده لحصول العلم به ، قال :

حضرت الباب مرّات وغبتم

فإنّ نوائب الأيّام شتّى

فلمّا لم أجدك ـ فدتك نفسى ـ

رجعت بحسرة وصبرت حتّى (٩)

وقد يبدّل حاؤها عينا ، وقرئ فى الشّاذ (عتى (١٠) حين) قرأ بها ابن مسعود رضى الله عنه ، فلمّا بلغ ذلك عمر ـ رضى الله عنه ـ قال : إنّ القرآن لم ينزل على لغة هذيل فأقرئ النّاس بلغة قريش. قال الفرّاء :

__________________

(١) الآية ٤٣ سورة الذاريات.

(٢) الآية ٥ سورة القدر.

(٣) الآية ١١٠ سورة يوسف.

(٤) الآية ٩٦ سورة الأنبياء.

(٥) الآية ٧٧ سورة المؤمنين.

(٦) الآية ٢٩ سورة التوبة.

(٧) الآية ٩ سورة الحجرات.

(٨) الآية ١٩٣ سورة البقرة.

(٩) كأن المراد : حتى يأذن الله.

(١٠) الآية ٢٥ سورة المؤمنين ، والآية ١٧٤ سورة الصافات.

٤٢٩

حتّى لغة قريش وجميع العرب إلّا هذيلا وثقيفا فإنّهم يقولون : عتّى. وأنشدنى (١) بعض أهل اليمامة :

لا أضع الدّلو ولا أصلّى

عتّى أرى جلّتها (٢) تولّى

صوادرا مثل قباب التلّ

وقال الفرّاء : حتّاه أى حتّى هو ، وحتّام أصله حتاما فحذفت ألف (ما) للاستفهام. وكذلك كلّ حرف من حروف الجرّ يضاف فى الاستفهام إلى (ما) كقوله تعالى (فَبِمَ (٣) تُبَشِّرُونَ) و (فِيمَ (٤)كُنْتُمْ) و (عَمَ (٥) يَتَساءَلُونَ).

__________________

(١) «أنشدنى» هذا من حديث الفراء. وجلة الابل : المسان. وهذا حديث ساق يجتهد فى سقى ابله حتى تروى.

(٢) «أنشدنى» هذا من حديث الفراء. وجلة الابل : المسان. وهذا حديث ساق يجتهد فى سقى ابله حتى تروى.

(٣) الآية ٥٤ سورة الحجر.

(٤) الآية ٩٧ سورة النساء.

(٥) صدر سورة النبأ.

٤٣٠

٨ ـ بصيرة فى الحجة

وهى اسم مضعّف على زنة (فعلة (١) ، لبرهان) أهل الحقّ والدّلالة البيّنة للمحجّة أى المقصد المستقيم (٢) الذى يقتضى صحّة أحد النقيضين.

وقد وردت الحجّة فى القرآن بمعنى المنافرة (٣) والمخاصمة (أَلَمْ تَرَ (٤) إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ) (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا (٥) فِي اللهِ) (فَمَنْ (٦) حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) (يا أَهْلَ (٧) الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ) (ها أَنْتُمْ (٨) هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ).

وورد بمعنى البرهان تارة من المؤمنين مع الكفّار (لا حُجَّةَ (٩) بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) وتارة من الكفّار بحسب اعتقادهم الباطل (ما كانَ (١٠) حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا) وتارة من إبراهيم عليه‌السلام فى تمهيد قواعد الإيمان (وَتِلْكَ (١١) حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) وتارة من الحقّ إلى الخلق بآيات القرآن وإظهار البرهان (قُلْ (١٢) فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) و (لِئَلَّا (١٣)

__________________

(١) فى الأصلين : «فعل كبرهان».

(٢) كذا فى ب والراغب. وفى ا : «السليم».

(٣) ب : «المناظرة».

(٤) الآية ٢٥٨ سورة البقرة.

(٥) الآية ١٣٩ سورة البقرة.

(٦) الآية ٦١ سورة آل عمران.

(٧) الآية ٦٥ سورة آل عمران.

(٨) الآية ٦٦ سورة آل عمران.

(٩) الآية ١٥ سورة الشورى.

(١٠) الآية ٢٥ سورة الجاثية.

(١١) الآية ٨٣ سورة الأنعام.

(١٢) الآية ١٤٩ سورة الأنعام.

(١٣) الآية ١٥٠ سورة البقرة.

٤٣١

يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) جعل ما يحتجّ بها الّذين ظلموا مستثنى من الحجّة وإن لم يكن حجّة ، كذلك قول الشاعر (١) :

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب

ويجوز أنّه سمّى ما يحتجّون به حجّة كقوله (حُجَّتُهُمْ (٢) داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) فسمّى الداحضة حجّة ، والمحاجّة : أن يطلب كلّ واحد أن يردّ الآخر عن حجّته ومحجّته.

وأصل الحجّ القصد للزّيارة. وخصّ فى تعارف الشّرع بقصد بيت الله إقامة للنّسك. فقيل الحجّ والحجّ ، فالحج مصدر والحجّ اسم. ويوم الحجّ الأكبر يوم النحر (٣) أو يوم عرفة. وروى : «العمرة الحجّ الأصغر» وقيل غير ذلك. وفى الحديث «من (٤) مات ولم يحجّ حجّة الإسلام لقى الله وفيه شعبة من النّفاق» وفيه «الحجّ المبرور (٥) ليس له جزاء إلّا الجنّة» قال :

إذا حججت بمال أصله دنس

فما حججت ولكن حجّت العير

لا يقبل الله إلا كلّ صافية

ما كلّ من حجّ بيت الله مبرور (٦)

__________________

(١) هو النابغة الذبيانى ، من قصيدة يمدح فيها عمرو بن الحارث الأعرج الغسانى ، أولها :

كلينى لهمّ يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب

(٢) الآية ١٦ سورة الشورى.

(٣) فى الأصلين : «و» وما أثبت هو المناسب. أى أنه اختلف فيه ، فقيل : هو يوم النحر ، وقيل : هو يوم عرفة ، كما قيل فى الحديث الصحيح : الحج عرفة. وانظر البيضاوى فى تفسير الآية ٣ من سورة التوبة.

(٤) الذى وجدته فى تيسير الوصول عن الترمذى : «من ملك زادا وراحلة تبلغه الى بيت الله الحرام ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا».

(٥) جزء من حديث فى البخارى ومسلم ، كما فى رياض الصالحين.

(٦) البيتان فى المستطرف ١ / ١٥.

٤٣٢

٩ ـ بصيرة فى الحجاب

[هو] اسم على زنة فعال وجمعه حجب ككتاب وكتب. وهو ما يمنع عن الوصول. وحجاب الجوف : ما يحجب عن الفؤاد. وفى الحديث : إنّ لله بين العرش والكرسىّ سبعين ألف حجاب غلظ كلّ حجاب كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين ، من الحجاب إلى الحجاب كما بين السّماء السّابعة إلى الأرض السّابعة فسبحان من هو بالمنظر الأعلى.

وقد ورد الحجاب فى القرآن على خمسة أوجه :

الأوّل : بمعنى الجبل الّذى تحتجب به الشمس آخر النّهار (حَتَّى (١) تَوارَتْ بِالْحِجابِ) أى الجبل.

الثّانى بمعنى : السّتر الشّرعى (فَسْئَلُوهُنَ (٢) مِنْ وَراءِ حِجابٍ).

الثالث بمعنى : قصور درجة النبوّة عن درجة الرّسالة بالإضافة إلى حضرة الرّبوبية (وَما كانَ (٣) لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ).

الرّابع بمعنى : الأعراف للسّور الّذى بين الجنّة والنّار (وَبَيْنَهُما (٤) حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ) قيل : ليس المراد بالحجب ما يحجب النّظر وإنّما المراد ما يمنع وصول لذّة الجنّة إلى أهل النّار وأذيّة أهل النار إلى أهل الجنّة كقوله تعالى (فَضُرِبَ (٥) بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) الآية.

__________________

(١) الآية ٣٢ سورة ص. وقد تبع فى تفسير الحجاب بالجبل ما يعزى الى ابن عباس ، وفيه أنه جبل قاف. والمفسرون على أن التوارى بالحجاب استعارة عن مغيب الشمس ، وليس هناك حجاب.

(٢) الآية ٥٣ سورة الأحزاب.

(٣) الآية ٥١ سورة الشورى.

(٤) الآية ٤٦ سورة الأعراف.

(٥) الآية ١٣ سورة الحديد.

٤٣٣

والحاجب : المانع عن السلطان ، قال :

وكم حاجب غضبان كاسر حاجب

يقابلنى بالزهو والتيه والكبر

ومن شيم الحجّاب أن قلوبهم

قلوب على (١) الأحرار أقسى من الصخر

والحاجبان (٢) فى الرّأس لكونهما كالحاجبين للعين فى الدّرء عنهما ، وحاجب (٣) الشمس لتقدّمه عليها تقدّم الحاجب للسّلطان.

١٠ ـ بصيرة فى الحجر بالكسر

وقد ورد فى القرآن واللغة على وجوه : الأوّل العقل ، قال الله تعالى (هَلْ فِي ذلِكَ (٤) قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ). الثّانى : حجر الكعبة المعظّمة زادها الله تعظيما وهو ما حواه الحطيم المدار بالبيت من جانب الشمال. الثالث : الحجر ديار ثمود ومنازلهم ناحية الشام عند وادى القرى ، قال الله تعالى (كَذَّبَ أَصْحابُ (٥) الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ). الرّابع : الحجر البيت وبه فسّر قوله تعالى (وَرَبائِبُكُمُ (٦) اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ). الخامس : الحجر الأنثى من الخيل والجمع حجور وحجورة وأحجار. وقول العراقيّين. حجرة ، ليس من كلام العرب. السادس : الحجر القرابة ، قال :

يريدون أن يقصوه عنّى وإنه

لذو حسب (٧) دان إلىّ وذو حجر

__________________

(١) فى الأصلين : «من» والمناسب ما أثبت.

(٢) تبع فى هذا الراغب ، ولم أقف على تفسير لهما فى اللغة ، وقوله : «فى الدرء» فى ب : «فى الذب».

(٣) هو ناحية من قرصها حين تبدأ فى الطلوع ، كما فى اللسان.

(٤) الآية ٥ سورة الفجر.

(٥) الآية ٨٠ سورة الحجر.

(٦) الآية ٢٣ سورة النساء.

(٧) كذا فى الأصلين. والمناسب : «نسب».

٤٣٤

السّابع : الحجر والحجر بالكسر والفتح : حجر الإنسان ، والجمع الحجور. الثّامن : الحجر بالكسر والفتح والضمّ ـ والكسر أفصح ـ الحرام ، قال تعالى (وَيَقُولُونَ (١) حِجْراً مَحْجُوراً) أى حراما محرّما ، يظنّون أنّ ذلك ينفعهم كما كانوا يقولونه لمن كانوا يخافونه فى الشهر الحرام. وقال ابن عبّاس : هذا من قول الملائكة ، يقولوه لهم : حجرا محجورا : حجرت عليهم البشر فلا يبشرون بخير.

١١ ـ بصيرة فى الحجارة

وقد وردت فى القرآن على خمسة أوجه : الأول بمعنى : حجر الكبريت (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ)(٢) وقيل : بل هى الحجارة بعينها ، ونبّه بذلك على عظم تلك النّار وأنّها ممّا توقد بالنّاس والحجارة بخلاف نار الدّنيا إذ هى لا يمكن أن توقد بالحجارة. وقيل : أراد بالحجارة الّذين [هم](٣) فى امتناعهم وصلابتهم عن قبول الحقّ كالحجارة ، كمن وصفهم بقوله (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ (٤) أَشَدُّ قَسْوَةً). الثّانى بمعنى : الجبال (وَإِنَ (٥) مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ). الثّالث : حجر موسى عليه‌السلام (فَقُلْنَا اضْرِبْ (٦) بِعَصاكَ الْحَجَرَ). الرّابع : حجر العذاب لقوم لوط (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ (٧) حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ). الخامس : حجر الكعبة على أصحاب الفيل (تَرْمِيهِمْ (٨) بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ).

__________________

(١) الآية ٢٢ سورة الفرقان.

(٢) الآية ٢٤ سورة البقرة.

(٣) زيادة من الراغب.

(٤) الآية ٧٤ سورة البقرة.

(٥) الآية ٧٤ سورة البقرة.

(٦) الآية ٦٠ سورة البقرة.

(٧) الآية ٨٢ سورة هود.

(٨) الآية ٤ سورة الفيل.

٤٣٥

والحجر : الجوهر الصّلب وجمعه أحجار فى القلة ، وفى الكثرة حجار وحجارة. ويقال للحجر : احجرّ ، قال :

* يرمينى الضعيف بالأحجرّ*

ومثله أكبرّهم أى أكبرهم.

والحجرة ـ بالضمّ ـ : حظيرة الإبل. ومنه حجرة الدّار. والجمع الحجر والحجرات بضمتين والحجرات. والحجرة : الرّقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوّط عليها ، فعلة بمعنى مفعول كالغرفة والقبضة.

١٢ ـ بصيرة فى الحجز

وهو المنع بين الشيئين بفاصل بينهما (وَجَعَلَ (١) بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً) وسمّى الحجاز حجازا لكونه حاجزا بين الشأم والبادية. وقال تعالى : (فَما مِنْكُمْ (٢) مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) فقوله : (حاجِزِينَ) صفة لأحد فى موضع الجمع. والحجاز : حبل يشدّ من حقو البعير إلى رسغه.

وتصوّر منه معنى المنع فقيل : احتجز فلان عن كذا ، واحتجز بإزاره. ومنه حجزة السّراويل. وقيل : إن أردتم المحاجزة ، فقبل المناجزة. وقيل : حجازيك أى احجز بينهم.

__________________

(١) الآية ٦١ سورة النمل.

(٢) الآية ٤٧ سورة الحاقة.

٤٣٦

١٣ ـ بصيرة فى الحدود والحديد

الحدّ : الحاجز بين الشيئين الّذى يمنع اختلاط أحدهما بالآخر. يقال : حددت كذا : جعلت له حدّا يميّزه. وحدّ الدّار : ما تتميّز (١) به عن غيرها (٢). وحدّ الشىء : الوصف المحيط بمعناه المميّز له عن غيره. وحدّ الزّانى والخمر سمّى لكونه ما نعا لمتعاطيه عن معاودة مثله ومانعا لغيره أن يسلك مسلكه. وقوله تعالى (وَأَجْدَرُ (٣) أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ) أى أحكامه ، وقيل : حقائق معانيه.

وجميع حدود الله على أربعة أضرب : إمّا شىء لا يجوز أن يتعدّى بالزيادة عليه ، ولا يجوز النقصان عنه ، كأعداد ركعات صلاة الفرض ؛ وإما شىء يجوز الزيادة عليه ولا يجوز النقصان عنه ؛ وإمّا شىء يجوز النقصان عنه ولا يجوز الزّيادة عليه ؛ [وإمّا شىء يجوز كلاهما](٤).

والحدود جاءت فى القرآن على سبعة أوجه : الأوّل حدّ الاعتكاف لإخلاص العبادة (وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ (٥) فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) الثّانى : حد الخلع لبيان الفدية (فِيمَا افْتَدَتْ (٦) بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ). الثّالث :

__________________

(١) فى الأصلين : «يتميز» وما أثبت عن الراغب.

(٢) فى الأصلين : «غيره» وما أثبت عن الراغب.

(٣) الآية ٩٧ سورة التوبة.

(٤) زيادة من هامش احدى مخطوطتى الراغب.

(٥) الآية ١٨٧ سورة البقرة.

(٦) الآية ٢٢٩ سورة البقرة.

٤٣٧

حدّ الطّلاق لبيان الرّجعة (وَتِلْكَ (١) حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). الرّابع : حدّ العدّة (٢) لمنع الضرار وبيان المدّة. الخامس : حدّ الميراث لبيان القسمة (وَمَنْ (٣) يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) السادس : حدّ الظّهار لبيان الكفارة (فَمَنْ (٤) لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) إلى قوله (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ). السّابع : حدّ الطّلاق لبيان مدّة العدّة (لا تُخْرِجُوهُنَ (٥) مِنْ بُيُوتِهِنَّ) إلى قوله (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ).

وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ (٦) يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أى يمانعون. وذلك إمّا اعتبارا بالممانعة ، وإمّا باستعمال الحديد.

والحديد معروف ، قال تعالى (وَأَنْزَلْنَا (٧) الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) وحددت السّكين : رقّقت حدّه ، وأحددته : جعلت له حدّا. ثمّ يقال لكلّ ما دقّ فى نفسه من حيث الخلقة أو من حيث المعنى كالبصر والبصيرة : حديد. فيقال : هو حديد النّظر وحديد الفهم. قال تعالى (فَبَصَرُكَ (٨) الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ويقال : لسان حديد نحو لسان صارم وماض وذلك إذا كان يؤثّر تأثير الحديد ، قال تعالى (سَلَقُوكُمْ (٩) بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) ولتصوّر المنع سمّى البوّاب حدّادا. وفى الحديث : «من أشار (١٠) إلى أخيه بحديدة فإنّ الملائكة تلعنه» وفى المثل : الحديد بالحديد يفلح.

__________________

(١) الآية ٢٣٠ سورة البقرة.

(٢) ذكر لهذا القسم الآية ٢٣١ من سورة البقرة ، وأوردها هكذا : «ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ، ومن يتعد حدود الله» ، والتلاوة : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) ، وليس فيها لفظ الحدود.

(٣) الآية ١٤ سورة النساء.

(٤) الآية ٤ سورة المجادلة.

(٥) الآية ١ سورة الطلاق.

(٦) الآيتان ٥ ، ٢٠ سورة المجادلة.

(٧) الآية ٢٥ سورة الحديد.

(٨) الآية ٢٢ سورة ق.

(٩) الآية ١٩ سورة الاحزاب.

(١٠) ورد فى الجامع الصغير عن مسلم والترمذى.

٤٣٨

١٤ ـ بصيرة فى الحديث

وقد ورد فى القرآن على خمسة أوجه : الأوّل بمعنى : الأخبار والآثار. (أَتُحَدِّثُونَهُمْ (١) بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) أى أتخبرونهم. الثّانى بمعنى : القول والكلام (وَمَنْ أَصْدَقُ (٢) مِنَ اللهِ حَدِيثاً) أى قولا. الثّالث بمعنى : القرآن العظيم (فَلْيَأْتُوا (٣) بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ (٤) بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ).

الرّابع بمعنى : القصص ذات العبر (اللهُ (٥) نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) أى أحسن القصص. الخامس بمعنى : العبر فى حديث الكفّار والفجّار (فَجَعَلْناهُمْ (٦) أَحادِيثَ) قال الشاعر (٧) :

كلّ العلوم سوى القرآن مشغلة

أو الأحاديث من دون الدواوين

فبالقرآن أقيمت كلّ مائلة

وبالحديث استقامت دولة الدين

العلم ما كان فيه قال حدثنا

وما سواه فوسواس الشياطين

وكلّ كلام يبلغ الإنسان من جهة السّمع أو الوحى فى يقظته أو منامه يقال له : حديث. قال تعالى (وَإِذْ أَسَرَّ (٨) النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) وقوله (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ (٩) الْأَحادِيثِ) أى ما يحدّث به الإنسان فى نومه.

__________________

(١) الآية ٧٦ سورة البقرة.

(٢) الآية ٨٧ سورة النساء.

(٣) الآية ٣٤ سورة الطور.

(٤) الآية ٥٠ سورة المرسلات.

(٥) الآية ٢٣ سورة الزمر.

(٦) الآية ١٩ سورة سبأ.

(٧) كان عليه أن يذكر من معنى الحديث ما أضيف الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأن لم يرد فى القرآن ثم يورد قول الشاعر.

(٨) الآية ٣ سورة التحريم.

(٩) الآية ١٠١ سورة يوسف.

٤٣٩

والحديث أيضا : الطرىّ من التمار. ورجل حدث : حسن الحديث. ويقال لكلّ ما قرب عهده : حديث ، فعالا كان أو مقالا ، قال تعالى (حَتَّى أُحْدِثَ (١) لَكَ مِنْهُ ذِكْراً).

والحدوث : كون الشىء بعد أن لم يكن ، عرضا كان أو جوهرا ، وإحداثه : إيجاده. وإحداث الجوهر ليس إلّا لله تعالى. والمحدث : ما أوجد بعد أن لم يكن ، وذلك إمّا فى ذاته أو إحداثه عند من حصل عنده نحو : أحدثت ملكا. ورجل حدث وحديث السّنّ بمعنى ، وحدث النساء بالكسر أى محادثهنّ وتحادثوا وصاروا أحدوثة. والحادثة : النّازلة العارضة.

__________________

(١) الآية ٧٠ سورة الكهف.

٤٤٠