بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

سَيِّئَةٌ مِثْلُها) والجزاء على شكر النّعم (إِنَّ هذا (١) كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) وجزاء الصّبر على البلاء والابتلاء (وَجَزاهُمْ (٢) بِما صَبَرُوا) (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ (٣) الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) (يُجْزَوْنَ (٤) الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا) وجزاء العمل الصّالح وكسب الخيرات (جَزاءً (٥) بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (جَزاءً (٦) بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) وجزاء كسب السيّئات وعمل المعاصى (هَلْ (٧) تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (إِنَّما تُجْزَوْنَ (٨) ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وجزاء الورع والتّقوى (كَذلِكَ (٩) يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) وجزاء عداوة أهل الحقّ (ذلِكَ (١٠) جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ) وجزاء القول الباطل (الْيَوْمَ (١١) تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ) وجزاء الجامعين بين الإساءة والإحسان (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ (١٢) أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) وجزاء على خزائن الخاص (جَزاؤُهُمْ (١٣) عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) وجزاء عطائي بلا واسطة علّة ووسيلة عنديّة (جَزاءً مِنْ (١٤) رَبِّكَ عَطاءً حِساباً).

وسمّيت (١٥) ما يؤخذ من أهل الذّمة جزية للاجتزاء بها فى حقن دمهم. ويقال : جازيك (١٦) فلان أى كافيك. قال بعض المفسّرين : لم يجئ

__________________

(١) الآية ٢٢ سورة الانسان.

(٢) الآية ١٢ سورة الانسان.

(٣) الآية ١١١ سورة المؤمنين.

(٤) الآية ٧٥ سورة الفرقان.

(٥) الآية ١٧ سورة السجدة.

(٦) الآية ٨٢ سورة التوبة.

(٧) الآية ٩٠ سورة النمل.

(٨) الآية ١٦ سورة الطور.

(٩) الآية ٣١ سورة النحل.

(١٠) الآية ٢٨ سورة فصلت.

(١١) الآية ٩٣ سورة الأنعام.

(١٢) الآية ٣١ سورة النجم.

(١٣) الآية ٨ سورة البينة.

(١٤) الآية ٣٦ سورة النبأ.

(١٥) كذا. والتأنيث باعتبار أن ما يؤخذ من أهل الذمة أموال.

(١٦) ورد هذا فى القاموس فى «جزأ».

٣٨١

إلّا جزى دون جازى (١). وذلك أنّ المجازاة هى المكافأة والمكافأة مقابلة نعمة بنعمة هى كفؤها ، ونعمة الله تتعالى عن ذلك. ولهذا لا يستعمل لفظ المكافأة فى الله تعالى.

٣٠ ـ بصيرة فى الجس

قال تعالى (وَلا تَجَسَّسُوا)(٢) وأصل الجسّ مسّ العرق وتعرّف نبضه للحكم به على الصحّة والسّقم. وهو أخصّ من الحسّ ؛ فإنّ الحسّ تعرّف ما يدركه الحسّ والجسّ تعرّف حال ما من ذلك. ومن لفظ الجسّ اشتقّ الجاسوس.

٣١ ـ بصيرة فى الجسد

وهو كالجسم إلّا أنّه أخصّ. قال الخليل : لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض ونحوه. وأيضا فإنّ الجسد يقال لما له لون والجسم لما لا يبين له لون كالماء والهواء.

وورد فى القرآن على ثلاثة وجوه.

الأوّل بمعنى : الشيطان (وَأَلْقَيْنا (٣) عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) أى شيطانا.

الثانى بمعنى : صورة لا روح فيها (عِجْلاً (٤) جَسَداً لَهُ خُوارٌ).

الثالث بمعنى : البدن (وَما جَعَلْناهُمْ (٥) جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) وباعتبار

__________________

(١) أى فى القراءات المشهورة. وقد قرأ الحسن (جِزاء لمن كان كفر) بكسر الجيم وهو مصدر جازى.

(٢) الآية ١٢ سورة الحجرات.

(٣) الآية ٣٤ سورة ص.

(٤) الآية ٨٨ سورة طه.

(٥) الآية ٨ سورة الأنبياء.

٣٨٢

اللّون قيل للزعفران : جساد ، وثوب مجسّد : مصبوغ به. والجسد والجاسد : ما يبس من الدّم. والجسم ما له طول وعرض وعمق ، ولا يخرج أجزاء الجسم عن كونها أجساما وإن قطع وجزّئ. وقوله تعالى (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ (١) تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) تنبيها أن لا وراء الأشباح معنى معتدّ به. والجسمان هو الشخص والشخص قد يخرج عن كونه شخصا بتقطيعه وتجزئته بخلاف الجسم.

٣٢ ـ بصيرة فى الجعل

ويرد فى القرآن وكلامهم على ثلاثة عشر وجها.

الأوّل بمعنى : التّوجّه والشّروع فى الشىء. يقال : جعل يفعل كذا (٢) وطفق وأنشأ وأخذ وأقبل يفعل كذا أى اشتغل به.

الثانى بمعنى : الخلق (وَجَعَلَ (٣) الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (جاعِلِ (٤) الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) (إِنِّي جاعِلٌ (٥) فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً).

الثالث بمعنى : القول والإرسال (إِنَّا جَعَلْناهُ (٦) قُرْآناً عَرَبِيًّا) أى قلناه وأنزلناه.

الرّابع بمعنى : التسوية (أَلَمْ نَجْعَلْ (٧) لَهُ عَيْنَيْنِ) (يَجْعَلْ (٨) لَهُ مَخْرَجاً) (يَجْعَلْ (٩) لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) أى يهيّئ.

الخامس بمعنى : التّقدير (قَدْ جَعَلَ)(١٠)(اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) أى قدّر.

__________________

(١) الآية ٤ سورة المنافقين.

(٢) فى الأصلين : «له» والظاهر أنه محرف عما أثبت.

(٣) الآية ١ سورة الأنعام.

(٤) الآية ١ سورة فاطر.

(٥) الآية ٣٠ سورة البقرة.

(٦) الآية ٣ سورة الزخرف.

(٧) الآية ٨ سورة البلد.

(٨) الآية ٢ سورة الطلاق.

(٩) الآية ٤ سورة الطلاق.

(١٠) الآية ٣ سورة الطلاق.

٣٨٣

السّادس بمعنى : التبديل (وَتَجْعَلُونَ (١) رِزْقَكُمْ).

السّابع بمعنى إدخال شىء فى شىء (يَجْعَلُونَ (٢) أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ).

الثامن بمعنى : الإيقاع فى القلب والإلهام (وَجَعَلْنا فِي (٣) قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ).

التّاسع بمعنى : الاعتقاد (الَّذِينَ (٤) يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) (وَيَجْعَلُونَ (٥) لِلَّهِ الْبَناتِ).

العاشر بمعنى : التسمية (وَكَذلِكَ (٦) جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً).

الحادى عشر بمعنى : إيجاد شىء عن شىء وتكوينه منه (جَعَلَ لَكُمْ (٧) مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً).

الثّانى عشر : فى تصيير الشىء على حالة دون حالة ، نحو : (جَعَلَ (٨) لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً).

الثّالث عشر : الحكم على الشىء حقّا كان أو باطلا ، أمّا الحقّ فنحو : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ)(٩)(وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) وأمّا الباطل فنحو قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ (١٠) مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً).

وفى الجملة يكون بمعنى : فعل فى أصل المعنى. وعلى أىّ معنى ذكرته فلا يخلو من معنى الفعل ، والجعل أعمّ من الفعل والصنع وسائر أخواتهما

__________________

(١) الآية ٨٢ سورة الواقعة.

(٢) الآية ١٩ سورة البقرة.

(٣) الآية ٢٧ سورة الحديد.

(٤) الآية ٩٦ سورة الحجر.

(٥) الآية ٥٧ سورة النحل.

(٦) الآية ١٤٣ سورة البقرة.

(٧) الآية ٧٢ سورة النحل.

(٨) الآية ٢٢ سورة البقرة.

(٩) الآية ٧ سورة القصص.

(١٠) الآية ١٣٦ سورة الأنعام.

٣٨٤

والجعل والجعالة والجعيلة : ما يجعل للإنسان على فعل شىء. وهو أعمّ من الأجر والثواب.

٣٣ ـ بصيرة فى الجفن

الجفنة خصّت بوعاء الإطعام. وجمعها جفان ، قال تعالى (وَجِفانٍ (١) كَالْجَوابِ) وفى الحديث «وأنت الجفنة الغرّاء» (٢) أى الطعام (٣). وقيل للبئر الصّغيرة : جفنة تشبيها بها. والجفن خصّ بوعاء السّيف والعين ، والجمع أجفان. وسمّى الكرم جفنا تصوّرا أنه وعاء للعنب.

٣٤ ـ بصيرة فى الجفاء

وهو ما يرمى به الوادى أو القدر من الغثاء إلى جوانبه. يقال أجفأت (٤) القدر زبدها : ألقته جفاء. وأجفأت الأرض : صارت كالجفاء فى ذهاب خيرها. وقيل : أصل ذلك الواو لا الهمزة ، يقال : جفت القدر وأجفت ، ومنه الجفاء وقد جفوته أجفوه جفوة وجفاء ومن أصله أخذ : جفا السرج عن ظهر الدابّة : نبا عنه.

٣٥ ـ بصيرة فى الجلال والجليل والجلالة

الجلالة : عظم القدر والجلال ـ بغير هاء ـ : التّناهى فى ذلك. وخصّ بوصف الله تعالى فقيل : ذو الجلال والإكرام. ولم يستعمل فى غيره قطّ.

__________________

(١) الآية ١٣ سورة سبأ.

(٢) فى التاج أن هذا جاء فى حديث عبد الله بن الشخير.

(٣) فى الأصلين : «الطعام» وما أثبت موافق لما فى النهاية فى غريب الحديث.

(٤) فى الأصلين : «أجفت». وما أثبت عن الراغب.

٣٨٥

والجليل : العظيم القدر فى ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله. ووصفه (١) به إمّا لخلقه الأشياء العظيمة المستدلّ بها عليه ، أو لأنّه ـ تعالى ـ يجلّ عن الإحاطة به ، أو لأنّه يجلّ عن إدراك الحواسّ.

وموضوعه (٢) للجسم العظيم الغليظ ولمراعاة معنى العظيم فيه قوبل بالدّقيق ، وقوبل العظيم بالصّغير ، فقيل : جليل ودقيق ، وعظيم وصغير. وقيل للبعير : جليل ، وللشّاة : دقيق لاعتبار أحدهما بالآخر ، فقيل ما له جليل ولا دقيق ، وما أجلّنى وما أدقّنى : ما أعطانى بعيرا ولا شاة ، ثمّ جعل ذلك مثلا فى كل كبير وصغير. والجليل نوع من الشّوك من أعظم أصنافه ، قال (٣) :

ألا ليت شعرى هل أبيتنّ ليلة

بمكّة حولى إذخر وجليل

٣٦ ـ بصيرة فى الجلب

وهو السّوق. وأجلب عليه : صاح عليه بقهر. قال تعالى (وَأَجْلِبْ (٤) عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) جلب الشيء يجلبه ويجلبه جلبا وجلبا. وجلبت الشىء إلى نفسى واجتلبته بمعنى. قال الشاعر :

* وقد يجلب الشىء البعيد الجوالب*

والجلوبة : ما يجلب للبيع.

جالوت (٥) أعجمىّ لا سبيل له فى العربيّة.

__________________

(١) فى الأصلين : «وصف» وما أثبت عن الراغب.

(٢) أى وضعه. وهو من المصادر التى جاءت على مفعول كالميسور والمعسور.

(٣) أى بلال رضى الله عنه ، كما فى اللسان (جل) وفيه : «بفخ» فى مكان «مكة».

(٤) الآية ٦٤ سورة الاسراء.

(٥) هذا خارج عن المادة ، وكان عليه أن يعنون له.

٣٨٦

٣٧ ـ بصيرة فى الجلد

وهو قشر البدن. والجمع جلود قال تعالى (ثُمَّ تَلِينُ (١) جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) فالجلود عبارة عن الأبدان ، والقلوب عن النفوس. وقوله تعالى : (وَقالُوا (٢) لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) فقد قيل : الجلود هنا كناية عن الفروج. وجلده (٣) : نحو بطنه وظهره ، أو ضربه بالجلد نحو عصاه إذا ضربه بالعصا. وفى الحديث : «من مسّ جلده جلدى لم تمسّ النار جلده أبدا» وقال بعض الأعراب وقد عزّر وحبس :

وليس بتعزير الأمير خزاية

علىّ ولا عار إذا لم يكن حدّا (٤)

وما السجن إلا ظلّ بيت سكينة

وما السوط إلّا جلدة صافحت جلدا

وقال آخر :

وجدت الحبّ نيرانا تلظّى

قلوب العاشقين لها وقود

فلو فنيت إذا احترقت لهانت (٥)

ولكن كلما احترقت تعود

كأهل النّار إذ نضجت جلود

أعيدت المشقاء لهم جلود

قال تعالى (كُلَّما (٦) نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها).

وجاء بمعنى : بيان عذاب الأشقياء (يُصْهَرُ (٧) بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ)

__________________

(١) الآية ٢٣ سورة الزمر.

(٢) الآية ٢١ سورة فصلت.

(٣) أى أصاب جلده ، كما يقال بطنه : أصاب بطنه ، وظهره : أصاب ظهره.

(٤) فى الأصلين : «جدا» والوجه ما أثبت.

(٥) فى الأصلين : «فهابت» والوجه ما أثبت.

(٦) الآية ٥٦ سورة النساء.

(٧) الآية ٢٠ سورة الحج.

٣٨٧

وفى حدّ الزّانيين (فَاجْلِدُوا (١) كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) إلى قوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وفى شهادتهما على عصيان العاصين فى المحشر (شَهِدَ (٢) عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا)(٣) وقيل : هو كناية عن الفرج (٤) ، وفى اتّخاذ الأخبية (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها)(٥) الآية ، وفى خشية الخائفين وقت سماع القرآن (تَقْشَعِرُّ (٦) مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) وفى الاطمئنان بالذّكر واللّطف والرّحمة من الله تعالى (ثُمَّ تَلِينُ (٧) جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ).

٣٨ ـ بصيرة فى الجلس

أصل الوضع فيه أنّ الجلس : الغليظ (٨) من الأرض. ويسمّى النجد أى المكان المرتفع جلسا أيضا. وأصل الجلوس أن يقصد وضع مقعده (٩) فى جلس من الأرض ، ثمّ جعل الجلوس لكلّ قعود ، والمجلس لكلّ موضع يقعد فيه الإنسان. وقيل : الجلوس إنّما هو لمن كان مضطجعا ، والقعود لمن كان قائما ، باعتبار أنّ الجالس من يقصد الارتفاع أى مكانا مرتفعا. وإنّما هذا يتصوّر فى المضطجع ، والقاعد بخلافه فيناسب القائم.

__________________

(١) الآية ٢ سورة النور.

(٢) الآية ٢٠ سورة فصلت.

(٣) الآية ٢١ سورة فصلت.

(٤) كذا فى الأصلين. والمناسب «الفروج»

(٥) الآية ٨٠ سورة النحل.

(٦) الآية ٢٣ سورة الزمر.

(٧) الآية ٢٣ سورة الزمر.

(٨) ب : «الغلظ».

(٩) كذا. وهو يريد المقعدة ، أى الاست.

٣٨٨

٣٩ ـ بصيرة فى الجلاء والتجلى

جلا القوم عن الموضع ومنه جلوا وجلاء ، وأجلوا : تفرّقوا. وقيل : جلا يكون من الخوف ، وأجلى من الجدب. وأصل الجلو الكشف الظّاهر. وقد أجليت القوم عن منازلهم فجلوا عنها أى أبرزتهم. ويقال جلاه (١). ومنه جلالى خبر وخبر جلىّ وقياس جلىّ ، وجلوت العروس جلوة ، والسّيف جلاء. والسماء جلواء أى مصحية (٢).

والتجلّى قد يكون بالذّات نحو (وَالنَّهارِ (٣) إِذا تَجَلَّى) وقد يكون بالأمر والفعل نحو (فَلَمَّا (٤) تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ).

والجالية : أهل الذّمّة ؛ لأنّ عمر رضى الله عنه أجلاهم من جزيرة العرب. وأجلولى : خرج من بلد إلى بلد.

٤٠ ـ بصيرة فى الجم

قال تعالى (حُبًّا (٥) جَمًّا) أى كثيرا والجمّ والجميم الكثير من كل شىء. جمّ يجمّ ويجمّ جموما : كثر واجتمع ، كاستجمّ. وجمّ البئر : تراجع ماؤها. وجمّة السّفينة : الموضع الّذى يجتمع فيه الماء الراشح من حزوزها. والجمّة ـ بالضمّ ـ : مجتمع شعر الرأس. وأصل الكلمة من

__________________

(١) فى القاموس : «وجلاه الجدب».

(٢) ب : «مضحية».

(٣) الآية ٢ سورة الليل.

(٤) الآية ١٤٣ سورة الأعراف.

(٥) الآية ٢٠ سورة الفجر

٣٨٩

الجمام أى الراحة للإقامة. وجمام (١) المكّوك دقيقا وجمام القدح ماء إذا امتلأ حتى عجز عن تحمّل الزّيادة. وجاء القوم جمّا غفيرا والجمّاء الغفير أى بأجمعهم. وشاة جمّاء. لا قرن لها ، اعتبارا بجمّة الناصية.

٤١ ـ بصيرة فى الجمع

وهو ضمّ الشىء بتقريب بعضه من بعض. جمعته فاجتمع.

وقد ورد الجمع فى القرآن على ثلاثين وجها :

الأوّل لجمع المال والنّعمة (جَمَعَ (٢) مالاً وَعَدَّدَهُ) ، وجمع النّهب والغارة (فَوَسَطْنَ (٣) بِهِ جَمْعاً) وجمع الإلزام والحجّة (جَمَعْناكُمْ (٤) وَالْأَوَّلِينَ) وجمع إظهار القدرة (أَلَّنْ (٥) نَجْمَعَ عِظامَهُ) وجمع الهول والهيبة (٦) وجمع (٧) الشّمس والقمر. وجمع القراءة والمتابعة (إِنَ (٨) عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) وجمع الحرص والآفة (وَجَمَعَ فَأَوْعى)(٩) وجمع يوم القيامة (يَوْمَ (١٠) يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) وله نظائر. وجمع الجماعة والجمعة (إِذا نُودِيَ (١١) لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) وجمع الانتظار بين الدّنيا والآخرة (لَمَجْمُوعُونَ (١٢) إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) وجمع الحرب والهزيمة (سَيُهْزَمُ (١٣) الْجَمْعُ) ،

__________________

(١) هو من المكاييل.

(٢) الآية ٢ سورة الهمزة.

(٣) الآية ٥ سورة العاديات.

(٤) الآية ٣٨ سورة المرسلات.

(٥) الآية ٣ سورة القيامة.

(٦) لم يمثل لهذا الضرب.

(٧) أى فى قوله تعالى : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) فى الآية ٩ من سورة القيامة.

(٨) الآية ١٧ سورة القيامة

(٩) الآية ١٨ سورة المعارج.

(١٠) الآية ٩ سورة التغابن.

(١١) الآية ٩ سورة الجمعة.

(١٢) الآية ٥٠ سورة الواقعة.

(١٣) الآية ٤٥ سورة القمر.

٣٩٠

وجمع الإرادة والمشيئة (جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ (١) قَدِيرٌ) وجمع المصير والرّجعة (يَجْمَعُ بَيْنَنا (٢) وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) وجمع القضاء والحكومة (قُلْ (٣) يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) وجمع السجدة والتحيّة (فَسَجَدَ (٤) الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) وجمع الوسواس والغواية (وَجُنُودُ (٥) إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) وجمع هديّة الهداية (فَلَوْ شاءَ (٦) لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) وجمع الرّجوع من الغربة (وَأْتُونِي (٧) بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) وجمع السّحرة للمكر والحيلة (فَجُمِعَ (٨) السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) وجمع النّاس للنظارة (٩) والعبرة (وَقِيلَ (١٠) لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ) وجمع التعظيم والحرمة (عَلى أَمْرٍ (١١) جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) وجمع الغلبة والنصرة (فَجَمَعَ (١٢) كَيْدَهُ) (فَأَجْمِعُوا (١٣) كَيْدَكُمْ) وجمع العجز والجهالة (قُلْ لَئِنِ (١٤) اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ) وجمع العرض والسّياسة (فَجَمَعْناهُمْ (١٥) جَمْعاً) وجمع التأخير والمهملة (إِنَّكَ جامِعُ (١٦) النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) وجمع التعبير والملامة (فَكَيْفَ إِذا (١٧) جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) وجمع التحذير والخشية (إِنَ (١٨) النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) وجمع طلب العلم والحكمة (حَتَّى

__________________

(١) الآية ٢٩ سورة الشورى.

(٢) الآية ١٥ سورة الشورى.

(٣) الآية ٢٦ سورة سبأ.

(٤) الآية ٣٠ سورة الحجر ، والآية ٧٣ سورة ص.

(٥) الآية ٩٥ سورة الشعراء.

(٦) الآية ١٤٩ سورة الأنعام.

(٧) الآية ٩٣ سورة يوسف.

(٨) الآية ٣٨ سورة الشعراء.

(٩) يريد النظر والتفكر ، ولم أقف على هذا المصدر.

(١٠) الآية ٣٩ سورة الشعراء.

(١١) الآية ٦٢ سورة النور.

(١٢) الآية ٦٠ سورة طه.

(١٣) الآية ٦٤ سورة طه.

(١٤) الآية ٨٨ سورة الاسراء.

(١٥) الآية ٩٩ سورة الكهف.

(١٦) الآية ٩ سورة آل عمران.

(١٧) الآية ٢٥ سورة آل عمران.

(١٨) الآية ١٧٣ سورة آل عمران.

٣٩١

أَبْلُغَ (١) مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) (بَلَغا (٢) مَجْمَعَ بَيْنِهِما) وجمع أرباب النبوّة والرّسالة (يَوْمَ (٣) يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) وجمع الاتّفاق والعزّة (فَأَجْمِعُوا (٤) أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) وجمع الجرأة والغفلة (وَأَجْمَعُوا (٥) أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ) وجمع الحضور فى الحضرة (يَوْمٌ (٦) مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) وجمع الفضل والرّحمة (هُوَ (٧) خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) وجمع الهدى والضّلالة (فَلَمَّا (٨) تَراءَا الْجَمْعانِ) وجمع الظّفر والغنيمة (يَوْمَ (٩) الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) ويقال للمجموع جمع وجماعة وجميع.

وورد الجمع فى القرآن على ثلاثين وجها أيضا : للمنّة علينا بما فى السّماوات والأرض (خَلَقَ لَكُمْ (١٠) ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وتسخير (١١) الموجودات لنا (وَسَخَّرَ (١٢) لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) وقرئ : جميعا منّة (١٣). رجوع الكلّ إلىّ فى العاقبة (إِلَيْهِ (١٤) مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) حشر الكلّ عندنا (وَيَوْمَ (١٥) نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) القوّة كلّها لنا (أَنَ (١٦)

__________________

(١) الآية ٦٠ سورة الكهف.

(٢) الآية ٦١ سورة الكهف.

(٣) الآية ١٠٩ سورة المائدة.

(٤) الآية ٧١ سورة يونس.

(٥) الآية ١٥ سورة يوسف.

(٦) الآية ١٠٣ سورة هود.

(٧) الآية ٥٨ سورة يونس.

(٨) الآية ٦١ سورة الشعراء.

(٩) الآية ٤١ سورة الأنفال.

(١٠) الآية ٢٩ سورة البقرة.

(١١) ب : «لتسخير».

(١٢) الآية ١٣ سورة الجاثية.

(١٣) نسبت هذه القراءة الى ابن عباس. وفى البحر المحيط ٨ / ٤٥ بعد ايراد هذه القراءة : «قال أبو حاتم : نسبة هذه القراءة الى ابن عباس ظلم. وحكاها أبو الفتح عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو الجحدرى وعبد الله بن عبيد بن عمير. وحكاها أيضا عن هؤلاء الأربعة صاحب اللوامح. وحكاها ابن خالويه عن ابن عباس وعبيد بن عمير» وهى على كل حال قراءة شاذة.

(١٤) الآية ٤ سورة يونس.

(١٥) الآية ٢٣ سورة الأنعام.

(١٦) الآية ١٦٥ سورة البقرة.

٣٩٢

الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) العزّة كلّها لنا (إِنَ (١) الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) نشر الكل من بطن الأرض جميعا (يَوْمَ (٢) يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) يودّ الكافر لو يفتدى بكل ما فى الأرض جميعا (وَمَنْ (٣) فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) اليهود لا يقاتلونكم إلّا وهم فى حصون حصينة (لا يُقاتِلُونَكُمْ (٤) جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) لا تحسبوا أنّ اليهود متّفقون ظاهرا وباطنا (تَحْسَبُهُمْ (٥) جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) ادّعت كفّار مكّة أنّهم كلّهم متوازرون منتقمون (نَحْنُ (٦) جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) السّماء والأرض فى قبضة قدرتنا (وَالْأَرْضُ (٧) جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) جميع الشفاعات مسلّمة بحكمنا (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ (٨) جَمِيعاً) نحطّ العفو على الذّنوب كلّها (إِنَ (٩) اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) الخلائق كلّهم يأتون حضورا بحضرتنا (وَإِنْ (١٠) كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) (فَإِذا هُمْ (١١) جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) لمّا عصيتنا يا آدم اخرج من جهتنا مع سائر العاصين (اهْبِطُوا (١٢) مِنْها جَمِيعاً) ادّعى عسكر فرعون أنّهم كلّهم على حذر فى أمرهم (وَإِنَّا (١٣) لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) لا بأس عليكم فى التّفرّق والاجتماع إذا كنتم أصدقاء (أَنْ (١٤) تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) توبوا يا أهل الإيمان (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ (١٥) جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) ناد يا محمّد أنّى رسول الله

__________________

(١) الآية ٦٥ سورة يونس.

(٢) الآية ١٨ سورة المجادلة.

(٣) الآية ١٤ سورة المعارج.

(٤) الآية ١٤ سورة الحشر.

(٥) الآية ١٤ سورة الحشر.

(٦) الآية ٤٤ سورة القمر.

(٧) الآية ٦٧ سورة الزمر.

(٨) الآية ٤٤ سورة الزمر.

(٩) الآية ٥٣ سورة الزمر

(١٠) الآية ٣٢ سورة يس.

(١١) الآية ٥٣ سورة يس.

(١٢) الآية ٣٨ سورة البقرة.

(١٣) الآية ٥٦ سورة الشعراء.

(١٤) الآية ٦١ سورة النور.

(١٥) الآية ٣١ سورة النور.

٣٩٣

إلى كلّ الخلائق (إِنِّي رَسُولُ اللهِ (١) إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) ولو أردنا لهدينا الكلّ (أَنْ لَوْ يَشاءُ (٢) اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) ولو أراد الله لأورد النّاس مورد الإيمان (وَلَوْ (٣) شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) تعلّق رجاء يعقوب بوصول أولاده إليه كلّهم (عَسَى اللهُ (٤) أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) نحن قهرنا فرعون ومن معه (فَأَغْرَقْناهُ (٥) وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) سيبرز الكل فى عرصات القيامة (وَبَرَزُوا لِلَّهِ (٦) جَمِيعاً) الأخابث وما عملوا إلى النّار (فَيَرْكُمَهُ (٧) جَمِيعاً) يعاقب بعضهم بعضا فى دخولها (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا (٨) فِيها جَمِيعاً) ونحن نجمع المنافقين والكافرين فيها (إِنَّ اللهَ جامِعُ (٩) الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) لأنّ جهنّم موعد المسيئين يملؤها منهم (وَإِنَ (١٠) جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ (١١)مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).

قال الشاعر :

صون الفتى عرضه عمّا يدنّسه

وصونه ماله ما ليس يجتمع

ما طاب قوم وإن عزّوا وإن كثروا

حتى يطيب لهم تفريق ما جمعوا (١٢)

__________________

(١) الآية ١٥٨ سورة الأعراف.

(٢) الآية ٣١ سورة الرعد.

(٣) الآية ٩٩ سورة يونس.

(٤) الآية ٨٣ سورة يوسف.

(٥) الآية ١٠٣ سورة الاسراء.

(٦) الآية ٢١ سورة ابراهيم

(٧) الآية ٣٧ سورة الأنفال

(٨) الآية ٣٨ سورة الأعراف.

(٩) الآية ١٤٠ سورة النساء.

(١٠) الآية ٤٣ سورة الحجر.

(١١) الآية ١١٩ سورة هود.

(١٢) انظر الغرر ص ٢٣٨.

٣٩٤

٤٢ ـ بصيرة فى الجمال

وهو الحسن الكثير. وهو على ضربين :

جمال مختصّ بالإنسان فى ذاته أو شخصه أو فعله.

والثانى : ما يصل منه إلى غيره. وعلى هذا الوجه يحمل ما صحّ عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «إنّ الله جميل يحبّ الجمال» تنبيها أنّه يفيض (١) الخيرات الكثيرة فيحبّ من يختصّ بذلك.

جمل ككرم فهو جميل وجمال وجمّال على التكثير. وجامله : لم يصفه الإخاء وما سحه بالجميل. وجمالك ألّا تفعل كذا أى لا تفعله والزم الأجمل.

واعتبر من هذه المادّة معنى الكثرة ، فقيل لكلّ جماعة غير منفصلة : جملة. ومنه قيل للحساب الّذى لم يفصّل ، والكلام الّذى لم يبيّن تفصيله : مجمل. والجميل : الشّحم يذاب فيجمع ويجمل أكله. وقالت أعرابية لبنتها : تجمّلى وتعفّفى ، أى كلى الجميل واشربى العفافة أى اللّبن الحليب.

وقد ورد فى القرآن هذه المادّة على وجوه : (لَوْ لا (٢) نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) أى مجتمعا كما أنزل نجوما متفرّقة ، وبمعنى المحاسنة والمجاملة (فَاصْفَحِ (٣) الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) وبمعنى الصّبر بلا جزاء (فَاصْبِرْ (٤) صَبْراً جَمِيلاً) وقال يعقوب عليه‌السلام (فَصَبْرٌ (٥) جَمِيلٌ) وبمعنى مقاطعة الكفّار

__________________

(١) ب : «منه يفيض».

(٢) الآية ٣٢ سورة الفرقان.

(٣) الآية ٨٥ سورة الحجر.

(٤) الآية ٥ سورة المعارج.

(٥) الآية ٨٣ سورة يوسف.

٣٩٥

على الوجه الحسن (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)(١) وبمعنى إطلاق النّساء على الوجه الجميل (وَسَرِّحُوهُنَ (٢) سَراحاً جَمِيلاً) وبمعنى الحسن والزّينة (وَلَكُمْ (٣) فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) وبمعنى البعير البازل (٤)(حَتَّى يَلِجَ (٥) الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) وجمعه جمال وأجمال وجمالة وجمائل وجامل ، وهذا من نوادر الجموع كالباقر لجماعة البقر وراعيها ، ومنه قوله تعالى (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ (٦) صُفْرٌ) وقرئ جمالات وهى جمع جمالة بالضمّ وقيل هى القلوس (٧) : قلوس السّفن.

ومن دعائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهمّ جمّلنى بالتّقوى وزيّنى بالحلم وأكرمنى بالعافية». قال الشاعر (٨) :

ليس الجمال بمئزر

فاعلم وإن ردّيت بردا

إنّ الجمال معادن

ومنابت أورثن مجدا

وقال آخر :

أقبّل أرضا سار فيها جمالها

فكيف بدار دار فيها جمالها

على كلّ حال أمّ عمرو جميلة

إذا لبست خلقانها أو جديدها

وقال آخر :

جمال معيشة المثرى

جمال تدمن الحركه

فإذا أنيخ ببابه

أنيخت حوله البركة (٩)

__________________

(١) الآية ١٠ سورة المزمل.

(٢) الآية ٤٩ سورة الأحزاب.

(٣) الآية ٦ سورة النحل.

(٤) يقال بزل البعير : دخل فى السنة التاسعة.

(٥) الآية ٤٠ سورة الأعراف.

(٦) الآية ٣٣ سورة المرسلات. وقد أورد قراءة غير حفص وحمزة والكسائى أما هم فعندهم جمالة.

(٧) هى الحبال الغليظة.

(٨) هو عمرو بن معديكرب الزبيدى من كلمة حماسية.

(٩) يبدو أن الشطر الأول من الكامل والأخير من الوافر.

٣٩٦

٤٣ ـ بصيرة فى الجنب

وأصله الجارحة (١). وجمعه جنوب ثمّ يستعار فى النّاحية الّتى تليها ، كعادتهم فى استعارة سائر الجوارح كذلك ؛ نحو اليمين والشّمال. وقيل : جنب الحائط وجانبه. والصّاحب بالجنب أى القريب. وقيل كناية عن المرأة ، وقيل : عن الرّقيق فى السّفر. وقوله (وَالْجارِ (٢) الْجُنُبِ) أى القريب وقوله (فِي جَنْبِ (٣) اللهِ) أى فى أمره وحدّه الّذى حدّه لنا وسار جنبيه وجنابيه وجنابتيه أى جانبه. وجنبته : أصبت جنبه نحو كبدته ورأسته. وجنب بمعنى اشتكى جنبه نحو كبد وفئد.

وبنى الفعل من الجنب على وجهين : أحدهما الذّهاب عن ناحيته ، والثانى الذّهاب إليه. فالأول (٤) نحو جنبته واجتنبته ، قيل : ومنه الجار الجنب أى البعيد قال (٥) :

* فلا تحرمنّى نائلا عن جنابة*

أى عن بعد [نسب]. [غربة] وقوله تعالى (وَاجْتَنِبُوا (٦) الطَّاغُوتَ) عبارة عن تركهم إيّاها (فَاجْتَنِبُوهُ (٧) لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وذلك أبلغ من قولك :

__________________

(١) فى المصباح : «جنب الانسان ما تحت ابطه الى كشحه» وهو يريد بالجارحة الجزء من الانسان.

(٢) الآية ٣٦ سورة النساء.

(٣) الآية ٥٦ سورة الزمر.

(٤) لم يصرح بالقسم الثانى. ويصح أن يكون منه أجنبنا : دخلنا فى الجنوب.

(٥) أى علقمة بن عبدة. وعجزه :

* فإنّى امرؤ وسط القباب غريب*

وهو من قصيدة مفضلية.

(٦) الآية ٣٦ سورة النحل.

(٧) الآية ٩٠ سورة المائدة.

٣٩٧

اتركوه. وجنب (١) بنو فلان كعنى ، إذا لم يكن فى إبلهم لبن. وجنب فلان خيرا وجنّب شرّا ، وإذا أطلق فقيل : جنب فلان فمعناه : أبعد عن الخير وذلك يقال فى الدّعاء وفى الخبر. قال تعالى (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ)(٢) من جنبته عن كذا أى أبعدته. وقيل : هو من جنبت الفرس : جعلته جنيبا ، كأنّما سأله أن يقوده عن جانب الشّرك بألطاف منه وأسباب خفيّة. والتجنيب : الرّوح فى الرّجلين ، وذلك إبعاد إحدى الرّجلين عن الأخرى خلقة. وقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ (٣) جُنُباً) أى أصابتكم الجنابة. وذلك بإنزال الماء أو بالتقاء الختانين. وقد جنب (٤) كعنى وأجنب كأكرم واجتنب وتجنّب. وسمّيت الجنابة بذلك لكونها سببا لتجنب الصلاة فى حكم الشّرع. والجنوب (٥) يصحّ أن يعتبر فيها معنى المجىء من جنب الكعبة ، وأن يعتبر فيها معنى الذّهاب عنه ، لأنّ المعنيين فيها موجودان. واشتقّ من الجنوب جنبت الرّيح : هبّت جنوبا. وأجنبنا : دخلنا فيها. وجنبنا : أصابتنا. وسحابة مجنوبة : هبّت عليها الجنوب.

والجنب وما اشتقّ من هذه المادّة ورد فى القرآن على أنحاء :

الأوّل : الجنب بمعنى الأمر (عَلى (٦) ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) أى فى أمر الله.

الثانى : جنوب المقصّرين فى أداء الزكاة (فَتُكْوى (٧) بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ).

__________________

(١) الوارد فى اللسان والقاموس : جنب بشد النون على صيغة المبنى للفاعل.

(٢) الآية ٣٥ سورة ابراهيم.

(٣) الآية ٦ سورة المائدة.

(٤) الوارد فى القاموس : جنب كفرح.

(٥) الريح التى تقابل الشمال.

(٦) الآية ٥٦ سورة الزمر.

(٧) الآية ٣٥ سورة التوبة.

٣٩٨

الثالث : جنب المشتاقين إلى اللّقاء (تَتَجافى (١) جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ).

الرابع : جنب المشتغلين بذكر الحقّ تعالى (يَذْكُرُونَ اللهَ٢) قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ).

الخامس : الجنب بمعنى العصمة (وَاجْنُبْنِي (٣) وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ).

السادس : بمعنى الجنابة (وَلا جُنُباً (٤) إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) وبمعنى الأجنبىّ البعيد من النّسبة (٥) والقرابة (وَالْجارِ الْجُنُبِ).

السابع : التجنب أى تبعد أبى جهل عن موعظة القرآن (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى)(٦).

الثامن : بمعنى صيانة الله تعالى أبا بكر من العذاب (وَسَيُجَنَّبُهَا (٧) الْأَتْقَى).

التاسع : الأمر بالتباعد عن عبادة الأوثان (فَاجْتَنِبُوا (٨) الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ).

العاشر : الأمر بالتّباعد عن الزّور والبهتان (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ).

الحادى عشر : الأمر بالتّباعد عن شرب الخمر (رِجْسٌ (٩) مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ).

الثانى عشر : الأمر بالتّوقى عن سوء الظنّ فى حق المؤمنين (اجْتَنِبُوا (١٠) كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ).

الثالث عشر : فى الثناء على المتبعّدين من الكبائر والفواحش (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ (١١) كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ) (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ (١٢) ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ).

__________________

(١) الآية ١٦ سورة السجدة.

(٢) الآية ١٩١ سورة آل عمران.

(٣) الآية ٣٥ سورة ابراهيم.

(٤) الآية ٤٣ سورة النساء.

(٥) ب : «الشبه» تصحيف.

(٦) الآية ١١ سورة الأعلى.

(٧) الآية ١٧ سورة الليل.

(٨) الآية ٣٠ سورة الحج.

(٩) الآية ٩٠ سورة المائدة.

(١٠) الآية ١٢ سورة الحجرات.

(١١) الآية ٣٢ سورة النجم.

(١٢) الآية ٣١ سورة النساء.

٣٩٩

٤٤ ـ بصيرة فى الجنح

وقد ورد فى القرآن من هذه المادّة على وجوه : بمعنى الميل (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها)(١) وبمعنى جناح الملك (أُولِي أَجْنِحَةٍ (٢) مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) وبمعنى الإبط (وَاضْمُمْ (٣) إِلَيْكَ جَناحَكَ) أى يدك. وبمعنى التواضع (وَاخْفِضْ (٤) جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) أى ألن جانبك. ومنه (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ (٥) الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) استعارة ، لأنّ الذّلّ ضربان : ضرب يضع الإنسان ، وضرب يرفعه. وقصد هنا ما يرفعه ، فاستعير لفظ الجناح له. والمعنى : استعمل (٦) الذل الذى يرفعك عند (٧) الله من أجل رحمتك لهم. وبمعنى أجنحة الطّيور (وَلا طائِرٍ (٨) يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) وسمّى جانبا الشىء جناحيه ، فقيل : جناحا السفينة ، وجناحا العسكر ، وجناحا الوادى ، وجناحا الإنسان لجانبيه.

وأمّا الجناح بالضمّ فورد بمعنيين : بمعنى الحرج (وَلا جُناحَ (٩) عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ) (لا جُناحَ (١٠) عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) وبمعنى الإثم فى العقبى (لا جُناحَ (١١) عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ) ولكلّ نظائر. سمّى به لأنّه مائل بالإنسان عن الحقّ.

__________________

(١) الآية ٦١ سورة الأنفال.

(٢) الآية ١ سورة فاطر.

(٣) الآية ٣٢ سورة القصص.

(٤) الآية ٨٨ سورة الحجر

(٥) الآية ٢٤ سورة الاسراء.

(٦) فى الأصلين : «يستعمل» وما أثبت عن الراغب.

(٧) فى الأصلين : «عنه» وما أثبت عن الراغب.

(٨) الآية ٣٨ سورة الأنعام.

(٩) الآية ٢٣٥ سورة البقرة.

(١٠) الآية ٢٣٦ سورة البقرة.

(١١) الآية ٥٥ سورة الأحزاب.

٤٠٠