بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

الجبر فى الإصلاح المجرّد ؛ كقول أمير المؤمنين على : يا جابر كل كسير ، ومسهّل كلّ عسير ، ومنه قولهم للخبز : جابر بن حبّة. ويستعمل تارة فى القهر المجرّد نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لا جبر (١) ولا تفويض).

والجبر فى الحساب : إلحاق شىء به إصلاحا لما يريد إصلاحه. وسمّى السّلطان جبرا كقول الشاعر (٢) :

* وانعم صباحا أيّها الجبر*

لقهره النّاس على ما يريده أو لإصلاح أمورهم. والإجبار فى الأصل حمل الغير على أن يجبر الأمر ، لكن تعورف فى الإكراه المجرد فقيل : أجبرته على كذا ، كقولك : أكرهته. وسمّى الذين يدّعون أن الله يكره العباد على المعاصى فى عرف المتكلّمين مجبرة. وفى قول المتقدّمين : جبريّة وجبريّة.

والجبّار فى حقّ الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادّعاء منزلة من التّعالى لا يستحقّها. وهذا لا يقال إلّا على طريق الذّمّ. وما فى الحديث (ضرس (٣) الكافر فى النّار مثل أحد ، وغلظ جلده أربعون ذراعا بذراع الجبّار) قال ابن قتيبة : هو الذراع المنسوب إلى الملك ، الّذى يقال له ذراع الشّاة (٤). والجبار كغراب الهدر فى الدّيات ، والسّاقط من الأرش. قال :

وشادن وجهه نهار

وخدّه الغضّ جلّنار (٥)

قلت له قد جرحت قلبى

فقال جرح الهوى جبار

__________________

(١) أورد هذا الحديث الراغب والظاهر أن المراد بالتفويض ما يعتقده المعتزلة أن العبد يخلق أفعاله الاختيارية ، فكأن الله عندهم منح العبد قوى وفوض اليه العمل بها.

(٢) هو ابن أحمر. وصدره :

* اسلم براووق حبيت به*

وانظر الخصائص ٢ / ٢١.

(٣) «وغلظ جلده» فى ب : «كثافة جلده».

(٤) فى الأصلين : «الشاة» والمناسب ما أثبت. والشاه فى الفارسية : الملك.

(٥) الجلنار : زهر الرمان وهو معرب.

٣٦١

٨ ـ بصيرة فى الجبل

وجمعه أجبل وجبال. وقد ورد فى القرآن على عشرين وجها.

الأوّل : جبال الموج للسلامة فى حقّ نوح ، والمهلكة فى حقّ المشركين من قومه (وَهِيَ تَجْرِي (١) بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ).

الثانى : جبال ثمود للمهارة والحذاقة (وَكانُوا (٢) يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) وفى موضع (فارِهِينَ)(٣).

الثّالث : محلّ موسى حال الرؤية (فَلَمَّا تَجَلَّى (٤) رَبُّهُ لِلْجَبَلِ).

الرابع : جبل إبراهيم لإظهار القدرة والإحياء بعد الإماتة (ثُمَّ اجْعَلْ (٥) عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً).

الخامس : جبل بنى إسرائيل لقبول الأمر والشريعة (وَإِذْ نَتَقْنَا (٦) الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ).

السّادس : الجبل المذكور لتأثير المكر والحيلة من القرون الماضية (وَإِنْ كانَ (٧) مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ).

السّابع : جبل النحل لتحصيل العسل للشّفاء والرّاحة (أَنِ اتَّخِذِي (٨) مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً).

__________________

(١) الآية ٤٢ سورة هود.

(٢) الآية ٨٢ سورة الحجر.

(٣) فى الآية ١٤٩ سورة الشعراء. والتلاوة فيها : «وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين».

(٤) الآية ١٤٣ سورة الأعراف.

(٥) الآية ٢٦٠ سورة البقرة.

(٦) الآية ١٧١ سورة الأعراف.

(٧) الآية ٤٦ سورة ابراهيم.

(٨) الآية ٦٨ سورة النحل.

٣٦٢

الثامن : المذكور للكنّ والكفاية (وَجَعَلَ (١) لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً)

التاسع : المذكور لقهر المتكبّرين عن الرّعونة (٢) والتكبّر (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ (٣) طُولاً).

العاشر : تزعزع الجبال بيانا لصعوبة حال القيامة (وَيَوْمَ (٤) نُسَيِّرُ الْجِبالَ) (وَتَسِيرُ الْجِبالُ (٥) سَيْراً) (وَإِذَا الْجِبالُ (٦) سُيِّرَتْ).

الحادى عشر : المذكور للمتكبّرين والمدّعين لإظهار السّياسة (وَتَخِرُّ الْجِبالُ (٧) هَدًّا).

الثانى عشر : السّؤال عن حال الجبال وبيان صعوبتها (وَيَسْئَلُونَكَ (٨) عَنِ الْجِبالِ).

الثالث عشر : المذكور بالتّسبيح موافقة لداود عليه‌السلام (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ (٩) مَعَهُ يُسَبِّحْنَ) (وَسَخَّرْنا (١٠) مَعَ داوُدَ الْجِبالَ) (يا جِبالُ (١١) أَوِّبِي مَعَهُ).

الرّابع عشر : المذكور للانقياد وموافقته للشجر والنجوم إظهارا للخدمة (١٢)(وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (١٣) وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ).

الخامس عشر : جبال البرد والمطر (وَيُنَزِّلُ (١٤) مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ).

__________________

(١) الآية ٨١ سورة النحل.

(٢) ب : «الرعوبة» وهى مصحفة عن «الرعونة» وفى ا : «الدعوة» وضمن القهر معنى المنع فعداه بعن.

(٣) الآية ٣٧ سورة الاسراء.

(٤) الآية ٤٧ سورة الكهف.

(٥) الآية ١٠ سورة الطور.

(٦) الآية ٣ سورة التكوير.

(٧) الآية ٩٠ سورة مريم.

(٨) الآية ١٠٥ سورة طه.

(٩) الآية ١٨ سورة ص.

(١٠) الآية ٧٩ سورة الأنبياء.

(١١) الآية ١٠ سورة سبأ.

(١٢) كذا فى ب. وفى أ : «للحرمة».

(١٣) الآية ١٨ سورة الحج.

(١٤) الآية ٤٣ سورة النور.

٣٦٣

السّادس عشر : الإخبار عن حال الجبال فى القيامة لبيان الحيرة والدّهشة (وَتَرَى (١) الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ).

السّابع عشر : المذكور لعرض الأمانة (إِنَّا عَرَضْنَا (٢) الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ).

الثامن عشر : المذكورة (٣) فى سورة الواقعة والحاقّة والقارعة لتأثير صعوبة القيامة (وَبُسَّتِ (٤) الْجِبالُ بَسًّا) (وَحُمِلَتِ (٥) الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) (وَتَكُونُ الْجِبالُ (٦) كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ).

التّاسع عشر : المذكور لتثبيت الأرض وتسكينها (وَالْجِبالَ (٧) أَرْساها)

العشرون : لبيان برهان الموحّدين (وَإِلَى الْجِبالِ (٨) كَيْفَ نُصِبَتْ)

وقد ذكر الله تعالى للجبال فى القرآن خمس مناقب.

الأوّل : الاندكاك (جَعَلَهُ (٩) دَكًّا).

الثّانى : الانشقاق (وَإِنَّ مِنْها (١٠) لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ).

الثّالث : الإشفاق (وَأَشْفَقْنَ مِنْها).

الرّابع ، والخامس : الخشوع والخشية (لَرَأَيْتَهُ (١١) خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ).

__________________

(١) الآية ٨٨ سورة النمل.

(٢) الآية ٧٢ سورة الأحزاب.

(٣) أى الجبال المذكورة. وهو يخالف السياق السابق فهو يذكر «المذكور» أى الجبل المذكور. وهو يريد الجنس ، فقد يكون فى النص جبال.

(٤) الآية ٥ سورة الواقعة.

(٥) الآية ١٤ سورة الحاقة.

(٦) الآية ٥ سورة القارعة.

(٧) الآية ٣٢ سورة النازعات.

(٨) الآية ١٩ سورة الغاشية.

(٩) الآية ١٤٣ سورة الأعراف.

(١٠) الآية ٧٤ سورة البقرة. وليس فى الآية ٧٤ سورة البقرة. وليس فى الآية لفظ «الجبال» وانما فيها «الحجارة».

(١١) الآية ٢١ سورة الحشر.

٣٦٤

وفى بعض الآثار : إن الله تعالى زيّن السّماء بالكواكب ، والكواكب بالأنوار ، والأنوار بالحدق تنظر إليها. فإذا انتثرت الكواكب أتى أهل السّماء ما يوعدون وزيّن الأرض بالجبال ، والجبال بالمعادن ، والمعادن بالمنافع ، والمنافع بانتفاع الخلق بها ، فإذا انشقّت الجبال أتى أهل الأرض ما يوعدون.

ويقال : فلان جبل لا يتزحزح (١) تصوّرا لمعنى الثبات فيه. وجبله الله على كذا إشارة إلى ما ركّب فيه من الطبع الّذى يأبى على النّاقل نقله.

وتصوّر منه معنى العظم فقيل للجماعة جبلّ (وَلَقَدْ (٢) أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) أى جماعة تشبيها بالجبل فى العظم. وقرئ : جبلا وجبلّا مخفّفا ومثقّلا. وقوله تعالى (وَاتَّقُوا الَّذِي (٣) خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) أى المجبولين على أحوالهم الّتى بنوا عليها ، وسبيلهم التى قيّضوا لسلوكها المشار إليها بقوله (قُلْ كُلٌ (٤) يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ).

__________________

(١) فى الأصلين : «يتدحرج». وما أثبت موافق لما فى الراغب.

(٢) الآية ٦٢ سورة يس.

(٣) الآية ١٨٤ سورة الشعراء.

(٤) الآية ٨٤ سورة الاسراء.

٣٦٥

٩ ـ بصيرة فى الجبين

وهما جبينان من جانبى الجبهة قال تعالى (وَتَلَّهُ (١) لِلْجَبِينِ).

والجبن : ضعف القلب عمّا يحقّ أن يقوّى فيه. ورجل جبان وامرأة جبان. وأجبنته : وجدته جبانا ، وحكمت بجبنه.

١٠ ـ بصيرة فى الجبهة

وهى موضع السّجود من الرّأس. وقيل : مستوى ما بين الحاجبين إلى النّاصية. قال تعالى (فَتُكْوى (٢) بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ) والجبهة أيضا : سيّد القوم ، ومنزل للقمر ، والخيل. وفى الحديث (ليس فى (٣) الجبهة صدقة) والجبهة : القمر ، واسم صنم ، والمذلّة. والأجبه : الأسد ، والواسع الجبهة الحسنها أو الشاخصها وهى جبهاء. وفى الحديث (شكونا (٤) إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حرّ الرّمضاء فى جباهنا فلم يشكنا) أى لم يزل شكوانا. ومن تسبيح الملائكة : سبحان من سجدت له الجباه ، سبحان من تحرّكت بذكره الشّفاه ، سبحان من سبّحت له الألسنة فى الأفواه ، سبحان من بقدرته يتفجّر الصّخور بالأمواه.

__________________

(١) الآية ١٠٣ سورة الصافات.

(٢) الآية ٣٥ سورة التوبة.

(٣) الوارد فى الجامع الصغير : ليس فى الخيل والرقيق زكاة.

(٤) أخرجه مسلم والنسائى كما فى تيسير الوصول فى المواقيت فى كتاب الصلاة.

٣٦٦

١١ ـ بصيرة فى الجبى

وهو جمع الماء فى الحوض. والموضع الجامع له جابية. وجمعه جواب ؛ كقوله تعالى (وَجِفانٍ (١) كَالْجَوابِ) وعنه استعير جبيت الخراج جباية. ومنه قوله تعالى (قالُوا (٢) لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) أى يقولون : هلّا اجتبيتها تعريضا منهم بأنّك تخترع هذه الآيات وليس من عند الله (٣).

واجتباء الله العبد تخصيصه إيّاه بفيض إلهى يتحصّل له منه أنواع من النّعم بلا سعى. وذلك للأنبياء ولبعض من يقاربهم من الصدّيقين والشهداء. قال تعالى : (يَجْتَبِي (٤) إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ).

١٢ ـ بصيرة فى الجث

وهو القلع يقال : جثثته فانجثّ ، وجثثته (٥) فاجتثّ. قال تعالى : (اجْتُثَّتْ (٦) مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ) أى اقتلعت جثتها (٧). والمجثّة : ما يجثّ به. وجثّة الشىء : شخصه الناتئ. والجثّ : ما ارتفع من الأرض كالأكمة.

__________________

(١) الآية ١٣ سورة سبأ.

(٢) الآية ٢٠٣ سورة الأعراف.

(٣) كذا فى الأصلين ، أى القرآن. وفى الراغب : «ليست».

(٤) الآية ١٣ سورة الشورى.

(٥) كذا فى الأصلين والراغب ، فيكون للفعل الثلاثى مطاوعان : انجث واجتث ، وقد يكون : اجتثثته بضم التاء فاجتث ، فان اجتث يأتى متعديا ولازما ، كما فى التاج.

(٦) الآية ٢٦ سورة ابراهيم.

(٧) فى ا : «جثة» وفى ب ، والراغب : «جثته» والمناسب ما أثبت.

٣٦٧

١٣ ـ بصيرة فى الجثى (١)

وجثا كدعا ورمى جثوّا وجثيّا بضمّهما : جلس على ركبتيه ، أو قام على أطراف أصابعه. وأجثاه غيره. وهو جاث والجمع جثىّ وجثىّ. وجاثيت ركبتى إلى ركبته ، وتجاثوا على الركب. والجثاء كسحاب : الشخص ـ ويضم ـ والجزاء والقدر والزّهاء. وجثوت الإبل وجثيتها : جمعتها وقوله تعالى : (وَنَذَرُ (٢) الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) [يصح (٣) أن يكون] جمعا [وأن يكون (٤) مصدرا موصوفا به].

١٤ ـ بصيرة فى الجثم

قال تعالى : (فَأَصْبَحُوا (٥) فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) وهو استعارة للمقيمين من قولهم : جثم الطائر إذا قعد ولطئ (٦) بالأرض. والجثمان : شخص الإنسان قاعدا. وجثمانيّة الماء : وسطه أو مجتمعه. والجثّامة : السيّد الحليم والرّجل البليد والنئوم الكسلان الّذى لا يسافر. وكذلك الجثمة والجثم والجاثوم.

__________________

(١) المادة واوية يائية.

(٢) الآية ٧٢ سورة مريم.

(٣) زيادة من الراغب خلت منها النسختان.

(٤) زيادة من الراغب خلت منها النسختان.

(٥) الآية ٧٨ سورة الأعراف ، وآيات أخرى.

(٦) أى لصق.

٣٦٨

١٥ ـ بصيرة فى الجحد

وهو نفى ما فى القلب ثباته ، أو إثبات ما فى القلب نفيه. قال تعالى : (وَجَحَدُوا(١) بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) وتجحّد (٢) تخصّص بفعل ذلك. يقال : رجل جحد : شحيح قليل الخير يظهر الفقر. وأرض جحد : قليلة (٣) النبت.

١٦ ـ بصيرة فى الجحم

والجحمة (٤) : شدّة تأجّج النّار. ومنه الجحيم وهو النّار الشديدة التأجّج. وكل نار بعضها فوق بعض جحيم وجحمة وجحمة. وجحمها : أوقدها فجحمت جحوما أى عظمت. وجحمت ـ كعلمت ـ جحما وجحما وجحوما : اضطرمت. والجاحم : الجمر الشّديد الاشتعال والمكان الشّديد الحرّ ، ومن الحرب : معظمها. وتجاحم : تحرّق حرصا وبخلا. والجحم ـ بضمّتين ـ القليل الحياء. وفى بعض الآثار أنّ دركات النّار سبعة : هاوية للفراعنة ، ولظى لعبدة الأوثان ، وسقر للمجوس ، والجحيم لليهود ، والحطمة للنّصارى ، وسعير للصّابئين ، وجهنّم لعصاة المؤمنين.

__________________

(١) الآية ١٤ سورة النمل.

(٢) تبع فى اثبات هذه الصيغة الراغب. ولم أقف عليها.

(٣) كذا فى الراغب. وفى الأصلين : «قليل».

(٤) تبع فى هذا الراغب. والذى فى القاموس أن الحجمة النار نفسها ، كما يأتى فى كلامه هنا.

٣٦٩

وورد الجحيم فى القرآن على وجهين :

أحدهما : بمعنى النّار الّتى أوقدها نمرود اللّعين للخليل إبراهيم عليه‌السلام (قالُوا (١) ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ).

الثّانى : بمعنى النار الّتى أعدّها الله للمجرمين والكفّار (وَإِنَ (٢) الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) ولهذا نظائر.

١٧ ـ بصيرة فى الجد

وورد فى القرآن والأخبار واللّغة على خمسة أوجه :

الأوّل : بمعنى أب الأب وأب الأمّ ، وبمعنى البخت ، وبمعنى العظمة ، وبمعنى الحظّ (٣) ، وبمعنى القطع. وهو أصل الكلمة. وجددت الثوب إذا قطعته على وجه الإصلاح. وثوب جديد أصله المقطوع ثمّ جعل لكلّ ما أحدث إنشاؤه. وقال تعالى : (بَلْ هُمْ (٤) فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) إشارة إلى النّشأة الثانية. وقوبل الجديد بالخلق لمّا كان المقصود بالجديد القريب العهد بالقطع من الثوب. ومنه قيل للّيل والنّهار : الجديدان والأجدّان.

وقوله تعالى : (وَمِنَ (٥) الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ) جمع جدّة أى طريقة ظاهرة ، من قولهم : طريق مجدود أى مسلوك مقطوع. ومنه جادّة الطّريق. وسمّى الفيض الإلهىّ جدّا. قال تعالى : (وَأَنَّهُ (٦) تَعالى جَدُّ رَبِّنا) أى

__________________

(١) الآية ٩٧ سورة الصافات.

(٢) الآية ١٤ سورة الانفطار.

(٣) جعل الحظ غير البخت ، وهما واحد. وسيأتى له ذلك ، وبعدهما واحدا تكون الأوجه خمسه ، وبتغايرهما تكون ستة.

(٤) الآية ١٥ سورة ق.

(٥) الآية ٢٧ سورة فاطر.

(٦) الآية ٣ سورة الجن.

٣٧٠

فيضه. وقيل : عظمته وهو يرجع إلى الأوّل ، وإضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه. وسمّى ما جعله الله للإنسان من الحظوظ الدنيويّة جدّا وهو البخت فقيل جددت وحظظت.

وقوله (١) (لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ) أى لا يتوصّل إلى ثواب الله فى الآخرة بالجدّ ، وإنّما ذلك بالجدّ فى الطّاعة. ومنه قولهم : الأمر بالجدّ لا الجدّ يعنون الأمور الدّنيوية.

قال الشاعر :

وما بالمرء من عيب وعار

إذا ما النّائبات إليه قصد

بجدّك لا بجدّك ما تلاقى

وما جدّ إذا لم يغن جدّ

وللشافعى (٢) :

أرى همم المرء اكتئابا وحسرة

عليه إذا لم يسعد الله جدّه

وما للفتى فى حادث الدّهر حيلة

إذا نحسه فى الأمر قابل سعده

وقيل : فى معنى (لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ) أى لا ينفع أحدا نسبه وأبوته. فكما نفى نفع البنين فى قوله (يَوْمَ (٣) لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) كذلك نفى نفع الأبوّة فى هذا الحديث ، قال الشاعر :

الجدّ والجدّ مقرونان فى قرن

والجدّ أوجد للمطلوب وجدانا

__________________

(١) أى قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهو بعض حديث فى صحيح مسلم فى باب ما يقول اذا رفع رأسه من الركوع.

(٢) بل هما لابن نباته السعدى كما فى مختارات البارودى ١ / ٤٦.

(٣) الآية ٨٨ سورة الشعراء.

٣٧١

١٨ ـ بصيرة فى الجدر

والجدار كالحائط ، إلّا أنّ الحائط يقال اعتبارا بالإحاطة ، والجدار يقال اعتبارا بالنتوء والارتفاع. وجمعه [جدر ، وجدور وجدران](١)

وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أوجه :

الأوّل : بمعنى حصار بنى قريظة والنّضير (أَوْ مِنْ (٢) وَراءِ جُدُرٍ).

الثانى : جدار موسى والخضر (٣)(جِداراً (٤) يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ).

الثّالث : سرّ الجدار فى حقّ اليتيمين (وَأَمَّا الْجِدارُ (٥) فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ).

وجددت الجدار : رفعته. واعتبر فيه معنى النتوء فقيل : جدر الشّجر إذا خرج ورقه. ويسمّى النبات الناتئ من الأرض جدارا ، الواحدة جدرة. وأجدرت الأرض : أخرجت ذلك. وجدر الصبىّ وجدّر إذا خرج جدريّه تشبيها بجدر الشجر. والجيدر : القصير ، اشتقّ من الجدار وزيد فيه حرف على سبيل التهكّم. والجدير المنتهى لانتهاء الأمر إليه كانتهاء الشّىء إلى الجدار. وقد جدر بكذا ـ ككرم ـ فهو جدير ، وما أجدره بكذا وأجدر به.

__________________

(١) زيادة من القاموس.

(٢) الآية ١٤ سورة الحشر.

(٣) بعده فى الأصلين (أى) ولا معنى لها هنا.

(٤) الآية ٧٧ سورة الكهف.

(٥) الآية ٨٢ سورة الكهف.

٣٧٢

١٩ ـ بصيرة فى الجدال

وهو المعارضة على سبيل المنازعة والمغالبة. وأصله من جدل الحبل : أحكم فتله ؛ كأنّ كلا من المتجادلين يفتل الآخر عن رأيه.

وقد ورد فى القرآن على وجوه مختلفة :

الأوّل : معارضة نوح وقومه (يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا)(١).

الثانى : مجادلة أهل العدوان (أَتُجادِلُونَنِي (٢) فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها).

الثالث : جدال إبراهيم والملائكة فى باب قوم لوط (يُجادِلُنا (٣) فِي قَوْمِ لُوطٍ).

الرّابع : جدال صناديد قريش فى إثبات إله العالمين (وَهُمْ يُجادِلُونَ (٤) فِي اللهِ) وجدال الكفّار فى باب القرآن (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ (٥) فِي آياتِ اللهِ) وجدال المنكرين فى إنكار الحجّة والبرهان ، بالشّبهة والبطلان (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ (٦) لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) وجدال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى باب الخائنين من المنافقين (وَلا تُجادِلْ (٧) عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) وجدال الصّحابة فى حقّهم (ها أَنْتُمْ (٨) هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ) وجدال النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل الكتاب

__________________

(١) الآية ٣٢ سورة هود.

(٢) الآية ٧١ سورة الأعراف.

(٣) الآية ٧٤ سورة هود.

(٤) الآية ١٣ سورة الرعد.

(٥) الآية ٥٦ سورة غافر.

(٦) الآية ٥ سورة غافر.

(٧) الآية ١٠٧ سورة النساء.

(٨) الآية ١٠٩ سورة النساء.

٣٧٣

باللّطف والإحسان (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(١) وجدال الصّحابة إيّاهم (وَلا تُجادِلُوا (٢) أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وجدال بمعنى الخصومة بين الحجّاج (وَلا جِدالَ (٣) فِي الْحَجِّ) وجدال ابن (٤) الزّبعرى فى حقّ عيسى وعزير والأصنام (ما ضَرَبُوهُ (٥) لَكَ إِلَّا جَدَلاً) وجدال موجود فى جبلّة الإنسان (وَكانَ (٦) الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً).

وقيل الأصل فى الجدل : الصّراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة أى الأرض الصّلبة. والأجدل : الصّقر المحكّم البنية. والمجدل : القصر المحكم البناء.

٢٠ ـ بصيرة فى الجذ

وهو كسر الشىء وتفتيته. ويقال لحجارة الذهب المكسورة ولفتات الذهب : جذاذ. قال تعالى (فَجَعَلَهُمْ (٧) جُذاذاً) أى كسرا وقطعا. قال الشاعر (٨) :

شم ما انتضيت فقد تركت غراره

قطعا وقد ترك العباد جذاذا

وقوله تعالى : (عَطاءً (٩)(غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أى غير مقطوع عنهم ولا مخترم ولا منقوص (١٠).

__________________

(١) الآية ١٢٥ سورة النحل.

(٢) الآية ٤٦ سورة العنكبوت.

(٣) الآية ١٩٧ سورة البقرة.

(٤) هو عبد الله بن الزبعرى القرشى السهمى كان من أشد قريش على المسلمين ، ثم أسلم عام الفتح ، وانظر ترجمته فى الاصابة رقم ٤٦٧٠.

(٥) الآية : ٥٨ سورة الزخرف

(٦) الآية ٥٤ سورة الكهف.

(٧) الآية ٥٨ سورة الأنبياء.

(٨) أى المتنبئ فى مدح مساور بن محمد الرومى ، وفى الديوان : «ذبابة» فى مكان غزاره».

(٩) الآية ١٠٨ سورة هود.

(١٠) فى الأصلين : «مختوم» والظاهر أنه محرف عما أثبت. وفى الراغب : «مخترع» ، وكأنه محرف عن منتزع.

٣٧٤

٢١ ـ بصيرة فى الجذع

وهو واحد جذوع النّخل. وفى المثل : خذ من جذع ما أعطاك ، يضرب فى اغتنام ما يجود به البخيل. وقيل : المراد بالجذع فى المثل جذع بن عمرو الغسّانى ، كان من أبخل النّاس. قال تعالى : (لَأُصَلِّبَنَّكُمْ (١) فِي جُذُوعِ النَّخْلِ).

٢٢ ـ بصيرة فى الجذوة

وهى ـ بتثليث ـ الجيم ـ القبسة من النّار. والجذوة أيضا : الجمرة. والجذوة أيضا : الّذى يبقى من الحطب بعد الالتهاب. والجمع جذا وجذا وجذاء كرشاء. قال تعالى : (أَوْ جَذْوَةٍ (٢) مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) وأجذت الشجرة صارت ذات جذوة. والجذاة ـ كقناة ـ أصول الشجر العظام. والجمع جذاء كجبال.

__________________

(١) الآية ٧١ سورة طه.

(٢) الآية ٢٩ سورة القصص.

٣٧٥

٢٣ ـ بصيرة فى الجرح

وهو كلّ أثر دام فى الجلد. جرحه جرحا فهو جريح ومجروح. وسمّى القدح فى الشاهد جرحا تشبيها به. وتسمّى الصّائدة من الفهود والكلاب جارحة ، والجمع جوارح : إمّا لأنها تجرح ، وإمّا لأنّها تكسب (١). وسمّى الأعضاء جوارح لأحد هذين. والاجتراح : اكتساب الإثم. وأصله من الجراحة ؛ كما أنّ الاقتراف من قرف (٢) القرحة.

وورد الجرح فى القرآن على معنيين :

الأوّل : الجرح بمعنى الكسب (وَما عَلَّمْتُمْ (٣) مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) أى الكواسب.

الثانى : بمعنى الجراحة (وَالْجُرُوحَ (٤) قِصاصٌ) قال الشاعر :

رميتك من حكم القضاء بنظرة

ومالى عن حكم القضاء مناص

فلمّا جرحت الخدّ منك بنظرة

جرحت فؤادى والجروح قصاص

__________________

(١) كان عليه أن يذكر من معانى «حرح» : كسب. وقد جاء هذا المعنى فى القاموس ، وجعله مجازا عن المعنى المشهور.

(٢) أى أخذ قشرتها.

(٣) الآية ٤ سورة المائدة.

(٤) الآية ٤٥ سورة المائدة.

٣٧٦

٢٤ ـ بصيرة فى الجراد

وهو معروف. ويجوز أن يجعل أصلا يشتقّ من فعله (١) جرد الأرض. ويصحّ أن يقال : سمّى بذلك لجرده الأرض من النبات. يقال : أرض مجرودة أى أكل ما عليها حتّى تجرّدت ، وفرس أجرد : منحسر الشعر ، وثوب جرد أى خلق وذلك (٢) لذهاب زهرته وقوّته. وروى (جرّدوا (٣) القرآن) أى لا تلبسوه شيئا آخر ينافيه. وجرد الإنسان ـ كفرح ـ شرى (٤) جلده من أكل الجراد. قال تعالى (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ (٥) الطُّوفانَ وَالْجَرادَ) وفى بعض الآثار ما معناه : إنّ لله ثلاثمائة ألف جند أحدها الجراد ، فإذا أراد فناء العالم بدأ بالجراد فأهلكه فإذا هلك الجراد هلك الجميع بعده. وكان عمر ـ رضى الله عنه ـ إذا قلّ الجراد يحزن خوفا منه على قرب زوال الدّنيا.

٢٥ ـ بصيرة فى الجرز

قال تعالى : (صَعِيداً (٦) جُرُزاً) أى منقطع النبات من أصله. وأرض مجروزة : أكل ما عليها. والجروز : الّذى يأكل ما على الخوان. والجارز : الشديد من السّعال ، تصوّر منه معنى الجرز وهو قطع الشّىء بالسّيف. وسيف جراز ـ كغراب ـ قطّاع.

__________________

(١) أى من تأثيره فى الزرع وعمله.

(٢) فى الأصلين : «كذلك».

(٣) ورد هذا فى الراغب ولم أقف عليه. وقد ورد فى النهاية من حديث ابن مسعود.

(٤) أى أصابه الشرى ، وهو ضرب من البثور.

(٥) الآية ١٣٣ سورة الأعراف.

(٦) الآية ٨ سورة الكهف.

٣٧٧

٢٦ ـ بصيرة فى الجرف

قال تعالى : (عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ) يقال للمكان الّذى يأكله الماء فيجرفه أى يذهب به : جرف وجرف. وقد جرف الدّهر ماله أى اجتاحه تشبيها به. ورجل جراف ـ كغراب ـ نكحة كأنّه يجرف فى ذلك العمل.

٢٧ ـ بصيرة فى الجرى

وهو المرّ السّريع ، وأصله لمرّ (١) الماء ولما يجرى بجريه. جرى يجرى جرية وجريانا وجريا.

وقوله تعالى : (وَهِيَ (٢) تَجْرِي بِهِمْ) وقوله : (حَمَلْناكُمْ فِي (٣) الْجارِيَةِ) أى فى السّفينة التى تجرى فى البحر. وجمعها جوار. قال تعالى : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ (٤) فِي الْبَحْرِ) ويقال للحوصلة : جرّيّة (٥) إمّا لانتهاء الطّعام إليه فى جريه ، أو لأنّه مجرى الطّعام. والإجريّا : العادة التى يجرى عليها الإنسان. والجرىّ : الوكيل والرّسول الجارى فى الأمر ، وهو أخصّ (٦) من الرّسول والوكيل. وقد جرّيت جريّا : أرسلت رسولا. وقوله عليه

__________________

(١) فى الأصلين : «كمر» والظاهر أنه محرف عما أثبت.

(٢) الآية ٤٢ سورة هود.

(٣) الآية ١١ سورة الحاقة.

(٤) الآية ٢٤ سورة الرحمن.

(٥) أوردها فى القاموس فى المهموز ، أى الجريئة ، وأوردها بالياء أيضا : الجرية. والظاهر أن هذا تخيف من المهموز ، فلا يأتى التعليل المذكور ، وأصله للراغب.

(٦) كأن ذلك لأنه يراعى فى الجرى السعى والامتهان بخلافهما.

٣٧٨

السّلام : (لا يستجرينكم (١) الشيطان) يصحّ أن يدّعى فيه معنى الأصل أى لا يحملنّكم أن تجروا فى ائتماره وطاعته ، ويصحّ أن تجعله من الجرى أى الرّسول والوكيل ومعناه : لا تتولّوا وكالة الشيطان ورسالته.

٢٨ ـ بصيرة فى الجزء

جزء الشىء : ما يتقوّم به جملته كأجزاء السّفينة وأجزاء البيت وأجزاء الجملة من الحساب.

وقوله (لِكُلِ (٢) بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) أى نصيب وذلك [جزء](٣) من الشىء. وقوله (وَجَعَلُوا (٤) لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) أى نصيبا من الأولاد ، وقيل : ذلك عبارة عن الإناث من قولهم : أجزأت المرأة : ولدت أنثى. وجزأ الإبل مجزأ وجزءا : اكتفى بالبقل عن شرب الماء. وجزأة السّكين : العود الّذى فيه السّيلان (٥) ، تصوّرا أنّه جزء منه. وفى الأثر : إنّ الله تعالى جزّأ الدنيا على ثلاثة أجزاء. فجزء للكافر ، وجزء للمنافقين ، وجزء للمؤمن. فالكافر يتمتّع ، والمنافق يتزيّن ، والمؤمن يتردّد. وقيل : إنّ الله تعالى جعل العقل ألف جزء أعطى منها تسعمائة وتسعين لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفرّق جزءا واحدا على جميع الخلائق وضرب الله له من ذلك الجزء نصيبا ، قال الشاعر :

فهى ألف جزء ، رأيه فى زمانه

أقلّ جُزَيء بعضه الرّأى أجمع

__________________

(١) ورد فى النهاية والمراد النهى عن المبالغة فى المدح فيقول : تكلموا اذا مدحتم بما يحضركم من القول ولا تتكلفوه كأنكم وكلاء الشيطان ورسله.

(٢) الآية ٤٤ سورة الحجر.

(٣) زيادة من الراغب.

(٤) الآية ١٥ سورة الزخرف.

(٥) هو أصل السكين ونحوها.

٣٧٩

٢٩ ـ بصيرة فى الجزاء

وهو الغناء والكفاية والمكافأة بالشىء وما فيه الكفاية من المقابلة إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ.

وقد ورد فى القرآن على ستّة أوجه :

الأوّل بمعنى : المكافأة والمقابلة (وَما لِأَحَدٍ (١) عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) أى تقابل.

الثّانى بمعنى : الأداء والقضاء (وَاتَّقُوا يَوْماً (٢) لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) أى لا تقضى ولا تؤدّى.

الثالث بمعنى : الغنية والكفاية (وَاخْشَوْا (٣) يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً).

الرّابع بمعنى : العوض والبدل (فَجَزاءٌ مِثْلُ (٤) ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) أى فبدله ومبدله.

الخامس : خراج أهل الذّمّة (حَتَّى يُعْطُوا (٥) الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) السّادس : بمعنى : ثواب الخير والشرّ (الْيَوْمَ تُجْزى (٦) كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) ثمّ يختلف. فالجزاء على الإحسان (هَلْ جَزاءُ (٧) الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) وجزاء السيئة (مَنْ يَعْمَلْ (٨) سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ (٩)

__________________

(١) الآية ١٩ سورة الليل.

(٢) الآية ٤٨ سورة البقرة.

(٣) الآية ٣٣ سورة لقمان.

(٤) الآية ٩٥ سورة المائدة.

(٥) الآية ٢٩ سورة التوبة.

(٦) الآية ١٧ سورة غافر.

(٧) الآية ٦٠ سورة الرحمن.

(٨) الآية ١٢٣ سورة النساء.

(٩) الآية ٤٠ سورة الشورى.

٣٨٠