بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

٥ ـ بصيرة فى الثلاث والثلاثة والثلاث وما يشتق منه

وقد ورد كلّها فى القرآن على ثلاثة وعشرين نحوا :

الأوّل : فى عدد ملائكة النّصر (بِثَلاثَةِ (١) آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ)

الثانى : فى عدد سنى أصحاب الكهف (وَلَبِثُوا (٢) فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ).

الثالث : فى عدد ليالى وعد الكليم للمناجاة (وَواعَدْنا (٣) مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً).

الرّابع : فى عدد شهور الحمل والرضاع والفصال (وَحَمْلُهُ (٤) وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً).

الخامس : فى عدد الحيض أو الطّهر للطّلاق (يَتَرَبَّصْنَ (٥) بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ).

السادس : فى عدد ليالى زكريّا للتضرع والدّعاء (ثَلاثَ لَيالٍ (٦) سَوِيًّا).

السّابع : فى عدد أيّامه (ثَلاثَةَ (٧) أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً).

الثامن : فى عدد أيّام الحجّ للفدية (فَصِيامُ ثَلاثَةِ (٨) أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ).

التاسع : أيّام الصّيام عن الكفّارة (فَصِيامُ (٩) ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ).

__________________

(١) الآية ١٢٤ سورة آل عمران

(٢) الآية ٢٥ سورة الكهف

(٣) الآية ١٤٢ سورة الأعراف

(٤) الآية ١٥ سورة الأحقاف

(٥) الآية ٢٢٨ سورة البقرة

(٦) الآية ١٠ سورة مريم

(٧) الآية ٤١ سورة آل عمران

(٨) الآية ١٩٦ سورة البقرة

(٩) الآية ٨٩ سورة المائدة

٣٤١

العاشر : عدد المتخلّفين عن غزوة تبوك التّائبين (وَعَلَى (١) الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا).

الحادى عشر : عدد أيّام الوعيد من صالح لقومه بالعذاب (تَمَتَّعُوا (٢) فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ).

الثانى عشر : عدد أصحاب الكهف فى بدء الأمر (سَيَقُولُونَ (٣) ثَلاثَةٌ).

الثالث عشر : عدد أوقات يكشف به (٤) العورة (وَالَّذِينَ (٥) لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ... ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ).

الرابع عشر : أصناف الخلق فى القيامة (وَكُنْتُمْ (٦) أَزْواجاً ثَلاثَةً).

الخامس عشر : عدد شعب درجات جهنم (ظِلٍ (٧) ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ)

السّادس عشر : فى عدد حجب الخلق (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ)(٨).

السّابع عشر : فى اعتقاد النّصارى فى اللاهوت والناسوت وروح القدس (لَقَدْ كَفَرَ (٩) الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ).

الثامن عشر : فى حال اللات والعزّى ومناة على اعتقاد أهل الضلالات (وَمَناةَ (١٠) الثَّالِثَةَ الْأُخْرى).

التاسع عشر : عدد النساء فى حال جواز العقد (فَانْكِحُوا (١١) ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ).

__________________

(١) الآية ١١٨ سورة التوبة

(٢) الآية ٦٥ سورة هود

(٣) الآية ٢٢ سورة الكهف

(٤) كذا فى الأصلين. وكان الضمير يعود الى (عدد) والأولى : بها أى فى الأوقات

(٥) الآية ٥٨ سورة النور.

(٦) الآية ٧ سورة الواقعة.

(٧) الآية ٣٠ سورة المرسلات.

(٨) الآية ٦ سورة الزمر.

(٩) الآية ٧٣ سورة المائدة.

(١٠) الآية ٢٠ سورة النجم

(١١) الآية ٣ سورة النساء.

٣٤٢

والعشرون : عدد أجنحة الملائكة (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ)(١).

الحادى والعشرون : فى بيان قيام اللّيل للطّاعة (مِنْ (٢) ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ).

الثانى (٣) والعشرون : فى بيان نصيب أصحاب الفرائض (فَإِنْ (٤) كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) ... (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ).

(فَهُمْ شُرَكاءُ (٥) فِي الثُّلُثِ) وفيه يقول القائل :

ثلاثة إخوة لأب وأمّ

وكلهم إلى خير فقير

فحظّ الأكثرين الثلث منه

وباقى المال أحرزه الصغير (٦)

__________________

(١) الآية ١ سورة فاطر.

(٢) الآية ٢٠ سورة المزمل.

(٣) ترك المؤلف الثالث والعشرين

(٤) الآية ١١ سورة النساء.

(٥) الآية ١٢ سورة النساء.

(٦) الاخوة الثلاثة أشقاء ، وهم أبناء عم الميتة ، وأصغرهم كان زوجا لها ، وليس لها فرع وارث ولا وراث سواهم. وللصغير النصف بالزوجية. ويشترك مع أخويه فى النصف الباقى بالتعصب فلهما الثلث وله السدس يضاف الى النصف ، فقد أحرز الأخوان الثلث وأحرز باقى التركة الصغير.

٣٤٣

٦ ـ بصيرة فى ثم

[هى] حرف عطف يقتضى تأخّر ما بعده عمّا قبله ، إمّا تأخيرا بالذات أو بالمرتبة أو بالوضع. وثمّت لغة فيه.

وقد ورد فى القرآن على ستّة أوجه :

الأوّل : للعطف (آمَنُوا (١) ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً).

الثّانى : للتعجّب (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا (٢) بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ).

الثالث : للابتداء (ثُمَّ أَوْرَثْنَا (٣) الْكِتابَ).

الرّابع : بمعنى الواو (ثُمَ (٤) اللهُ شَهِيدٌ).

الخامس : بمعنى مع (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ (٥) آمَنُوا).

السّادس : بمعنى قبل (ثُمَ (٦) اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) (ثُمَّ إِنَ (٧) مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) ومنه قول الشاعر (٨) :

إنّ من مات ثم مات أبوه

ثمّ قد مات قبل ذلك جدّه

__________________

(١) الآية ١٣٧ سورة النساء.

(٢) الآية ١ سورة الأنعام.

(٣) الآية ٣٢ سورة فاطر.

(٤) الآية ٤٦ سورة يونس.

(٥) الآية ١٧ سورة البلد.

(٦) الآية ٢٩ سورة البقرة ، والآية ١١ سورة فصلت.

(٧) الآية ٦٨ سورة الصافات.

(٨) هو أبو نواس ، والرواية فى كتب النحاة :

ان من ساد ثم ساد أبوه

ثم قد ساد قبل ذلك جده

والرواية الصحيحة :

قل لمن ساد ثم ساد أبوه

قبله ثم ساد قبل ذلك جده

وهو فى مدح العباس بن عبيد الله جعفر عم الرشيد. وانظر الخزانة ٤ / ٤١٢.

٣٤٤

وثمّ إشارة إلى المتبعّد عن المكان ، وهناك للمتقرّب وهما ظرفان فى الأصل.

وقوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ (١) ثَمَّ رَأَيْتَ) فهو فى موضع المفعول.

٧ ـ بصيرة فى الثنى والاثنين

[هما (٢)] أصل لمتصرّفات هذه الكلمة. وذلك يقال باعتبار العدد ، أو باعتبار التكرير الموجود فيه ، أو باعتبارهما معا. يقال : ثنى الشّىء يثنيه ثنيا : ردّ بعضه على بعض ، فتثنّى وانثنى. وثنيت كذا ثنيا : كنت له ثانيا أو أخذت نصف ماله ، أو ضممت إليه ما صار به اثنين. والثّنى : ما يعاد مرّتين. وامرأة ثنى : ولدت اثنين. والولد يقال له ثنى. وثناه ثنيا : لواه. قال تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ (٣) صُدُورَهُمْ) وقرأ ابن عبّاس (يثنونى) مضارع اثنونى أى انعطف. وقوله تعالى : (ثانِيَ (٤) عِطْفِهِ) عبارة عن النّكر (٥) والإعراض ، نحو لوى شدقه ، ونأى بجانبه. والاثنان : ضعف الواحد. والمؤنّث ثنتان. وأصله ثنى لجمعهم إيّاه على أثناء. وهو لا يثنى ولا يثلث ، أى كبير لا يقدر أن ينهض لا فى مرّة ولا فى مرّتين ولا فى الثالثة. والمثانى : القرآن أو ما ثنّى منه مرّة بعد مرة أو فاتحة الكتاب

__________________

(١) الآية ٢٠ سورة الانسان. وقد تبع الراغب فى جعل «ثم» مفعولا ، ورد هذا القول فى القاموس بأن «ثم» ظرف لا يتصرف

(٢) اقتضى تصرف المؤلف هذه الزيادة ، وعباة الراغب : «ثنى» الثنى واثنان اصل لمتصرفات هذه الكلمة» وهى ظاهرة. ويريد بالكلمة المادة.

(٣) الآية ٥ سورة هود.

(٤) الآية ٩ سورة الحج.

(٥) فى الراغب : «التنكر»

٣٤٥

أو البقرة إلى براءة أو كلّ سورة دون الطّول ودون المائتين (١) وفوق المفصّل ، أو سورة الحجّ والقصص والنّمل والعنكبوت والنّور والأنفال ومريم والرّوم ويس والفرقان والحجر والرّعد وسبأ والملائكة وإبراهيم وص ومحمّد ولقمان والغرف (٢) والزّخرف والمؤمن والسّجدة والأحقاف والجاثية والدّخان والأحزاب. قال الله تعالى : (نَزَّلَ أَحْسَنَ (٣) الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ) سمّيت مثانى لأنّها تثنى وتكرر على مرور الأوقات ، فلا تنقطع ولا تندرس اندراس سائر الأشياء الّتى تضمحلّ على ممرّ الأيّام. والمثانى من الوادى : معاطفه ، ومن الدّابة : ركبتاها ومرفقاها.

ولا ثنى فى الصّدقة كإلى ، أى لا تؤخذ مرّتين فى عام ، أو لا تؤخذ ناقتان مكان واحدة أولا رجوع فيها. وثنى من اللّيل : ساعة. والثّنيّة : العقبة أو طريقها أو الجبل أو الطّريقة فيه ، والشّهداء (٤) الّذين استثناهم الله عزوجل عن الصّعقة ، ومن الأسنان : الأربع الّتى فى مقدّم الفم ثنتان من فوق وثنتان من أسفل ، والنّاقة الطّاعنة فى السّادسة والبعير ثنىّ ، والفرس. الدّاخلة فى الرّابعة ، والشّاة والبقرة والدّاخلتان فى الثالثة ، والنّخلة المستثناة من المساومة.

__________________

(١) وردت هذه العبارة فى القاموس وكتب الشارح : «كذا فى النسخ. والصواب : دون المئين».

(٢) هى سورة الزمر.

(٣) الآية ٢٣ سورة الزمر.

(٤) هذا المعنى الثانى للثنية ، والأصل فى هذا المعنى الاستثناء. أى أن الثنية تطلق على الاستثناء. وقد ورد الاستثناء فى قوله تعالى فى الآية ٦٨ فى سورة الزمر : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) ، فقوله : الا من شاء الله استثناء ممن يصعق ، ففسر هؤلاء بالشهداء. وهذا تفسير كعب ، فقد روى عنه : الشهداء ثنية الله فى الأرض. وانظر التاج فى المادة

٣٤٦

والثّناء : ما يذكر من محاسن الناس. وقيل : عامّ فى المدح والذمّ. وقد أثنى عليه وثنّى والثّناء (١) الفناء.

٨ ـ بصيرة فى الثقف

ثقف يثقف ككرم يكرم ، وكفرح يفرح ثقفا وثقفا وثقافة : صار حاذقا خفيفا فطنا ، فهو ثقف وثقف ، وثقف وثقيف ، وثقّيف كحبر (٢) وحذر وحذر وعزيز وسكّير. وثقفه كسمعه : صادفه ، أو أخذه ، أو ظفر به ، أو أدركه ببصره لحذق فى النظر. ورمح مثقّف : مقوّم. وما يثقف به ثقاف. هذا هو الأصل ، ثم تجوّز به فاستعمل فى الإدراك وإن لم يكن معه ثقافة ؛ كقوله تعالى (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ (٣) ثَقِفْتُمُوهُمْ).

٩ ـ بصيرة فى الثبات

وهو ضدّ الزّوال. وقد ثبت يثبت فهو ثابت. ورجل ثبت وثبيت فى فى الحرب. والإثبات والتّثبيت تارة يقال بالفعل (٤) ، فيقال لما يخرج من العدم إلى الوجود ؛ نحو أثبت الله كذا ، وتارة لما يثبت بالحكم فيقال : أثبت الحاكم عليه كذا (٥) أو ثبّته. وتارة لما يكون بالقول سواء كان صدقا أو كذبا. فيقال : أثبت التّوحيد وصدّق النّبوّة ، وفلان أثبت مع الله إلها آخر.

__________________

(١) فى التاج أن التثنية لم يقل بها أحد ، وانما هى التثنية ، فكأنه التبس الأمر على المؤلف.

(٢) كذا فى ا ، وهو موافق لما فى القاموس. وفى ب : «كشهم» : أى بفتح الأول وسكون الثانى ، وهو من لغاته أيضا ، كما فى التاج.

(٣) الآية ١٩١ سورة البقرة ، والآية ٩١ سورة النساء.

(٤) كذا ، والأولى : «لما يثبت بالفعل»

(٥) ا ، ب : «لهذا» وما أثبت من الراغب.

٣٤٧

وقوله : (لِيُثْبِتُوكَ (١) أَوْ يَقْتُلُوكَ) أى يثبّطوك ويحيروك (٢) وقوله تعالى : (يُثَبِّتُ (٣) اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) أى يقوّيهم بالحجج القويّة. وقوله تعالى : (وَأَشَدَّ (٤) تَثْبِيتاً) أى أشدّ لتحصيل علمهم (٥). وقيل : أثبت لأعمالهم واجتناء ثمرة أفعالهم. ويقال ثبّته أى قوّيته ، قال (فَثَبِّتُوا (٦) الَّذِينَ آمَنُوا).

١٠ ـ بصيرة فى الثبى (٧)

قال تعالى : (فَانْفِرُوا (٨) ثُباتٍ) أى جماعات. والثّبة والأثبيّة : الجماعة أو العصبة من (٩) الفرسان ، ووسط الحوض. والجمع ثبات وثبون. والتثبية : الجمع.

١١ ـ بصيرة فى الثرب

ثربه يثربه ثربا ، وثرّبه تثريبا وأثربه : لامه وعيّره بذنبه. قال : (لا تَثْرِيبَ (١٠) عَلَيْكُمُ) وثرب المريض يثربه ثربا : نزع عنه ثوبه. والمثرب : كمحسن القليل العطاء. والمثرّب مشدّدة : المخلّط المفسد. والثرب : شحم رقيق يغشّى الكرش والأمعاء.

__________________

(١) الآية ٣٠ سورة الأنفال.

(٢) كذا ، وكأن المراد : يجعلوك فى حبرة وذهول.

(٣) الآية ٢٧ سورة ابراهيم

(٤) الآية ٦٦ سورة النساء

(٥) ا : «عملهم».

(٦) الآية ١٢ سورة الأنفال.

(٧) جعل الذاهب فى ثبة الياء لاما. وقد تبع فى هذا الراغب وجعلها بعضهم واوا. وفى القاموس جعله من الواوى واليائى.

(٨) الآية ٧١ سورة النساء.

(٩) ا : «بين».

(١٠) الآية ٩٢ سورة يوسف.

٣٤٨

وقوله تعالى : (يا أَهْلَ (١) يَثْرِبَ) أى أهل المدينة يصحّ (٢) أن يكون أصله من هذه المادّة والياء تكون فيه زائدة.

١٢ ـ بصيرة فى الثمن

وهو اسم لما يأخذه البائع فى مقابلة المبيع ، عينا كان أو سلعة ، وكلّ ما يحصل عوضا عن شىء فهو ثمنه. والجمع أثمان وأثمن. وأثمنه سلعته وأثمن له [أعطاه (٣) ثمنها] وأثمنت له : أكثرت له الثمن. وشىء ثمين : كثير الثّمن. والثّمن والثّمن والثّمين ، جزء من ثمانية ، أو (٤) يطّرد ذلك فى هذه الكسور. الجمع أثمان. وثمنهم كنصرهم : أخذ ثمن مالهم ، وكضربهم كان ثامنهم. وثمان كيمان : عدد معروف وليس بنسب. والثمانية والثمانون معروفان. والمثمّن : ما جعل له ثمانية أركان. وأثمنوا صاروا ثمانية.

__________________

(١) الآية ١٣ سورة الأحزاب.

(٢) تبع فى هذا الراغب. وكأنه لا يجزم بهذا لأنه اسم قديم غير عربى ، فالياء أصلية فلا يكون من ثرب.

(٣) زيادة من القاموس.

(٤) يشير بذلك الى أن هذا رأى لبعض اللغويين. واستثنى ابن الأنبارى الثلث لا يقال فيه الثليث. وانظر التاج.

٣٤٩

الباب السّادس

فى وجوه الكلمات المفتتحة بالجيم

الجيم ، الجنّة ، الجرم ، الجبّ ، الجبت ، الجبر ، الجبل ، الجبين ، الجثى ، الجث ، الجبهة ، الجثم ، الجثو ، الجحد ، الجحيم ، الجدّ ، الجبى ، والجذر ، الجدل ، الجذّ ، الجذع ، الجذوة ، الجرح ، الجراد ، الجرز ، الجرف ، الجر ، الجرع ، الجزاء ، الجسّ ، الجسد ، الجسم ، الجعل ، الجفن ، الجفاء ، الجلال ، الجلب ، الجلد ، الجلس ، الجلاء ، الجمّ ، الجمع ، الجميع ، الجمل ، الجنّ ، الجنب ، الجنح ، الجند ، الجنى ، الجهد ، الجهر ، الجهاد ، الجهل ، الجواب ، الجود ، الجار ، الجارية ، الجوس ، الجوع ، الجنى ، المجىء ، الجيب ، الجيد.

١ ـ بصيرة فى الجيم

ويرد فى القرآن والعرف على عشرة أوجه :

الأوّل : اسم لحرف شجرىّ (١) مخرجه مفتتح الفم قريبا من مخرج الياء ، يذكّر ويؤنّث. وقد جيّمت جيما حسنة. وجمعه أجيام وجيمات.

الثّانى : اسم للثلاثة من الأعداد فى حساب الجمّل.

الثالث : الجيم الكافية. وهى الّتى يكتفى بها عن تمام الكلمة فيه فى مثل الجمال والجلال والجنان (٢) وغيرها. قال الشاعر :

__________________

(١) نسبة الى شجر الفم أى مفرجه. والحروف الشجرية الجيم والشين والصاد.

(٢) ب : «الجنة والجنات».

٣٥٠

ألا تتّقين الله فى جيم عاشق

له كبد حرّى عليك تقطّع

ويروى فى جنب (١) عاشق.

الرّابع : الجيم المكرّرة فى نحو بجّل وأجّج.

الخامس : الجيم المدغمة فى مثل حجّ ، وحجّة ، و (إِذا (٢) رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا).

السّادس : جيم العجز والضّرورة كجعل الهندىّ الجيم زايا.

السّابع : الجيم كناية عن شعور الأصداغ.

قال الشاعر :

له جيم صدغ فوق عاج مصقل

كليل على شمس النّهار يموج

الثامن : الجيم الأصلى نحو جرم ورجم ومرج.

التّاسع : الجيم المبدلة من الياء المشدّدة نحو أجّل ، فى إيّل (٣) ، وعلجّ فى علىّ ، أو من ياء النسب نحو دارجّ فى دارىّ.

قال الشاعر :

* يا رب إن كنت قبلت حجّج (٤) *

أى حجّتى.

العاشر : الجيم اللّغوى قال الخليل الجيم عندهم الجمل (٥) المغتلم قال :

كأنّى جيم فى الوغى ذو شكيمة

ترى البزل منه راقعات ضوامرا (٦)

وقال أبو عمرو الشّيبانى : الجيم فى لغة العرب الدّيباج ؛ وله كتاب فى اللّغة سمّاه بالجيم كأنّه شبّهه بالدّيباج لحسنه. وله حكاية حسنة مشهورة.

__________________

(١) ا ، ب : «جيب».

(٢) الآية ٤ سورة الواقعة.

(٣) هو الوعل. وهو التيس الجبلى

(٤) بعده : فلا يزال شاحج يأتيك بج. والشاحج : البغل

(٥) كذا فى ب. وفى ا : «الرجل».

(٦) «راقعات» كذا. وقد يكون (رائعات) أى خائفات. وراع يأتى لازما ومتعديا.

٣٥١

٢ ـ بصيرة فى الجنة

وهى وما يشتقّ من مادتها ، ترد على اثنى عشر وجها.

الأوّل : بمعنى التوحيد (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ)(١) قال المفسّرون : أى إلى الإيمان.

الثانى : بمعنى بستان كان باليمن (إِنَّا (٢) بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ).

الثالث : بمعنى أخوين من بنى إسرائيل (وَاضْرِبْ (٣) لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ) الآية.

الرّابع : بمعنى البساتين المحفوفة بالأشجار والمياه الجاريات (وَيَجْعَلْ (٤) لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً).

الخامس : بمعنى رياض الرّوح والرّضوان. وبساتين الأحباب والإخوان (وَجَنَّةٍ (٥) عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) وهى أربع جنان. ثنتان للخواصّ (وَلِمَنْ (٦) خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) وثنتان لعامّة المؤمنين (وَمِنْ (٧) دُونِهِما جَنَّتانِ) وإحدى هذه الأربع جنّة النّعيم (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ (٨) عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)

__________________

(١) الآية ٢٢١ سورة البقرة.

(٢) الآية ١٧ سورة القلم.

(٣) الآية ٣٢ سورة الكهف.

(٤) الآية ١٢ سورة نوح.

(٥) الآية ١٣٣ سورة آل عمران.

(٦) الآية ٤٦ سورة الرحمن.

(٧) الآية ٦٢ سورة الرحمن.

(٨) الآية ٣٤ سورة القلم.

٣٥٢

(أَنْ يُدْخَلَ (١) جَنَّةَ نَعِيمٍ) والأخرى جنّة المأوى (عِنْدَها (٢) جَنَّةُ الْمَأْوى).

والثالثة : جنّة عدن (فِي جَنَّاتِ (٣) عَدْنٍ) (جَزاؤُهُمْ (٤) عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ).

الرّابعة : جنّة الفردوس (كانَتْ لَهُمْ (٥) جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) ومن جملة الجنان دار السّلام ، ودار الخلد ، وعلّيّون تكملة السبع.

السّادس : الجنّة ـ بكسر الجيم ـ بمعنى الجنّ (مِنَ الْجِنَّةِ (٦) وَالنَّاسِ) (لَأَمْلَأَنَ (٧) جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ).

السابع : الجنّة بمعنى الجنون (أَمْ (٨) يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ (٩)جِنَّةٍ).

الثامن : الجنّ بمعنى السّتر عن الحاسّة. يقال : جنّة اللّيل وأجنّه ، وجنّ عليه فجنّ (١٠) : ستره وأجنّه : جعل له ما يجنه وجنّ عليه كذا ، ستره. والجنان : القلب لكونه مستورا عن الحاسّة ، والمجنّ والجنّة : التّرس الّذى يجنّ صاحبه.

التّاسع : الجنين بمعنى الطّفل فى بطن أمّه (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ (١١) فِي بُطُونِ) والجنين أيضا : القبر (١٢) فعيل بمعنى فاعل. والأول بمعنى مفعول.

العاشر : الجنّ. ويقال على وجهين :

__________________

(١) الآية ٣٨ سورة المعارج.

(٢) الآية ١٥ سورة النجم.

(٣) الآية ٧٢ سورة التوبة.

(٤) الآية ٨ سورة البينة.

(٥) الآية ١٠٧ سورة الكهف.

(٦) الآية ٦ سورة الناس.

(٧) الآية ١١٩ سورة هود.

(٨) الآية ٧٠ سورة المؤمنين.

(٩) الآية ٤٦ سورة سبأ.

(١٠) كذا فى ا. وفى ب : «فجنه».

(١١) الآية ٣٢ سورة النجم.

(١٢) تبع فى هذا الراغب ، وقد نقله عن الراغب صاحب التاج ، والمعروف فى القبر الجنن بالتحريك ، والظاهر أن الراغب اختلط عليه الأمر.

٣٥٣

أحدهما : للرّوحانيّين المستترة عن الحواسّ كلّها بإزاء الإنس ، فيدخل فيه الملائكة والشياطين. وكل ملائكة جن وليس كلّ جنّ ملائكة. وقيل : بل الجنّ بعض الروحانيين. وذلك أن الرّوحانيّين ثلاثة : أخيار وهم الملائكة ، وأشرار وهم الشياطين ، وأوساط فيهم خيار وشرار (١) وهم الجنّ. ويدلّ على ذلك قوله تعالى (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَ (٢) أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) إلى قوله (وَمِنَّا الْقاسِطُونَ). (والجنون (٣) أمر حائل بين النّفس والعقل).

الحادى عشر : الجانّ بمعنى الحيّة الصغيرة (كَأَنَّها جَانٌ (٤) وَلَّى مُدْبِراً).

الثانى عشر : الجانّ بمعنى أب (٥) الجنّ (وَخَلَقَ (٦) الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ) وقيل هو نوع من الجنّ.

الثالث عشر (٧) : الجنّة الترس العريض الوسيع الّذى يختفى الرّاجل وراءه (اتَّخَذُوا (٨) أَيْمانَهُمْ جُنَّةً).

__________________

(١) كذا فى الأصلين ، وهو جمع شرير ككريم وكرام ، وان كان فى كتب اللغة أن جمع شرير : أشرار ، كيتيم وأيتام.

(٢) صدر سورة الجن.

(٣) هذه الجملة مقحمة هنا ومكانها ـ كما يؤخذ من الراغب ـ فى الكلام على السابع

(٤) الآية ١٠ سورة النمل ، والآية ٣١ سورة القصص.

(٥) كذا فى الأصلين. والأفصح : «أبى».

(٦) الآية ١٥ سورة الرحمن.

(٧) المذكور فيما سبق اثنا عشر. الأولى حذف هذا لأنه سبق.

(٨) الآية ١٦ سورة المجادلة.

٣٥٤

٣ ـ بصيرة فى الجرم وما من مادته

وقد ورد فى القرآن على ستّة أوجه :

الأوّل : الجرم بمعنى الشرك ، والمجرم بمعنى المشرك (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ (١) لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) وقيل المراد أبو جهل وأصحابه.

الثانى : الجرم بمعنى اعتقاد أهل القدر (٢) ، والمجرم القدرىّ (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ (٣) فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) قال محمّد بن كعب (٤) : هم القدريّة.

الثالث : بمعنى الفاحشة أى اللّواطة ، والمجرم اللّوطىّ (فَانْظُرْ كَيْفَ (٥) كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) أى المشتغلين بها.

الرّابع : بمعنى حمل العداوة (لا يَجْرِمَنَّكُمْ (٦) شِقاقِي) أى لا يحملنّكم خلافى (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ (٧) شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا).

الخامس : لا جرم بمعنى حقّا (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ (٨) فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ)

__________________

(١) الآية ١١ سورة المعارج.

(٢) يريد بأهل القدر الذين ينكرون القدر ، ويرون أن الأمور أنف لم يسبق بها من الله قدر ، وقد قيل : ان من مشركى مكة من جادل الرسول عليه الصلاة والسّلام فى القدر فنزلت هذه الآيات فيهم ، وفيها : انا كل شىء خلقناه بقدر. وقد غلب اسم القدرية فيما بعد على طائفة المعتزلة.

(٣) الآية ٤٧ سورة القمر.

(٤) هو محمد بن كعب القرظى من التابعين ، قيل : كانت وفاته سنة ثمان ومائة. وانظر الاصابة رقم ٨٥٣٠.

(٥) الآية ٨٤ سورة الأعراف

(٦) الآية ٨٩ سورة هود.

(٧) الآية ٨ سورة المائدة.

(٨) الآية ٢٢ سورة هود.

٣٥٥

و (لا جَرَمَ (١) أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) أى ليس بجرم لنا أنّ لهم النّار ، تنبيها أنّهم اكتسبوها بما ارتكبوه.

السّادس : بمعنى الإثم والذنب والزّلّة (٢)(فَعَلَيَ (٣) إِجْرامِي) أى فعلىّ إثمى.

وأصل الجرم قطع الثمرة عن الشّجرة. والجرامة : ردئ الثمر المجروم ، وجعل بناؤه بناء النّقاية. واستعير ذلك لكلّ اكتساب مكروه ، ولا يكاد يستعمل فى الكسب المحمود ، والجرم فى الأصل المجروم ؛ نحو نقض ونفض للمنقوض والمنفوض ، وجعل اسما للجسم المجروم. وقولهم فلان حسن الجرم أى اللون فحقيقته كقولك : حسن السحناء. وأمّا قولهم : حسن الجرم أى الصّوت فالجرم فى الحقيقة إشارة إلى موضع الصّوت لا إلى ذات الصّوت ، ولكن لمّا كان المقصود بوصفه بالحسن هو الصّوت فسّر به ، كقولك : فلان طيّب الحلق ، وإنّما ذلك إشارة إلى الصّوت لا إلى الحلق. وقيل : الفرق بين الجرم والجسم أنّ الجسم يطلق على الأشخاص الكثيفة ، والجرم على الموجودات اللّطيفة كجرم الفلك وجرم الكواكب.

__________________

(١) الآية ٦٢ سورة النحل.

(٢) فى الأصلين : «الذلة» بالذال المعجمة.

(٣) الآية ٣٥ سورة هود.

٣٥٦

٤ ـ بصيرة فى الجار

وقد ورد فى القرآن على أربعة أوجه :

الأوّل : بمعنى المجير والمعين (وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) أى معين.

الثّانى : بمعنى طلب الجوار (وَإِنْ (١) أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ).

الثالث : بمعنى القضاء (وَهُوَ (٢) يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) أى يقضى ولا يقضى عليه.

الرّابع : بمعنى القريب الدّار (وَالْجارِ ذِي (٣) الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ) أى القريب الأجنبىّ ، وفى الحديث (الجار (٤) أحقّ بصقبه) وفيه (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره (٥)) وقيل : مكتوب فى التّوراة : حسن الجوار ، يعمر الدّيار ، ويطوّل الأعمار ، ويؤبّد (٦) الآثار. والجور على الجار ، يخرّب الدّيار ، وينقص الأعمار ويمحو الآثار. قال الشاعر :

إنّى لأحسد جاركم لجواركم

طوبى لمن أمسى لدارك جارا

يا ليت جارك باعنى من داره

شبرا فأعطيه بشبر دارا (٧)

__________________

(١) الآية ٦ سورة التوبة.

(٢) الآية ٨٨ سورة المؤمنين.

(٣) الآية ٣٦ سورة النساء.

(٤) هو بعض حديث فى البخارى فى باب الشفعة. والصقب : القرب والملاصقة.

(٥) ورد فى البخارى فى كتاب الأدب ، واللفظ فيه : «فلا يؤذ» فى مكان «فليكرم».

(٦) أى يجعلها مؤبدة لا تزول. وقد يكون المراد بالآثار النسل والولد.

(٧) ورد البيتان فى المنتخل ٢٢٢ ، والغرر ٤٥٢.

٣٥٧

والجار من الأسماء (١) المتضايفة ؛ فإن الجار لا يكون جارا لغيره إلّا وذلك الغير جار له كالأخ والصديق.

ولمّا استعظم حقّ الجار عقلا وشرعا عبّر عن كلّ من يعظم حقّه أو يستعظم حقّ غيره بالجار كقوله (وَالْجارِ ذِي (٢) الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ) وباعتبار القرب قيل : جار عن الطّريق. ثمّ جعل ذلك أصلا فى كلّ عدول عن الحقّ فبنى منه الجور. قال تعالى : (وَمِنْها (٣) جائِرٌ) أى عادل عن المحجّة. وقيل : الجائر [من الناس (٤)] : الممتنع من التزام ما أمر به الشّرع.

٥ ـ بصيرة فى الجب

وهو البئر التى (٥) لم تطو قال تعالى : (وَأَلْقُوهُ فِي (٦) غَيابَتِ الْجُبِّ) وتسميته بذلك إمّا لكونه محفورا فى جبوب أى فى أرض غليظة ، وإمّا لأنّها (٧) قد جبّت ، والجبّ قطع الشىء من أصله كجبّ (٨) النّخل. ويقال : زمن الجباب كما يقال زمن الصرام (٩). وبعير أجبّ : مقطوع السّنام. وجبّت المرأة النساء أى غلبتهنّ حسنا ، استعارة من الجبّ الّذى هو القطع. والجبّة الّتى هى اللّباس منه أيضا. وبه شبّه ما دخل فيه الرّمح من السّنان.

__________________

(١) ا ، ب : «أسماء» وما أثبت عن الراغب.

(٢) الآية ٣٦ سورة النساء.

(٣) الآية ٩ سورة النحل.

(٤) زيادة من الراغب

(٥) ا : «الذى» وما أثبت موافق للراغب. والموضع غير واضح فى ب.

(٦) الآية ١٠ سورة يوسف.

(٧) المناسب : «لأنه» اذ الضمير يعود على الجب وهو مذكر. ولكنه راعى فيه البئر.

(٨) أى تلقيحه. وزمن الجباب زمن التلقيح للنخل.

(٩) زمن الصرام : زمن ادراك النخل.

٣٥٨

٦ ـ بصيرة فى الجبت

الجبت والجبس : الفسل الّذى لا خير فيه. وقيل التّاء بدل (١) تنبيها على مبالغته فى الفسولة كقول الشّاعر (٢) :

* عمرو بن يربوع شرار النّات*

أى خساس (٣) الناس.

ويقال لكلّ ما عبد من دون الله تعالى : جبت. قال تعالى : (يُؤْمِنُونَ (٤) بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) وقد يسمّى السّاحر والكاهن جبتا.

__________________

(١) أى من السين ، كما فى الراغب.

(٢) هو علباء بن أرقم. وقبل شطر الرجز :

* يا قبّح الله بنى السّعلاة*

وانظر الخصائص ٢ / ٥٣.

(٣) فى الأصلين : «أخساس» وخساس جمع خسيس.

(٤) الآية ٥١ سورة النساء.

٣٥٩

٧ ـ بصيرة فى الجبار والجبر

وقد ورد الجبّار فى القرآن على أربعة أوجه :

الأوّل : بمعنى القهّار (الْعَزِيزُ (١) الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) وقيل : هذا من قولهم جبرت الفقير ، لأنّه يجبر النّاس بفائض نعمه (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ (٢) بِجَبَّارٍ)

الثانى : بمعنى القتّال بغير حقّ (وَإِذا (٣) بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) (إِنْ تُرِيدُ (٤) إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ) (يَطْبَعُ اللهُ (٥) عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) أى قتّال.

الثالث : بمعنى الزيادة فى القوّة والشدّة وطول القدّ والقامة (إِنَّ فِيها (٦) قَوْماً جَبَّارِينَ) أى أقوياء عظام الأجسام. ومنه نخلة جبّارة.

الرّابع : بمعنى المتكبّر (وَلَمْ يَكُنْ (٧) جَبَّاراً عَصِيًّا) (وَلَمْ يَجْعَلْنِي (٨) جَبَّاراً شَقِيًّا) أى متكبرا (وَخابَ كُلُ (٩) جَبَّارٍ عَنِيدٍ).

والمادّة موضوعة لإصلاح الشىء بضرب من القهر. يقال : جبرته فانجبر واجتبر. وقد قيل ، جبرته فجبر ، قال الشاعر (١٠) :

* قد جبر الدين الإله فجبر*

وقيل الثّانى تأكيد (١١) للأوّل أى قصد جبره فتمم جبره. وقد يستعمل

__________________

(١) الآية ٢٣ سورة الحشر.

(٢) الآية ٤٥ سورة ق.

(٣) الآية ١٣٠ سورة الشعراء.

(٤) الآية ١٩ سورة القصص.

(٥) الآية ٣٥ سورة غافر.

(٦) الآية ٢٢ سورة المائدة.

(٧) الآية ١٤ سورة مريم.

(٨) الآية ٣٢ سورة مريم.

(٩) الآية ١٥ سورة ابراهيم.

(١٠) هو العجاج من أرجوزة فى مدح عمر بن عبيد الله بن معمر وبعده :

* وعوّر الرحمن من ولّى العور*

وانظر الديوان ١٥.

(١١) فى الأصلين : «التأكيد» وما أثبت موافق لما فى التاج نقلا عن البصائر.

٣٦٠