بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

وقال العتّابىّ :

أرقت للبرق يخبو ثم يأتلق

يخفيه طورا ويبديه لنا الأفق

كأنها غرّة شهباء لامحة

فى وجه دهماء ما فى جلدها بلق (١)

أو ثغر زنجيّة تفترّ ضاحكة

تبدو مشافرها طورا وتنطبق

أو غرّة الصّبح عند الفجر حين بدت

أو فى المساء إذا ما استعرض الشفق

له بدائع حمر اللّون هائلة

فيها سلائل بيض ما لها حلق (٢)

والغيم كالثّوب فى الآفاق منتشر

من فوقه طبق من تحته طبق

تظنّه مصمتا لا فتق فيه فإن

سالت عزاليه قلت : الثوب منفتق (٣)

إن قعقع الرّعد فيه قلت منخرق

أو لألأ البرق فيه قلت يحترق

تستكّ من رعده أذن السّميع كما

تعشى إذا نظرت (فى برقه (٤)) الحدق

فالرّعد صهصلق (٥) والرّيح محترق(٦)

والبرق مؤتلق والماء منبعق

غيث أواخره تحدو أوائله

أربّ بالأرض (٧) حتى ماله لبق(٨)

قد حاك فوق الربا نورا له أرج

كأنه الوشى والدّيباج والسرق (٩)

فطار فى الأنف ريح طيّب عبق

ونار فى الطّرف لون مشرق أنق

من خضرة بينها (١٠) حمراء قانية

أو أصفر فاقع أو أبيض يقق

__________________

(١) الدهماء : السوداء. والبلق : سواد وبياض

(٢) كأنه يريد بالسلائل السيوف المسلولة

(٣) العزالى جمع عزلاء وهى مصب الماء من القربة

(٤) فى ديوان المعانى لأبى هلال العسكرى ٢ / ٩ : «من برقه»

(٥) شديد الصوت

(٦) كذا ، وفى ديوان المعانى : «منخرق»

(٧) أى أقام

(٨) اللبق : الرفق

(٩) السرق : شقق الحرير الأبيض

(١٠) ا ، ب : «نبتها». وما أثبت عن ديوان المعانى.

٢٤١

٢٦ ـ بصيرة فى البرهان

وهو فعلان ، بزنة الرجحان. ومعناه : بيان الحجّة. وقيل : هو مصدر بره يبره كسمع يسمع إذا ثاب جسمه بعد علّة ، وابيضّ جسمه. ومنه البرهرهة : للمرأة البيضاء الشّابّة ، أو التى ترعد رطوبة ، ونعومة. والبرهة بالضمّ ، والفتح : الزّمان الطّويل ، أو مطلق الزّمان ، أو مدّة منه. فالبرهان أوكد الأدلّة. وهو الّذى يقتضى الصّدق أبدا لا محالة.

وذلك أنّ الأدلّة خمسة أضرب : (دلالة (١) تقتضى الصّدق أبدا ، ودلالة تقتضى الكذب أبدا) ، ودلالة إلى الصّدق أقرب ، ودلالة إلى الكذب أقرب ، ودلالة اليهما سواء.

وجاء البرهان فى القرآن على ثلاثة أوجه :

الأوّل : بمعنى المعجزة ، والولاية : (فَذانِكَ بُرْهانانِ (٢) مِنْ رَبِّكَ).

الثانى : بمعنى الدّليل ، والحجّة : (قُلْ هاتُوا (٣) بُرْهانَكُمْ) (وَمَنْ يَدْعُ (٤) مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ).

الثّالث : بمعنى القرآن ، والنبوّة : (يا أَيُّهَا النَّاسُ (٥) قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أى كتاب ورسول. أنشدنى بعض الفضلاء :

من استشار صروف الدّهر قام له

على حقيقة طبع الدّهر برهان

من استنام إلى الأشرار نام وفى

قميصه منهم صلّ وثعبان

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى ا

(٢) الآية ٣٢ سورة القصص

(٣) الآية ١١١ سورة البقرة وغيرها

(٤) الآية ١١٧ سورة المؤمنين

(٥) الآية ١٧٤ سورة النساء

٢٤٢

٢٧ ـ بصيرة فى الابرام

وهو الإحكام. وأصله من إبرام الحبل ، وهو أن يجعله طاقين ، ثم يفتله. والمبارم : المغازل الّتى يبرم بها ؛ قال تعالى : (أَمْ أَبْرَمُوا (١) أَمْراً) أى أتقنوا إحكامه. ويقال أيضا : برم الأمر يبرمه ويبرمه بمعنى المزيد (٢) وأبرم فلانا فبرم (وتبرّم : أملّه (٣) : فملّ). والبريم : المبرم ، أى المفتول فتلا محكما. ومن هذا قيل للبخيل الّذى لا يدخل فى الميسر : برم ـ محرّكة ـ كما يقال للبخيل أيضا : مغلول اليد. والمبرم : الّذى يلحّ ويشدّد فى الأمر ؛ تشبيها بمبرم الحبل.

ولمّا كان البريم من الحبل قد يكون ذا لونين سمّى كلّ ذى لونين من شىء (٤) مختلط أبيض ، وأسود ، وكغنم مختلط وغير ذلك ممّا فيه لونان مختلطان : بريما. ومنه قيل للصبح : بريم. وحبل فيه لونان مزيّن بجوهر تشدّه المرأة على وسطها بريم. والبرمة فى الأصل : هى القدر المحكمة ثم خصّوه بما كان من الحجارة لإحكامها. والجمع برام كجفرة (٥) وجفار.

__________________

(١) الآية ٧٩ سورة الزخرف

(٢) ا ، ب : «المذمة» يريد أن الثلاثى بمعنى أبرم المزيد وقوله (يبرمه ويبرمه) لم يذكر فى القاموس المضارع. ومقتضى اصطلاحه أن فيه ضم العين فقط

(٣) ا ، ب : «وبرم أصله فتل». وما أثبت عن القاموس.

(٤) فى الراغب : «جيش»

(٥) الجفرة جوف الصدر أو ما يجمع الصدر والجنيين

٢٤٣

٢٨ ـ بصيرة فى البزوغ

وهو ابتداء الطّلوع. وقيل : بزغت الشمس بزغا وبزوغا : شرقت ، وبزغ ناب البعير (١) طلع ، وبزغ الحاجم : شرط. والمبزغ المشراط. وابتزغ الرّبيع : جاء أوّله : (فَلَمَّا (٢) رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً) أى طالعا (منتشر (٣) الضوء).

__________________

(١) أ ، ب : «للبصير» وما أثبت عن القاموس.

(٢) الآية ٧٧ سورة الأنعام.

(٣) ا ، ب : «منتشرا بضوء» وما أثبت عن الراغب.

٢٤٤

٢٩ ـ بصيرة فى البس

البسّ : الفتّ والذّلّ (١) : (وَبُسَّتِ (٢) الْجِبالُ) أى فتّت ، من قولهم : بسست الحنطة ، والسّويق بالماء : فتّته به وهى البسيسة. وقيل معناه : سيقت سوقا سريعا ، من قولهم : انبسّت الحيّات : أى انسابت انسيابا سريعا. فيكون كقوله : (وَيَوْمَ (٣) نُسَيِّرُ الْجِبالَ) وبسست بالإبل : زجرتها عند السّوق. وأبسست بها عند الحلب ، وناقة بسوس : لا تدرّ إلّا على الإبساس.

__________________

(١) كذا. والظاهر أن الأصل : «الدك».

(٢) الآية ٥ سورة الواقعة.

(٣) الآية ٤٧ سورة الكهف.

٢٤٥

٣٠ ـ بصيرة فى بسر

البسر فى الأصل : الاستعجال بالشىء قبل أوانه. وبسر الرّجل حاجته : طلبها فى غير أوانها ، (والفحل (١) الناقة : ضربها فى غير أوانها) قبل الضبعة. وماء بسر : متناول من غديره قبل سكونه. ومنه قيل لما [لم](٢) يدرك من التمر : بسر.

وقوله ـ تعالى ـ : (عَبَسَ (٣) وَبَسَرَ) أى أظهر العبوس قبل أوانه ، وفى غير وقته. فإن قيل : فقوله ـ تعالى ـ : (وَوُجُوهٌ (٤) يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) ليس يفعلون ذلك قبل الوقت ، وقد قلت : إن ذلك يقال فيما كان قبل وقته ، [قيل (٥) : إن ذلك إشارة إلى حالهم قبل الانتهاء بهم إلى النار. فخص لفظ البسر تنبيها أن ذلك مع ما ينالهم من بعد يجرى مجرى التكلّف ، ومجرى ما يفعل قبل وقته]. ويدلّ على ذلك قوله عزوجل : (تَظُنُ (٦) أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ).

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى ا

(٢) زيادة من الراغب

(٣) الآية ٢٢ سورة المدثر

(٤) الآية ٢٤ سورة القيامة

(٥) زيادة من الراغب

(٦) الآية ٢٥ سورة القيامة

٢٤٦

٣١ ـ بصيرة فى البسوق

بسقت النخلة : طالت. وبسق على أصحابه ، علاهم. والبسوق والمبساق : الطويلة الضّرع من الغنم. ولا تبسّق علينا تبسيقا : لا تطوّل (وَالنَّخْلَ (١) باسِقاتٍ) طويلات مرتفعات.

__________________

(١) الآية ١٠ سورة ق

٢٤٧

٣٢ ـ بصيرة فى البسل

هو الضمّ والمنع. والبسل : الحرام ؛ لأنّه ممنوع عنه. والبسل : الحلال ؛ لأنّه يضمّ ويجمع. فهو من الأضداد. وتبسّل الرّجل : عبس غضبا ، أو شجاعة. وبه سمّى الأسد باسلا ، ومبسّلا (١). والباسل : الشّجاع ؛ لعبوسه ، أو لكونه محرّما على أقرانه أن ينالوه ، أو لمنعه ما تحت يده عن أعدائه. وقد بسل ـ ككرم ـ بسالة ، وبسالا.

وقوله تعالى : (وَذَكِّرْ بِهِ (٢) أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ) أى تمنع الثّواب وتحرمه.

والفرق بين الحرام والبسل أنّ الحرام عامّ فيما كان ممنوعا منه بالحكم والقهر ، والبسل هو الممنوع منه بالقهر. وقوله تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ (٣) أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا) أى منعوا الثواب ، وحرموا. وفسّر بالإرهان (٤) ، كقوله ـ تعالى ـ : (كُلُّ نَفْسٍ (٥) بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ).

وأبسلت المكان : جعلته بسلا على من يريده. وأبسله لكذا : رهنه. وأبسل عرضه : فضحه. وأبسله لعمله : وكله إليه ، وفلانا : جعله بسلا ، شجاعا ، قويّا على مدافعة الشيطان ، أو الحيّات ، أو الهوامّ. والبسلة : أجرة الرّاقى. وبسلت الحنظل بسلا طيّبته ، كأنه أزال بسالته أى شدّته ، أو ما فيه من المرارة الجارية مجرى المحرّم.

__________________

(١) ب : «مبتسلا»

(٢) الآية ٧٠ سورة الأنعام

(٣) الآية ٧٠ سورة الأنعام

(٤) فى الراغب وفى هامش ب : «بالارتهان» والارهان لغة فى الرهن ، وهو الحبس فى دين ونحوه والارتهان أخذ المرهون.

(٥) الآية ٣٨ سورة المدثر

٢٤٨

٣٣ ـ بصيرة فى البسم

قال ـ تعالى ـ : (فَتَبَسَّمَ (١) ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها). والتبسّم ، والابتسام ، والبسم بمعنى واحد ، وهو أقل الضحك ، وأحسنه. وقد بسم يبسم ـ كضرب ـ بسما فهو مبسام ، وبسّام. والمبسم ـ كمنزل ـ : الثّغر. والمبسم ـ كمقعد ـ : التبسّم.

__________________

(١) الآية ١٩ سورة النمل

٢٤٩

٣٤ ـ بصيرة فى البضاعة

وهى : قطعة وافرة من المال ، تقتنى للتجارة. يقال : أبضع بضاعة ، وابتضعها. وأصله البضع : القطع : بضعه يبضعه ـ كمنعه يمنعه ـ وبضّعه تبضيعا : قطعه. وبضعه. أيضا : شقّه (والبضع (١) أيضا التزوّج والمجامعة والتبيّن). والبضع ـ بالضمّ ـ الجماع وعقد النكاح ـ وبالكسر والفتح ـ ما بين الثلاث إلى التسع ، أو إلى الخمس ، أو إلى أربعة ، أو من أربع إلى تسع ، أو هو سبع. وإذا جاوزت العشر ذهب البضع : لا يقال : بضع وعشرون ، وقيل : يقال ، وقال الفرّاء : لا يذكر [إلا](٢) مع العشرة ، والعشرين إلى التسعين ، ولا يقال : بضع ومائة ، ولا ألف. وقال مبرمان (٣) : البضع : ما بين العقدين من واحد إلى عشرة ، ومن أحد عشر إلى عشرين. ومع المذكر بهاء ، ومع المؤنث بغير هاء : بضعة وعشرون رجلا ، وبضع وعشرون امرأة.

وورد فى التنزيل من هذه المادّة على وجوه :

الأول : اسم لمال التجارة (وَجَدُوا (٤) بِضاعَتَهُمْ) (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا)(٥).

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى ا

(٢) زيادة من القاموس

(٣) لقب محمد بن اسماعيل اللغوى النحوى أحد الآخذين عن المازنى والجرمى.

(٤) الآية ٦٥ سورة يوسف

(٥) الآية ٦٥ سورة يوسف

٢٥٠

الثانى : اسم للمأكولات ، وأسباب المعيشة : (وَجِئْنا (١) بِبِضاعَةٍ (٢) مُزْجاةٍ).

الثالث : اسم لحقيقة البضاعة (وَأَسَرُّوهُ (٣) بِضاعَةً).(٤)

الرّابع : لمدّة من الزمان (فَلَبِثَ (٥) فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ). وفلان حسن البضع ، والبضيع ، والبضعة ؛ عبارة عن السّمن. والبضيع : الجزيرة المنقطعة عن البرّ. والباضعة الشّجّة تبضع اللّحم. وهو بضعة منى : أى جار مجرى بعض جسدى.

__________________

(١) الآية ٨٨ سورة يوسف

(٢) (٢ ـ ٢) سقط ما بين الرقمين فى

(٣) الآية ١٩ سورة يوسف

(٤) (٢ ـ ٢) سقط ما بين الرقمين فى

(٥) الآية ٤٢ سورة يوسف

٢٥١

٣٥ ـ بصيرة فى الباطل

وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه. وقد يقال ذلك فى الاعتبار إلى المقال ، والفعال. بطل بطلا ، وبطولا وبطلانا ـ بضمّهنّ ـ : ذهب ضياعا ، وخسر ، وأبطله (١) غيره. وبطل (٢) فى حديثه بطالة أى هزل (كأبطل) (٣) إبطالا. وأبطل أيضا : جاء بالباطل. والباطل أيضا : إبليس. ومنه قوله : (وَما يُبْدِئُ (٤) الْباطِلُ). ورجل بطّال : ذو باطل بيّن البطول. وتبطّلوا بينهم : تداولوا الباطل. ورجل بطل ، وبطّال ، بيّن البطالة والبطولة : شجاع تبطل جراحته ، فلا يكترث لها ولا يبطل نجادته ، أو تبطل عنده دماء الأقران. والجمع أبطال. وهى بهاء. وقد بطل ككرم ، وتبطّل. والبطّلات : الترّهات ، وبينهم أبطولة وإبطالة : باطل. والبطلة : السّحرة.

والإبطال يقال فى إفساد الشىء وإزالته ، حقّا كان ذلك الشىء أو باطلا. قال تعالى : (لِيُحِقَ (٥) الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ).

وقد جاء بمعنى الكذب : (لا يَأْتِيهِ (٦) الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) ،

__________________

(١) ا ، ب : «اذا أبطله» وما أثبت عن الراغب

(٢) ا ، ب : «أبطل» وما أثبت عن القاموس. وفى الشرح : «ظاهر سياقه أنه من حد نصر. والصواب أنه من حد علم ، كما هو فى الجمهرة».

(٣) ا ، ب : «فأبطل» وما أثبت عن القاموس.

(٤) الآية ٤٩ سورة سبأ

(٥) الآية ٨ سورة الأنفال

(٦) الآية ٤٢ سورة فصلت

٢٥٢

(إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ)(١) ، وبمعنى الإحباط : (لا تُبْطِلُوا (٢) صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) ، (وَلا تُبْطِلُوا (٣) أَعْمالَكُمْ) وبمعنى الكفر والشّرك : (وَقُلْ جاءَ (٤) الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) ، وبمعنى الصّنم ، (وَالَّذِينَ (٥) آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ) أى بالصّنم ، أو بإبليس ، وبمعنى الظّلم والتعدّى : (وَلا تَأْكُلُوا (٦) أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) أى بالظّلم.

__________________

(١) الآية ٤٨ سورة العنكبوت

(٢) الآية ٢٦٤ سورة البقرة

(٣) الآية ٣٣ سورة محمد

(٤) الآية ٨١ سورة الاسراء

(٥) الآية ٥٢ سورة العنكبوت

(٦) الآية ١٨٨ سورة البقرة

٢٥٣

٣٦ ـ بصيرة فى البطن

وهو خلاف الظّهر ـ والجمع أبطن ، وبطون ، وبطنان ، ـ والجماعة دون القبيلة ، أو دون الفخذ ، وفوق العمارة. والجمع أبطن وبطون. والبطن : جوف كلّ شىء. ورجل بطين : عظيم البطن ، وبطن ـ ككتف ـ : همّه بطنه ، أو رغيب لا ينتهى عن الأكل. ويقال لما تدركه الحاسّة : ظاهر ، ولما يخفى عنها : باطن ؛ قال تعالى : (وَذَرُوا (١) ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) ورجل مبطّن : خميص البطن ، وبطن ـ كعنى ـ أصيب بطنه ، فهو مبطون أى عليل البطن. والبطانة : خلاف الظّهارة. ويستعار البطانة لمن تختصّه بالاطّلاع على باطن أمرك. قال تعالى : (لا تَتَّخِذُوا (٢) بِطانَةً) أى مختصّا بكم : يستبطن أموركم. وذلك استعارة من بطانة الثوب ، بدلالة قولهم : لبست فلانا إذا اختصصته ، وفلان شعارى ودثارى. وفى الصّحيح عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ما بعث (٣) الله من نبىّ ولا استخلف خليفة إلّا كانت له بطانتان : بطانة تأمره بالخير ، وتحضّه عليه ، وبطانة تأمره بالشّرّ ، وتحثّه عليه).

والظّاهر ، والباطن فى صفة الله ـ تعالى ـ لا يقال (٤) إلّا مزدوجين ؛ كالأوّل والآخر. والظّاهر قيل : إشارة إلى معرفتنا البديهيّة ؛ فإنّ الفطرة

__________________

(١) الآية ١٢٠ سورة الأنعام

(٢) الآية ١١٨ سورة آل عمران

(٣) رواه البخارى كما فى الترغيب والترهيب ٢ / ٩٦

(٤) كذا ، والمراد : لا يقال كل منهما

٢٥٤

تقتضى فى كلّ ما نظر إليه الإنسان أنّه موجود ؛ كما قال ـ تعالى ـ : (وَهُوَ الَّذِي (١) فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ). ولذلك قال بعض الحكماء : مثل طالب معرفته مثل من طوّف الآفاق فى طلب ما هو معه. والباطن إشارة إلى معرفته الحقيقية. وهى الّتى أشار إليها أبو بكر الصّدّيق ـ رضى الله تعالى عنه ـ بقوله : يا من غاية معرفته ، القصور عن معرفته. وقيل : ظاهر بآياته ، باطن بذاته ، وقيل : ظاهر بأنّه محيط بالأشياء ، مدرك لها ، باطن من (٢) أن يحاط به ؛ كما قال : (لا تُدْرِكُهُ (٣) الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ). وقد روى عن أمير المؤمنين علىّ ـ رضى الله عنه ـ ما دلّ على تفسير اللفظتين ، حيث قال : تجلّى لعباده من غير أن رأوه ، وأراهم نفسه من غير أن تجلّى لهم. ومعرفة ذلك تحتاج إلى فهم ثاقب ، وعقل وافر. وقوله تعالى : (وَأَسْبَغَ (٤) عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) قيل : الظاهرة بالنبوّة ، والباطنة بالعقل. وقيل (٥) : الظّاهرة : المحسوسات ، والباطنة : المعقولات. وقيل : الظاهرة : النّصرة على الأعداء بالنّاس ، والباطنة : النصرة بالملائكة. وكلّ ذلك يدخل فى عموم الآية. والله أعلم.

__________________

(١) الآية ٨٤ سورة الزخرف

(٢) ا ، ب : «فى» وما أثبت عن الراغب

(٣) الآية ١٠٣ سورة الأنعام

(٤) الآية ٢٠ سورة لقمان

(٥) فى ا ، ب بعده : «على الأعداء بالناس» ولا مكان لها هنا. وما أثبت وفق ما فى الراغب

٢٥٥

٣٧ ـ بصيرة فى البطء

بطؤ ـ ككرم ـ بطأ ـ بالضمّ ـ ، وبطاء ـ ككتاب ـ ، وأبطأ ، وتباطأ : واستبطأ : تأخّر عن الانبعاث فى الأمر. وأبطئوا إذا كانت دوابّهم بطاء وبطّاه وأبطاه : أخّره عن الانبعاث قال ـ تعالى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ (١) لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) أى يثبّط غيره. وقيل : يكثر هو من البطء فى نفسه. والمقصد بذلك : أن منكم من يتأخّر ، ويؤخّر غيره. ولم أفعله بطء يا هذا ، وبطأى يا هذا : أى الدّهر. وبطآن ذا خروجا ـ بالضمّ ، والفتح ـ أى بطؤ.

__________________

(١) الآية ٧٢ سورة النساء

٢٥٦

٣٨ ـ بصيرة فى البعد

وهو ضدّ القرب ، وما لهما حدّ محدود ، وإنّما هو أمر اعتبارىّ. ويستعمل فى المحسوس وفى المعقول ولكن استعماله فى المحسوس أكثر. مثاله فى المعقولة (١) قوله ـ تعالى ـ : (قَدْ (٢) ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) يقال (٣) بعد ـ ككرم ـ : أى تباعد ، فهو بعيد. قال ـ تعالى ـ : (وَما هِيَ (٤) مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).

وبعد بعدا ـ كفرح فرحا : مات. والبعد أكثر ما يقال فى الهلاك ، والبعد والبعد كلاهما يقال فى الهلاك ، وفى ضدّ القرب. قال ـ تعالى ـ : (فَبُعْداً لِلْقَوْمِ (٥) الظَّالِمِينَ). وقوله : (بَلِ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) أى الضلال الذى يصعب الرجوع منه إلى الهدى ؛ تشبيها بمن ضلّ عن محجّة الطّريق بعدا متناهيا ، فلا يكاد يرجى له إليها رجوع ، وقوله : (وَما قَوْمُ (٧) لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) أى تقاربونهم فى الضّلال ، فلا يبعد أن يأتيكم ما أتاهم من العذاب.

__________________

(١) أى فى الأمور المعقولة.

(٢) الآية ١٦٧ سورة النساء.

(٣) ا ، ب : «فقال».

(٤) الآية ٨٣ سورة هود.

(٥) الآية ٤١ سورة المؤمنين.

(٦) الآية ٨ سورة سبأ.

(٧) الآية ٨٩ سورة هود.

٢٥٧

٣٩ ـ بصيرة فى بعض

بعض كلّ شىء : طائفة منه. والجمع أبعاض. ولا يدخله أل خلافا لابن درستويه. بعّضته (١) تبعيضا : جعلته أبعاضا ؛ كجزّأته. وهو من الأضداد : يقال للجزء وللكلّ. قال أبو عبيدة (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ (٢) بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) أى كلّ (٣) ... ؛ كقول الشاعر (٤) :

* أو يرتبط بعض النفوس حمامها*

قيل (٥) : هذا قصور نظر منه. وذلك أنّ الأشياء على أربعة أضرب :

ضرب فى بيانه مفسدة ، فلا يجوز لصاحب الشّريعة بيانه ؛ كوقت القيامة ، ووقت الموت.

وضرب (٦) معقولات يمكن للنّاس إدراكه ، من غير نبىّ ؛ كمعرفة الله ، و (معرفة (٧) خلقه) السّماوات والأرض ، فلا يلزم صاحب (٨) الشرع أن يبيّنه ؛ ألا ترى أنه كيف (٩) أحال معرفته على العقول فى نحو قوله : (قُلِ انْظُرُوا (١٠) ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، وقوله : (أَوَلَمْ (١١) يَتَفَكَّرُوا)

__________________

(١) ا ، ب : «بعضه»

(٢) الآية ٦٣ سورة الزخرف

(٣) فى الراغب : «كل الذى»

(٤) هو لبيد فى معلقته. وصدر البيت

* تراك أمكنة اذا لم أرضها*

(٥) القائل هو الراغب فى المفردات

(٦) بالاضافة. وفى الراغب : «ضرب معقول» على الوصف

(٧) فى الراغب : «معرفته فى خلق».

(٨) ا : «لصاحب»

(٩) سقط فى ب

(١٠) الآية ١٠١ سورة يونس

(١١) الآية ١٨٤ سورة الأعراف والآية ٨ سورة الروم

٢٥٨

وضرب يجب عليه بيانه ؛ كأصول الشرعيّات المختصّة بشرعه.

وضرب يمكن الوقوف عليه بما يبيّنه (١) صاحب الشرع ؛ كفروع الأحكام. فإذا اختلف الناس فى أمر غير الّذى يختصّ بالنبىّ بيانه. فهو مخيّر بين أن يبيّن وبين ألّا يبيّن ، حسبما يقتضيه اجتهاده وحكمته ، وأمّا الشاعر فإنّه عنى نفسه. والمعنى : إلا أن يتداركنى الموت ؛ لكن عرّض ولم يصرّح ؛ تفاديا من ذكر موت نفسه. والبعوض اشتق لفظه من بعض : وذلك لصغر (٢) جسمه ، بالإضافة إلى سائر الحيوانات. وبعضوا : آذاهم البعض (٣) وليلة بعضة ، ومبعوضة ، وأرض بعضة : كثيرة البعوض.

__________________

(١) فى الراغب : «بينه».

(٢) ا ، ب : «تصغير» وما أثبت عن الراغب.

(٣) كذا فى ا ، ب : والبعض جمع بعوض وان كان البعوض جمع بعوضة. وفى اللسان «آذاهم البعوض».

٢٥٩

٤٠ ـ بصيرة فى البعل

وهو الزّوج. والجمع بعال ، وبعول. والمرأة بعل ، وبعلة. وبعل يبعل بعولة : صار بعلا. وكذا استبعل. والبعال ، والتباعل ، والمباعلة : الجماع ، وملاعبة الرّجل المرأة. وباعلت : اتخذت بعلا ، وتبعّلت : أطاعت بعلها ، أو تزيّنت له (١).

وذكر فى القرآن البعل على وجهين :

الأوّل : اسم صنم لقول إلياس (٢) عليه‌السلام : (أَتَدْعُونَ (٣) بَعْلاً).

الثانى : بمعنى الأزواج : (وَبُعُولَتُهُنَ (٤) أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) (وَهذا بَعْلِي (٥) شَيْخاً) وله نظائر.

ولمّا تصوّر من الرّجل استعلاء على المرأة ، وأن بسببه صار سائسها ، والقائم عليها ، شبّه كلّ مستعل على غيره به ، فسمّى به. فسمّى قوم معبودهم الذى يتقرّبون به إلى الله تعالى «بعلا» لاعتقادهم ذلك فيه. وقيل للأرض المستعلية على غيرها : بعل ، ولفحل النخل : بعل ، تشبيها بالبعل من الرّجال ، وكذا سمّوا ما عظم من النخل حتى شرب بعروقه (٦) بعلا ، لاستعلائه واستغنائه عن السّاقى. ولمّا كانت وطأة العالى على المستولى عليه مستثقلة (٧) فى النّفس قيل : أصبح فلان بعلا على أهله أى ثقيلا ، لعلوّه عليهم.

__________________

(١) سقط فى ب.

(٢) ا ، ب : «يونس» والصواب ما أثبت.

(٣) الآية ١٢٥ سورة الصافات.

(٤) الآية ٢٢٨ سورة البقرة.

(٥) الآية ٧٢ سورة هود.

(٦) ا ، ب : «بعروقها» وما أثبت عن الراغب.

(٧) ا ، ب : «مستقلة» وما أثبت عن الراغب.

٢٦٠