بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

٦٣ ـ بصيرة فى الاكنة

وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أوجه :

الأوّل : بمعنى الغطاء : (وَجَعَلْنا (١) عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أى أغطية.

الثّانى : بمعنى الغيران فى الجبال : (وَجَعَلَ لَكُمْ (٢) مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً).

الثالث : بمعنى الإضمار : (أَوْ أَكْنَنْتُمْ (٣) فِي أَنْفُسِكُمْ) أى أضمرتم ، (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُ (٤) صُدُورُهُمْ) أى تضمر.

قال أبو القاسم (٥) الكنّ : ما يحفظ فيه الشيء : كننت الشىء كنّا : جعلته فى كنّ. وخصّ كننت بما يستر ببيت ، أو ثوب ، وغيره : من الأجسام ، قال تعالى : (كَأَنَّهُنَ (٦) بَيْضٌ مَكْنُونٌ) ، وأكننت (٧) بما يستر فى النّفس. والكنان : الغطاء الّذى يكنّ فيه الشيء. والجمع أكنّة ؛ نحو غطاء وأغطية. وقوله تعالى : (إِنَّهُ (٨) لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) قيل : (عنى (٩) به) اللّوح المحفوظ ، وقيل : هو قلوب المؤمنين. وقيل : ذلك إشارة إلى كونه محفوظا عند الله. وسمّيت المرأة (١٠) المتزوجة كنّة ؛ لكونها فى حصن من حفظ زوجها. والكنانة : جعبة غير منقوبة (١١).

__________________

(١) الآية ٢٥ سورة الأنعام.

(٢) الآية ٨١ سورة النحل.

(٣) الآية ٢٣٥ سورة البقرة.

(٤) الآية ٦٩ سورة القصص.

(٥) هو الراغب فى المفردات.

(٦) الآية ٤٩ سورة الصافات.

(٧) الفرق الذى ذكره غير متفق عليه فى اللغة. ففى التاج : «وقال أبو زيد : كننته وأكننته بمعنى فى الكن والنفس جميعا. تقول : كننت العلم وأكننته فهو مكنون ومكن. وكننت الجارية وأكننتها فهى مكنونة ومكنة.

(٨) الآيتان ٧٧ ، ٧٨ سورة الواقعة.

(٩) أ : «غادية» وب : «عادته» وما أثبت عن الراغب.

(١٠) فى القاموس أن الكنة امرأة الابن أو الأخ.

(١١) فى الراغب : «مشقوقة». وعبارة القاموس : «وكنانة السهام : جعبة من جلد لا خشب فيها أو بالعكس» ولا ذكر لعدم النقب أو الشق ، ولكن الراغب ذكر ذلك ليتهيأ لها أن تستر السهام فيأتى معنى الكن.

١٦١

٦٤ ـ بصيرة فى الآل

وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أوجه :

الأوّل : بمعنى القوم والتّبع : (وَلَقَدْ جاءَ (١) آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ).

الثانى : بمعنى أهل البيت والحاضرين من أهل القوت والنفقة : (إِلَّا آلَ لُوطٍ)(٢).

الثالث : بمعنى القرابة والذرّية الكليّة : (وَآلَ إِبْراهِيمَ (٣) وَآلَ عِمْرانَ) ، (يَرِثُنِي (٤) وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ). وقيل : الآل مقلوب من الأهل ؛ لأنّه يصغّر على أهيل ؛ إلّا أنّه خصّ بالإضافة إلى أعلام النّاطقين ، دون النكرات ، ودون الأزمنة ، والأمكنة. يقال : آل فلان ، ولا يقال : آل رجل ، ولا آل زمان كذا. وموضع كذا ؛ كما يقال : أهل زمان كذا. وقيل : هو فى الأصل اسم الشخص. ويصغر أويلا (٥). ويستعمل فيمن يختصّ بالإنسان (اختصاص ذاته (٦)) ، إمّا بقرابة قريبة ، أو بموالاة.

وآل النبىّ : أقاربه وقيل : المختصّون به من حيث العلم. وذلك أنّ أهل الدّين ضربان : ضرب مختصّ بالعلم المتقن والعمل المحكم. فيقال لهم : آل النبىّ وأمّته. وضرب مختصّون بالعمل على سبيل التقليد.

__________________

(١) الآية ٤١ سورة القمر.

(٢) الآية ٣٤ سورة القمر.

(٣) الآية ٣٣ سورة آل عمران.

(٤) الآية ٦ سورة مريم.

(٥) أ ، ب «أويل» وما أثبت عن الراغب.

(٦) فى الراغب : «اختصاصا ذاتيا» وهى أولى.

١٦٢

ويقال لهم : أمّة محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولا يقال لهم : آل النبىّ. وكلّ آل النبى أمّته ، وليس كلّ أمّته آله. وقيل لجعفر الصّادق : النّاس يقولون : المسلمون كلّهم آل النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : صدقوا وكذبوا. فقيل : ما معناه؟ قال : (كذبوا (١) فى أنّ) الأمّة كافّتهم آله وصدقوا أنّهم (٢) إذا قاموا بشرائط شريعته فهم آله.

ولا يستعمل الآل إلّا فيما شرف ، لا يقال : آل الإسكاف. والآل أيضا : ما أشرف من البعير. والآل : السّراب ، ويؤنّث. وقيل : خاصّ بما فى أوّل النّهار. والآل : الخشب. والآل : أطراف الجبل ونواحيه. والآل : الشّخص. والآل : عمد الخيمة.

__________________

(١) أ : «لدنو قران» وب : «لدنو أقران» والتصحيح من الراغب.

(٢) فى الراغب : «فى أنهم».

١٦٣

٦٥ ـ بصيرة فى الانشاء

وقد ورد على ثلاثة أوجه :

الأوّل : بمعنى الخلق : (ثُمَّ أَنْشَأْنا (١) مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) ، (وَهُوَ الَّذِي (٢) أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ).

الثانى : بمعنى التّربية : (أَوَمَنْ (٣) يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ).

الثالث : بمعنى عبادة اللّيل : (إِنَ (٤) ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً).

وموضوع النّشإ والنّشأة لإحداث الشىء ، وتربيته. منه (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ (٥) النَّشْأَةَ الْأُولى). وسيأتى فى بصيرة نشأ ، إن شاء الله.

__________________

(١) الآية ٣١ من سورة المؤمنين.

(٢) الآية ١٤١ سورة الأنعام.

(٣) الآية ١٨ سورة الزخرف.

(٤) الآية ٦ سورة المزمل.

(٥) الآية ٦٢ سورة الواقعة.

١٦٤

٦٦ ـ بصيرة فى الاطمئنان

وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أوجه :

الأوّل : بمعنى السكون والقرار : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَ (١) قَلْبِي).

الثّانى : بمعنى الميل والرّضا : (وَرَضُوا (٢) بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ (٣) الْمُطْمَئِنَّةُ).

الثالث : بمعنى الإقامة الّتى هى ضدّ السّفر : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا (٤) الصَّلاةَ).

والمادة موضوعة للسّكون بعد الانزعاج. واطمأنّ وتطامن (٥) يتقاربان لفظا ومعنى.

__________________

(١) الآية ٢٦٠ سورة البقرة

(٢) الآية ٧ سورة يونس

(٣) الآية ٢٧ سورة الفجر

(٤) الآية ١٠٣ سورة النساء

(٥) أ : «يطمئن» وب : «يطمأن» وما أثبت عن الراغب

١٦٥

٦٧ ـ بصيرة فى الاستغفار

وقد ورد على ثلاثة أوجه :

الأوّل : بمعنى الرّجوع عن الشرك ، والكفر : (فَقُلْتُ (١) اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) ، (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا (٢) رَبَّكُمْ).

الثّانى : بمعنى الصّلاة : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ (٣) بِالْأَسْحارِ) أى المصلّين.

الثالث : بمعنى طلب غفران الذنوب : (وَاسْتَغْفِرْ (٤) لِذَنْبِكَ) ، (اسْتَغْفِرْ (٥) لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ (٦) رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ). وفى الخبر (من أكثر (٧) الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجا ، ومن كلّ ضيق مخرجا) وفيه : (إنّى (٨) لأستغفر الله فى كلّ يوم سبعين مرّة) وفى لفظ : (أكثر من مائة مرّة).

والغفر لغة : إلباس الشىء ما يصونه عن الدّنس. ومنه قولهم : اغفر ثوبك فى الوعاء. واصبغ ثوبك ؛ فإنّه أغفر للوسخ. والغفران والمغفرة

__________________

(١) الآية ١٠ سورة نوح

(٢) الآية ٣ سورة هود

(٣) الآية ١٧ سورة آل عمران

(٤) الآية ٥٥ سورة غافر والآية ١٩ سورة محمد

(٥) الآية ٨٠ سورة التوبة

(٦) الآية ٣ سورة النصر

(٧) ورد الحديث بلفظ (من لزم الاستغفار) فى مكان (من أكثر الاستغفار) فى الترغيب والترهيب فى كتاب الذكر والدعاء وقال : «رواه أبو داود والنسائى وابن ماجه والحاكم والبيهقى كلهم فى رواية الحكم بن مصعب. وقال الحاكم : «صحيح الاسناد»

(٨) ورد فى الجامع الصغير وصدره : «انه ليغان على قلبى» وفيه أنه فى مسند أحمد وفى غيره.

١٦٦

من الله : هو أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب. وقد يقال : غفر له إذا تجافى (١) عنه فى الظّاهر ، وإن لم يتجاف (٢) عنه فى الباطن ؛ نحو (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا (٣) يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) وسيأتى بسطه فى بصيرة الغفران إن شاء الله.

__________________

(١) أ ، ب : «تخافى» وما أثبت عن الراغب. والمراد بالتجافى عنه الأعراض عن مجازاته

(٢) أ ، ب : «يتخاف» وما أثبت عن الراغب.

(٣) الآية ١٤ سورة الجاثية

١٦٧

٦٨ ـ بصيرة فى الاولى

وهو وارد فى التّنزيل على وجهين :

الأوّل : بمعنى التهديد ، والوعيد : (أَوْلى لَكَ (١) فَأَوْلى) أى قاربه ما يهلكه.

الثانى : بمعنى الأحقّ الأجدر : (النَّبِيُّ أَوْلى (٢) بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وقيل : أولى لك من هذا المعنى أيضا ؛ أى : العقاب أحقّ لك (٣) وأجدر. وقيل : معناه : قربك الشّر فاحذره. وتثنيته أوليان. وجمعه : أولون على قياس أعلون.

__________________

(١) الآية ٣٤ سورة القيامة

(٢) الآية ٦ سورة الأحزاب

(٣) كذا فى أ ، ب. والمناسب : (بك) ..

١٦٨

٦٩ ـ بصيرة فى الافواه

وقد ورد فى القرآن على معنيين :

الأوّل : بمعنى اللّسان : (يَقُولُونَ (١) بِأَفْواهِهِمْ).

الثّانى : بمعنى الفم : (فَرَدُّوا (٢) أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) وقال :

لا أوالى أحدا ذا بدعة

لا ولا من كان من أشباههم

لو أمت بينهم من عطش

ما شربت الماء من أمواههم

لا تلمنى صاحبى فى ذاك قد

بدت البغضاء من أفواههم

والأفواه جمع فم وأصل فم فوه. وكلّ موضع علّق الله (فيه) حكم القول بالفم فإشارة إلى الكذب ، وتنبيه على أنّ الاعتقاد لا يطابقه. قال ـ تعالى ـ (ذلِكَ (٣) قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) ومن ذلك فوّهة الطّريق ؛ كقولهم : فم النّهر.

قال ابن سيده : الفاه ، والفوه ، والفيه ، والفم سواء. والجمع أفواه ، وأفمام ـ ولا واحد (٤) لها ـ لأنّ فما أصله فوه (٥) ، حذفت الهاء كما حذفت من سنة ، وبقيت الواو طرفا متحرّكة ، فوجب إبدالها ألفا لانفتاح

__________________

(١) الآية ١٦٧ سورة آل عمران

(٢) الآية ٩ سورة ابراهيم

(٣) الآية ٣٠ سورة التوبة

(٤) يريد أن أفماما لا واحد لها من لفظها ، فأما فم ـ بالتشديد ـ فمع وروده يجعل عارضا ليس لغة أصيلة. وانما أصله الوقف بتضعيف الميم فاستبقى فى الوصل اجراء للوصل مجرى الوقف. وراجع اللسان.

(٥) بالتحريك ، كما هو مقتضى تصريفه الآتى. وفى التاج أن البصريين ـ ومنهم ابن جنى يرون ان الواو ساكنة فى الأصل

١٦٩

ما قبلها ، فبقى «فا» ولا يكون الاسم على حرفين أحدهما التنوين (١) ، فأبدل مكانها حرف جلد مشاكل لها ـ وهو الميم ـ لأنّهما شفهيّتان ، وفى الميم هوىّ فى الفم ، يضارع امتداد الواو. ويقال فى تثنيتها : فمان ، وفميان ، وفموان. ورجل مفوّه ، وفيّه : منطيق. وتفاوهوا به : تكلّموا. واستفاه استفاهة واستفاها : اشتدّ أكله ، وشربه.

__________________

(١) فى التاج : «هكذا هو نص المحكم. قال شيخنا : الصواب : أحدهما الألف» وذلك أن الذى انقلبت اليه الواو هو الألف ، وهو ان كان يحذف فى الوصل لالتقاء الساكنين فهو فى حكم الموجود ، والتنوين عارض لا يعد فى الكلمة.

١٧٠

٧٠ ـ بصيرة فى الارادة

وقد ورد فى القرآن على وجوه كثيرة بحسب إرادة المريدين. وهى منقولة من راد يرود : إذا سعى فى طلب شىء.

والإرادة فى الأصل : قوّة مركّبة من شهوة ، وحاجة ، وأمل. وجعل اسما لنزوع النّفس إلى الشىء مع الحكم فيه بأنه ينبغى أن يفعل أولا يفعل. ثمّ يستعمل مرّة فى المبدإ (١) ، وهو نزوع النفس إلى الشىء ، وتارة فى المنتهى ، وهو الحكم فيه بأنّه ينبغى أن يفعل أو لا يفعل. فإذا استعمل فى الله تعالى فإنه يراد به المنتهى دون المبدإ (٢). فإنّه يتعالى عن (٣) معنى النزوع. فمتى قيل : إن (٤) أراد الله كذا فمعناه حكم فيه أنّه كذا ، أو ليس بكذا.

وقد يذكر الإرادة ويراد بها الأمر ؛ كقوله : أريد منك كذا أى آمرك به. ومنه (يُرِيدُ (٥) اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) وقد يذكر ويراد به القصد ؛ نحو قوله تعالى (نَجْعَلُها (٦) لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) أى لا يقصدونه ويبطلونه. والمراودة : أن تنازع غيرك فى الإرادة ، فتريد غير ما يريده ، أو ترود غير ما يروده. والإرادة قد تكون بحسب القوة التسخيريّة ، والحسّيّة ؛ كما تكون بحسب القوّة الاختيارية. ولذلك (٧) يستعمل فى الجماد ، وفى الحيوان ، نحو قوله تعالى : (جِداراً يُرِيدُ (٨) أَنْ يَنْقَضَّ). وتقول فرسى يريد (٩) الشعير.

__________________

(١) أ : «المبتدأ» وما أثبت عن ب والراغب.

(٢) أ : «المبتدأ» وما أثبت عن ب والراغب.

(٣) أ : «من»

(٤) سقط «ان» فى الراغب. وهو أولى.

(٥) الآية ١٨٥ سورة البقرة

(٦) الآية ٨٣ سورة القصص

(٧) أ : «كذلك»

(٨) الآية ٧٧ سورة الكهف

(٩) فى الراغب : «تريد» والفرس يأتى للذكر والأنثى

١٧١

٧١ ـ بصيرة فى الاخلاص

وقد ورد فى القرآن على وجوه :

الأوّل : قال فى حقّ الكفّار عند مشاهدتهم البلاء : (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ (١) لَهُ الدِّينَ).

الثانى : فى أمر المؤمنين : (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ (٢) لَهُ الدِّينَ).

الثّالث : فى أنّ المؤمنين لم يؤمروا إلّا به : (وَما أُمِرُوا إِلَّا (٣) لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ).

الرّابع : فى حقّ الأنبياء (إِنَّا (٤) أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ).

الخامس : فى المنافقين إذا تابوا : (وَأَخْلَصُوا (٥) دِينَهُمْ لِلَّهِ).

السّادس : أنّ الجنّة لم تصلح إلّا لأهله : (إِلَّا عِبادَ (٦) اللهِ الْمُخْلَصِينَ).

السّابع : لم ينج من شرك تلبيس إبليس إلّا أهله (٧) : (إِلَّا عِبادَكَ (٨) مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ). وقيل : الناس كلّهم هلكى إلّا العالمون. والعالمون كلّهم موتى إلّا العاملون ، والعاملون كلّهم حيارى إلّا المخلصون. والمخلصون على خطر

__________________

(١) الآية ٢٢ سورة يونس

(٢) الآية ٦٥ سورة غافر

(٣) الآية ٥ سورة البينة

(٤) الآية ٤٦ سورة ص

(٥) الآية ١٤٦ سورة النساء

(٦) الآية ٤٠ سورة الصافات

(٧) أ ، ب : «لأهله»

(٨) الآية ٨٣ سورة ص

١٧٢

عظيم. وفى الأحاديث القدسيّة (الإخلاص (١) سرّ من سرّى استودعته قلب من أحببته من عبادى).

وإخلاص المسلمين : أنّهم تبرّءوا ممّا يدّعيه اليهود : من التشبيه ، والنّصارى : من التّثليث. فحقيقة الإخلاص : التعرّى من دون الله. و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) سمّيت سورة الإخلاص ؛ لأنّها خالص التّوحيد ، وسبب خلاص أهله.

__________________

(١) ورد هذا الحديث فى الرسالة القشيرية فى ترجمة الاخلاص ، وذكر سنده

١٧٣

٧٢ ـ بصيرة فى أولو

وهذه الكلمة جمع لا واحد له من لفظه. وقيل : اسم جمع ، واحده ذو ، وأولات للإناث واحدها ذات.

وأولى (١) جمع ويمدّ. ولا واحد له من لفظه. وقيل : واحده ذا للمذكر وذه للمؤنّث. ويدخل ها التنبيه : هؤلاء ، وكاف الخطاب : أولئك ، أولالك ، ألّاك ، مشدّدة لغة. قال :

«ما بين ألّاك إلى ألّاكا»

وأولو وأولات وأولى (٢) قد ورد فى خمسة (٣) عشر موضعا من القرآن : (أُولاتُ (٤) الْأَحْمالِ) (أُولِي (٥) الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) (ذَرْنِي (٦) وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ) ، (اسْتَأْذَنَكَ (٧) أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ) (نَحْنُ أُولُوا (٨) قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ) (لَتَنُوأُ (٩) بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) (سَتُدْعَوْنَ (١٠) إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) (وَأُولِي (١١) الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (وَأُولُوا الْعِلْمِ)(١٢)(إِنَّ فِي ذلِكَ (١٣) لَآياتٍ

__________________

(١) أى الاشارية

(٢) سقط فى أ.

(٣) كذا. والذى أورده ثمانية عشر

(٤) الآية ٤ سورة الطلاق

(٥) الآية ٣١ سورة النور

(٦) الآية ١١ سورة المزمل

(٧) الآية ٨٦ سورة التوبة

(٨) الآية ٣٣ سورة النمل

(٩) الآية ٧٦ سورة القصص

(١٠) الآية ١٦ سورة الفتح

(١١) الآية ٥٩ سورة النساء

(١٢) الآية ١٨ سورة آل عمران

(١٣) الآية ٥٤ سورة طه

١٧٤

لِأُولِي النُّهى) (وَإِذا حَضَرَ (١) الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى) (أُولِي (٢) الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) (أُولِي (٣) أَجْنِحَةٍ) (وَأُولُوا (٤) الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ (٥) اللهُ) (وَاتَّقُونِ (٦) يا أُولِي الْأَلْبابِ) (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي (٧) الْأَبْصارِ). (فَاعْتَبِرُوا (٨) يا أُولِي الْأَبْصارِ).

__________________

(١) الآية ٨ سورة النساء

(٢) الآية ٤٥ سورة ص

(٣) الآية ١ سورة فاطر

(٤) الآية ٧٥ سورة الأنفال

(٥) الآية ١٨ سورة الزمر

(٦) الآية ١٩٧ سورة البقرة

(٧) الآية ٤٤ سورة النور

(٨) الآية ٢ سورة الحشر

١٧٥

٧٣ ـ بصيرة فى الأبد

وقد ذكر فى اثنى عشر موضعا من التنزيل : (لَنْ نَدْخُلَها (١) أَبَداً ما دامُوا فِيها) ، (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ (٢) أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ (٣) أَبَداً) (ماكِثِينَ (٤) فِيهِ أَبَداً) (وَلَنْ (٥) تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) (ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ (٦) هذِهِ أَبَداً) (فَلَنْ (٧) يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) (ما زَكى مِنْكُمْ (٨) مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) (وَلا نُطِيعُ (٩) فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً) (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ (١٠) الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً) (وَالْمُؤْمِنُونَ (١١) إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) (فَإِنَّ لَهُ (١٢) نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) (خالِدِينَ فِيها أَبَداً (١٣) رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).

والأبد : عبارة عن مدّة الزّمان الممتدّ الّذى لا يتجزّأ كما يتجزّأ الزمان. وذلك أنّه يقال : زمان كذا ، ولا يقال أبد كذا. وكان حقّه ألّا يثنى ولا يجمع ، إذ لا يتصوّر حصول أبد آخر يضمّ إليه ، فيثنى ، ولكن قد قيل آباد. وذلك على حسب تخصيصه فى بعض ما يتناوله ؛ كتخصيص اسم الجنس فى بعضه ثمّ يثنى ، ويجمع. على أنّ بعض النّاس ذكر أنّ (آباد) مولّد ، وليس من الكلام العربىّ الفصيح. وأبد آبد ، وأبيد أى دائم. وذلك على التأكيد. وتأبّد الشّيء : بقى أبدا.

__________________

(١) الآية ٢٤ سورة المائدة

(٢) الآية ٩٥ سورة البقرة

(٣) الآية ٧ فى سورة الجمعة

(٤) الآية ٣ سورة الكهف

(٥) الآية ٢٠ سورة الكهف

(٦) الآية ٣٥ سورة الكهف

(٧) الآية ٥٧ سورة الكهف

(٨) الآية ٢١ سورة النور

(٩) الآية ١١ سورة الحشر

(١٠) الآية ٤ سورة الممتحنة

(١١) الآية ١٢ سورة الفتح.

(١٢) الآية ٢٣ سورة الجن

(١٣) الآية ١١٩ سورة المائدة. هذا وليعلم أنه لم يستوعب مواضع الأبد فى القرآن ، وهى فى المعجم المفهرس ثمانية وعشرون

١٧٦

٧٤ ـ بصيرة فى الاصطفاء

وقد ورد فى التنزيل لثمانية :

الأوّل : لآدم عليه‌السلام : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى (١) آدَمَ).

الثانى : للخليل إبراهيم : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ (٢) فِي الدُّنْيا).

الثالث : للكليم موسى : (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ (٣) عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي).

الرّابع : لجبريل عليه‌السلام : (اللهُ يَصْطَفِي (٤) مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً).

الخامس : لمريم بنت عمران : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ (٥) وَطَهَّرَكِ).

السّادس لجملة الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام : (وَإِنَّهُمْ (٦) عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ).

السّابع لأخيار أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (عَلى عِبادِهِ (٧) الَّذِينَ اصْطَفى).

الثّامن : لسيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ (٨) الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا).

__________________

(١) الآية ٣٣ سورة آل عمران.

(٢) الآية ١٣٠ سورة البقرة.

(٣) الآية ١٤٤ سورة الأعراف.

(٤) الآية ٧٥ سورة الحج.

(٥) الآية ٤٢ سورة آل عمران.

(٦) الآية ٤٧ سورة ص.

(٧) الآية ٥٩ سورة النمل.

(٨) الآية ٣٢ سورة فاطر. وكون الاصطفاء فى الآية للنبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ خاصة غير ظاهر مع قوله : «الذين» وقد فسرت بعلماء الأمة المحمدية أو الأمة جمعاء.

١٧٧

والاصطفاء لغة : تناول صفو الشىء ؛ كما أنّ الاختيار : تناول خيره والاجتباء تناول جبايته أى جملته.

واصطفاء الله بعض عباده قد يكون بإيجاده صافيا عن الشّوب الموجود فى غيره. وقد يكون باعتباره (١) وحكمه ، وإن لم يتعرّ ذلك من الأوّل. واصطفيت كذا على كذا أى اخترته. قال تعالى : (أَصْطَفَى (٢) الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ). والصّفىّ والصّفيّة : ما يصطفيه الرئيس من الغنيمة لنفسه. قال :

لك المرباع منها والصّفايا

وحظّك والنّشيطة والفضول (٣)

__________________

(١) ب : «باختياره».

(٢) الآية ١٥٣ سورة الصافات.

(٣) الشعر لعبد الله بن عنمة الضبى ، كما فى التاج ، وفيه «حكمك» بدل «حظك» والمرباع : ربع الغنيمة ، والنشيطة : ما أصاب من الغنيمة قبل أن يصير الى مجتمع الحى المغار عليه. والفضول : ما لم يقبل القسمة من الغنيمة كالبعير والفرس.

١٧٨

٧٥ ـ بصيرة فى الادنى

وقد ورد على أربعة أحوال. الأوّل بمعنى الأجدر الأحرى : (أَقْوَمُ (١) لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا).

الثانى : بمعنى القرب : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ (٢) مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) أى الأقرب.

الثالث : بمعنى القلّة : (وَلا أَدْنى (٣) مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ) أى ولا أقلّ.

الرّابع : بمعنى الأدون الأخسّ : (أَتَسْتَبْدِلُونَ (٤) الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ).

والدنوّ (القرب (٥) بالذات ، أو بالحكم. ويستعمل فى الزمان والمكان والمنزلة (قِنْوانٌ (٦) دانِيَةٌ) ، وأمّا (دَنا فَتَدَلَّى)(٧) فهو بالحكم. قال (٨) :

دنوت تواضعا وعلوت قدرا

فشأناك انحدار وارتفاع

كذاك الشمس تبعد أن تسامى

ويدنو الضوء منها والشعاع

__________________

(١) الآية ٢٨٢ سورة البقرة

(٢) الآية ٢١ سورة السجدة

(٣) الآية ٧ سورة المجادلة

(٤) الآية ٦١ سورة البقرة

(٥) سقط ما بين القوسين فى ا

(٦) الآية ٩٩ سورة الأنعام

(٧) الآية ٨ سورة النجم

(٨) أى البحترى فى مدح ابراهيم بن المدبر. انظر الديوان ١ / ١٤٧ ط الجوائب.

١٧٩

٧٦ ـ بصيرة فى افلح

أصل المادّة للشقّ. وسمّى الفلّاح لكونه يشقّ الأرض. وفى المثل : الحديد بالحديد يفلح. والفلاح : الظفر ، والفوز بالبغية. وذلك ضربان : دنيوىّ ، وأخروىّ.

فالدّنيوى : نيل الأسباب الّتى بها تطيب الحياة. وهى البقاء ، والغنى ، والعزّ.

والأخروىّ : أربعة أشياء : بقاء بلا فناء ، وغنى بلا فقر ، وعزّ بلا ذلّ وعلم بلا جهل. لذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (اللهمّ لا عيش (١) إلا عيش الآخرة).

وقد وعد الفلاح فى القرآن لأربعة عشر :

الأوّل للمتقين : (وَأُولئِكَ (٢) هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

الثّانى : لدعاة الخير : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ (٣) أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) إلى قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

الثالث : لأتباع خاتم المرسلين : (وَاتَّبَعُوا (٤) النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

__________________

(١) ورد فى الجامع الصغير ، أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم.

(٢) الآية ٥ سورة البقرة.

(٣) الآية ١٠٤ سورة آل عمران.

(٤) الآية ١٥٧ سورة الأعراف.

١٨٠