بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

الخامس والعشرون المسيح : المنديل الأخشن. والمنديل ما يمسك للنّدل ، وهو الوسخ ، سمّى به لاتّساخه بدرن الكفر والشرك.

السّادس والعشرون المسح : الكساء الغليظ من الشعر ، يفرش فى البيت : سمّى به لذلّته ، وهوانه ، وابتذاله.

السّابع والعشرون المسحاء : الأرض الّتى لا نبات فيها. وقال ابن شميل : الأرض الجرداء الكثيرة الحصى ، لا شجر بها ، ولا تنبت ، غليظة جدّا. وكذلك المكّار الأمسح ، سمّى به لعدم خيره وعظم ضيره.

الثامن والعشرون المسيح فى اللّغة : الأعور.

التّاسع والعشرون التمسح : دابّة بحريّة كثيرة الضّرر على سائر دوابّ البحر ، سمّى به لضرّه وإيذائه.

الثلاثون مسح سيفه إذا استلّه من غمده ، سمّى به لشهره سيوف البغى والطغيان.

الحادى والثلاثون المسيح والأمسح : من به عيب فى باطن فخذيه ، وهو اصطكاك إحداهما بالأخرى ، سمّى به لأنّه معيوب بكلّ عيب قبيح.

الثانى والثلاثون رجل أمسح وامرأة مسحاء وصبىّ ممسوح إذا لزقت أليتاه بالعظم. وهو عيب أيضا.

الثالث والثلاثون يمكن أن يكون المسيح الدّجال من قولهم : جاء فلان يتمسّح أى لا شىء معه كأنّه يمسح ذراعه. وذلك لإفلاسه من كلّ خير وبركة.

الرّابع والثلاثون يمكن أن يكون المسيح كلمة الله من قولهم : فلان

١٤١

يتمسّح به أى يتبرّك به ؛ لفضله وعبادته ؛ كأنّه يتقرّب إلى الله تعالى بالدّنوّ منه. قاله الأزهرى.

الخامس والثلاثون : لأنّه كان لا يمسح ذا عاهة إلّا برئ ولا ميّتا إلّا أحيا ، فهو بمعنى ماسح.

السّادس والثلاثون قال إبراهيم النخعىّ ، والأصمعىّ ، وابن الأعرابىّ : المسيح : الصّدّيق.

السّابع والثلاثون عن ابن عبّاس سمّى مسيحا ؛ لأنّه كان أمسح الرّجل ، لم يكن لرجله أخمص ، والأخمص : ما لا يمسّ الأرض من باطن الرّجل.

الثامن والثلاثون سمّى به ، لأنّه خرج من بطن أمّه كأنّه ممسوح الرأس.

التاسع والثلاثون ؛ لأنّه مسح عند ولاده بالدّهن.

الأربعون قال الإمام أبو اسحاق الحربىّ فى غريبه الكبير : هو اسم خصّه الله تعالى به ، أو لمسح زكريّا إيّاه.

الحادى والأربعون سمّى به لحسن وجهه. والمسيح فى اللغة : الجميل الوجه.

الثانى والأربعون المسيح فى اللغة : عرق الخيل وأنشدوا :

* إذا الجياد فضن بالمسيح*

الثالث والأربعون المسيح : السّيف ، قاله أبو عمر (١) المطرّز. ووجه التّسمية ظاهر.

الرابع والأربعون المسيح المكارى.

__________________

(١) ا ، ب : «عمرو» والصواب ما أثبت ، وهو محمد بن عبد الواحد المعروف بغلام ثعلب ، وانظر البغية.

١٤٢

الخامس والأربعون المسح : الجماع. مسح المرأة : جامعها قاله ابن فارس.

السّادس والأربعون قال أبو نعيم فى كتابه دلائل النبوّة : سمّى ابن مريم مسيحا ؛ لأنّ الله تعالى مسح الذنوب عنه.

السّابع والأربعون قاله أبو نعيم فى الكتاب المذكور : وقيل سمّى مسيحا لأنّ جبريل مسحه بالبركة وهو قوله تعالى : (وَجَعَلَنِي (١) مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ)

الثامن والأربعون المسيح القسىّ الواحدة مسيحة ؛ سمّى به لقوّته ، وشدّته ، واعتداله ، ومعدلته.

التّاسع والأربعون يمكن أن يكون من المسح بالكسر ، وهو الطّريق المستقيم ؛ لأنّه سالكها. قال الصّغانى : المسوح الطرق الجادّة ، الواحدة مسح يعنى بالكسر. وقال قطرب : مسح الشىء إذا قال له : بارك الله عليك. الخمسون قال ابن دريد : هو اسم سمّاه الله به ، لا أحبّ أن أتكلّم فيه.

الحادى والخمسون قال أبو القاسم الراغب : سمّى الدّجال مسيحا ؛ لأنّه قد مسحت عنه القوة المحمودة : من العلم ، والعقل ، والحلم ، والأخلاق الجميلة ، وإنّ عيسى قد مسحت عنه القوة الذميمة : من الجهل والشره ، والحرص ، وسائر الأخلاق الذميمة.

الثانى والخمسون سمّى به ؛ للبسه المسح أى البلاس (٢) الأسود.

الثالث والخمسون المسيح : هو الّذى مسحت إحدى عينيه. وقد

__________________

(١) الآية ٣١ سورة مريم

(٢) هو الكساء

١٤٣

روى أنّ الدّجال كان ممسوح اليمنى ، وأنّ عيسى كان ممسوح اليسرى. قاله الرّاغب. والله أعلم.

الرابع والخمسون قيل : لأنّه كان يمشى على الماء ؛ كمشيه على الأرض.

الخامس والخمسون المسيح : الملك (١). وهذان القولان عن المعينى فى تفسيره.

السّادس والخمسون سمّى به ؛ لأنّه كان صدّيقا. وقيل : لمّا مشى عيسى على الماء قال له الحواريّون : بم بلغت ما بلغت؟ قال : تركت الدنيا لأهلها ، فاستوى عندى برّ الدّنيا وبحرها :

سر فى بلاد الله سيّاحا

وكن على نفسك نوّاحا

وامش بنور الله فى أرضه

كفى بنور الله مصباحا

__________________

(١) يوافق هذا ما ذكره الشدياق فى الجاسوس ص ٤٩ أن اليهود كان من عادتهم اذا ملكوا عليهم ملكا أن يمسحوه بالدهن ، فلهذا كان يسمى مسيحا ، وقد أطلق هذا على عيسى عليه‌السلام من آمن به اذ كان ملكه سماويا.

١٤٤

٥١ ـ بصيرة فى الاختيار

وقد جاء فى التنزيل على أربعة أوجه :

الأوّل : اختيار فضل وهداية : (وَلَقَدِ (١) اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ).

الثانى : اختيار سفر وصحبة : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ ٢) سَبْعِينَ رَجُلاً).

الثالث : اختيار نبوّة ورسالة : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ (٣) فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى).

الرابع : اختيار مدحة وخاصّة : (وَرَبُّكَ (٤) يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ).

قال الشاعر :

الربّ ذو قدر والعبد ذو ضجر

والدهر ذو دول والرزق مقسوم

والخير أجمع فيما اختار خالقنا

وفى اختيار سواه الشوم واللوم

والاختيار فى الأصل : طلب ما هو خير وفعله.

وقد يقال لما يراه الإنسان خيرا وإن لم يكن خيرا. وأمّا (٥) قوله (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) يصحّ أن يكون إشارة إلى إيجاده تعالى (إياهم) (٦) خيرا وأن يكون إشارة إلى تقديمهم على غيرهم.

والمختار فى عرف المتكلّمين يقال لكلّ فعل يفعله الإنسان ، لا على سبيل الإكراه. فقولهم : هو مختار فى كذا ليس يريدون به ما يراد بقولهم : فلان له اختيار ؛ فإن الاختيار أخذ ما يراه خيرا. والمختار قد يقال للفاعل ، والمفعول.

__________________

(١) الآية ٣٢ سورة الدخان.

(٢) الآية ١٥٥ سورة الأعراف.

(٣) الآية ١٣ سورة طه.

(٤) الآية ٦٨ سورة القصص.

(٥) سقط فى الراغب. وهو أولى لأنه لم يأت بالفاء فى قوله : «يصح».

(٦) زيادة من الراغب.

١٤٥

٥٢ ـ بصيرة فى الاستقامة

وقد ورد فى التنزيل والسنّة على أربعة أوجه.

الأوّل : بمعنى تبليغ الرّسالة : (فَاسْتَقِمْ (١) كَما أُمِرْتَ) وكذلك (فَادْعُ (٢)وَاسْتَقِمْ)(٣).

الثّانى : بمعنى الدّعاء ، والدّعوة : (قَدْ أُجِيبَتْ (٤) دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما).

الثالث : بمعنى الإقبال على الطّاعة : (استقيموا (٥) ولن تحصوا).

الرّابع : بمعنى الثبات على التوحيد والشهادة : (إِنَّ الَّذِينَ (٦) قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا).

والاستقامة يقال فى الطّريق الّذى يكون على خطّ مستقيم (٧) وبه شبّه طريق الحقّ ؛ نحو (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) واستقامة الإنسان لزومه للمنهج المستقيم.

__________________

(١) الآية ١١٢ سورة هود.

(٢) الآية ١٥ سورة الشورى.

(٣) ما بين القوسين سقط فى ا.

(٤) الآية ٨٩ سورة يونس.

(٥) تقدم الكلام على هذا الحديث.

(٦) الآية ٣٠ سورة فصلت والآية ١٣ سورة الأحقاف.

(٧) فى الراغب : «مستو»

١٤٦

٥٣ ـ بصيرة فى الاصحاب

وقد ورد فى التنزيل على خمسة أوجه :

الأوّل : بمعنى الجنسيّة : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ)(١) ، و (ما بِصاحِبِكُمْ (٢) مِنْ جِنَّةٍ) أى بالذى هو من جنسكم.

الثّانى : بمعنى حقيقة الصّحبة : (إِذْ يَقُولُ (٣) لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ) يعنى أبا بكر فى الغار.

الثّالث : بمعنى : (السكون (٤) والفراغة) (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ (٥) الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) أى ساكنيها ومنه (وَأَنَ (٦) الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) ، (لا يَسْتَوِي (٧) أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) أى سكّانهما.

الرّابع : بمعنى المرافقة والموافقة (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ (٨) وَالرَّقِيمِ).

الخامس : بمعنى التصرّف والاستيلاء : (وَما جَعَلْنا (٩) أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) أى الموكّلين بها المتصرّفين فيها.

والأصل فيه أنّ الصّاحب : هو الملازم ، إنسانا كان ، أو حيوانا ، أو مكانا ، أو زمانا. ولا فرق بين أن يكون مصاحبته بالبدن ـ وهو الأصل

__________________

(١) الآية ٢٢ سورة التكوير.

(٢) الآية ٤٦ سورة سبأ.

(٣) الآية ٤٠ سورة التوبة.

(٤) وكذا. والمناسب : السكنى والفراغ. فان معنى أصحاب الجنة الساكنوها فى فراغ بال. أما الفراغة فهى الجزع والقلق.

(٥) الآية ٥٥ سورة يس.

(٦) الآية ٤٣ سورة غافر.

(٧) الآية ٢٠ سورة الحشر.

(٨) الآية ٩ سورة الكهف.

(٩) الآية ٣١ سورة المدثر.

١٤٧

والأكثر ـ ، أو بالعناية ، والهمّة. ولا يقال (فى العرف إلا لمن كثر ملازمته (١) ويقال) لمالك الشىء : هو صاحبه. وقد يضاف الصّاحب إلى مسوسه ؛ نحو صاحب الجيش (٢) ، وإلى سائسه ، نحو صاحب الأمير.

والمصاحبة والاصطحاب أبلغ من الاجتماع ؛ لأنّ المصاحبة تقتضى طول لبثه. (٣) وكلّ اصطحاب اجتماع ، وليس كلّ اجتماع اصطحابا.

والإصحاب للشيء : الانقياد له. وأصله أن يصير له صاحبا. ويقال. أصحب فلان : إذا كبر ابنه ، فصار صاحبه ، وأصحب فلان فلانا : جعله صاحبا له ؛ قال تعالى : (وَلا هُمْ (٤) مِنَّا يُصْحَبُونَ) أى لا يكون لهم من جهتنا ما يصحبهم : من سكينة ، وروح ، وتوفيق ، ونحو ذلك ممّا يصحبه أولياءه.

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٢) أ ، ب : «الجنس» وما أثبت عن الراغب.

(٣) أى لبث الصاحب. والأولى : «لبث».

(٤) الآية ٤٣ سورة الأنبياء.

١٤٨

٥٤ ـ بصيرة فى الاذان

وقد ورد فى التنزيل على أربعة أوجه (١) :

الأوّل : أذان العقوبة والبراءة : (وَأَذانٌ (٢) مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) إلى قوله : (بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

الثانى : أذان السّرقة والخيانة : (ثُمَّ أَذَّنَ (٣) مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ).

الثالث : أذان الطّرد واللّعنة : (فَأَذَّنَ (٤) مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ).

الرّابع : أذان السنّة والشريعة : (وَأَذِّنْ فِي (٥) النَّاسِ بِالْحَجِّ).

والأذن والأذان : (الإصغاء (٦)) لما يسمع. ويعبّر بذلك عن العلم ، إذ هو مبدأ كثير من العلم. وأذّنته وآذنته بمعنى. والمؤذّن : كلّ من تكلّم (٧) بشيء نداء. والأذين : المكان الذى يأتيه الأذان. وأذن كفرح ـ استمع.

__________________

(١) فى ب على «أوجه» وكتب فى الهامش «أنحاء».

(٢) الآية ٣ سورة التوبة.

(٣) الآية ٧٠ سورة يوسف.

(٤) الآية ٤٤ سورة الأعراف.

(٥) الآية ٢٧ سورة الحج.

(٦) زيادة اقتضاها السياق. وقد سقطت من المفردات المطبوعة على هامش النهاية.

(٧) كذا فى أ ، ب. وفى الراغب : «أعلم» وهو المناسب.

١٤٩

٥٥ ـ بصيرة فى الايمان

وقد ورد فى التنزيل على خمسة أوجه :

الأوّل : بمعنى إقرار اللّسان : (ذلِكَ (١) بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) أى آمنوا باللسان ، وكفروا بالجنان.

الثّانى : بمعنى التصديق فى السرّ والإعلان : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا (٢) وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ).

الثالث : بمعنى التوحيد وكلمة الإيمان : (وَمَنْ يَكْفُرْ (٣) بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) أى بكلمة التّوحيد.

الرّابع : إيمان فى ضمن شرك المشركين أولى الطّغيان : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ (٤) إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ). وقولنا : إيمان فى ضمن الشّرك هو معنى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ (٥) مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ).

الخامس : بمعنى الصّلاة : (وَما كانَ (٦) اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ).

قال أبو القاسم : الإيمان يستعمل تارة اسما للشريعة الّتى جاء بها محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَ (٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) ويوصف به كلّ من دخل فى شريعته ، مقرّا بالله وبنبوّته. وتارة يستعمل على سبيل المدح ،

__________________

(١) الآية ٣ سورة المنافقون.

(٢) الآية ٧ سورة البينة.

(٣) الآية ٥ سورة المائدة.

(٤) الآية ١٠٦ سورة يوسف.

(٥) الآية ٨٧ سورة الزخرف.

(٦) الآية ١٤٣ سورة البقرة.

(٧) الآية ٦٢ سورة البقرة.

١٥٠

ويراد به إذعان النفس للحقّ على سبيل التّصديق. وذلك باجتماع ثلاثة أشياء : تحقيق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بحسب ذلك بالجوارح. ويقال لكلّ واحد من الاعتقاد ، والقول الصّدق ، والعمل الصّالح : إيمان. (إلّا (١) أن الإيمان هو التصديق الذى معه الأمن). وقوله تعالى : (يُؤْمِنُونَ (٢) بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) مذكور على سبيل الذمّ لهم ، وأنه قد حصّل لهم الأمن بما لا يحصل به الأمن ؛ إذ ليس من شأن القلب ـ ما لم يكن مطبوعا عليه ـ أن يطمئن إلى الباطل. وهذا كما يقال : إيمانه الكفر ، وتحيّته القتل.

ورجل أمنة ، وأمنة : يثق بكلّ واحد ، وأمين ، وأمّان : يؤمن به والأمون : النّاقة الّتى يؤمن فتورها وعثارها.

__________________

(١) زيادة من الراغب

(٢) الآية ٥١ سورة النساء

١٥١

٥٦ ـ بصيرة فى الامانة

وقد وردت فى القرآن على خمسة أوجه :

الأوّل فى الدّين والدّيانة : (وَتَخُونُوا (١) أَماناتِكُمْ).

الثانى فى المال والنّعمة : (وَلا تَكُنْ (٢) لِلْخائِنِينَ خَصِيماً).

الثالث : فى الشرع والسنّة : (وَإِنْ (٣) يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) أى إن تركوا الأمانة فى السّنّة فقد تركوها فى الفريضة.

الرّابع : الخيانة : بمعنى الزّنى (وَأَنَ (٤) اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) أى الزّانين.

الخامس : بمعنى نقض العهد والبيعة : (وَإِمَّا تَخافَنَ (٥) مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) أى نقض عهد. هذا تفصيل الخيانة فى الأمانة.

ويرد الأمانة على ثلاثة (٦) أوجه :

الأوّل : بمعنى الفرائض : (إِنَّا عَرَضْنَا (٧) الْأَمانَةَ).

الثّانى : بمعنى العفّة والصّيانة : (إِنَّ خَيْرَ مَنِ (٨) اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).

__________________

(١) الآية ٢٧ سورة الأنفال.

(٢) الآية ١٠٥ سورة النساء. ويلاحظ أن هذه الآية وما بعدها ليس فيها لفظ الأمانة بل ضدها وهو الخيانة ، وكان الأجدر به أن يذكرها فى بابها.

(٣) الآية ٧١ سورة الأنفال والتفسير الذى ذكره غير ظاهر فى الآية ، وفى البيضاوى وحاشيته أنها فى أسرى بدر الذين دفعوا الفداء ، وكان ذلك يتضمن ألا يخونوا الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فالمعنى أنهم ان تعرضوا لخيانتك فى المستقبل بالأذى فقد خانوا الله من قبل بالكفر فأمكن منهم يوم بدر.

(٤) الآية ٥٢ سورة يوسف.

(٥) الآية ٥٨ سورة الأنفال.

(٦) ضرب على (ثلاثة) فى ب. وهو الصواب ، فان المذكور اثنان.

(٧) الآية ٧٢ سورة الأحزاب.

(٨) الآية ٢٦ سورة القصص.

١٥٢

٥٧ ـ بصيرة فى الاحساس

وقد ورد فى القرآن على أربعة أوجه :

الأول : بمعنى الرّؤية : (فَلَمَّا أَحَسَ (١) عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) أى أبصر ورأى ، (فَلَمَّا أَحَسُّوا (٢) بَأْسَنا) ، (هَلْ تُحِسُ (٣) مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ).

الثانى : بمعنى القتل والاستئصال : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ (٤) بِإِذْنِهِ) أى تستأصلونهم قتلا.

الثالث : بمعنى البحث وطلب العلم : (فَتَحَسَّسُوا (٥) مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ).

الرّابع : بمعنى الصّوت : (لا (٦) يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) أى صوتها.

والأصل فيه راجع إلى الحاسّة ، وهى القوّة الّتى بها يدرك الأعراض الجسميّة. والحواسّ : المشاعر الخمس. يقال : حسست ، وحسست ، وحسيت ، وأحسست ، وأحست. فحسست على وجهين (٧). أحدهما : أصبته بحسّى ؛ نحو عنته. والثانى : أصبت حاسّته ؛ نحو كبدته. ولمّا كان ذلك قد يتولّد منه القتل (عبر به عن القتل) (٨) فقيل : حسسته : أى قتلته : كقوله تعالى : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ). والحسيس : القتيل. ومنه جراد محسوس : إذا طبخ ، وقولهم : البرد محسّة للنّبت. وانحس

__________________

(١) الآية ٥٢ سورة آل عمران.

(٢) الآية ١٢ سورة الأنبياء.

(٣) الآية ٩٨ سورة مريم.

(٤) الآية ١٥٢ سورة آل عمران.

(٥) الآية ٨٧ سورة يوسف.

(٦) الآية ١٠٢ سورة الأنبياء.

(٧) أ : «الوجهين».

(٨) زيادة من الراغب.

١٥٣

أسنانه : انفعال منه (وأما (١) حسست فنحو علمت وفهمت ، ولكن لا يقال ذلك إلّا فيما كان من جهة الحاسّة) وأمّا حسيت فتقلب (٢) إحدى السّينين ياء. وأمّا أحسسته فحقيقته : أدركته. وأحسست مثله ؛ لكن حذف إحدى السّينين تخفيفا ؛ نحو ظلت. وقوله تعالى : (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) أى هل تجد بحاسّتك أحدا منهم. وقوله : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) تنبيه أنه ظهر منهم الكفر ظهورا بان للحسّ ، فضلا عن التفهّم. والحساس : عبارة عن سوء الخلق ، على بناء زكام وسعال.

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٢) كذا والأولى : «فبقلب».

١٥٤

٥٨ ـ بصيرة فى الاستحياء

وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أوجه :

الأوّل : بمعنى الاستبقاء للخدمة : (وَيَسْتَحْيُونَ (١) نِساءَكُمْ) أى يستبقونهنّ (٢) للخدمة.

الثانى : بمعنى التّرك والإعراض : (إِنَّ اللهَ (٣) لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) أى لا يترك.

الثالث : بمعنى استعمال الحياء. وهو لغة : انقباض النّفس عن القبيح (٤) وتركه : يقال حيى فهو حيىّ ، واستحيا فهو مستحى. وقيل : استحى فهو مستح. وفى الحديث (إنّ الله (٥) يستحيى من ذى الشّيبة المسلم أن يعذّبه) وليس المراد به : انقباض النّفس ، وإنّما المراد به : ترك تعذيبه. وعلى هذا ما يروى (إنّ الله حيىّ) أى تارك للمقابح ، فاعل للمحاسن. وفى الحديث (إذا لم (٦) تستحى فاصنع ما شئت) وقال :

إذا لم تخش عاقبة الليالى

ولم تستحى فاصنع ما تشاء

فلا والله ما فى العيش خير

ولا الدّنيا إذا ذهب الحياء

يعيش المرء ما استحيا بخير

ويبقى العود ما بقى اللّحاء (٧)

__________________

(١) الآيات ٤٩ سورة البقرة ، ١٤١ سورة الأعراف ، ٦ سورة ابراهيم.

(٢) أ ، ب : «يستبقون» وما أثبت عن الراغب.

(٣) الآية ٢٦ سورة البقرة.

(٤) ب «القبائح».

(٥) اللفظ فى الجامع الكبير للسيوطى : ان الله يستحيى أن يعذب شيبة شابت فى الإسلام. وقد رواه بسند ضعيف عن ابن النجار ، كما فى كشف الخفاء والالباس ، للعجلونى.

(٦) رواه البخارى عن أبى مسعود يرفعه. ولفظ أبى مسعود : «قال النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ان مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : اذا لم تستح فاصنع ما شئت» انظر البخارى فى كتاب الأدب.

(٧) اللحاء : قشر الشجر.

١٥٥

٥٩ ـ بصيرة فى الاعلى

وقد ورد فى القرآن على خمسة أوجه :

الأوّل : بمعنى علوّ الحقّ فى العظمة والكبرياء : (سَبِّحِ (١) اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)

الثّانى بمعنى استيلاء موسى على سحرة فرعون بالعصا : (لا تَخَفْ إِنَّكَ (٢) أَنْتَ الْأَعْلى).

الثالث : بمعنى غلبة المؤمنين على الكفّار يوم الحرب ، والوغى : (وَأَنْتُمُ (٣) الْأَعْلَوْنَ).

الرابع : بمعنى دعوى فرعون ، وما به اعتدى : (أَنَا رَبُّكُمُ (٤) الْأَعْلى).

الخامس : فى إخلاص الصّدّيق فى الصّدقة ، والعطا (٥) طمعا فى اللّقاء والرّضا. (إِلَّا ابْتِغاءَ (٦) وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى).

وأصل العلوّ : الارتفاع. وقد علا يعلو علوّا ، وعلى يعلى علاء ، فهو علىّ. فعلا ـ بالفتح ـ فى الأمكنة والأجسام أكثر. والعلىّ هو الرّفيع القدر من على. وإذا وصف به ـ تعالى ـ فمعناه : أنّه يعلو أن يحيط به وصف الواصفين ، بل علم العارفين. وعلى ذلك يقال : (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ). وتخصيص لفظ التعالى لمبالغة ذلك منه ، لا على سبيل التكلّف ، كما يكون من البشر. والأعلى : الأشرف. والاستعلاء قد يكون طلب العلوّ

__________________

(١) أول سورة الأعلى

(٢) الآية ٦٨ سورة طه

(٣) الآية ١٣٩ سورة آل عمران

(٤) الآية ٢٤ سورة النازعات

(٥) بالقصر للسجع

(٦) الآية ٢٠ سورة الليل

١٥٦

المذموم. وقد يكون طلب العلاء أى الرّفعة. وقوله : (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ (١) مَنِ اسْتَعْلى) يحتمل الأمرين جميعا. وقوله : (خَلَقَ (٢) الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى) جمع تأنيث الأعلى. والمعنى : هو (٣) الأشرف والأفضل بالإضافة إلى هذا العالم.

وتعال : أصله أن يدعى الإنسان إلى مكان مرتفع ، ثمّ جعل للدّاعى إلى كلّ مكان.

__________________

(١) الآية ٦٤ سورة طه

(٢) الآية ٤ سورة طه

(٣) التذكير باعتبار الخبر. أو المراد : الموجود الأشرف. والا قال : هى الشرفى والفضلى ، والحديث عن السموات

١٥٧

٦٠ ـ بصيرة فى الاسفل

وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أوجه :

الأوّل : بمعنى أدون ، فى مقابل الفوق : (إِذْ جاؤُكُمْ (١) مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) ، (وَالرَّكْبُ (٢) أَسْفَلَ مِنْكُمْ).

الثانى : بمعنى الخسران لأهل العقوبة : (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ)(٣) أى الأخسرين فى العقوبة.

الثالث : بمعنى الأرذل : (أَسْفَلَ (٤) سافِلِينَ) : أرذل الأرذلين.

__________________

(١) الآية ١٠ سورة الأحزاب

(٢) الآية ٤٢ سورة الأنفال

(٣) الآية ٩٨ سورة الصافات

(٤) الآية ٥ سورة التين

١٥٨

٦١ ـ بصيرة فى الامى

وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أوجه :

الأوّل : بمعنى العرب. وهم الّذين لم يكن (١) لهم كتاب من قبل : (هُوَ الَّذِي (٢) بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً) أى فى العرب.

الثانى : بمعنى اليهود الذين لا يعلمون معنى التّوراة : (وَمِنْهُمْ (٣) أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ).

الثالث : بمعنى النّبى المصطفى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (الَّذِينَ (٤) يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ).

قيل : هو منسوب إلى الأمّة الذين لم يكتبوا ؛ لكونه على عادتهم ؛ كقولك : عامّى ؛ لكونه على عادة العامّة. وقيل : سمّى بذلك ؛ لأنّه لم يكن يكتب ، ولا يقرأ من كتاب. وذلك (فضيلة (٥) له) ؛ لاستغنائه بحفظه ، واعتماده على ضمان الله منه بقوله : (سَنُقْرِئُكَ (٦) فَلا تَنْسى). وقيل : سمّى لنسبته إلى أمّ (٧) القرى. والله أعلم.

__________________

(١) زيادة من الراغب

(٢) الآية ٢ سورة الجمعة

(٣) الآية ٧٨ سورة البقرة

(٤) الآية ١٥٧ سورة الأعراف

(٥) أ ، ب «فضله» وما أثبت عن الراغب.

(٦) الآية ٦ سورة الأعلى

(٧) وهى مكة ، كما سبق فى ترجمة (الأم).

١٥٩

٦٢ ـ بصيرة فى الاتمام

وقد ورد فى القرآن على ثلاثة أوجه :

الأوّل : بمعنى الوفاء نحو (١) الأمر والنّهى (فَأَتَمَّهُنَّ)(٢) أى وفى بحقّهنّ.

الثّانى : بمعنى إتمام النّعمة والمنّة : (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ (٣) نِعْمَتِي).

الثالث : بمعنى إكمال الأمر : (فَإِنْ أَتْمَمْتَ (٤) عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ) وبمعناه الاستتمام : يقال : استتمام (٥) المعروف خير من ابتدائه

إن ابتداء العرف مجد باسق (٦)

والخير كل الخير فى استتمامه

هذا الهلال يرى (٧) لأبصار الورى

حسنا وليس لحسنه كتمامه

وأصل المادة موضوع لانتهاء الشىء إلى حدّ لا يحتاج إلى شىء خارج عنه.

__________________

(١) كذا فى أ ، ب ، و (نحو) ظرف بمعنى جهة. والأولى : «لنحو».

(٢) الآية ١٢٤ سورة البقرة.

(٣) الآية ٣ سورة المائدة.

(٤) الآية ٢٧ سورة القصص.

(٥) هو حديث أخرجه الطبرانى فى الكبير عن جابر مرفوعا ، وفيه (أفضل) بدل خير. قال صاحب (تمييز الطيب من الخبيث : «وفى سنده عبد الرحمن بن قيس الضبى. وهو متروك»

(٦) أ : «ما سبق» وب : «ما سق». والأقرب ما أثبت.

(٧) أ ، ب : «يرابين».

١٦٠