بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٢٣

٣٨ ـ بصيرة فى اى

وهى ترد فى القرآن والكلام على خمسة أوجه.

الأوّل : اسم نكرة موصوفة : (يا أَيُّهَا النَّاسُ).

الثّانى : للتعظيم : جاءنى رجل أىّ رجل.

الثالث : بمعنى الّذى : أيّهم فى الدّار أحول ، أى الّذى.

الرّابع : للاستفهام : (أَيُّكُمْ (١) يَأْتِينِي بِعَرْشِها).

الخامس : للشّرط : أيّهم يكرمنى أكرمه ، (أَيًّا ما (٢) تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى). وقد يستفهم به عن نكرة فى نحو من قال : جاء رجل تقول : أىّ يا فتى؟ فى الرّفع ، وأيا فى النّصب ، وأىّ فى الجرّ ، وأيّان وأيّين فى التثنية ، وأيّون وأيّين فى الجمع.

__________________

(١) الآية ٣٨ سورة النمل

(٢) الآية ١١٠ سورة الاسراء

١٢١

٣٩ ـ بصيرة فى او

ويرد على اثنى عشر وجها :

للشكّ ، نحو جاءنى زيد أو عمرو ، وللتخيير : اشرب الماء أو اللبن ، وللإباحة : جالس الحسن أو ابن سيرين ، وبمعنى حتى : لألزمنك أو تعطينى حقّى ، وبمعنى الواو : (وَلا تُطِعْ (١) مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) ، وبمعنى بل : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ (٢) أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) ، وبمعنى إلى ، وبمعنى إلّا فى الاستثناء. وهذه ينتصب المضارع بعدها بإضمار أن ، نحو :

* كسرت كعوبها أو تستقيما (٣) *

وللتبعيض : (وَقالُوا كُونُوا (٤) هُوداً أَوْ نَصارى) ويكون للتقريب وللتقسيم. وتكون شرطيّة : لأضربنّه عاش أو مات ، وبمعنى إذن (٥) وإذا جعلتها اسما ثقّلت الواو ، يقال : دع الأوّ جانبا (٦).

__________________

(١) الآية ٢٤ سورة الانسان.

(٢) الآية ١٤٧ سورة الصافات.

(٣) صدره :

وكنت اذا غمزت قناة قوم

وهو لزياد الأعجم. وانظر كتاب سيبويه ١ / ٤٢٨.

(٤) الآية ١٣٥ سورة البقرة. وفسر فى التاج التبعيض بقوله : «أى بعضا من احدى الطائفتين.

(٥) ا ، ب : «ان» وما أثبت عن القاموس ومعنى ان هو كونها شرطية وقد ذكر.

(٦) فى التاج «تقول ذلك لمن يستعمل فى كلامه افعل كذا أو كذا أو كذا».

١٢٢

٤٠ ـ بصيرة فى الاسفار

وقد ورد فى القرآن على أربعة أوجه :

الأوّل : بمعنى المنازل والقرى : (رَبَّنا باعِدْ (١) بَيْنَ أَسْفارِنا) أى بين قرانا.

الثانى : بمعنى الكتب والصّحائف : (كَمَثَلِ (٢) الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً).

الثالث : بكسر الهمزة بمعنى اللّمعان والبرق ، والنضارة : (وُجُوهٌ (٣) يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ).

الرابع : بمعنى الإضاءة والتنوير : (وَالصُّبْحِ (٤) إِذا أَسْفَرَ).

__________________

(١) الآية ١٩ سورة سبأ.

(٢) الآية ٥ سورة الجمعة.

(٣) الآية ٣٨ سورة عبس.

(٤) الآية ٣٤ سورة المدثر.

١٢٣

٤١ ـ بصيرة فى الاشعار

ويرد فى القرآن على أربعة أوجه :

الأوّل : بمعنى الإعلام : (وَما يُشْعِرُكُمْ (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ).

وبالفتح جمع شعر : (وَمِنْ أَصْوافِها (٢) وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها).

والشعراء جمع شاعر (وَالشُّعَراءُ (٣) يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ).

الرّابع : الشّعائر بمعنى مناسك الحجّ : (لا تُحِلُّوا (٤) شَعائِرَ اللهِ) جمع شعيرة ، وهى ما يهدى إلى بيت الله من الأنعام. وسمّى بذلك لأنها تشعر أى تعلّم بأن تدمى بشعيرة أى حديدة يشعر بها.

والشّعرى : نجمان فى السّماء. وهما شعريان : شعرى (٥) العبور وشعرى الغميصاء ، وخصّه تعالى بقوله : (هُوَ رَبُ (٦) الشِّعْرى) ، لأنّ قوما عبدوها. وشعرت أصبت الشّعر. ومنه استعير شعرت. بمعنى علمت أى أصبت علما هو فى الدّقّة كاصابة الشّعر. وسمّى الشاعر لدقّة معرفته. فالشّعر فى الأصل اسم للعلم الدّقيق ، وصار فى التعارف اسما للموزون المقفّى والشّاعر للمختصّ بصناعته

وقوله ـ تعالى ـ حكاية عن قول الكفّار (بَلِ افْتَراهُ (٧) بَلْ هُوَ شاعِرٌ)

__________________

(١) الآية ١٠٩ سورة الأنعام.

(٢) الآية ٨٠ سورة النحل.

(٣) الآية ٢٢٤ سورة الشعراء.

(٤) الآية ٢ سورة المائدة.

(٥) المعروف ، الشعرى بال ، وكأنه راعى كونها علما فحذف أداة التعريف. وقد يكون (شعرى العبور) و (شعرى الغميصاء) بالاضافة أى اضافة الموصوف الى الصفة ، وهو قليل.

(٦) الآية ٤٩ سورة النجم.

(٧) الآية ٥ سورة الأنبياء.

١٢٤

حمله كثير من المفسّرين على أنّهم رموه بكونه آتيا بشعر منظوم ، حتى (١) تأوّلوا ما جاء فى القرآن من كل كلام يشبه الموزون ، من نحو (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ). وقال بعض المحصّلين : لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به. وذلك أنّه ظاهر من القرآن المجيد أنّه ليس على أساليب الشّعر ، وهذا ممّا لا يخفى على الأغتام (٢) من الأعجام ، فضلا عن بلغاء العرب. وإنّما رموه بالكذب : فإنّ الشّعر يعبّر به عن الكذب ، والشّاعر الكاذب : حتى سمّى قوم الأدلة الكاذبة : (الأدلّة) (٣) الشعريّة. ولكون الشعر مقرّا للكذب قيل : أحسن الشعر أكذبه. وقال بعض الحكماء : لم ير متديّن صادق اللهجة مفلقا فى شعره.

والمشاعر : الحواسّ ، (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) ونحوه معناه : لا تدركونه بالحواسّ. ولو قال فى كثير ممّا جاء فيه (لا يَشْعُرُونَ) : لا يعقلون ، لم يكن يجوز ؛ إذ كان كثير ممّا لا يكون محسوسا قد يكون معقولا.

والشّعار : الثّوب الّذى يلى الجسد لمماسّة الشّعر. والشعار أيضا : ما يشعر الإنسان به نفسه فى الحرب ، أى يعلم.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين زيادة من التاج (شعر) فيما نقله عن البصائر. وظهر من هذا أن صاحب التاج كانت لديه نسخة للكتاب غير الأصلين اللذين بأيدينا. وهذه الزيادة أيضا فى مفردات الراغب التى يعتمد عليها المصنف وينقل عنها.

(٢) الأغتام الذين لا يفصحون عن مرادهم

(٣) زيادة من التاج

١٢٥

٤٢ ـ بصيرة فى الاحاطة

وقد وردت فى القرآن على أربعة أوجه :

الأوّل : بمعنى العلم : (وَأَحاطَ (١) بِما لَدَيْهِمْ) أى علم.

الثانى : بمعنى الجمع : (وَاللهُ (٢) مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) أى جامع لهم فى العقوبة.

الثالث : بمعنى الهلاك : (أَحاطَتْ (٣) بِهِ خَطِيئَتُهُ).

الرّابع : بمعنى خسارة الشىء من كلّ جانب : (أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها)(٤)

وقيل : الإحاطة يقال على وجهين :

أحدهما : فى الأجسام ؛ نحو أحطت بمكان كذا ، ويستعمل فى الحفظ نحو (إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ)(٥)(مُحِيطٌ) أى حافظ له من جميع جهاته. ويستعمل فى المنع ؛ نحو (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ)(٦) أى أن تمنعوا. وقوله : ـ تعالى ـ (أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) أبلغ استعارة. وذلك أنّ الإنسان إذا ارتكب ذنبا ، واستمرّ عليه استجرّه إلى إتيان (٧) ما هو أعظم منه ، فلا يزال يرتقى ، حتى يطبع على قلبه ، فلا يمكنه أن يخرج عن تعاطيه. والاحتياط : استعمال ما فيه الحياطة أى الحفظ.

__________________

(١) الآية ٢٨ سورة الجن.

(٢) الآية ١٩ سورة البقرة.

(٣) الآية ٨١ سورة البقرة.

(٤) الآية ٢٩ سورة الكهف.

(٥) الآية ١٢٠ سورة آل عمران.

(٦) الآية ٦٦ سورة يوسف.

(٧) فى الراغب : «معاودة».

١٢٦

والثانى : فى العلم ؛ نحو قوله : (أَحاطَ بِكُلِ (١) شَيْءٍ عِلْماً) فالإحاطة بالشىء علما هو أن يعلم وجوده ، وحسنه ، وقدره ، وكيفيّته ، وغرضه المقصود به ، وبإيجاده ، وما يكون هو منه. وذلك ليس إلّا لله تعالى. وقال : (بَلْ كَذَّبُوا (٢) بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) فنفى ذلك عنهم. وقال صاحب موسى (وَكَيْفَ (٣) تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) ؛ تنبيها أنّ الصّبر التّامّ إنّما يقع بعد إحاطة العلم بالشىء ، وذلك صعب إلّا بفيض إلهى. وقوله ـ تعالى ـ (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ)(٤) فذلك إحاطة بالقدرة.

__________________

(١) الآية ١٢ سورة الطلاق.

(٢) الآية ٣٩ سورة يونس.

(٣) الآية ٦٨ سورة الكهف.

(٤) الآية ٢٢ سورة يونس.

١٢٧

٤٣ ـ بصيرة فى الاحصاء

وقد ورد فى القرآن على أربعة أوجه :

الأوّل : بمعنى الحفظ والضبط : (لا يُغادِرُ (١) صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) أى حفظها.

الثانى : بمعنى الكتابة : (وَكُلَّ شَيْءٍ (٢) أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ).

الثالث : بمعنى الحصر والإحاطة : (وَأَحْصى (٣) كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً).

الرّابع : بمعنى الطّاقة والقدرة : (وَإِنْ تَعُدُّوا (٤) نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».

واشتقاقه من الحصى. وذلك لأنّهم كانوا يعتمدونه (٥) بالعدد (٦) كاعتمادنا فيه على الأصابع.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى الأسماء الحسنى : (من أحصاها دخل (٧) الجنّة) قيل : أى من عدّها ، وقرأها. وقيل : من حفظها وضبطها. وقيل : من عرفها ، وعرف معناها. وقيل : من تخلّق بها حسب الطّاقة

__________________

(١) الآية ٤٩ سورة الكهف.

(٢) الآية ١٢ سورة يس.

(٣) الآية ٢٨ سورة الجن.

(٤) الآية ٣٤ سورة ابراهيم.

(٥) ا ، ب : «يعدونه» وما أثبت عن الراغب.

(٦) كذا فى الراغب ، وعبارة التاج المنقولة عن الراغب : «فى العد» وهى أولى.

(٧) من حديث أخرجه الشيخان والترمذى كما فى تيسير الوصول ، فى ترجمة الدماء.

١٢٨

البشريّة. وقوله : (استقيموا (١) ولن تحصوا) أى لن تحصّلوا ذلك. ووجه تعذّر إحصائه وتحصيله هو أنّ الحقّ واحد ، والباطل كثير ، بل الحقّ بالإضافة إلى الباطل كالنقطة بالإضافة إلى سائر أجزاء الدائرة ، وكالمرمى من الهدف ، وإصابة ذلك صعب (٢) عسير. وإلى هذا أشار صلى‌الله‌عليه‌وسلم (شيبتنى سورة (٣) هود) ، وقال بعض أهل العلم : لن تحصوا أى لن تحصوا ثوابه. وقولهم : ما له حصاة ولا أصاة ، الحصاة : العقل ، والأصاة اتباع.

__________________

(١) الحديث أخرجه أحمد فى المسند وغيره كما فى الجامع الصغير.

(٢) أى أمر صعب.

(٣) أخرجه الترمذى كما فى تيسير الوصول فى تفسير سورة هود.

١٢٩

٤٤ ـ بصيرة فى الادراك

وقد ورد فى القرآن على أربعة أوجه :

الأول : بمعنى الإلجاء والاضطرار : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ (١) الْغَرَقُ) أى ألجأه واضطرّه.

الثانى : بمعنى الإدراك واللّحوق : (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)(٢).

الثالث : بمعنى الاجتماع : (بَلِ (٣) ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) أى تدارك واجتمع بعضه على (٤) بعض. وقوله تعالى : (حَتَّى (٥) إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً) أى لحق كلّ بالآخر.

الرّابع : رؤية البصر (لا تُدْرِكُهُ (٦) الْأَبْصارُ) ومنهم من حمله على البصيرة. وذلك أنه قد نبّه به على ما روى عن أبى بكر : يا من غاية معرفته القصور عن معرفته ؛ إذ كان غاية معرفته ـ تعالى ـ أن يعرف الأشياء ، فيعرف أنّه ليس بشيء منه ، ولا بمثله ، بل هو موجد كلّ ما أدركته. وأصل الإدراك : بلوغ أقصى الشىء. وأدرك الصبىّ : بلغ غاية الصبا. وذلك حين البلوغ. والدّرك ـ بالتّحريك ـ أقصى قعر البحر. ومنه دركات جهنّم. ويقال للحبل الذى يوصل به حبل آخر ليدرك الماء : درك ، ولما يلحق الإنسان من تبعة : درك ؛ كالدّرك فى البيع.

__________________

(١) الآية ٩٠ سورة يونس.

(٢) الآية ٦١ سورة الشعراء.

(٣) الآية ٦٦ سورة النمل.

(٤) ب : «الى».

(٥) الآية ٣٨ سورة الأعراف.

(٦) الآية ١٠٣ سورة الأنعام.

١٣٠

٤٥ ـ بصيرة فى الاجر

وقد ورد فى النصّ على أربعة أوجه :

الأول : بمعنى صدقات الأزواج : (فَآتُوهُنَ (١) أُجُورَهُنَّ).

الثانى : بمعنى ثواب الطّاعة : (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ (٢) صَبَرُوا أَجْرَهُمْ) أى ثوابهم. ولها نظائر.

الثالث : بمعنى الجعل والغرم : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ (٣) مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) ، (أَمْ (٤) تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ).

الرّابع : بمعنى نفقة الدايات (٥) : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) بمعنى نفقة الرّضاع.

والأصل فى معنى الأجر : ما يعود من ثواب العمل ، دنيويّا أو أخرويّا. والأجرة فى الثّواب الدّنيوىّ ، والأجر فى الآخرة ، يقال فيما كان من عقد وما يجرى مجرى العقد ، ولا يقال إلّا فى النفع دون الضرّ ، نحو (لَهُمْ (٦) أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (فَأَجْرُهُ (٧) عَلَى اللهِ). والجزاء يقال فيما كان من عقد وغير عقد. ويقال فى النافع والضّار نحو (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا (٨) جَنَّةً وَحَرِيراً)

__________________

(١) الآية ٢٤ سورة النساء.

(٢) الآية ٩٦ سورة النحل.

(٣) الآية ٤٧ سورة سبأ.

(٤) الآية ٤٦ سورة القلم.

(٥) ا : «الذريات» وما أثبت عن ب. والداية الظئر ، أى المرضع ، وفى التاج أنه لفظ عربى فصيح.

(٦) الآية ٢٦٢ سورة البقرة.

(٧) الآية ٤٠ سورة الشورى.

(٨) الآية ١٢ سورة الانسان.

١٣١

و (جَزاؤُهُمْ (١) جَهَنَّمُ) وأجره كنصره : أعطاه الشىء بأجره (عَلى أَنْ (٢) تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) وآجره كذلك. والفرق أن أجره يقال إذا اعتبر (فعل أحدهما ، وآجره (٣) إذا اعتبر فعلاهما ، وكلاهما يرجعان إلى معنى. ويقال : أجره الله وآجره). والأجير فعيل بمعنى فاعل أو مفاعل. والاستئجار : طلب الشّيء بأجرة ، ثمّ يعبّر به عن تناوله بالأجرة. (يا أَبَتِ (٤) اسْتَأْجِرْهُ).

__________________

(١) الآية ١٠٦ سورة الكهف.

(٢) الآية ٢٧ سورة القصص.

(٣) سقط ما بين القوسين فى ا.

(٤) الآية ٢٦ سورة القصص.

١٣٢

٤٦ ـ بصيرة فى الابيض

(هو) ضدّ الأسود : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ (١) بِيضٌ) (يَوْمَ تَبْيَضُ (٢) وُجُوهٌ) ؛(وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ (٣) وُجُوهُهُمْ).

وبيض (أصله (٤) بيض) بالضمّ أبدلوه بالكسر ؛ ليصحّ الياء. والأبيض : السّيف. والأبيض : الفضّة. والأبيض : الرجل النقىّ العرض. والأبيض : كوكب فى حاشية المجرّة ، وقصر للأكاسرة ، نقضه المكتفى ، وبنى بشرفاته أساس التّاج ، وبأساسه شرفاته. والأبيضان : اللّبن والماء ، أو الشحم والشباب ، أو الخبز والماء ، أو الحنطة والماء. والموت الأبيض الفجاءة. وابيضّ وابياضّ ضدّ اسودّ واسوادّ. والبياض : لون الأبيض ، واسم للّبن. وفى كلامهم : إذا قلّ البياض كثر السّواد (٥) وإذا كثر قلّ.

ولمّا كان البياض أفضل لون عندهم ـ كما قيل : البياض أفضل ، والسّواد أهول ، والحمرة أجمل ، والصّفرة أشكل ـ عبّر عن الفضل والكرم بالبياض ، حتى قيل لمن لم يتدنّس بمعاب : هو أبيض الوجه. وسمّيت البيض ؛ لبياضه ، الواحدة بيضة. وكنى عن المرأة بالبيضة ؛ تشبيها بها باللّون ، وفى كونها مصونة تحت الجناح.

__________________

(١) الآية ٢٧ سورة فاطر.

(٢) الآية ١٠٦ سورة آل عمران.

(٣) الآية ١٠٧ سورة آل عمران.

(٤) سقط ما بين القوسين فى ا.

(٥) أى التمر ، كما فى التاج.

١٣٣

٤٧ ـ بصيرة فى الاسود

السّواد مضادّ البياض. وقد اسودّ واسودّ : (يَوْمَ تَبْيَضُ (١) وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرّة ، واسودادها عن المساءة. وحمل بعضهم (الابيضاض والاسوداد) (٢) على المحسوس. والأول أولى ؛ كقوله تعالى فى البياض (وُجُوهٌ (٣) يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) ، وفى السّواد (وَتَرْهَقُهُمْ (٤) ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) وعلى هذا النّحو ما روى : أنّ المؤمنين يحشرون يوم القيامة غرّا محجّلين من آثار الوضوء.

ويعبّر بالسّواد عن الشخص المترائى من بعيد ، وعن سواد العين : قال بعضهم : لا يفارق سوادى سواده ، أى عينى شخصه. ويعبّر به عن الجماعة الكثيرة.

والأسود من أسماء الرّجال ، ومن أسماء الحيّة. والأسودان : التّمر ، والماء ، والليل والحرّة. (والسيد (٥) : المتولّى للسواد أى الجماعة الكثيرة) ؛ ولما كان من شرط المتولّى للجماعة أن يكون مهذّب النّفس قيل لكلّ من كان فاضلا عن (٦) نفسه : سيّد. وعلى ذلك قوله : (وَسَيِّداً (٧) وَحَصُوراً) وسمّى الزّوج سيّدا لسياسته زوجته : وقوله تعالى (إِنَّا أَطَعْنا (٨) سادَتَنا) أى ولاتنا وسائسينا.

__________________

(١) الآية ١٠٦ سورة آل عمران.

(٢) زيادة من الراغب.

(٣) الآية ٢٢ سورة القيامة.

(٤) الآية ٢٧ سورة يونس.

(٥) زيادة من الراغب.

(٦) كذا فى ا ، ب ، أى فضلا ناشئا عن نفسه وما فيها من خير. وفى الراغب : «فى نفسه» وهى أظهر.

(٧) الآية ٣٩ سورة آل عمران.

(٨) الآية ٦٧ سورة الأحزاب.

١٣٤

٤٨ ـ بصيرة فى الاخضر

هو لون بين السّواد والبياض ، وإلى السّواد أقرب. ولهذا سمّى الأسود أخضر ، والأخضر أسود. وسواد العراق للموضع الّذى يكثر فيه الخضرة. وسمّى الخضرة بالدّهمة فى قوله : تعالى (مُدْهامَّتانِ)(١) أى خضراوان. وخضراء الدّمن مفسّر فى الحديث بالمرأة الحسناء فى المنبت السّوء. وفى الحديث سمّى الخضر خضرا ، لأنّه جلس فى (٢) فروة بيضاء ، فاهتزّت تحته خضراء. الفروة : الأرض لا نبات فيها.

__________________

(١) الآية ٦٤ سورة الرحمن.

(٢) ب : «على».

١٣٥

٤٩ ـ بصيرة فى الاصفر

الصّفرة بين السّواد والبياض ، وهى إلى (١) البياض أقرب. قال الحسن فى قوله تعالى : (صَفْراءُ (٢) فاقِعٌ) : سوداء شديدة السّواد. وقول من قال لا يقال فى تأكيد السّواد : فاقع مردود. وقوله (كَأَنَّهُ (٣) جِمالَتٌ صُفْرٌ) قيل : جمع أصفر. وقيل : المراد الصّفر المعدنىّ ، ومنه قيل للنّحاس صفر ، وليبيس (٤) البهمى صفار. ويقال للرّوم : بنو الأصفر ؛ لصفرة ألوانهم. ويقال : الصّفير للصّوت حكاية لما يسمع. ومن هذا صفر الإناء إذا خلا. حتى يسمع منه صفير لخلوّه ، ثمّ صار متعارفا فى كلّ خال من الآنية وغيرها. وسمّى خلوّ الجوف والعروق من الغذاء صفرا. ولمّا كانت تلك العروق الممتدّة من الكبد إلى المعدة إذا لم تجد غذاء امتصّت أجزاء المعدة اعتقدت جهلة العرب أنّ ذلك حيّة فى البطن تعضّ الشراسيف ، حتى نفى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك فقال : لا صفر أى ليس فى البطن ما يعتقدون أنّه حيّة

__________________

(١) كذا فى ب وسقط فى ا. وفى الراغب : «الى السواد» وهو المناسب لما بعده.

(٢) الآية ٦٩ سورة البقرة.

(٣) الآية ٣٣ سورة المرسلات.

(٤) البهمى : نبت ترعاه الغنم ، واحدته بهماة.

١٣٦

٥٠ ـ بصيرة فى الامسح

المسح : إمرار اليد على الشىء ، وإزالة الأثر عنه. وقد يستعمل فى كلّ واحد منهما ، يقال : مسحت يدى بالمنديل. ويقال للدّرهم الأطلس (١) : مسيح ، وللمكان الأملس : أمسح ، وهى مسحاء. ومسح الأرض : ذرعها (٢) وعبّر عن السّير بالمسح ؛ كما عبّر عنه بالذرع ، فقيل : مسح البعير المفازة ، وذرعها.

والمسح فى تعارف الشرع : إمرار الماء على الأعضاء ؛ يقال : مسحت للصّلاة وتمسّحت. ومنه (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ (٣) وَأَرْجُلَكُمْ) ومسحته بالسّيف : كناية عن الضرب (٤) ؛ كما يقال : مسست. ومنه (فَطَفِقَ مَسْحاً (٥) بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ).

واختلف فى اشتقاق المسيح فى صفة نبىّ الله ، وكلمته : عيسى ، وفى صفة عدوّ الله الدّجّال ـ أخزاه الله ـ على أقوال كثيرة تنيف على خمسين.

قال ابن دحية فى كتابه : «مجمع البحرين فى فوائد المشرقين والمغربين» : فيها ثلاثة وعشرون قولا. ولم أر من جمعها قبلى ممّن رحل وجال ، ولقى الرّجال.

__________________

(١) هو الذى لا نقش عليه ، كما فى التاج ، كما يأتى (مسح).

(٢) أى قاسها ، وأصله من الذراع لأنه يقاس به.

(٣) الآية ٦ سورة المائدة.

(٤) ا ، ب : «الصرف» وما أثبت عن القاموس.

(٥) الآية ٣٣ سورة ص.

١٣٧

قال مؤلّف هذا الكتاب محمّد الفيروزآبادي ـ تاب الله عليه ـ : فأضفت إلى ما ذكره الحافظ من الوجوه الحسنة ، والأقوال البديعة ، فتمّت بها خمسون وجها.

وبيانه أن العلماء اختلفوا فى اللفظة هل هى عربيّة أم لا.

فقال بعضهم : سريانيّة. وأصلها مشيحا ـ بالشين المعجمة ـ فعرّبها العرب. وكذا ينطق بها اليهود. قاله أبو عبيد. وهذا القول الأوّل.

والذين قالوا : إنها عربية اختلفوا فى مادّتها. فقيل : من (س ى ح) وقيل من (م س ح) ثمّ اختلفا ، فقال الأوّلون : مفعل من ساح يسيح ؛ لأنّه يسيح فى بلدان الدنيا وأقطار العالم جميعها ، أصلها : مسيح ، فأسكنت الياء ، ونقلت حركتها إلى السّين ؛ لاستثقالهم الكسرة على الياء. وهذا القول الثانى.

وقال الآخرون : مسيح : مشتقّ من مسح إذا سار فى الأرض وقطعها : فعيل بمعنى فاعل. والفرق بين هذا وما قبله أن هذا يختصّ بقطع الأرض ، وذلك بقطع جميع البلاد. وهذا الثالث.

والرّابع عن أبى الحسن القابسىّ ، وقد سأله أبو عمرو الدانىّ : كيف يقرأ المسيح الدّجال؟ قال : بفتح الميم وتخفيف السّين ، مثل المسيح ابن مريم ، لأنّ عيسى عليه‌السلام مسح بالبركة ، وهذا مسحت عينه. الخامس قال أبو الحسن (١) : ومن الناس من يقرؤه بكسر الميم والسّين مثقّلا

__________________

(١) أى القابسى المتقدم ، وقوله «يقرؤه» أى اى الدجال.

١٣٨

كسكّيت ، فيفرق بذلك بينهما. وهو وجه. وأمّا أنا فما أقرؤه إلّا كما أخبرتك

السّادس عن شيخه ابن بشكوال : أنّه قال : سمعت الحافظ أبا عمر بن عبد البرّ يقول : ومنهم من قال ذلك بالخاء المعجمة. والصّحيح أنّه لا فرق بينهما.

السّابع المسيح لغة : الذى لا عين له ولا حاجب ؛ سمّى الدّجال بذلك ؛ لأنّه كذلك.

الثامن المسيح : الكذّاب ، وهو أكذب الخلق.

التّاسع المسيح : المارد الخبيث. وهو كذلك.

العاشر قال ابن سيده : مسحت الإبل الأرض : سارت فيها سيرا شديدا. سمّى به لسرعة سيره.

الحادى عشر : مسح فلان عنق فلان أى ضرب عنقه ؛ سمّى لأنّه يضرب أعناق الذين لا ينقادون له.

الثانى عشر قال الأزهرى : المسيح بمعنى الماسح ، وهو القتّال. وهذا قريب من معنى ما قبله.

الثالث عشر المسيح : الدّرهم الأطلس لا نقش عليه ؛ قاله ابن فارس فهو مناسب للأعور الدّجال إذ أحد شقّى وجهه ممسوح.

الرابع عشر المسح : قصر ونقص فى ذنب العقاب ؛ كأنّه سمّى به لنقصه ، وقصر مدّته.

الخامس عشر مشتقّ من المماسحة ، وهو الملاينة فى القلوب (١) ، والقلوب غير صافية. كذا فى المحكم ؛ لأنّه يقول خلاف ما يضمر.

__________________

(١) كذا. والصواب : «القول» كما فى اللسان.

١٣٩

السّادس عشر المسيح : الذوائب الواحدة (مسيحة) (١) وهى ما نزل من الشّعر على الظّهر ؛ كأنّه سمّى به ؛ لأنّه يأتى فى آخر الزمان.

السّابع عشر المسح : المشط والتزيين. والماسحة : الماشطة ؛ كأنه سمّى به ؛ لأنّه يزيّن ظاهره ، ويموّهه بالأكاذيب ، والزّخارف.

الثامن عشر المسيح الذرّاع ؛ لأنّه يذرع الأرض بسيره فيها.

التّاسع عشر المسيح : الضّلّيل. وهو من الأضداد ، ضدّ للصّدّيق ، سمّى به لضلالته. قاله أبو الهيثم.

العشرون قال المنذرى : المسح من الأضداد : مسحه الله أى خلقه خلقا حسنا مباركا ، ومسحه أى خلقه خلقا مقبّحا ملعّنا. فمن الأوّل يمكن اشتقاق المسيح كلمة الله ، ومن الثانى اشتقاق المسيح عدوّ الله. وهذا الحادى والعشرون.

الثانى والعشرون مسخ النّاقة ومسّحها إذا هزلها ، وأدبرها ، وأضعفها ؛ كأنّه لوحظ فيه أن منتهى أمره إلى الهلاك والدّبار.

الثالث والعشرون الأمسح : الذّئب الأزلّ المسرع ، سمى به تشبيها له بالذّئب ؛ لخبثه (٢) وسرعة سيره.

الرّابع والعشرون المسح : القول الحسن من الرّجل ، وهو فى ذلك خادع لك ، سمّى به لخداعه (٣) ومكره. قاله النضر بن شميل. يقال : مسحه بالمعروف إذا قال له قولا وليس معه إعطاء ، فإذا جاء إعطاء ذهب المسح. وكذلك الدّجّال : يخدع بقوله ولا إعطاء.

__________________

(١) زيادة اقتضاها السياق.

(٢) ا ، ب : «الخبيثة» وما أثبت عن التاج.

(٣) ا ، ب : «لخداعة فكره».

١٤٠