بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

بسم الله الرحمن الرحيم (١)

اعلم أنه لا شىء أشنع ولا أقبح بالإنسان ، مع ما كرّمه الله وفضّله به : من الاستعدادات (٢) (و) (٣) القابليّة لقبول الآداب ، وتعلّم العلوم والصّنائع ، من أن يغفل عن نفسه ويهملها ، حتّى تبقى عارية من الفضائل. كيف وهو يشاهد أنّ الدّوابّ والكلاب والجوارح المعلّمة ترتفع أقدارها ، ويتغالى فى أثمانها.

و (كفى فى (٤) العلم) شرفا وفخرا أنّ الله عزّ شأنه وصف به نفسه ، ومنح (٥) به أنبياءه ، وخصّ به أولياءه ، وجعله وسيلة إلى الحياة الأبديّة ، والفوز بالسّعادة السّرمديّة ، وجعل العلماء قرناء الملائكة المقرّبين فى الإقرار بربوبيّته ، والاختصاص بمعرفته ، وجعلهم ورثة أنبيائه.

فالعلم أشرف ما ورث عن أشرف موروث. وكفاه فضلا ، وحسبه نبلا قوله تعالى : (اللهُ (٦) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ

__________________

(١) لم تثبت البسملة فى ب.

(٢) ا : «الاستعداد»

(٣) زيادة اقتضاها السياق

(٤) كذا. والمعروف : «كفى بالعلم أو كفى العلم».

(٥) كذا فى ا ، ب. وقد يكون الأصل : «مدح»

(٦) من الآية ١٢ سورة الطلاق

٤١

لِتَعْلَمُوا) فجعل العلم غاية الجميع. وبيّن تعالى بقوله (ذلِكَ لِمَنْ (١) خَشِيَ رَبَّهُ) ، وقوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى (٢) اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) أنّه ليس للجنان ، ومنازل الرّضوان ، أهل إلا العالمون (٣) ، وأمر أعلم الخلق وأكملهم ، وأعرف الأنبياء وأفضلهم ، بطلب الزيادة من العلم فى قوله (وَقُلْ (٤) رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) وعن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (طلب العلم (٥) فريضة على كلّ مسلم ومسلمة). والأحاديث والآثار فى فضل العلم وأهله كثير (٦) جدّا. وقد أفردنا (٧) فى مصنّف ، وأوردنا أيضا فى شرح صحيح البخارى ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى.

وفى الجملة فالعلم كلّ أحد يؤثره ويحبّه ، والجهل كلّ أحد يكرهه وينفر (٨) منه. وكأن الإنسان (إنسان (٩)) بالقوّة ما لم يعلم ويجهل (١٠) جهلا مركّبا ، فإذا حصل له العلم صار إنسانا بالفعل عارفا بربّه ، أهلا لجواره وقربه. وإذا جهل جهلا مركّبا صار حيوانا ، بل الحيوان خير منه. قال تعالى : (أَمْ (١١) تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) خزّان المال ماتوا وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقى

__________________

(١) من الآية ٨ سورة البينة

(٢) من الآية ٢٨ سورة فاطر

(٣) سقط الواو فى ب

(٤) من الآية ١١٤ سورة طه

(٥) هذا الحديث رواه ابن ماجه. وفيه اختلاف كثير فى صحته ، وانظر تنزيه الشريعة لابن عراق ١ / ٢٥٨

(٦) كذا. أى أمر كثير. وقال يونس يقال نساء كثير. انظر المصباح.

(٧) كذا. وكان الأصل : «أفردناها»

(٨) فى ا : «ينفرد» خطأ من الناسخ

(٩) سقط فى ا.

(١٠) كان فى ا «لا يجهل» فضرب على (لا) وفى ب : «لا يجهل»

(١١) الآية ٤٤ سورة الفرقان

٤٢

الدّهر. وإن ماتوا فأعيانهم مفقودة ، وأمثالهم فى القلوب موجودة. وإذا مات العالم انثلم بموته ثلمة فى الإسلام.

واعلم أنّه تبيّن فى علم الأخلاق أنّ الفضائل الإنسانية التى هى الأمّهات أربع (١). وهى العلم ، والشجاعة ، والعفّة ، والعدل. وما عدا هذه فهى فروع عليها أو تضاف إليها. فالعلم فضيلة النّفس ((٢) الناطقة. والشجاعة فضيلة النّفس الغضبيّة. والعفّة فضيلة النّفس) الشّهوانيّة. والعدل فضيلة عامّة فى الجميع.

ولا شكّ أن النفس الناطقة أشرف هذه النفوس ، ففضيلتها أشرف هذه الفضائل أيضا ، لأن تلك لا توجد كاملة إلّا بالعلم ، والعلم يتمّ ويوجد كاملا بدونها. فهو مستغن عنها ، وهى مفتقرة إليه ، فيكون أشرف. وأيضا أنّ هذه الفضائل الثلاث قد توجد لبعض الحيوانات العجماوات ، والعلم يختصّ بالإنسان ، ويشاركه فيه الملائكة. ومنفعة العلم باقية خالدة أبدا.

وقد صحّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إذا (٣) مات ابن آدم انقطع عنه (٤) عمله إلّا من ثلاث : صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له ، أو علم ينتفع به).

__________________

(١) فى ب : «الأربع»

(٢) سقط ما بين القوسين فى ب

(٣) روى هذا الحديث فى الجامع الصغير ورمز له بالرمز (خدم) أى رواه البخارى فى الأدب المفرد ومسلم فى صحيحه

(٤) سقط فى ب

٤٣

والعلم (١) مع اشتراكها فى الشرف يتفاوت فيه. فمنه ما هو بحسب الموضوع ؛ كعلم الطب ؛ فإن موضوعه بدن الإنسان ؛ ولا خفاء بشرفه.

ومنه ما هو بحسب الغاية ؛ كعلم الأخلاق ؛ فإنّ غايته معرفة الفضائل الإنسانية ، ونعمت الفضيلة.

ومنها (٢) ما هو بحسب الحاجة (إليه (٣)) كعلم الفقه ؛ فإنّ الحاجة ماسّة إليه.

ومنه ما هو بحسب وثاقة الحجج. فالعلوم (٤) الرياضية ؛ فإنها برهانيّة يقينية.

ومن العلوم ما يقوى شرفه باجتماع هذه الاعتبارات فيه أو أكثرها. فالعلم (٥) الإلهىّ المستفاد من كلام الله تعالى بالوحى الجلىّ والخفىّ ؛ فإن موضوعه شريف ، وغايته فاضلة ، والحاجة إليه عظيمة.

واعلم أنه لا شيء من العلوم ـ من حيث هو علم ـ بضارّ ، بل نافع. ولا شيء من الجهل ـ من حيث هو جهل ـ بنافع ، بل ضارّ ؛ لأنّا سنبيّن عند ذكر كلّ علم منفعة (٦) : إمّا فى أمر المعاد أو المعاش.

إنّما توهّم فى بعض العلوم (٧) أنه ضار أو غير نافع ؛ لعدم اعتبار الشروط

__________________

(١) كذا. وكأن الأصل : «العلوم» لقوله : «اشتراكها». وعلى ذلك قوله. «يتفاوت» هى : تتفاوت». غير أن قوله : «فمنه ما هو بحسب الموضوع» يؤيد «العلم». وقد يكون الضمير فى «فمنه» عائدا على الشرف

(٢) كذا. أى من العلوم. وقد غير الأسلوب

(٣) سقط فى ب

(٤) كذا. والفاء فاء الفصيحة ، أى اذا أردت البيان فهى العلوم.

(٥) كذا. والفاء فاء الفصيحة ، أى اذا أردت البيان فهى العلوم.

(٦) كذا. والأسوغ : «منفعته»

(٧) ب : «العلم»

٤٤

التى تجب مراعاتها فى العلم والعلماء. فإن لكل علم حدّا لا يتجاوزه ، ولكل عالم ناموسا لا يخلّ به.

فمن الوجوه المغلّطة (١) أن يظنّ فى العلم فوق غايته ؛ كما يظنّ بالطبّ أنه يبرئ جميع الأمراض ؛ وليس كذلك ، فإن كثيرا من الأمراض لا يبرأ بالمعالجة.

ومنها أن يظنّ بالعلم فوق مرتبته فى الشرف ؛ كما يظنّ بالفقه أنه أشرف العلوم على الإطلاق ؛ وليس كذلك ؛ فإنّ التوحيد والعلم الإلهى أشرف منه قطعا.

ومنها أن يقصد بالعلم غير غايته ؛ كمن يتعلّم علما للمال والجاه ؛ فإن العلوم ليس الغرض منها الاكتساب ، بل الغرض منها الاطّلاع على الحقائق ، وتهذيب الخلائق. على أنّه من تعلّم علما للاحتراف لا يكون عالما ، بل يكون شبيها بالعلماء.

ولقد كوشف علماء ما وراء (٢) النهر بهذا العلم وفظعوا (٣) به ، لمّا بلغهم بناء المدارس ببغداد ، وأصفهان ، وشيراز ، أقاموا (٤) مأتم (العلم (٥) وقالوا : كان) العلم يشتغل به أرباب الهمم العليّة ، والأنفس الزكيّة ، الذين كانوا يقصدون العلم لشرفه ، ولتحصيل الكمال به ، فيصيرون علماء ينتفع

__________________

(١) كذا فى ب. وفى ا : «المغلظة» تصحيف

(٢) ما وراء النهر هى البلاد التى تقع وراء نهر جيحون بخراسان (معجم البلدان)

(٣) فى ا ، ب : «يطفوا» والظاهر ما أثبت ، اى استنكروه. يقال : فظع بالأمر اذا هاله وغلبه وفى كشف الظنون ١ / ١٥ (طبعة بولاق): «نطقوا»

(٤) ب : «قاموا» وقوله : «ماتم» فى ا. ب «قائم» والتصحيح من كشف الظنون فى الموطن السابق

(٥) سقط ما بين القوسين فى أ

٤٥

بهم ، وبعلمهم وإذا صار عليه أجرة تدانى (١) إليه الأخسّاء والكسالى ، فيكون ذلك سببا لارتفاعه.

ومن هاهنا هجرت علوم الحكمة ، وإن كانت شريفة لذاتها ؛ قال الله تعالى : (وَمَنْ (٢) يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) وفى الحديث (كلمة (٣) الحكمة ضالّة كلّ حكيم) وفى لفظ (ضالّة المؤمنين ، فاطلب ضالّتك ولو فى أهل الشرك) أى المؤمن يلتقطها حيث وجدها ؛ لاستحقاقه إياها. وفى بعض الآثار (من عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار).

ومن الأمور الموجبة للغلط أن يمتهن العلم بابتذاله إلى غير أهله ؛ كما اتّفق فى علم الطبّ ؛ فإنه كان فى الزّمن القديم حكمة موروثة عن النبوّة ، فهزل حتّى تعاطاه بعض سفلة اليهود ، فلم يتشرفوا (به) (٤) بل رذل بهم.

وقد قال أفلاطون : إن الفضيلة تستحيل رذيلة فى النّفس الرّذلة ؛ كما يستحيل الغذاء الصّالح فى البدن السّقيم إلى الفساد. والأصل فى هذا كلمة النبوّة القديمة (لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم).

ومن هذا القبيل الحال فى علم أحكام النجوم ؛ فإنه ما كان يتعاطاه إلّا العلماء ، تشير (٥) به للملوك ونحوهم ، فرذل حتّى صار لا يتعاطاه

__________________

(١) ب : «تدالى» وهو محرف عن «تدلى»

(٢) من الآية ٢٦٩ سورة البقرة.

(٣) سقط فى ب

(٤) سقط فى أ

(٥) سقط فى أ

٤٦

إلّا جاهل ممخرق (١) يروّج أكاذيبه بسحت لا يسمن ولا يغنى من جوع.

ومن الوجوه المتعيّنة (٢) أن يكون العلم عزيز المنال (٣) رفيع المرقى ، قلّما يتحصّل غايته ، فيتعاطاه من ليس من أكفائه ؛ لينال بتمويهه عرضا (٤) دنيئا ؛ كما اتّفق فى علم الكيمياء ، والسيمياء ، والسحر ، والطّلسمات. وإنى لأعجب ممّن يقبل دعوى من يدّعى علما من هذه العلوم لدينه ؛ فإنّ الفطرة السّليمة قاضية بأن من يطلع على ذرّة من أسرار هذه العلوم يكتمها عن والده وولده ؛ فما الدّاعى لإظهارها ، وكشفها! أو الباعث (عن) (٥) (إيداعها) (٦) ونشرها! فلتعتبر هذه الأمور وأمثالها.

__________________

(١) فى ب : «مخرف». والممخرق وصف من المخرقة وهى اللعب والمزاح مأخوذة من المخراق وهو المنديل يلعب به. وهى مولدة. انظر شفاء الغليل

(٢) كذا فى أ. وما فى ب أقرب الى «المتغنية» وكأن الأصل : «المعنية» أى الموقعة فى العناء والمشقة

(٣) ا : «المثال»

(٤) فى ا : «غرضا»

(٥) كذا. والمعهود : «على»

(٦) كذا فى أ : وما فى ب أقرب الى «ابداعها» وكأن الأصل : «اذاعتها»

٤٧

الفصل الأول

فى شروط التعلم والتعليم

وهى اثنا عشر شرطا : ـ

الأول : أن يكون الغرض إنما هو تحقيق ذلك العلم فى نفسه إن كان مقصودا لذاته ، أو التوسّل به الى ما وضع له إن كان وسيلة إلى غيره ، دون المال والجاه والمبالغة والمكاثرة ؛ بل يكون الغرض تلك الغاية وثواب الله عزوجل. فكثير من نظر فى علم لغرض ، فلم يحصّل ذلك العلم ولا ذلك الغرض ، ولمّا لزم الإمام أبو حامد الغزالىّ الخلوة أربعين يوما رجاء لظهور ينابيع الحكمة من قلبه عملا بما بلغه من الخبر النّبوىّ (من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) ولم ير ذلك ، تعجب من حاله فرأى فى منامه أنه قيل (له (١)) : إنك لم تخلص لله إنّما أخلصت لطلب الحكمة.

الثانى : أن يقصد العلم الّذى تقبله نفسه ، ويميل إليه طباعه ، ولا يتكلّف غيره ؛ فليس كلّ الناس يصلحون لتعلّم العلم ، (ولا (٢) كل صالح لتعلّم العلم) يصلح لتعلّم جميع العلوم. وكلّ ميسّر لما خلق له.

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى أ.

٤٨

الثالث : أن يعلم أوّلا مرتبة العلم الذى أزمع عليه ، وما غايته ، والمقصود منه ؛ ليكون على بيّنة من أمره.

الرابع : أن يأتى على ذلك مستوعبا لمسائله من مبادئه إلى غايته ، سالكا فيه الطّريق الأليق به ، من تصور وتفهّم واستثبات بالحجج.

الخامس : أن يقصد فيه الكتب المنتقاة (١) المختارة ؛ فإن الكتب المصنّفة على قسمين : علوم وغير علوم.

وهذه ـ أعنى الثانية ـ إمّا أوصاف حسنة ، وأمثال سائرة ، قيّدتها (٢) التقفية والوزن ؛ وهى دواوين الشعراء ـ وهى طبقات ـ وإمّا عارية عن هذا القيد ؛ وهى التواريخ وأخبار الماضين وحوادث الحدثان ، فيما تقدّم من الأزمان.

وأمّا كتب العلوم فإنها لا تحصى كثرة (٣) ؛ لكثرة العلوم وتفنّنها ، واختلاف أغراض العلماء فى الوضع والتأليف. ولكن تنحصر من جهة المقدار فى ثلاثة أصناف :

مختصرة لفظها أوجز من معناها. وهذه تجعل تذكرة لرءوس المسائل ينتفع بها المنتهى للاستحضار ؛ وربّما أفادت بعض المبتدئين من الأذكياء (٤) الشّهماء (٥) ؛ لسرعة هجومهم على المعانى من العبارات الدقيقة.

ومبسوطة تقابل المختصرة ؛ وينتفع بها للمطالعة.

__________________

(١) فى أ ، ب : «المنقية» ويبدو أنه محرف عما أثبت

(٢) فى أ ، ب : «قيد بها» والأظهر ما أثبت وفى كشف الظنون فى المقدمة (الباب الثالث فى المؤلفين): «واما أوصاف وأمثال ونحوها قيدها النظم»

(٣) فى ا : «كثيرة»

(٤) ا ، ب : «الأزكياء»

(٥) انظر التعليق على الخطبة

٤٩

ومتوسّطة لفظها بإزاء معناها ؛ ونفعها عامّ.

وسنذكر من هذه الأقسام عند كلّ علم ما هو مشهور ومعتبر عند أهله من ذلك.

والمصنّفون المعتبرة تصانيفهم فريقان :

الأول : من له فى العلم ملكة تامّة ، ودربة (١) كافية ، وتجارب وثيقة ، وحدس ثاقب صائب ، واستحضار قريب ، وتصانيفهم عن قوّة تبصرة ، ونفاذ (٢) فكر ، وسداد رأى ، تجمع الى تحرير المعانى وتهذيب الألفاظ. وهذه (٣) لا يستغنى عنها أحد من العلماء ؛ فإن نتائج الأفكار لا تقف عند حدّ ، بل لكلّ (٤) عالم ومتعلّم منها حظّ. وهؤلاء أحسنوا إلى الناس ، كما أحسن الله إليهم ، زكاة لعلومهم ، وإبقاء للذّكر (٥) الجميل فى الدّنيا ، والأجر الجزيل فى الأخرى.

الثانى : من له ذهن ثاقب ، وعبارة طلقة ، ووقعت إليه كتب جيّدة جمة الفوائد ، لكنها غير رائقة فى التأليف ، والنّظم ، فاستخرج دررها (وأحسن) (٦) نضدها ونظمها ، وهذه (٧) ينتفع بها المبتدءون ، والمتوسطون. وهؤلاء مشكورون على ذلك محمودون

الشرط السادس : أن يقرأ على شيخ مرشد أمين ناصح ، ولا يستبدّ طالب بنفسه ؛ اتكالا على ذهنه ، والعلم فى الصّدور لا فى السطور. وهذا

__________________

(١) أ ، ب : «درية» من الدراية. والأقرب ما أثبت

(٢) ب : «دقائق»

(٣) ا ، ب : «هذا»

(٤) ا : «بكل»

(٥) ب : «لذكرهم»

(٦) سقط ما بين القوسين فى ب

(٧) ا ، ب : «هذا»

٥٠

أبو على (١) بن سينا ـ مع ثقابة (٢) ذهنه ، وما كان عليه من الذكاء (٣) المفرط والحذق البالغ ـ لما اتّكل على نفسه ، وثوقا بذهنه ، لم يسلم من التصحيفات.

ومن شأن الأستاذ الكامل أن يرتّب الطالب الترتيب الخاصّ بذلك العلم ، ويؤدبه بآدابه ، وأن يقصد إفهام المبتدئ تصوّر المسائل ، وأحكامها فقط ، وأن يثبتها بالأدلّة إن كان العلم مما يحتجّ إليه (٤) عند من يستحضر المقدمات. وأما إيراد الشبه إن كانت ، وحلّها ، فإلى المتوسّطين المحقّقين.

الشرط السّابع : أن يذاكر به الأقران والنّظراء ؛ طلبا للتحقيق والمعاونة ، لا المغالبة والمكابرة ، بل لغرض (٥) الاستفادة (والإفادة (٦)).

الشرط الثامن : أنه إذا حصّل علما ما ، وصار أمانة فى عنقه ، لا يضيعه بإهماله وكتمانه عن مستحقّيه ؛ فقد ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (من (٧) علم علما نافعا وكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار) ، وألّا يهينه بإدلائه الى غير مستحقّه ؛ فقد ورد فى كلام النبوّة الاولى (لا (٨) تعلّقوا

__________________

(١) هو الرئيس الحسين بن عبد الله بن سينا أشهر فلاسفة الاسلاميين ، ويتحدث عن نفسه : «ثم أخذت أقرأ الكتب على نفسى» القفطى ٢٦٩ : ويبدو أن تصحيفاته فى كتابه «لسان العرب» الذى الفه فى اللغة ، وقال القفطى ٢٧٦ : ان هذا الكتاب بقى مسودة ولم يهتد أحد الى ترتيبه

(٢) أ ، ب : «ثقافة» ويبدو أنه محرف عما أثبت.

(٣) أ ، ب : «الزكاء»

(٤) كذا. وكأن الأصل : «له»

(٥) أ ، ب : «الغرض»

(٦) سقط ما بين القوسين فى أ

(٧) جاء فى الجامع الصغير بلفظ : «من كتم علما عن أهله الجم يوم القيامة بلجام من نار» ورمز له بالرمز (عد) أى رواه ابن عدى فى الكامل الذى ألفه فى معرفة الضعفاء ، ومقتضى هذا انه ضعيف.

(٨) ورد الحديث فى الجامع الصغير بلفظ (لا تطرحوا الدر فى أفواه الكلاب). وهو حديث ضعيف.

٥١

الدّرر فى أعناق الخنازير) أى لا تؤتوا العلم غير أهلها (١) ، وأن يثبت فى الكتب لمن يأتى بعده ما عثر عليه بفكره (٢) ، واستنبطه (٣) بممارسته وتجاربه ، مما لم يسبق اليه ، كما (٤) فعله من قبله ، فمواهب الله لا تقف عند حدّ ، وألّا يسئ الظّن بالعلم وأهله ، ففعله ممّا لا يليق بالعلماء.

الشرط التاسع : ألّا يعتقد فى علم أنّه حصل منه على مقدار لا تمكن الزّيادة عليه ، فذلك جهل يوجب الحرمان ـ نعوذ بالله منه ـ فقد قال سيّد العلماء وخاتم الأنبياء : (لا بورك (٥) لى فى صبيحة لا أزداد فيها علما).

الشرط العاشر : أن يعلم أن لكلّ علم حدّا لا يتعدّاه ، فلا يتجاوز ذلك الحدّ ، كما يقصد إقامة البراهين على علم النحو ، ولا يقصر بنفسه عن حدّه ، فلا يقنع بالجدل فى الهيئة.

الشرط الحادى عشر : ألّا يدخل علما فى علم ، لا فى تعليم ولا فى مناظرة ؛ فإن ذلك مشوّش. وكثيرا ما خلّط الأفاضل بهذا السبب ؛ كجالينوس (٦) وغيره.

الشرط الثانى عشر : أن يراعى حقّ أستاذ التعليم ؛ فإنّه أب (٧). سئل الإسكندر عن تعظيمه معلّمه أكثر من تعظيمه والده ، فقال : هذا أخرجنى

__________________

(١) كذا فى ا ، ب : والمناسب : «أهله»

(٢) ا ، ب : «تفكره» والمناسب ما أثبت

(٣) ب : «استنبط»

(٤) أ : «بما»

(٥) فى تنزيه الشريعة لابن عراق ورد الحديث بلفظ : «اذا أتى على يوم لا أزداد فيه علما فلا بورك لى فى طلوع شمس ذلك اليوم. وذكر أن الحافظ العراقى فى تخريج أحاديث الاحياء اقتصر على تضعيفه أى لم يعده فى الموضوعات

(٦) هو طبيب يونانى اشتهر بالتشريح. وكانت وفاته سنة ٢٠١ م كما فى لاروس.

(٧) ا : «أدب»

٥٢

إلى العناء والفناء ، ومعلّمى دلّنى على دار الهناء والبقاء. والرّفيق فى التعلّم أخ ، والتلميذ ولد ، ولكلّ حقّ يجب القيام به.

واعلم أن على كل خير مانعا. فعلى العلم موانع ، وعن الاشتغال به عوائق.

منها الوثوق بالزّمان المتّصل ، وانفساح الأبد فى ذلك. [أ] ولا يعلم الإنسان أنه إن (١) انتهز الفرصة ، وإلّا فاتت وليس لفواتها قضاء البتّة. فإن أسباب الدّنيا تكاد تزيد على الخطّاب من ضروريات وغيرها ، وكلّها شواغل ، والأمور التى بمجموعها يتم التحصيل إنما تقع على سبيل الحثّ ، وإذا تولّت فهيهات عود مثلها.

ومنها الوثوق بالذكاء (٢) ، وأنّه سيحصّل الكثير من العلم فى القليل من الزمان متى شاء ، فيحرمه الشواغل والموانع. وكثير من الأذكياء (٣) فاتهم العلم بهذا السبب.

ومنها الانتقال من علم الى علم آخر قبل أن يحصّل منه قدرا يعتدّ به ، أو من كتاب الى كتاب قبل ختمه. فذلك هدم لما بنى (ويعزّ مثله (٤)).

(ومنها (٥)) طلب المال والجاه ، أو الركون الى اللذّات البهيمية (٦) والعلم أعزّ أن ينال مع غيره ، أو على سبيل التبعيّة. بل إذا أعطيت العلم كلّك أعطاك العلم بعضه.

__________________

(١) سقط فى ب. وجواب الشرط محذوف. أى أن انتهز الفرصة أدرك مقصوده

(٢) ا ، ب : «بالزكاء»

(٣) أ ، ب : «الأولياء» والمناسب ما أثبت

(٤) كذا فى ا ، ب : والعبارة نابية هنا. وكأن أصلها (ونقض له).

(٥) سقط ما بين القوسين فى ب

(٦) أ ، ب : «البهيمة»

٥٣

ومنها ضيق الحال ، وعدم المعونة على الاشتغال.

ومنها إقبال الدّنيا ، وتقلّد الأعمال ، وولاية المناصب ، وهذا من أعظم الموانع.

ثم اعلم أنّ للعلم عرفا ينمّ على صاحبه ، ونورا يرشد إليه ، وضياء يشرق عليه ؛ فحامل المسك لا تخفى روائحه : معظّم عند النفوس الخيّرة ، محبّب الى العقلاء ، وجيه عند ذوى (١) الوجوه ، تتلقّى القلوب أقواله وأفعاله بالقبول. ومن لم يظهر عليه أمارات علمه فهو ذو بطانة (٢) ، لا صاحب إخلاص

القول فى حصر العلوم :

كل علم فإمّا أن يكون مقصودا لذاته أو لا.

والأوّل العلوم الحكميّة الإلهيّة. والمراد بالحكمة (٣) هاهنا استكمال النّفس الناطقة قوّتيها : النظريّة ، والعلميّة بحسب الطّاقة الإنسانيّة. والأوّل يكون بحصول الاعتقادات اليقينيّة فى معرفة الموجودات وأحوالها. والثانى يكون بتزكية النفس باقتنائها الفضائل ، واجتنابها الرّذائل.

وأمّا الثانى ـ وهو ما لا يكون مقصودا لذاته ، بل يكون آلة لغيره فإمّا للمعانى ـ وهو علم المنطق ـ وإمّا لما يتوصّل به إلى المعانى ، وهو اللفظ والخطّ : وهو علم الأدب.

والعلوم الحكميّة النظريّة تنقسم الى أعلى ـ وهو علم الإلهىّ ـ وأدنى ـ وهو علم الطّبيعىّ ـ وأوسط وهو العلم الرياضىّ.

__________________

(١) ب : «أولى»

(٢) كذا. وقد يكون : «بطالة».

(٣) ا ، ب : «بالحكمية»

٥٤

ومن المعلوم أن إرسال الرّسل عليهم‌السلام إنما هو لطف من الله تعالى بخلقه ، ورحمة لهم ، ليتمّ لهم معاشهم ، ويتبيّن لهم حال معادهم. فتشتمل الشريعة ضرورة على المعتقدات الصّحيحة الّتى يجب التصديق بها ، والعبادات المقرّبة الى الله ـ عزّ شأنه (ممّا يجب (١) القيام به ، والمواظبة عليه. والأمر بالفضائل والنهى ـ عن الرذائل (٢) ـ مما يجب (٣)) قبوله ، فينتظم من ذلك ثمانية علوم شرعيّة : علم تفسير الكتاب المنزل على النبى المرسل ، علم القرآن (٤) ، علم رواية الحديث ، علم دراية الحديث ؛ علم أصول الدّين ، علم أصول الفقه ، علم الجدل ، علم الفقه.

المقصد الاول

فى لطائف تفسير القرآن العظيم

اعلم أنا رتّبنا هذا المقصد الشريف على أغرب أسلوب. وقدّمنا أمامه مقدّمات ومواقف :

أمّا المقدمات ففى ذكر فضل القرآن ، (ووجه (٥) إعجازه وعدّ أسمائه ، وما لا بدّ للمفسرين من معرفته : من ترتيب نزول سور القرآن) واختلاف أحوال آياته ؛ وفى (٦) مواضع نزوله ، وفى وجوه مخاطباته ، وشىء من بيان الناسخ والمنسوخ ، وأحكامه ، ومقاصده ، من ابتداء القرآن إلى انتهائه.

وأذكر فى كلّ سورة على حدة سبعة (٧) أشياء : موضع النّزول ، وعدد

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط فى ا.

(٢) فى ب : بالرذائل

(٣) ما بين القوسين ساقط فى ا.

(٤) ب : «القراءة»

(٥) سقط ما بين القوسين فى ب

(٦) سقط فى ا.

(٧) ب : «تسعة».

٥٥

الآيات ، والحروف ، والكلمات. وأذكر الآيات التى اختلف فيها القرّاء ، ومجموع فواصل آيات السّورة ، وما كان للسّورة من اسم ، أو اسمين فصاعدا ، واشتقاقه ، ومقصود السورة ، وما هى متضمّنة له ، وآيات النّاسخ والمنسوخ منها ، (والمتشابه (١) منها) ، وبيان فضل السّورة ممّا ورد فيها من الأحاديث.

ثم أذكر موقفا (٢) يشتمل على تسعة وعشرين بابا ، على عدد حروف الهجاء.

ثم أذكر فى كل باب من كلمات القرآن ما أوله حرف ذلك الباب. مثاله أنّى أذكر فى أول باب الألف الألف (٣) وأذكر وجوهه ، ومعانيه ، ثم أتبعه بكلمات أخرى مفتتحة بالألف. وكذلك فى باب الباء ، والتاء إلى آخر الحروف. فيحتوى ذلك على جميع كلمات القرآن ، ومعانيها ، على أتمّ الوجوه.

وأختم ذلك (٤) بباب الثلاثين ، أذكر فيه أسماء الأنبياء ومتابعيهم ، من الأولياء ، ثم أسماء أعدائهم المذكورين فى القرآن ، واشتقاق كل ذلك لغة ، وما كان له فى القرآن من النظائر. وأذكر ما يليق به من الأشعار والأخبار. وأختم الكتاب بذكر خاتم النّبيّين.

وجعلت أوّل كل كلمة بالحمرة (بصيرة) اقتباسا من قوله تعالى : (هذا (٥) بَصائِرُ لِلنَّاسِ) وقوله : (قَدْ جاءَكُمْ (٦) بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) وقوله : (قُلْ هذِهِ (٧) سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ).

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى ا

(٢) ب : «موافقا»

(٣) ا : «ألف»

(٤) ب : «بذلك»

(٥) الآية ٢٠ سورة الجاثية

(٦) الآية ١٠٤ سورة الأنعام

(٧) الآية ١٠٨ سورة يوسف

٥٦

الباب الأول

[وفيه طرفان]

[الطرف الأول] فى ذكر المقدّمات والمواقف :

وهذا الباب مشتمل على طرفين (١) : الطرف الأول فى المقدمات وهى ثمانية فصول. والطرف الثانى فى المواقف. وهى تفصيل سور القرآن من أوله إلى آخره ، وذكر (٢) ما يليق به : من (٣) عدد الآيات ، والحروف ، والكلمات ، والناسخ والمنسوخ ، واسم السّورة ، وموضع نزولها ، وفضل السورة ..

الفصل الأول

فى فضائل القرآن ومناقبه

قال الله تعالى : (وَلَقَدْ (٤) آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) وقال (٥)(بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) وقال : (وَإِنَّهُ (٦) لَكِتابٌ عَزِيزٌ) وسيأتى تفصيل أسماء القرآن بعد هذا.

وأمّا الخير فأشرف الأحاديث فى ذلك ما صحّ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه حدّث (٧) عن جبريل عليه‌السلام عن الربّ تبارك وتعالى أنه قال ((٨) من شغله قراءة كتابى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى

__________________

(١) أ : «الطرفين»

(٢) ب : «أذكر»

(٣) سقط فى ب

(٤) الآية ٨ سورة الحجر

(٥) الآية ٢١ سورة البروج

(٦) الآية ٤١ سورة فصلت

(٧) ب : «حديث»

(٨) رواه الترمذى وقال : حديث حسن غريب. انظر الترغيب والترهيب للمنذرى فى مبحث قراءة القرآن.

٥٧

الشاكرين) وفى رواية (السّائلين). وعن أنس عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال ((١) إن لله أهلين من الناس. فقيل : من هم يا رسول الله؟ قال : أهل القرآن. هم أهل الله وخاصّته) وعن ابن عباس يرفعه (أشراف (٢) أمّتى حملة القرآن ، وأصحاب الليل) وعنه أيضا يرفعه ((٣) من أعطى القرآن فظنّ أنّ أحدا أعطى أفضل ممّا أعطى فقد عظّم ما حقّر الله وحقّر ما عظّم الله) وقال (من (٤) أوتى القرآن فكأنما أدرجت النبوّة بين جنبيه ، إلّا أنّه لم يوح إليه) وسئل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل من أفضل النّاس؟ فقال (الحالّ (٥) المرتحل. قيل : ومن الحالّ المرتحل؟ قال : صاحب القرآن كلّما حلّ ارتحل) أى كلّما أتمّ ختمة استأنف ختمة أخرى.

وعن عليّ رضى الله عنه (قال : (٦) ذكر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الفتنة (٧). قلنا يا رسول الله : وما المخرج منها؟ قال : كتاب الله. فيه نبأ ما قبلكم ، وفصل ما بينكم ، وخبر ما بعدكم. وهو الفصل ليس بالهزل. من تركه من جبّار (٨) قصمه الله. ومن ابتغى الهدى فى غيره

__________________

(١) رواه النسائى وابن ماجه واحمد. من كتاب تمييز الطيب من الخبيث

(٢) فى أ ، ب : «أشرف» والتصحيح من الترغيب والترهيب فى فضل قيام الليل والحديث رواه ابن أبى الدنيا والبيهقى ، كما فى الترغيب والترهيب.

(٣) فى الجامع الصغير : «من أعطاه الله حفظ كتابه فظن أن أحدا أعطى أفضل مما أعطى فقد غلط أعظم النعم ـ وفى رواية فقد صغر اعظم النعم ـ. وفى الشرح أن اسناده ضعيف.

(٤) أخرجه الطبرانى والحاكم وصححه البيهقى فى الشعب ، تنزيه الشريعة ١ / ٢٩٣

(٥) ذكر هذا الحديث الرامهرمزى فى الأمثال انظر كنز العمال ١ / ٢٢٦

(٦) الحديث أخرجه الترمذى بسند فيه الحارث الأعور عن على رضى الله عنه ، وفيه كلام ويميل القرطبى الى توثيقه. وانظر تفسير القرطبى ١ / ٥ وكنز العمال ١ / ٤٥

(٧) ب : «الغيبة»

(٨) ب : «خيار)

٥٨

أضلّه الله ، وهو (حبل (١) الله) المتين. وهو الذكر الحكيم ، وهو الصّراط المستقيم ، وهو الذى لا يلتبس له الألسن ، ولا يزيغ به الأهواء ، ولا يخلق عن كثرة الرّدّ ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا ينقضى عجائبه. هو الّذى لم يلبث الجنّ إذ سمعته (٢) أن قالوا : إنّا سمعنا قرآنا عجبا. من قال به (٣) صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن اعتصم به هدى إلى صراط مستقيم) وعن ابن مسعود عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال (إن (٤) هذا القرآن مأدبة الله فى أرضه ، فتعلّموا (٥) مأدبته ما استطعتم. وإن هذا القرآن هو حبل الله ، فهو نوره المبين ، والشّفاء النافع ، عصمة لمن تمسك به ، ونجاة من (٦) تبعه. (لا يعوجّ فيقوّم ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا ينقضى عجائبه ، ولا يخلق عن (٧) كثرة الردّ فاقرءوه ؛ فإنّ الله يأجركم بكلّ حرف عشر حسنات. أما إنى لا أقول : الم عشر (٨) ، ولكن ألف ، ولام ، وميم ثلاثون حسنة) وعن أبى هريرة أنّ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال (٩) (فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) وعن أبى الدرداء يرفع إلى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٠) : القرآن أفضل من كل شىء دون الله. فمن وقّر القرآن فقد وقّر الله ، ومن لم يوقّر القرآن فقد استخفّ بحرمة الله. حرمة القرآن على الله كحرمة الوالد على ولده) وعن أبى أمامة أنّ

__________________

(١) ب : «الحبل»

(٢) ا ، ب : «أو»

(٣) ا ، ب : «له»

(٤) رواه الحاكم من رواية صالح بن عمر عن ابراهيم الهجرى عن أبى الأحوص عنه وقال : تفرد به صالح بن عمر عنه وهو صحيح ـ من الترغيب والترهيب فى كتاب قراءة القرآن.

(٥) ب : «فتلموا» ويظهر آن الأصل : «فهلموا» وفى الترغيب والترهيب : «فاقبلوا»

(٦) فى الترغيب : «لمن»

(٧) فى الترغيب : «من»

(٨) فى الترغيب : «حرف»

(٩) رواه الترمذى وقال : حديث حسن غريب ، من الترغيب والترهيب

(١٠) رواه الترمذى وقال : حديث حسن غريب ، من الترغيب والترهيب

٥٩

النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : (من (١) قرأ ثلث القرآن أوتى ثلث النبوّة. ومن قرأ نصف القرآن أوتى نصف النبوّة. ومن قرأ ثلثى القرآن أوتى ثلثى النبوّة. ومن قرأ [القرآن](٢) كلّه أوتى النبوّة كلها ، ثم يقال له يوم القيامة : اقرأ وارق بكلّ آية درجة حتّى ينجز ما (معه (٣) من) القرآن. ثم يقال له : اقبض فيقبض ، فيقال : هل تدرى ما فى يديك؟ فإذا فى اليمنى الخلد ، وفى (٤) الأخرى النعيم).

وعن عائشة رضى الله عنها عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال (٥) : حملة القرآن محفوفون برحمة الله ، الملبسون نور الله ، المعلّمون كلام الله. فمن عاداهم فقد عادى الله. ومن والاهم فقد والى الله. يقول الله عزوجل : يا حملة كتاب الله تحبّبوا إلى الله بتوقير كتابه يزدكم حبّا ، ويحبّبكم إلى خلقه. يدفع عن مستمع القرآن شرّ الدنيا ، ويدفع عن تالى القرآن بلوى الآخرة. ولمستمع آية من كتاب الله خير من ثبير (٦) ذهبا. ولتالى آية من كتاب الله خير مما تحت العرش إلى تخوم الأرض السفلى) وعن أبى (٧) بريدة

__________________

(١) ذكره ابن الجوزى فى الموضوعات ، وقد أخرجه البيهقى فى الشعب. من تنزيه الشريعة ١ / ٢٩٢

(٢) زيادة من تنزيه الشريعة

(٣) ورد بعضه فى تنزيه الشريعة فى الموضوعات وورد بعضه عن انس فى القرطبى ١ / ٢٦

(٤) سقط فى أ

(٥) فى تنزيه الشريعة : «وعده»

(٦) فى ا ، ب : «تبين» وهو تحريف. وثبير جبل بظاهر مكة. وفى كنز العمال ١ / ١٣٢ : «من صبير» ويبدو أنه الصواب فقد جاء فى النهاية وذكر أنه اسم جبل فى اليمن. وفى تنزيه الشريعة «خير من كنز الذهب»

(٧) ب : «ابن» وأبو بريدة هو عمرو بن سلمة الجرمى ، وانظر الاصابة رقم ٥٨٥٢ ، وفى تنزيه الشريعة اسناد بعض هذا الحديث الى بريدة ففيه فى ص ٢٩٣ ج ١ : «وحديث بريدة أن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ثم يقال اقرأ واصعد فى درج الجنة وغرفها ، فهو فى صعود ما دام يقرأ هذا وترتيلا أخرجه أحمد والبيهقى بسند صحيح» وبريدة الأسلمى ترجمته فى الاصابة رقم ٦٢٩. وجاء الحديث باللفظ المذكور هنا فى كنز العمال ١ / ١٣٨

٦٠