بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

المتشابهات

قوله : (إِلَّا (١) الْمُصَلِّينَ) عدّ عقيب ذكرهم الخصال المذكورة أوّل سورة المؤمنين ، وزاد فيها (وَالَّذِينَ (٢) هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) ؛ لأنّه وقع عقيب قوله : (لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) وإقامة الشهادة أمانة ، يؤدّيها إذا احتاج إليها صاحبها ، لإحياء حقّ. فهى إذا من جملة الأمانة ، وقد ذكرت الأمانة فى سورة المؤمنين ، وخصّت هذه السّورة بزيادة بيانها ؛ كما خصّت بإعادة ذكر الصلاة حيث قال : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) بعد قوله : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ).

فضل السورة

فيه حديث أبىّ الضّعيف : من قرأها أعطاه الله تعالى ثواب الّذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ، والّذين هم على صلاتهم يحافظون ، وحديث على : يا علىّ من قرأها كتب الله له بكلّ كافر وكافرة ، من الأحياء والأموات ستّين حسنة ، ورفع له (ستين (٣) درجة وله) بكلّ آية قرأها مثل ثواب يونس.

__________________

(١) الآية ٢٢.

(٢) الآية ٣٣.

(٣) سقط ما بين القوسين فى أ.

٤٨١

٧١ ـ بصيرة فى إنّا أرسلنا ..

السّورة مكّيّة. وآياتها ثمان وعشرون فى عدّ الكوفة ، وتسع فى عدّ البصرة والشام ، وثلاثون عند الباقين. وكلماتها مائتان وأربع وعشرون. وحروفها تسعمائة وتسع وخمسون. والمختلف فيها أربع : سواعا (١) ، (فَأُدْخِلُوا ناراً)(٢)(وَنَسْراً) ، (وَقَدْ أَضَلُّوا (٣) كَثِيراً). فواصل آياتها (منا) على الميم آية : أليم (٤). سمّيت سورة نوح لذكره فى مفتتحها ومختتمها.

معظم مقصود السّورة : أمر نوح بالدعوة ، وشكاية نوح من قومه ، والاستغفار لسعة النعمة ، وتحويل حال الخلق من حال إلى حال ، وإظهار العجائب على سقف السّماء ، وظهور دلائل القدرة على بسيط الأرض ، وغرق قوم نوح ، ودعاؤه عليهم بالهلاك ، وللمؤمنين بالرّحمة ، وللظّالمين بالتبار والخسارة ، فى قوله : (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً).

السّورة محكمة : لا ناسخ ولا منسوخ.

المتشابه

(قالَ (٥) نُوحٌ) بغير واو ، ثم قال : (وَقالَ (٦) نُوحٌ) بزيادة الواو ؛ لأنّ الأوّل ابتداء دعاء (٧) والثانى عطف عليه.

__________________

(١) الآية ٢٣.

(٢) الآية ٢٥.

(٣) الآية ٢٤.

(٤) الآية ١.

(٥) الآية ٢١.

(٦) الآية ٢٦.

(٧) سقط فى أ.

٤٨٢

قوله : (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً)(١) وبعده : (إِلَّا تَباراً)(٢) ؛ لأنّ الأوّل وقع بعد قوله (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) ، والثّانى بعد قوله (لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ) فذكر فى كلّ مكان ما اقتضاه ، وما شاكل معناه.

فضل السّورة

فيه من الأحاديث الواهية حديث أبىّ : من قرأها كان من المؤمنين الّذين تدركهم دعوة نوح (وحديث (٣) على : يا على من قرأها كان فى الجنة رفيق نوح وله ثواب نوح) وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب سام ابن نوح.

__________________

(١) الآية ٢٤.

(٢) الآية ٢٨.

(٣) سقط ما بين القوسين فى أ.

٤٨٣

٧٢ ـ بصيرة فى قل أوحى ..

السّورة مكّيّة. آياتها ثمان وعشرون عند الكلّ ، إلّا مكة ؛ فإنّها فى عدّهم (١) سبع. عدوّا (لَنْ يُجِيرَنِي (٢) مِنَ اللهِ أَحَدٌ) ، وأسقطوا (مُلْتَحَداً) فى غير رواية البزّىّ. وفى رواية البزّى : لم يعدّ (لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) ، ولم يعد (مُلْتَحَداً) فصار فى روايته سبعا وعشرين. وفى الرواية الأخرى : ثمانيا وعشرين. وكلماتها مائتان وخمس وثمانون. وحروفها تسعمائة وتسع وخمسون. فواصل آياتها على الألف. سمّيت سورة الجنّ ، لاشتمالها على الجنّ فى قوله : (يَعُوذُونَ (٣) بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ) ، وقوله : (نَفَرٌ (٤) مِنَ الْجِنِّ).

معظم مقصود السّورة : عجائب علوم القرآن ، وعظمة سلطان الملك الدّيّان ، وتعدّى الجنّ على الإنسان ، ومنعهم عن الوصول إلى السّماء بالطّيران ، والرّشد والصّلاح لأهل الإيمان ، وتهديد الكفّار بالجحيم والنيران ، وعلم الله تعالى بالإسرار والإعلان ، وكيفية تبليغ الوحى من الملائكة إلى الأنبياء

__________________

(١) يفهم من كلامه الآتى أن الذى يعدها من أهل مكة سبعا وعشرين هو البزى فقط ، وجمهور المكيين على عدها ثمانيا وعشرين ، وعبارته هنا توهم العكس. ويظهر أن خلاف البزى غير مشهور وغير معمول به ، فالشاطبى فى ناظمة الزهر لم يذكر خلافا فى أنها ثمان وعشرون ، وكذلك شهاب البيضاوى.

(٢) الآية ٢٢.

(٣) الآية ٦.

(٤) الآية ١.

٤٨٤

بالإتقان ، وحصر المعلومات فى علم خالق الخلق فى قوله : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً).

السّورة محكمة : لا ناسخ فيها ولا منسوخ.

المتشابه

قوله : «وَأَنَّهُ» (كرّر مرات أن (١) وأنه (٢)). واختلف القرّاء فى اثنتى عشرة منها وهى من قوله : (وَأَنَّهُ تَعالى) إلى قوله : (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) : ففتحها بعضهم (٣) عطفا على (أُوحِيَ (٤) إِلَيَّ أَنَّهُ) وكسرها بعضهم ؛ عطفا على قوله : (فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا) ، وبعضهم (٥) فتح (أَنَّهُ) ؛ عطفا على (أَنَّهُ) وكسر (إنا) عطفا على (إِنَّا). وهو شاذّ.

فضل السّورة

عن أبىّ : من قرأها أعطى بعدد كلّ جنّ وشيطان صدّق بمحمّد وكذّب به ، عتق (٦) رقبة ، وعن على : يا علىّ من قرأها لا يخرج من الدّنيا حتى يرى مكانه من الجنّة ، وله بكل آية قرأها ثواب الزاهدين.

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٢) فى ب : «وأنه تعالى جدر بنا» والذى تكرر هو «أنه» فقط فلذلك اقتصرت على ما أثبته.

(٣) هم ابن عامر وحفص وحمزة والكسائى وخلف.

(٤) أى على المصدر المؤول الذى هو نائب الفاعل. وعورض بأن أكثرها لا يصح دخوله تحت (أُوحِيَ) وهو ما كان فيه ضمير المتكلم ، نحو (لَمَسْنَا). ويرى كثير من المفسرين أن العطف على الضمير المجرور فى (آمَنَّا بِهِ). وانظر الاتحاف والبيضاوى.

(٥) فى الاتحاف أن أبا جعفر قرأ بالفتح ثلاثة : وهى : «وَأَنَّهُ تَعالى» و «أَنَّهُ كانَ يَقُولُ» و «وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ» وكسر الباقية ومنها : «وإنهم ظنوا» وأبو جعفر من العشرة وقد تابعه الحسن والأعمش من الأربعة عشر.

(٦) أى : ثواب عتق رقبة.

٤٨٥

٧٣ ـ بصيرة فى يا أيها المزمل ..

السّورة مكّيّة ، سوى آية واحدة من آخرها. وآياتها ثمان (١) عشرة فى عدّ الكوفة ، وتسعة عشر فى البصرة ، وعشرون فى الباقين. وكلماتها مائتان وخمس وثمانون. وحروفها ثمانمائة وستّ وثلاثون. المختلف فيها ثلاث آيات : المزّمّل ، شيبا (٢) ، (إِلَيْكُمْ (٣) رَسُولاً). فواصل آياتها على الألف ، إلّا الآية الأولى ؛ فإنه باللّام ، والأخيرة ؛ فإنّها (بالرّاء) (٤). مجموعها (رال) (٥). سمّيت سورة المزّمل ؛ لافتتاحها.

معظم مقصود السّورة : خطاب الانبساط مع سيّد المرسلين ، والأمر بقيام اللّيل ، وبيان حجّة التّوحيد ، والأمر بالصّبر على جفاء الكفّار ، وتهديد الكافر بعذاب النار ، وتشبيه رسالة المصطفى برسالة موسى ، والتخويف بتهويل القيامة ، والتسهيل والمسامحة فى قيام اللّيل ، والحثّ على الصدقة والإحسان ، والأمر بالاستغفار من الذّنوب والعصيان ، فى قوله : (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

__________________

(١) الذى فى شرح ناظمة الزهر أن عددها عند الكوفيين عشرون. وكذلك هى فى مصحف حفص الكوفى الذى بأيدينا عشرون.

(٢) الآية ١٧.

(٣) الآية ١٥.

(٤) كذا فى أ ، ب. وهو خطأ والصواب : «بالميم» ، «مجموعها مال أو لام».

(٥) كتب فى هامش ب : «الرال ولد النعام» والاصل فيه الهمز. وقد علمت ما فيه من الخطأ

٤٨٦

الناسخ والمنسوخ

فيها من المنسوخ ستّ آيات : ثلاث من أوّل السّورة : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ)(١) ن (وَاهْجُرْهُمْ (٢) هَجْراً) ، وقوله : (وَذَرْنِي (٣) وَالْمُكَذِّبِينَ) م وقوله : (إِنَّ هذِهِ (٤) تَذْكِرَةٌ) ن آية (٥) السّيف.

المتشابهات

قوله تعالى : (فَاقْرَؤُا (٦) ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ، وبعده : (ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) ؛ لأنّ الأوّل فى الفرض ، وقيل : فى النافلة ، وقيل : خارج الصّلاة. ثم ذكر سبب التخفيف ، فقال : (سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) ، ثم أعاد فقال : (ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) والأكثرون على أنّه فى صلاة المغرب ، والعشاء.

فضل السّورة

حديث أبىّ المعلوم ضعفه : من قرأها (دفع (٧) عنه العسر فى الدنيا والآخرة ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأها) أعطاه الله ثواب العلماء ، وله بكلّ آية قرأها ستر من النّار.

__________________

(١) الآية ٢٠.

(٢) الآية ١٠.

(٣) الآية ١١.

(٤) الآية ١٩.

(٥) الآية ٥ سورة التوبة.

(٦) الآية ٢٠.

(٧) سقط ما بين القوسين فى أ.

٤٨٧

٧٤ ـ بصيرة فى يا أيها المدثر ..

السّورة مكّيّة. وآياتها ست وخمسون فى عدّ العراقى والبزّىّ ، وخمس فى عدّ المكّىّ. وكلماتها مائتان وخمس وخمسون. وحروفها ألف وعشر. المختلف فيها اثنان (١) : (يَتَساءَلُونَ (٢) عَنِ الْمُجْرِمِينَ). فواصل آياتها (ردنها) على الدّال آية : (ثُمَّ يَطْمَعُ (٣) أَنْ أَزِيدَ). سمّيت المدّثّر ؛ لمفتتحها.

مقصود السّورة : أمر النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدعوة الخلق إلى الإيمان ، وتقرير صعوبة القيامة على (الكفّار و) أهل العصيان ، وتهديد وليد (٤) ابن مغيرة بنقض القرآن ، وبيان عدد زبانية النّيران ، وأنّ كلّ أحد رهن بالإساءة والإحسان ، وملامة الكفّار على إعراضهم عن الإيمان ، وذكر وعد الكريم على التقوى بالرّحمة والغفران ، فى قوله : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ).

المنسوخ فيها آية واحدة : م (ذَرْنِي (٥) وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) ن آية السيف.

__________________

(١) كذا فى أ ، ب وكأنه أراد لفظين ، والا فالواجب اثنتان اذ هما عدد للآيتين.

(٢) الآيتان ٤٠ ، ٤١. يريد أن بعضهم عد (يَتَساءَلُونَ) وبعضهم لم يعدها ، وكذلك القول فى (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) وفى مصحف حفص عدهما جميعا فهما آيتان.

(٣) الآية ١٥.

(٤) المشهور : الوليد ، وهو أبو خالد بن الوليد رضى الله عنه ، ويشير المؤلف الى قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) وما بعده. وقوله : بنقض القرآن أى بسبب تعرضه للقرآن وانكار انه من عند الله لقوله فيه : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ).

(٥) الآية ١١. والظاهر أن هذه الآية ليست منسوخة ، فان معناها التهديد من الله له وذكر فى الآية ما يناله فى جهنم ، وهو لا ينافى ما يناله فى الدنيا من القتل وغيره.

٤٨٨

المتشابهات

قوله : (إِنَّهُ فَكَّرَ (١) وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) أعاد (كَيْفَ قَدَّرَ) مرّتين ، وأعاد (قَدَّرَ) ثلاث مرّات ؛ لأنّ التقدير : إنّه ـ أى الوليد ـ فكّر فى شأن محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وما أتى [به](٢) وقدّر ما ذا يمكنه أن يقول فيهما. فقال الله سبحانه ـ : (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) أى القول فى محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) أى القول فى القرآن.

قوله : (كَلَّا إِنَّهُ (٣) تَذْكِرَةٌ) أى تذكير (٤) وعدل إليها للفاصلة. وقوله : (إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) وفى عبس (إِنَّها تَذْكِرَةٌ)(٥) لأنّ تقدير الآية فى هذه السّورة : إنّ القرآن تذكرة ، وفى عبس : إنّ آيات القرآن تذكرة ، وقيل : حمل التذكرة على التذكير ، لأنّها بمعناه.

فضل السّورة

فيه الحديث الضعيف (٦) عن أبىّ : من قرأها أعطى من الأجر عشر حسنات ، بعدد من صدّق بمحمّد ، وكذّب به بمكّة ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأها أعطاه الله ثواب المتحابّين فى الله ، وله بكلّ آية قرأها مائة شفاعة.

__________________

(١) الآيات ١٨ ـ ٢٠.

(٢) زيادة من شيخ الاسلام والكرمانى.

(٣) الآية ٥٤.

(٤) أ ، ب : «تذكر». وما أثبت عن الكرمانى.

(٥) الآية ١١.

(٦) فى شهاب البيضاوى : «حديث موضوع ، وقوله : (بمكة) لنزولها به».

٤٨٩

٧٥ ـ بصيرة فى

لا أقسم بيوم القيامة ..

السّورة مكّيّة. وآياتها أربعون فى عدّ الكوفيّين ، وتسع (١) وثلاثون فى عدّ الباقين. وكلماتها مائة وتسع وتسعون. وحروفها ثلاثمائة واثنتان وخمسون. المختلف فيها آية : (لِتَعْجَلَ (٢) بِهِ) فواصل آياتها (يقراه). سمّيت سورة القيامة ، لمفتتحها ، ولقوله : (يَسْئَلُ (٣) أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ).

مقصود السّورة : بيان هول القيامة ، وهيبتها ، وبيان إثبات البعث ، وتأثير القيامة فى أعيان العالم ، وبيان جزاء الأعمال ، وآداب سماع الوحى ، والوعد باللّقاء والرّؤية ، والخبر عن حال السّكرة ، والرّجوع إلى بيان برهان القيامة ، وتقرير القدرة على بعث الأموات فى قوله : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى).

المنسوخ فيها آية واحدة : م (لا تُحَرِّكْ (٤) بِهِ لِسانَكَ) ن (سَنُقْرِئُكَ (٥) فَلا تَنْسى).

__________________

(١) زيادة من شرح ناظمة الزهر.

(٢) الآية ١٦.

(٣) الآية ٦.

(٤) آية ١٦.

(٥) الآية ٦ سورة الاعلى. وهذه الآية مؤكدة لآية القيامة وفى قوة العلة لها ، كأنه قال : لا تحرك به لسانك خشية النسيان لانا سنقرئك فلا تنسى فلا نسخ بينهما. والمؤلف يتوسع فى النسخ دائما ، ويتبع ابن حزم.

٤٩٠

المتشابهات قوله :

(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) ثمّ أعاد ، فقال : (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها أنّه سبحانه أقسم بهما ، والثانى : لم يقسم بهما ، والثّالث : أقسم بيوم القيامة ، ولم يقسم بالنّفس. وقد ذكرنا بسطه فى التفسير.

قوله : (وَخَسَفَ (١) الْقَمَرُ) وكرّره (٢) فى الآية الثّانية (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) ؛ لأنّ الأوّل عبارة عن بياض (٣) العين بدليل قوله : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ). وفيه قول ثان ـ وهو قول الجمهور ـ أنهما بمعنى واحد. وجاز تكراره لأنّه أخبر عنه بغير الخبر الأوّل. وقيل : الثانى وقع موقع الكناية ؛ كقوله تعالى : (قَدْ سَمِعَ (٤) اللهُ ... وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ ... إِنَّ اللهَ) فصرّح ؛ تعظيما ، وتفخيما ، وتيمّنا ، قال تاج (٥) القرّاء : ويحتمل أن يقال : أراد بالأوّل الشّمس ؛ قياسا على القمرين. ولهذا ذكّر فقال : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) أى جمع القمران ؛ فإنّ التّثنية أخت العطف. وهذه دقيقة.

__________________

(١) الآية ٨.

(٢) أى كرر القمر.

(٣) عبارة غيره : «نور البصر» ومن يقول بهذا التفسير يجعل ذلك كناية عن الاختصار ، فالبصر يتحير ويبرق ويخسف ضوء العين ويذهب ، ويفسر جمع الشمس والقمر باستتباع الروح ضوء البصر أى تخرج الروح ـ وهى المعبر عنها بالشمس ـ ويخرج معها ضوء البصر ، وعبر عنه بالقمر لأنه مستمد من الروح تابع لها كما يتبع القمر الشمس. وترى أن هذا التفسير مبنى على التجوز وهو بعيد.

(٤) أول سورة المجادلة.

(٥) هو الكرمانى صاحب البرهان فى متشابه القرآن.

٤٩١

قوله : (أَوْلى لَكَ (١) فَأَوْلى) كرّرها مرّتين ، بل كرّرها أربع مرّات ؛ فإنّ قوله : (أَوْلى لَكَ) تمام فى الذمّ ؛ بدليل قوله : (فَأَوْلى لَهُمْ) ؛ فإنّ جمهور المفسرين ذهبوا إلى أنّه للتّهديد. وإنّما كرّرها لأنّ المعنى : أولى لك الموت ، فأولى لك العذاب فى القبر ثم أولى لك أهوال القيامة ، فأولى لك عذاب النّار ، نعوذ بالله منها.

فضل السّورة

عن أبىّ : من قرأها شهدت أنا وجبرئيل يوم القيامة أنّه كان مؤمنا بيوم القيامة ، وجاء ووجهه مسفر على وجوه الخلائق يوم القيامة ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأها أعطاه الله ثواب أمّتى ذكرا وأنثى ، وكتب الله له بكلّ آية قرأها ثمانين حسنة.

__________________

(١) الآية ٣٤.

٤٩٢

٧٦ ـ بصيرة فى هل

أتى على الإنسان ..

السّورة مكّيّة. وآياتها إحدى وثلاثون. وكلماتها مائتان وأربعون. وحروفها ألف وخمسون. وفواصل آياتها على الألف. ولها ثلاثة أسماء : سورة (هل أتى) ؛ لمفتتحها ، وسورة الإنسان ؛ لقوله (عَلَى الْإِنْسانِ) ، وسورة الدّهر ؛ لقوله : (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ).

معظم مقصود السّورة : بيان مدّة خلقة آدم ، وهداية الخلق بمصالحهم (١) ، وذكر ثواب الأبرار ، فى دار القرار ، وذكر المنّة على الرّسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأمره بالصّبر ، وقيام اللّيل ، والمنّة على الخلق بإحكام خلقهم ، وإضافة كلّيّة المشيئة إلى الله ، فى قوله : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ).

الناسخ والمنسوخ

فيها من المنسوخ ثلاث آيات : م (أَسِيراً) فى قوله (وَيُطْعِمُونَ (٢) الطَّعامَ) م ، والصّبر من قوله (فَاصْبِرْ (٣) لِحُكْمِ رَبِّكَ) م ، والتخيير من قوله : (فَمَنْ شاءَ (٤) اتَّخَذَ) ن آية (٥) السّيف.

__________________

(١) كذا فى أ ، ب. وكأنه ضمنه معنى الاعلام. والمعروف : لمصالحهم.

(٢) الآية ٨.

(٣) الآية ٢٤.

(٤) الآية ٢٩.

(٥) الآية ٥ سورة التوبة.

٤٩٣

المتشابهات

قوله : (وَيُطافُ (١) عَلَيْهِمْ) ، وبعده : (وَيَطُوفُ (٢) عَلَيْهِمْ) إنّما ذكر الأوّل بلفظ المجهول ؛ لأنّ المقصود ما يطاف به لا الطّائفون. ولهذا قال : (بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ) ثمّ ذكر الطّائفين ، فقال : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ).

قوله : (مِزاجُها (٣) كافُوراً) وبعدها : (زَنْجَبِيلاً) ؛ (٤) لأنّ الثّانية غير الأولى. وقيل : (كافُوراً) اسم علم لذلك الماء ، واسم الثانى زنجبيل. وقيل اسمها : سلسبيل. قال ابن المبارك : معناه : سل من الله إليه سبيلا. ويجوز أن يكون اسمها زنجبيلا ، ثمّ ابتدأ فقال : سلسبيلا. ويجوز أن يكون اسمها هذه الجملة ، كقوله : تأبّط شرّا ، وشاب قرناها. ويجوز أن يكون معنى تسمّى : تذكر ، ثمّ قال الله : سل سبيلا ، واتصاله فى المصحف لا يمنع هذا التأويل ؛ لكثرة أمثاله فيه.

فضل السّورة

فيه من الأحاديث المنكرة حديث أبىّ : من قرأها كان جزاؤه على الله جنّة وحريرا ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأ (هل أتى على الإنسان) أعطاه الله من الثواب مثل ثواب آدم ، وكان فى الجنّة رفيق آدم ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب سيّدى شباب أهل الجنّة الحسن والحسين.

__________________

(١) الآية ١٥.

(٢) الآية ١٩.

(٣) الآية ٥.

(٤) الآية ١٧.

٤٩٤

٧٧ ـ بصيرة فى والمرسلات ..

السّورة مكّيّة. وآياتها خمسون. وكلماتها مائة وإحدى وثمانون. وحروفها ثمانمائة وستّة عشر. مجموع فواصل آياتها (عبرتم لنا) على اللّام الفصل (١) فى الموضعين ، وعلى الرّاء القصر (٢) ، وصفر (٣) ، وعلى الباء (ذِي ثَلاثِ (٤) شُعَبٍ) ، و (اللهَبِ). (٥) سمّيت سورة المرسلات ؛ لمفتتحها.

معظم مقصود السّورة : القسم بوقوع القيامة ، والخبر عن إهلاك القرون الماضية ، والمنّة على الخلائق بإيجادهم فى الابتداء ، وإدخال الأجانب فى النار ، وصعوبة عقوبة الحقّ إيّاهم ، وأنواع كرامة المؤمنين فى الجنّة ، والشكاية عن (٦) الكفّار بإعراضهم عن القرآن فى قوله : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ).

متشابه سورة المرسلات (٧)

قوله : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) مكرّر عشر مرات : لأن كل واحدة منها ذكرت عقيب آية غير الأولى ، فلا يكون تكرارها مستهجنا. ولو لم يكرّر كان متوعّدا على بعض دون بعض. وقيل : إن من عادة العرب التكرار

__________________

(١) الآيتان ١٣ ، ١٤.

(٢) الآية ٣٢.

(٣) الآية ٣٣.

(٤) الآية ٣٠.

(٥) الآية ٣١.

(٦) كذا فى أ ، ب والمعروف التعدية بمن.

(٧) لم يأت متشابه سورة المرسلات فى نسختى البصائر ، والمثبت هنا منقول عن الكرمانى.

٤٩٥

والإطناب ؛ كما من عادتهم الاقتصار والإيجاز. وبسط الكلام فى الترغيب والترهيب أدعى إلى إدراك البغية من الإيجاز].

فضل السّورة

فيه حديثان ضعيفان : من قرأها كتب [له](١) أنّه ليس من المشركين : وحديث علىّ : يا علىّ من قرأها أظلّه الله فى ظلّ عرشه مع الصّدّيقين والشّهداء ، وكتب الله له بكلّ آية قرأها ألف حسنة.

__________________

(١) زيادة من البيضاوى.

٤٩٦

٧٨ ـ بصيرة فى عم يتساءلون ..

السّورة مكّيّة. وآياتها إحدى وأربعون فى عدّ المكّى والبصرىّ ، وأربعون فى عدّ الباقين. وكلماتها مائة وثلاث وسبعون. وحروفها ثمانمائة وستّ عشرة. المختلف فيها آية (عَذاباً (١) قَرِيباً). فواصل آياتها : (منا) وعلى الميم آية (الْعَظِيمِ)(٢) ولها اسمان : [عمّ (٣) يتساءلون] لقوله : (يَتَساءَلُونَ) ، والنبأ ؛ لقوله : (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ).

معظم مقصود السورة : ذكر القيامة ، وخلق الأرض والسّماء ، وبيان نفع الغيث ، وكيفيّة النشر والبعث ، وعذاب العاصين ، وثواب المطيعين من المؤمنين ، وقيام الملائكة فى القيامة مع المؤمنين ، وتمنّى الكفّار (٤) المحال فى قوله : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً).

السّورة محكمة.

المتشابهات

قوله : (كَلَّا (٥) سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) قيل : التكرار للتأكيد. وقيل : الأوّل للكفّار ، والثّانى للمؤمنين. وقيل : الأوّل عند النزع ، والثانى فى القيامة. وقيل : الأوّل ردع عن الاختلاف ، والثانى عن الكفر.

__________________

(١) الآية ٤٠.

(٢) الآية ٢.

(٣) زيادة اقتضاها السياق.

(٤) الأولى : الكافر ، ليوافق الآية ، ولكنه أشار الى ان المراد بالكافر الجنس.

(٥) الآيتان ٤ ، ٥.

٤٩٧

قوله : (جَزاءً (١) وِفاقاً) وبعده : (جَزاءً (٢) مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) ؛ لأنّ الأوّل للكفّار ، وقد قال الله تعالى : (وَجَزاءُ (٣) سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) فيكون جزاؤهم على وفق أعمالهم. والثّانى للمؤمنين ، وجزاؤهم [يكون](٤) وافيا كافيا. فلهذا قال : (حِساباً) أى وافيا من قولك : حسبى (وكفانى) (٥).

فضل السّورة

فيه من الأحاديث الشّاذّة حديث أبىّ : من قرأها سقاه الله برد الشراب يوم القيامة ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأها سمّى فى السّماوات أسير (٦) الله فى الأرض ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب هود عليه‌السلام.

__________________

(١) الآية ٢٦.

(٢) الآية ٣٦.

(٣) الآية ٤٠ سورة الشورى.

(٤) زيادة اقتضاها نصب (وافيا كافيا) والا فالواجب الرفع : واف كاف.

(٥) فى أ : «بكفالى» وفى ب : «بكفانى» وما أثبت عن الكرمانى.

(٦) كذا فى أ ، ب. وقد يكون : «أثير الله» أى مختاره.

٤٩٨

٧٩ ـ بصيرة فى والنازعات غرقا ..

السّورة مكّيّة. آياتها ستّ وأربعون فى عدّ الكوفة ، وخمس عند الباقين. وكلماتها مائة وتسع وسبعون. وحروفها سبعمائة وثلاث وخمسون. المختلف فيها اثنتان : (وَلِأَنْعامِكُمْ (١) طَغى)(٢). فواصل آياتها (هم) ، على الميم آية واحدة : (وَلِأَنْعامِكُمْ).

معظم مقصود السّورة : القسم بنفخة (٣) الصّور ، وكيفيّة البعث والنّشور ، وإرسال موسى إلى فرعون ، والمنّة بخلق السّماء والأرض ، وتحقيق هول القيامة ، وبيان حال من آثر الدّنيا ، والخبر من (٤) حال أهل الخوف ، واستعجال الكافرين بالقيامة ، وتعجّبهم منها فى حال البعث فى قوله : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا) إلى آخرها.

والسّورة محكمة.

المتشابهات

قوله : (فَإِذا (٥) جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) ، وفى عبس (فَإِذا (٦) جاءَتِ الصَّاخَّةُ) ؛ لأنّ الطّامّة مشتقّة من طممت البئر إذا كبستها (٧). وسمّيت القيامة

__________________

(١) الآية ٣٣.

(٢) الآية ٣٧.

(٣) الأولى : «على نفخة الصور» فان المقسم به النازعات ، والمقسم عليه هو البعث ومقدماته وقد دل عليه بقوله تعالى : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) الآيات.

(٤) كذا والمناسب : «عن».

(٥) الآية ٣٤.

(٦) الآية ٣٣.

(٧) أى : ردمتها بالتراب.

٤٩٩

طامة ، لأنّها تكبس كلّ شيء وتكسره. وسمّيت الصّاخة ـ والصّاخّة : الصّوت الشّديد ـ لأنّ من شدّة صوتها يحيا النّاس ؛ كما ينتبه النّائم (من (١) الصّوت) الشديد. وخصّت النازعات بالطّامة : لأنّ الطّم قبل الصّخ ، والفزع قبل الصّوت ، فكانت هى السّابقة ، وخصّت (عبس) بالصّاخّة ؛ لأنّها بعدها ، وهى اللّاحقة.

فضل السّورة

فيه حديثان منكران : عن أبىّ : من قرأها كان حبسه فى القبور ، وفى القيامة ، حتى يدخل الجنّة قدر صلاة مكتوبة ، وعن علىّ : يا علىّ من قرأها استغفرت له الملائكة أيّام حياته ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب الّذين آمنوا بموسى.

__________________

(١) فى الكرمانى : «بالصوت».

٥٠٠