بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

(الْمُؤْمِناتُ (١) مُهاجِراتٍ) ن نقض عهد الكفار ببراءة م (وَإِنْ فاتَكُمْ (٢) شَيْءٌ) ن (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ).(٣)

المتشابهات :

قوله تعالى (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) وبعده : (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) الأوّل حال من المخاطبين. وقيل : أتلقون إليهم ، والاستفهام مقدّر. وقيل : خبر مبتدأ ، أى أنتم تلقون. والثانى بدل من الأوّل على الوجوه المذكورة. والباء زيادة عند الأخفش. وقيل بسبب (٤) أن تودّوا. وقال الزّجاج : تلقون إليهم أخبار النبىّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وسرّه (٥) بالمودّة.

قوله : (كانَتْ لَكُمْ (٦) أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وبعده : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ) أنّث الفعل الأوّل مع الحائل ، وذكّر الثّانى ؛ لكثرة الحائل. وإنّما كرّر ، لأنّ الأوّل فى القول ؛ والثّانى فى الفعل. وقيل : الأوّل فى إبراهيم ، والثّانى فى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فضل السّورة

فيه من الأحاديث الضعيفة حديث أبىّ : من قرأ سورة الممتحنة كان المؤمنون والمؤمنات له شفيعا (٧) يوم القيامة ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأها كان له بكلّ مؤمن ومؤمنة من الأحياء والأموات ألفا حسنة ، ورفع له ألفا درجة ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب من يموت فى طريق مكّة.

__________________

(١) الآية ١٠.

(٢) الآية ١١.

(٣) الآية ٥ سورة التوبة.

(٤) أ ، ب : «سبب» وما أثبت هو المناسب والمراد أن الباء سببية.

(٥) أ ، ب : «تسره» وما أثبت عن الكرمانى

(٦) الآية ٤.

(٧) فى البيضاوى «شفعاء» وفعيل يستوى فيه المفرد وغيره ، فما هنا صحيح عربية وتقدم غير مرة أن حديث أبى موضوع منكر. وكذا حديث على.

٤٦١

٦١ ـ بصيرة فى

سبح لله .. الصف ..

السّورة مكّيّة بالاتّفاق. آياتها أربع عشرة. وكلماتها مائتان وإحدى وعشرون. وحروفها تسعمائة. مجموع فواصل آياتها (صمن). وعلى الصّاد آية واحدة : مرصوص (١). ولها اسمان : سورة الصّف ؛ لقوله : (يُقاتِلُونَ (٢) فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) ، وسورة الحواريّين ، لقوله : (قالَ (٣) الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) وقيل : تسمّى سورة عيسى.

معظم مقصود السّورة : عتاب الذين يقولون أقوالا لا يعملون بمقتضاها ، وتشريف صفوف الغزاة والمصلّين ، والتّنبيه على جفاء بنى إسرائيل ، وإظهار دين المصطفى على سائر الأديان ، وبيان التجارة الرّابحة مع الرّحيم الرّحمن ، والبشارة بنصر أهل الإيمان ، على أهل الكفر والخذلان ، وغلبة بنى إسرائيل على أعدائهم ذوى العدوان ، فى قوله (فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) والسّورة محكمة ، خالية عن الناسخ والمنسوخ.

المتشابهات :

قوله تعالى : (وَمَنْ (٤) أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بالألف واللام ،

__________________

(١) الآية ٤.

(٢) الآية ٤.

(٣) الآية ١٤.

(٤) الآية ٧.

٤٦٢

وفى غيرها (افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بالنكرة (١) [لأنها (٢) أكثر استعمالا مع المصدر من المعرفة ، وخصّت هذه السورة بالمعرفة لأنه](٣) إشارة إلى ما تقدّم من قول اليهود والنّصارى.

قوله : (لِيُطْفِؤُا)(٤) باللام ؛ لأن المفعول محذوف. وقيل : اللام زيادة. وقيل : محمول على المصدر.

قوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ (٥) ذُنُوبَكُمْ) جزم على جواب الأمر ؛ فإن قوله : (تُؤْمِنُونَ) محمول على الأمر أى آمنوا وليس بعده : (من) ولا (خالدين).

فضل السّورة

فيه حديث منكر عن أبىّ : من قرأ سورة عيسى كان عيسى مصلّيا مستغفرا له ما دام [فى](٦) الدّنيا ، وهو يوم القيامة رفيقه ، ولم نجد فى رواية علىّ لهذه السّورة ذكر فضيلة والله أعلم.

__________________

(١) أ ، ب : «منكرا» وما أثبت من الكرمانى ليناسب قوله : «لأنها».

(٢) زيادة من الكرمانى.

(٣) زيادة من الكرمانى.

(٤) الآية ٨.

(٥) الآية ١٢.

(٦) زيادة من تفسير البيضاوى.

٤٦٣

٦٢ ـ بصيرة فى يسبح .. الجمعة ..

السّورة مدنيّة بالاتّفاق. وآياتها إحدى عشرة. وكلماتها مائة وثمانون. وحروفها سبعمائة وعشرون. فواصل آياتها (من) وتسمّى سورة الجمعة ، لقوله : (إِذا (١) نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ).

معظم مقصود السّورة : بيان بعث المصطفى ، وتعيير اليهود ، والشكاية منهم ، وإلزام الحجّة عليهم ، والترغيب فى حضور الجمعة ، والشكاية من (٢) قوم بإعراضهم عن الجمعة ، وتقوية القلوب بضمان الرّزق لكلّ حىّ فى قوله : (وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

والسّورة خالية عن النّاسخ والمنسوخ.

المتشابهات :

قوله : (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ)(٣) وفى البقرة [ولن (٤) يتمنوه] سبق.

فضل السّورة

فيه حديث أبىّ : من قرأ سورة الجمعة كتب له عشر حسنات ، بعدد من ذهب إلى الجمعة من أمصار المسلمين ، ومن لم يذهب ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأ [ها] فكأنّما فتح له ألف مدينة ، وعصم من إبليس وجنوده ، وله بكلّ آية قرأها ثواب المنفق على عياله.

__________________

(١) الآية ١٠.

(٢) أ : «عن».

(٣) الآية ٧.

(٤) زيادة من الكرمانى. والآية فى البقرة ٩٥.

٤٦٤

٦٣ ـ بصيرة فى

إذا جاءك المنافقون ..

السّورة مدنيّة بالاتّفاق. آياتها إحدى عشرة. كلماتها مائة وثمانون. حروفها سبعمائة وست وسبعون. فواصل آياتها (نون) سمّيت سورة المنافقين بمفتتحها.

معظم مقصود السّورة : تقريع المنافقين وتبكيتهم ، وبيان ذلّهم وكذبهم ، وذكر تشريف المؤمنين وتبجيلهم ، وبيان عزّهم وشرفهم ، والنّهى عن نسيان ذكر الحقّ تعالى ، والغفلة عنه ، والإخبار عن ندامة الكفّار بعد الموت ، وبيان أنّه لا تأخير ولا إمهال بعد حلول الأجل ، فى قوله : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً) الآية.

وليس فيها ناسخ ولا منسوخ.

المتشابهات

قوله : (وَلكِنَ (١) الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) وبعده : (لا يَعْلَمُونَ) ، لأنّ الأوّل متّصل بقوله : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وفى معرفتها غموض يحتاج إلى فطنة ، والمنافق لا فطنة له ؛ والثانى متّصل بقوله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) أى لا يعلمون بأنّ الله معزّ لأوليائه ومذلّ لأعدائه.

__________________

(١) الآية ٧.

٤٦٥

فضل السّورة

روى فيه من الأحاديث المردودة حديث أبىّ : من قرأها برئ من النّفاق ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأها أعطاه الله مثل ثواب (من (١) أنفق حمل بعير دينارا فى طاعة الله ، وخرج من الدنيا على رضا الله ، وله مثل ثواب) من يقضى دين أبويه بعد موتهما ، وجعل الله اثنى عشر منافقا فداه من النّار.

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى أ.

٤٦٦

٦٤ ـ بصيرة فى يسبّح .. التغابن ..

السّورة مكّيّة ، إلّا آخرها : (إِنَّ مِنْ (١) أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ) إلى آخر السّورة. وآياتها ثمان عشرة. وكلماتها مائتان وإحدى وأربعون. وحروفها ألف وسبعون. فواصل آياتها (من درّ) وعلى الدّال آية واحدة : حميد (٢). وسمّيت سورة التّغابن ، لقوله فيها : (ذلِكَ (٣) يَوْمُ التَّغابُنِ).

معظم مقصود السّورة : بيان تسبيح المخلوقات ، والحكمة فى تخليق الخلق ، والشكاية من القرون الماضية ، وإنكار الكفّار البعث والقيامة ، وبيان الثواب والعقاب ، والإخبار عن عداوة الأهل والأولاد ، والأمر بالتّقوى حسب الاستطاعة ، وتضعيف ثواب المتّقين ، والخبر عن اطّلاع الحقّ على علم الغيب فى قوله : (عالِمُ الْغَيْبِ) الآية.

السّورة خالية عن المنسوخ. وفيها الناسخ : (فَاتَّقُوا (٤) اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).

المتشابهات :

قوله : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وبعده : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) إنّما كرّر (ما) فى أوّل السّورة لاختلاف تسبيح أهل الأرض وأهل السّماء فى الكثرة والقلّة ،

__________________

(١) الآية ١٤.

(٢) الآية ٦.

(٣) الآية ٩.

(٤) الآية ١٦. وقد نسخت هذه الآية ما فى الآية ١٠٢ سورة آل عمران «اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ» وجعلها بعضهم محكمة.

٤٦٧

والبعد والقرب من المعصية والطّاعة. وكذلك اختلاف (١) ما يسرّون وما يعلنون ؛ فإنهما ضدّان. ولم يكرّر مع (يَعْلَمُ) لأنّ الكلّ بالإضافة إلى علم الله سبحانه جنس واحد ؛ لا يخفى عليه شىء.

قوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ (٢) بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) ومثله فى الطّلاق (٣) سواء ؛ لكنّه زاد هنا (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) ؛ لأنّ هذه السّورة بعد قوله : (أَبَشَرٌ (٤) يَهْدُونَنا) الآيات ، فأخبر عن الكفّار بسيّئات [تحتاج (٥) إلى تكفير إذا آمنوا بالله ، ولم يتقدّم الخبر عن الكفار بسيّئات] فى الطلاق فلم يحتج إلى ذكرها.

فضل السّورة

فيه حديث أبىّ الواهى : من قرأ التغابن رفع عنه موت الفجاءة ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأها فكأنّما تصدّق بوزن جبل أبى قبيس ذهبا فى سبيل الله ، وكأنما أدرك ألف ليلة من ليالى القدر ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب من يصوم ثلاثة أيّام كلّ شهر.

__________________

(١) سقط فى الكرمانى.

(٢) الآية ٩.

(٣) الآية ١١.

(٤) الآية ٧.

(٥) زيادة من الكرمانى.

٤٦٨

٦٥ ـ بصيرة فى

يا أيها النبى إذا طلقتم النساء ..

السّورة مدنيّة بالاتّفاق. وآياتها خمس (١) عشرة فى عدّ البصرة ، واثنتا عشرة عند الباقين. وكلماتها مائتان وأربعون. وحروفها ألف وستّون. والمختلف فيها ثلاث آيات : (مَخْرَجاً)(٢) و (الْيَوْمِ (٣) الْآخِرِ)(يا أُولِي (٤) الْأَلْبابِ) فواصل آياتها على الألف. ولها اسمان : سورة الطّلاق لقوله : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ) والثّانى سورة النّساء القصرى. قاله عبد الله بن مسعود.

معظم مقصود السّورة : بيان طلاق السنّة ، وأحكام العدّة ، والتّوكّل على الله تعالى فى الأمور ، وبيان نفقة النّساء حال الحمل والرّضاع ، وبيان عقوبة المتعدّين وعذابهم ، وأنّ التّكليف على قدر الطاقة ، وللصّالحين الثواب والكرامة ، وبيان إحاطة العلم ، والقدرة ، فى قوله : (لِتَعْلَمُوا) الآية.

السّورة خالية عن المنسوخ. وفيها النّاسخ (وَأَشْهِدُوا (٥) ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).

ومن المتشابه قوله تعالى : (وَمَنْ (٦) يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) أمر بالتّقوى فى أحكام الطّلاق ثلاث مرّات ، ووعد فى كلّ مرّة بنوع من

__________________

(١) فى شرح ناظمة الزهر : احدى عشرة.

(٢) الآية ٢.

(٣) الآية ٢.

(٤) الآية ١٠.

(٥) الآية ٢. وقد نسخت ما فى الآية ١٠٦ من سورة المائدة : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) وفى الآية وجه أنها محكمة.

(٦) الآية ٢.

٤٦٩

الجزاء ، فقال أوّلا : (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) : يخرجه ممّا أدخل فيه وهو يكرهه ، ويتيح له محبوبه من حيث لا يأمل. وقال فى الثانى : يسهّل عليه الصّعب من أمره ، ويتيح له خيرا ممّن طلّقها. والثالث وعد عليه أفضل الجزاء ، وهو ما يكون فى الآخرة من النعماء.

فضل السّورة

فيه حديث أبىّ : من قرأها مات على سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأها فكأنما ربّى ألف يتيم ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب من يلقّن ألف ميّت.

٤٧٠

٦٦ ـ بصيرة فى

يا أيها النبى لم تحرم ..

السّورة مدنيّة (١). وآياتها اثنتا عشرة. وكلماتها مائتان وأربعون. وحروفها ألف وستّون.

وفواصل آياتها (منار) على الألف آية فحسب : (أَبْكاراً)(٢) سميت سورة التّحريم والمتحرم ؛ لمفتتحه : (لِمَ تُحَرِّمُ)

معظم مقصود السّورة : عتاب الرّسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى التّحريم والتحليل قبل ورود وحى سماوىّ ، وتعيير الأزواج الطّاهرات على إيذائه وإظهار سرّه ، والأمر بالتحرّز والتجنّب من جهنّم ، والأمر بالتّوبة النّصوح ، والوعد بإتمام النّور فى القيامة ، والأمر بجهاد الكفّار بطريق السّياسة ، ومع المنافقين بالبرهان والحجّة ، وبيان أنّ القرابة غير نافعة بدون الإيمان والمعرفة ، وأن قرب المفسدين لا يضرّ مع وجود الصّدق والإخلاص ، والخبر عن الفتوّة (٣) ، وتصديق مريم بقوله : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها).

السورة محكمة : لا ناسخ فيها ولا منسوخ.

__________________

(١) أ ، ب : «مكية» وهو سهو من الناسخ. وقد قيل أن فيها آيتين من آخرها مكيتين.

(٢) الآية ٥.

(٣) كأنه يريد بالفتوة الشجاعة فى الدين ، والذى فى السورة من هذا ايمان امرأة فرعون.

٤٧١

المتشابهات

قوله تعالى : (خَيْراً (١) مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ) ذكر الجميع بغير واو ، ثم ختم بالواو ، فقال : (وَأَبْكاراً) لأنّه استحال (٢) العطف على (ثَيِّباتٍ) فعطفها على أوّل الكلام. ويحسن الوقف على (ثَيِّباتٍ) لمّا استحال عطف (أَبْكاراً) عليها. وقول من قال : إنها واو الثمانية بعيد. وقد سبق تعجبنا (٣) فيه. والله أعلم.

فضل السورة

فيه الحديث الضّعيف عن أبىّ : من قرأها تاب توبة نصوحا ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأها كان رفيقى فى الجنّة ، وله بكل آية قرأها مثل ثواب من يعدل فى وصيّته بعد (٤) موته.

__________________

(١) الآية ٥.

(٢) وجه استحالة العطف عنده أن الثيب والبكر بينهما تناف ، ولا سبيل الى اجتماعها فى نفس واحدة. والعطف فى مثله يكون بأو لا بالواو وقيل فى تجويز العطف هنا : أن المراد : ثيبات بعضهن وأبكار بعضهن. راجع شهاب البيضاوى والجمل فى الآية.

(٣) فى الكرمانى : «فتخفنا» وأصله : «فتخففنا».

(٤) كأنه متعلق فى المعنى بثواب. أى ثواب يناله بعد موته ، أى فى القيامة.

٤٧٢

٦٧ ـ بصيرة فى

تبارك الذى بيده الملك ..

السّورة مكية. وآياتها ثلاثون عند الجمهور ، وإحدى وثلاثون عند المكيّين. وكلماتها ثلاثمائة وثلاثون. وحروفها ألف وثلاثمائة وثلاث عشرة. والمختلف فيها آية (قَدْ جاءَنا (١) نَذِيرٌ). مجموع فواصل آياتها (تمر) على الميم اثنان : أليم (٢) مستقيم (٣).

ولها فى القرآن والسّنن سبعة أسماء : سورة الملك ؛ لمفتتحها ، والمنجية لأنها تنجى قارئها من العذاب ، والمانعة ؛ لأنها تمنع من قارئها عذاب القبر ـ وهذا الاسم فى التوراة ـ والدافعة ؛ لأنها تدفع بلاء الدنيا وعذاب الآخرة من قارئها ، والشافعة ؛ لأنها تشفع فى القيامة لقارئها ، والمجادلة ؛ لأنها تجادل منكرا ونكيرا ، فتناظرهما كيلا يؤذيا قارئها ، السابعة (٤) : المخلّصة ؛ لأنها تخاصم زبانية جهنم ؛ لئلا يكون لهم يد على قارئها.

معظم مقصود السّورة : بيان استحقاق الله الملك ، وخلق الحياة والموت للتجربة ، والنظر إلى السموات للعبرة ، واشتعال النجوم والكواكب للزينة ، وما أعد للمنكرين : من العذاب ، والعقوبة ، و (ما) وعد به المتّقون : (٥) من الثّواب ، والكرامة ، وتأخير العذاب عن المستحقين بالفضل

__________________

(١) الآية ٩.

(٢) الآية ٢٨.

(٣) الآية ٢٢.

(٤) كذا ، والمناسب السابع.

(٥) فى الاصلين «للمتقين».

٤٧٣

والرّحمة ، وحفظ الطّيور فى الهواء بكمال القدرة ، واتصال الرّزق إلى الخليقة ، بالنّوال والمنّة ، وبيان حال أهل الضّلالة ، والهداية ، وتعجّل (١) الكفّار بمجيء القيامة ، وتهديد المشركين بزوال النعمة بقوله : (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ).

والسّورة محكمة : لا ناسخ فيها ولا منسوخ.

المتشابهات

قوله : (فَارْجِعِ (٢) الْبَصَرَ) وبعده : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) أى مع الكرّة الأولى. وقيل : هى ثلاث مرّات ، أى ارجع البصر ـ وهذه مرّة ـ ثم ارجع البصر كرّتين ، فمجموعها ثلاث مرّات. قال أبو القاسم الكرمانى : ويحتمل أن يكون أربع مرّات ؛ لأنّ قوله (ارْجِعِ) يدلّ على سابقة مرّة.

قوله : (أَأَمِنْتُمْ (٣) مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) ، وبعده : (أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) خوّفهم بالخسف أوّلا ، لكونهم على الأرض ، وأنها أقرب عليهم (٤) من السّماء ، ثم بالحصب من السماء. فلذلك جاء ثانية.

فضل السّورة

فيه حديث حسن عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : إن (٥) سورة من كتاب الله ما هى إلّا ثلاثون آية ، شفعت لرجل ، فأخرجته يوم القيامة

__________________

(١) أ ، ب : «تعجيل» وما أثبت هو المناسب.

(٢) الآية ٣

(٣) الآية ١٥.

(٤) كذا فى أ ، ب. والمعهود بالتعدية بالى.

(٥) رواه أبو داود والترمذى وحسنه وغيرهما. وانظر الترغيب والترهيب.

٤٧٤

من النار ، وأدخلته الجنّة ، وهى سورة تبارك ؛ وأحاديث ضعيفة : منها حديث أبىّ : وددت (١) أنّ (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) فى قلب كلّ مؤمن ، وحديث : إنّ فى القرآن سورة تجادل عن صاحبها يوم القيامة خصماءه ، وهى الواقية : تقيه من شدائد القيامة ، وهى الدّافعة : تدفع عنه بلوى الدّنيا ، وهى المانعة : تمنع عن قارئها عذاب القبر ، فلا يؤذيه منكر ونكير ؛ وحديث علىّ : يا علىّ من قرأها جاء يوم القيامة راكبا على أجنحة الملائكة ، ووجهه فى الحسن كوجه يوسف الصّدّيق ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب شعيب النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) رواه الحاكم فى المستدرك عن ابن عباس كنز العمال ١ / ١٤٥.

٤٧٥

٦٨ ـ بصيرة فى ن. والقلم ..

السّورة مكّيّة. آياتها اثنتان وخمسون. وكلماتها ثلاثمائة. وحروفها ألف ومائتان وستّ وخمسون. فواصل آياتها (من). ولها اسمان : سورة ن ، وسورة القلم. وهذا أشهر.

معظم مقصود السّورة : الذّبّ عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعذاب ما نعى الزّكاة ، وتخويف الكفّار بالقيامة ، وتهديد المجرمين بالاستدراج ، وأمر الرّسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالصّبر ، والإشارة إلى حال يونس عليه‌السلام فى قلّة الصّبر ، وقصد الكفّار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليصيبوه بالعين فى (لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) الآية.

الناسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ آيتان : (فَذَرْنِي)(١) م (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ (٢) رَبِّكَ) م آية (٣) السّيف.

المتشابهات

قوله تعالى : (حَلَّافٍ (٤) مَهِينٍ) إلى قوله : (زَنِيمٍ) تسعة أوصاف ، ولم يدخل بينها واو العطف [ولا بعد السابع (٥)] فيدلّ على ضعف القول بواو الثمانية.

__________________

(١) الآية ٤٤.

(٢) الآية ٤٨.

(٣) الآية ٥ سورة التوبة.

(٤) الآية ١٠.

(٥) زيادة من الكرمانى.

٤٧٦

(فَأَقْبَلَ)(١) بالفاء سبق.

(فَاصْبِرْ) بالفاء سبق.

فضل السّورة

فيه حديثان منكران ، حديث أبىّ : من قرأها أعطاه الله ثواب الّذين حسّن الله أخلاقهم ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأها نوّر الله قلبه ، وقبره ، وبيّض وجهه ، وأعطاه كتابه بيمينه ، وله بكلّ آية قرأها ثواب من مات مبطونا.

__________________

(١) الآية ٣٠.

٤٧٧

٦٩ ـ بصيرة فى الحاقّة ..

السّورة مكّيّة. وآياتها إحدى وخمسون فى عدّ البصرة والشام ، واثنتان فى عدّ الباقين. وكلماتها مائتان وخمس وخمسون. وحروفها ألف وأربعمائة وثمانون. والمختلف فيها آيتان : (الْحَاقَّةُ) الأولى (بِشِمالِهِ).(١) مجموع فواصل آياتها (نم له) على اللّام منها آية واحدة : (بَعْضَ (٢) الْأَقاوِيلِ). ولها اسمان : سورة الحاقة ؛ لمفتتحها ، وسورة السّلسلة ؛ لقوله : (فِي سِلْسِلَةٍ (٣) ذَرْعُها سَبْعُونَ).

معظم مقصود السّورة : الخبر عن صعوبة القيامة ، والإشارة (٤) بإهلاك القرون الماضية ، وذكر نفخة الصّور ، وانشقاق السّماوات ، وحال السّعداء والأشقياء وقت قراءة الكتب ، وذلّ الكفّار مقهورين فى أيدى الزّبانية ، ووصف الكفّار القرآن بأنه كهانة وشعر ، وبيان أنّ القرآن تذكرة للمؤمن ، وحسرة للكافر ، والأمر بتسبيح الرّكوع فى قوله : (فَسَبِّحْ (٥) بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ).

السّورة محكمة : خالية عن النّاسخ والمنسوخ.

__________________

(١) الآية ٢٥.

(٢) الآية ٤٤.

(٣) الآية ٣٢.

(٤) كذا فى أ ، ب. والظاهر أن الأصل : «الاشادة» وقد تقدم مثل هذه العبارة والتعليق عليها.

(٥) سقط ما بين القوسين فى أ.

٤٧٨

المتشابهات

قوله : (فَأَمَّا (١) مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) بالفاء ، وبعده : (وَأَمَّا) بالواو ؛ لأنّ الأوّل متّصل بأحوال القيامة وأهوالها ، فاقتضى الفاء للتّعقيب ، والثّانى متّصل بالأوّل ، فأدخل الواو ؛ لأنّه للجمع.

قوله : (وَما هُوَ (٢) بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) خصّ ذكر الشّعر بقوله : (ما تُؤْمِنُونَ) لأنّ من قال : القرآن شعر ، ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاعر ـ بعد ما علم اختلاف آيات القرآن فى الطّول والقصر ، واختلاف حروف مقاطعه ـ فلكفره وقلّة إيمانه ، فإنّ الشعر كلام موزون مقفّى. وخصّ ذكر الكهانة بقوله : (ما تَذَكَّرُونَ) ؛ لأنّ من ذهب إلى أنّ القرآن كهانة ، وأنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم كاهن فهو ذاهل عن ذكر (٣) كلام الكهّان ؛ فإنّه أسجاع لا معانى تحتها ، وأوضاع تنبو الطّباع (٤) عنها ، ولا يكون فى كلامهم ذكر الله تعالى.

فضل السّورة

فيه الحديثان السّاقطان ، عن أبىّ : من قرأها حاسبه الله حسابا يسيرا ، وعن علىّ : يا علىّ من قرأها ، ثم مات من يوم قرأها إلى آخر السنة ، مات شهيدا ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب صالح النبىّ عليه‌السلام.

__________________

(١) الآية ١٩.

(٢) الآيتان ٤١ ، ٤٢.

(٣) سقط فى الكرمانى.

(٤) فى الكرمانى : «الطبائع».

٤٧٩

٧٠ ـ بصيرة فى سأل سائل ..

السّورة مكّيّة. وآياتها ثلاث وأربعون فى عدّ الشام ، وأربع فى عدّ الباقين. كلماتها مائتان وثلاث عشرة. وحروفها سبعمائة وسبع وخمسون. المختلف فيها آية : (أَلْفَ (١) سَنَةٍ) فواصل آياتها (جعلناهم) على (٢) الميم [(٣)(مَعْلُومٌ)(٤) و (الْمَحْرُومِ)(٥)] وعلى الجيم (الْمَعارِجِ)(٦) وعلى اللّام ((كَالْمُهْلِ). (٧) وللسّورة ثلاثة أسماء : الأول سأل ؛ لمفتتحها. والثّانى الواقع ؛ لقوله : (بِعَذابٍ واقِعٍ). الثالث (ذى المعارج).

مقصود السّورة : بيان جرأة الكافر فى استعجال العذاب ، وطول القيامة وهولها ، وشغل الخلائق فى ذلك اليوم المهيب ، واختلاف حال الناس فى الخير والشرّ ومحافظة المؤمنين على خصال الخير ، وطمع الكفّار فى غير مطمع ، وذلّ الكافرين فى يوم القيامة فى قوله : (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ).

الناسخ والمنسوخ

فيها من المنسوخ آيتان : م (فَاصْبِرْ (٨) صَبْراً) م (فَذَرْهُمْ (٩) يَخُوضُوا) ن آية (١٠) السّيف.

__________________

(١) الآية ٤.

(٢) فى النسختين : «على الميم جعلناهم» والصواب ما أثبت ، فالرمز (جعلناهم) لمجموع الفواصل.

(٣) ما بين المعقوفتين زيادة اقتضاها الكلام.

(٤) الآية ٢٤.

(٥) الآية ٢٥.

(٦) الآية ٣.

(٧) الآية ٨.

(٨) الآية ٥.

(٩) الآية ٤٢.

(١٠) الآية ٥ سورة التوبة.

٤٨٠