بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

إِلَيْهِمْ) فقالوا : أأنزل عليه الذكر. ومثله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) و (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) وهو كثير. وما فى القمر حكاية عن قوم صالح. وكان يأتى الأنبياء يومئذ صحف مكتوبة ، وألواح مسطورة ؛ كما جاء إبراهيم وموسى. فلهذا قالوا : (أالقى عليه الذكر) مع أنّ لفظ الإلقاء يستعمل لما يستعمل له الإنزال.

قوله : (وَمِثْلَهُمْ (١) مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا) ، وفى الأنبياء : (مِنْ (٢) عِنْدِنا) ؛ لأنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ ميّز أيّوب بحسن صبره على بلائه ، من بين أنبيائه ، فحيث قال لهم : من عندنا قال له : منّا ، وحيث لم يقل لهم : من عندنا قال له : من عندنا [فخصت (٣) هذه السورة بقوله : (مِنَّا) لما تقدم فى حقهم (من (عِنْدَنا)]) فى مواضع (٤). وخصّت سورة الأنبياء بقوله : (مِنْ عِنْدِنا) لتفرّده بذلك.

قوله (كَذَّبَتْ (٥) قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ) وفى ق : (كَذَّبَتْ (٦) قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ) إلى قوله : (فَحَقَّ وَعِيدِ) قال الإمام (٧) : سورة ص بنيت فواصلها على ردف (٨) أواخرها [بالألف (٩) ؛ وسورة ق على ردف أواخرها] بالياء والواو. فقال فى هذه السّورة : الأوتاد ،

__________________

(١) الآية ٤٣

(٢) الآية ٨٤

(٣) ما بين قوسين زيادة من الكرمانى

(٤) ب : «المواضع» ومن المواضع ما فى الآيات ٢٥ ، ٤٠

(٥) الآية ١٢

(٦) الآية ١٢

(٧) انظر درة التنزيل ٣١٣.

(٨) كذا والمعروف الارداف ، يقال أردفته جعلته ردفا.

(٩) زيادة مأخوذة من درة التنزيل يستقيم بها الكلام.

٤٠١

الأحزاب ، عقاب ، وجاء بإزاء ذلك فى ق : ثمود ، وعيد ، ومثله فى الصافات : (قاصِراتُ (١) الطَّرْفِ عِينٌ) وفى ص (قاصِراتُ (٢) الطَّرْفِ أَتْرابٌ) فالقصد إلى التّوفيق بين الألفاظ مع وضوح المعانى.

قوله فى قصّة آدم : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً (٣) مِنْ طِينٍ) قد سبق.

فضل السورة

فيه حديث أبىّ (٤) الواهى : من قرأ سورة ص كان له بوزن كلّ جبل سخّره الله لداود عشر حسنات ، وعصم أن يصرّ على ذنب صغير أو كبير ، وحديث علىّ مثله : يا على من قرأ (ص والقرآن) فكأنما قرأ التّوراة ، وله بكلّ آية قرأها ثواب الأسخياء.

__________________

(١) الآية ٤٨.

(٢) الآية ٥٢.

(٣) الآية ٧١.

(٤) قال فيه الشهاب : «حديث موضوع ، ولوائح الوضع عليه ظاهرة».

٤٠٢

٣٩ ـ بصيرة فى

تنزيل الكتاب من الله ..

السّورة مكّيّة ، إلّا ثلاث آيات : (قُلْ يا عِبادِيَ (١) الَّذِينَ أَسْرَفُوا) إلى قوله : (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ). عدد آياتها خمس وسبعون فى عدّ الكوفىّ ، وثلاث فى عدّ الشامى ، والباقين (٢). وكلماتها ألف ومائة وسبعون. وحروفها أربعة آلاف وسبعمائة وثمان. والآيات المختلف فيها سبع : (فِي ما هُمْ (٣) فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ، (مُخْلِصاً (٤) لَهُ الدِّينَ) ، الثانى (مُخْلِصاً (٥) لَهُ دِينِي) ، و (مِنْ هادٍ) (٦) الثانى ، (فَسَوْفَ (٧) تَعْلَمُونَ) ، أربعهن (٨) (فَبَشِّرْ (٩) عِبادِ) ، (مِنْ تَحْتِهَا (١٠) الْأَنْهارُ). مجموع فواصل آياتها (من ولى يدر) وللسورة اسمان : سورة الزّمر ؛ لقوله : (إِلَى (١١) الْجَنَّةِ زُمَراً) وسورة الغرف ؛ لقوله : (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ) (١٢) قال وهب : من أراد أن يعرف قضاء الله فى خلقه فليقرأ سورة الغرف.

__________________

(١) الآية ٥٣.

(٢) فى شرح ناظمة الزهر أن عددها عند الحجازى والبصرى ثنتان وسبعون.

(٣) الآية ٣.

(٤) الآية ١١.

(٥) الآية ١٤.

(٦) الآية ٣٦.

(٧) الآية ٣٩.

(٨) يريد أن (تعملون) التى فيها الخلاف سبقها ثلاثة من مثلها فيها فعل مضارع مسند لواو الجماعة من العمل ، وان كانت الثلاثة (يعملون). والاولى أن يقول : رابعتهن.

(٩) الآية ١٧.

(١٠) الآية ٢٠.

(١١) الآية ٧٣.

(١٢) الآية ٢٠.

٤٠٣

معظم مقصود السّورة : بيان تنزيل القرآن ، والإخلاص فى الدّين ، والإيمان ، وباطل عذر الكفّار فى عبادة الأوثان ، وتنزيه الحقّ تعالى عن الولد بكلمة (سُبْحانَهُ) ، (١) وعجائب صنع الله فى الكواكب والأفلاك بلا عمد وأركان ، والمنّة على العباد بإنزال الإنعام من السّماء فى كلّ أوان ، وحفظ الأولاد فى أرحام الأمهات بلا أنصار وأعوان ، وجزاء الخلق على الشكر والكفران ، وذكر شرف المتهجّدين فى الدّياجر (٢) بعبادة الرّحمن ، وبيان أجر الصابرين وذلّ أصحاب الخسران ، وبشارة المؤمنين فى استماع القرآن بإحسان ، وإضافة غرف الجنان لأهل الإخلاص والعرفان ، وشرح صدر المؤمنين بنور التوحيد والإيمان ، ـ وبيان أحوال آيات الفرقان ، وعجائب القرآن ، وتمثيل أحوال أهل الكفر وأهل الإيمان ، والخطاب مع المصطفى بالموت والفناء وتحلّل الأبدان ، وبشارة أهل الصّدق بحسن الجزاء والغفران ، والوعد بالكفاية والكلاءة (٣) للعبدان ، وبيان العجز عن العون ، والنّصرة للأصنام والأوثان ، وعجائب الصنع فى الرّؤيا ، والنوم وماله من غريب الشان ، ونفرة الكفّار من سماع ذكر الواحد الفرد الديّان ، والبشارة بالرّحمة لأهل الإيمان ، وإظهار الحسرة والنّدامة يوم القيامة من أهل العصيان ، وتأسفهم فى تقصيرهم فى الطّاعة زمان الإمكان ، وإضافة الملك إلى قبضة قدرة الرّحمن ، ونفخ الصور على سبيل الهيبة ، والسّياسة ، وإشراق العرصات بنور العدل ، وعظمة السلطان ، وسوق الكفّار بالذلّ والخزى

__________________

(١) الآية ٤.

(٢) هو جمع الديجور للمظلم. والواجب الدياجير.

(٣) الكلاءة : الحفظ والحراسة.

٤٠٤

إلى دار العقوبة والهوان ، وتفريح المؤمنين بالسّلام عليهم فى دار الكرامة ، وغرف الجنان ، وحكم الحقّ بين الخلق بالعدل ، وختمه بالفضل والإحسان ، فى قوله : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

الناسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ خمس آيات : (إِنَ (١) اللهَ يَحْكُمُ) م (فَاعْبُدُوا (٢) ما شِئْتُمْ) م (٣)(وَمَنْ (٤) يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) م (اعْمَلُوا (٥) عَلى مَكانَتِكُمْ) م (٦) (فَمَنِ (٧) اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ) م آية (٨) السّيف ن قل (إِنِّي (٩) أَخافُ) م (لِيَغْفِرَ (١٠) لَكَ اللهُ) ن.

المتشابهات :

قوله : (إِنَّا (١١) أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ) وفى هذه السّورة أيضا (إِنَّا أَنْزَلْنا (١٢) عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ) الفرق بين (أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) و (أَنْزَلْنا عَلَيْكَ) قد سبق فى البقرة. ويزيده (١٣) وضوحا أن كلّ موضع خاطب (فيه) النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ

__________________

(١) الآية ٣.

(٢) الآية ١٥.

(٣) أ ، ب : «ن» وهو خطأ من الناسخ.

(٤) الآية ٢٣.

(٥) الآية ٣٩.

(٦) أ ، ب : «ن» وهو خطأ من الناسخ.

(٧) الآية ٤١.

(٨) الآية ٥ سورة التوبة. وقد نسخت هذه الآية الآيات السابقة. ولا يظهر نسخها لقوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ له فَما لَهُ مِنْ هادٍ). وفى ابن حزم أنها ناسخة لمعناها ، وكأنه يريد أن معناها ترك الضال وموادعته اذ لا مطمع فى هدايته ، فنسخته آية السيف بقتاله أو يسلم.

(٩) الآية ١٣.

(١٠) الآية ٢ سورة الفتح.

(١١) الآية ٢.

(١٢) الآية ٤١.

(١٣) فى الكرمانى : «نزيده».

٤٠٥

ففيه تكليف ، وإذا خاطبه بقوله : (أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ) ففيه تخفيف. اعتبر بما فى هذه السّورة. فالذى فى أوّل السّورة (إِلَيْكَ) فكلّفه الإخلاص فى العبادة. والذى فى آخرها (عَلَيْكَ) فختم الآية بقوله (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أى لست بمسئول عنهم ، فخفّف عنه ذلك.

قوله : (إِنِّي أُمِرْتُ (١) أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) زاد مع الثانى لاما ؛ لأنّ المفعول من الثانى محذوف ، تقديره : وأمرت أن أعبد الله لأن أكون ، فاكتفى بالأول.

قوله : (قُلِ اللهَ (٢) أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) بالإضافة ، والأول (مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) ، لأنّ قوله : (اللهَ أَعْبُدُ) إخبار عن المتكلم ؛ فاقتضى الإضافة إلى المتكلم ، وقوله : (أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ) ليس بإخبار عن المتكلم ، وإنما الإخبار (أمرت) ، وما بعده فضلة ومفعول.

قوله : (وَيَجْزِيَهُمْ (٣) أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) وفى النحل (وَلَنَجْزِيَنَ (٤) الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وكان حقّه أن يذكر هناك. خصّت هذه السورة بـ (الذى) ليوافق ما قبله. وهو (أَسْوَأَ الَّذِي) ، وقبله (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ). وخصّت النّحل بـ (ما) للموافقة أيضا. وهو (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) و (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) فتلاءم اللفظان فى السّورتين.

قوله : (وَبَدا (٥) لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) وفى الجاثية (ما عَمِلُوا)(٦)

__________________

(١) الآيتان ١١ ، ١٢.

(٢) الآية ١٤.

(٣) الآية ٣٥.

(٤) الآية ٩٦.

(٥) الآية ٤٨.

(٦) الآية ٣٣.

٤٠٦

علّته مثل علّة الآية الأولى ؛ لأن (ما كَسَبُوا) فى هذه السّورة وقع بين ألفاظ كسب (١) ، وهو قوله : (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) وفى الجاثية وقع بين ألفاظ العمل وهو : (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وبعده (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) فخصّت (٢) كلّ سورة بما اقتضاه طرفاه.

قوله : (ثُمَّ يَهِيجُ (٣) فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) وفى الحديد (ثُمَّ يَكُونُ (٤) حُطاماً) ؛ لأنّ الفعل الواقع قبل قوله (ثُمَّ يَهِيجُ) فى هذه السّورة مسند إلى الله تعالى ، وهو قوله : (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً) فكذلك الفعل بعده : (ثُمَّ يَجْعَلُهُ). وأمّا الفعل قبله فى الحديد فمسند إلى النبات وهو (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) فكذلك ما بعده وهو (ثُمَّ يَكُونُ) ليوافق فى السّورتين ما قبل وما بعد.

قوله (فُتِحَتْ (٥) أَبْوابُها) وبعده (وَفُتِحَتْ) بالواو للحال ، أى جاءوها وقد فتحت أبوابها. وقيل : الواو فى (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) زيادة ، وهو الجواب. وقيل : الواو واو الثمانية. وقد سبق فى الكهف.

قوله : (فَمَنِ (٦) اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ) ، وفى غيرها (٧) : (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) ؛ لأنّ هذه السّورة متأخرة عن تلك السّورة ؛ فاكتفى بذكره فيها.

__________________

(١) كذا فى ب. وفى أ : «كسبت» وفى الكرمانى : «الكسب» وهو أولى ليوافق «ألفاظ العمل».

(٢) ب : «فخصصت».

(٣) الآية ٢١.

(٤) الآية ٢٠.

(٥) الآية ٧١.

(٦) الآية ٤١.

(٧) يريد سورة النمل ، وهو فى الآية ٩٢

٤٠٧

فضل السّورة

عن عائشة رضى الله عنها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) يقرأ كلّ ليلة بنى إسرائيل والزمر ، وحديث أبىّ الواهى : من قرأ سورة الزمر لم يقطع الله رجاءه يوم القيامة ، وأعطى ثواب الخائفين الّذين خافوه ، وحديث على : يا علىّ من قرأ سورة الزّمر اشتاقت إليه الجنّة ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب المجاهدين.

__________________

(١) فى الشهاب على البيضاوى ٧ / ٣٥٧ : «رواه الترمذى ، فليس بموضوع».

٤٠٨

٤٠ ـ بصيرة فى حم .. المؤمن ..

السّورة مكّيّة بالاتّفاق. عدد آياتها خمس وثمانون فى عدّ الكوفة والشّام (١) ، وأربع فى الحجاز ، واثنتان فى البصرة. وكلماتها ألف ومائة وتسع وتسعون. وحروفها أربعة آلاف وتسعمائة وستون. الآيات المختلف فيها تسع : حم ، كاظِمِينَ، (٢) التَّلاقِ ، (٣) بارِزُونَ (٤) ، (بَنِي إِسْرائِيلَ (٥) ، (فِي الْحَمِيمِ) (٦) (وَالْبَصِيرُ) (٧) (يُسْحَبُونَ) (٨) (كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ) (٩) مجموع فواصل آياتها (من علق وتر) ولها ثلاثة أسماء : سورة المؤمن ؛ لاشتمالها على حديث مؤمن آل فرعون ـ أعنى خربيل ـ فى قوله : (وَقالَ (١٠) رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) ، وسورة الطّول ؛ لقوله : (ذِي الطَّوْلِ). والثالث حم الأولى ؛ لأنها أولى ذوات حم.

معظم مقصود السّورة : المنّة على الخلق بالغفران ، وقبول التوبة ، وخطبة التوحيد على جلال الحقّ ، وتقلب الكفار بالكسب والتجارة ، وبيان وظيفة حملة العرش ، وتضرّع الكفّار فى قعر الجحيم ، وإظهار أنوار العدل فى القيامة ، وذكر إهلاك القرون الماضية ، وإنكار فرعون على موسى وهارون ، ومناظرة خربيل لقوم فرعون نائبا عن موسى ، وعرض أرواح

__________________

(١) فى شرح ناظمة الزهر أن العدد عند الشاميين ست وثمانون.

(٢) الآية ١٨.

(٣) الآية ١٥.

(٤) الآية ١٦.

(٥) الآية ٥٣.

(٦) الآية ٧٢.

(٧) الآية ٥٨.

(٨) الآية ٧١.

(٩) الآية ٧٣.

(١٠) الآية ٢٨.

٤٠٩

الكفّار على العقوبة ، ووعد النّصر للرّسل ، وإقامة أنواع الحجّة والبرهان على أهل الكفر والضّلال ، والوعد بإجابة دعاء المؤمنين ، وإظهار أنواع العجائب من صنع الله ، وعجز المشركين فى العذاب ، وأنّ الإيمان عند اليأس غير نافع ، والحكم بخسران الكافرين والمبطلين فى قوله : (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ).

النّاسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ آيتان (إِنَ (١) وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) فى موضعين م آية (٢) السّيف ن.

المتشابهات :

قوله : (أَوَلَمْ (٣) يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ، وبعده : (أَفَلَمْ (٤) يَسِيرُوا) ما يتعلّق بذكرهما سبق.

قوله : (ذلِكَ (٥) بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ) ، وفى التغابن : (بِأَنَّهُ (٦) كانَتْ) لأنّ هاء الكناية إنما زيدت لامتناع (أنّ) عن الدّخول على (كان) فخصّت هذه السّورة بكناية المتقدّم ذكرهم ؛ موافقة لقوله : (كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) وخصّت سورة التغابن بضمير الأمر والشأن توصّلا إلى (كان) قوله : (فَلَمَّا (٧) جاءَهُمْ بِالْحَقِّ) فى هذه السورة فحسب ، لأنّ الفعل لموسى ، وفى سائر القرآن الفعل للحقّ.

__________________

(١) الآيتان ٥٥ ، ٧٧.

(٢) الآية ٥ سورة التوبة. والنسخ لما فى الآيتين من الأمر بالصبر.

(٣) الآية ٢١.

(٤) الآية ٨٢.

(٥) الآية ٢٢.

(٦) الآية ٦.

(٧) الآية ٢٥.

٤١٠

قوله : (إِنَّ السَّاعَةَ ١) لَآتِيَةٌ) وفى طه (آتِيَةٌ)(٢) لأنّ اللام إنّما يزاد لتأكيد الخبر ، وتأكيد الخبر إنّما يحتاج إليه إذا كان المخبر به شاكّا فى الخبر ، والمخاطبون فى هذه السّورة هم الكفّار ، فأكّد. وكذلك أكّد (لَخَلْقُ السَّماواتِ (٣) وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) (وافق (٤) ما قبله) فى هذه السّورة باللّام :

قوله (وَلكِنَّ أَكْثَرَ (٥) النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) ، وفى يونس (وَلكِنَ (٦) أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) ـ وقد سبق ـ ؛ لأنّه وافق ما قبله فى هذه السّورة : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)، وبعده : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) ثم قال : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ).

قوله فى الآية الأولى (لا يَعْلَمُونَ)(٧) أى لا يعلمون أنّ خلق الأصغر أسهل من خلق الأكبر ، ثمّ قال : (لا يُؤْمِنُونَ) أى لا يؤمنون بالبعث (٨) ثم قال : (لا يَشْكُرُونَ) أى لا يشكرون الله على فضله. فختم كلّ آية بما اقتضاه.

قوله (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) سبق.

قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ (٩) رَبِّ الْعالَمِينَ) مدح نفسه سبحانه ، وختم ثلاث آيات على التّوالى بقوله (رَبُّ الْعالَمِينَ) وليس له فى القرآن نظير.

قوله : (وَخَسِرَ هُنالِكَ (١٠) الْمُبْطِلُونَ) وختم السّورة بقوله (وَخَسِرَ هُنالِكَ (١١)

__________________

(١) الآية ٥٩.

(٢) الآية ١٥.

(٣) الآية ٥٧.

(٤) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٥) الآية ٦١.

(٦) الآية ٦٠.

(٧) الآية ٥٧.

(٨) أ : «بالغيب».

(٩) الآية ٦٢.

(١٠) الآية ٦٤ ـ ٦٥.

(١١) الآية ٧٨.

٤١١

الكافرون) ؛ لأنّ الأوّل متصل بقوله : (قُضِيَ بِالْحَقِّ) ونقيض الحق الباطل ، والثانى متصل بإيمان غير مجد ، ونقيض الإيمان الكفر.

فضل السورة

فيه حديث أبىّ السّاقط : الحواميم ديباج القرآن. وقال : الحواميم (١) سبع ، وأبواب (جهنم سبعة) (٢) : جهنم ، والحطمة ، ولظى ، والسّعير ، وسقر ، والهاوية ، والجحيم. فيجىء كلّ حاميم منهنّ يوم القيامة على باب من هذه الأبواب ، فيقول : لا أدخل الباب من كان مؤمنا بى ويقرئني ، وعن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ لكلّ شىء ثمرة ، وثمرة القرآن ذوات حاميم ، هى روضات محصنات ، متجاورات. فمن أحبّ أن يرتع فى رياض الجنّة فليقرأ الحواميم. وقال ابن عباس : لكلّ شىء لباب ، ولباب القرآن الحواميم ؛ وقال : ابن سيرين : رأى أحد فى المنام سبع جوار حسان فى مكان واحد ، لم ير أحسن منهنّ فقال لهنّ : لمن أنتنّ؟ قلن : لمن قرأ آل حاميم. وقال : من قرأ حم المؤمن لم يبق روح نبىّ ، ولا صدّيق ، ولا شهيد ، ولا مؤمن ، إلّا صلّوا عليه ، واستغفروا له ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأ الحواميم السّبع بعض إثر بعض ، من (٣) قرأ هذه السّورة لا يصف الواصفون من أهل السّماء والأرض ما له عند الله من الثّواب ، وله بكلّ سورة قرأها من الحواميم مثل ثواب ابن آدم الشهيد ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب الأنصار.

__________________

(١) رواه البيهقى فى شعب الايمان عن الخليل بن قرة مرسلا. انظر كنز العمال ١ / ١٤٤. وتراه أتى بالحواميم فى جمع حاميم ولجمع المعروف ذوات حاميم أو آل حاميم كما جاء فى خبر ابن سيرين. وفى القاموس : «ولا تقل : الحواميم ، وقد جاء فى شعر» وذكر الشارح أن الحواميم من كلام العامة.

(٢) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٣) هذه العبارة مقحمة هنا. ويظهر أن الناسخ زادها.

٤١٢

٤١ ـ بصيرة فى

حم. تنزيل من الرحمن الرحيم ..

السورة مكّيّة بالاتّفاق. عدد آياتها أربع وخمسون فى عدّ الكوفة ، وثلاث فى عدّ الحجاز ، واثنتان فى عدّ البصرة ، والشّأم. وكلماتها سبعمائة وست وتسعون. وحروفها ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسون. المختلف فيها آيتان : (حم عادٍ (١) وَثَمُودَ). مجموع فواصل آياتها (ظن طب حرم صد) وللسّورة اسمان : حم السّجدة ، لاشتمالها على السجدة ، وسورة المصابيح ؛ لقوله : (زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا (٢) بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً).

معظم مقصود السّورة : بيان شرف القرآن ، وإعراض الكفّار من قبوله ، وكيفيّة تخليق الأرض والسّماء ، والإشارة إلى إهلاك عاد وثمود ، وشهادة الجوارح على العاصين فى القيامة ، وعجز الكفّار فى سجن جهنّم ، وبشارة المؤمنين بالخلود فى الجنان ، وشرف (٣) المؤذّنين بالأذان ، والاحتراز من نزغات الشيطان ، والحجّة والبرهان على وحدانيّة الرّحمن ، وبيان شرف القرآن ، والنفع والضرّ ، والإساءة ، والإحسان ، وجزع الكفّار عند الابتلاء والامتحان ، وإظهار الآيات الدّال (٤) على الذّات والصّفات

__________________

(١) الآية ١٣.

(٢) الآية ١٢.

(٣) يشير الى قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) الآية ٣٣ ، فقد قيل انها نزلت فى المؤذنين لدعوتهم الى الصلاة التى هى عماد الدين ويقول الشهاب ٧ / ٤٠٠ : «فالآية مدنية ، الا أن يقال : حكمها متأخر عن نزولها ، لأن السورة مكية والأذان شرع بالمدينة».

(٤) كذا فى أ ، ب. والمناسب : «الدالة» ألا أن يكون صفة لاظهار.

٤١٣

الحسان ، وإحاطة علم الله بكلّ شىء من الإسرار والإعلان ، بقوله : (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ).

الناسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ آية واحدة (ادْفَعْ (١) بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) م آية السّيف (٢) ن

المتشابهات :

قوله تعالى : (فِي أَرْبَعَةِ (٣) أَيَّامٍ) أى مع اليومين اللّذين تقدّما فى قوله : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) كيلا يزيد العدد على ستّة أيّام ، فيتطرّق إليه كلام المعترض. وإنما جمع بينهما ولم يذكر اليومين على الانفراد بعدهما ؛ لدقيقة لا يهتدى (٤) إليها إلا كلّ فطن خرّيت (٥) وهى أنّ قوله : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) صلة (بِالَّذِي) و (تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) عطف على (لَتَكْفُرُونَ) و (جَعَلَ فِيها رَواسِيَ) عطف على قوله : (خَلَقَ الْأَرْضَ) وهذا ممتنع فى الإعراب لا يجوز فى الكلام ، وهو فى الشعر من أقبح الضرورات ، لا يجوز أن يقال : جاءنى الذى يكتب وجلس (٦) ويقرأ : لأنّه لا يحال بين صلة الموصول وما يعطف عليه بأجنبىّ من الصّلة ؛ فإذا امتنع هذا لم يكن بدّ من إضمار فعل يصحّ الكلام به ومعه ، فيضمر (خَلَقَ الْأَرْضَ) بعد قوله (ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ) فيصير التقدير : ذلك ربّ العالمين ، خلق الأرض وجعل فيها رواسى من فوقها ، وبارك فيها ، وقدّر فيها أقواتها ، فى أربعة أيّام ؛ ليقع

__________________

(١) الآية ٣٤.

(٢) الآية ٥ سورة التوبة.

(٣) الآية ١٠.

(٤) فى الكرمانى : «يتهدى».

(٥) هو الدليل الحاذق.

(٦) على أن تكون (جلس) ليست معطوفة على الصلة بل معترضة بين الصلتين.

٤١٤

هذا كلّه فى أربعة أيام. فسقط الاعتراض والسّؤال. وفيه (١) معجزة وبرهان.

قوله : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها (٢) شَهِدَ عَلَيْهِمْ)، وفى الزخرف (٣) وغيره (حَتَّى إِذا جاؤُها) بغير (ما) ؛ لأنّ (حَتَّى) هاهنا الّتى تجرى مجرى واو العطف فى نحو قولك : أكلت السّمكة حتى رأسها أى ورأسها. وتقدير الآية : فهم يوزعون ، وإذا ما جاءوها و (ما) هى الّتى تزاد مع الشّرط ، نحو أينما ، وحيثما. وحتى فى غيرها من السّورة للغاية.

قوله : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ (٤) مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ومثله فى الأعراف ، لكنه ختم بقوله (سَمِيعٌ (٥) عَلِيمٌ) ؛ الآية فى هذه السّورة متّصلة بقوله : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) وكان مؤكّدا بالتكرار ، وبالنفى والإثبات ، فبالغ فى قوله : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) بزيادة (هُوَ) وبالألف واللام ، ولم يكن فى الأعراف هذا النّوع من الاتّصال ، فأتى على القياس : المخبر عنه معرفة ، والخبر نكرة.

قوله : (وَلَوْ لا (٦) كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) وفى عسق بزيادة قوله : (إِلى أَجَلٍ (٧) مُسَمًّى) وزاد فيها أيضا : (بَغْياً بَيْنَهُمْ) ؛ لأنّ المعنى : تفرق قول اليهود فى التّوراة ، وتفرّق قول الكافرين فى القرآن ، ولو لا كلمة سبقت من ربّك بتأخير العذاب إلى يوم الجزاء ، لقضى بينهم بإنزال العذاب عليهم. وخصّت عسق بزيادة قوله تعالى : (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى)

__________________

(١) فى الكرمانى : «هذه».

(٢) الآية ٢٠.

(٣) الاولى : «الزمر» فان الذى فى الزخرف : «حَتَّى إِذا جاءَنا».

(٤) الآية ٣٦.

(٥) الآية ٢٠٠.

(٦) الآية ٤٥.

(٧) الآية ١٤ سورة الشورى.

٤١٥

لأنّه ذكر البداية فى أوّل الآية وهو (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) وهو مبدأ كفرهم ، فحسن ذكر النّهاية الّتى أمهلوا إليها ؛ ليكون محدودا من الطّرفين.

قوله : (وَإِنْ (١) مَسَّهُ الشَّرُّ (٢) فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) وبعده : (وإن مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) لا منافاة بينهما ؛ لأنّ معناه : قنوط من الصّنم ، دعّاء لله. وقيل : يئوس قنوط بالقلب دعّاء باللّسان. وقيل : الأوّل فى قوم والثّانى فى آخرين. وقيل : الدّعاء مذكور فى الآيتين ، وهو (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) فى الأوّل ، و (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) فى الثّانى.

قوله : (وَلَئِنْ (٣) أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) [بزيادة (٤) من] وفى هود : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ (٥) نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) ، لأنّ فى هذه السّورة بيّن جهة الرّحمة ، وبالكلام حاجة إلى ذكرها وحذف فى هود ؛ اكتفاء بما قبله ، وهو قوله : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) ، وزاد فى هذه السّورة (من) لأنه لمّا حدّ الرّحمة والجهة الواقعة منها ، حدّ الطّرف الّذى بعدها فتشاكلا فى التحقيق (٦). وفى هود لمّا أهمل الأوّل أهمل الثّانى.

قوله : (أَرَأَيْتُمْ (٧) إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) وفى الأحقاف (وَكَفَرْتُمْ (٨) بِهِ) بالواو ؛ لأنّ معناه فى هذه السّورة : كان عاقبة أمركم بعد الإمهال للنّظر والتدبّر الكفر ، فحسن دخول ثمّ ، وفى الأحقاف

__________________

(١) الآية ٤٩.

(٢) ما بين المعقوفتين من الكرمانى.

(٣) الآية ٥٠.

(٤) ما بين المعقوفتين من الكرمانى.

(٥) الآية ١٠.

(٦) فى الكرمانى : «التحديد».

(٧) الآية ٥٢.

(٨) الآية ١٠.

٤١٦

عطف عليه (وَشَهِدَ شاهِدٌ) ؛ فلم يكن عاقبة أمرهم. (وكان) (١) من مواضع الواو.

فضل السّورة

فيه حديث أبىّ المردود : من قرأ هذه السورة أعطاه الله بكلّ حرف عشر حسنات.

__________________

(١) فى الكرمانى : «فكان».

٤١٧

٤٢ ـ بصيرة فى

حم عسق

السّورة مكّيّة إجماعا. عدد آياتها ثلاث وخمسون فى الكوفى ، وخمسون فى الباقين. كلماتها ثمانمائة وستّ وستّون. وحروفها ثلاثة آلاف وخمسمائة وثمان وثمانون. المختلف فيها من الآى ثلاث : حم عسق ، كالأعلم (١) مجموع فواصل آياتها (زرلصب قدم) ولها اسمان : عسق ؛ لافتتاحها بها ، وسورة الشورى ؛ لقوله (وَأَمْرُهُمْ (٢) شُورى بَيْنَهُمْ).

معظم مقصود السّورة : بيان حجّة التوحيد ، وتقرير نبوّة الرّسول ، وتأكيد شريعة الإسلام ، والتّهديد بظهور آثار القيامة ، وبيان ثواب العاملين (٣) دنيا وأخرى ، وذلّ الظّالمين فى عرصات القيامة ، واستدعاء الرّسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الأمّة محبّة أهل البيت العترة الطّاهرة ، ووعد التّائبين بالقبول ، وبيان الحكمة فى تقدير الأرزاق وقسمتها ، والإخبار عن شؤم الآثام والذنوب ، والمدح والثناء على (٤) العافين من النّاس ذنوب المجرمين ، وذلّ الكفّار فى مقام الحساب ، والمنّة على الخلق بما منحوا : من الأولاد وبيان كيفيّة نزول الوحى على الأنبياء ، والمنّة على الرّسول بعطيّة الإيمان ، والقرآن ، وبيان أن مرجع الأمور إلى الله الدّيان فى قوله : (إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)

__________________

(١) الآية ٣٢.

(٢) الآية ٣٨.

(٣) ا : «العالمين».

(٤) كذا. والمعروف فى هذا : «عن». يقال : عفوت عنه ذنبه.

٤١٨

الناسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ ثمان آيات : (وَيَسْتَغْفِرُونَ (١) لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) م (وَيَسْتَغْفِرُونَ (٢) لِلَّذِينَ آمَنُوا) ن (اللهُ (٣) حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) م آية السّيف ن (وَاسْتَقِمْ (٤) كَما أُمِرْتَ) م (قاتِلُوا (٥) الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) ن (مَنْ كانَ (٦) يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) م (يُرِيدُ (٧) الْعاجِلَةَ) ن (إِلَّا الْمَوَدَّةَ (٨) فِي الْقُرْبى) م (ما سَأَلْتُكُمْ (٩) مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) ن وقيل : محكمة (١٠)(أَصابَهُمُ (١١) الْبَغْيُ) وقوله : (وَلَمَنِ (١٢) انْتَصَرَ) م (وَلَمَنْ (١٣) صَبَرَ) ن (فَإِنْ أَعْرَضُوا)(١٤) م آية (١٥) السّيف ن.

المتشابهات :

قوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ (١٦) لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وفى لقمان : (مِنْ عَزْمِ (١٧) الْأُمُورِ) ؛ لأنّ الصّبر على وجهين : صبر على مكروه ينال الإنسان ظلما ؛

__________________

(١) الآية ٥.

(٢) الآية ٧ سورة المؤمن وأنكر النحاس النسخ فى هذا لأنه من الأخبار.

(٣) الآية ٦.

(٤) الآية ١٥.

(٥) الآية ٢٩ سورة التوبة والنسخ لما فى الآية : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) ومن العلماء من يراها محكمة.

(٦) الآية ٢٠.

(٧) الآية ١٨ سورة الاسراء. وكانت هذه الآية ناسخة لآية الشورى لما فيها من التقييد بالمشيئة.

(٨) الآية ٢٣.

(٩) الآية ٤٧ سورة سبأ.

(١٠) بناء على أن الاستثناء منقطع اذ المودة ليست بأجر. أو أن المراد بالمودة فى القربى أن يودوا الله ويتقربوا اليه بالطاعة ، وهذا لا ينسخ.

(١١) الآية ٣٩.

(١٢) الآية ٤١.

(١٣) الآية ٤٣ ، وهذه الآية لبيان الافضل والاكثر فى الصواب ، وما تقدم فى بيان ما يستحقه من اعتدى عليه ، فلا تدافع بينهما.

(١٤) الآية ٤٨.

(١٥) الآية ٥ سورة التوبة.

(١٦) الآية ٤٣ ، وهذه الآية لبيان الافضل والاكثر فى الصواب ، وما تقدم فى بيان ما يستحقه من اعتدى عليه ، فلا تدافع بينهما.

(١٧) الآية ١٧.

٤١٩

كمن قتل بعض أعزّته ، وصبر على مكروه ليس بظلم ؛ كمن مات بعض أعزّته. فالصّبر على الأوّل أشدّ ، والعزم عليه أوكد. وكان ما فى هذه السّورة من الجنس الأوّل ؛ لقوله : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ) فأكّد الخبر باللّام. وما فى لقمان من الجنس الثانى فلم يؤكده.

قوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ (١) اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ) وبعده : (وَمَنْ يُضْلِلِ (٢) اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) ليس بتكرار ؛ لأنّ المعنى : ليس له من هاد ولا ملجأ.

قوله : (عَلِيٌ (٣) حَكِيمٌ) ليس له نظير. والمعنى : تعالى عن أن يكلّم شفاها ، حكيم فى تقسيم وجوه التكليم.

قوله : (لَعَلَ (٤) السَّاعَةَ قَرِيبٌ) وفى الأحزاب (تَكُونُ (٥) قَرِيباً) زيد معه (تكون) مراعاة للفواصل. وقد سبق.

فضل السّورة

فيه حديث ضعيف (٦) جدّا : من قرأ حم عسق كان ممّن (٧) يصلى عليه الملائكة ، ويستغفرون له ، ويسترحمون له.

__________________

(١) الآية ٤٤.

(٢) الآية ٤٦.

(٣) الآية ٥١.

(٤) الآية ١٧.

(٥) الآية ٦٣.

(٦) ذكر الشهاب أنه موضوع.

(٧) أ ، ب : «كمن» وما أثبت عن البيضاوى فى آخر سورة الشورى.

٤٢٠