بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

ترجمة المؤلف. آثاره وتآليفه

مولد المؤلف ونشأته العلمية :

إقليم فارس من أقاليم إيران ، يقع فى جنوبيّها الغربىّ. ومن هذا الإقليم كورة أردشيرخرّة ، وقصبتها شيراز. وهى مدينة إسلاميّة مصّرها (١) العرب فى سنة ٦٤ ه‍. وكانت قصبة الإقليم كلّه. وفى جنوبى شيراز تقع مدينة كارزين ، وكانت من قبل قصبة كورة قباذخرّة. ويقول شيراز ياقوت : «كارزين بفتح الراء وكسر الزاى وياء ونون» وفى التاج أن المشهور فيه كسر الراء ، كما هو عند الصاغانى ، وأن السمعانىّ ضبطها بالفتح. وبذلك يعلم سند ياقوت فى ضبطه.

فى هذه المدينة (كارزين) ولد مجد الدين الفيروزآبادي محمد ابن يعقوب. وقد صرّح بذلك فى مادة (كرز) من القاموس ، ففيها : «وكارزين : د (بلد) بفارس ، منه محمد بن الحسن مقرئ الحرم. وبه ولدت. وإليه ينسب محدّثون وعلماء» وقد وقع عند كثير من المترجمين

__________________

(١) بلدان الخلافة الاسلامية ٢٨٥.

١

له أنه ولد بكازرون. ويذكر صاحب التاج أن هذا الوهم وقع فيه بعض الخاصّة. ومصدر هذا الوهم أن كازرون أيضا قريبة من شيراز. وإن كانت من كورة سابور.

وكانت ولادة المجد فى ربيع الآخر ـ وقيل : فى جمادى الآخرة ـ سنة ٧٢٩ ه‍ (سنة ١٣٢٩ م). ولا يعرف من أخبار أسرته إلا أن أباه كان من علماء اللغة والأدب فى شيراز. وقد توجّه إلى حفظ القرآن فحفظه وهو ابن سبع سنين. وكان سريع الحفظ. واستمرّ له ذلك فى حياته. وكان يقول : لا أنام حتى أحفظ مائتى سطر.

وقد بدا ميله إلى اللغة فى زمن مبكّر. فيذكر السخاوىّ أنه نقل إذ ذاك كتابين من كتب اللغة. والظاهر أن هذا بتوجيه أبيه.

وقد انتقل فى السنة الثامنة من حياته إلى شيراز فى طلب العلم. فأخذ اللغة والأدب. ويدخل فى ذلك النحو والصرف وعلوم البلاغة.

عن القوام عبد الله بن محمود بن النجم. وتلقّى الحديث عن محمد بن يوسف الزّرندىّ الحنفىّ المدنىّ. وكانت وفاته سنة بضع وخمسين وسبعمائة كما فى الدرر الكامنة. ونجد أن اتجاهه لعلوم المنقول ، ولا نراه يتّجه لعلوم المعقول كالمنطق والكلام. كما نرى ذلك فى علامتى المعقول فى عصره وبيئته : سعد الدين التفتازانى المتوفى سنة ٧٩٢ ه‍. والسيد الشريف الجرجانى المتوفى سنة ٨١٦ ه‍.

٢

ويفارق شيراز فى سنة ٧٤٥ ه‍ إلى العراق ، فيدخل واسطا (١) ، ويقرأ بها القراءات العشر على الشهاب أحمد بن علىّ الديوانىّ. ويدخل بغداد فيأخذ عن التاج محمد بن السبّاك ، والسراج عمر بن علىّ القزوينىّ ، وعليه سمع الصحيح (الظاهر أنه صحيح البخارى) ، ومشارق الأنوار للصاغانىّ فى الحديث ، ويذكر ابن حجر فى الدرر الكامنة هذا الرجل ، فيصفه بأنه محدّث العراق ، ويقول : «ومات سنة ٧٥٠. روى عنه جماعة من آخرهم شيخنا مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازى صاحب القاموس» ويختصّ فيها بقاضى بغداد الشرف عبد الله بن بكتاش. وكان مدرّس النظاميّة ، فيعمل معيدا عنده. ويمكث هكذا فى بغداد سنين.

وبعد هذا يدخل دمشق سنة ٧٥٥ ه‍ ، فيأخذ عن علمائها ومحدّثيها ، كقاضى القضاة التقىّ السبكيّ المتوفى سنة ٧٥٦ ، وابنه التاج عبد الوهاب المتوفى سنة ٧٧١ ه‍ ، ومحمد بن إسماعيل المعروف بابن الخبّاز مسند دمشق المتوفى سنة ٧٥٦ ه‍ ، وابن (٢) قيّم الضيائيّة عبد الله بن محمد ابن إبراهيم المتوفى سنة ٧٦١ ه‍.

وطاف فى بلاد الشام يأخذ عن علمائها. واستقرّ به المقام حينا من الدهر فى بيت المقدس. فأخذ عن صلاح الدين خليل بن كيكلدى العلائى ، وكان مدرس المدرسة الصلاحية بالقدس من سنة ٧٣١ ه‍ ، وكانت وفاته سنة ٧٦١ ه‍ بالقدس.

__________________

(١) هى مدينة بناها الحجاج فى نحو سنة ٨٤ ه‍ على جانبى دجلة فى مكان وسط بين البصرة والكوفة. ومن هذا جاء اسمها.

(٢) فى الضوء اللامع انه أخذ عن ابن القيم. وابن القيم اذا أطلق ينصرف الى ابن قيم الجوزية محمد بن أبى بكر المتوفى سنة ٧٥١ ، وهو لا يراد هنا ، لأن المجد لم يدخل دمشق الا سنة ٧٥٥ ه‍.

٣

أستاذية المجد :

ولى المجد فى بيت المقدس عدّة تداريس. ومعنى ذلك أنه كان مدرّسا فى عدّة مدارس ، يتقاضى من كل مدرسة نصيبه المخصّص لدرسه فى الوقف. وهنا تبدأ أستاذيّته ، فيأخذ عنه الناس. وممن أخذ عنه الصلاح الصفدى المتوفى بدمشق سنة ٧٦٤ ، وأخذ هو أيضا عن الصلاح. وفى الضوء اللامع أنه بقى فى القدس عشر سنوات أى إلى سنة ٧٦٥ ه‍. ولكنّا نراه فى خلال هذه المدّة مرّة فى القاهرة ، كما يأتى ، فلا بدّ أنه فى أثناء هذه المدّة كان يرحل إلى جهات أخرى ، ويعود إلى القدس.

ولا يقنع المجد بمكانه فى القدس وتداريسه ، فيرحل إلى القاهرة ، ويلقى علماءها ، كبهاء الدين عبد الله بن عبد الرحمن المشهور بابن عقيل شارح الألفيّة المتوفى سنة ٧٦٩ ، وجمال الدين عبد الرحيم الأسنويّ المتوفّى سنة ٧٧٢ ه‍ ، وابن هشام عبد الله بن يوسف النحوىّ المشهور ، المتوفّى سنة ٧٦١. ونرى من هذا أنه جاء مصر قبل سنة ٧٦٥ ، فإذا صحّ أنه استقرّ فى القدس عشر سنوات منذ سنة ٧٥٥ فإنه كان يحضر مصر فى رحلات ثم يعود إلى القدس.

ونرى فى العقد (١) الثمين أنه قدم مكّة قبل سنة ٧٦٠. وعلى حسب كلام السخاوىّ يكون قدومه إلى مكة من بيت المقدس. ثم يقول : إنه قدمها بعد ذلك سنة ٧٧٠ ه‍ ، وإنه فى هذه المرة أقام بها خمس سنين متوالية ، أو ست سنين ـ يشكّ الفاسىّ صاحب الكتاب ـ ثم رحل

__________________

(١) ج ٢ ص ٣٩٨ تحقيق الأستاذ فؤاد سيد.

٤

عنها أى فى سنة ٧٧٥ ، أو سنة ٧٧٦ ، ولا يذكر الفاسيّ إلى أين رحل. ثم يذكر أنه عاد إلى مكة غير مرّة بعد التسعين ، وكان بها مجاورا سنة ٧٢٩ ، ومجاورة الحرم أن يظل فى مكة بعد الحجّ ، ولا يعود إلى بلده مع العائدين. ولا أدرى لم لم يجعله مجاورا فى السنين الخمس المتوالية أو السنين الست التى أقامها بمكة. وقد رحل فى هذه المرة من مكة إلى الطائف ، واشترى فيها بستانا كان لجدّ الفاسىّ من جهة أمّه. ولا بدّ أنه فى مكة كان يدرّس فى مدارس ، ويتقاضى منها مرتبات يعيش بها. وقد أخذ عنه الفاسىّ ، ويلقبه بشيخنا.

رحلات المجد ووفادته على الملوك :

تبيّن القارئ مما سبق كثرة رحلاته فى طلب العلم. وقد كان أيضا كثير الوفادة على الملوك والأمراء لعهده. ويذكر أنه كان له حظوة عندهم ، فلم يدخل بلدا إلا وأكرمه متوليها.

فنراه اتصل بالأشرف سلطان مصر. والظاهر أنه الأشرف شعبان ابن حسين من ملوك المماليك الترك. وقد ولى ملك مصر سنة ٧٦٤ ، وقتل سنة ٧٧٨. وقد أجازه الأشرف ووصله. وفى النجوم الزاهرة (١) : «كانت أيام الملك الأشرف شعبان المذكور بهجة (٢) ، وأحوال الناس فى أيامه هادئة مطمئنّة ، والخيرات كثيرات ... ومشى سوق أرباب الكمالات فى زمانه من كل علم وفنّ. ونفقت فى أيامه البضائع الكاسدة من الفنون

__________________

(١) ج ١١ ص ٨٢.

(٢) كذا. وكأن الأصل : بهيجة.

٥

والملح ، وقصدته أربابها من الأقطار ، وهو لا يكلّ من الإحسان إليهم فى شيء يريده ، وشيء لا يريده ، حتى كلّمه بعض خواصّه ، فقال ـ رحمه‌الله ـ : أفعل هذا لئلا تموت الفنون فى دولتى وأيّامى».

وفى سنة ٧٩٢ كان المجد بمكة ، فاستدعاه ملك بغداد أحمد بن أويس إليها بكتاب «كتبه (١) إليه ، وفيه ثناء عظيم عليه ، من جملته :

القائل القول لو فاه الزمان به

كانت لياليه أياما بلا ظلم

والفاعل الفعلة الغرّاء لو مزجت

بالنار لم يك ما بالنار من حمم

وفيه بعد ذكر هديّة من مستدعيه :

ولو نطيق لنهدى الفرقدين لكم

والشمس والبدر والعيّوق والفلكا

وصدور هذا من سلطان لعالم منقبة كبيرة له ، وقد ذهب إلى بغداد مع الركب العراقىّ بعد الحجّ ، ونال برّه وخيره.

وقد رحل إلى الهند. ووصل إلى دهلى (٢). وفى العقد (٣) الثمين أن دخوله لليمن من بلاد الهند ، وقد دخل اليمن سنة ٧٩٦ ، فيكون رحلته إلى الهند ، متّصلة بهذا التاريخ ، وكان هذا فى عهد السلطان سكندر شاه (٤) الأول الذى ولى السلطان فى سنة ٧٩٥ ، فإن كان فى الهند قبل هذا التاريخ فإنه يكون اتصل أيضا بالسلطان محمد شاه سلف هذا السلطان ، وهما من بنى تغلق شاه.

__________________

(١) العقد الثمين ٣٩٨.

(٢) فى الضوء اللامع وغيره : «دهلك» ودهلك : جزيرة بين بر اليمن وأرض الحبشة ، ولا تتصل بالهند. فأما دهلى ـ ويقال فيها : دهلى ـ فكانت قصبة سلطنة فى الهند.

(٣) ص ٣٩٨.

(٤) انظر معجم الانساب والأسرات المالكة لزامباور ٤٢٣.

٦

وذهب إلى بلاد الروم (الأناضول) ولقى فيها حظوة عند السلطان بايزيد بن مراد الذى ولى السلطنة سنة ٧٩١ ؛ ومات سنة ٨٠٤. وكانت حاضرة ملكة برسّا ، إذ لم تكن القسطنطينيّة قد فتحت بعد.

ووفد على تيمورلنك فى شيراز. ووصله تيمور بنحو مائة ألف درهم. وقد تغلّب تيمور على فارس والعراق ومملكة التتار. وقصد الشام وغلب عليها حينا. وكان ظالما غشوما. ومع هذا كان يقرّب العلماء والأشراف وينزلهم منازلهم. وكان يجمع العلماء فى مجلسه ويأمرهم بالمناظرة ، ويسألهم ويعنّتهم بالمسائل. وكانت وفاته سنة ٨٠٧ ه‍.

ووفد على شاه شجاع بن محمد بن مظفّر اليزدى صاحب عراق العجم الذى يعرف بالجبال. وفى الدرر الكامنة فى ترجمته : «وقد اشتغل بالعلم واشتهر بحسن الفهم ومحبّة العلماء. وكان ينظم الشعر ويحبّ الأدباء ، ويجيز على المدائح ، وقصد من البلاد. ويقال : إنه كان يقرئ الكشاف وكتب منه نسخة بخطّه الفائق ، ورأيت خطه وهو فى غاية الجودة ... وله أشعار كثيرة بالفارسية» وكانت وفاته سنة ٧٨٧. وفى الضوء أن وفادته كانت على شاه منصور بن شاه شجاع هذا. وشاه منصور ليس ابن شاه شجاع بل هو ابن أخيه ، كما يتبين من معجم الأنساب والأسرات الحاكمة ص ٣٧٩ ، فالرواية الأولى أثبت وهى رواية ابن حجر العسقلانى.

مكانة المجد العلمية والثقافية :

كان المجد واسع المعرفة ، كثير الاستحضار للمستحسن من الشعر والحكايات ، وقد أعانه على ذلك قوّة حفظه ، وكان ذلك من أسباب سعادته عند الملوك

٧

والأمراء. وكان يحسن اللسان الفارسىّ إذ نشأ فى بلاد فارس ، وكان ينظم الشعر فى هذا اللسان ، كما كان ينظم الشعر العربىّ. ومن شعره الذى مال فيه إلى التجنيس قوله :

أحبتنا الأماجد إن رحلتم

ولم ترعوا لنا عهدا وإلّا

نودّعكم ونودعكم قلوبا

لعلّ الله يجمعنا ، وإلّا

فقوله : «إلا» فى آخر البيت الأول يريد به الحرمة والذّمام ، وقوله : «إلّا» فى آخر البيت الثانى مركّبة من إن الشرطية ولا النافية ، وفعل الشرط محذوف ، أى : وإلا ترحلوا تمتعنا ببقائكم. ويحتمل أن يكون المراد : وإلّا يجمعنا الله أضرّ بنا الوجد ، أو نحو ذلك. ويقول الفاسىّ فى العقد (١) الثمين : «وسمعت من ينتقد عليه قوله فى آخر البيت الثانى : (وإلا) بما حاصله : أنه لم يتقدّم له ما يوطّئ له وأن مثل هذا لا يحسن إلا مع تقديم توطئة للمقصود».

وقد ساعده على سعة ثقافته كثرة كتبه «حتى (٢) نقل الجمال الخيّاط أنه سمع الناصر أحمد بن إسماعيل يقول : إنه سمعه يقول : اشتريت بخمسين ألف مثقال ذهبا كتبا. وكان لا يسافر إلّا وصحبته منها عدّة أحمال ، ويخرج أكثرها فى كل منزلة فينظر فيها ثم يعيدها إذا ارتحل». ويذكّرنا هذا بالصاحب إسماعيل بن عبّاد ، فقد ذكر عنه أنه كان يحتاج فى نقل كتبه إلى أربعمائة جمل. على أنه قد يمدّ يده

__________________

(١) ٢ / ٤٠٠

(٢) من الضوء اللامع فى ترجمته.

٨

إلى كتبه فيبيع منها ، فقد ذكروا عنه أنه كان مسرفا ، وكان مع كثرة ثروته يمحقها بالإسراف.

وقد علمت مما مرّ بك ميل المجد إلى علوم الرواية ، وتطوافه فى البلاد للأخذ عن علمائها ، فكانت له مشيخة كثيرة. وقد كتب جمال الدين محمد بن موسى المراكشى المكىّ كتابا ذكر فيه مشيخته ، على عادة العلماء فى ذلك العهد.

وقد قام برواية الحديث ونشره حين استوسق أمره. وقد علمت عنايته باللغة منذ نعومة أظفاره ، وظل يجدّ فيها ، حتى كانت له اليد الطولى فى مباحثها. ويدلّ ثبت كتبه الذى سيمر بك على تضلعه فى كل ما يتّصل بالرواية.

وكان على سعة معارفه تعوزه الدقّة فى بعض تآليفه. فقد أخذ عليه التقى الفاسىّ فى العقد الثمين أنه ألّف كتابا فى فضل الحجون ـ وهو جبل بأعلى مكّة فيه مقبرة ـ فذكر من دفن فيه من الصحابة. ويقول الفاسى : «ولم أر فى تراجمهم فى كتب الصحابة التصريح بأنهم دفنوا جميعا بالحجون ، بل ولا أن كلهم مات بمكّة. فإن كان اعتمد فى دفنهم أجمع (١) بالحجون على من قال : إنهم نزلوا مكّة فلا يلزم من نزولهم بها أن يكون جميعهم دفن بالحجون ، فإن الناس كانوا يدفنون بمقبرة المهاجرين ، بأسفل مكة ، وبالمقبرة العليا بأعلاها ، وربما دفنوا فى دورهم».

__________________

(١) كذا. ولعل الأصل : «اجمعين».

٩

ومن ذلك أنه كان يتساهل فى رواية الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، على علمه بوضعها وضعفها. وقد ألّف هو مجموعا فى الأحاديث الضعيفة. وتراه فى كتاب البصائر يذكر فى فضائل السور حديث أبىّ بن كعب الطويل ، فيذكر فى كل سورة ما يخصّها من هذا الحديث ، وهو حديث موضوع تحاشاه المفسّرون إلا الزمخشرى والبيضاوى فقد يأتيان ببعضه ، وأخذ عليهما هذا. وكذلك حديث على المتناول لكل سورة ، وفيه : يا على إذا قرأت سورة كذا كان لك كذا ، فهو يورده مع التنبيه عليه فى بعض الأحيان بأنه واه أو ساقط. والمتحرّى للدقة ينأى عن هذا السبيل ، وقد شدّد العلماء فى رواية الموضوعات ووجوب تجنّبها.

ومن هذا أنه جمع ما يروى فى التفسير عن ابن عباس ، واعتمد على رواية محمد بن مروان عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس. ويقول السيوطى فى الإتقان فى النوع الثمانين الذى عقده لطبقات المفسرين : إن أوهى الطرق عن ابن عباس طريق الكلبى عن أبى صالح عنه ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدّى الصغير فهى سلسلة الكذب.

وقد عابه النقّاد بإيمانه برتن الهندىّ. وهو رجل ظهر بعد الستمائة من الهجرة ، أو ادّعى ظهوره ، وادّعى صحبته للرسول عليه الصلاة والسّلام ، بل زعم أنه أسنّ منه ، وروى عنه أحاديث وأحوالا. وقد ردّ هذه الدعوى الجهابذة. ويذكر الذهبىّ أن هذه فرية مختلقة ، وأنه لا وجود له. ولكن المجد يصدّق بوجوده وصحبته وبقائه هذه المدة الطويلة ، وينكر على الذهبىّ إنكاره له. ويقول ابن حجر فى الإصابة : «ولمّا اجتمعت بشيخنا مجد الدين الشيرازىّ

١٠

شيخ اللغة بزبيد فى اليمن ـ وهو إذ ذاك قاضى القضاة ببلاد اليمن ـ رأيته ينكر على الذهبىّ إنكار وجود رتن. وذكر لى أنه دخل ضيعته لمّا دخل بلاد الهند ، ووجد فيها من لا يحصى كثرة ينقلون عن آبائهم وأسلافهم قصّة رتن ويثبتون وجوده».

على أنه فى الرواية البحت كان علما مشهودا له. ويقول الخزرجىّ فيه حين كان يلقى درس البخارىّ فى زبيد : «وكان (١) من الحفّاظ المشهورين ، والعلماء المذكورين. وهو أحقّ الناس بقول أبى الطيّب المتنبى حيث يقول :

أديب رست للعلم فى أرض صدره

جبال جبال الأرض فى جنبها قفّ (٢)

وأعود إلى الحديث عن تبريزه فى اللغة. فيذكر صاحب الشقائق (٣) النعمانيّة أن المجد آخر من مات من الرؤساء الذين انفرد كل منهم بفنّ فاق فيه أقرانه على رأس القرن الثامن الهجرى. وهم سوى الفيروزآبادي :

١ ـ الشيخ سراج الدين البلقينى ، فى الفقه على مذهب الشافعى. وهو عمر بن رسلان مجتهد عصره. له تصانيف فى الفقه والحديث والتفسير ، منها حواشى الروضة ، وشرح البخارىّ ، وشرح الترمذى.

وولى تدريس التفسير بالجامع الطولونى. وكانت وفاته سنة ٨٠٥ (٤).

__________________

(١) انظر العقود اللؤلؤية فى تاريخ الدولة الرسولية ٢ / ٢٧٨

(٢) من قصيدة يمدح فيها أبا الفرج أحمد بن حسين القاضى. والقف : الغليظ من الأرض لا يبلغ أن يكون جبلا.

(٣) ١ / ٣٤ على هامش وفيات الأعيان لابن خلكان.

(٤) انظر حسن المحاضرة فى اواخر الجزء الأول.

١١

٢ ـ والشيخ زين الدين العراقىّ فى الحديث. وهو عبد الرحيم بن الحسين ، حافظ العصر ، وله الألفيّة فى مصطلح الحديث وشرحها ، وتخريج أحاديث الإحياء ، وغيرها. مات سنة ٨٠٦ (١).

٣ ـ والشيخ سراج الدين بن الملقّن فى كثرة التصانيف فى فنّ الفقه والحديث. وهو عمر بن علىّ. اشتغل بالتصنيف وهو شابّ ، حتى كان أكثر أهل العصر تصنيفا. ومن تصانيفه شرح البخارىّ ، وشرح العمدة ، وشرحان على المنهاج فى الفقه ، وشرح الحاوى ، وشرح التنبيه ، وشرح منهاج البيضاوىّ فى الأصول ، والأشباه والنظائر. وكانت وفاته سنة ٨٠٤ (٢).

٤ ـ والشيخ شمس الدين الفنارىّ فى الاطلاع على كلّ العلوم العقليّة والنقليّة والعربية. وهو محمد بن حمزة من علماء الروم فى أيام السلطان بايزيد بن مراد. وكانت وفاته سنة ٨٣٤. وبهذا لا يكون المجد آخر من مات ، كما يذكر صاحب الشقائق. وقد أبدى هذا النقد اللكنوى فى كتابه «الفوائد (٣) البهيّة فى تراجم الحنفية».

٥ ـ والشيخ ابن عرفة فى فقه المالكية بالمغرب. وهو محمد بن محمد ابن عرفة. توفى سنة ٨٠٣.

__________________

(١) حسن المحاضرة أواخر الجزء الأول.

(٢) حسن المحاضرة أواخر الجزء الأول.

(٣) ص ٢٣٠ فى التعليقة.

١٢

ويستدرك المقري فى أزهار الرياض على صاحب الشقائق ، فيقول : «قيل (١) : ولو زاد ولىّ الدين بن خلدون فى التاريخ وطبائع العالم لحسن». وابن خلدون أشهر من أن يعرّف به. وكانت وفاته سنة ٨٠٨.

مذهبه الفقهى وتصوفه :

كان المجد شافعىّ المذهب ، كأكثر أهل شيراز. ويذكر الفاسىّ أن عنايته بالفقه غير قويّة. وهو مع ذلك ولى قضاء الأقضية باليمن ، وكان سلفه جمال الدين الرّيمى من جلّة الفقهاء ، وله شرح كبير على التنبيه لأبى إسحاق الشيرازى. وفى الحقّ أنا لا نكاد نرى له تأليفا فى الفقه خاصّة. ونراه فى سفر السعادة يعرض لأحكام العبادات ، ويذكر أنه يعتمد فيها على الأحاديث الصحيحة ، فيذهب مذهب أهل الحديث لا مذهب الفقهاء.

وكانت له نزعة قويّة إلى التصوف ، واسع الاطلاع على كتب الصوفيّة ومقاماتهم وأحوالهم. يبدو ذلك حين يعرض فى البصائر لنحو التوكل والإخلاص والتوبة ، فتراه ينحو نحو الصوفية ، وينقل عنهم الشيء الكثير. ونراه فى صدر سفر السعادة يتحدّث عن الخلوة عند الصوفيّة لمناسبة ذكر خلوة الرسول عليه الصلاة والسّلام فى غار حراء.

وحين كان فى اليمن انتشرت مقالة محيى الدين بن عربى فى وحدة الوجود وما إليها فى زبيد. وكان يدعو إليها الشيخ اسماعيل الجبرتى

__________________

(١) ج ٣ ص ٤٠.

١٣

الذى استوطن زبيد ، وأحرز مكانة عند السلطان ؛ إذ ناصره عند حصار الإمام الزيدىّ للمدينة ، فمال المجد إلى هذه العقيدة. ويذكر ابن حجر فى إنباء الغمر أنه كان يدخل فى شرح صحيح البخارى من كلام ابن عربى فى الفتوحات المكية ما كان سببا لشين الكتاب ، ويقول : «ولم أكن أتّهم الشيخ المذكور بمقالته (أى بمقالة ابن عربى) ، إلا أنه كان يحبّ المداراة. ولما اجتمعت بالشيخ مجد الدين أظهر لى إنكار مقالة ابن العربى وغضّ منها» وكان اجتماع ابن حجر به فى زبيد عام ٨٠٠.

ولكنا نرى أنه يمجّد ابن عربى ، ويثنى على كتبه بما ينبئ عن صدق اعتقاده فيه ، وأنه أدنى إلى أن يدارى ابن حجر الذى كان شديد الإنكار على ابن عربى.

فقد ألّف كتابا (١) بسبب سؤال رفع إليه فى شأن ابن عربى ، وفى هذا الكتاب : «الذى أعتقده فى حال المسئول عنه ، وأدين الله تعالى به أنه كان شيخ الطريقة حالا وعلما ، وإمام الحقيقة حقيقة ورسما ، ومحيى رسوم المعارف فعلا واسما.

إذا تغلغل فكر المرء فى طرف

من بحره غرقت فيه خواطره

ثم يقول بعد الثناء الكثير :

وما علىّ إذا ما قلت معتقدى

دع الجهول يظنّ العدل عدوانا

والله والله والله العظيم ومن

أقامه حجّة للدين برهانا

إن الذى قلت بعض من مناقبه

ما زدت إلا لعلى زدت نقصانا

__________________

(١) انظر نفح الطيب بتحقيق الأستاذ الشيخ محمد محيى الدين ٢ / ٣٧٤.

١٤

استقراره فى اليمن :

بعد أن طوّف المجد فى البلاد انتهى به المطاف فى اليمن. فقد استدعاه صاحبها الأشرف إسماعيل بن العباس من آل رسول إلى حضرته زبيد فى سنة ٧٩٦ ه‍ ، وكان قادما من الهند. وأمر عامله على عدن أن يجهّزه بأربعة آلاف درهم ، ووصله حين وصل إليه بأربعة آلاف درهم أخرى.

وأكرمه السلطان ونصبه للتدريس وصار يحضر درسه.

وفى سنة ٧٩٧ ولّاه منصب قضاء الأقضية ، وكان شاغرا (١) منذ وفاة جمال الدين محمد بن عبد الله الريمىّ فى سنة ٧٩٢ ، وكتب (٢) له منشور بذلك فى أقطار المملكة. وظل يزاول التدريس ، فقد سمع (٣) السلطان عليه فى رمضان من سنة ٧٩٨ صحيح البخارىّ ، وكان ذا سند عال من طرق شتّى.

ولقد لقى حظوة كبيرة عند السلطان الأشرف ، وتزوّج الأشرف ابنته لفرط جمالها ، فازداد المجد قربا منه وزلفى لديه. ويروى أنه ألّف له كتابا وأرسله إليه محمولا على أطباق فردّها إليه السلطان مملوءة دراهم. وفى (٤) اليوم الخامس عشر من شهر شعبان من سنة ٨٠٠ ه‍ فرغ من كتابه «الإصعاد» وكان ثلاثة مجلدات ، فحمله ثلاثة رجال على رءوسهم إلى السلطان ، وسار أمام حملة الكتاب الفقهاء والقضاة وسائر

__________________

(١) انظر العقود اللؤلؤية ٢ / ٢١٨.

(٢) المرجع السابق ٢٧٨.

(٣) المرجع السابق ٢٨٦.

(٤) المرجع السابق ٣٠٣.

١٥

الطلبة. فلمّا دخل المجد على السلطان وقدّم إليه الكتاب أجازه بثلاثة آلاف دينار.

ولم تكن هذه الطريقة فى رفع الكتاب إلى السلطان غريبة فى بلاد اليمن. فيحكى صاحب العقود (١) اللؤلؤية أن سلف المجد فى قضاء الأقضية الجمال الريمىّ فى سنة ٧٨٨ رفع كتاب «التفقيه فى شرح التنبيه» فى فروع الشافعية ، إلى السلطان ـ وكان فى أربعة وعشرين جزءا ـ فحمله المتفقّهة على رءوسهم إلى باب السلطان. وقد حباه السلطان بثمانية وأربعين ألف درهم.

وقد بلغ من اعتزاز الأشرف به وحرصه ألّا يفارقه أبدا أن طلب إليه المجد أن يأذن له بالسفر إلى الحجّ ، فرأى أن فى هذا حرمانا للبلاد من علمه وفضله ، وعزم عليه أن يبقى إلى جانبه.

فلقد كتب إلى السلطان فى سنة ٧٩٩ كتابا فيه : «وممّا (٢) ينهيه إلى العلوم الشريفة أنه غير خاف عليكم ضعف أقلّ العبيد ، ورقّة جسمه ، ودقّة بنيته ، وعلوّ سنّه. وقد آل أمره إلى أن صار كالمسافر الذى (٣) تحزّم وانتعل (٤) ، إذ وهن العظم ، بل والرأس اشتعل ، وتضعضع السّن ، وتقعقع (٥) الشنّ. فما هو إلّا عظام فى جراب ، وبنيان مشرف

__________________

(١) ج ٢ ص ١٨٨.

(٢) من الضوء اللامع فى ترجمته ، وازهار الرياض ٣ / ٤٥.

(٣) كانه يريد : كالذى تهيأ للقاء الله بالموت.

(٤) كذا فى الأزهار. وفى الضوء : «انتقل»

(٥) الشن : القربة الصغيرة البالية ، وتقعقع الشن ما يسمع من صوته اذا حرك لقدمه. وهو كناية عن القدم والبلى.

١٦

على خراب. وقد ناهز (١) العشر التى تسميها العرب دقّاقة الرقاب. وقد مرّ على المسامع الشريفة ، غير مرّة فى صحيح البخارىّ قول سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إذا (٢) بلغ المرء ستّين سنة فقد أعذر الله إليه) فكيف من نيّف على السبعين ، وأشرف على الثمانين. ولا يجمل بالمؤمن أن تمضى عليه أربع سنين ولا يتجدّد له شوق وعزم إلى بيت ربّ العالمين ، وزيارة سيد المرسلين ، وقد ثبت فى الحديث النبوىّ ذلك. وأقلّ العبيد له ستّ سنين عن (٣) تلك المسالك. وقد غلب عليه الشوق ، حتى جلّ عمره (٤) عن الطوق. ومن أقصى أمنيّته أن يجدّد العهد بتلك المعاهد ، ويفوز مرة أخرى بتقبيل تلك المشاهد. وسؤاله من المراحم الحسنيّة (٥) الصدقة عليه بتجهيزه فى هذه الأيام ، مجرّدا عن الأهالى والأقوام ، قبل اشتداد الحرّ وغلبة الأوام ، فإن الفصل أطيب ، والريح أزيب (٦). ومن الممكن أن يفوز الإنسان بإقامة شهر فى كل حرم ، ويحظى بالتملّى من مهابط الرحمة والكرم. وأيضا كان من عادة الخلفاء سلفا وخلفا أنهم كانوا يبردون البريد عمدا قصدا لتبليغ سلامهم إلى حضرة سيد المرسلين

__________________

(١) أى قاربها وداناها .. والظاهر أنه يريد عشر التسعين ، كما يدل عليه كلامه. وفى حديث رواه الترمذى باسناد ضعيف ، كما فى الجامع الصغير : «أعمار أمتى ما بين الستين الى السبعين ، وأقلهم من يجوز ذلك».

(٢) لفظ الحديث فى كتاب الرقاق من البخارى : «أعذر الله الى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة» وكأن المجد نسى لفظ الحديث فرواه بالمعنى ، وقد سرى له اللفظ الذى أورده من ترجمة الباب : «باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله اليه فى العمر».

(٣) أى نائيا فيها عن تلك المسالك.

(٤) أصل المثل : كبر عمرو عن الطوق. وأصل مضربه لما فات أوانه. والمراد هنا بلوغ شوقه غايته.

(٥) نسبة الى الحسنة يريد بها الاحسان.

(٦) الأزيب : ريح الجنوب. وكأنها محبوبة عندهم.

١٧

صلوات الله وسلامه عليه ، فاجعلنى ـ جعلنى الله فداك ـ ذلك البريد ، فلا أتمنى شيئا سواه ولا أريد.

شوقى إلى الكعبة الغرّاء قد زادا

فاستحمل القلص الوخّادة الزادا

واستأذن الملك المنعام دام علا

واستودع الله أصحابا وأولادا

فلما وصل الكتاب إلى السلطان كتب إليه : إن هذا شىء لا ينطق به لسانى ، ولا يجرى به قلمى. فقد كانت اليمن عمياء فاستنارت. فكيف يمكن أن نتقدم (١) ، وأنت تعلم أن الله قد أحيا بك ما كان ميّتا من العلم. فبالله عليك إلّا ما وهبت لنا بقيّة هذا العمر. والله يا مجد الدين يمينا بارّة ، إنى أرى فراق الدنيا ولا فراقك ، أنت اليمن وأهله.

وقد بقى فى اليمن مغمورا ببرّ الأشرف إسماعيل. ويظهر أن المجد ألحّ عليه أن يأذن له فى الحج ، فأذن له. ففى سنة ٨٠٢ حجّ ، وأقام بمكّة بعد الحجّ ، وبنى له دارا على الصّفا. ونراه يقول فى مادة (ص ف و) فى القاموس : «والصفا من مشاعر مكّة بلحف أبى قبيس. وابتنيت على متنه دارا فيحاء». وفى هذه الدار أتم القاموس ، فهو يقول فى خاتمة هذا الكتاب : «وقد يسّر الله ـ تعالى ـ إتمامه بمنزلى على الصفا بمكّة المشرّفة ، تجاه الكعبة المعظمة ، زادها الله تعظيما وشرفا ، وهيّأ لقطّان باحتها من بحابح الفراديس غرفا»

ويذكر الفاسىّ فى العقد الثمين أنه جعل هذه الدار مدرسة باسم الملك الأشرف ، ورتّب فيها مدرسين للحديث ، وفقه مالك وفقه الشافعى.

__________________

(١) كذا. وكأن المراد : أن نتقدم بالاذن لك.

١٨

وفعل مثل ذلك فى المدينة ، ثم ذهب إلى اليمن قاصدا الأشرف ، فمات الأشرف قبل وصوله. والأشرف هو إسماعيل بن العباس ، ولى الملك سنة ٧٧٨ ، وكان كريما ممدّحا مقبلا على العلم والعلماء ، يكرم الغرباء ويبالغ فى الإحسان إليهم ، اشتغل بفنون من الفقه والنحو والأدب والتاريخ والأنساب والحساب وغيرها ، كما فى ترجمته فى الضوء اللامع ، ومات بزبيد سنة ٨٠٣ ه‍.

وصحب المجد بعد الأشرف ابنه السلطان الناصر أحمد. ويظهر أن المجد لم يلق فى عهده ما لقيه فى عهد أبيه الأشرف. ومن ثم أبطل المدرستين فى مكة والمدينة اللتين جعلهما باسم الأشرف. ويذكر السخاوى فى ترجمته أنه فى أيامه خرب غالب بلاد اليمن لكثرة ظلمه وعسفه وعدم سياسته. وكانت وفاته سنة ٨٢٧ ه‍.

نسب المجد ولقبه ، وما اشتهر به :

أملى المجد نسبه ، ورفعه إلى أبى إسحاق الشيرازى إبراهيم بن علىّ الذى كان علما فى فقه الشافعية ، وهو صاحب التنبيه والمهذّب. وكانت وفاته سنة ٤٧٦ ه‍.

وسياقة نسبه ـ كما فى الضوء اللامع ـ : محمد بن يعقوب بن إبراهيم ابن عمر بن أبى بكر بن أحمد بن محمود بن إدريس بن فضل الله ابن الشيخ أبى إسحاق إبراهيم بن على بن يوسف بن عبد الله.

ويذكر ابن حجر فى إنباء الغمر أن شيوخه كانوا يطعنون فى رفع نسبه

١٩

إلى أبى إسحاق مستندين إلى أن أبا إسحاق لم يعقب. وفى الضوء أن هذا القول مرجعه إلى الظن لا إلى اليقين.

ويذكر ابن حجر أيضا أن المجد بعد أن ولى القضاء باليمن ارتقى درجة فصار يدّعى انتسابه إلى أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه ، ويقول :

«وزاد إلى أن قرأت بخطّه لبعض نوّابه فى بعض كتبه : كتبه محمد الصدّيقى. ولم يكن مدفوعا عن معرفة ، إلّا أن النفس تأبى قبول ذلك» وقد حاولت أن أقف على تمام نسب أبى إسحاق ، وأن أتعرّف حال نسبته إلى أبى بكر رضى الله عنه ، فلم أهتد إلى مرجع فى ذلك.

واشتهرت نسبته «الفيروزآبادي» وهى نسبة إلى فيروزآباد ـ بفتح الفاء وكسرها ـ وهى مدينة (جور) فى جنوبىّ شيروز ، وفى شمالىّ كارزين. وفى خاتمة تاج العروس أن فيروزآباد كان منها أبوه وجدّه. وهذا القول فى النفس منه شىء. فقد كان مولد المجد فى كارزين ، وبقى فيها سنيه السبع الأولى ثم ينتقل إلى شيراز ، ولا نرى له علاقة بفيروزآباد ، وكذلك نرى أباه من علماء شيراز ، ولا نرى له ذكرا فى فيروزآباد. وقد يقال : إن كارزين بلدة أمّه ، وإن أخبار أبيه لم يبلغنا منها إلا النزر اليسير. وفى ظنّى أن هذه النسبة أتته من قبل انتسابه إلى أبى إسحاق ، فقد كان من فيروزآباد ، وطلب العلم فى شيراز ، واستقرّ به المقام فى بغداد.

ويقال فى نسبته أيضا : الشيرازىّ ، إذ تلقى العلم فى مبدإ أمره فى شيراز. ونراه ينسب إلى كارزين.

٢٠