بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

فضل السّورة

فيه الأحاديث الموضوعة الّتى نذكرها للتنبيه عليها : من قرأ سورة الأحزاب وعلّمها أهله وما ملكت يمينه أعطى الأمان من عذاب القبر ، وحديث على : يا علىّ من قرأ سورة الأحزاب قال الله لملائكته : اشهدوا أنّ هذا قد أعتقته من النّار ، وكان يوم القيامة تحت ظلّ جناح جبرائيل ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب البارّ بوالديه.

٣٨١

٣٤ ـ بصيرة فى

الحمد لله الذى له

ما فى السماوات وما فى الأرض ..

السّورة مكّية بالاتفاق. عدد آياتها خمس وخمسون فى عدّ الشّام ، وأربع فى عدّ الباقى. وكلماتها ثمانمائة وثمانون. وحروفها أربعة آلاف وخمسمائة واثنا عشر. المختلف فيها آية واحدة : (عَنْ يَمِينٍ (١) وَشِمالٍ) فواصل آياتها (ظن لمدبّر) سمّيت سورة سبأ ، لاشتمالها على قصّة سبأ (لَقَدْ (٢) كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ).

مقصود السّورة : بيان حجّة التوحيد ، وبرهان نبوّة الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومعجزات داود ، وسليمان ، ووفاتهما ، وهلاك سبأ ، وشؤم الكفران ، وعدم الشكر ، وإلزام الحجّة على عبّاد الأصنام ، ومناظرة مادّة الضّلالة ، وسفلتهم ، ومعاملة الأمم الماضية مع النّبيّين ، ووعد المنفقين والمصّدّقين بالإخلاف ، والرّجوع بإلزام الحجّة على منكرى النبوّة ، وتمنى الكفّار فى وقت الوفاة الرّجوع إلى الدّنيا فى قوله : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) إلى آخره.

النّاسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ آية واحدة : م (قُلْ (٣) لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا) ن آية السّيف.

__________________

(١) الآية ١٥.

(٢) الآية ١٥.

(٣) الآية ٢٥.

٣٨٢

المتشابهات :

قوله : (مِثْقالُ (١) ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) مرّتين ، بتقديم السّماوات ؛ بخلاف يونس ؛ فإن فيها (مِثْقالِ (٢) ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) ؛ لأنّ فى هذه السّورة تقدّم ذكر السّماوات فى أوّل السّورة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وقد سبق فى يونس.

قوله : (أَفَلَمْ (٣) يَرَوْا) بالفاء ليس غيره. زيد الحرف ؛ لأنّ الاعتبار فيها بالمشاهدة على ما ذكرنا ، وخصّت بالفاء لشدّة اتّصالها بالأوّل ، لأنّ الضّمير يعود إلى الذين قسموا الكلام فى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقالوا : محمّد إمّا عاقل كاذب ، وإما مجنون هاذ ، وهو قولهم : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً (٤) أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) فقال الله : بل تركتم القسم الثالث ، وهو إمّا صحيح العقل صادق.

قوله : (قُلِ (٥) ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) وفى سبحان : (قُلِ ادْعُوا (٦) الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ) ، لأن فى هذه السّورة اتّصلت بآية ليس فيها لفظ الله ، فكان التصريح أحسن ، وفى سبحان اتّصل بآيتين فيهما (بضعة (٧) عشر) مرّة ذكر الله صريحا وكناية ، (وكانت (٨)) الكناية أولى. وقد سبق.

__________________

(١) الآيتان ٣ ، ٢٢.

(٢) الآية ٦١.

(٣) الآية ٨.

(٤) الآية ٩.

(٥) الآية ٢٢.

(٦) الآية ٥٦.

(٧) كذا فى أ ، ب. والصواب : بضع عشرة.

(٨) فى الكرمانى : «فكانت» وهو أولى.

٣٨٣

قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ (١) لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) ، وبعده ، (إِنَ (٢) فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) بالجمع ؛ لأن المراد بالأوّل : لآية على إحياء الموتى فخصّت بالتوحيد ، وفى قصّة سبأ جمع ؛ لأنّهم صاروا اعتبارا يضرب بهم (٣) المثل : تفرّقوا أيدى سبا : فرّقوا كلّ مفرّق ، ومزّقوا كلّ ممزق ، فوقع بعضهم إلى الشأم ، وبعضهم إلى يثرب (٤) ، وبعضهم إلى عمان ، فختم بالجمع ، وخصّت به لكثرتهم ، وكثرة من يعتبر بهنّ (٥) ، فقال (لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) على المحنة (شكور) على النّعمة ، أى المؤمنين.

قوله (قُلْ (٦) إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) وبعده : (لِمَنْ (٧) يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) سبق. وخصّ هذه السّورة بذكر الربّ لأنه تكرّر فيها مرّات كثيرة. منها (بَلْدَةٌ (٨) طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)(رَبَّنا باعِدْ (٩) يَجْمَعُ)(١٠) (بَيْنَنا رَبُّنا مَوْقُوفُونَ) (١١) (عِنْدَ رَبِّهِمْ) ولم يذكر مع الأول (من عباده) ؛ لأن المراد بهم الكفّار. وذكر مع الثانى ؛ لأنهم المؤمنون. وزاد (له) وقد سبق بيانه.

قوله : (وَما أَرْسَلْنا (١٢) فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ) ولم يقل : من قبلك ، ولا قبلك. خصّت السورة به ، لأنه فى هذه السّورة إخبار مجرّد وفى غيرها إخبار للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتسلية له ، فقال : (قَبْلَكَ).

__________________

(١) الآية ٩.

(٢) الآية ١٩.

(٣) أ : «ليضرب» وما أثبت عن ب ، والكرمانى.

(٤) هى المدينة المنورة.

(٥) أى بفرقهم. وفى الكرمانى : «بهم» وهى ظاهرة.

(٦) الآية ٣٦.

(٧) الآية ٣٩.

(٨) الآية ١٥

(٩) الآية ١٩.

(١٠) الآية ٢٦.

(١١) الآية ٣١.

(١٢) الآية ٣٤.

٣٨٤

قوله (وَلا نُسْئَلُ (١) عَمَّا تَعْمَلُونَ) ، وفى غيرها (عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ؛ لأن قوله (أَجْرَمْنا) بلفظ الماضى ، أى قبل هذا ، ولم يقل : نجرم فيقع فى مقابلة (تَعْمَلُونَ) ؛ لأن من شرط الإيمان وصف المؤمن أن يعزم ألّا يجرم. وقوله : (تَعْمَلُونَ) خطاب للكفّار ، وكانوا مصرّين على الكفر فى الماضى من الزّمان والمستقبل ، فاستغنت به الآية عن قوله (كُنْتُمْ).

قوله : (عَذابَ (٢) النَّارِ الَّتِي) قد سبق.

فضل السّورة

فيه حديث ساقط : من قرأ سورة سبأ فكأنما كانت له الدنيا بحذافيرها فقدّمها بين يديه ، وله بكل حرف قرأه مثل ثواب إدريس.

__________________

(١) الآية ٢٥.

(٢) الآية ٤٢.

٣٨٥

٣٥ ـ بصيرة

فى الحمد لله فاطر السماوات ..

السّورة مكّيّة إجماعا. عدد آياتها خمس وأربعون عند الأكثرين ، وعند الشاميّين ستّ. وكلماتها سبعمائة وسبعون. وحروفها ثلاثة آلاف ومائة وثلاث وثلاثون. المختلف فيها سبع آيات ؛ (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ (١) شَدِيدٌ (٢)) جَدِيدٍ ، النُّورُ ، (٣) (الْبَصِيرُ (٤) مَنْ فِي (٥) الْقُبُورِ) ، (أَنْ تَزُولا (٦)) تبديلا (٧). فواصل آياتها (زاد من بز) لها اسمان : سورة فاطر (لما فى (٨) أولها فاطر) السموات وسورة الملائكة ؛ لقوله : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ).

معظم مقصود السّورة : بيان تخليق الملائكة ، وفتح أبواب الرّحمة ، وتذكير النّعمة ، والتحذير من الجنّ ، وعداوتهم ، وتسلية الرّسول (وإنشاء (٩) السحاب ، وإثارته ، وحوالة العزّة إلى الله ، وصعود كلمة الشهادة وتحويل الانسان) من حال إلى حال ، وذكر عجائب البحر ، واستخراج الحلية منه ، وتخليق اللّيل ، والنّهار ، وعجز الأصنام عن الرّبوبيّة ، وصفة الخلائق بالفقر والفاقة ، واحتياج الخلق فى القيامة ، وإقامة البرهان ، والحجة ، وفضل القرآن ، وشرف التلاوة ، وأصناف الخلق فى ميراث

__________________

(١) الآية ٧.

(٢) الآية ١٦.

(٣) الآية ٢٠.

(٤) الآية ١٩.

(٥) الآية ٢٢.

(٦) الآية ٤١.

(٧) الآية ٤٣.

(٨) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٩) سقط ما بين القوسين فى أ.

٣٨٦

القرآن ، ودخول الجنّة من أهل الإيمان ، وخلود النار لأهل الكفر والطغيان ، وأن عاقبة الكفر الخسران ، والمنّة على العباد بحفظ السّماء والأرض عن تخلخل الأركان ، وأنّ العقوبة عاقبة المكر ، والإخبار بأنّه لو عدل ربّنا فى الخلق لم يسلم من عذابه أحد من الإنس والجانّ.

الناسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ آية واحدة : (إِنْ أَنْتَ (١) إِلَّا نَذِيرٌ) م آية (٢) السّيف ن.

المتشابهات :

قوله : (وَاللهُ (٣) الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) بلفظ الماضى ؛ موافقة لأوّل السّورة (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ) لأنهما (٤) للماضى لا غير وقد سبق قوله : (وَتَرَى (٥) الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) بتقديم (فيه) موافقة لتقدّم (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ) وقد سبق.

قوله : (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ (٦) بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ) بزيادة الباءات قد سبق.

قوله : (مُخْتَلِفاً أَلْوانُها)(٧) وبعده (أَلْوانُها)(٨) ثمّ (أَلْوانُهُ)(٩) لأنّ الأوّل يعود إلى ثمرات ، والثانى يعود إلى الجبال ، وقيل إلى حمر ، والثالث يعود

__________________

(١) الآية ٢٣.

(٢) الآية ٥ سورة التوبة.

(٣) الآية ٩.

(٤) أ ، ب : «لأنها» وما أثبت عن الكرمانى.

(٥) الآية ١٢.

(٦) الآية ٢٥.

(٧) الآية ٢٧.

(٨) الآية ٢٧.

(٩) الآية ٢٨.

٣٨٧

إلى بعض الدّال عليه (من) ؛ لأنه ذكر (من) ولم يفسّره كما فسّره فى قوله (ومن الجبال جدد بيض وحمر) فاختصّ الثالث بالتذكير.

قوله : (إِنَّ اللهَ (١) بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) بالتصريح وبزيادة اللّام ، وفى الشّورى (إِنَّهُ ٢) بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) ، لأن الآية المتقدمة فى هذه السّورة لم يكن فيها ذكر الله فصرّح باسمه سبحانه وتعالى ، وفى الشورى متّصل بقوله : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ) فخصّ بالكناية ، ودخل اللام فى الخبر موافقة لقوله (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).

قوله : (جَعَلَكُمْ (٣) خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) على الأصل قد سبق.

(أَوَلَمْ (٤) يَسِيرُوا فِي) سبق.

(عَلى (٥) ظَهْرِها) سبق.

قوله : (فَلَنْ (٦) تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) كرّر ، وقال فى الفتح : (وَلَنْ (٧) تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) وقال فى سبحان (وَلا تَجِدُ (٨) لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) التبديل تغيير الشىء عمّا كان عليه قبل مع بقاء مادّة الأصل ؛ كقوله تعالى : (بَدَّلْناهُمْ (٩) جُلُوداً غَيْرَها) ، وكذلك (تُبَدَّلُ (١٠) الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) ؛ والتحويل : نقل الشىء من مكان إلى مكان آخر ، وسنة الله لا تبدل ولا تحوّل ، فخص هذا الموضع بالجمع بين الوصفين لمّا وصف الكفار بوصفين ، وذكر لهم

__________________

(١) الآية ٣١.

(٢) الآية ٢٧.

(٣) الآية ٣٩.

(٤) الآية ٤٤.

(٥) الآية ٤٥.

(٦) الآية ٤٣.

(٧) الآية ٢٣.

(٨) الآية ٧٧.

(٩) الآية ٥٦ سورة النساء.

(١٠) الآية ٤٨ سورة ابراهيم.

٣٨٨

عرضين ، وهو قوله ، (وَلا يَزِيدُ (١) الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً) وقوله : (اسْتِكْباراً (٢) فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ) وقيل : هما بدلان من قوله : (نُفُوراً) (٣) فكما ثنّى الأوّل والثّانى ثنّى الثالث ؛ ليكون الكلام كلّه على غرار واحد. وقال فى الفتح (٤) (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) فاقتصر على مرّة واحدة لمّا لم يكن (التكرار (٥) موجبا) وخصّ سورة سبحان بقوله : (تَحْوِيلاً) لأنّ قريشا قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لو كنت نبيّا لذهبت إلى الشأم ؛ فإنّها أرض المبعث والمحشر ، فهمّ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالذهاب إليها ، فهيّأ أسباب الرّحيل والتحويل ، فنزل جبرائيل عليه‌السلام بهذه الآيات ، وهى : (وَإِنْ كادُوا (٦) لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) وختم الآيات بقوله (تَحْوِيلاً) تطبيقا للمعنى.

فضل السّورة

فيه أحاديث ضعيفة ، منها : من (٧) قرأ سورة الملائكة دعته يوم القيامة ثمانية أبواب الجنّة : أن ادخل من أىّ باب شئت. وروى : من قرأ سورة الملائكة كتب له بكلّ آية قرأها بكلّ ملك فى السّماوات والأرض عشر حسنات ، ورفع له (٨) له عشر درجات. وله بكلّ آية قرأها فصّ (٩) من ياقوتة حمراء.

__________________

(١) الآية ٣٩.

(٢) الآية ٤٣.

(٣) الآية ٤٢.

(٤) أ ، ب : «الملائكة» وما أثبت عن الكرمانى.

(٥) كذا فى أ ، ب. وفى الكرمانى : «للتكرار موجب».

(٦) الآية ٧٦ سورة الاسراء.

(٧) قال الشهاب : «حديث موضوع».

(٨) سقط فى ب.

(٩) الفص : بتثليث الفاء.

٣٨٩

٣٦ ـ بصيرة فى

يس والقرآن الحكيم ..

السّورة مكّيّة بالإجماع. عدد آياتها ثمانون وثلاث آيات عند الكوفيّين واثنتان عند الباقين. وكلماتها سبعمائة وتسع وعشرون. وحروفها ثلاثة آلاف. المختلف فيها آية واحدة : يس. مجموع فواصل آياتها (من) وللسّورة اسمان : سورة يس ؛ لافتتاحها ، وسورة حبيب النجار ؛ لاشتمالها على قصّته.

معظم مقصود السّورة : تأكيد أمر (١) القرآن ، والرسالة ، وإلزام الحجّة على أهل الضّلالة ، وضرب المثل فى أهل أنطاكية (٢) ، وذكر حبيب (٣) النّجار ، وبيان البراهين المختلفة فى إحياء الأرض الميتة ، وإبداء اللّيل ، والنهار ، وسير الكواكب ، ودور الأفلاك ، وجرى الجوارى المنشآت فى البحار ، وذلّة الكفار عند الموت ، وحيرتهم ساعة البعث ، وسعد المؤمنين المطيعين ، وشغلهم فى الجنّة ، وميز المؤمن من الكافر فى القيامة ، وشهادة الجوارح على أهل المعاصى بمعاصيهم ، والمنّة على الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصيانته من الشّعر ونظمه ، وإقامة البرهان على البعث ، ونفاذ أمر الحق فى كن فيكون ، وكمال ملك ذى الجلال على كلّ حال فى قوله : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

__________________

(١) أ ، ب : «أم» وهو تحريف عما أثبت.

(٢) هى المرادة بالقرية فى قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ).

(٣) جاء فى التفسير أنه المراد برجل فى قوله تعالى : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى).

٣٩٠

السّورة خالية من النّاسخ والمنسوخ.

المتشابهات :

قوله : (وَجاءَ (١) مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) سبق.

قوله : (إِنْ كانَتْ (٢) إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) مرتين ليس بتكرار ؛ لأنّ الأولى هى النفخة الّتى يموت بها الخلق ، والثانية التى يحيا بها الخلق.

قوله : (وَاتَّخَذُوا (٣) مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) ، وكذلك فى مريم (٤). ولم يقل : (مِنْ دُونِهِ) ؛ كما فى الفرقان (٥) ، بل صرّح كيلا يؤدّى إلى مخالفة الضمير قبله ؛ فإنه فى السورتين بلفظ الجمع تعظيما. وقد سبق فى الفرقان.

قوله : (فَلا يَحْزُنْكَ (٦) قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) وفى يونس (وَلا يَحْزُنْكَ (٧) قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) تشابها فى الوقف على (قَوْلُهُمْ) فى السّورتين ، لأنّ الوقف عليه لازم ، (وإن) فيهما مكسور بالابتداء بالحكاية ، ومحكىّ القول محذوف ولا يجوز الوصل ؛ لأنّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم منزّه من أن يخاطب بذلك.

قوله : (وَصَدَقَ (٨) الْمُرْسَلُونَ) ، وفى الصّافّات : (وَصَدَّقَ (٩) الْمُرْسَلِينَ) ذكر فى المتشابه ، وما يتعلّق بالإعراب لا يعدّ من المتشابه.

__________________

(١) الآية ٢٠.

(٢) الآيتان ٢٩ ، ٥٣.

(٣) الآية ٧٤.

(٤) الآية ٨١.

(٥) الآية ٣.

(٦) الآية ٧٦.

(٧) الآية ٦٥.

(٨) الآية ٥٢.

(٩) الآية ٣٧.

٣٩١

فضل السّورة

روى عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : (من (١) قرأ يس فى ليله أصبح مغفورا مغفورا [له] وروى أيضا : من دخل المقابر فقرأ يس خفّف عنهم يومئذ ، وكان له بعدد من فيها حسنات ، وفتحت له أبواب الجنّة. وفى لفظ : من قرأ يس يريد بها الله غفر الله له ، وأعطى من الأجر كأنّما قرأ القرآن اثنتى عشرة مرّة. وأيّما مريض قرئ عنده سورة يس نزل عليه بعدد كلّ حرف عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا ، فيصلّون ويستغفرون له ، ويشهدون قبضه وغسله ، ويشيّعون جنازته ، ويصلّون عليه ويشهدون دفنه. وأيّما مريض قرأ سورة يس وهو فى سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان خازن الجنان بشربة من الجنّة فيشربها وهو على فراشه ، فيموت وهو ريّان ، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء ، حتى يدخل الجنّة ، وهو ريّان. وفى حديث علىّ : يا علىّ من قرأ يس فتحت له أبواب الجنّة ، فيدخل من أيّها شاء بغير حساب ، وكتب له بكلّ آية قرأها عشرة آلاف حسنة.

__________________

(١) جاء فى تنزيه الشريعة لابن عراق ١ / ٢٩٠ أنه ذكر فى الموضوعات ، وتعقب هذا بأن له طرقا كثيرة عن أبى هريرة بعضها على شرط الصحيح ثم قال ابن عراق : «قلت : ورأيت بخط الحافظ ابن حجر على هامش مختصر الموضوعات لابن درباس ما نصه : قلت أخرج ابن حبان فى صحيحه من حديث جندب البجلى مرفوعا : من قرأ يس فى ليلة ابتغاء وجه الله غفر الله له».

٣٩٢

٣٧ ـ بصيرة فى والصّافّات صفّا ..

السّورة مكّيّة بالاتّفاق. عدد آياتها مائة وثمانون وآية عند البصريّين ، وآيتان عند الباقين. وكلماتها ثمانمائة واثنتان وستّون. وحروفها ثلاثة آلاف وثمانمائة وستّ وعشرون. المختلف فيها : آيتان (وَما كانُوا (١) يَعْبُدُونَ) (وَإِنْ كانُوا (٢) لَيَقُولُونَ). مجموع فواصلها (قدم بنا) سمّيت (والصافات) لافتتاحها بها.

معظم مقصود السّورة : الإخبار عن صفّ الملائكة والمصلّين للعبادة ، ودلائل الوحدانية ، ورجم الشياطين ، وذلّ الظّالمين ، وعزّ المطيعين فى الجنان ، وقهر المجرمين فى النّيران ، ومعجزة نوح ، وحديث إبراهيم ، وفداء اسماعيل فى جزاء الانقياد ، وبشارة إبراهيم بإسحاق ، والمنّة على موسى وهارون بإيتاء (٣) الكتاب ، وحكاية النّاس فى حال الدّعوة ، وهلاك قوم لوط وحبس يونس فى بطن الحوت ، وبيان فساد عقيدة المشركين فى إثبات النسبة (٤) ، ودرجات الملائكة فى مقام العبادة ، وما منح الله الأنبياء من النّصرة والتأييد ، وتنزيه حضرة الجلال عن الضّدّ والنديد فى قوله : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) إلى آخره.

__________________

(١) الآية ٢٢.

(٢) الآية ١٦٨.

(٣) أ ، ب : «باتيان».

(٤) أى فى اعتقاد نسب بينه سبحانه وبين الجنة والملائكة فى قولهم الملائكة بنات الله ، وهو اشارة الى قوله تعالى : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) والمراد بالجنة الملائكة.

٣٩٣

الناسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ آية واحدة : (فَتَوَلَ (١) عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) م آية (٢) السّيف ن.

المتشابهات :

قوله تعالى : (أَإِذا (٣) مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) ، وبعده : (أَإِذا مِتْنا (٤) وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) لأنّ الأوّل حكاية كلام الكافرين ، وهم ينكرون البعث ، والثانى قول أحد القرينين لصاحبه عند وقوع الحساب والجزاء ، وحصوله فيه : كان لى قرين ينكر الجزاء وما نحن فيه فهل أنتم تطلعوننى عليه ، فاطّلع فرآه فى سواء الجحيم. قال : تالله إن كدت لتردين. قيل : كانا أخوين ، وقيل : كانا شريكين ، وقيل : هما بطروس (٥) الكافر ، ويهوذا المسلم. وقيل : القرين هو إبليس.

قوله : (وَأَقْبَلَ (٦) بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) وبعده (فَأَقْبَلَ) بالفاء. وكذلك فى (ن (٧) وَالْقَلَمِ) لأنّ الأوّل لعطف جملة على جملة فحسب ، والثانى لعطف جملة على جملة بينهما مناسبة والتئام ؛ لأنه حكى أحوال أهل الجنة

__________________

(١) الآية ١٧٤.

(٢) الآية ٥ سورة التوبة. والمؤلف يتوسع فى النسخ تبعا لابن حزم. وأكثر العلماء لا يقولون بالنسخ فى مثل هذا ، فان الآية مقيدة (حتى حين) وجاءت آية السيف وغيرها مبينة للحين الذى يمهلون اليه ، والبيان غير النسخ ، الا عند من لا يجيز تأخير البيان عن المجمل ، ومنهم القاشانى وانظر كتاب النحاس فى مبحث النسخ فى الصافات.

(٣) الآية ١٦.

(٤) الآية ٥٣.

(٥) كذا فى ب والكرمانى. وفى أ«قطروس» وهو مصحف عن «فطروس» وهو بطروس والباء والفاء يقالان فى مثله ، وبطروس وفطروس هما بطرس وفطرس وكلاهما تعريب لكلمة لاتينية معناها الحجر.

(٦) الآية ٢٧.

(٧) الآية ٥٠.

٣٩٤

ومذاكرتهم فيها ما كان يجرى فى الدنيا بينهم وبين أصدقائهم ، وهو قوله : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ (١) الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) أى يتذاكرون ، وكذلك فى (ن وَالْقَلَمِ) هو من كلام أصحاب الجنّة بصنعاء ، لمّا رأوها كالصّريم ندموا على ما كان منهم ، وجعلوا يقولون : (سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) ، بعد أن ذكّرهم التسبيح أوسطهم ، ثم قال : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) أى على تركهم الاستثناء ومخافتتهم أن لا يدخلنها (٢) اليوم عليكم مسكين.

قوله : (إِنَّا (٣) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) وفى المرسلات : (٤) (كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) ؛ لأنّ فى هذه السّورة حيل بين الضمير (٥) وبين (كذلك) بقوله : (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) فأعاد ، وفى المرسلات متّصل بالأول ، وهو قوله : (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) فلم يحتج إلى إعادة الضّمير.

قوله : (إِذا (٦) قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) ، وفى القتال (فَاعْلَمْ (٧) أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) بزيادة (أَنَّهُ) وليس لهما فى القرآن ثالث ؛ لأنّ ما فى هذه وقع بعد القول فحكى ، وفى القتال وقع بعد العلم فزيد قبله (أَنَّهُ) ليصير مفعول العلم ، ثمّ يتصل به ما بعده.

__________________

(١) الآيات ٤٨ ـ ٥٠

(٢) كذا فى ا. وفى ب والكرمانى : «يدخلها» و «لا» فيما أثبت ناهية ولذلك جاء التوكيد ، وفى غيرها نافية. وأن مفسرة على الأول ، وناصبة على الثانى.

(٣) الآية ٣٤.

(٤) الآية ١٨

(٥) كأنه يريد الضمير فى قوله : (فَأَغْوَيْناكُمْ) توهم أنه يعود الى الله عزوجل. وإذا ثبت أنه يعود الى الرؤساء المغوين الاتباع لم يصح هذا التوجيه.

(٦)؟؟؟

(٧) الآية ١٩

٣٩٥

قوله : (وَتَرَكْنا (١) عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) وبعده (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) ثم (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) وكذلك (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) فيمن جعله لغة فى إلياس ، ولم يقل فى قصّة لوط ولا يونس ولا إلياس (٢) : سلام ؛ لأنه لمّا قال : (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) ، (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) ، وكذلك ؛ (وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) فقد قال : سلام على كلّ واحد منهم ؛ لقوله آخر السّورة (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ).

قوله : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ، وفى قصّة إبراهيم : (كَذلِكَ (٣) نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ، ولم يقل : (إنا) ، لأنّه تقدّم فى قصته (إِنَّا كَذلِكَ (٤) نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وقد (٥) بقى من قصته شىء ، وفى سائرها وقع بعد الفراغ. ولم يقل فى قصّتى لوط ويونس : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) ؛ لأنّه لمّا اقتصر من التسليم على ما سبق ذكره اكتفى بذلك.

قوله : (بِغُلامٍ (٦) حَلِيمٍ) وفى الذاريات (عَلِيمٍ)(٧) وكذلك فى الحجر (٨) ، لأنّ التقدير : بغلام حليم فى صباه ، عليم فى كبره. وخصّت هذه السّورة. بحليم ؛ لأنه ـ عليه‌السلام ـ حلم فانقاد وأطاع ، وقال : (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) والأظهر أنّ الحليم إسماعيل ،

__________________

(١) الآيتان ٧٨ ، ٧٩.

(٢) أى فيمن لم يجعله لغة فى الياس. وهذا على قراءة آل ياسين ، وهى قراءة نافع وابن عامر ويعقوب ، كما فى الاتحاف. وقد فسرت هذه القراءة بآل القرآن أو نبينا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أو بالياس نفسه ، فقد قيل ان اسم أبيه ياسين ـ راجع البيضاوى.

(٣) الآية ١١٠

(٤) الآية ١٠٥.

(٥) ا ، ب : «لا» والمناسب ما أثبت

(٦) الآية ١٠١

(٧) الآية ٢٨

(٨) الآية ٥٣

٣٩٦

والعليم إسحاق ؛ لقوله : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها) قال مجاهد : الحليم والعليم إسماعيل. وقيل : هما فى السّورتين إسحاق. وهذا عند من زعم أنّ الذبيح إسحاق.

قوله : (وَأَبْصِرْهُمْ (١) فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) ثمّ (٢) قال : (وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) كرّر وحذف الضمير من الثانى ؛ لأنه لمّا نزل (وَأَبْصِرْهُمْ) قالوا : متى هذا الذى توعدنا به؟ فأنزل الله (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) ثم كرّر تأكيدا. وقيل : الأولى فى الدّنيا ، والثانية فى العقبى. والتقدير : أبصر ما ينالهم ، وسوف يبصرون ذلك. وقيل : أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون معاينة. وقيل : أبصر ما ضيّعوا من أمرنا فسوف يبصرون ما (يحل (٣) بهم) وحذف الضّمير من الثانى اكتفاء بالأوّل. وقيل : التقدير : ترى اليوم (عيرهم (٤) إلى ذل) وترى بعد اليوم ما تحتقر ما شاهدتهم فيه من عذاب الدّنيا. وذكر فى المتشابه : (فَقالَ (٥)(أَلا تَأْكُلُونَ) بالفاء ، وفى الذاريات (قالَ (٦) أَلا تَأْكُلُونَ) بغير فاء ؛ لأنّ ما فى هذه السّورة (جملة (٧) اتصلت) بخمس (٨) جمل كلّها مبدوءة بالفاء على التّوالى ، وهى : (فَما

__________________

(١) الآية ١٧٥

(٢) فى ا : «ثم فى السورتين» وما أثبت عن ب والكرمانى

(٣) ا : «يحدثهم» وفى (ب) العبارة غير واضحة. وما أثبت عن الكرمانى.

(٤) ا : «غيرهم أذل» وب : «غيرهم الى ذل». وما أثبت عن الكرمانى. والعير هى التى كانت تحمل تجارة قريش وكانت قادمة من الشام ، وأراد المسلمون اعتراضها فكانت غزوة بدر. فيكون هذا أنباء بها قبل وقوعها ، اذ كانت السورة مكية. وقد يكون فى الكلام تحريف لم ندركه وفى بعض نسخ الكرمانى : «غيرهم الى تول».

(٥) الآية ٩١

(٦) الآية ٢٧

(٧) ا ، ب : «اتصلت جملة» وهو ترتيب معكوس كما تبين مما أثبت

(٨) ا. ب : «بجهتين» وظاهر أنه محرف عما أثبت.

٣٩٧

ظَنُّكُمْ) الآيات (١) ، والخطاب للأوثان تقريعا لمن زعم أنّها تأكل وتشرب ، وفى الذاريات متّصل بمضمر تقديره : فقرّبه إليهم ، فلم يأكلوا فلمّا رآهم لا يأكلون ، (قالَ (٢) أَلا تَأْكُلُونَ) والخطاب للملائكة. فجاء فى كلّ موضع بما يلائمه.

فضل السّورة

فيه أحاديث غير مقبولة. منها حديث أبىّ : من قرأ (٣) (والصافات) أعطى من الأجر عشر حسنات ، بعدد كلّ جنّى ، وشيطان ، وتباعدت منه مردة الشّياطين ، وبرئ من الشّرك ، وشهد له حافظاه يوم القيامة أنه كان مؤمنا بالمرسلين ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأ (والصّافّات) لا يصيبه يوم القيامة جوع ، ولا عطش ، ولا يفزع إذا فزع النّاس ، وله بكلّ آية قرأها ثواب الضّارب بسيفين فى سبيل الله.

__________________

(١) الآيات ٨٧ ـ ٩١

(٢) سقط ما بين القوسين فى ا

(٣) أورد البيضاوى الحديث ، وذكر الشهاب فى كتابته عليه أنه من حديث أبى الموضوع

٣٩٨

٣٨ ـ بصيرة فى ص. والقرآن ..

السّورة مكّيّة إجماعا. وآياتها ثمان وثمانون فى عدّ الكوفة ، وستّ فى عدّ الحجاز ، والشأم ، والبصرة ، وخمس فى عدّ أيّوب بن المتوكّل وحده (١). وكلماتها سبعمائة واثنتان وثلاثون. وحروفها ثلاثة آلاف وسبع وستّون. المختلف فيها ثلاث : الذكر (٢) ، وغوّاص (٣) ، (وَالْحَقَ (٤) أَقُولُ) مجموع فواصل آياتها (صدّ قطرب من لجّ) ولها اسمان سورة صاد ؛ لافتتاحها بها ، وسورة داود ؛ لاشتمالها على مقصد (٥) قصّته فى قوله : (وَاذْكُرْ (٦) عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ).

معظم مقصود السورة : بيان تعجّب الكفّار من نبوّة المصطفى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ووصف المنكرين رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالاختلاق والافتراء ، واختصاص الحقّ تعالى بملك الأرض والسّماء ، وظهور أحوال يوم القضاء ، وعجائب حديث داود وأوريا وقصّة سليمان فى حديث الملك ، على سبيل المنّة والعطاء ، وذكر أيّوب فى الشفاء ، والابتلاء ، وتخصيص

__________________

(١) فى شرح ناظمة الزهر أنه يشاركه فى هذا يعقوب الحضرمى

(٢) الآية ١

(٣) الآية ٣٧

(٤) الآية ٨٤

(٥) كذا فى أ ، وفى ب غير واضحة ، والظاهر أن الأصل «معقد»

(٦) الآية ١٧

٣٩٩

إبراهيم وأولاده من الأنبياء ، وحكاية أحوال ساكنى جنّة المأوى ، وعجز حال الأشقياء فى سقر ولظى ، وواقعة إبليس مع آدم وحوّاء وتهديد الكفّار على تكذيبهم للنبىّ المجتبى فى قوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ).

الناسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ آيتان : (إِنْ يُوحى (١) إِلَيَّ) م آية (٢) السّيف ن (وَلَتَعْلَمُنَ (٣) نَبَأَهُ) م آية السّيف (٤) ن

ومن المتشابهات : قوله تعالى : (وَعَجِبُوا (٥) أَنْ جاءَهُمْ / مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ) بالواو ، وفى ق : (فقال) (٦) بالفاء ؛ لأنّ اتّصاله بما قبله فى هذه السّورة معنوىّ ، وهو أنّهم عجبوا من مجىء المنذر وقالوا : هذا المنذر ساحر كذاب. واتّصاله فى ق معنوىّ ولفظىّ ؛ وهو أنهم عجبوا ، فقالوا : هذا شيء عجيب. فراعى المطابقة بالعجز والصّدر ، وختم بما بدأ به ، وهو النّهاية فى البلاغة.

قوله : (أَأُنْزِلَ (٧) عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) وفى القمر (أَأُلْقِيَ)(٨) لأنّ ما فى هذه السّورة حكاية عن كفّار قريش يجيبون محمّدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين (٩) قرأ عليهم (وَأَنْزَلْنا (١٠) إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ

__________________

(١) الآية ٧٠

(٢) الآية ٥ سورة التوبة

(٣) الآية ٨٨

(٤) الآية ٥ سورة التوبة

(٥) الآية ٤

(٦) الآية ٢

(٧) الآية ٨

(٨) الآية ٢٦

(٩) ا ، ب : «حتى» وهو محرف عما أثبت

(١٠) الآية ٤٤ سورة النحل

٤٠٠