بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

(حُسْناً) ؛ لأنّ قوله بعده (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) قام (١) مقامه ، ولم يذكر فى هذه السّورة (حمله) ولا (وضعه) موافقة لما قبله من الاختصار ، وهو قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) ، فإنّه ذكر فيها جميع ما يقع بالمؤمنين بأوجز كلام ، وأحسن نظام ، ثم قال بعده : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) أى ألزمناه (حُسْناً) فى حقّهما ، وقياما بأمرهما ، وإعراضا عنهما ، وخلافا لقولهما إن أمراه بالشرك بالله. وذكر فى لقمان والأحقاف حاله فى حمله ووضعه.

قوله (وَإِنْ جاهَداكَ (٢) لِتُشْرِكَ بِي) ، وفى لقمان : (عَلى أَنْ تُشْرِكَ) ؛ لأنّ ما فى هذه السّورة وافق ما قبله لفظا ، وهو قوله (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) ـ وفى لقمان محمول على المعنى ؛ لأنّ التقدير : وإن حملاك على أن تشرك.

قوله : (يُعَذِّبُ (٣) مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) بتقديم العذاب على الرّحمة فى هذه السّورة فحسب ؛ لأن إبراهيم خاطب به نمرود وأصحابه ، فإنّ العذاب وقع بهم فى الدّنيا.

قوله : (وَما أَنْتُمْ (٤) بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) ، وفى الشّورى (وَما أَنْتُمْ (٥) بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) ؛ لأنّ (ما) فى هذه السّورة خطاب لنمرود

__________________

(١) ا ، ب : «فأقام» وما أثبت عن الكرمانى.

(٢) الآية ٩.

(٣) الآية ٢١.

(٤) الآية ٢٢.

(٥) الآية ٣١.

٣٦١

حين صعد الجوّ موهما أنه يحاول السّماء ، فقال له ولقومه : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أى من فى الأرض : من الجنّ ، والإنس ، ولا من فى السّماء : من الملائكة ، فكيف تعجزون الله! وقيل : ما أنتم بفائتين عليه ، ولو هربتم فى الأرض ، أو صعدتم فى السّماء (فقال (١) : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) لو كنتم فيها. وما فى الشورى خطاب للمؤمنين ، وقوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) يدل عليه. وقد جاء (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) فى قوله : (وَالَّذِينَ (٢) ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) من غير ذكر الأرض ولا السّماء.

قوله : (فَأَنْجاهُ (٣) اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وقال بعده : (خَلَقَ اللهُ (٤) السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) فجمع الأولى ، ووحّد الثانية ؛ لأنّ الأولى إشارة إلى إثبات النبوّة ، وفى النّبيّين (صلوات الله وسلامه عليهم) كثرة ، والثّانى (٥) إشارة إلى التّوحيد وهو ـ سبحانه ـ واحد لا شريك له.

قوله : (إِنَّكُمْ)(٦) جمع (٧) بين استفهامين فى هذه السّورة. وقد سبق فى الأعراف.

قوله : (وَلَمَّا (٨) أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) ، وفى هود : (وَلَمَّا (٩) جاءَتْ

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٢) الآية ٥١ سورة الزمر.

(٣) الآية ٢٤.

(٤) الآية ٤٤.

(٥) كذا فى أ ، ب. والمناسب : «الثانية».

(٦) الآية ٢٩.

(٧) أى فى هذه الآية والآية التى قبلها. والذى جمع بين الاستفهامين من القراء غير نافع وابن كثير وابن عامر وحفص وأبى جعفر ويعقوب أما هؤلاء فقرءوا بالاخبار فى الأول : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) وانظر الاتحاف.

(٨) الآية ٣٣.

(٩) الآية ٧٧.

٣٦٢

بغير (أن) ؛ لأنّ (لما) يقتضى جوابا ، وإذا اتّصل به (أن) دلّ على أن الجواب وقع فى الحال من غير تراخ ؛ كما فى هذه السّورة ، وهو قوله : (سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) ومثله فى يوسف (فَلَمَّا (١) أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) وفى هود اتّصل به كلام بعد كلام ، إلى قوله : (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) فلمّا طال لم يحسن دخول أن.

قوله : (وَإِلى (٢) مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ) هو عطف على قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ).

قوله : (قُلْ (٣) كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) أخّره فى هذه السّورة لما وصف. وقد سبق.

قوله : (اللهُ (٤) يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) وفى القصص (يَبْسُطُ (٥) الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) وفى الرّعد (٦) والشّورى (٧) : (لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ)لأنّ ما فى هذه السّورة اتّصل بقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) الآية ، وفيها عموم ، فصار تقديره : يبسط الرّزق لمن يشاء من عباده أحيانا ، ويقدر له أحيانا ؛ لأنّ الضّمير يعود إلى (من) وقيل : يقدّر له البسط من التقدير. وفى القصص تقديره : يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر لمن يشاء. وكلّ واحد منهما غير الآخر ، بخلاف الأولى. وفى السّورتين يحتمل الوجهين فأطلق.

__________________

(١) الآية ٩٦.

(٢) الآية ٣٦.

(٣) الآية ٥٢.

(٤) الآية ٦٢.

(٥) الآية ٨٢.

(٦) الآية ٢٦.

(٧) الآية ١٢.

٣٦٣

قوله : (مِنْ (١) بَعْدِ مَوْتِها) وفى البقرة (٢) والجاثية : (٣) (بَعْدَ مَوْتِها) لأنّ فى هذه السّورة وافق ما قبله وهو (مِنْ (٤) قَبْلِهِ) فإنهما يتوافقان (٥) وفيه شىء آخر وهو أنّ ما فى هذه السورة سؤال وتقرير ، والتقرير يحتاج إلى التحقيق فوق غيره ، فقيّد الظرف بمن ، فجمع بين طرفيه ؛ كما سبق. قوله : (لَهْوٌ وَلَعِبٌ (٦)) [سبق. قوله] : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧)) سبق. قوله : (نِعْمَ (٨) أَجْرُ الْعامِلِينَ) بغير واو لاتصاله بالأول أشدّ اتصال. وتقديره : ذلك نعم أجر العاملين.

فضل السورة

عن أبىّ (٩) رفعه : من قرأ العنكبوت كان له من الأجر عشر حسنات ، بعدد كل المؤمنين ، والمنافقين ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأها كتب له بكل يهودىّ ونصرانىّ مائة حسنة ، ورفع له مائة درجة ، وله بكل آية قرأها ثواب الذين فتحوا بيت المقدس.

__________________

(١) الآية ٦٣.

(٢) الآية ١٦٤.

(٣) الآية ٥.

(٤) كذا فى أ. وفى ب : «قبله» وسبق (مِنْ قَبْلِهِ) فى الآية ٤٨. وفى شيخ الاسلام وافق ما قبله فى قوله : (مِنْ عِبادِهِ) ، (مِنَ السَّماءِ)

(٥) أ ، ب : «لوايتان» وما أثبت عن الكرمانى.

(٦) الآية ٦٤.

(٧) الآية ٦٦.

(٨) الآية ٥٨.

(٩) قد علمت أنه حديث موضوع.

٣٦٤

٣٠ ـ بصيرة فى(١)

الم. غلبت الروم ..

السورة مكّيّة إجماعا. عدد آياتها خمس وستون عند المكّيّين ، وستون عند الباقين وكلماتها ثمانمائة وسبع وحروفها ثلاثة آلاف وخمسمائة وثلاثون ، والآيات المختلف فيها أربع : الم (غُلِبَتِ (٢) الرُّومُ) (فِي (٣) بِضْعِ سِنِينَ) ، (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ)(٤) فواصل آياتها نمر ، على الراء آيتان (قَدِيرٌ)(٥) فى موضعين. وسميت سورة الروم لما فيها من ذكر غلبة الروم.

معظم مقصود السورة : غلبة الروم على فارس ، وعيب الكفار فى إقبالهم على الدنيا ، وأخبار القرون الماضية ، وذكر قيامة الساعة ، وآيات التوحيد ، والحجج المترادفة الدالّة على الذات والصفات ، وبيان بعث القيامة ، وتمثيل حال المؤمنين والكافرين ، وتقرير المؤمنين على الإيمان ، والأمر بالمعروف ، والإحسان إلى ذوى القربى ، ووعد الثواب على أداء الزكاة ، والإخبار عن ظهور الفساد فى البر والبحر ، وعن آثار القيامة ، وذكر عجائب الصنع فى السحاب والأمطار ، وظهور آثار الرحمة فى الربيع ، وإصرار الكفار على الكفر ، وتخليق الله الخلق مع الضعف والعجز ، وإحياء الخلق بعد

__________________

(١) المكتوب من هنا الى «المتشابهات» ساقط فى أ.

(٢) الآية ٢.

(٣) الآية ٥.

(٤) الآية ٥٥.

(٥) الآيتان ٥٠ ، ٥٤.

٣٦٥

الموت ، والحشر والنشر ، وتسلية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتسكينه عن جفاء المشركين وأذاهم فى قوله : (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ).

الناسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ آية واحدة : (فَاصْبِرْ (١) إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) م آية السيف ن).

المتشابهات : (٢)

قوله : (أَوَلَمْ (٣) يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ، وفى فاطر (٤) وأوّل (٥) المؤمن بالواو ، وفى غيرهنّ بالفاء ، لأنّ ما قبلها فى هذه السّورة (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) وكذلك ما بعدها (٦) (وَأَثارُوا) بالواو ، فوافق ما قبلها ، وما بعدها ، وفى فاطر أيضا وافق ما قبله وما بعده ، فإنّ قبله (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) ، وبعدها (وَما كانَ اللهُ) ، وكذلك أوّل المؤمن [قبله](٧) (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) وأمّا آخر المؤمن فوافق ما قبله وما بعده ، وكان بالفاء ، وهو قوله : (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) ، وبعده (فَما أَغْنى عَنْهُمْ).

قوله : (كَيْفَ (٨) كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً)(مِنْ قَبْلِهِمْ) متّصل بكون آخر مضمر وقوله : (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) :

__________________

(١) الآية ٦٠.

(٢) ذكرت المتشابهات فى سورة الروم فى أ ، ب فى أثناء الكلام فى سورة لقمان. فوضعتها هنا موضعها المعتاد.

(٣) الآية ٩.

(٤) الآية ٤٤.

(٥) الآية ٢١.

(٦) سقط فى الكرمانى.

(٧) زيادة من الكرمانى.

(٨) الآية ٩.

٣٦٦

إخبار عمّا كانوا عليه قبل الإهلاك ، وخصّت هذه السّورة بهذا النسق لمّا يتّصل به من الآيات بعده وكلّه إخبار عمّا كانوا عليه وهو (وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها) وفى فاطر : كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا) بزيادة الواو ، لأنّ التّقدير : فينظروا كيف أهلكوا وكانوا أشد منهم قوة. وخصّت [هذه](١) السّورة به لقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ) الآية. وفى المؤمن (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) فأظهر (كانَ) العامل فى (مِنْ قَبْلِهِمْ) وزاد (هُمْ) لأنّ فى هذه السّورة وقعت فى أوائل قصّة نوح ، وهى تتمّ فى ثلاثين آية ، فكان اللائق به البسط ، وفى آخر المؤمن (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ) فلم يبسط القول ؛ لأن أوّل السّورة يدلّ عليه.

قوله : (وَمِنْ (٢) آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) ، وختم الآية بقوله (يَتَفَكَّرُونَ) ؛ لأنّ الفكر يؤدى إلى الوقوف على المعانى الّتى خلقت لها : من التوانس (٣) ، (والتجانس) (٤) ، وسكون كلّ واحد منهما إلى الآخر.

قوله : (وَمِنْ (٥) آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، وختم بقوله (لِلْعالِمِينَ) لأن الكل تظلّهم السّماء ، وتقلهم الأرض ، فكل (٦) واحد منفرد بلطيفة فى صورته (٧) يمتاز بها عن غيره ؛ حتى لا ترى اثنين فى ألف يتشابه

__________________

(١) زيادة من الكرمانى.

(٢) الآية ٢١.

(٣) كذا فى أ ، ب ، والكرمانى. والمعروف فى اللغة : التآنس ، وقد قيل أن أهل اليمن يبدلون الهمزة فى مثل هذا واوا ، فيكون هذا صحيحا على لغتهم.

(٤) سقط ما بين القوسين فى ب.

(٥) الآية ٢٢.

(٦) فى الكرمانى : «وكل».

(٧) أ ، ب : «صورة». وما أثبت عن الكرمانى.

٣٦٧

صورتاهما ويلتبس كلاهما ؛ وكذلك ينفرد كلّ واحد بدقيقة فى صورته ، يتميّز بها من بين الأنام ، فلا ترى اثنين يشتبهان. وهذا يشترك فى معرفته النّاس جميعا. فلهذا قال (لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ). ومن حمل اختلاف الألسن على اللغات ، واختلاف الألوان على السّواد والبياض ، والشّقرة ، والسّمرة ، فالاشتراك فى معرفتها أيضا ظاهر. ومن (١) قرأ (للعالمينِ) بالكسر فقد أحسن ، لأنّ بالعلم (٢) يمكن الوصول إلى معرفة ما سبق ذكره.

قوله : (وَمِنْ (٣) آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) وختم بقوله (يَسْمَعُونَ) فإن من سمع أنّ النوم من صنع الله الحكيم لا يقدر أحد على اجتلابه إذا امتنع ، ولا على دفعه إذا ورد ، تيقّن أنّ له صانعا مدبّرا. قال الإمام (٤) : معنى (يَسْمَعُونَ) هاهنا : يستجيبون إلى ما يدعوهم إليه الكتاب. وختم الآية الرّابعة بقوله (يَعْقِلُونَ) لأن العقل ملاك الأمر فى هذه الأبواب ، وهو المؤدّى إلى العلم ، فختم بذكره.

قوله : (وَمِنْ (٥) آياتِهِ يُرِيكُمُ) أى أنّه يريكم. وقيل : تقديره : ويريكم من آياته البرق. وقيل : أن يريكم ، فلمّا حذف (أن) سكن الياء وقيل : (وَمِنْ آياتِهِ) كلام كاف ؛ كما تقول : منها كذا ، ومنها كذا ومنها ... وتسكت ، تريد بذلك الكثرة.

__________________

(١) الذى قرأ بالكسر ، حفصى وقرأ من سواه بالفتح ، كما فى الاتحاف.

(٢) أ ، ب : «العلم» وما أثبت هو المناسب.

(٣) الآية ٢٣.

(٤) انظر درة التنزيل ص ٢٩٤.

(٥) الآية ٢٤.

٣٦٨

قوله : (أَوَلَمْ (١) يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) وفى الزمر (أَوَلَمْ (٢) يَعْلَمُوا) لأن بسط الرزق ممّا يشاهد ويرى ، فجاء فى هذه السّورة على ما يقتضيه اللّفظ والمعنى. وفى الزمر اتّصل بقوله (أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) وبعده : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (فحسن (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا) (٣).

قوله : (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ (٤) بِأَمْرِهِ) ، وفى الجاثية : (فِيهِ (٥) بِأَمْرِهِ) ، لأنّ فى هذه السّورة تقدّم ذكر الرّياح ، وهو قوله : (أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) بالمطر ، وإذاقة الرّحمة ، ولتجرى الفلك بالرياح بأمر الله تعالى. ولم يتقدّم ذكر البحر. وفى الجاثية تقدّم ذكر البحر ، وهو قوله : (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ) فكنى عنه ، فقال : (لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ).

* * *

(فضل (٦) السورة. فيه الأحاديث الساقطة. عن أبىّ من قرأ سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل ملك سبّح الله فى السماء والأرض ، وأدرك ما ضيّع فى يومه وليلته) (٧) وحديث علىّ : يا علىّ من قرأ غلبت الروم كان كمن أعتق بعدد أهل الرّوم ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب الّذين عمروا بيت المقدس.

__________________

(١) الآية ٣٧.

(٢) الآية ٥٢.

(٣) سقط ما بين القوسين فى.

(٤) الآية ٤٦.

(٥) الآية ١٢.

(٦) ما بين القوسين ساقط فى أ.

(٧) ما بين القوسين ساقط فى أ.

٣٦٩

٣١ ـ بصيرة فى الم .. لقمان ..

السّورة مكّيّة ، سوى آيتين : (وَلَوْ أَنَ (١) ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) إلى آخر الآيتين. عدد آياتها ثلاث وثلاثون عند الحجازيّين ، وأربع عند الباقين. وكلماتها خمسمائة وثمان وأربعون. وحروفها ألفان ومائة وعشر. المختلف فيها آيتان : (الم (مُخْلِصِينَ (٢) لَهُ الدِّينَ). فواصل آياتها (ظن مرد) و (مد نظر) على الدّال منها آية (٣) واحدة : (غَنِيٌّ حَمِيدٌ) ، وعلى الظّاء آية : (عَذابٍ (٤) غَلِيظٍ). سمّيت سورة لقمان لاشتمالها على قصّته.

معظم مقصود السّورة : بشارة المؤمنين بنزول القرآن ، والأمر بإقامة الصّلاة ، وأداء الزّكاة ، والشكاية من قوم اشتغلوا بلهو الحديث ، والشكاية من المشركين فى الإعراض عن الحقّ ، وإقامة الحجّة عليهم ، والمنّة على لقمان بما أعطى من الحكمة ، والوصيّة ببرّ الوالدين ، ووصية لقمان لأولاده ، والمنّة بإسباغ النعمة ، وإلزام الحجّة على أهل الضّلالة ، وبيان

__________________

(١) الآيتان ٢٧ ، ٢٨. وقد قيل فى استثناء هاتين الآيتين ان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما هاجر الى المدينة قال له أحبار اليهود انك تقول وما أوتيتم من العلم الا قليلا أعنيتنا أم قومك؟ قال : كلا عنيت ، فقالوا انك تعلم انا أوتينا التوراة وفيها بيان كل شىء ، فقال : ذاك فى علم الله قليل ، وأنزل الله عزوجل : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ ..) الآيتين. انظر شهاب البيضاوى ٧ / ١٣١.

(٢) الآية ٣٢.

(٣) بل آيتان هما ١٢ ، ٢٦.

(٤) الآية ٢٤.

٣٧٠

أنّ كلمات القرآن بحور المعانى ، والحجّة على حقّيّة البعث ، والشكاية من المشركين بإقبالهم على الحقّ فى وقت المحنة ، وإعراضهم عنه فى وقت النعمة ، وتخويف الخلق بصعوبة القيامة وهولها ، وبيان أنّ خمسة علوم ممّا يختصّ به الرّبّ الواحد تعالى فى قوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) إلى آخرها.

النّاسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ آية واحدة (وَمَنْ كَفَرَ (١) فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) م آية السّيف (٢) ن.

المتشابهات التى فى سورة لقمان (المتقدّم (٣) تفسيرها بصفحتين قبل).

قوله : (كَأَنْ (٤) لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) وفى الجاثية (كَأَنْ (٥) لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ) زاد فى هذه السورة (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) : جلّ المفسرين على أنّ الآيتين نزلتا فى النضر بن الحارث. وذلك أنّه ذهب إلى فارس ، فاشترى كتاب كليلة ودمنة ، وأخبار رستم وإسفنديار ، وأحاديث الأكاسرة ، فجعل يرويها ويحدّث بها قريشا ، ويقول : إنّ محمّدا يحدّثكم بحديث عاد ، وثمود ، وأنا أحدّثكم بحديث رستم وإسفنديار ، ويستملحون حديثه ، ويتركون استماع القرآن [فأنزل الله (٦) هذه الآيات ، وبالغ

__________________

(١) الآية ٢٣.

(٢) الآية ٥ سورة التوبة.

(٣) هذه العبارة وردت فى الأصلين لأنه ذكر متشابهات سورة الروم فى أثناء سورة لقمان ، ثم ذكر متشابهات سورة لقمان ، ففصل بين متشابهات لقمان وتفسيرها بمتشابهات سورة الروم. فمن ثم وردت هذه العبارة.

(٤) الآية ٧.

(٥) الآية ٨.

(٦) زيادة من الكرمانى.

٣٧١

فى ذمه ؛ لتركه استماع القرآن] فقال : (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) أى صمما ، لا يقرع مسامعه صوت. ولم يبالغ فى الجاثية هذه المبالغة ؛ لما ذكر بعده (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً) لأنّ ذلك العلم لا يحصل إلّا بالسّماع ، أو ما يقوم مقامه : من خطّ وغيره.

قوله : (يَجْرِي (١) إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وفى الزّمر (لِأَجَلٍ) (٢) قد سبق شطر من هذا. ونزيد بيانا أن (إلى) متّصل بآخر الكلام ، ودالّ على الانتهاء ، واللام متّصلة بأوّل الكلام ، ودالّة على الصّلة.

فضل السّورة

فيه الأحاديث الضعيفة التى منها حديث أبىّ : من قرأ سورة لقمان كان له لقمان رفيقا يوم القيامة ، وأعطى من الحسنات بعدد من أمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأ لقمان كان آمنا من شدّة يوم القيامة ، ومن هول الصراط.

__________________

(١) الآية ٢٩.

(٢) الآية ٥.

٣٧٢

٣٢ ـ بصيرة فى الم. تنزيل ..

السّورة مكّيّة بالاتفاق ، سوى ثلاث آيات ؛ فإنها مدنيّة (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) إلى آخر الآيات الثلاثة. عدد آياتها تسع وعشرون عند البصريّين ، وثلاثون عند الباقين. كلماتها ثلاثمائة وثلاثون. وحروفها ألف وخمسمائة وتسع وتسعون. المختلف فيها آيتان (الم) (خَلْقٍ جَدِيدٍ) (١) فواصل آياتها (ملن) على الميم اثنان : الم و (الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(٢) وعلى اللام آية (هُدىً (٣) لِبَنِي إِسْرائِيلَ) ولها ثلاثة أسماء : سورة السّجدة ، لاشتمالها على سجدة التلاوة ، الثانى سجدة لقمان ؛ للتميّز عن حم السّجدة الثالث المضاجع : لقوله (تَتَجافى (٤) جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ).

مقصود السّورة : تنزيل القرآن ، وإنذار (٥) سيّد الرّسل ، وتخليق السماء والأرض ، وخلق الخلائق ، وتخصيص الإنسان من بينهم ، وتسليط ملك الموت على قبض الأرواح ، وتشوير (٦) العاصين فى القيامة ، وملء جهنّم من أهل الإنكار ، والضّلالة ، وإسقاط (٧) خواصّ العباد فى أجواف اللّيالى

__________________

(١) الآية ١٠.

(٢) الآية ٦.

(٣) الآية ٢٣.

(٤) الآية ١٦.

(٥) من إضافة المصدر الى الفاعل. وهو اشارة الى قوله تعالى فى الآية ٣ : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ..)

(٦) فى أ : «تشرير» وتشوير العاصين أن يفعل ما يسوءهم. يقال : شور به : فعل به فعلا يستحيا منه.

(٧) المراد سقوطهم فى السجود كما يشير اليه قوله تعالى : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً)

٣٧٣

للعبادة ، وإخبارهم بما ادّخر لهم فى العقبى : من أنواع الكرامة ، والتفريق بين الفاسقين والصادقين فى الجزاء ، والثواب ، فى يوم المآب ، وتسلية النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتقرير أحوال الأنبياء الماضين ، وتقرير (١) حجّة المنكرين للوحدانية ، وأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالإعراض عن مكافأة أهل الكفر ، وأمره بانتظار النّصر ، بقوله : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ).

الناسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ آية واحدة : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) (٢) م (آية السيف ن)

المتشابهات :

قوله : (فِي يَوْمٍ (٣) كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) ، وفى سأل سائل (خَمْسِينَ (٤) أَلْفَ سَنَةٍ) موضع بيانه التفسير. والغريب فيه ما روى عن عكرمة فى جماعة : أن اليوم فى المعارج عبارة عن أول أيّام الدّنيا إلى انقضائها ، وأنّها خمسون ألف سنة ، لا يدرى أحدكم مضى وكم بقى إلّا الله عزوجل. ومن الغريب أنّ هذه عبارة عن الشدة ، واستطالة أهلها إياها ؛ كالعادة فى استطالة أيّام الشدة والحزن ، واستقصار أيّام الرّاحة والسّرور ، حتى قال القائل : سنة الوصل سنة [و] سنة الهجر (٥) سنة. وخصّت هذه السّورة بقوله : ألف سنة ، لما قبله ، وهو قوله : (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) وتلك الأيّام

__________________

(١) المراد تقرير الحجة على المنكرين

(٢) الآية ٣٠.

(٣) الآية ٥.

(٤) الآية ٤.

(٥) أ ، ب : «الهجرة» وما أثبت عن الكرمانى.

٣٧٤

من جنس ذلك اليوم (١) وخصّت سورة المعارج بقوله (خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) لأن فيها ذكر القيامة وأهوالها ، فكان هو اللائق بها.

قوله (ثُمَّ أَعْرَضَ (٢) عَنْها) (ثمّ) هاهنا يدلّ على أنّه ذكّر مرّات ، ثم تأخّر (و) أعرض عنها. والفاء يدلّ على الإعراض عقيب التذكير.

قوله : (عَذابَ (٣) النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) ، وفى سبأ (الَّتِي كُنْتُمْ (٤) بِها) لأنّ النّار وقعت فى هذه السّورة موقع الكناية ، لتقدّم ذكرها ، والكنايات لا توصف ، فوصف (٥) العذاب ، وفى سبأ لم يتقدم ذكر النّار ، فحسن وصف النار.

قوله : (أَوَلَمْ (٦) يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ) بزيادة (من) سبق فى طه.

قوله : (إِنَّ فِي (٧) ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ) ليس غيره ؛ لأنّه لما ذكر القرون والمساكن بالجمع حسن جمع الآيات ، ولمّا تقدّم ذكر الكتاب ـ وهو مسموع ـ حسن لفظ السّماع فختم الآية به.

فضل السّورة

فيه حديث أبىّ السّاقط سنده : من قرأ سورة (الم تنزيل) أعطى من الأجر كمن أحيا ليلة القدر ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا ينام حتّى يقرأ

__________________

(١) أ ، ب : «الأيام» مع «ذلك» وما أثبت عن الكرمانى.

(٢) الآية ٢٢.

(٣) الآية ٢٠.

(٤) الآية ٤٢.

(٥) أ ، ب : «بوصف» والمناسب ما أثبت.

(٦) الآية ٢٦.

(٧) الآية ٢٦.

٣٧٥

(ألم تنزيل السجدة) ، و (تبارك الذى بيده الملك) ويقول : هما يفضلان كلّ سورة فى القرآن بسبعين حسنة ، ومن قرأها كتب له سبعون حسنة ومحى عنه سبعون سيّئة ورفع له سبعون درجة ؛ وحديث علىّ من قرأ (ألم تنزيل) ضحك الله إليه يوم القيامة ، وقضى له كلّ حاجة له عند الله وأعطاه إيّاه (١) بكلّ آية قرأها غرفة فى الجنة.

__________________

(١) هو توكيد للضمير فى (أعطاه) ، وليس مفعولا ثانيا.

٣٧٦

٣٣ ـ بصيرة فى

يا أيها النبى اتق الله ..

السّورة مدنية بالاتفاق. آياتها ثلاث وسبعون. كلماتها ألف ومائتان وثمانون. حروفها خمسة آلاف وسبعمائة وستّ وتسعون ، فواصل آياتها (لا) على اللام منها آية واحدة (يَهْدِي (١) السَّبِيلَ). سمّيت سورة الأحزاب ، لاشتمالها على قصّة حرب (٢) الأحزاب فى قوله (يَحْسَبُونَ (٣) الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا).

معظم مقصود السّورة الذى اشتملت عليه : : الأمر بالتّقوى ، وأنه ليس فى صدر واحد قلبان ، وأنّ المتبنىّ ليس بمنزلة الابن ، وأنّ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمؤمنين بمكان الوالد ، وأزواجه الطاهرات بمكان الأمهات ، وأخذ الميثاق على الأنبياء ، والسؤال عن صدق الصّادقين ، وذكر حرب (٤) الأحزاب ، والشّكاية من المنافقين ، وذمّ المعرضين ، ووفاء الرّجال بالعهد ، وردّ الكفّار بغيظهم ، وتخيير أمّهات المؤمنين ، ووعظهنّ ، ونصحهنّ ، وبيان شرف أهل البيت الطّاهرين ووعد المسلمين والمسلمات بالأجور الوافرات ، وحديث تزويج زيد وزينب ورفع الحرج عن النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وختم الأنبياء به عليه‌السلام ، والأمر بالذكر الكثير ،

__________________

(١) الآية ٤.

(٢) ا ، ب : «حزب» والمناسب ما أثبت

(٣) الآية ٢٠.

(٤) ا ، ب : «حزب» والمناسب ما أثبت

٣٧٧

والصّلوات والتسليمات على المؤمنين ، والمخاطبات الشريفة لسيّدنا المصطفى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وبيان النكاح ، والطّلاق ، والعدّة ، وخصائص النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى باب النكاح ، وتخييره فى القسم بين الأزواج والحجر عليه فى تبديلهنّ ، ونهى الصحابة عن دخول حجرة النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغير إذن منه ، وضرب الحجاب ، ونهى المؤمنين عن تزوّج أزواجه بعده ، والموافقة مع الملائكة فى الصلاة على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتهديد المؤذين للنّبى وللمؤمنين ، وتعليم آداب النساء فى خروجهن من البيوت ، وتهديد المنافقين فى إيقاع الأراجيف ، وذلّ الكفار فى النار ، والنّهى عن إيذاء الرّسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والأمر بالقول السّديد وبيان عرض الأمانة (عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(١) وعذاب المنافقين ، وتوبة المؤمنين فى قوله (إِنَّا (٢) عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) إلى آخر السّورة.

النّاسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ آيتان م (وَدَعْ أَذاهُمْ)(٣) ن آية السّيف م (لا يَحِلُ (٤) لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) ن (إِنَّا أَحْلَلْنا (٥) لَكَ أَزْواجَكَ).

المتشابهات :

ذهب بعض القرّاء إلى أنّه ليس فى هذه السورة متشابه. وأورد بعضهم فيها كلمات ، وليس فيها كثير تشابه ؛ بل قد تلتبس على الحافظ القليل

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٢) الآية ٧٢.

(٣) الآية ٤٨.

(٤) الآية ٥٢.

(٥) الآية ٥٠.

٣٧٨

البضاعة. فأوردناها ؛ إذ لم يخل (١) من فائدة. وذكرنا مع بعضها علامة يستعين بها المبتدئ فى تلاوته.

منها قوله : (لِيَسْئَلَ (٢) الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) وبعده (لِيَجْزِيَ اللهُ (٣) الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) ليس فيها تشابه ؛ لأنّ الأوّل من لفظ السّؤال ، وصلته (عَنْ صِدْقِهِمْ) وبعده (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ) ، والثّانى من لفظ الجزاء ، وفاعله الله ، وصلته (بِصِدْقِهِمْ) بالباء ، وبعده (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ).

ومنها قوله : (يا أَيُّهَا (٤) الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) (٥) وبعده (يا أَيُّهَا (٦) الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) فيقال للمبتدئ : إنّ الذى يأتى بعد العذاب (٧) الأليم نعمة من الله على المؤمنين ، وما يأتى قبل قوله (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) شكرا على أن أنزلكم منزلة نبيّه فى صلاته وصلاة ملائكته عليه حيث يقول : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ).

ومنها قوله : (يا أَيُّهَا (٨) النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ) ليس من المتشابه لأنّ الأوّل (٩) فى التخيير والثانى فى الحجاب.

ومنها قوله : (سُنَّةَ (١٠) اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) [فى موضعين (١١)] وفى الفتح (١٢)(سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ) التقدير فى الآيات : سنّة الله

__________________

(١) أى لم يخل ايرادها.

(٢) الآية ٨.

(٣) الآية ٢٤.

(٤) الآية ٩.

(٥) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٦) الآية ٤١.

(٧) أى فى الآية السابقة.

(٨) الآية ٥٩.

(٩) فى الآية ٢٨.

(١٠) الآيتان ٣٨ ، ٦٢.

(١١) زيادة من الكرمانى.

(١٢) الآية ٢٣.

٣٧٩

الّتى قد خلت فى الذين خلوا (فذكر فى كل (١) سورة الطرف الذى هو أعمّ ، واكتفى به عن الطرف الآخر ، والمراد بما فى أول هذه السورة النكاح نزلت حين عيّروا رسول الله بنكاح زينب (٢)) فأنزل الله (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) أى النكاح سنّة فى النّبيين على العموم. وكانت لداود تسع (٣) وتسعون ، فضمّ إليها الّتى خطبها أوريا (٤) ، وولدت سليمان. والمراد بما فى آخر هذه السّورة القتل ؛ نزلت فى المنافقين والشاكّين الّذين فى قلوبهم مرض ، والمرجفين فى المدينة ، على العموم. وما فى سورة الفتح يريد به به نصرة الله لأنبيائه. والعموم فى النّصرة أبلغ منه فى النكاح والقتل. ومثله فى حم (سُنَّتَ (٥) اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) فإنّ المراد بها عدم الانتفاع بالإيمان عند البأس فلهذا قال : (قَدْ خَلَتْ).

ومنها قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً) (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) (وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) (وكان الله عليما حكيما). وهذا من باب الإعراب ، وإنما نصب لدخول كان على الجملة : فتفرّدت السّورة ، وحسن دخول (كان) عليها ، مراعاة لفواصل الآى. والله أعلم.

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى ا.

(٢) سقط ما بين القوسين فى ا.

(٣) أ ، ب : «تسعة» وما أثبت عن الكرمانى.

(٤) هو رجل ممن آمن بداود وكان خطب امرأة فاستنزله داود عنها وكان ذلك جائزا معتادا عندهم. وقد عوتب داود فى ذلك وأنزل الله من الملائكة من نبهه على هذا. وهذا بعض ما قيل فى قصة الخصم الذين تسوروا عليه المحراب المذكورة فى سورة ص. وراجع البيضاوى.

(٥) الآية ٨٥ سورة غافر.

٣٨٠