بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

عليهم فى كلّ شان ، وعجائب صنع الله فى ضمن الظلّ والشّمس وتخليق اللّيل ، والنّهار ، والآفات ، والأزمان ، والمنّة بإنزال الأمطار ، وإنبات الأشجار فى كلّ مكان ، وذكر الحجّة فى المياه المختلفة فى البحار ، وذكر النّسب ، والصهر ، فى نوع الإنسان ، وعجائب الكواكب ، والبروج ، ودور الفلك ، وسير الشمس ، والقمر ، وتفصيل صفات العباد ، وخواصّهم بالتّواضع ، وحكم قيام اللّيل ، والاستعاذة من النّيران ، وذكر الإقتار ، والاقتصاد (١) فى النفقة ، والاحتراز من الشرك والزّنى وقتل النّفس بالظّلم والعدوان ، والإقبال على التّوبة ، والإعراض من (٢) اللّغو ، والزّور ، والوعد بالغرف للصّابرين على عبادة الرّحمن ، وبيان أنّ الحكمة فى تخليق الخلق التضرّع والدّعاء والابتهال إلى الله الكريم المنّان ، بقوله : (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) الآية.

المتشابهات (٣) :

قوله : (تَبارَكَ) هذه لفظة لا تستعمل إلّا لله تعالى. ولا تستعمل إلّا بلفظ الماضى. وجاء فى هذه السّورة فى ثلاثة مواضع (تَبارَكَ (٤) الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) (تَبارَكَ (٥) الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ) (تَبارَكَ (٦) الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ

__________________

(١) أ ، ب : «الاقتصار».

(٢) كذا فى أ ، ب. وهو على تضمين الاعراض معنى الامتناع.

(٣) لم يذكر هنا الناسخ والمنسوخ. وقد ذكر ابن حزم الذى يتبعه المؤلف أن فيها من المنسوخ آيتين : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) الى قوله : (وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) نسخها قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) الآية ، وهذا على مذهبه فى أن الاستثناء نسخ ، والفيروزآبادي يتبعه فى هذا. والآية الثانية قوله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) الآية منسوخة فى حق الكفار بآية السيف.

(٤) الآية ١.

(٥) الآية ١٠.

(٦) الآية ٦١.

٣٤١

بُرُوجاً) ؛ تعظيما لذكر الله. وخصّت هذه المواضع بالذكر ؛ لأنّ ما بعدها عظائم : الأوّل ذكر الفرقان ، وهو القرآن المشتمل على معانى جميع (١) كتاب أنزله الله ، والثانى ذكر النبى الذى خاطبه الله بقوله : (لولاك (٢) يا محمد ما خلقت الكائنات). والثّالث ذكر البروج والسيّارات ، والشمس والقمر ، واللّيل والنّهار ، ولولاها ما وجد فى الأرض حيوان ، ولا نبات. ومثلها (فَتَبارَكَ (٣) اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)(فَتَبارَكَ (٤) اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)(تَبارَكَ (٥) الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ).

قوله : (مِنْ دُونِهِ) (٦) هنا ، وفى مريم (٧) ، ويس (٨) : (مِنْ دُونِ اللهِ) ؛ لأنّ فى هذه السّورة وافق ما قبله ، وفى السّورتين لو جاء (مِنْ دُونِهِ) لخالف ما قبله ؛ لأنّ ما قبله فى السّورتين بلفظ الجمع ؛ تعظيما. فصرّح.

قوله : (ضَرًّا (٩) وَلا نَفْعاً) قدّم الضرّ ؛ موافقة لما قبله وما بعده. فما قبله نفى وإثبات ، وما بعده موت وحياة. وقد سبق.

قوله : (ما لا يَنْفَعُهُمْ (١٠) وَلا يَضُرُّهُمْ) قدّم النّفع ؛ موافقة لقوله تعالى : (هذا عَذْبٌ (١١) فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ).

قوله : (الَّذِي (١٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَ

__________________

(١) استعمل (جميع) موضع كل فأضافها الى المفرد ، والمعروف أضافتها الى الجمع ، تقول : جميع الناس ولا تقول جميع الرجل. وعبارة شيخ الاسلام والكرمانى : «معا فى جميع كتب الله» وهى ظاهرة.

(٢) لم أقف على هذا الخبر.

(٣) الآية ٦٤ سورة غافر.

(٤) الآية ١٤ سورة المؤمنين.

(٥) أول سورة الملك.

(٦) الآية ٣.

(٧) الآية ٨١.

(٨) الآية ٧٤.

(٩) الآية ٣.

(١٠) الآية ٥٥.

(١١) الآية ٥٣.

(١٢) الآية ٥٩.

٣٤٢

اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ) ومثله فى السّجدة (١) يجوز أن يكون (الَّذِي) (٢) فى السّورتين مبتدأ (الرَّحْمنُ) خبره فى الفرقان ، و (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ) خبره فى السّجدة. وجاز غير ذلك.

فضل السّورة

فيه الأحاديث الضعيفة الّتى منها حديث (٣) أبىّ : من قرأ سورة الفرقان بعث يوم القيامة وهو يؤمن أنّ السّاعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من فى القبور ، ودخل الجنّة بغير حساب. ومن قرأ هذه السورة يبعث يوم القيامة آمنا من هولها ، ويدخل الجنّة بغير نصب ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأ (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده). فكأنّما قرأ كلّ كتاب نزل من السّماء ، وكأنما عبد الله بكلّ آية قرأها سنة.

__________________

(١) الآية ٤.

(٢) يلاحظ أن التلاوة فى السجدة : «اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ..» ف (الَّذِي) فيها صفة (اللهُ) ولفظ الجلالة هو المبتدأ.

(٣) تقدم غير مرة أن هذا الحديث موضوع.

٣٤٣

٢٦ ـ بصيرة فى

طسم. تلك .. الشعراء ..

السّورة مكّيّة ، إلا آية واحدة : (وَالشُّعَراءُ (١) يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) إلى آخره. عدد آياتها مائتان وسبع وعشرون فى عدّ الكوفىّ والشامىّ ، وست فى عدّ الباقين. كلماتها ألف ومائتان وسبع وسبعون. وحروفها خمسة آلاف وخمسمائة وثنتان وأربعون : الآيات المختلف فيها أربع طسم (فَلَسَوْفَ (٢) تَعْلَمُونَ) (أَيْنَ ما كُنْتُمْ (٣) تَعْبُدُونَ) (وَما تَنَزَّلَتْ (٤) بِهِ الشَّياطِينُ) مجموع فواصل آياتها (ملن) على اللام أربع ، آخرهنّ (٥) إسرائيل وسميت سورة الشعراء لاختتامها بذكرهم فى قوله : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ).

مقصود السّورة وجلّ ما اشتملت عليه : ذكر القسم ببيان آيات القرآن ، وتسلية الرّسول عن تأخّر المنكرين عن الإيمان ، وذكر موسى وهارون ، ومناظرة فرعون الملعون ، وذكر السّحرة ، ومكرهم فى الابتداء ، وإيمانهم وانقيادهم فى الانتهاء ، وسفر موسى ببنى إسرائيل من مصر ، وطلب فرعون إيّاهم ، وانفلاق البحر ، وإغراق القبط ، وذكر الجبل ، وذكر المناجاة ، ودعاء إبراهيم الخليل ، وذكر استغاثة الكفّار من عذاب النيران ،

__________________

(١) الآية ٢٢٤.

(٢) الآية ٤٩.

(٣) الآية ٩٢.

(٤) الآية ٢١٠.

(٥) الآيات ١٧ ، ٢٢ ، ٥٩ ، ١٩٧.

٣٤٤

وقصّة نوح ، وذكر الطّوفان ، وتعدّى عاد ، وذكر هود ، وذكر عقوبة ثمود ، وذكر قوم لوط ، وخبثهم ، وقصّة شعيب ، وهلاك أصحاب الأيكة ، لعبثهم ، وتنزيل جبريل على النبىّ بالقرآن العربىّ ، وتفصيل حال الأمم السّالفة الكثيرة ، وأمر الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإنذار العشيرة ، وتواضعه للمؤمنين ، وأخلاقه اللّينة ، وبيان غواية شعراء الجاهلية ، وأنّ العذاب منقلب الذين يظلمون فى قوله : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).

الناسخ والمنسوخ :

المنسوخ فى هذه السّورة آية واحدة : (وَالشُّعَراءُ (١) يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) العموم م (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) ن الخصوص (٢).

المتشابهات :

قوله : (وَما يَأْتِيهِمْ (٣) مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) سبق فى الأنبياء. (فَسَيَأْتِيهِمْ) (٤) سبق فى الأنعام ، وكذا (أَوَلَمْ (٥) يَرَوْا) وما تعلّق بقصّة موسى وفرعون سبق فى الأعراف.

قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) مذكور فى ثمانية مواضع : أوّلها فى محمّد (٦) صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن لم يتقدّم ذكره صريحا ، فقد تقدّم كناية

__________________

(١) الآية ٢٢٤.

(٢) أ ، ب : للخصوص. والمناسب ما أثبت يريد أن خصوص الآية بالذين آمنوا وعملوا الصالحات نسخ عموم الآية السابقة ، وانظر عبارة مثلها فى ناسخ سورة النور.

(٣) الآية ٥.

(٤) الآية ٦.

(٥) الآية ٧.

(٦) أى خطابا للرسول عليه الصلاة والسّلام وقد تقدم ضمنا فى قوله : (فَقَدْ كَذَّبُوا) اذ المعنى : فقد كذبوك. والمراد الآية ٨.

٣٤٥

ووضوحا ، والثانية فى قصّة (١) موسى ، ثمّ ابراهيم (٢) ، ثم نوح (٣) ، ثم هود (٤) ، ثم صالح (٥) ، ثم لوط (٦) ، ثم شعيب (٧).

قوله : (أَلا تَتَّقُونَ) إلى قوله : (الْعالَمِينَ) مذكور فى خمسة مواضع : فى قصّة نوح (٨) ، وهود (٩) ، وصالح (١٠) ، ولوط (١١) ، وشعيب (١٢) عليهم‌السلام. ثمّ كرّر (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) فى قصّة نوح (١٣) ، وهود (١٤) ، وصالح (١٥) فصار ثمانية مواضع. وليس فى ذكر النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) ؛ لذكرها فى مواضع. وليس فى قصّة موسى ؛ (لأنّه (١٦) ربّاه فرعون حيث قال : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) ولا فى قصة إبراهيم ، لأن أباه فى المخاطبين حيث يقول : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) وهو ربّاه ، فاستحيا موسى (١٧) وابراهيم أن يقولا : ما أسألكم عليه من أجر ، وإن كانا منزّهين من طلب الأجر (١٨).

قوله : فى قصّة إبراهيم : (ما تَعْبُدُونَ)(١٩) وفى الصافات (ما ذا تَعْبُدُونَ) (٢٠) لأنّ (ما) لمجرّد الاستفهام ، فأجابوا فقالوا : (نَعْبُدُ أَصْناماً) و (ما ذا) فيه مبالغة ، وقد تضمّن فى الصّافّات معنى التوبيخ ، فلمّا وبّخهم ولم يجيبوا ،

__________________

(١) الآية ٦٧.

(٢) الآية ١٠٣.

(٣) الآية ١٢١.

(٤) الآية ١٣٩.

(٥) الآية ١٥٨.

(٦) الآية ١٧٤.

(٧) الآية ١٩٠.

(٨) الآية ١٠٦.

(٩) الآية ١٢٤.

(١٠) الآية ١٤٢.

(١١) الآية ١٦١.

(١٢) الآية ١٧٧.

(١٣) الآيتان ١٠٨ ، ١١٠.

(١٤) الآيتان ١٢٦ ، ١٣١.

(١٥) الآيتان ١٤٤ ، ١٥٠.

(١٦) سقط ما بين القوسين فى أ.

(١٧) سقط ما بين القوسين فى أ.

(١٨) فى ب الكرمانى : «الأجرة».

(١٩) الآية ٧٠.

(٢٠) الآية ٨٥.

٣٤٦

زاد (١) فى التوبيخ فقال : (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) فجاء فى كلّ سورة ما اقتضاه ما قبله وما بعده.

قوله : (الَّذِي (٢) خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٣). وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) زاد (هو) فى الإطعام ، والشّفاء ؛ لأنهما ممّا يدّعى الإنسان ، فيقال : زيد يطعم ، وعمرو يداوى. فأكد ؛ إعلاما لأنّ ذلك منه سبحانه وتعالى لا من غيره. وأمّا الخلق والموت ، والحياة ، فلا يدّعيها مدّع ، فأطلق.

قوله فى قصّة صالح : (ما أَنْتَ) بغير واو ، وفى قصّة شعيب : (وَما أَنْتَ) (٤) لأنّه فى قصّة صالح بدل من الأول ، وفى الثانية عطف ، وخصّت الأولى بالبدل ؛ لأنّ صالحا قلّل فى الخطاب ، (فقللوا (٥) فى الجواب) وأكثر شعيب فى الخطاب ، فأكثروا فى الجواب.

فضل السّورة

فيه حديث أبىّ الواهى : من قرأ سورة الشّعراء كان من له الأجر عشر حسنات ، بعدد من صدّق بنوح ، وكذّب به ، وهود ، وشعيب ، وصالح ، وابراهيم ، وبعدد من كذّب بعيسى ، وصدّق بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأ هذه السّورة كان موته موت الشّهداء ، وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب امرأة فرعون آسية.

__________________

(١) أ ، ب «هذا و» وما اثبت عن شيخ الاسلام على هامش تفسير الخطيب ٣ / ٢٢.

(٢) الآيات ٧٨ ـ ٨٠.

(٣) الآية ١٥٤.

(٤) الآية ١٨٦.

(٥) سقط ما بين القوسين فى أ.

٣٤٧

٢٧ ـ بصيرة فى

طس. تلك آيات القرآن ..

السّورة مكّيّة بالاتّفاق ، عدد آياتها خمس وتسعون فى عدّ الحجاز ، وأربع فى عدّ الشام ، والبصرة ، وثلاث فى عدّ الكوفة ، كلماتها ألف ومائة وتسع وأربعون. وحروفها أربعة آلاف وسبعمائة وتسع وتسعون. والآيات المختلف فيها (أُولُوا (١) بَأْسٍ شَدِيدٍ) ، (مِنْ) (٢) (قَوارِيرَ) ، مجموع فواصل آياتها (من) وسميت سورة النّمل ؛ لاشتمالها على مناظرة النّمل سليمان فى قوله : (قالَتْ (٣) نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا).

مقصود السّورة ومعظم ما تضمّنته : بيان شرف القرآن ، وما منه نصيب أهل الإيمان ، والشكاية من مكر أهل الشرك والعصيان ، وإشارة إلى ذكر الوادى المقدّس وموسى بن عمران ، وذكر خبر داود وسليمان ، وفضل الله تعالى عليهما بتعليمهما منطق الطّير وسائر الحيوان ، وقصّة النّمل ، وذكر الهدهد وخبر بلقيس ، ورسالة الهدهد إليها من سليمان ، ومشاورتها أركان الدّولة ، وبيان أثر الملوك إذا نزلوا فى مكان ، وإهداء بلقيس إلى سليمان ، وتهديده لها ، ودعوة آصف لإحضار تخت بلقيس فى أسرع زمان ، وتغيير حال العرش لتجربتها وإسلامها على يدى سليمان ، وحديث صالح ومكر

__________________

(١) الآية ٣٣

(٢) الآية ٤٤.

(٣) الآية ١٨.

٣٤٨

قومه فى حقّه ، وطرف من حديث قوم لوط أولى الطغيان ، والبرهان فى الحدائق ، والأشجار ، والبحار ، والأنهار ، وإجابة الحق دعاء أهل التّضرّع ، والابتهال إلى الرّحمن ، وهداية الله الخلق فى ظلمات البرّ ، والبحر ، واطلاع الحق تعالى على أسرار الغيب ، وتسلية الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى إعراض المنكرين من قبول القرآن ، وقبول الإيمان ، وخروج الدّابّة ، وظهور علامة القيامة ، والإخبار عن حال الجبال فى ذلك اليوم ، وبيان جزاء المجرمين ، وإعراض الرّسول عن المشركين ، وإقباله على القرآن الكريم ، وأمر الله له بالحمد على إظهار الحجة ، أعنى القرآن فى قوله : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ).

الناسخ والمنسوخ :

فى هذه السّورة آية واحدة م (وَأَنْ (١) أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) ن آية السّيف (٢)

المتشابهات :

قوله : (فَلَمَّا جاءَها (٣) نُودِيَ) ، وفى القصص (٤) وطه (٥) (فَلَمَّا أَتاها) الآية ، قال فى هذه السّورة (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) فكرّر (آتِيكُمْ) فاستثقل الجمع بينهما وبين (فَلَمَّا أَتاها) فعدل إلى قوله : (فَلَمَّا جاءَها) بعد (٦) أن كانا بمعنى واحد. وأمّا فى السّورتين فلم يكن (إلا سآتيكم) (فَلَمَّا أَتاها).

__________________

(١) الآية ٩٢.

(٢) الآية ٥ سورة التوبة.

(٣) الآية ٨.

(٤) الآية ٣٠.

(٥) الآية ١١.

(٦) أ ، ب : «بمعنى» وما أثبت عن الكرمانى.

٣٤٩

قوله : (وَأَلْقِ عَصاكَ) (١) وفى القصص (وَأَنْ (٢) أَلْقِ عَصاكَ) ؛ لأنّ فى هذه السّورة (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَأَلْقِ عَصاكَ) فحيل بينهما بهذه الجملة فاستغنى عن إعادة (أن) ، وفى القصص : (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) فلم يكن بينهما جملة أخرى عطف بها على الأوّل ، فحسن إدخال (أن).

قوله : (لا تَخَفْ) ، وفى القصص : (أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ) خصّت هذه السّورة بقوله : (لا تخف) لأنّه بنى على ذكر (٣) الخوف كلام يليق به ، وهو قوله : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) ، وفى القصص اقتصر على قوله : (لا تَخَفْ) ، ولم يبن عليه كلام ، فزيد قبله (أَقْبِلْ) ؛ ليكون فى مقابلة (مُدْبِراً) أى أقبل آمنا غير مدبر ، ولا تخف ، فخصّت هذه السّورة به.

قوله : (وَأَدْخِلْ (٤) يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) ، وفى القصص : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) خصّت هذه السّورة بـ (أَدْخِلْ) ؛ لأنّه أبلغ من قوله : (اسْلُكْ يَدَكَ) ، لأن (اسْلُكْ) يأتى لازما ، ومتعدّيا ، وأدخل متعدّ لا غير ، وكان فى هذه السّورة (فِي تِسْعِ آياتٍ) أى مع تسع آيات مرسلا إلى فرعون. وخصّت القصص بقوله (اسْلُكْ) موافقة لقوله (اضْمُمْ) ثم قال : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ) (وكان) (٥) دون الأوّل فخصّ بالأدون من اللّفظين.

__________________

(١) الآية ١٠.

(٢) الآية ٣١.

(٣) ب : «ذلك».

(٤) الآية ١٢

(٥) كذا فى أ ، ب. وفى الرمانى : «فكان»

٣٥٠

قوله (إِلى فِرْعَوْنَ (١) وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) ، وفى القصص : (إِلى (٢) فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) ؛ لأنّ الملأ أشراف القوم ، وكانوا فى هذه السّورة موصوفين بما وصفهم الله به من قوله (فَلَمَّا (٣) جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِها) الآية فلم يسمّهم ملأ ، بل سمّاهم قوما. وفى القصص لم يكونوا موصوفين بتلك الصّفات ، فسمّاهم ملأ وعقبه (وَقالَ (٤) فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي). وما يتعلّق بقصّة موسى سوى هذه الكلمات قد سبق.

قوله : (وَأَنْجَيْنَا (٥) الَّذِينَ آمَنُوا) وفى حم (وَنَجَّيْنَا (٦) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٧) ونجينا وأنجينا بمعنى واحد. وخصّت هذه السّورة بأنجينا ؛ موافقة لما بعده وهو : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ) وبعده : (وَأَمْطَرْنا) ، (وَأَنْزَلَ) كلّه على لفظ أفعل. وخصّ حم بنجيّنا ؛ موافقة لما قبله : (وَزَيَّنَّا)(٨) وبعده (وَقَيَّضْنا لَهُمْ) وكلّه على لفظ فعّل.

قوله : (وَأَنْزَلَ (٩) لَكُمْ) سبق.

قوله : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) فى خمس (١٠) آيات ، وختم الأولى بقوله : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) ثم قال : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ثم قال (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) ثم قال (تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ثم (هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ

__________________

(١) الآية ١٢

(٢) الآية ٣٢.

(٣) الآيتان ١٣ ، ١٤.

(٤) الآية ٣٨.

(٥) الآية ٥٣.

(٦) الآية ١٨ سورة فصلت.

(٧) سقط الواو فى الكرمانى ، وهو أولى ليكون ما بعده استئنافا لبيان الحال.

(٨) زيادة من الكرمانى.

(٩) الآية ٦٠.

(١٠) الآيات ٦٠ ـ ٦٤.

٣٥١

صادِقِينَ) أى عدلوا وأوّل الذنوب العدول عن الحقّ ، ثم لم يعلموا ولو علموا لما جدلوا ثم لم يذكّروا فيعلموا بالنّظر والاستدلال ، فأشركوا من (١) غير حجّة وبرهان. قل لهم يا محمد : هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

قوله : (وَيَوْمَ (٢) يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ) وفى الزّمر : (فَصَعِقَ)(٣) : خصّت هذه السورة بقوله (فَزَعٍ) موافقة لقوله : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) ، وخصّت الزّمر بقوله : (فَصَعِقَ) موافقة لقوله (إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) ؛ لأن معناه : مات.

فضل السّورة

رويت أحاديث ضعيفة منها حديث أبىّ : من قرأ طس كان له من الأجر عشر حسنات. بعدد من صدّق سليمان ، وكذّب به ، وهود ، وشعيب ، وإبراهيم ، ويخرج من قبره وهو ينادى : لا إله إلّا الله ؛ وحديث علىّ : يا علىّ من قرأ طس النّمل أعطاه الله بكلّ سجدة يسجد بها المؤمنون ثواب المؤمنين كلهم ، وله بكلّ آية ثواب المتوكلين.

__________________

(١) ب : «عن».

(٢) الآية ٨٧.

(٣) الآية ٦٨.

٣٥٢

٢٨ ـ بصيرة فى طسم .. القصص ..

السورة مكّيّة بالاتّفاق. عدد آياتها ثمان وثمانون وكلماتها ألف وأربعمائة وواحدة. وحروفها خمسة آلاف وثمانمائة الآيات المختلف [فيها] اثنتان : طسم ، يسقون. (١) فواصل آياتها (لم تر) وسميت سورة القصص ؛ لاشتمالها عليها فى قوله : (وَقَصَ (٢) عَلَيْهِ الْقَصَصَ) أى قصّ موسى على شعيب.

مقصود السورة : بيان ظلم فرعون بنى إسرائيل ، وولادة موسى ، ومحبة آسية له (٣) ، وردّ موسى على أمّه ، وحديث القبطى ، والإسرائيلى ، وهجرة موسى من مصر إلى مدين ، وسقيه لبنات شعيب ، واستئجار (٤) شعيب موسى ، وخروج موسى من مدين ، وظهور آثار النبوّة ، واليد البيضاء ، وقلب العصا ، وإمداد الله تعالى له بأخيه هارون ، وحيلة هامان فى معارضة موسى ، وإخبار الله تعالى عمّا جرى فى الطّور ، ومدح مؤمنى أهل الكتاب ، وقصّة إهلاك القرون الماضية ، ومناظرة المشركين يوم القيامة ، واختيار الله تعالى ما شاء ، وإقامة البرهان على وجود الحق إيّاه (٥) بالقهر ، ووعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالرجوع إلى مكة ،

__________________

(١) الآية ٢٣.

(٢) الآية ٢٥.

(٣) أ ، ب : «لها» وقد يكون الضمير للولادة وهو بعيد.

(٤) ا ، ب : «استجارة».

(٥) كذا فى أ ، ب والعبارة غير ظاهرة ، وقد يكون «لله» ويكون اشارة الى قوله تعالى : (وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) فى الآية ٧٥.

٣٥٣

وبيان أنّ كلّ ما دون الحقّ فهو فى عرضة الفناء والزّوال ، وأنّ زمام الحكم بيده (تعالى) فى قوله (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

الناسخ والمنسوخ :

المنسوخ فيها آية واحدة. (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) (١) م آية السّيف ن.

المتشابهات :

قوله (وَلَمَّا بَلَغَ (٢) أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ) أى كمّل أربعين سنة. وقيل : كمل عقله. وقيل : خرجت لحيته. وفى يوسف (بَلَغَ أَشُدَّهُ) (٣) فحسب (٤) ؛ لأنه أوحى إليه فى صباه. قوله : (وَجاءَ رَجُلٌ (٥) مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) ، وفى يس : (وَجاءَ (٦) مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ) قيل : اسمه خربيل (٧) مؤمن من آل فرعون (٨) ، وهو النجار (٩). وقيل شمعون وقيل : حبيب. وفى يس هو هو. قوله (١٠) : (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) يحتمل ثلاثة أوجه. أحدها أن يكون (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) صفة لرجل. والثانى أن يكون صلة (١١) لجاء.

__________________

(١) الآية ٥٥.

(٢) الآية ١٤.

(٣) الآية ٢٢.

(٤) سقط فى ب والكرمانى.

(٥) الآية ٢٠.

(٦) الآية ٢٠

(٧) فى الكرمانى «حزبيل» وفى شيخ الاسلام : «حزقيل».

(٨) المشهور : مؤمن آل فرعون ، ويقول الشهاب على البيضاوى ٧ / ٦٩ : «وقد اشتهر بمؤمن آل فرعون حتى صار كالعالم له». وفى البيضاوى أنه ابن عم فرعون.

(٩) المعروف أن النجار هو حبيب وكان من أهل انطاكية وهو الرجل الذى جاء من أقصى المدينة فى قصة يس ، وشمعون كان من رسل عيسى عليه الصلاة السّلام الى أنطاكية وقد خلط المؤلف بين الرجلين اذ يقول : «وفى يس : «هو هو» والذى هنا كان فى عصر موسى ، والذى فى يس كان فى عصر عيسى عليهما‌السلام وبينهما بون بعيد. وانظر البيضاوى فى سورة يس.

(١٠) سقط فى أ.

(١١) ب : «صفة».

٣٥٤

والثالث أن يكون صلة ليسعى. والأظهر فى هذه السّورة أن يكون وصفا ، وفى يس أن يكون صلة. وخصّت هذه السّورة بالتقديم ؛ لقوله تعالى قبله : (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ) ثم قال : (وَجاءَ رَجُلٌ) وخصّت سورة يس بقوله (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ) لما جاء بالتفسير (١) أنّه كان يعبد الله فى جبل ، فلمّا سمع خبر الرّسل سعى مستعجلا. قوله (سَتَجِدُنِي) (٢) (إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِين َ) [وفى الصّافات (٣) : (مِنَ الصَّابِرِينَ (٤)) ، لأن ما هنا من كلام شعيب ، والمعنى : ستجدنى من الصالحين](٥) فى حسن العشرة ، والوفاء بالعهد ، وفى الصّافات من كلام إسماعيل حين قال له أبوه (أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) فأجاب (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) أى على الذبح.

قوله : (رَبِّي (٦) أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ) وبعده : (مَنْ جاءَ) (٧) بغير باء. الأوّل هو الوجه ؛ لأن (أعلم) هذا فيه معنى الفعل ، ومعنى الفعل لا يعمل فى المفعول به ، فزيد بعده باء ؛ تقوية للعمل. وخصّ الأوّل بالأصل ، ثم حذف من الآخر الباء ؛ اكتفاء بدلالة الأول عليه. ومحلّه نصب بفعل (٨) آخر ، أى يعلم من جاء بالهدى. ولم يقتض تغييرا ، كما قلنا فى الأنعام ؛ لأنّ دلالة الأول قام (٩) مقام التغيير. وخصّ الثانى ؛ لأنه فرع.

__________________

(١) فى ب والكرمانى : «فى التفسير».

(٢) الآية ٢٧.

(٣) زيادة من شيخ الاسلام ٣ / ١٠٩.

(٤) الآية ١٠٢.

(٥) زيادة من شيخ الاسلام ٣ / ١٠٩.

(٦) الآية ٣٧.

(٧) الآية ٨٥.

(٨) أ ، ب : «الفعل» وما أثبت عن الكرمانى.

(٩) كان المناسب أن يقول : «قامت» وكأن المضاف اكتسب التذكير من المضاف اليه ويريد بالتغيير أن يقال فى الثانى : أعلم من يجىء

٣٥٥

قوله : (لَعَلِّي (١) أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) وفى المؤمن (٢) (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) ، لأن قوله (أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) فى هذه السّورة خبر لعلّ ، وفى المؤمن عطف على خبر (لَعَلِّي) وجعل قوله (أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) خبر لعلّ ، ثم أبدل منه (أَسْبابَ السَّماواتِ) وانما زاد ليقع فى مقابلة قوله (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) ، لأنه زعم أنّه إله الأرض ، فقال : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) أى فى الأرض ؛ ألا ترى أنّه قال : (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) فجاء فى كلّ سورة على ما اقتضاه ما قبله.

قوله : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) وفى المؤمن (٣)(كاذِباً) لأن التقدير فى هذه السورة : وإنى لأظنه كاذبا من الكاذبين ، فزيد (مِنَ الْكاذِبِينَ) لرءوس الآى ، ثم أضمر (كاذبا) ؛ لدلالة (الْكاذِبِينَ) عليه. وفى المؤمن جاء على الأصل ، ولم يكن فيه موجب تغيير.

قوله : (وَما أُوتِيتُمْ (٤) مِنْ شَيْءٍ) بالواو ، وفى الشورى (فَما (٥) أُوتِيتُمْ مِنْ) بالفاء ؛ لأنه لم يتعلق فى هذه السّورة بما قبله أشدّ (٦) تعلّق ، فاقتصر على الواو ؛ لعطف جملة على جملة ، وتعلّق فى الشّورى بما قبلها أشدّ تعلق ؛ لأنّه عقّب ما لهم من المخافة بما أوتوه من الأمنة ، والفاء حرف التّعقيب.

قوله : (وَزِينَتُها) ، وفى الشّورى (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) فحسب ؛ لأنّ فى هذه السّورة ذكر جميع ما بسط من الرزق ، وأعراض الدّنيا ،

__________________

(١) الآية ٣٨.

(٢) الآيتان ٣٦ ، ٣٧ ، هذا الكلام على قراءة الرفع فى (فأطلعُ) وهى قراءة غير حفص. أما هو فقراءته النصب.

(٣) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٤) الآية ٦٠.

(٥) الآية ٣٦.

(٦) فى الكرمانى : «كبير».

٣٥٦

كلّها مستوعبة بهذين اللفظين. فالمتاع : ما لا غنى عنه فى الحياة : من المأكول ، والمشروب ، والملبوس ، والمسكن ، والمنكوح. والزينة : ما يتجمّل به الإنسان ، وقد يستغنى عنه ؛ كالثياب الفاخرة ، والمراكب الفارهة ، والدّور المجصّصة ، والأطعمة الملبّقة (١). وأمّا فى الشورى فلم يقصد الاستيعاب ، بل ما هو مطلوبهم فى تلك الحالة : من النجاة ، والأمن فى الحياة ، فلم يحتج إلى ذكر الزينة.

قوله (إِنْ جَعَلَ (٢) اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) وبعده (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً) قدّم اللّيل على النهار لأنّ ذهاب اللّيل بطلوع الشّمس أكثر فائدة من ذهاب النّهار بدخول اللّيل ، ثم ختم الآية الأولى بقوله : (أَفَلا تَسْمَعُونَ) بناء على اللّيل ، وختم الأخرى بقوله : (أَفَلا تُبْصِرُونَ) بناء على النهار ، والنّهار مبصر ، وآية النهار مبصرة.

قوله : (وَيْكَأَنَّ (٣) وَيْكَأَنَّهُ)(٤) ليس بتكرار ؛ لأنّ كل واحد منهما متصل بغير ما اتّصل به الآخر. قال ابن عبّاس (٥) : وى صلة. وإليه ذهب (٦) سيبويه ، فقال : وى : كلمة يستعملها النّادم بإظهار ندامته (٧). وهى مفصولة من (كأنه). وقال الأخفش : أصله ويك (وأنّ) بعده منصوب بإضمار العلم ، أى أعلم أنّ الله ... وقال بعضهم أصله : ويلك.

__________________

(١) أى الملينة بالدسم.

(٢) الآية ٧١.

(٣) الآية ٨٢.

(٤) الآية ٨٢.

(٥) ب : «أبو العباس» وما أثبت عن ب والكرمانى. وفى تنوير المقياس من تفسير ابن عباس للمؤلف ص ٢٤٤ ما يفيد فى (ويكأنّه) أن الواو للعطف والياء والكاف صلة أى زائدان والأصل : وأنه لا يفلح الكافرون وهو ما نقله عن الضحاك.

(٦) كأنه ذكر معنى كلام سيبويه. وانظر الكتاب ١ / ٢٩٠.

(٧) ب : «الندامة».

٣٥٧

وفيه ضعف. وقال الضّحّاك : الياء والكاف صلة ، وتقديره وأنّ الله. وهذا كلام مزيّف.

فضل السورة

رويت الأحاديث الّتى لا تذكر إلّا تنبيها على وهنها. منها حديث أبىّ : من قرأ طسم القصص لم يبق ملك فى السموات والأرض إلا يشهد له يوم القيامة أنّه كان صادقا (١) أنّ كلّ شىء هالك إلّا وجهه ، والحديث الآخر : من قرأ سورة القصص كان له من الأجر بعدد من صدّق موسى وكذّبه عشر حسنات ، وحديث علىّ : يا علىّ من قرأ طسم القصص أعطاه الله من الثواب مثل ثواب يعقوب ، وله بكلّ آية قرأها مدينة عند الله.

__________________

(١) كذا. ولعل الأصل : «مصدقا»

٣٥٨

٢٩ ـ بصيرة فى

الم. أحسب الناس ..

السّورة مكّيّة إجماعا. عدد آياتها تسع وستون (١) ، بالاتفاق. وكلماتها تسعمائة وثمانون. وحروفها أربعة آلاف ومائة وخمس وتسعون.

المختلف فيها ثلاث : (الم (وَتَقْطَعُونَ (٢) السَّبِيلَ) (مُخْلِصِينَ (٣) لَهُ الدِّينَ). فواصل آياتها (نمر). على الرّاء آية (٤) واحدة (قَدِيرٌ) سمّيت سورة العنكبوت ؛ لتكرّر ذكره فيه (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ (٥) اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ).

معظم مقصود السّورة : توبيخ أهل الدّعوى ، وترغيب أهل التّقوى ، والوصيّة ببرّ الوالدين للأبرار ، والشكاية من المنافقين فى جرأتهم على حمل الأوزار ، والإشارة إلى بلوى نوح والخليل ، لتسلية الحبيب ، وهجرة ابراهيم من بين قومهم (٦) إلى مكان غريب ، ووعظ لوط قومه باختيار الخبث (٧) ، وعدم اتّعاظهم ، وإهلاك الله إيّاهم ، والإشارة إلى حديث شعيب ، وتعيير عبّاد الأصنام ، وتوبيخهم ، وتمثيل الصّنم ببيت العنكبوت ، وإقامة حجج التوحيد ، ونهى الصّلاة عن الفحشاء والمنكر ،

__________________

(١) ب : «تسعون».

(٢) الآية ٢٩.

(٣) الآية ٦٥.

(٤) بل ثلاث آيات : ١٩ ، ٢٠ ، ٢٢.

(٥) الآية ٤١.

(٦) كذا فى أ ، ب. والمناسب : «قومه».

(٧) جمع خبيث يريد اختيار الذكور وإتيانهم.

٣٥٩

وأدب الجدال مع المنكرين ، والمبتدعين ، وبيان الحكمة فى كون رسولنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمّيّا ، والخبر من (١) استعجال الكفار العذاب وأن كلّ نفس بالضرورة ميّت (٢) ووعد المؤمنين بالثواب ، وضمان الحقّ رزق كلّ دابة ، وبيان أنّ الدنيا دار فناء وممات ، وأن العقبى دار بقاء وحياة ، وبيان حرمة الحرم وأمنه ، والإخبار بأنّ الجهاد (٣) بثمن الهداية ، وأن عناية الله مع أهل الإحسان ، فى قوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) إلى آخر السّورة.

النّاسخ والمنسوخ :

المنسوخ فيها آية واحدة (وَلا تُجادِلُوا (٤) أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) م (قاتِلُوا (٥) الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) ن

المتشابهات :

قوله : (وَوَصَّيْنَا (٦) الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) ، وفى لقمان : (وَوَصَّيْنَا (٧) الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) وفى الأحقاف (بِوالِدَيْهِ (٨) إِحْساناً) الجمهور على أنّ الآيات الثلاث نزلت فى سعد بن مالك (وهو سعد بن أبى وقاص) وأنّها فى سورة لقمان اعتراض بين كلام لقمان لابنه. ولم يذكر فى لقمان

__________________

(١) كذا فى أ ، ب. والمناسب : «عن».

(٢) كذا فى أ ، ب. وذلك على تأويل النفس بالانسان ، والوارد فى القرآن تأنيث النفس نحو (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ).

(٣) أ ، ب «الجهة» وما أثبت مناسب للآية التى أوردها.

(٤) الآية ٤٦.

(٥) الآية ٢٩ سورة التوبة.

(٦) الآية ٨.

(٧) الآية ١٤.

(٨) الآية ١٥.

٣٦٠