بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

أَصْنامَكُمْ) وهم كادوا ابراهيم لقوله : (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) فجرت بينهم مكايدة ، فغلبهم إبراهيم ؛ لأنّه كسر أصنامهم ، ولم يغلبوه ؛ لأنّهم (لم يبلغوا (١) من إحراقه مرادهم) فكانوا هم الأخسرين. وفى الصّافّات (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) ، فأجّجوا نارا عظيمة ، وبنوا بنيانا عاليا ، ورفعوه إليه ، ورموه [منه](٢) إلى أسفل ، فرفعه الله ، وجعلهم فى الدّنيا سافلين ، وردّهم فى العقبى أسفل سافلين. فخصت والصّافّات بالأسفلين (٣) قوله : (فَنَجَّيْناهُ) (٤) بالفاء سبق فى يونس. ومثله فى الشّعراء (٥) (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ).

قوله : (وَأَيُّوبَ (٦) إِذْ نادى رَبَّهُ) ختم القصّة بقوله (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) وقال فى ص (رَحْمَةً مِنَّا) (٧) لأنّه بالغ (فى التضرع) (٨) بقوله (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فبالغ سبحانه فى الإجابة ، وقال (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) لأنّ (عند) حيث جاء دلّ على أنّ الله سبحانه تولّى ذلك من غير واسطة. وفى ص لمّا بدأ القصة بقوله (وَاذْكُرْ عَبْدَنا) ختم بقوله (مِنَّا) ليكون آخر الآية ملتئما بالأوّل.

قوله : (فَاعْبُدُونِ (٩) وَتَقَطَّعُوا) وفى المؤمنين (فَاتَّقُونِ (١٠) فَتَقَطَّعُوا) لأنّ الخطاب فى هذه السّورة للكفار ، فأمرهم بالعبادة التى هى التّوحيد ، ثم

__________________

(١) فى أ ، ب : «يغلبوا من احراقه فكادهم» وما أثبت عن الخطيب والكرمانى.

(٢) زيادة من الكرمانى.

(٣) أ : «بأسفلين».

(٤) الآية ٧٦ وما فى الشعراء الآيتان ١٧٠ ، ١٧١.

(٥) الآية ٧٦ وما فى الشعراء الآيتان ١٧٠ ، ١٧١.

(٦) الآية ٨٣.

(٧) الآية ٤٣.

(٨) ب : «للتضرع».

(٩) الآيتان ٩٢ ، ٩٣.

(١٠) الآيتان ٥٢ ، ٥٣.

٣٢١

قال : (وَتَقَطَّعُوا) بالواو ؛ لأنّ التقطّع قد كان منهم قبل هذا القول لهم. ومن جعله خطابا للمؤمنين ، فمعناه : دوموا على الطّاعة. وفى المؤمنين الخطاب للنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللمؤمنين بدليل قوله قبله (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) والأنبياء والمؤمنون مأمورون بالتّقوى ، ثم قال (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ) أى ظهر منهم التقطّع بعد هذا القول ، والمراد أمّتهم.

قوله : (وَالَّتِي (١) أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها) وفى التحريم (فيه) (٢) ؛ لأنّ المقصود هنا ذكرها وما آل إليه أمرها ، حتى ظهر فيها ابنها ، وصارت هى وابنها آية. وذلك لا يكون إلا بالنّفخ فى جملتها ، وبحملها (٣) ، والاستمرار على ذلك إلى يوم ولادتها. فلهذا خصّت بالتّأنيث. وما فى التحريم مقصور على ذكر إحصانها ، وتصديقها بكلمات ربّها ، وكان النفخ أصاب فرجها ، وهو مذكّر ، والمراد به فرج الجيب أو غيره ، فخصّت بالتّذكير.

فضل السّورة

روى فيه أحاديث ساقطة ضعيفة. منها : من (٤) قرأ سورة اقترب للنّاس حسابهم حاسبه الله حسابا يسيرا ، وصافحه ، وسلّم عليه كلّ نبىّ ذكر اسمه فى القرآن. وفى حديث علىّ : يا علىّ من قرأ هذه السّورة فكأنّما عبد الله على رضاه (٥).

__________________

(١) الآية ٩١.

(٢) الآية ١٢.

(٣) ب : «لحملها».

(٤) قال الشهاب فى حاشيته ٦ / ٢٨٠ : «هو حديث موضوع».

(٥) كذا فى أ. وما فى ب يقرب من (رخاه) والظاهر أن الاصل : رخاء.

٣٢٢

٢٢ ـ بصيرة فى

يا أيها الناس اتقوا ربكم.

السّورة مكّيّة بالاتّفاق ، سوى ستّ آيات منها ، فهى مدنيّة : (هذانِ خَصْمانِ) (١) إلى قوله : (صِراطِ الْحَمِيدِ) (٢). وعدد آياتها ثمان وسبعون (٣) فى عدّ الكوفيّين ، وسبع للمدنيين ، وخمس للبصريّين ، وأربع للشاميّين. وكلماتها ألفان ومائتان وإحدى وتسعون كلمة. وحروفها خمسة آلاف وخمسة وسبعون.

والآيات المختلف فيها خمس : (الْحَمِيمُ (٤) ، الْجُلُودُ (٥) ، وَعادٌ وَثَمُودُ (٦) ، وَقَوْمُ لُوطٍ) ، (٧) سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ (٨)). مجموع فواصل آياتها (انتظم زبرجد قط) على الهمزة منها (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٩)).

سمّيت سورة الحج ؛ لاشتمالها على مناسك الحجّ ، وتعظيم الشّعائر ، وتأذين إبراهيم للنّاس بالحج.

مقصود السورة على طريق الإجمال : الوصيّة بالتّقوى ، والطّاعة ، وبيان هول السّاعة ، وزلزلة القيامة ، (والحجّة) (١٠) على إثبات الحشر والنشر ،

__________________

(١) الآية ١٩.

(٢) الآية ٢٤.

(٣) ب : «ستون» وهو خطأ من الناسخ.

(٤) الآية ١٩.

(٥) الآية ٢٠.

(٦) الآية ٤٢.

(٧) الآية ٤٣.

(٨) الآية ٧٨.

(٩) الآية ١٨.

(١٠) سقط ما بين القوسين فى ب.

٣٢٣

وجدال أهل الباطل مع أهل الحقّ ، والشكاية من أهل النفاق بعد (١) الثبات ، وعيب الأوثان وعبادتها (٢) ، وذكر نصرة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإقامة البرهان والحجّة ، وخصومة المؤمن والكافر فى دين التوحيد ، وتأذين إبراهيم على المسلم بالحجّ ، وتعظيم الحرمات والشعائر ، وتفضيل القرآن (٣) فى الموسم ، والمنّة على العباد بدفع فساد أهل الفساد ، وحديث البئر المعطّلة ، وذكر نسيان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسهوه حال تلاوة القرآن ، وأنواع الحجّة على إثبات القيامة ، وعجز الأصنام وعبّادها ، واختيار الرّسول من الملائكة والإنس ، وأمر المؤمنين بأنواع العبادة والإحسان ، والمنّة عليهم باسم المسلمين ، والاعتصام بحفظ الله وحياطته فى قوله (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ) إلى قوله (وَنِعْمَ النَّصِيرُ).

الناسخ والمنسوخ :

المنسوخ فيها آيتان : (إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) (٤) م (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٥) ن (اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) (٦) م آية (٧) السّيف ن. والنّاسخ فى هذه السّورة (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ (٨)).

المتشابهات :

قوله : (يَوْمَ تَرَوْنَها) (٩) وبعده (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) محمول على : أيّها المخاطب كما سبق فى قوله (وَتَرَى الْفُلْكَ) (١٠)

__________________

(١) ب : «بعد».

(٢) ب : «عبادها».

(٣) كذا ، والظاهر أنه محرف عن «القربان» والمراد : ذبح الهدى.

(٤) الآية ٥٢.

(٥) الآية ٦ سورة الأعلى.

(٦) الآية ٦٩.

(٧) الآية ٥ سورة التوبة.

(٨) الآية ٣٩

(٩) الآية ٢.

(١٠) الآية ١٤ سورة النحل. ويلاحظ أنه لم يذكر متشابه سورة النحل. وقد ذكرته وألحقته بكلامه

٣٢٤

قوله : (وَمِنَ النَّاسِ (١) مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) [فى هذه السورة ، وفى لقمان : (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) (٢)] لأنّ ما فى هذه السّورة وافق ما قبلها [من الآيات ، وهى : نذير ، (الْقُبُورِ) ، وكذلك فى لقمان وافق ما قبلها (٣)] وما بعدها وهى (الْحَمِيرِ) و (السَّعِيرِ) و (الْأُمُورِ).

قوله : (مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ) (٤) بزيادة (من) لقوله (مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) الآية وقد سبق (٥) فى النحل.

قوله : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) (٦) وفى غيرها (أَيْدِيكُمْ) لأنّ هذه الآية نزلت فى نضر (٧) بن الحارث وقيل [فى (٨)] أبى جهل [فوحده (٩) ، وفى غيرها] نزلت فى الجماعة الّذين تقدم ذكرهم.

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ (١٠) آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ (١١) وَالنَّصارى) (قدّم الصابئين لتقدم زمانهم. وقد سبق فى البقرة.

قوله : (يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) (١٢) سبق فى الرّعد.

قوله : (كُلَّما أَرادُوا (١٣) أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها) وفى السّجدة (مِنْها أُعِيدُوا فِيها)(١٤) لأنّ المراد بالغمّ [الكرب](١٥) والأخذ بالنّفس حتى

__________________

(١) الآية ٨.

(٢) ما بين القوسين زيادة من الكرمانى والآية فى لقمان ٢٠.

(٣) ما بين القوسين زيادة من الكرمانى والآية فى لقمان ٢٠.

(٤) الآية ٥.

(٥) عرفت انه لم يذكر متشابهات النحل فيما وصلنا من النسختين.

(٦) الآية ١٠.

(٧) ب : «النضر» والنضر بن الحارث من شياطين قريش كان يعرض لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مكة بالأذى والسخرية ، وكان جدلا يقول : الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين ولا بعث بعد الموت. وقد قتل ببدر.

(٨) ما بين القوسين زيادة من الكرمانى والآية فى لقمان ٢٠.

(٩) ما بين القوسين زيادة من الكرمانى والآية فى لقمان ٢٠.

(١٠) الآية ١٧.

(١١) سقط ما بين القوسين فى أ.

(١٢) الآية ١٨.

(١٣) الآية ٢٢.

(١٤) الآية ٢٠.

(١٥) ما بين القوسين زيادة من الكرمانى والآية فى لقمان ٢٠.

٣٢٥

لا يجد صاحبه متنفّسا ، وما قبله من الآيات يقتضى ذلك ، وهو (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) إلى قوله (مِنْ حَدِيدٍ) فمن كان فى ثياب من نار فوق رأسه جهنم يذوب من حرّه أحشاء بطنه ، حتى يذوب ظاهر جلده ، وعليه موكّلون يضربونه بمقامع من حديد ، كيف يجد سرورا ومتنفّسا من تلك الكرب التى عليه وليس فى السّجدة من هذا ذكر ، وإنما قبلها (فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها).

قوله : (وَذُوقُوا) ، (١) وفى السّجدة : (وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا)(٢) القول هاهنا مضمر. وخصّ بالإضمار لطول الكلام بوصف العذاب. وخصّت سورة السّجدة بالإظهار ، موافقة للقول قبله فى مواضع منها (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا) ، و (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ) و (حَقَّ الْقَوْلُ) وليس فى الحجّ منه شىء. قوله : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ (٣) آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) مكرّرة. وموجب التكرار قوله : (هذانِ خَصْمانِ) ؛ لأنّه لمّا ذكر أحد الخصمين وهو (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) لم يكن بدّ من ذكر الخصم الآخر فقال : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا).

قوله : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ (٤) لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ) وفى البقرة (وَالْعاكِفِينَ)(٥) وحقّه أن يذكر هناك لأنّ ذكر العاكف هاهنا سبق فى قوله (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) ومعنى (وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) المصلّون. وقيل :

__________________

(١) الآية ٢٢.

(٢) الآية ٢٠.

(٣) الآية ٢٣.

(٤) الآية ٢٦.

(٥) الآية ١٢٥.

٣٢٦

(الْقائِمِينَ) بمعنى المقيمين. وهم العاكفون [لكن] لمّا تقدّم ذكرهم عبّر عنهم بعبارة أخرى.

قوله : (فَكُلُوا (١) مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) كرّر (٢) ؛ لأنّ الأوّل متّصل بكلام إبراهيم وهو اعتراض ثم أعاده مع قوله (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ).

قوله : (فَكَأَيِّنْ (٣) مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) وبعده (وَكَأَيِّنْ (٤) مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها) خصّ الأوّل بذكر الإهلاك ؛ لاتّصاله بقوله : (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) أى أهلكتهم ، والثانى بالإملاء ؛ لأنّ قوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ (٥) بِالْعَذابِ) دلّ على أنّه لم يأتهم فى الوقت ، فحسن ذكر الإملاء.

قوله : (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ) (٦) هنا وفى لقمان (مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) (٧) لأنّ هنا وقع بين عشر آيات كلّ آية مؤكّدة مرّة أو مرّتين ، ولهذا أيضا زيد فى هذه السّورة اللّام فى قوله : (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) وفى لقمان : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) إذ لم يكن سورة لقمان بهذه الصّفة. وإن شئت قلت : لمّا تقدّم فى هذه السّورة ذكر الله سبحانه وتعالى وذكر الشيطان أكّدهما ؛ فإنّه خبر [وقع](٨) بين خبرين. ولم يتقدّم فى لقمان ذكر الشيطان ، فأكد ذكر الله ، وأهمل ذكر الشّيطان. وهذه دقيقة.

__________________

(١) الآية ٣٦.

(٢) كذا فى ب ، والكرمانى وفى أ : «المتكرر»

(٣) الآية ٤٥.

(٤) الآية ٤٨.

(٥) الآية ٤٧.

(٦) الآية ٦٢.

(٧) الآية ٣٠.

(٨) زيادة من الكرمانى.

٣٢٧

فضل السّورة

ذكر المفسّرون فيه أحاديث واهية. منها : من قرأ (١) من سورة الحجّ أعطى من الأجر كحجّة حجّها ، وعمرة اعتمرها ، بعدد من حجّ واعتمر ، من مضى منهم ومن بقى ، ويكتب له بعدد كلّ واحد منهم حجّة وعمرة وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب من حجّ عن أبويه.

__________________

(١) قال الشهاب فى كتابته على البيضاوى ٦ / ٣١٨ : «هو حديث موضوع كما ذكره العراقى رحمه‌الله ، وركاكة لفظه شاهدة لوضعه.

٣٢٨

٢٣ ـ بصيرة فى

قد أفلح المؤمنون ..

السّورة مكّية إجماعا (١). وعدد آياتها مائة وثمانية (٢) عشر عند الكوفيّين ، وتسعة (٣) عشر عند الباقين. وكلماتها ألف ومائتان وأربعون. وحروفها أربعة آلاف وثمانمائة وواحد. المختلف فيها (وَأَخاهُ هارُونَ)(٤).

مجموع فواصل آياتها (من). وسميت سورة المؤمنين لافتتاحها بفلاح المؤمنين.

مقصود السّورة ومعظم ما اشتملت عليه : الفتوى بفلاح المؤمنين ، والدّلالة على أخلاق أهل الإسلام ، وذكر العجائب فى تخليق الأولاد فى الأرحام ، والإشارة إلى الموت والبعث ، ومنّة الحق على الخلق بإنبات الأشجار ، وإظهار الأنهار ، وذكر المراكب ، والإشارة إلى هلاك قوم نوح ، ومذمّة الكفّار ، وأهل الإنكار ، وذكر عيسى ومريم ، وإيوائهما إلى ربوة ذات قرار ، وإمهال الكفّار فى المعاصى ، والمخالفات ، وبيان حال المؤمنين فى العبادات ، والطّاعات ، وبيان حجّة التّوحيد وبرهان النبوّات ، وذلّ الكفّار بعد الممات ، وعجزهم فى جهنّم حال العقوبات ، ومكافأتهم فى العقبى على حسب المعاملات ، فى الدّنيا فى جميع الحالات ، وتهديد أهل اللهو ،

__________________

(١) ب : «بالاجماع».

(٢) كذا فى أ ، ب.

(٣) كذا فى أ ، ب.

(٤) الآية ٤٥.

٣٢٩

واللّغو ، والغفلات ، وأمر الرّسول بدعاء الأمّة ، وسؤال المغفرة لهم والرّحمات ، فى قوله : (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).

النّاسخ والمنسوخ :

المنسوخ فيها آيتان (١) (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ) (٢) م آية (٣) السّيف ن (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٤) م آية السّيف (٥) ن.

المتشابهات :

قوله : (لَكُمْ (٦) فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (فَواكِهُ) بالجمع و (مِنْها) بالواو ، وفى الزّخرف (فاكِهَةٌ) (٧) على التوحيد (مِنْها تَأْكُلُونَ) بغير واو. راعى فى السّورتين لفظ الجنّة. وكانت فى هذه (جَنَّاتٍ) بالجمع فقال : (فَواكِهُ) بالجمع ، وفى الزخرف : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ) بلفظ التوحيد ، وإن كانت هذه جنّة الخلد لكن راعى اللّفظ فقال (فِيها فاكِهَةٌ) وقال فى هذه السّورة (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) بزيادة الواو ؛ لأنّ تقدير الآية : منها تدّخرون ، ومنها تأكلون ، ومنها تبيعون ، وليست كذلك فاكهة الجنّة ؛ فإنها للأكل فقط. فلذلك قال : (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ووافق هذه السورة ما بعدها أيضا ، وهو قوله : (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) فهذا للقرآن معجزة وبرهان.

قوله : (فَقالَ الْمَلَأُ (٨) الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) وبعده (وَقالَ (٩) الْمَلَأُ

__________________

(١) أ : «اثنان».

(٢) الآية ٥٤.

(٣) الآية ٥ سورة التوبة.

(٤) الآية ٩٦.

(٥) الآية ٥ سورة التوبة.

(٦) الآية ١٩.

(٧) الآية ٧٣.

(٨) الآية ٢٤.

(٩) الآية ٣٣.

٣٣٠

مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) فقدّم (مِنْ قَوْمِهِ) فى الآية الأخرى ، وأخّر فى الأولى ؛ لأنّ صلة (الَّذِينَ) فى الأولى اقتصرت على الفعل وضمير الفاعل ، ثمّ ذكر بعده الجارّ والمجرور (١) ثم ذكر المفعول وهو المقول ، وليس كذلك فى الأخرى ، فإن صلة الموصول طالت بذكر الفاعل والمفعول والعطف عليه مرّة بعد أخرى ، فقدّم الجارّ والمجرور ؛ لأنّ تأخيره يلتبس ، وتوسيطه ركيك ، فخصّ بالتقدّم.

قوله : (وَلَوْ (٢) شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) (وفى حم (٣) السجدة : (لو شاء ربك (٤) لأنزل ملائكة) لأنّ فى هذه السّورة تقدّم ذكر الله ، وليس فيه ذكر الرّب ، وفى السّجدة تقدّم ذكر (رَبِّ الْعالَمِينَ) سابقا على ذكر لفظ الله ، فصرّح فى هذه السورة بذكر الله ، وهناك بذكر الرّب ؛ لإضافته إلى العالمين وهم من جملتهم ، فقالوا إمّا اعتقادا وإمّا استهزاء : لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ، فأضافوا الربّ إليهم.

قوله : (وَاعْمَلُوا (٥) صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ، وفى سبأ (إِنِّي (٦) بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) كلاهما من وصف الله سبحانه. وخصّ كلّ سورة بما وافق فواصل الآى.

قوله : (فَبُعْداً (٧) لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) بالألف واللّام ، وبعده : (لِقَوْمٍ (٨)

__________________

(١) فى أ ، ب بعده : «ثم الفاعل» وهو خطأ من الناسخ ، وقد سقطت فى الكرمانى فأسقطتها اذ كان أصل هذا الكتاب فى المتشابهات هو برهان الكرمانى.

(٢) الآية ٢٤.

(٣) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٤) الآية ١٤.

(٥) الآية ٥١.

(٦) الآية ١١.

(٧) الآية ٤١.

(٨) الآية ٤٤.

٣٣١

لا يُؤْمِنُونَ) ؛ لأنّ الأوّل لقوم صالح ، فعرّفهم بدليل قوله : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) ، والثانى نكرة ، وقبله (قُرُوناً آخَرِينَ) وكانوا منكّرين ، ولم يكن معهم قرينة عرفوا بها ، فخصّوا بالنّكرة.

قوله : (لَقَدْ وُعِدْنا (١) نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ) ، وفى النمل (لَقَدْ (٢) وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ) لأنّ ما فى [هذه (٣)] السّورة على القياس ؛ فإنّ الضّمير المرفوع المتّصل لا يجوز العطف عليه ، حتى يؤكّد بالضمير المنفصل ، فأكّد (وُعِدْنا نَحْنُ) ثم عطف عليه (آباؤُنا) ، ثم ذكر المفعول ، وهو (هذا) وقدّم فى النمل المفعول موافقة لقوله (تُراباً) لأنّ القياس فيه أيضا : كنّا نحن وآباؤنا ترابا (فقدّم (٤) (تُراباً) ليسدّ مسدّ نحن وكانا متوافقين (٥).

قوله : (سَيَقُولُونَ (٦) لِلَّهِ) ، وبعده : (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) وبعده : (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ)الأوّل جواب لقوله (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها) جواب مطابق لفظا ومعنى لأنّه قال فى السّؤال : (قُلْ لِمَنِ) فقال فى الجواب : (لِلَّهِ) وأمّا الثانى والثالث فالمطابقة فيهما فى المعنى ؛ لأنّ القائل إذا قال لك : من مالك هذا الغلام؟ فلك أن تقول : زيد ، فيكون مطابقا لفظا ومعنى. ولك أن تقول لزيد ، فيكون مطابقا للمعنى. ولهذا قرأ أبو عمرو الثّانى والثّالث : الله) (الله) ؛ مراعاة للمطابقة.

__________________

(١) الآية ٨٣.

(٢) الآية ٦٨.

(٣) زيادة من الكرمانى.

(٤) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٥) فى الأصلين «موافقين»

(٦) الآية ٨٥.

٣٣٢

قوله (أَلَمْ (١) تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) وقبله : (قَدْ (٢) كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) ليس بتكرار ؛ لأنّ الأوّل فى الدنيا عند نزول العذاب وهو الجدب عند بعضهم ، ويوم بدر عند البعض ، والثانى فى القيامة ، وهم فى الجحيم ؛ بدليل قوله : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها).

فضل السّورة

يذكر فيه من الأحاديث (٣) الواهية حديث (٤) أبى : من قرأ سورة المؤمنين بشّرته الملائكة بالرّوح ، والريحان ، وما تقرّ به عينه عند نزول ملك الموت ، ويروى : إنّ أوّل هذه السّورة وآخرها من كنوز العرش من عمل بثمان (٥) آيات من أوّلها ، واتّعظ بأربع آيات من آخرها ؛ فقد نجا ، وأفلح ؛ وحديث علىّ : يا علىّ من قرأها تقبل الله منه صلاته ، وصيامه ، وجعله فى الجنّة رفيق إسماعيل ، وله بكل آية قرأها مثل ثواب إسماعيل.

__________________

(١) الآية ١٠٥.

(٢) الآية ٦٦.

(٣) ب : «الآثار».

(٤) حديث أبى استوعب فضائل السور سورة سورة ، وهو متفق على وضعه ، والمفسرون أكثرهم يتجنبه ، ولكن المؤلف يلتزمه.

(٥) فى البيضاوى : «بثلاث». وفى الشهاب ٦ / ٣٥١ : «قال العراقى وابن حجر : انه لم يوجد فى كتب الحديث.

٣٣٣

٢٤ ـ بصيرة فى سورة أنزلناها ..

السّورة مدنيّة بالاتّفاق. عدد آياتها أربع وستّون فى العراقىّ والشامىّ ، واثنتان فى الحجازى. كلماتها ألف وثلاثمائة (١) وستة عشر. وحروفها خمسة آلاف وستمائة وثمانون. المختلف فيها آيتان : (بِالْغُدُوِّ (٢) وَالْآصالِ) و (يَذْهَبُ (٣) بِالْأَبْصارِ).

مجموع فواصل آياتها (لم نربّ) على اللّام آية واحدة (بِالْغُدُوِّ (٤) وَالْآصالِ) وعلى الباء آيتان (بِغَيْرِ حِسابٍ)(٥) و (سَرِيعُ الْحِسابِ)(٦) سميت سورة النّور ، لكثرة ذكر النور فيها (اللهُ نُورُ .. مَثَلُ نُورِهِ (٧) .. نُورٌ عَلى نُورٍ (٨) يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ .. وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ (٩) لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) مقصود السّورة ومعظم ما اشتملت عليه : بيان فرائض مختلفة ، وآداب حدّ الزّانى والزّانية ، والنّهى عن قذف المحصنات ، وحكم القذف ، واللّعان ، وقصّة إفك الصّدّيقة ، وشكاية المنافقين ، وخوضهم فيه ، وحكاية حال المخلصين فى حفظ اللّسان ، وبيان عظمة عقوبة البهتان ، وذمّ إشاعة

__________________

(١) ب : «ستمائة».

(٢) الآية ٣٦.

(٣) الآية ٤٣.

(٤) الآية ٣٦.

(٥) الآيتان ٣٨ ، ٣٩.

(٦) الآية ٣٥.

(٧) من الآية ٣٥.

(٨) من الآية ٣٥.

(٩) من الآية ٤٠.

٣٣٤

الفاحشة ، والنهى عن متابعة الشيطان ، والمنّة بتزكية الأحوال على أهل الإيمان ، والشفاعة لمسطح (١) إلى الصّديق ، فى ابتداء الفضل والإحسان ، ومدح عائشة بأنّها حصان رزان ، وبيان أن الطيّبات للطيّبين ، ولعن الخائضين فى حديث الإفك ، والنّهى عن دخول البيوت بغير إذن وإيذان ، والأمر بحفظ الفروج ، وغضّ الأبصار ، والأمر بالتّوبة لجميع أهل الإيمان ، وبيان النكاح وشرائطه ، وكراهة الإكراه على الزّنا ، وتشبيه المعرفة بالسّراج والقنديل ، وشجرة الزيتون ، وتمثيل أعمال الكفار ، وأحوالهم ، وذكر الطّيور ، وتسبيحهم (٢) ، وأورادهم ، وإظهار عجائب صنع الله فى إرسال المطر ، وتفصيل أصناف الحيوان ، وانقياد (٣) أمر الله تعالى بالتواضع والإذعان ، وخلافة (٤) الصّديق ، وصلابة الإخوان ، وبيان استئذان الصّبيان ، والعبدان ، ورفع الحرج عن العميان ، والزّمنى ، والعرجان ، والأمر بحرمة سيّد الإنس والجانّ ، وتهديد المنافقين ، وتحذيرهم من العصيان ، وختم السّورة بأن لله الملك والملكوت بقوله (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلى قوله (عَلِيمٌ).

__________________

(١) هو مسطح بن اثاثة كانت له قرابة بابى بكر رضى الله عنه ، وكان ينفق عليه. فخاض فى الافك فمنع أبو بكر النفقة عليه ، فأنزل الله فيه الآية : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى ..) فعاد رضى الله عنه الى الانفاق عليه.

(٢) عاملهم معاملة العقلاء فقال : تسبيحهم لا تسبيحهن أو تسبيحها.

(٣) كذا فى أ ، ب. والمناسب : الانقياد لأمر الله ..

(٤) أخذا من قوله تعالى فى الآية ٥٥ : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ..) ففيها أنه سبحانه سيستخلف من آمن وعمل صالحا ، وقد وقعت الخلافة لأبى بكر فهو ممن آمن وعمل صالحا ، فخلافته مرضية ، وقد بدله الله فى خلافته من بعد خوفه أمنا بانتصاره فى حروب الردة وبما فتح الله عليه من البلاد واستتباب أمر الدين ، وكما تشهد الآية لأبى بكر تشهد لسائر الخلفاء الراشدين.

٣٣٥

الناسخ والمنسوخ :

فيها من المنسوخ ستّ آيات (وَلا تَقْبَلُوا (١) لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) م (إِلَّا (٢) الَّذِينَ تابُوا) ن (وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها)(٣) م (وَأَنْكِحُوا (٤) الْأَيامى) ن. وقيل : محكمة (٥)(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ(٦)) م (وَالْخامِسَةُ (٧) أَنَّ) ن (وَقُلْ (٨) لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ) العموم فيه م (وَالْقَواعِدُ (٩) مِنَ النِّساءِ) ن الخصوص (عَلَيْهِ ما حُمِّلَ) (١٠) م آية (١١) السّيف ن (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ) (١٢) م (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ) (١٣) ن.

المتشابهات :

قوله تعالى: (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٤))

__________________

(١) الآية ٤.

(٢) الآية ٥ وينبغى أن يعلم القارئ أن المؤلف يجرى على ان الاستثناء نسخ لا بيان للمراد من العام.

(٣) الآية ٣.

(٤) الآية ٣٢.

(٥) بناء على أن الآية نزلت فى قوم أرادوا نكاح البغايا لينالوا من اكسابهن بالبغاء.

(٦) الآية ٦.

(٧) الآية ٧ والنسخ بين الآيتين غير ظاهر فالثانية تكملة للأولى. وكأن فكرة النسخ أن الذى رمى زوجته عليه الحد بمقتضى الآيات السابقة ، وهذه الآية نسخت وجوب الحد عليه بالشهادة المرسومة ، وختامها الخامسة ، فكان النسخ منسوبا إليها. وقد تبع المؤلف فى هذا ابن حزم ، وهو يتبعه فى كل أبواب النسخ.

(٨) الآية ٣١.

(٩) الآية ٦٠ وقوله : «ن الخصوص» كأنه يريد أن خصوصها نسخ عموم الآية السابقة والمراد أن الآية السابقة نهى فيها النساء الا يبدين زينتهن وأمرن أن يسترن مواضع الزينة ، وأبيح فى هذه الآية للقواعد أن يخلعن ثيابهن الظاهرة فتبدو بعض مواضع الزينة فمن هنا كان النسخ. وعبارة ابن حزم فى الكلام عن الآية السابقة : «نسخ بعضها بقوله : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ).

(١٠) الآية ٥٤.

(١١) الآية ٥ سورة التوبة.

(١٢) الآية ٥٨.

(١٣) الآية ٥٩. وقد تبع فى هذا ابن حزم. والظاهر أنه لا نسخ لأن الآية الثانية تكملة للأولى فان الأولى فيها حكم من لم يبلغ الحلم. وذكر فى هذه الآية الحكم اذا بلغ الحلم.

(١٤) الآية ١٠.

٣٣٦

محذوف الجواب ، تقديره : لفضحكم. وهو متصل ببيان حكم الزانيين ، وحكم القاذف وحكم اللّعان. وجواب لو لا محذوفا أحسن منه ملفوظا به. وهو المكان الذى يكون الإنسان فيه أفصح ما يكون (إذا سكت (١)).

وقوله بعده : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٢) فحذف الجواب أيضا. وتقديره : لعجّل لكم العذاب. وهو متصل بقصّتها رضى الله عنها ، وعن أبيها. وقيل دلّ عليه قوله (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٣) وقيل : دلّ عليه قوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً)(٤) وفى خلال هذه الآيات (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ (٥) لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ (٦) وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ) (٧) وليس هو الدّال على امتناع الشىء لوجود غيره ، بل هو للتحضيض ؛ قال الشاعر (٨) :

تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم

بنى ضوطرى لو لا الكمىّ المقنّعا

وهو فى البيت للتحضيض. والتحضيض يختصّ بالفعل ، والفعل فى البيت مقدّر ، تقديره : هلّا تعدّون الكمىّ ، أو هلّا تعقرون الكمىّ.

قوله : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ) ، (٩) وبعده : (لَقَدْ أَنْزَلْنا (١٠) آياتٍ) ؛

__________________

(١) أ ، ب : «أرسلت» وما أثبت عن الكرمانى.

(٢) الآية ٢٠.

(٣) الآية ١٤.

(٤) الآية ٢١.

(٥) الآية ١٢.

(٦) الآية ١٣.

(٧) الآية ١٦.

(٨) هو جرير فى هجو الفرزدق. وكان الفرزدق يفتخر بنحر أبيه غالب نوقا واطعامه الناس فى مفاخرة جرت بينه وبين سحيم الرياحى. فرد عليه جرير الفخر بهذا ، وقال انما الفخر بالمقاتلة والشجعان وبنو ضوطرى سب لمن لا غناء عنده. انظر اللسان فى (ضطر).

(٩) الآية ٣٤.

(١٠) الآية ٤٦.

٣٣٧

لأن اتصال الأوّل بما قبله أشدّ : فإنّ قوله : (وَمَوْعِظَةً) محمول ومصروف إلى قوله : (وَلْيَسْتَعْفِفِ(١)) ، وإلى قوله : (فَكاتِبُوهُم ْ(٢)) ، (وَلا تُكْرِهُوا (٣)) فاقتضى الواو ؛ ليعلم أنّه عطف على الأوّل ، واقتضى بيانه بقوله : (إِلَيْكُمْ) ليعلم أنّ المخاطبين بالآيات الثانية هم المخاطبون بالآية الأولى. وأما الثّانية فاستئناف كلام ، فخصّ بالحذف.

قوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) (٤) إنّما زاد (مِنْكُمْ) ؛ لأنّهم المهاجرون. وقيل : عامّ ، و (من) للتبيين.

قوله : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ) (٥) ختم [الآية](٦) بقوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) وقبلها وبعدها (لَكُمُ الْآياتِ) ؛ لأنّ الذى قبلها والذى بعدها يشتمل على علامات يمكن الوقوف عليها. وهى فى الأولى (ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) وفى الأخرى (مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ) الآية فعدّ فيها آيات كلّها معلومة ، فختم الآيتين بقوله (لَكُمُ الْآياتِ). ومثله (٧) (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) (٨) يعنى حدّ الزّانين وحدّ القاذفين (٩) ، فختم بالآيات. وأمّا بلوغ الأطفال فلم يذكر له علامات يمكن الوقوف عليها ، بل تفرّد سبحانه بعلم ذلك ، فخصّها بالإضافة إلى نفسه. وختم كلّ آية بما اقتضاها أوّلها (١٠).

__________________

(١) الآية ٢٣.

(٢) الآية ٢٣.

(٣) الآية ٢٣.

(٤) الآية ٥٥.

(٥) الآية ٥٩.

(٦) زيادة من الكرمانى.

(٧) أى مثل المذكور. وفى الكرماني «مثلهما».

(٨) الآيتان ١٧ ، ١٨.

(٩) كذا فى أ ، ب. وفى الكرمانى : «القاذف»

(١٠) كذا فى أ ، ب أى بالعبارة التى اقتضاها أولها. وفى الكرمانى : «اقتضى» وهى ظاهرة.

٣٣٨

فضل السّورة

فيه حديث أبىّ المستضعف (١) (من قرأ سورة النور أعطى من الأجر عشر حسنات ، بعدد كلّ مؤمن فيما مضى ، وفيما بقى) وحديث : (لا تنزلوا (٢) النساء الغرف ولا تعلّموهنّ الكتابة ، وعلّموهن الغزل وسورة النور) وحديث علىّ : (يا علىّ من قرأ سورة النّور نوّر الله قلبه ، وقبره ، وبيّض وجهه ، وأعطاه كتابه بيمينه وله بكلّ آية قرأها مثل ثواب من مات مبطونا).

__________________

(١) بل هو موضوع منكر وكان أحرى به ألا يذكره كما أعرض عنه أكثر المفسرين.

(٢) أورده الخطيب الشربينى فى تفسيره فى آخر سورة النور. وقال : «أورده أبو عبد الله فى البيع فى صحيحه» وأبو عبد الله هو البخارى.

٣٣٩

٢٥ ـ بصيرة فى

تبارك الذى نزل الفرقان ...

السّورة مكّيّة بالاتّفاق. وعدد آياتها سبع وسبعون. وكلماتها ثمانمائة واثنتان وسبعون. وحروفها ثلاثة آلاف وسبعمائة وثلاث وثلاثون. مجموع فواصل آياتها (لا) على اللّام منها آية واحدة : (ضَلُّوا (١) السَّبِيلَ) سمّيت سورة الفرقان لأنّ فى فاتحتها ذكر الفرقان فى قوله (نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) مقصود السّورة ومعظم ما اشتملت عليه : المنّة بإنزال القرآن ، ومنشور رسالة سيّد ولد عدنان ، وتنزيه الحقّ تعالى من الولد ، والشّريك ، وذمّ الأوثان ، والشكاية من المشركين بطعنهم فى المرسلين ، بأكل الطّعام فى أخسّ (٢) مكان ، واستدعائهم محالات المعجزات من الأنبياء كلّ أوان ، وذلّ المشركين فى العذاب والهوان ، وعزّ المؤمنين فى ثوابهم بفراديس الجنان ، وخطاب الحق مع الملائكة فى القيامة تهديدا لأهل الكفر والطّغيان ، وبشارة الملائكة للمجرمين بالعقوبة فى النّيران ، وبطلان أعمال الكفّار يوم ينصب الميزان ، والإخبار بمقرّ المؤمنين فى درجات الجنان ، وانشقاق السّماوات بحكم الهول وسياسة العبدان ، والإخبار عن ندامة الظّالمين يوم الهيبة ونطق الأركان ، وذكر الترتيب والترتيل فى نزول القرآن ، وحكاية حال القرون الماضية ، وتمثيل الكفّار بالأنعام ، أخسّ (٣) الحيوان ، وتفضيل الأنعام

__________________

(١) الآية ١٧.

(٢) أ ، ب : «أحسن» تصحيف.

٣٤٠