بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي

بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - ج ١

المؤلف:

مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي


المحقق: محمد علي النجار
الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٨

من الكفار ، أى (١) ذكّروا فأعرضوا عقيب ما ذكّروا ، ونسوا ذنوبهم ، و [هم] بعد متوقّع منهم أن يؤمنوا. وما فى السّجدة فى الأموات من الكفار ؛ بدليل قوله : (وَلَوْ تَرى (٢) إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أى ذكّروا مرّة بعد أخرى ، وزمانا بعد زمان [بآيات ربّهم] ثم أعرضوا عنها بالموت ، فلم يؤمنوا ، وانقطع رجاء إيمانهم.

قوله : (نَسِيا (٣) حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ) والآية الثالثة (٤) (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ(٥))لأنّ الفاء للتعقيب والعطف ، فكان اتخاذ الحوت السّبيل عقيب النّسيان ، فذكر بالفاء [و (٦)] فى الآية الأخرى لمّا حيل بينهما بقوله : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) زال معنى التعقيب وبقى العطف المجرّد ، وحرفه الواو.

قوله : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) (٧) وبعده (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً)(٨) لأنّ الإمر : العجب ، والعجب يستعمل فى الخير والشرّ ، بخلاف النّكر ؛ لأنّ النّكر ما ينكره العقل ، فهو شرّ ، وخرق السفينة لم يكن معه غرق ، فكان أسهل من قتل الغلام وإهلاكه ، فصار لكلّ واحد معنى يخصّه.

قوله :(أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ) (٩) وبعده (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ) (١٠) لأنّ الإنكار فى الثانية أكثر. وقيل : أكّد التقرير الثّانى بقوله(لَكَ) كما تقول لمن توبّخه :

__________________

(١) أى لأن ذكروا ... وفى الكرمانى «اذ» وهى ظاهرة.

(٢) الآية ١٢.

(٣) الآية ٦١.

(٤) أى التى بعد الآية المذكورة بآية ، وليس معنى هذا أن الثانية فيها (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ).

(٥) الآية ٦٣.

(٦) زيادة من الكرمانى.

(٧) الآية ٧١.

(٨) الآية ٧٤.

(٩) الآية ٧٢.

(١٠) الآية ٧٥.

٣٠١

لك أقول ، وإيّاك أعنى. وقيل : بيّن فى الثّانى المقول له ، لمّا لم يبيّن فى الأوّل.

قوله فى الأوّل : (فَأَرَدْتُ (١)) ، وفى الثّانى : (فَأَرَدْنا)(٢) وفى الثالث : (فَأَرادَ رَبُّكَ) ؛ (٣) لأنّ الأوّل فى الظاهر إفساد (٤) ، فأسنده إلى نفسه ، والثّالث إنعام محض ، فأسنده إلى الله عزوجل. وقيل : لأنّ (٥) القتل كان منه ، وإزهاق الرّوح كان من الله عزوجل.

قوله : (ما لَمْ تَسْتَطِعْ) (٦) جاء فى الأوّل على الأصل ، وفى الثانى (تَسْطِعْ) (٧) على التخفيف ؛ لأنّه الفرع.

قوله : (فَمَا اسْطاعُوا (٨) أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) اختار التخفيف فى الأوّل ؛ لأنّ مفعوله حرف وفعل وفاعل ومفعول ، فاختير فيه الحذف. والثّانى مفعوله اسم واحد ، وهو قوله (نَقْباً) وقرأ حمزة بالتّشديد (٩) ، وأدغم التّاء فى الطّاء. وقرئ فى الشّواذّ : فما أسطاعوا (١٠) بفتح الهمزة. ووزنه

__________________

(١) الآية ٧٩.

(٢) الآية ٨١.

(٣) الآية ٨٢.

(٤) أ ، ب : «لفساد» وما أثبت عن الكرمانى.

(٥) هذا توجيه لما فى الثانى (فأردنا) وحاصله أن ضمير الجمع (نا) يقصد به الله عزوجل ، وصاحب موسى عليهما‌السلام ، اذ اشتركا فيما حدث بالغلام ، فكان منه العمل الظاهر وهو القتل ، وكان من الله سبحانه ازهاق الروح. وهذا الوجه اعترض بأن فيه أشراك غير الله معه سبحانه فى الضمير وقد نهى عنه ، كما فى حديث (ومن يعصهما فقد غوى) وانكار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على القائل. وقد أطال الكلام فى هذا الشهاب فى كتابته على البيضاوى. ٦ / ١٣٠.

(٦) الآية ٧٨.

(٧) الآية ٨٢.

(٨) الآية ٩٧.

(٩) أى قوله : «فما استطاعوا».

(١٠) أ ، ب «استطاعوا» ولا يعرف قطع الهمزة الا مع حذف التاء ، وأصلها أطاع ، فزيدت السين عوضا عن حركة العين ، كما هو مقرر فى الصرف.

٣٠٢

أسفعلوا (١) ومثله أهراق ووزنه أهفعل ، ومثلها استخذ فلان أرضا ، أى أخذ ، ووزنه اسفعل (٢) وقيل : استعل ، من وجهين (٣). وقيل : السّين بدل من التّاء ، ووزنه افتعل.

فضل السّورة

لم يذكر فيها سوى أحاديث واهية ، وحديث صحيح. أما الحديث الصّحيح فقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (من (٤) حفظ عشر آيات من أوّل الكهف عصم من الدجّال) وفى لفظ : من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا لم يضره فتنة الدجال ، ومن قرأها كلّها دخل الجنّة. والأحاديث الواهية ، منها : ألا أدلّكم (٥) على سورة شيعها سبعون ألف ملك حتى نزلت ، ملأ عظمها بين السّماء والأرض. قالوا : بلى يا رسول الله قال : هى سورة أصحاب الكهف. من قرأها يوم الجمعة غفر له إلى الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيّام ، ولياليها مثل ذلك ، وأعطى نورا يبلغ السّماء ، ووقى فتنة الدّجّال. وعن جعفر : من قرأ هذه السّورة فى كلّ ليلة جمعة لم يمت إلّا شهيدا وبعث مع الشهداء ، ووقف يوم القيامة معهم ، ولا يصيبه آفة

__________________

(١) أ ، ب : «استفعلوا» وهذا لا يجرى مع ما صوبته. ولا شك أن مثل هذا خطأ من النساخ.

(٢) أ ، ب : استفعل ، وهذا لا يكون لوجوب مطابقة الميزان والموزون فى عدد الحروف.

(٣) اذ أصله استتخذ فحذفت احدى التاءين ، فان قدرت حذف الثانية وهى تاء الافتعال الزائدة فوزنه اسفعل ، وان قدرت حذف التاء الأولى وهى فاء الكلمة فوزنه استعل. واللغويون يختلفون فى أن الاصل الاخذ أو التخذ.

(٤) روى هذا الحديث مسلم والنسائى وأبو داود كما فى الترغيب والترهيب فى كتاب قراءات القرآن.

(٥) ورد الحديث ببعض اختلاف فى كنز العمال ١ / ١٤٣.

٣٠٣

الدّجّال. وروى أنّ من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أشركه الله فى ثواب أصحاب الكهف ؛ لأنهم وجدوا الولاية يوم الجمعة ، وأحياهم يوم الجمعة ، واستجاب دعاءهم يوم الجمعة ، والسّاعة تقوم يوم الجمعة. وقال : يا علىّ من قرأ سورة الكهف فكأنّما عبد الله عشرة آلاف سنة ، وكأنّما تصدّق بكلّ آية قرأها بألف دينار (١).

__________________

(١) أ ، ب : «ألف» والفعل تصدق غير متعد.

٣٠٤

١٩ ـ بصيرة فى كهيعص ..

السّورة مكّيّة إجماعا. وعدد آياتها تسع (١) وتسعون. وكلماتها ألف ومائة واثنتان وتسعون. وحروفها ثلاثة آلاف وثمانمائة واثنان.

والآيات المختلف فيها ستّة (٢) : (ع ص) (فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ (٣) الرَّحْمنُ مَدًّا (٤)).

مجموع فواصل آياتها (مدن) الآية الأولى على الدّال (صاد). وما قبل ألف كلّ آية آخرها على الألف حروف زيد.

ولهذه السّورة اسمان : سورة كهيعص ؛ لافتتاحها بها ، وسورة مريم ، لاشتمالها على قصّتها مفصّلة.

مقصود السّورة ومعظم المراد منها على سبيل الإجمال : وعد الله العباد بالكفاية والهداية ، وإجابة دعاء زكريّا ، والمنّة عليه بولد (٥) : يحيى ، وإعطائه علم الكتاب ، وذكر عجائب ولادة عيسى وأمّه والخبر عن أحوال

__________________

(١) هذا العدد عند المكى والمدنى ، كما فى شرح ناظمة الزهر أما عند الكوفيين والشاميين والمدنى والأخير فثمان وتسعون ، وكذلك هو فى مصحفنا على قراءة حفص الكوفى.

(٢) كذا ، والأولى : ست هذا ولم يذكر هنا ستا. والذى فى ناظمة الزهر أن الاختلاف وقع فى موضعين فقط : ابراهيم ومدا. ولا يعقل الاختلاف فى ع ص كما يذكر ، فالحروف كلها فى رسم واحد ، وهى آية واحدة.

(٣) الآية ٤١.

(٤) الآية ٧٥.

(٥) كذا فى أ ، ب. والأولى «بولده».

٣٠٥

القيامة ، ونصيحة إبراهيم لآزر (ومناظرة آزر له) (١) والإشارة إلى قربة موسى ، وذكر صدق وعد إسماعيل ، وبيان رفعة درجة إدريس ، والشكوى من الولد الخلف (٢) ، وحكاية أهل الجنّة ، وذلّ الكفّار فى القيامة ، ومرور الخلق على عقبة الصّراط ، وابتلاء بعضهم بالعذاب ، والرّد على الكفّار فى افتخارهم بالمال ، وذلّ الأصنام ، وعبّادها فى القيامة ، وبيان حال أهل الجنّة والنّار ، وصعوبة قول الكفّار فى جرأتهم على إثبات الولد والشّريك للواحد القهّار ، والمنّة على الرّسول بتيسير القرآن على لسانه ، وتهديد الكفّار بعقوبة القرون الماضية ، فى قوله : (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً).

النّاسخ والمنسوخ :

أربع آيات منها منسوخة : م (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) (٣) ن آية (٤) السيف م (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ) (٥) ن آية (٦) السّيف ، م (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ)(٧) ن آية السيف (٨) ، م (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) (٩) ، والاستثناء فى قوله : (إِلَّا مَنْ تابَ) ن.

المتشابهات :

قوله : (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) (١٠) وبعده (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) (١١)

__________________

(١) سقط ما بين القوسين فى أ. وهو يريد بآزر أباه. وكان الأولى أن يترك تعيينه ، فقد قيل أن آزر عمه ، وقيل هو اسم صنم وانما اسم أبيه تارح.

(٢) هو الردىء والطالح. وهو اشارة الى قوله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ).

(٣) الآية ٧٥.

(٤) الآية ٥ سورة التوبة

(٥) الآية ٨٤.

(٦) الآية ٥ سورة التوبة

(٧) الآية ٣٩.

(٨) الآية ٥ سورة التوبة

(٩) الآية ٥٩.

(١٠) الآية ١٤.

(١١) الآية ٣٢.

٣٠٦

لأنّ الأوّل فى حقّ يحيى. وجاء فى الحديث (١) : ما من أحد من بنى آدم إلّا أذنب أو همّ بذنب إلّا يحيى بن زكريّا عليهما‌السلام ، فنفى عنه العصيان ؛ والثّانى فى حقّ عيسى عليه‌السلام فنفى عنه الشقاوة ، وأثبت له السّعادة ، والأنبياء عندنا (٢) معصومون عن الكبائر دون الصّغائر.

قوله : (وَسَلامٌ (٣) عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ) فى قصّة يحيى (وَالسَّلامُ عَلَيَّ) (٤) فى قصة عيسى ، فنكّر فى الأول ، وعرّف فى الثانى ؛ لأنّ الأوّل من الله تعالى ، والقليل منه كثير كقول القائل :

قليل منك يكفينى ولكن

قليلك لا يقال له قليل (٥)

ولهذا قرأ الحسن (اهدنا صراطا مستقيما) أى نحن راضون منك بالقليل ، ومثل هذا فى الشعر كثير ، قال (٦) :

وانّى لأرضى منك يا هند بالذى

لو ابصره الواشى لقرّت بلابله

بلا ، وبأن لا أستطيع ، وبالمنى ،

وبالوعد حتى يسأم الوعد آمله

والثانى من عيسى ، والألف واللام لاستغراق الجنس ، ولو أدخل عليه السّبعة (٧) والعشرين والفروع المستحسنة والمستقبحة ، لم يبلغ عشر معشار سلام الله. ويجوز أن يكون ذلك بوحى (٨) من الله عزوجل ، فيقرب من سلام يحيى. وقيل : إنما أدخل الألف واللام لأنّ النكرة إذا تكرّرت

__________________

(١) جاء فى تفسير القرطبى ٤ / ٧٨ حديث بمعناه. وهو : «كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه ان شاء أو يرحمه الا يحيى بن زكريا فانه كان سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين».

(٢) سقط فى ب.

(٣) الآية ١٥.

(٤) الآية ٣٣.

(٥) ورد البيت فى المغنى فى حرف الباء المفردة.

(٦) هو جميل. وانظر نهاية الأرب ٢ / ٢٧٤ وفيه : «بثن» بدل «هند».

(٧) أى بقية حروف الهجاء بعد الهمزة واللام اللذين فى السّلام.

(٨) أ ، ب : «وحى»

٣٠٧

تعرّفت. وقيل : نكرة الجنس ومعرفته سواء : تقول : لا أشرب ماء ، ولا أشرب الماء ، فهما سواء.

قوله : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) (١) وفى حم (لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) ؛ (٢) لأنّ الكفر أبلغ من الظّلم ، وقصّة عيسى فى هذه السّورة مشروحة ، وفيها ذكر نسبتهم إيّاه إلى الله تعالى ، حين قال : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ (٣)) ، فذكر بلفظ الكفر ، وقصّة فى الزّخرف مجملة ، فوصفهم بلفظ دونه وهو الظّلم.

قوله : (وَعَمِلَ صالِحاً)(٤) وفى الفرقان : (وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً)(٥) لأنّ ما فى هذه السّورة أوجز فى ذكر المعاصى ، فأوجز فى التّوبة ، وأطال (هناك (٦) فأطال) والله أعلم.

فضل السورة

فيه أحاديث ضعيفة ، منها : (٧) من قرأ سورة مريم أعطى من الأجر عشر حسنات ، بعدد من صدّق بزكريّا ، ويحيى ، ومريم ، وموسى ، وعيسى وهارون ، وإبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، وإسماعيل ، عشر (٨) حسنات ، وبعدد من دعا لله ولدا ، وبعدد من لم يدع له ولدا ، ويعطى بعددهم حسنات ودرجات ، كلّ درجة منها كما بين السّماء والأرض ألف ألف مرّة

__________________

(١) الآية ٣٧.

(٢) أى سورة الزخرف. والآية فيها ٦٥.

(٣) الآية ٣٥.

(٤) الآية ٦٠.

(٥) الآية ٧٠.

(٦) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٧) قال الشهاب فى كتابته على البيضاوى : «هو موضوع».

(٨) هذا تكرار مع السابق.

٣٠٨

ويزوّج (١) بعددها فى الفردوس ، وحشر يوم القيامة مع المتّقين فى أوّل زمرة السّابقين. وعن جعفر أنّ من قرأ هذه السّورة لا يموت ولا يخرج من الدّنيا حتى [لا (٢)] يصيب الفتنة فى نفسه ، وماله ، وولده ، وكان فى الآخرة من أصحاب عيسى بن مريم ، وأعطى من الأجر كملك سليمان بن داود. وقال : يا علىّ من قرأ كاف ها يا ع ص أعطاه الله من الثواب مثل ثواب أيّوب ومريم ، وله بكلّ آية قرأها ثواب شهيد من شهداء بدر.

__________________

(١) «تزوج».

(٢) زيادة لتصحيح الكلام.

٣٠٩

٢٠ ـ بصيرة فى طه ..

السّورة مكّيّة إجماعا. وعدد آياتها مائة وأربعون عند الشاميّين ، وخمس وثلاثون ، عند الكوفيّين ، وأربع عند الحجازيّين ، وثنتان عند البصريّين. وكلماتها ألف وثلاثمائة وإحدى (١) وأربعون. وحروفها خمسة آلاف ومائتان واثنان وأربعون حرفا.

والآيات المختلف فيها إحدى وعشرون آية : طه (٢) (ما غَشِيَهُمْ (٣) رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٤)) درثه (٥) موضع (نُسَبِّحَكَ (٦) كَثِيراً) (وَنَذْكُرَكَ (٧) كَثِيراً مَحَبَّةً (٨) مِنِّي) فتونا (٩) ، لنفسى (١٠) (وَلا تَحْزَنَ (١١) أَهْلِ مَدْيَنَ (١٢) مَعَنا (١٣) بَنِي إِسْرائِيلَ) ولقد (أَوْحَيْنا (١٤) إِلى مُوسى) أسفا (١٥) (إِلهُ مُوسى (١٦) وَعْداً (١٧)

__________________

(١) أ ، ب : «أحد».

(٢) كذا فى أوسقط فى ب ومقتضى ذكرها أن بعض القراء لا يعدها آية. ولم أقف على ذلك.

(٣) الآية ٧٨.

(٤) الآية ٩٢.

(٥) هذه الكلمة غير واضحة ، وهى فى ب أشد غموضا ويظهر أنها فى الأصل (ترك) أى ترك موضع لم يعد. والمذكور هنا اذا لم يعد (طه) عشرون ، وقد ذكر أن العدد إحدى وعشرون ، وكأن هذا من الناسخ لما لاحظ نقص موضع وقد سبق مثل هذا فى الكهف ، وفيه : «ذريته».

(٦) الآية ٣٣.

(٧) الآية ٣٤.

(٨) الآية ٢٩.

(٩) الآية ٤٠.

(١٠) الآية ٤١.

(١١) الآية ٤٠.

(١٢) الآية ٤٠.

(١٣) الآية ٤٧.

(١٤) الآية ٧٧.

(١٥) الآية ٨٦.

(١٦) الآية ٨٨.

(١٧) الآية ٨٦.

٣١٠

حَسَناً) (إِلَيْهِمْ (١) قَوْلاً) (السَّامِرِيُّ) (٢) فنسى ، (٣) صفصفا (٤) (مِنِّي (٥) هُدىً) (زَهْرَةَ(٦) الْحَياةِ الدُّنْيا).

فواصل آياتها (يَوْما ً) وعلى الميم (ما غَشِيَهُمْ) وعلى الواو (ضَلُّوا).

وللسّورة اسمان : طه لافتتاح السّورة ، وسورة موسى ؛ لاشتمالها على قصّته مفصّلة.

مقصود السّورة ومعظم ما اشتملت عليه : تيسير الأمر على الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر الاستواء ، وعلم الله تعالى بالقريب والبعيد ، وذكر حضور موسى عليه‌السلام بالوادى المقدّس ، وإظهار عجائب عصاه واليد البيضاء ، وسؤال شرح الصدر وتيسير الأمر ، وإلقاء التابوت فى البحر ، وإثبات محبّة موسى فى القلوب ، واصطفاء الله تعالى موسى ، واختصاصه بالرّسالة إلى فرعون ، وما جرى بينهما من المكالمة ، والموعد يوم الزّينة ، وحيل فرعون وسحرته بالحبال والعصىّ ، (وإيمان السحرة) (٧) وتعذيب فرعون بهم (٨) ، والمنّة على بنى إسرائيل بنجاتهم من الغرق ، وتعجيل موسى ، والمجىء إلى الطّور ، ومكر السّامرىّ فى صنعة العجل ، وإضلال القوم ، وتعيير موسى على (٩) هارون بسبب ضلالتهم ، وحديث القيامة ، وحال

__________________

(١) الآية ٨٩.

(٢) الآية ٨٧.

(٣) الآية ٨٨.

(٤) الآية ١٠٦.

(٥) الآية ١٢٣.

(٦) الآية ١٣١.

(٧) فى أ ، ب : «أثمار الشجرة» وهو تحريف عما أثبت.

(٨) كذا فى أ ، ب. والمناسب : لهم.

(٩) كأنه ضمن التعبير معنى اللوم فعداه بعلى.

٣١١

الكفّار فى عقوبتهم ، ونسف الجبال ، وانقياد المتكبّرين فى ربقة طاعة الله الحىّ القيّوم ، وآداب قراءة القرآن ، وسؤال زيادة العلم والبيان ، وتعيير آدم بسبب النسيان ، وتنبيهه على الوسوسة ومكر الشّيطان ، وبيان (١) عقوبة نسيان القرآن ، ونهى النبىّ عن النّظر إلى أحوال الكفّار ، وأهل الطغيان ، والالتفات إلى ما خوّلوا : من الأموال ، والولدان ، وإلزام الحجّة على المنكرين بإرسال الرّسل بالبرهان ، وتنبيهه الكفّار على انتظار أمر الله فى قوله (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ) إلى آخر السّورة

الناسخ والمنسوخ :

المنسوخ فيها ثلاث آيات م (وَلا تَعْجَلْ (٢) بِالْقُرْآنِ) ن (سَنُقْرِئُكَ (٣) فَلا تَنْسى) م (فَاصْبِرْ عَلى (٤) ما يَقُولُونَ) ن آية (٥) السّيف م (قُلْ (٦) كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ) ن آية السّيف.

المتشابهات :

قوله : (وَهَلْ أَتاكَ (٧) حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) ، وفى

__________________

(١) هذا اشارة الى قوله تعالى فى الآية ١٢٦ (قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) وقد جرى على حمل الآيات على آيات القرآن ، وهو قد قيل به فى الآية ، وقد قالوا أن نسيان آيات القرآن عدم العمل بها ، وظاهر كلامه حمله على تفلت القرآن من الذكر وعدم حفظه ، وقد يدخل فى عدم العمل به.

(٢) الآية ١١٤.

(٣) الآية ٦ سورة الأعلى. وكون هذه الآية ناسخة لآية طه غير ظاهر فانها مؤكدة لها غير متدافعة معها.

(٤) الآية ١٣٠.

(٥) الآية ٥ سورة التوبة.

(٦) الآية ١٣٥.

(٧) الآيتان ٩ ، ١٠.

٣١٢

النّمل : (إِذْ قالَ (١) مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) وفى القصص (فَلَمَّا (٢) قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) هذه الآيات تشتمل على ذكر رؤية موسى النّار ، وأمره أهله بالمكث ، وإخباره إيّاهم أنه آنس نارا ، وإطماعهم أن يأتيهم بنار يصطلون بها ، أو (٣) خبر يهتدون به إلى الطريق التى ضلّوا عنها ، لكنّه نقص (٤) فى النّمل ذكر رؤية النّار ، وأمره بالمكث ؛ اكتفاء بما تقدّم. وزاد فى القصص قضاء موسى الأجل المضروب ، وسيره بأهله إلى مصر ؛ لأنّ الشّىء قد يجمل ثمّ يفصّل ، وقد يفصّل ثم يجمل. وفى طه فصّل ، وأجمل فى النّمل ، ثم فصّل فى القصص ، وبالغ فيه.

وقوله فى طه : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) أى من يخبرنى بالطّريق فيهدينى إليها. وإنّما أخّر ذكر الخبر فيها (وقدمه فيهما) (٥) مراعاة لفواصل الآى فى السّور جميعا. وكرّر (لَعَلِّي) فى القصص لفظا ، وفيهما معنى ؛ لأن (أو) فى قوله (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) نائب عن (لَعَلِّي) و (سَآتِيكُمْ) يتضمّن معنى (لعلى) وفى القصص (أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ) وفى النّمل (بِشِهابٍ قَبَسٍ) وفى طه (بِقَبَسٍ) ؛ لأن الجذوة من النّار [خشبة](٦) فى رأسها قبس له شهاب ، فهى فى السور الثلاث عبارة عن معنى (٧) واحد.

__________________

(١) الآية ٧.

(٢) الآية ٢٩.

(٣) أ ، ب : «و» وما أثبت عن الكرمانى.

(٤) ليس كذلك بل فيه ذكر رؤية النار.

(٥) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٦) زيادة من الكرمانى.

(٧) فى الكرمانى : «معبر» وكأنه يريد (معبر به) أى لفظ يعبر به.

٣١٣

قوله : (فَلَمَّا أَتاها) هنا ، وفى النّمل : (فَلَمَّا جاءَها) ، وفى القصص (أَتاها) لأنّ أتى وجاء بمعنى واحد ، لكن لكثرة دور الإتيان هنا نحو (فَأْتِياهُ) ، (فَلَنَأْتِيَنَّكَ) (ثُمَّ أَتى) (ثُمَّ ائْتُوا) (حَيْثُ أَتى) [جاء (أتاها)](١) ، ولفظ (جاء) فى النّمل أكثر ؛ نحو (فَلَمَّا جاءَها) (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ) (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ) وألحق القصص بطه ، لقرب (٢) ما بينهما.

قوله : (فَرَجَعْناكَ (٣) إِلى أُمِّكَ) وفى القصص (فَرَدَدْناهُ) (٤) لأنّ الرّجع إلى الشىء والرّدّ إليه بمعنى ، والرّدّ عن الشىء يقتضى كراهة المردود ، وكان لفظ الرّجع ألطف ، فخصّ طه به ، وخصّ القصص بقوله : (فَرَدَدْناهُ) ؛ تصديقا لقوله : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ).

قوله : (وَسَلَكَ (٥) لَكُمْ فِيها سُبُلاً) ، وفى الزّخرف : (وَجَعَلَ) (٦) لأنّ لفظ السّلوك مع السّبيل أكثر استعمالا ، فخصّ به طه ، وخصّ الزخرف بجعل ازدواجا للكلام ، وموافقة لما قبلها وما بعدها.

قوله : (إِلى فِرْعَوْنَ) (٧) وفى الشعراء : (أَنِ ائْتِ (٨) الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا) ، وفى القصص : (فَذانِكَ (٩) بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ) ؛ لأنّ طه هى السّابقة ، وفرعون هو الأصل ، والمبعوث إليه ، وقومه تبع له ، وهم كالمذكورين معه ، وفى الشّعراء (قَوْمَ (١٠)) أى قوم فرعون وفرعون ،

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) لقوله هنا (يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) وفى القصص : (يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ) عن شيخ الاسلام على هامش تفسير الخطيب ٢ / ٣٨٢.

(٣) الآية ٤٠.

(٤) الآية ١٣.

(٥) الآية ٥٣.

(٦) الآية ١٠.

(٧) الآية ٢٤ ، ٤٣.

(٨) الآية ١١.

(٩) الآية ٣٢.

(١٠) الآية ١١.

٣١٤

فاكتفى بذكره فى الإضافة عن ذكره مفردا. ومثله (أَغْرَقْنا (١) آلَ فِرْعَوْنَ) أى آل فرعون وفرعون ، وفى القصص (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) فجمع بين الاثنين (٢) ، فصار كذكر الجملة بعد التفصيل.

قوله : (وَاحْلُلْ (٣) عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) صرّح بالعقدة هنا ؛ لأنّها السّابقة ، وفى الشعراء (وَلا يَنْطَلِقُ (٤) لِسانِي) فكنى عن العقدة بما يقرب من الصّريح ، وفى القصص(وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) فكنى عن العقدة كناية مبهمة ؛ لأنّ الأوّل يدلّ على ذلك.

قوله فى الشعراء : (وَلَهُمْ (٥) عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) وليس له فى طه ذكر ؛ لأنّ قوله : (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) مشتمل على ذلك وغيره ؛ لأنّ الله عزوجل إذا يسّر له أمره لم يخف القتل.

قوله : (وَاجْعَلْ (٦) لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي) صرّح بالوزير ؛ لأنّه الأوّل فى الذكر ، وكنى عنه فى الشعراء حيث قال : (فَأَرْسِلْ (٧) إِلى هارُونَ) أى ليأتينى ، فيكون لى وزيرا. وفى القصص : (فَأَرْسِلْهُ (٨) مَعِي رِدْءاً) أى اجعله لى وزيرا ، فكنى عنه بقوله (رِدْءاً) لبيان الأوّل.

قوله : (فَقُولا (٩) إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) وبعده (١٠) (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) ؛

__________________

(١) الآية ٥٠ سورة البقرة ، والآية ٥٤ سورة الأنفال.

(٢) فى الكرمانى : «الآيتين» يريد ما فى آية طه (إِلى فِرْعَوْنَ) * وما فى الشعراء (قَوْمَ فِرْعَوْنَ)

(٣) الآية ٢٧.

(٤) الآية ١٣.

(٥) الآية ١٤. هذا وفى القصص معنى ما فى الشعراء فى قوله فى الآية ٣٣ : (قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ).

(٦) الآيتان ٢٩ ، ٣٠.

(٧) الآية ١٣.

(٨) الآية ٣٤.

(٩) الآية ٤٧.

(١٠) يريد فى السورة التى تتأخر فى ترتيب المصحف عن سورة طه. ويعنى سورة الشعراء. والعبارة فيها فى الآية ١٦.

٣١٥

لأنّ الرّسول مصدر سمّى به ، فحيث وحّده حمل على المصدر ، وحيث ثنى حمل على الاسم. ويجوز أن يقال : حيث وحّد حمل على الرّسالة ؛ لأنّهما أرسلا لشىء (١) واحد ، وحيث ثنى حمل على الشّخصين. وأكثر ما فيه من المتشابه سبق.

قوله : (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) بالفاء من غير (من) ، وفى السّجدة بالواو (٣) ، وبعده (من) ؛ لأنّ الفاء للتعقيب والاتصال بالأوّل ، فطال الكلام ، فحسن حذف (من) ، والواو يدلّ على الاستئناف وإتيان (٤) (من) غير مستثقل (٥) وقد سبق الفرق بين إثباته (٦) وحذفه.

فضل السّورة

روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : لا يقرأ أهل الجنّة من القرآن إلّا طه ويس. وقال : من (٧) قرأ سورة طه أعطى يوم القيامة ثواب المهاجرين. وفى حديث علىّ : يا على من قرأ سورة طه أعطاه الله من الثواب مثل ثواب موسى وهارون ، وله بكلّ آية قرأها فرحة يوم يخرج من قبره.

__________________

(١) كذا والأولى : «بشيء».

(٢) الآية ١٢٨.

(٣) الآية ٢٦.

(٤) كذا فى أ ، ب. والأولى : «اثبات» كما يأتى فى مقابل الحذف.

(٥) أ ، ب : «مستعمل» وما أثبت عن الكرمانى.

(٦) ب : «أتيانه».

(٧) قال الشهاب فى كتابته على البيضاوى ٦ / ٢٣٧ : «هو حديث موضوع من حديث أبى ابن كعب المشهور».

٣١٦

٢١ ـ بصيرة فى

اقترب للناس حسابهم ..

السّورة مكّيّة بالاتّفاق. وآياتها مائة واثنتا عشرة عند الكوفيّين ، وإحدى عشرة عند الباقين. وكلماتها ألف ومائة وثمانية (١) وستون. وحروفها أربعة آلاف وثمانمائة وسبعون ، المختلف فيها آية واحدة : (وَلا يَضُرُّكُمْ) (٢)

مجموع فواصل آياتها (م ن) وسمّيت سورة الأنبياء لاشتمالها على قصصهم على إبراهيم ، واسحاق ، ويعقوب ، ولوط ، ونوح ، وسليمان ، وداود وأيوب ، وإسماعيل ، وصالح ، ويونس ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى.

مقصود السّورة : ما اشتملت عليه مجملا : من التنبيه على الحساب فى القيامة ، وقرب (٣) زمانها ، ووصف الكفّار بالغفلة ، وإثبات النبوّة ، واستيلاء أهل الحقّ على أهل الضّلالة ، وحجّة الوحدانيّة ، والإخبار عن الملائكة وطاعتهم ، وتخليق الله السّماوات والأرض بكمال قدرته ، وسير الكواكب ودور الفلك ، والإخبار عن موت الخلائق وفنائهم ، وكلاء (٤) الله تعالى وحفظه العبد من الآفات ، وذكر ميزان العدل فى القيامة ، وذكر إبراهيم بالرّشد والهداية ، وإنكاره على الأصنام وعبّادها ، وسلامة إبراهيم من

__________________

(١) كذا ، والأولى : «ثمان».

(٢) الآية ٦٦.

(٣) أ ، ب : «قرن» ويبدو أنه تحريف عما أثبت.

(٤) أ ، ب : «كلام» وهو محرف عما أثبت وكلاء الله : حراسته ، وهو اشارة الى قوله تعالى فى الآية ٤٢ : (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ).

٣١٧

نار نمرود وإيقادها ، ونجاة لوط من قومه أولى العدوان ، ونجاة نوح ومتابعته (١) من الطوفان ، وحكم داود ، وفهم سليمان ، وذكر تسخير الشيطان ، وتضرّع أيّوب ، ودعاء يونس ، وسؤال زكريّا ، وصلاح مريم ، وهلاك قرى أفرطوا فى الطغيان ، وفتح سدّ يأجوج ومأجوج فى آخر الزّمان وذلّ الكفّار والأوثان ، فى دخول النيران ، وعزّ أهل الطّاعة والإيمان ، من الأزل إلى الأبد فى جميع الأزمان ، على علالىّ الجنان ، وطىّ السّماوات فى ساعة القيامة ، وذكر الأمم الماضية ، والمنزلة (٢) من الكتب فى سالف الأزمان ، وإرسال المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالرأفة والرّحمة والإحسان ، وتبليغ الرّسالة على حكم السّويّة من غير نقصان ورجحان ، وطلب حكم الله تعالى على وفق الحقّ ، والحكمة فى قوله (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ)

الناسخ والمنسوخ :

فى هذه السّورة آيتان (٣) م (إِنَّكُمْ (٤) وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) إلى تمام الآيتين ن (إِنَ (٥) الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى).

المتشابهات :

قوله : (ما يَأْتِيهِمْ (٦) مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) وفى الشعراء (مِنْ (٧)

__________________

(١) كذا فى أب أى الفرقة المتابعة له. وقد يكون محرفا عن (متابعيه).

(٢) كذا. والأولى : «المنزل».

(٣) أ : «اثنان».

(٤) الآية ٩٨.

(٥) الآية ١٠٠ والحق أن هذا ليس من باب النسخ بناء على أن النسخ لا يكون فى الأخبار. والقائل بالنسخ ليخرج الملائكة وعيسى عليهم‌السلام من الآية الأولى ، وقد قيل ان هؤلاء غير داخلين فيها لمكان (ما) التى هى لغير العاقل ، وقيل : الآية الثانية بيان بالتخصيص للأولى. وانظر البيضاوى.

(٦) الآية ٢.

(٧) الآية ٥.

٣١٨

ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) خصّت هذه السّورة بقوله (مِنْ رَبِّهِمْ) بالإضافة ؛ لأن (الرحمن) لم يأت مضافا ، ولموافقة ما بعده ، وهو قوله : (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ) وخصّت الشعراء بقوله (مِنَ الرَّحْمنِ) ليكون كلّ سورة مخصوصة بوصف من أوصافه ، وليس فى أوصاف الله تعالى اسم أشبه باسم الله من الرحمن ؛ لأنّهما اسمان ممنوعان أن يسمّى بهما غير الله عزوجل ، ولموافقة ما بعده ، وهو قوله : (الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) ؛ لأنّ الرّحمن والرّحيم من مصدر واحد.

قوله : (وَما (١) أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) وبعده (وَما (٢) أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) ، (قَبْلَكَ) و (مِنْ قَبْلِكَ) كلاهما لاستيعاب الزمان المتقدّم ، إلا أنّ (من) إذا دخل دلّ على الحصر بين الحدّين ، وضبطه (٣) بذكر الطّرفين. ولم يأت (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) إلّا هذه ـ وخصّت بالحذف ؛ لأنّ قبلها (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) فبناه عليه لأنه هو ؛ وآخر (٤) فى الفرقان (وَما أَرْسَلْنا (٥) قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ) وزاد فى الثانى (مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) على الأصل للحصر.

قوله : (كُلُّ نَفْسٍ (٦) ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) وفى العنكبوت : (ثُمَ (٧) إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) ؛ لأن ثمّ للتراخى ، والرّجوع هو الرّجوع إلى الجنّة أو النّار ، وذلك فى القيامة ، فخصّت سورة

__________________

(١) الآية ٧.

(٢) الآية ٢٥.

(٣) ب : «ضبط».

(٤) عطف على (هذه). أى موضعا آخر.

(٥) الآية ٢٠.

(٦) الآية ٣٥.

(٧) الآية ٥٧.

٣١٩

العنكبوت به. وخصّت هذه السّورة بالواو لمّا حيل بين الكلامين بقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا) وإنّما ذكرا (١) لتقدّم ذكرهما ، فقام مقام التراخى ، وناب الواو منابه. والله أعلم.

قوله : (وَإِذا رَآكَ (٢) الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) وفى الفرقان (وَإِذا رَأَوْكَ (٣) إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) لأنّه ليس فى الآية التى تقدّمتها ذكر الكفّار ؛ فصرّح باسمهم ، وفى الفرقان قد سبق ذكر الكفّار ، فخصّ الإظهار بهذه السّورة ، والكناية بتلك.

قوله : (ما هذِهِ (٤) التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ قالُوا وَجَدْنا) وفى الشعراء (قالُوا (٥) بَلْ وَجَدْنا) ؛ لأنّ قوله : (وَجَدْنا آباءَنا) جواب لقوله : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ) وفى الشعراء أجابوا عن قوله (ما تَعْبُدُونَ) بقولهم (قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً) ثمّ قال لهم (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) فأتى بصورة الاستفهام ومعناه النفى (قالُوا بَلْ وَجَدْنا) (أى (٦) قالوا لا بل وجدنا) عليه آباءنا ، لأن السّؤال فى الآية يقتضى فى جوابهم أن ينفوا ما نفاه السّائل ، فأضربوا عنه إضراب من ينفى الأوّل ، ويثبت الثانى ، فقالوا : بل وجدنا. فخصت السّورة به.

قوله : (وَأَرادُوا (٧) بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) ، وفى الصّافّات (الْأَسْفَلِينَ) ؛ (٨) لأنّ فى هذه السورة كادهم إبراهيم ؛ لقوله : (لَأَكِيدَنَ

__________________

(١) يريد الخير والشر. ولم يتقدم ذكرهما كما قال ، الا أن يريد التقدم بمعناهما لا بلفظهما.

(٢) الآية ٣٦.

(٣) الآية ٤١.

(٤) الآيتان ٥٢ ، ٥٣.

(٥) الآية ٧٤.

(٦) سقط ما بين القوسين فى أ.

(٧) الآية ٧٠.

(٨) الآية ٩٨.

٣٢٠